تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج

اشارة

سرشناسه : فاضل لنکرانی، محمد، 1310 - 1386.

عنوان قراردادی : تحریر الوسیله .شرح

عنوان و نام پديدآور : تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله [امام خمینی]/ محمد الفاضل اللنکرانی.

مشخصات نشر : قم: حوزه العلمیه قم، مکتب الاعلام الاسلامی، مرکز النشر، 14ق.= 13 -

مشخصات ظاهری : ج.

شابک : 6500 ریال (ج.3) ؛ 10000 ریال (ج.5)

يادداشت : فهرستنویسی براساس جلد سوم، 1415ق. = 1373.

يادداشت : چاپ قبلی: جامعه مدرسین قم، موسسه النشر الاسلامی، 1409ق. = -1368.

يادداشت : چاپ اول: 1374.

يادداشت : ج.5 (چاپ اول: 1418ق.=1376).

مندرجات : .- ج. 3 و 5. کتاب الحج

موضوع : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368 . تحریر الوسیله.شرح

شناسه افزوده : حوزه علمیه قم. دفتر تبلیغات اسلامی. مرکز انتشارات

رده بندی کنگره : BP183/9/خ8ت30217 1300ی

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 74-6482

الجزء الأول

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه رب العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه و أشرف بريته محمد و على آله الطيبين الطاهرين و اللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

[ (كتاب الحج)]

اشارة

(كتاب الحج)

[و هو من أركان الدين]

اشارة

و هو من أركان الدين و تركه من الكبائر و هو واجب على كل من استجمع الشرائط الآتية. (1)

______________________________

(1) و قبل الخوض في تعريف الحج- لغة و اصطلاحا- ينبغي التعرض لاهمية الحج الذي هي من العبادات المفروضة في عداد سائر العبادات من الصلاة و الزكاة و الصوم فنقول قد وصفه صاحب الجواهر- قده- بأنه أعظم شعائر الإسلام و أفضل ما يتقرب به الأنام إلى الملك العلام لما فيه من إذلال النفس و إتعاب البدن و هجران الأهل و التغرب عن الوطن، و رفض العادات و ترك اللذات و الشهوات و المنافرات و المكروهات، و إنفاق المال و شد الرحال، و تحمل مشاق الحل و الارتحال، و مقاساة الأهوال، و الابتلاء بمعاشرة السفلة و الأنذال، فهو حينئذ رياضة نفسانية و طاعة مالية، و عبادة بدنية، قولية و فعلية، وجودية و عدمية و هذا الجمع من خواص الحج من العبادات التي ليس فيها اجمع من الصلاة، و هي لم تجتمع فيها ما اجتمع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 4

..........

______________________________

في الحج من فنون الطاعات، و في الحديث انه أفضل من الصيام و الجهاد و الرباط بل من كل شي ء إلّا الصلاة بل في الحديث انه أفضل من الصلاة و الصيام لأن المصلي يشتغل عن أهله ساعة، و ان الصائم يشتغل عن اهله بياض يوم، و ان الحاج ليشخص بدنه و يضحى نفسه و ينفق ماله و يطيل الغيبة عن اهله لا في مال يرجوه و لا في تجارة و قد تطابق العقل و النقل على ان أفضل الأعمال أحمزها و ان الأجر على قدر المشقة و يدل على أهمية الحج

و أفضليته من الصلاة- مضافا الى اشتمال الحج عليها و عدم اشتمالها عليه- ان الصلاة عبارة عن إحرام صغير يتحقق الشروع فيه بتكبيرة الإحرام المسماة بها لأجله و الفراغ عنه بالتسليم و لا ينافي ذلك ما ورد في الصلاة من انها عمود الدين ان قبلت قبل ما سواها و ان ردت رد ما سواها لعدم دلالته على الحصر فتدبر.

و عمدة ما يختص الحج به مما لا يوجد في غيره أصلا هو الجهة الاجتماعية السياسية المتحققة فيه فإنه يتضمن اجتماع المسلمين من جميع أقطار العالم على اختلاف ألسنتهم و ألوانهم و عاداتهم و رسومهم و اختلاف مذاهبهم و هذا الاجتماع العظيم الذي ليس في الإسلام مثله ممهد لحصول الوحدة و الاتحاد بين المسلمين و تحقق القدرة الكاملة التي لا يعاد لها أية قدرة في العالم و هذا يتوقف على الارتباط و معاشرة المسلمين بعضهم مع بعض و البحث عماهم عليه من النقائص و المشكلات و عن طريق رفعها و حلها و عمدة المشاكل التي اقترنت بهم و قلدتهم هي مشكلة الحكومات التي يدعون بالظاهر الإسلام و يتظاهرون به و في الباطن ليس فيهم من الإسلام عين و لا اثر و قد استظهروا بالحكومات القوية المستعمرة المسيطرة على العالم و يطيعونها بكل طاعة بل يعبدونها كعبد ذليل و لا يتخلفون عن أوامرهم و نواهيهم بوجه أصلا.

و قد صار هذا الاستعمار الوسيع سببا للمنع عن اجتماع المسلمين و إظهار اتحادهم و حصول تجمعهم في المعابر و الأمكنة و في هذا الزمان الذي اكتب هذه السطور لم يمض من حادثة مكة المكرمة- التي قد قتل فيها قرب مسجد الحرام أزيد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1،

ص: 5

..........

______________________________

من أربعمائة من الحجاج من الرجال و النساء بيد الحاكم الكافر المستولي على الحرمين إطاعة لأمر مولاه و خوفا من حصول الاتحاد و الارتباط بين المسلمين الذي هو لا يلائم مع حكومته و لا يجتمع معها ضرورة عدم تحمل المسلمين لمثل هذه الحكومة و إذا حصل لهم القدرة يخرجون من سلطته و جوره- إلا أقل من سنتين.

و كيف كان فهذه الجهة في الحج جهة مهمة لا توجد في غيره لاقتضائها حصول القدرة الكاملة للإسلام و تحقق الوحدة و الاتحاد بين المسلمين.

و بعد ذلك يقع الكلام في معنى الحج لغة و اصطلاحا فنقول:

اما الأول فقد قال في لسان العرب: «الحج القصد، حج إلينا فلان اى قدم، و قد حج بنو فلان فلانا إذا أطالوا الاختلاف اليه، قال المخبل السعدي:

اى يزورونه و يقصدونه، قال ابن السكيت يقول يكثرون الاختلاف اليه، هذا الأصل ثم تعورف استعماله في القصد إلى مكة للنسك و الحج الى البيت خاصة، و الحج بالكسر الاسم و الحجة- أي بالكسر- المرة الواحدة و هو من الشواذ لان القياس بالفتح، قال الأزهري و الحج و الحج قضاء نسك سنة واحدة و بعض يكسر الحاء فيقول الحج، و قال الفراء و الحج و الحج ليس عند الكسائي بينهما فرق».

و قال الخليل في العين: «و حج علينا فلان اى قدم، و الحج كثرة القصد الى من يعظم- اى يراد تعظيمه-».

و في أقرب الموارد: «حج فلانا حجا قصده، و بنو فلان فلانا إذا أطالوا الاختلاف اليه».

و في القاموس: «الحج القصد و القدوم و كثرة الاختلاف و التردد و قصد مكة للنسك».

و في المجمع: «الحج القصد و السعي اليه ..».

و يستفاد من «تاج العروس» انه قد يأتي

بمعنى الكف يقال حجج عن الشي ء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 6

..........

______________________________

و حج كف عنه و قد يأتي بمعنى الغلبة بالحجة يقال حجه يحجه حجا إذا غلبه على حجته و في الحديث فحج أدم موسى اى غلبه بالحجة و قد يأتي ببعض المعاني الأخر.

و يستفاد من هذه العبارات ان الحج إذا استعمل وحده يكون بمعنى القصد أو القصد الى من يعظم و ليس المراد من القصد مجرد النية و الإرادة بل القصد الذي يتعقبه السعي و الحركة للإيجاد و لذا عطف السعي على القصد في عبارة المجمع و كذا عطف «يقصدونه» على «يزورونه» فيما حكى عن المخبل و إذا استعمل مع على أو الى يكون بمعنى القدوم و إذا استعمل مع عن يكون بمعنى الكف و الاعراض.

كما ان الظاهر انه لا فرق بين الحج- بالفتح- و الحج- بالكسر و انهما بمعنى واحد و يؤيده اضافة الحج- بالكسر- الى البيت في آية الحج في القراءة المعروفة لعدم ملاءمة اسم المصدر مع الإضافة الى البيت كما لا يخفى.

و اما الثاني فقد قال الشيخ في المبسوط: «الحج لغة القصد و في الشريعة كذلك الا انه اختص بقصد البيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة عنده متعلقة بزمان مخصوص».

و أورد عليه المحقق بأنه يخرج عنه الوقوف بعرفة و المشعر لأنهما ليسا عند البيت الحرام مع كونهما ركنين من الحج إجماعا كما انه قد أورد عليه بان مقتضاه حصول الحج بالقصد و لو لم يتحقق منه شي ء من المناسك و لكن لا مجال لهذا الإيراد بعد ما ذكرنا من معنى القصد في الكلمات المتقدمة كما لا يخفى.

و قال المحقق في الشرائع و المختصر: «انه اسم لمجموع

المناسك المؤداة في المشاعر المخصوصة» و أورد عليه في التنقيح بأنه ان كان المراد من المناسك هي المناسك الصحيحة يكون قيد «المؤداة ..» لغوا و ان كان المراد أعم يلزم ان يكون الحج الفاسد داخلا في التعريف و بأنه يشمل العمرة أيضا و بان الآتي بالبعض التارك للبعض الذي لا مدخل له في البطلان يصدق عليه اسم الحاج مع عدم شمول

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 7

..........

______________________________

التعريف له.

كما انه أورد الشهيد في الدروس على هذا التعريف بأنه يلزم عليه النقل و يلزم على تعريف الشيخ التخصيص و هو خير من النقل و الظاهر ان هذا الإيراد عجيب لان النقل يتحقق على كلا التعريفين لانه لا فرق في تحققه بين ان يكون المنقول اليه مغايرا للمنقول عنه بالكلية أو يكون مغايرا بالعموم و الخصوص على ان تعريف الشيخ ينطبق على تعريف بعض أهل اللغة فقد عرفت في كلام لسان العرب و في كلام القاموس تعريفه بأنه قصد مكة للنسك و الظاهر انه تعريف لغوي و الا لا مجال لذكره في اللغة فتدبر و الذي يسهل الخطب ما افاده صاحب الجواهر من ان الغرض من أمثال هذه التعاريف هو الكشف في الجملة فهي أشبه شي ء بالتعاريف اللغوية و الأمر فيها سهل و بعد ذلك يقع الكلام في الأمور الثلاثة المذكورة في المتن فنقول أحدها: الوجوب و هو ثابت بالكتاب و السنة و الإجماع من المسلمين بل بضرورة من الدين و قد وقع التعبير عن وجوبه في الكتاب بما لم يقع عن غيره فان الواجبات و الفرائض قد عبر عن وجوبها و الإلزام المتعلق بها اما بمثل صيغة افعل مثل الصلاة و

الزكاة و اما بمثل كتب عليكم كما في الصوم و نحوه فان هذا التعبير أيضا ظاهر في الوجوب و قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصٰاصُ ناظر الى القاتل فإنه يجب عليه قبول القصاص إذا اختار ولى الدم ذلك و اما بالإضافة إلى ولي الدم فالتعبير بقوله تعالى وَ لَكُمْ فِي الْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ يٰا أُولِي الْأَلْبٰابِ.

و كيف كان فالتعبير الوارد في الحج المختص به هو التعبير الوارد في الدين و ثبوت الحق و هو قوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ «1» و الظاهر انه إنشاء للوجوب بهذه الكيفية و بهذه الصورة لا اخبار كما ربما يحتمل.

______________________________

(1) سورة آل عمران آية 97.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 8

..........

______________________________

و اما قوله تعالى في الذيل «وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ» فيحتمل فيه وجوه:

الأول: ان يكون المراد هو الكفر المتحقق بالترك و المسبب عنه و هو الذي يظهر من بعض الروايات الآتية و اختاره صاحب الجواهر- قده- و عليه فهل المراد هو تحقق الكفر بالترك حقيقة أو ان المراد أهمية شأن الترك بحيث يمكن ان يطلق عليه الكفر و لو بالعناية و المسامحة و قد ذكرنا في أول بحث الصلاة من هذا الكتاب انه يستفاد من القرآن ان ترك الصلاة موجب للكفر الذي يتعقبه وجوب القتل و هو قوله تعالى «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تٰابُوا وَ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ». «1» نظرا الى ان مقتضى إطلاق الصدر وجوب

قتلهم في جميع الحالات و مع كل الخصوصيات و قد خرج منه في الذيل صورة واحدة فالصور الباقية داخلة تحت إطلاق الصدر فالاية تدل بإطلاقها على وجوب قتل المشركين في غير تلك الصورة و من مصاديقه التوبة و الخروج عن الشرك و عدم إقامة الصلاة كما لا يخفى الثاني: ان يكون المراد هو الكفر المسبب عن إنكار وجوب الحج و كونه فرضا و قد حكاه في مجمع البيان عن ابن عباس و الحسن.

الثالث: ان يكون المراد بالكفر هو الكفران في مقابل الشكر لا الكفر المقابل للإسلام و الايمان نظير قوله تعالى إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ السَّبِيلَ إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً. «2»

نظرا الى ان التكاليف الإلهية المتوجهة إلى العباد كلها نعم أنعمها اللّٰه على العباد و تفضلها عليهم لان المصالح و المفاسد كلها راجعة إلى العباد و لا حقة بهم و عليه فكل تكليف نعمة كما ان أصل الهداية المذكور في الآية لطف و نعمة، و شكر كل تكليف هو العمل على طبقه و الإتيان بمتعلقه كما ان كفرانه هو المخالفة و الترك و عليه فيحتمل

______________________________

(1) سورة التوبة آية 5

(2) سورة الإنسان آية 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 9

..........

______________________________

في آية الحج ان يكون المراد بالكفر فيها هو الكفران الحاصل بالترك و يظهر هذا الاحتمال من مجمع البيان أيضا.

الرابع: ما افاده بعض الاعلام في شرح العروة- على ما في تقريرات بحثه- مما هذا لفظه: «ان الظاهر من قوله تعالى وَ مَنْ كَفَرَ ان من كفر بأسبابه و كان كفره منشأ لترك الحج فان اللّٰه غنى عن العالمين لا ان إنكار الحج يوجب الكفر فإن الذي يكفر يترك الحج طبعا لانه لا

يعتقد به و نظير ذلك قوله تعالى «مٰا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قٰالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَ كُنّٰا نَخُوضُ مَعَ الْخٰائِضِينَ وَ كُنّٰا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ» «1» فان عدم صلوتهم و عدم إتيانهم الزكاة لأجل كفرهم و تكذيبهم يوم القيامة و لا تدل الآيات على ان ترك الصلاة موجب للكفر بل الكفر و تكذيب يوم القيامة منشأ لترك الصلاة و عدم أداء الزكاة فلا تدل الآية على ان منكر الحج كافر».

و يرد عليه ان تفسير الكفر بالكفر المتحقق بأسبابه و جعله مقدما للجزاء الذي قام مقامه قوله فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ يوجب عدم الارتباط بمسألة الحج و وجوبه أصلا مع ان ظهور الآية في الارتباط مما لا مجال لإنكاره فلا محيص من جعل الكفر بأيّ معنى كان مرتبطا بالحج- تركا أو إنكارا- فإذا حمل على الكفر الاصطلاحي فلا بد من ان يكون سببه اما الترك و اما الإنكار.

و اما التنظير بقوله تعالى مٰا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ الى أخر الآية فعجيب فان هذه الآية لا تكون في مقام بيان الكفر و تطبيق عنوان الكافر بل في مقام السبب الموجب للسلوك في النار و هما أمران أحدهما التكذيب بيوم الدين الذي يكون موجبا للكفر و الثاني ترك الصلاة و الزكاة و قد ثبت في محله ان الكفار مكلفون و معاقبون على الفروع كالأصول و هذه قاعدة فقهية مذكورة في محلها و من جملة أدلتها هذه الآية فلا ارتباط لها بالمقام الذي لا بد- كما عرفت- من الارتباط بين صدر الآية و ذيلها

______________________________

(1) سورة المدثر آية 42- 46

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 10

..........

______________________________

و تحقق المناسبة

بين الكفر و الحج كما لا يخفى فهذا الاحتمال في كمال الضعف ثم ان هذه الاحتمالات مع قطع النظر عن الروايات الواردة في تفسير الآية و اما مع ملاحظتها فنقول:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: قال اللّٰه:

وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال هذه لمن كان عنده مال (الى ان قال) و عن قول اللّٰه عز و جل وَ مَنْ كَفَرَ يعنى من ترك. «1» و قد وقع فيها تفسير الكفر بالترك يعنى ان المراد من الكفر هو الترك و حيث انه لا محيص عن وجود المناسبة بين الأمرين و الا لا ارتباط بينهما بوجه لا بد اما من القول بأن المناسبة هي السببية و المسببية بمعنى ان ترك الحج سبب للكفر و قد استعمل اللفظ الموضوع للمسبب في السبب و عليه فيكون المراد بالكفر هو الكفر الاصطلاحي المقابل للإيمان و اما من القول بان المراد بالكفر هو الكفر بالمعنى اللغوي الذي هو عبارة عن الستر و الإخفاء و قد وقع الاستعمال بهذا المعنى في الكتاب في مثل قوله تعالى «أَعْجَبَ الْكُفّٰارَ نَبٰاتُهُ» فان المراد بالكفار هو الزراع لأجل أنهم يسترون الحبة في بطن الأرض و يخفونها فيها و في المقام يكون ترك الحج و عدم الإتيان به سترا له و إخفاء كما لا يخفى.

و منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن حماد بن عمرو و انس بن محمد عن أبيه جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه- ع- في وصية النبي- ص- لعليّ- ع- قال يا على كفر باللّه العظيم من هذه الأمة عشرة: القتات و الساحر و الديوث و ناكح المرأة حراما في دبرها،

و ناكح البهيمة، و من نكح ذات محرم، و الساعي في الفتنة، و بايع السلاح من أهل الحرب، و مانع الزكاة، و من وجد سعة فمات و لم يحج يا علىّ تارك الحج و هو مستطيع كافر يقول اللّٰه تبارك و تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ يا على من سوف الحج حتى يموت بعثه اللّٰه

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 11

..........

______________________________

يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا. «1» و ظاهرها ان مجرد الترك في تمام العمر يوجب تحقق الكفر و لا محالة يكون حين الموت كافرا و لكن حيث لا تكون الطوائف التسعة الأخرى محكومة بالكفر الاصطلاحي الموجب لترتب آثار الكفر من النجاسة و غيرها فلا محالة لا يكون المراد من الكفر المسبب عن ترك الحج أيضا ذلك و يؤيده انه على هذا التقدير كان اللازم ان يقال مات يهوديا أو نصرانيا لا انه يبعثه اللّٰه يوم القيامة كذلك و عليه فهو حين الموت لا يكون كافرا حتى يترتب عليه ما يترتب على الميت الكافر من الاحكام.

و منها: ما رواه الكليني بسندين أحدهما صحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى- عليه السلام- قال ان اللّٰه عز و جل فرض الحج على أهل الجدة في كل عام و ذلك قوله عز و جل وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ قال قلت فمن لم يحج منا فقد كفر؟ قال: لا و لكن من قال ليس هذا

هكذا فقد كفر. «2»

و في معنى ذيل الرواية احتمالان:

أحدهما ان يكون المراد ان من قال ليس الحج هكذا اى بواجب و في الحقيقة أنكر وجوب الحج فقد كفر.

ثانيهما ما افاده بعض الاعلام من ان الظاهر من ذلك رجوعه إلى إنكار القرآن و ان هذه الآية ليست من القرآن و ان القرآن ليس هكذا فإنه- ع- استشهد أولا بقول اللّٰه- عز و جل- وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ثم سئل السائل فمن لم يحج منا فقد كفر قال- ع- لا و لكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر فالإنكار راجع الى إنكار القرآن و تكذيب النبي- ص.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح- 3

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 12

..........

______________________________

و يرد عليه منع ظهور الرواية في ذلك جدا فإنه لم يكن البحث في إنكار القرآن بوجه و الاستشهاد بالاية لا يدل على كون المراد ذلك بل حيث ان الآية كانت ظاهرة في تحقق الكفر بمجرد ترك الحج و كان ذلك موجبا لتعجب السائل سئل عن المراد منها و لا معنى لكون المراد من الكفر هو الكفر بالآية بعد عدم تمامية الآية بعد نعم حيث يكون وجوب الحج مدلولا عليه بصدر الآية و لإدخاله للذيل فيه فلا مانع من فرض الكفر بالوجوب في القضية الشرطية المذكورة في الذيل و اما مع عدم تمامية الآية فلا مجال لفرض الإنكار في نفسها بعد عدم تماميتها كما لا يخفى.

ثم ان مقتضى الجمع بين هذه الصحيحة و الصحيحة الاولى ان يقال بان هذه الصحيحة تصير قرينة على أمرين أحدهما ان المراد

من الكفر المفسر بالترك في الاولى ليس هو الكفر اللغوي الذي كان أحد الاحتمالين فيها و ثانيهما ان المراد من الترك فيها ليس مجرد الترك و مطلقه بل الترك عن إنكار و اعتقاد بعدم الوجوب فيصير معنى الآية بلحاظ الروايات الواردة في تفسيرها هو الكفر المسبب عن الإنكار و ينطبق على تفسير ابن عباس و بعض آخر فتدبر.

الأمر الثاني من الأمور الثلاثة المذكورة في المتن ان مجرد ترك الحج من المعاصي الكبيرة و يدل عليه- مضافا الى ما عرفت من أهمية فريضة الحج و عظم شأنه- انه قد عد في الروايات الواردة في بيان المعاصي الكبيرة و تعدادها الاستخفاف بالحج منها و المراد من الاستخفاف ان كان هو الترك فينطبق على المقام و ان كان هو الإتيان عن استخفاف سواء كان لأجل التأخير عن عام الاستطاعة أو لأجل عدم الاعتناء بشأنه كما هو و ان اتى به في عام الاستطاعة فدلالته على المقام انما هي بالأولوية هذا مضافا الى انطباق الضابطة الكلية في المعصية الكبيرة عليه و هي إيعاد اللّٰه تبارك و تعالى عليها النار أو العذاب صريحا أو ضمنيا أو باللزوم و لذا عد السيد الطباطبائي بحر العلوم ترك الحج منها مستندا الى قوله تعالى وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 13

[مسألة- 1 لا يجب الحج طول العمر في أصل الشرع إلا مرة واحدة]

مسألة- 1 لا يجب الحج طول العمر في أصل الشرع إلا مرة واحدة.

و وجوبه مع تحقق شرائطه فوري بمعنى وجوب المبادرة إليه في العام الأول من الاستطاعة و لا يجوز تأخيره و ان تركه فيه ففي الثاني و هكذا. (1)

______________________________

و لكن بملاحظة ما ذكرنا في تفسير الآية من ان المراد

هو الكفر الناشئ عن الترك عن إنكار و جحود لا يبقى للآية دلالة على حكم التارك المحض الخالي عن الإنكار و الأمر سهل.

الأمر الثالث كونه من أركان الدين و يدل عليه- مضافا الى ما عرفت- الروايات التي رواها الفريقان العامة و الخاصة الدالة على انه بنى الإسلام على خمس على الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و الولاية. «1» فإنه قد جعل مما بنى عليه الإسلام و لعله لذا يطلق عليه حجة الإسلام و لا يضاف غيره اليه و لعل هذا الإطلاق يؤيد ما تقدم من أهمية الحج و أفضليته حتى عن الصلاة التي هي عمود الدين و على اى فكونه من أركان الدين مما لا مجال للمناقشة فيه أصلا.

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لأمرين:

أحدهما عدم وجوب الحج طول العمر بأصل الشرع إلا مرة واحدة و التقييد بأصل الشرع في مقابل الحج الواجب بالنذر و الاستيجار و غيرهما و المخالف في المسألة الصدوق فإنه بعد نقل رواية محمد بن سنان الآتية الدالة على وجوب الحج واحدا قال في محكي العلل: «جاء هذا الحديث هكذا و الذي اعتمده و افتى به ان الحج على أهل الجدة في كل عام فريضة» ثم استدل بالأحاديث الدالة عليه.

و قد استدل للمشهور بأمور:

أحدها: الإجماع قال في الجواهر عقيب حكم المتن بعدم الوجوب إلا مرة واحدة: «إجماعا بقسميه من المسلمين فضلا عن المؤمنين» و حكى الإجماع عن المنتهى أيضا.

______________________________

(1) ئل أبواب مقدمة العبادات الباب الأول

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 14

..........

______________________________

و الظاهر ان الإجماع في مثل المقام لا يكون صالحا للاستناد اليه مستقلا لوجود الأدلة الأخرى التي هي المدرك للمجمعين فلا أصالة له

أصلا.

ثانيها: الآية الشريفة «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» نظرا الى ان مقتضاه تعلق الوجوب بالماهية و الأمر بطبيعة الحج غاية الأمر كونه مشروطا بالاستطاعة و امتثال الأمر المتعلق بالماهية يتحقق بإيجادها في الخارج و لو مرة لتحقق الطبيعة به فالمستطيع إذا حج في عام الاستطاعة فقد امتثل الأمر المتوجه اليه، و التكرار اللازم في مثل الصلاة و الصيام لأجل الأدلة الخارجية الدالة عليه لا لنفس الأمر بهما فالاية لا دلالة لها على أزيد من المرة و مع الشك في وجوب الزائد يكون مقتضى الأصل البراءة من الوجوب لعدم كون المقام من قبيل الأقل و الأكثر الارتباطيين كما هو واضح.

ثالثها: الروايات الدالة بالصراحة أو الظهور على عدم وجوب الزائد مثل:

صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: ما كلف اللّٰه العباد الا ما يطيقون، انما كلفهم في اليوم و الليلة خمس صلوات الى ان قال و كلفهم حجة واحدة و هم يطيقون أكثر من ذلك. «1»

و رواية الفضل بن شاذان عن الرضا- ع- قال إنما أمروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك لان اللّٰه وضع الفرائض على أدنى القوة كما قال «فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» يعني شاة ليسع القوى و الضعيف و كذلك سائر الفرائض انما وضعت على ادنى القوم قوة فكان من تلك الفرائض الحج المفروض واحدا ثم رغب بعد أهل القوة بقدر طاقتهم. «2»

و رواية محمد بن سنان ان أبا الحسن على بن موسى الرضا- عليهما السلام-

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص:

15

..........

______________________________

كتب اليه فيما كتب من جواب مسائله قال: علة فرض الحج مرة واحدة لأن اللّٰه تعالى وضع الفرائض على ادنى القوم قوة فمن تلك الفرائض الحج المفروض واحدا ثم رغب أهل القوة على قدر طاقتهم. «1»

و غير ذلك من الروايات المصرحة بان من زاد فهو تطوع.

لكن في مقابلها روايات متكثرة ظاهرة في الوجوب في كل عام مثل:

ما رواه الكليني بسندين أحدهما صحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى- عليه السلام- قال: ان اللّٰه- عز و جل- فرض الحج على أهل الجدة في كل عام و ذلك قوله عز و جل وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ قال: قلت فمن لم يحج منا فقد كفر؟ قال: لا و لكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر. «2»

و المناقشة الجارية في الرواية من جهة المتن عبارة عن ظهورها في كون المستفاد من الآية وجوب الحج في كل عام مع انك عرفت عدم دلالتها الا على تعلق الأمر بالطبيعة و هي تتحقق في الخارج بوجود فرد واحد و حملها على كون المراد من الرواية كون ذلك تفسيرا للاية و ان كان على خلاف ظاهرها أو على كون الاستناد بالاية انما هو لأصل الوجوب من دون خصوصية كونه في كل عام خلاف الظاهر جدا.

و رواية حذيفة بن منصور عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: ان اللّٰه عز و جل فرض الحج على أهل الجدة في كل عام. «3»

و رواية أبي جرير القمي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: الحج فرض

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح- 3

(2) ئل أبواب

وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني ح- 1

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 16

..........

______________________________

على أهل الجدة في كل عام. «1»

و رواية أسد بن يحيى عن شيخ من أصحابنا قال: الحج واجب على من وجد السبيل إليه في كل عام. «2»

و رواية عبد اللّٰه بن الحسن الميثمي رفعه الى أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال ان في كتاب اللّٰه عز و جل فيما انزل اللّٰه، و للّٰه على الناس حج البيت في كل عام من استطاع اليه سبيلا. «3» فان كان المراد مما انزل اللّٰه هو كون «في كل عام» جزء من القرآن النازل كما هو ظاهره فلا مجال للأخذ بهذه الرواية الدالة على تحريف الكتاب بعد قيام الأدلة الواضحة و البراهين الساطعة على عدم وقوع التحريف بالنقيصة في الكتاب كالزيادة و قد فصلنا القول في هذا المجال في كتابنا: «مدخل التفسير» فليراجع.

و ان كان المراد منه هو تفسير الآية بذلك فلا مانع منه لكنه خلاف ظاهر الرواية و قد جمع بين الطائفتين بوجوه من الجمع:

أحدها: ما استقر به صاحب الوسائل من حمل الطائفة الأولى على الوجوب العيني و الطائفة الثانية على الوجوب الكفائي و قد عقد با بين بهذين العنوانين أورد أحد بهما في أحد البابين و الأخرى في الأخر و جعله الوجه صاحب الحدائق مؤيدا له بما دل على عدم جواز تعطيل الكعبة و الا استحقوا العقاب و لم يناظروا و انه يجبر الامام الناس على الحج إذا تركوه و نفى البعد عن هذا الوجه صاحب العروة فيها.

و اللازم نقل جملة من الروايات الواردة في الأمرين فنقول:

اما ما يدل

على عدم جواز تعطيل الكعبة فمنها ما في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني ح- 4

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني ح- 6

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني ح- 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 17

..........

______________________________

في وصيته للحسن و الحسين- عليهما السلام-: أوصيكما بتقوى اللّٰه .. الى ان قال: اللّٰه اللّٰه في بيت ربكم لا تخلوه ما بقيتم فإنه ان ترك لم تناظروا. «1»

و منها رواية الحسين الأحمسي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال لو ترك الناس الحج لما نوظروا العذاب أو قال انزل عليهم العذاب. «2»

و منها صحيحة حماد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال كان على- صلوات اللّٰه عليه- يقول لولده يا بنى انظروا بيت ربكم فلا يخلون منكم فلا تناظروا. «3»

و اما ما يدل على إجبار الوالي فمنها رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال لو عطل الناس الحج لوجب على الامام ان يجبرهم على الحج ان شاءوا و ان أبوا فإن هذا البيت انما وضع للحج. «4»

و منها صحيحة حفص بن البختري و هشام بن سالم و معاوية بن عمار و غيرهم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال لو ان الناس تركوا الحج لكان على الوالي ان يجبرهم على ذلك و على المقام عنده و لو تركوا زيارة النبي- ص- لكان على الوالي ان يجبرهم على ذلك و على المقام عنده فان لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين. «5»

و يرد على هذا الوجه من الجمع ما أورده عليه صاحب الجواهر

مما حاصله انه مخالف لإجماع المسلمين على الظاهر و نصوص الإجبار خارجة عما نحن فيه لعدم اختصاصها بأهل الجدة كما يدل عليه ذيل صحيحة حفص بل اشتمل أيضا على الجبر على المقام عند البيت و على زيارة النبي- ص- و المقام عنده مع عدم ثبوت

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح- 2

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع ح- 2

(4) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس ح- 1

(5) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 18

..........

______________________________

الوجوب الكفائي بالإضافة إليها قطعا ثم نقل عبارة الدروس المشتملة على ان زيارة الرسول و ان كانت مستحبة مؤكدة الا انه يجبر الامام الناس على ذلك لو تركوه لما فيه من الجفاء المحرم كما يجبرون على الأذان و منع ابن إدريس ضعيف الى ان قال:

و على كل حال فالوجوب بهذا المعنى خارج عما نحن فيه من الوجوب كفاية على خصوص أهل الجدة المستلزم لكون من يفعله من حج في السنة السابقة منهم مؤديا لواجب و لو كان مع من لم يحج منهم. و العجب من صاحب الوسائل انه مع اختياره هذا الجمع كيف عقد الباب (46) هكذا: باب استحباب الحج و العمرة عينا في كل عام و إدمانهما و لو بالاستنابة فإنه مع حكمه بالوجوب الكفائي كيف اختار الاستحباب العيني و لا مجال لاحتمال كون المراد هو الوجوب الكفائي بالنسبة إلى خصوص أهل الجدة لعدم تقييد عنوان هذا الباب بغيره فيلزم الجمع بين الوجوب الكفائي و الاستحباب العيني و

من الواضح عدم إمكانه فتدبر.

ثانيها حمل الطائفة الثانية على الاستحباب و هو محكي عن الشيخ و المحقق في المعتبر و صاحب المدارك و اختاره صاحب الجواهر و قد وجه بأن الأخبار الدالة على عدم وجوبه إلا مرة واحدة نص في مفادها و الاخبار المعارضة لا تكون نصا في الوجوب فيمكن حملها على ارادة الاستحباب و من المحتمل ان يكون المراد من لفظ «الفرض» الواقع في هذه الاخبار معناه اللغوي و هو الثابت و معلوم ان الثبوت أعم من ان يكون بنحو الوجوب أو الاستحباب.

و يرد على هذا الوجه ان حمل لفظ «الفرض» على ذلك ان سلمنا إمكانه و لكن الأمر لا يتم بذلك فإنه قد وقع في بعضها الاستشهاد بقوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ ..

و لا معنى للاستشهاد للاستحباب بالآية كما هو أوضح من ان يخفى و قد وقع في بعضها ان «في كل عام» جزء من التنزيل و وجهناه بكونه تفسيرا له فهل يمكن حمل «في كل عام» الواقع تفسيرا للآية على الاستحباب فهذا الوجه أيضا غير تام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 19

..........

______________________________

ثالثها حمل الطائفة الثانية على الوجوب البدلي بمعنى انه يجب على كل أحد مع الاستطاعة أن يحج في عامها و ان تركه ففي العام الثاني و ان تركه ففي العام الثالث و هكذا فمعنى وجوبه في كل عام هو عدم السقوط مع المخالفة و الترك بل هو باق على العهدة إلى آخر العمر و قد اختار هذا الوجه الشيخ في محكي التهذيب و العلامة في محكي المنتهى.

و يرد عليه عدم كونه جمعا دلاليا مقبولا عند العقلاء بحيث يكون موجبا لخروج الطائفتين عن التعارض و صيرورتهما

مجتمعتين فلا مجال له أيضا.

رابعها ما افاده بعض الاعلام في شرحه على العروة و جعله أحسن المحامل و وجوه الجمع من ان الروايات الظاهرة في كون الحج فريضة في كل عام ناظرة الى ما كان يصنعه أهل الجاهلية من عدم الإتيان بالحج في بعض السنين لأنهم كانوا يعدون الأشهر بالحساب الشمسى و مقتضاه تداخل بعض السنين في بعض و منه قوله تعالى:

إِنَّمَا النَّسِي ءُ زِيٰادَةٌ فِي الْكُفْرِ «1» فإنه رد عليهم بان الحج يجب في كل عام و انه لا يخلو كل سنة عن الحج و بالجملة كانوا يؤخرون الأشهر عما رتبها اللّٰه تعالى فربما لا يحجون في سنة فالمنظور في الروايات ان كل سنة قمرية لها حج و لا يجوز خلوها عن الحج لا انه يجب الحج على كل أحد في كل سنة.

و اللازم أولا توجيه هذا الكلام بان تركهم الحج في بعض الأعوام ليس لأجل عدهم الأشهر بالحساب الشمسى فان الظاهر عدم كون هذا الحساب معروفا عند الاعراب حتى في زماننا هذا بل لأجل ما وقع في تفسير الآية المسبوقة بما يدل على ان عدة الشهور عند اللّٰه اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم من ان العرب كانت تحرم الشهور الأربعة و ذلك مما تمسكت به من ملة إبراهيم و إسماعيل و هم كانوا أصحاب غارات و حروب فربما كان يشق عليهم ان يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغزون فيها فكانوا

______________________________

(1) سورة التوبة آية 37

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 20

..........

______________________________

يؤخرون تحريم المحرم الى صفر فيحرمونه و يستحلون المحرم فيمكثون بذلك زمانا ثم يزول التحريم الى المحرم و لا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة و حكى عن

مجاهد انه قال: كان المشركون يحجون في كل شهر عامين فحجوا في ذي الحجة عامين ثم حجوا في المحرم عامين ثم حجوا في صفر عامين و كذلك في الشهور حتى وافقت الحجة التي قبل حجة الوداع في ذي القعدة ثم حج النبي- ص- في العام القابل حجة الوداع فوافقت في ذي الحجة.

و من ذلك يظهر ان التأخير لم يكن مستندا الى الحساب الشمسى بل الى تغيير مكان الأشهر من حيث الحلية و الحرمة و مع ذلك لا يكون هذا الوجه بتام فإنه لو كان كلمة «في كل عام» واقعة في آية الحج لكان من الممكن ان تحمل على ما ذكر ردا على ما كان يصنعه العرب في الجاهلية و اما مع وقوعها في الرواية المروية عن موسى بن جعفر- ع- المتقدمة فلا وجه للحمل على هذا بعد وجود فصل طويل و نسيان ما كان يصنعه العرب في الجاهلية و بطلانه و عدم تحققه أصلا لمضي أزيد من مائة سنة من الإسلام فلا مجال لهذا الحمل.

خامسها ما يخطر بالبال من ان المراد من «كل عام» في الرواية التي أشير إليها ان فرض الحج على أهل الجدة انما يكون على سبيل القضية الحقيقية لا القضية الخارجية بمعنى ان وجوب الحج لا يختص بزمان نزول الآية بل هو حكم ثابت الى يوم القيامة على المستطيع فليس المراد ان المستطيع يجب عليه الحج في كل عام بل المراد ثبوت الحكم الى يوم القيامة و يؤيد هذا الوجه بل يدل عليه التأمل في الرواية المزبورة فإنه قد وقع فيها الاستشهاد لفرض الحج على أهل الجدة في كل عام بقوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ .. مع ان مقتضى

الاستشهاد الاستناد الى ظاهر الآية و ما كان يفهمه أهل العرف منها لانه لا معنى للاستشهاد بتفسير الآية الذي يكون على خلاف ظاهرها و من المعلوم عدم دلالة الآية على الوجوب في كل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 21

..........

______________________________

عام بمعناه الظاهر الذي ينسبق الى الذهن ابتداء فالجمع بين التعرض لهذه الجهة و بين عدم دلالة الآية بالظهور على ذلك يقتضي الحمل على معنى يستفاد من ظاهر الآية و هو ليس الا ما ذكرنا من كون المراد به هي القضية الحقيقية التي هي ظاهر الآية أيضا فتدبر جيدا.

ثم انه لو لم يتم شي ء من هذه الوجوه و المحامل و بلغت النوبة إلى فرض التعارض بين الطائفتين فاللازم ترجيح ما دل على عدم الوجوب إلا مرة واحدة لأنها موافقة للشهرة الفتوائية لما عرفت من انه لم ينقل الخلاف عن أحد سوى الصدوق- قده- و قد حقق في محله ان المستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة ان أول المرجحات في باب المتعارضين هي الشهرة الفتوائية فاللازم هو الحكم بما عليه المشهور من عدم وجوب الحج على المستطيع الآمرة واحدة طول العمر و ما زاد فهو تطوع.

الأمر الثاني من الأمرين المذكورين في المتن ان وجوب الحج فوري بمعنى انه يجب الإتيان به في عام الاستطاعة و ان تركه ففي الثاني و هكذا و في الفورية بهذا المعنى جهتان:

إحديهما: لزوم الإتيان في عام الاستطاعة فورا و قد تطابقت الفتاوى و الآراء من السلف الى الخلف و من القديم و الحديث على ان وجوب الحج فوري و حكى الاتفاق عليه من الناصريات و الخلاف و شرح الجمل للقاضي و التذكرة و المنتهى و يستدل

عليه بأمور:

أحدها: نفس الإجماع المذكور الكاشف عن رأى المعصوم- عليه السلام- و لم ينقل الخلاف في هذا الأمر حتى من واحد و لكن الكشف في مثله مما يحتمل ان يكون مدرك المجمعين بعض الوجوه الآتية من حكم العقل و من الروايات الواردة في موارد مختلفة محل نظر بل منع فالظاهر انه لا أصالة لهذا الإجماع بل اللازم ملاحظة المدارك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 22

..........

______________________________

الأخر كما لا يخفى.

ثانيها: ان فورية وجوب الحج من المرتكزات عند المتشرعة المبالين بالشريعة المقيدين بها فإنهم يذمون من ترك الحج في أول عام الاستطاعة من دون عذر له و لا يرونه الا تاركا للوظيفة الإلهية و مخالفا لما هو واجب عليه في الشريعة و هذا الارتكاز كاشف عن الثبوت في الشرع كما لا يخفى.

و يرد عليه ان هذا الدليل انما يتم على تقدير إحراز اتصال هذا الارتكاز بزمن المتشرعة في أزمنة الأئمة المعصومين- عليهم السّلام- لان الارتكاز الثابت في ذلك الزمان يكشف قطعا عن التلقي عن الامام المعصوم و الأخذ منه و اما مع عدم الإحراز المذكور و احتمال كون منشأ الارتكاز وجود اتفاق المراجع و أصحاب الفتوى من الفقهاء على لزوم الفورية و الرسائل العملية المتفقة في هذه الجهة كما لا تبعد دعواه فلا يكون هذا النوع من الارتكاز بكاشف عن رأى المعصوم- عليه السلام- أصلا.

ثالثها: حكم العقل بأنه إذا كان المكلف واجدا لجميع الشرائط التي لها دخل في التكليف و صار التكليف منجزا عليه فلا بد له من تفريغ ذمته فورا و لا عذر له في التأخير مع احتمال الفوت احتمالا عقلائيا و ليس ذلك لأجل دلالة صيغة الأمر على الفورية بالدلالة

اللفظية لما قد حقق في محله من عدم دلالتها عليها بوجه لا بمادتها و لا بهيئتها بل لأجل حكم العقل بذلك و جواز التأخير في مثل الصلاة انما هو لأجل حصول الوثوق و الاطمئنان ببقائه غالبا و ذلك لأجل قصر الوقت الموجب لحصول الاطمئنان كذلك و اما في مثل الحج الذي لا يمكن تحققه في كل عام إلا مرة فوجود الفصل الطويل يمنع عن تحقق الوثوق فلا مساغ لتأخيره إلى العام القابل.

و هذا الدليل و ان كان تاما في نفسه الا انه لا ينطبق على تمام المدعى لان المدعى وجوب الفورية في الحج و لو مع العلم بالبقاء و التمكن من الحج في العام القابل و الدليل لا يقتضي ذلك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 23

..........

______________________________

رابعها: الأخبار الواردة في التسويف الدالة على حرمته و هي على طائفتين و قد جمعهما في الوسائل في باب واحد:

الطائفة الأولى ما يدل بظاهرها على حرمة نفس عنوان التسويف الظاهر في مجرد التأخير و لو وقع منه الحج في العام القابل مثل:

صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: قال اللّٰه تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال: هذه لمن كان عنده مال و صحة، و ان كان سوفه «1» للتجارة فلا يسعه، و ان مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذا هو يجد ما يحج به الحديث «2».

فان ظاهره عدم كونه من جهة مجرد التسويف في سعة و انه لا يكون مجازا فيه و قوله: و ان مات .. انما هو فرض احدى صورتي التسويف و هو ما لو انجر الى الترك و

لا دلالة على اختصاص الجملة السابقة بخصوص التسويف الذي يوجب الترك كما هو ظاهر و مرت الإشارة الى ان معنى التسويف يتحقق بمجرد التأخير عن عام الاستطاعة و لو حج في العام القابل و لا يتوقف على التأخير سنين متعددة.

و صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال قلت له: أ رأيت الرجل التاجر ذا المال حين يسوف الحج كل عام و ليس يشغله عنه الا التجارة أو الدين فقال لا عذر له يسوف الحج ان مات و قد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام. «3» و هذه أظهر من الرواية السابقة في الدلالة على وجوب الفورية.

______________________________

(1) في الطبعة الجديدة من الوسائل بدل «سوفه» بالفاء و التشديد «سوقه» بالقاف و الظاهر انه غلط و يدل عليه الروايات الأخرى المذكورة في المتن

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 1

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 24

..........

______________________________

و صحيحة زيد الشحام قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- التاجر يسوف الحج؟ قال ليس له عذر، فان مات فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام. «1» و تفريع الموت على التسويف تفريع على أحد فرضية و لا دلالة له على اختصاصه بفرض الموت الطائفة الثانية ما يدل على حرمة التسويف فيما إذا كان موجبا للترك الى آخر الموت مثل:

رواية معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل له مال و لم يحج قط قال هو ممن قال اللّٰه تعالى وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَعْمىٰ قال قلت له:

سبحان اللّٰه اعمى قال أعماه اللّٰه عن طريق

الحق. «2»

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام الحديث. «3»

و رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن قول اللّٰه- عز و جل- وَ مَنْ كٰانَ فِي هٰذِهِ أَعْمىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمىٰ وَ أَضَلُّ سَبِيلًا قال: ذلك الذي يسوف نفسه الحج يعني حجة الإسلام حتى يأتيه الموت. «4»

و غير ذلك من الروايات المذكورة في الوسائل في ذلك الباب و الظاهر صحة الاستدلال بهذه الطائفة أيضا كما يظهر من الجواهر و ذلك لانه مع جواز التأخير و عدم فورية الوجوب لا مجال للعذاب بمثل ما ذكر فيها و لا لعدّه تاركا للشريعة و لا محالة يترتب عليه استحقاق العقوبة لأنه لم يكن قاصدا لترك الحج بل كان عازما على الإتيان

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 6

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 2

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 3

(4) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 25

..........

______________________________

به غاية الأمر ان التأخير كان مستندا الى عدم فورية الوجوب نظير من مات في العصر قبل ان يصلى الظهر و العصر فإنه لا يكون معاقبا على ترك الصلاتين فالعذاب و استحقاق العقوبة في المقام انما هو لأجل فورية وجوب الحج فالاستدلال صحيح.

و خامسها: الروايات الظاهرة في انه يشترط في النائب ان لا يكون مستطيعا يجب عليه الحج مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد

اللّٰه- عليه السلام- في رجل صرورة مات و لم يحج حجة الإسلام و له مال قال يحج عنه صرورة لا مال له «1».

فان الظاهر من المال المنفي في الذيل و لو بقرينة المال المثبت في الصدر هو المال الذي يكفي للحج و تتحقق به الاستطاعة كما لا يخفى و غير ذلك من الروايات و تقريب دلالتها على المقام ان الاشتراط المذكور يكشف عن فورية وجوب الحج لانه لو لم يكن وجوب الحج فوريا لما كان هناك وجه للاشتراط فمن هذا الطريق يستكشف الفورية فيما نحن فيه.

و يرد عليه ان الوجه المذكور و ان كان محتملا الا انه يحتمل ان يكون الوجه مجرد اشتغال الذمة بالحج و ثبوت التكليف فإنه يلائم مع الاشتراط أيضا و لا دليل على ترجيح الاحتمال الأول حتى يتم الاستدلال.

و سادسها: الأخبار الواردة في الحج البذلي الظاهرة في وجوب الإتيان به فورا و في عام البذل بضميمة انه لا فرق من هذه الجهة بينه و بين الحج عن الاستطاعة النفسية في جهة الفورية أصلا و هذه الروايات كثيرة:

منها: صحيحة محمد بن مسلم في حديث قال قلت لأبي جعفر- عليه السلام- فان عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال هو ممن يستطيع الحج و لم يستحيى و لو على حمار أجدع أبتر قال فان كان يستطيع ان يمشى بعضا و يركب بعضا فليفعل. «2»

______________________________

(1) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الخامس ح- 2

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 26

..........

______________________________

و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال فان كان دعاه قوم ان يحجوه فاستحيى فلم

يفعل فإنه لا يسعه الا ان يخرج و لو على حمار أجدع أبتر. «1» و غير ذلك من الروايات الواردة في هذا الباب.

و يرد عليه- مضافا الى انه لا دليل على فورية وجوب الحج البذلي فإنه إذا بذل الباذل نففة الحج و لم يقيده بالعام الأول بل كان غرضه مجرد تحقق الحج من المبذول له لا يكون هنا دليل على لزوم الإتيان بالحج فورا نعم فيما إذا دعاه قوم ان يحجوه بحيث لا تبقى الاستطاعة إلى العام القابل لان غرضهم مصاحبته معهم في الحج كما إذا كان المبذول له عالما بمسائل الحج فأرادوا ان يكونوا معه ليتم حجهم و تكون مناسكهم مطابقة لما في الشريعة ففي مثل هذه الصورة لا تبعد دعوى فورية الوجوب لانتفاء الاستطاعة البذلية بخروج العام و التحقيق يأتي في محله- انه لا دليل على مساواة الأمرين فإذا كانت الفورية ملحوظة في وجوب الحج البذلي فلا دليل على اعتبارها في غيره من الحج عن استطاعة لعدم الدليل على التساوي و بطلان القياس.

و سابعها: الروايات الدالة على وجوب استنابة الموسر في الحج إذا منعه مرض أو كبر أو عدوّ أو غير ذلك مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال:

ان عليا- عليه السلام- رأى شيخا لم يحج قط و لم يطق الحج من كبره فأمره أن يجهز رجلا فيحج عنه. «2»

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال: و ان كان موسرا و حال بينه و بين الحج مرض أو حصر أوامر يعذره اللّٰه فيه فان عليه ان يحج عنه من ماله صرورة لا مال له. «3»

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر

ح- 3

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 1

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 27

..........

______________________________

و تقريب دلالتها انه لو لم يكن وجوب الحج فوريا لما كان هناك وجه لوجوب الاستنابة المذكورة لأنه مع مشروعية التأخير لا يجب عليه الاستنابة.

و فيه ان هذا الاستدلال تام لو كان مفاد الروايات وجوب الاستنابة في العام الأول من الاستطاعة أيضا لأنه لا يجتمع ذلك مع مشروعية التأخير مع ان الظاهر انصراف الروايات عن هذا الفرض و ان موردها ما إذا استقر على المستطيع الحج بالترك في العام الأول مع القدرة عليه من جميع الجهات فإنه في هذه الصورة مع وجود حائل بينه و بين الحج من مرض أو كبر أو عدو أو غير ذلك تجب عليه الاستنابة فلا دلالة لهذه الروايات على حكم المقام.

و ثامنها: ما رواه الصدوق عن الفضل بن شاذان عن أبي الحسن الرضا- عليه السلام- «1» انه كتب الى المأمون تفصيل الكبائر و من جملتها الاستخفاف بالحج نظرا إلى صدقة بمجرد التأخير عن عام الاستطاعة و عليه فإذا كان التأخير معصية كبيرة فاللازم ان تكون الفورية واجبة كما هو ظاهر.

و يرد عليه انه لا يعلم صدق الاستخفاف على التأخير عن عام الاستطاعة و يأتي الكلام فيه في بحث كون التأخير كبيرة أم لا فانتظر.

إذا عرفت ما ذكرنا من الوجوه الثمانية فقد ظهر لك تمامية دلالة بعضها و صحة الاستدلال به و ان كان في كثير منها مناقشة بل منع كما مر و عليه فلا ينبغي الإشكال في فورية وجوب الحج بالنظر الى الدليل.

و بعد

ذلك يقع الكلام فيما يرتبط بالفورية في مقامين:

أحدهما: انه قد صرح المحقق في الشرائع بأن التأخير مع الشرائط كبيرة موبقة و قال السيد في العروة لا يبعد كونه كبيرة كما صرح به جماعة و يمكن استفادته من جملة من الاخبار و استدل عليه صاحب الجواهر بأمرين:

______________________________

(1) ئل أبواب جهاد النفس الباب السادس و الأربعون ح- 33

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 28

..........

______________________________

الأول كونه كذلك في نظر أهل الشرع و مرجعه الى ثبوت ارتكاز المتشرعة على كونه معصية كبيرة فإنهم لا يرون من أخر الحج عن عام الاستطاعة إلا كذلك و يقدحون في عدالته.

و الظاهر ان هذا الارتكاز على تقدير الثبوت يكشف عن موافقة المعصوم- عليه السلام- و عن التلقي عنه و ليس كالارتكاز في أصل فورية الوجوب الناشئ عن الآراء و الفتاوى و الرسائل العملية لعدم وجود الاتفاق هنا بل لم يتعرض له الجميع كما انه لم يتعرض له الماتن- أدام اللّٰه ظله الشريف- فلا محالة يكون هذا الارتكاز كاشفا و لكن الظاهر إمكان المناقشة في أصل ثبوت هذا الارتكاز فان القدر المتيقن منه كون التأخير معصية و اما كونه معصية كبيرة قادحة في العدالة فلا.

الثاني رواية فضل بن شاذان المتقدمة آنفا الدالة على ان الاستخفاف بالحج من المعاصي الكبيرة و التأخير عن عام الاستطاعة يتحقق به الاستخفاف.

و فيه انه يحتمل ان يكون المراد بالاستخفاف هو الاستخفاف النظري و الاعتقادي بمعنى عدم اعتقاده كونه من الفرائض المهمة الإلهية و ان كان أصل وجوبه معتقدا له و يؤيده انه يستعمل الاستخفاف في مقابل الترك فإنه فرق بين تارك الصلاة و بين المستخف له و في الحديث عن الصادق- عليه السلام- انه

في ساعات أخر عمره الشريف أمر بجمع أقوامه و المتقربين اليه و قال لهم ان شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة و مع ملاحظة ان أمر الصلاة في الوقت دائر بين الفعل و الترك و ان الاستخفاف غير التارك يستفاد منه ان الآتي بالصلاة مع عدم اعتقاد كونها من أهم الفرائض و أعظم الواجبات لا تناله شفاعة أهل البيت- عليهم السلام- و عليه فلا دلالة لرواية فضل على ان من أخر الحج مع اعتقاد ما فيه من الأهمية و العظمة و اتى به في العام القابل يكون مستخفا بالحج كما لا يخفى.

ثم على تقدير كون المراد بالاستخفاف هو الاستخفاف العملي و لا بد- ح- من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 29

..........

______________________________

ان يكون المراد به هو الترك فهل يصدق على مجرد الترك في عام الاستطاعة أو يتحقق بالترك الى آخر العمر الذي وقع التعرض له في روايات التسويف المتقدمة و الظاهر هو الأول فتدبر.

و يمكن الاستدلال على كون التأخير معصية كبيرة بالاية الشريفة الواردة في الحج المشتملة على قوله تعالى وَ مَنْ كَفَرَ .. بناء على ان يكون سبب الكفر هو مجرد الترك لا الترك الناشئ عن اعتقاد عدم الوجوب- كما اخترناه في تفسير الآية- و على ان يكون المراد بالترك مطلق الترك الحاصل بالترك في عام الاستطاعة لا الترك المطلق المتوقف على الترك الى ان يموت فإن إطلاق الكفر على الترك بناء على الأمرين لا بد و ان يكون بنحو العناية و التسامح و لكن يستفاد منه كونه معصية كبيرة لأنه لا مجال لإطلاق الكفر و لو مجازا على المعصية غير الكبيرة كما هو واضح.

و الظاهر منع كلا الأمرين اما

الأول فقد أشير إليه آنفا و اما الثاني فلظهور الآية في الترك المطلق و ان مفادها نظير مفاد الأخبار الواردة في التسويف الى ان يموت و لا ملازمة بين الكفر الناشئ عن ترك الحج الى آخر العمر و بين الكفر الناشئ عن مجرد التأخير عن عام الاستطاعة كما لا يخفى و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لا مجال لإثبات كون التأخير معصية كبيرة و لعله لذا لم يقع التعرض له في المتن مع وقوع التصريح به في الشرائع.

ثانيهما: قد فسرت الفورية في المتن تبعا للفقهاء بأنه تجب المبادرة في العام الأول من الاستطاعة و ان تركه فيه ففي الثاني و هكذا و مرجعه الى اعتبار الفورية في جميع السنوات على تقدير المخالفة في السابقة و الدليل عليه بعض ما يدل على أصل اعتبار الفورية كالأخبار الواردة في التسويف الدالة على عدم جوازه بعنوانه و بطبيعته و من المعلوم انه كما ان التأخير عن العام الأول تسويف كذلك التأخير عن العام الثاني مع عدم الإتيان به في العام الأول فلا مجال لتوهم انه على تقدير مخالفة الفورية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 30

[مسألة- 2 لو توقف إدراكه على مقدمات بعد حصول الاستطاعة]

مسألة- 2 لو توقف إدراكه على مقدمات بعد حصول الاستطاعة من السفر و تهيئة أسبابه وجب تحصيلها على وجه يدركه في ذلك العام، و لو تعددت الرفقة و تمكن من المسير بنحو يدركه مع كل منهم فهو بالتخيير، و الاولى اختيار أوثقهم سلامة و إدراكا، و لو وجدت واحدة و لم يكن له محذور في الخروج معها لا يجوز التأخير إلا مع الوثوق بحصول أخرى. (1)

______________________________

في العام الأول تسقط الفورية بالمرة و لا يجب عليه

المبادرة في العام الثاني كما هو ظاهر

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لحكم أمرين:

أحدهما المقدمات من السفر و تهيئة أسبابه بعد حصول الاستطاعة التي هي شرط التكليف و قد حكم بوجوب تحصيلها على وجه يدرك الحج في ذلك العام و المراد من الوجوب هو الوجوب الشرعي بناء على الالتزام بأمرين أحدهما الوجوب المعلق في مقابل الوجوب المنجز و قد وقع البحث في الأصول في استحالته و إمكانه نظرا الى انفكاك البعث عن المبعوث إليه لمدخلية الوقت المخصوص في تحقق الحج فإذا قلنا بفعلية الوجوب بمجرد الاستطاعة يصير الوجوب فعليا و الواجب استقباليا و القائل بالاستحالة لا يرى إمكان الانفكاك كما ان القائل بالعدم لا يرى منعا فيه و التحقيق في محله و ثانيهما ثبوت الملازمة العقلية بين وجوب ذي المقدمة و الوجوب الشرعي للمقدمة فإنه- ح- يصير وجوب تحصيل المقدمات في باب الحج وجوبا شرعيا لاقتضاء الأمر الأول ثبوت التكليف بالحج قبل الموسم بعد حصول الاستطاعة و اقتضاء الأمر الثاني وجوب تحصيل المقدمات بالوجوب الشرعي لأن المفروض ثبوت الملازمة بين الوجوبين الشرعيين.

اما لو قلنا باستحالة الواجب المعلق و ان دخالة الوقت في باب الحج كدخالته في باب الصلاة حيث لا تجب قبله فوجوب تحصيل المقدمات- ح- يصير وجوبا عقليا لان العقل يحكم بأنه إذا توقف إتيان المأمور به في وقته على إيجاد مقدمات قبله لا محيص عن الإتيان بها و تحصيلها بحيث يقدر على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 31

..........

______________________________

إتيان المأمور به في وقته و يعبر عن هذا بلزوم المقدمات المفوتة كما انه إذا أنكرنا الملازمة في بحث مقدمة الواجب تكون المقدمة محكومة باللابدية العقلية لتوقف حصول

المأمور به عليها لفرض المقدمية فالوجوب في هاتين الصورتين يكون وجوبا عليا و في الفرض الأول يكون شرعيا كما عرفت.

ثانيهما تعدد الرفقة و فيه فرضان:

الأول: ما إذا كانوا موافقين في الخروج زمانا و الظاهر انه لا إشكال في انه إذا كانوا متفقين في أصل الوثاقة و في مرتبتها و تمكن من المسير مع كل منهم يكون مخيرا في الخروج مع اىّ واحد منهم كما انه لا إشكال في انه إذا كانوا مختلفين في أصل الوثاقة فاللازم بحكم العقل اختيار من يثق بوصوله و إدراكه الحج معه و لا يجوز له اختيار من لا يثق بوصوله و إدراكه الحج.

و اما إذا كانوا مختلفين في مرتبة الوثاقة كما إذا كان بعضهم أوثق من الأخر فظاهر السيد في العروة لزوم اختيار الأوثق سلامة و إدراكا و صريح المتن عدم الوجوب و ان الاولى ترجيح الأوثق و هو أولى لأنه لا دليل على مرجحية الاوثقية عند العقل بعد كون الملاك بنظره هو مجرد الوثاقة المشتركة بين الجميع كما انه لا دليل عليها في الشرع فيجوز له اختيار غير الأوثق كما لا يخفى.

الثاني: ما إذا كانوا مختلفين في الخروج من حيث الزمان أو كانت هناك رفقة واحدة و احتمل وجود اخرى و هذه الصورة مذكورة في المتن فإنه ليس المراد بوحدة الرفقة المذكورة فيه هو الانحصار الحاصل بالعلم بعدم وجود أخرى فإنه- مضافا الى عدم كونه مرادا له- يغايره استثناء صورة حصول الوثوق بحصول اخرى بعد ظهور كون الاستثناء متصلا.

و كيف كان ففي هذا الفرض أقوال أربعة:

الأول: ما افاده الشهيد في «الروضة» من وجوب الخروج مع الرفقة الاولى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 32

..........

______________________________

و

ظاهره ثبوت الوجوب و لو مع العلم بالتمكن من المسير مع الثانية و إدراك الحج معها نظرا الى ان مجرد التأخير تفريط في أداء الواجب فاللازم الخروج مع الاولى مطلقا.

الثاني: ما عن الشهيد في الدروس من عدم جواز التأخير إلا مع الوثوق بالثانية و بالتمكن من المسير و إدراك الحج معها و قد تبعه في المتن.

الثالث: ما احتمله قويا في المدارك حيث انه بعد استحسانه لما نقله عن الدروس قال: بل يحتمل قويا جواز التأخير بمجرد احتمال سفر الثانية لانتفاء الدليل على فورية المسير بهذا المعنى.

الرابع: ما حكاه في المدارك عن التذكرة من انه أطلق جواز التأخير عن الرفقة الأولى قال لكن المسألة في كلامه مفروضة في حج النائب و الظاهر انه لا ارتباط بين المسألتين فان الحج النيابي تابع من جهة الفورية و من سائر الخصوصيات لما يدل عليه عقد الإجارة لفظا أو انصرافا و هذا بخلاف المقام الذي يرتبط بما هو المستفاد من الأدلة اللفظية الشرعية الدالة على الفورية بضميمة حكم العقل بلزوم تحصيل المقدمات فتصير الأقوال في المسألة ثلاثة.

و الظاهر هو القول الثاني الذي هو الوسط بين القولين لان تعين الخروج مع الرفقة الاولى و لو مع العلم أو الوثوق الذي يقوم مقامه عند العقلاء يحتاج الى دليل و دعوى كون مجرد التأخير تفريطا في أداء الواجب ممنوعة جدا فإنه بعد فرض تعدد الرفقة و عدم الفرق بين الاولى و الثانية بل ربما كانت الثانية أوثق سلامة و إدراكا لا يحكم العقل بتعين الخروج مع الاولى و عدم جواز التأخير لحصول الغرض و هو إدراك الحج في عام الاستطاعة على كلا الفرضين كما هو المفروض.

كما انه لا مجال لاحتمال جواز التأخير بمجرد

احتمال حصول أخرى أو التمكن منها فإن التأخير بذلك مع احتمال الفوت و عدم الإدراك و المفروض التمكن مع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 33

..........

______________________________

القافلة الاولى لا يسوّغه العقل و الدليل عليه ما عرفت من لزوم المبادرة بضميمة حكم العقل فإنه لا يرى مجالا للتأخير في هذه الصورة أصلا.

ثم انه في صورة الوثوق التي يجوز فيها التأخير لو صادف عدم خروج قافلة أخرى أو عدم التمكن من المسير معه لا يكون ترك الحج في العام الأول موجبا لاستحقاق العقوبة و تحقق المعصية بوجه.

و اما في صورة عدم جواز التأخير لعدم الوثوق فان صار التأخير مستلزما لفوات الحج لعدم خروج الرفقة الثانية فرضا فلا إشكال في استحقاق العقوبة على ترك الحج و عدم الإتيان بما هو الواجب عليه من رعاية المبادرة و الفورية و اما إذا لم يترتب عليه فوات الحج بل حصلت الفرقة الثانية و تمكن من المسير معها و خرج و أدرك الحج فهل يترتب على مجرد التأخير غير الجائز استحقاق العقوبة أم لا ظاهر الجواهر الترتب حيث قال: «و الا- اى و ان لم يثق- فالعصيان ثابت له من حيث التعرض للمعصية و الجرأة عليها بالتأخير عن الرفقة الاولى مع عدم الوثوق بالثانية و ان تبين له الخلاف بعد ذلك و التمكن اللاحق لا يرفع حكم الاجتراء السابق».

و الظاهر عدم تحقق التجري بمجرد عدم الوثوق فان الاحتمال الذي يتساوى طرفاه لا يجتمع مع تحققه بل الظاهر انه يتحقق في خصوص صورة الوثوق بالخلاف فلا يجرى ما أفاده في جميع صور المسألة.

ثم ان ظاهر الجواهر انه لا فرق بين الوثوق و بين مطلق الظن مع ان الظاهر كون

الوثوق هو الظن القوى المتاخم للعلم الذي يعبر عنه بالاطمينان و يعامل معه عند العقلاء و العرف معاملة العلم و الا فمجرد الظن مع عدم اعتباره بوجه لا يستلزم جواز التأخير لعدم الفرق بينه و بين الاحتمال بوجه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 34

[مسألة 3- لو لم يخرج مع الاولى مع تعدد الرفقة]

مسألة 3- لو لم يخرج مع الاولى مع تعدد الرفقة في المسألة السابقة أو مع وحدتها و اتفق عدم التمكن من المسير أو عدم إدراك الحج بسبب التأخير استقر عليه الحج و ان لم يكن إثما، نعم لو تبين عدم إدراكه لو سار معهم أيضا لم يستقر بل و كذا لو لم يتبين إدراكه لم يحكم عليه بالاستقرار. (1)

______________________________

(1) كان البحث في المسألة السابقة مرتبطا بالحكم التكليفي و في هذه المسألة بالحكم الوضعي و هو الاستقرار و عدمه و ظاهر المتن استقرار الحج بمجرد التأخير و لو كان جائزا كما في صورة الوثوق برفقة ثانية و التمكن من المسير معها فإنه لو تبين خلافه و لم تحصل الثانية أو لم يتمكن من الخروج معها أو لم يدرك الحج مع الخروج يستقر عليه الحج فيجب عليه الإتيان به و لو زالت الاستطاعة في العام الثاني و لكنه مبنى على ان يكون موضوع الحكم بالاستقرار مجرد ترك الحج مع التمكن- منه كما قد صرح به في العروة- و لكن المحكي عن المحقق- قده- ان موضوع الحكم المذكور هو الإهمال و الترك العمدي و من المعلوم انه لا يتحقق إلا في صورة الترك رأسا و عدم الخروج مع شي ء من القوافل أو في صورة الترك المستند الى عدم الخروج مع عدم الوثوق بالثانية فإنه يتحقق- ح- عنوان الإهمال و

لو كان مقرونا بمجرد الاحتمال مع الوثوق المسوغ للتأخير فلا مجال لصدق الإهمال و عليه فلا يحكم عليه بالاستقرار و حيث ان بحث الاستقرار من المباحث المهمة الآتية و الظاهر عدم ورود دليل خاص فيه بل يكون مستفادا من الأدلة الواردة في الموارد المختلفة و من الأحكام الأخرى الثابتة فيها فاللازم احالة التحقيق في ذلك الى محله.

ثم انه قد استثنى في المتن موردان عن حكم الاستقرار:

أحدهما- صورة تبين عدم الإدراك لو سار مع الرفقة الاولى و الوجه فيه تبين عدم التمكن من الحج في العام الأول بوجه فلا مجال للاستقرار أصلا.

ثانيهما- صورة الشك في الإدراك مع الرفقة الاولى و الوجه في عدم الاستقرار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 35

[القول في شرائط وجوب حجة الإسلام]

اشارة

القول في شرائط وجوب حجة الإسلام و هي أمور:

[أحدها الكمال بالبلوغ و العقل]
اشارة

أحدها الكمال بالبلوغ و العقل فلا يجب على الصبي و ان كان مراهقا، و لا على المجنون و ان كان أدواريا ان لم يف دور إفاقته بإتيان تمام الاعمال مع مقدماتها غير الحاصلة، و لو حج الصبي المميز صح لكن لم يجز عن حجة الإسلام و ان كان واجدا لجميع الشرائط عدا البلوغ و الأقوى عدم اشتراط صحة حجه بإذن الولي و ان وجب الاستئذان في بعض الصور. (1)

______________________________

فيها انه بناء على المبنى الأول أيضا لا بد من إحراز موضوع الحكم بالاستقرار و المفروض الشك في التمكن و عدمه فلا يترتب الاستقرار مع الشك في موضوعه كما لا يخفى.

(1) في هذا الأمر جهات من البحث:

الاولى: عدم وجوب حجة الإسلام على الصبي مطلقا و ان كان مميزا مراهقا و عدم وجوبها على المجنون مطلقا و ان كان أدواريا و الوجه فيه- مضافا الى الإجماع المحقق- الروايات العامة الظاهرة في انه رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم و عن المجنون حتى يفيق الدالة على رفع قلم التكليف مطلقا.

و يدل عليه في خصوص المقام الروايات الآتية في الجهة الثانية الدالة على ان حج الصبي لا يجزى عن حجة الإسلام فإنه لو كان الحج واجبا عليه بالاستطاعة لكان حجه حجة الإسلام.

نعم يستثنى من المجنون الأدواري ما إذا كان دور إفاقته وافيا بإتيان تمام الاعمال و المناسك و تحصيل المقدمات غير الحاصلة فإنه- ح- عاقل يتمكن من الحج بمقدماته فهو واجب عليه كما في العاقل المطلق و كما في سائر التكاليف و الوظائف فلا إشكال في هذه الجهة من البحث.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 36

..........

______________________________

الثانية:

صحة حج الصبي و عدم اجزائه عن حجة الإسلام و ان كان واجدا لجميع الشرائط سوى البلوغ و يدل عليه روايات:

منها صحيحة إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن ابن عشر سنين يحج؟ قال: عليه حجة الإسلام إذا احتلم و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت «1» و منها رواية شهاب عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال سألته عن ابن عشر سنين يحج قال عليه حجة الإسلام إذا احتلم و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت. «2».

و منها رواية مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال لو ان غلاما حج عشر حجج ثم احتلم كانت عليه فريضة الإسلام. «3»

و هذه الروايات الثلاثة مشتركة في الدلالة على عدم كون حج الصبي حجة الإسلام و انه لا يجزى عنه بعد البلوغ و لو كان حجه واجدا لجميع الشرائط و الخصوصيات سوى البلوغ و اما كون الوجه فيه هو بطلان عبادة الصبي و الحج الصادر منه أو ان الوجه شي ء آخر يجتمع مع صحة عباداته و حجه فلا دلالة للروايات عليه اما الرواية الأخيرة فدلالتها باعتبار عدم اشتمالها على السؤال المذكور في الأولتين واضحة لأن ثبوت حجة الإسلام بعد الاحتلام يجتمع مع كلا الاحتمالين و اما غيرها فلا يظهر من السؤال فيه مفروغية صحة حج الصبي عند السائل حتى يكون الجواب ظاهرا في التقرير لان مجرد فرض صدور الحج من ابن عشر سنين لا دلالة فيه على ثبوت الصحة و التعرض في الجواب لعدم الإجزاء بصورة وجوب حجة الإسلام عليه بعد الاحتلام لا يكون قرينة على ان مورد السؤال هو الاجزاء حتى يقال بأنه

______________________________

(1) ئل

أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني عشر ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني عشر ح- 2

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 37

..........

______________________________

لا بد في الاجزاء و عدم الاجزاء من فرض الصحة لأن الحج الباطل لا مجال لاجزائه عن حجة الإسلام أصلا فاللازم استفادة صحة حج الصبي من الروايات الأخرى أو من القاعدة الكلية الدالة على ان عبادة الصبي شرعية و قد حققناها في كتابنا:

«القواعد الفقهية» و سيأتي في ذيل هذه الجهة إن شاء اللّٰه تعالى.

و منها ما رواه الصدوق بإسناده عن ابان بن الحكم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- يقول: الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر «1» و الكلام في هذه الرواية تارة من حيث السند و اخرى من حيث الدلالة.

اما الأول فقد روى صاحب الوسائل الرواية عن ابان بن الحكم و ربما يقال مع توضيح منا: انه لا وجود له في الكتب الرجالية و لا في كتب الحديث و الصحيح كما في محكي الفقيه هو ابان عن الحكم و الظاهر ان أبانا هذا لا يكون ابان بن تغلب الذي هو من أعاظم الرواة وثقاتهم لعدم روايته عن غير الامام- عليه السّلام- غالبا و لا يكون ابان بن عثمان أيضا لعدم ثبوت رواية له عن حكم بن الحكيم نعم يوجد فمن روى عن حكم بن الحكيم الصيرفي الثقة روايتان رواهما ابان عنه- كما في جامع الرواة و إزاحة الاشتباهات عن الطرق و الإسناد: أحد بهما في التهذيب و الأخرى في الكافي و لكن لا يعلم حاله من جهة

الوثاقة فالرواية من حيث السند ضعيفة هذا و لكن الظاهر انه هو ابان بن عثمان الثقة و الرواية معتبرة من حيث السند كما سيأتي في بعض المباحث الآتية إن شاء اللّٰه تعالى.

و قد صرح هذا القائل أيضا في بعض المباحث الآتية بأن الراوي عن حكم بن الحكيم هو ابان بن عثمان و قد حكى ذلك أيضا عن المجلسي في المرآت.

و اما من حيث الدلالة فظاهرها إطلاق حجة الإسلام على حج الصبي و ان كان التقييد بقوله: حتى يكبر ظاهرا أيضا في عدم اجزائه عن الحج بعد الكبر

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث عشر ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 38

..........

______________________________

و هذا تصير قرينة على ان الإطلاق المذكور ليس مبتنيا على الاصطلاح المعروف في حجة الإسلام بل المراد به هو الحج المشروع في الإسلام أو الحج الواقع في حال الإسلام.

و ربما يقال بأنه قد أطلق حجة الإسلام على حج النائب في بعض الروايات مع انه لا إشكال في بقاء حجة الإسلام على النائب لو استطاع. و الرواية التي أشير إليها هي موثقة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل حج عن غيره يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال: نعم «1».

و لكن لو كان مرجع الضمير في قوله «يجزيه» هو الغير الذي هو المنوب عنه بحيث كان مرجع السؤال إلى كفاية حج النائب عن المنوب عنه لا يبقى للاستشهاد به مجال كما انه لو كان مرجع الضمير هو الرجل النائب لكانت الرواية دالة على الاجزاء غاية الأمر كونها مخالفة للنصوص الأخر و الفتاوى نعم لو أريد توجيهها تصير كالمقام.

ثم انك عرفت انه

لا دلالة للروايات الدالة على ان حج الصبي لا يكفى عن حجة الإسلام بعد ما بلغ على صحة حج الصبي و مشروعيته و استحبابه و لكن يستفاد ذلك من طرق آخر:

أحدها: نفى الخلاف عنه و في محكي ظاهر التذكرة و المنتهى انه لا خلاف فيه بين العلماء بل ادعى عليه الإجماع كما في المستند و هذا الاتفاق في مسألة الحج إذا انضم الى الخلاف في مسألة مشروعية عبادات الصبي يكشف عن ان للحج خصوصية من بين العبادات و لا تكون من صغريات تلك القاعدة و لكن حيث يحتمل ان يكون مستند المجمعين بعض الوجوه الآتية يخرج الإجماع عن الأصالة و لا تكون له كاشفية بنفسه كما هو ظاهر.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و العشرون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 39

..........

______________________________

ثانيها: الأخبار الدالة على رجحان الحج و استحبابه و ترتب فوائد كثيرة أخروية و دنيوية فإنها- بعمومها أو إطلاقها- تشمل الصبي أيضا و قد أورد كثيرا منها في الوسائل في الباب الثامن و الثلاثين من أبواب وجوب الحج و شرائطه و من المعلوم انه لا مجال لتخصيصها أو تقييدها بحديث رفع القلم عن الصبي بعد ظهوره في نفسه بلحاظ كلمة الرفع و تعديته بعن و بلحاظ وقوعه في مقام الامتنان في رفع خصوص التكاليف الإلزامية لعدم ثبوت الكلفة و المشقة في غيرها و عدم كون رفعه ملائما للامتنان بوجه فتبقى دلالة هذه الروايات باقية على عمومها و إطلاقها شاملة للصبي أيضا.

ثالثها: الأخبار الدالة على استحباب إحجاج الصبي غير المميز بتقريب انه إذا كان إحجاج الصبي غير المميز مستحبا فحج الصبي المميز مستحب بالأولوية القطعية بل

ربما يقال ان بعض هذه الاخبار يشمله بل يختص به مثل:

صحيحة زرارة عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: إذا حج الرجل بابنه و هو صغير فإنه يأمره ان يلبّى و يفرض الحج فان لم يحسن ان يلبّى لبّوا عنه و يطاف به و يصلى عنه قلت ليس لهم ما يذبحون قال: يذبح عن الصغار و يصوم الكبار و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب و ان قتل صيدا فعلى أبيه. «1» نظرا الى صراحتها في انه انما يحج بالصبي ان لم يقدر على ان يحج بنفسه و إلا حج بنفسه.

و يرد عليه ان قوله: «فان لم يحسن ان يلبّى» و ان كان ظاهرا في ثبوت فرضين الا ان الظاهر كون كلا الفرضين مصداقا للصبي غير المميز غير القادر على ان يحج بنفسه و الشاهد عليه قوله- ع- بعد ذلك و يطاف به و يصلى عنه فإنه حكم في كلا الفرضين فمن اين يستفاد حج الصبي بنفسه كما لا يخفى و اما قوله يأمره ان يلبّى و يفرض الحج فليس المراد به هو اذنه له في ان يحج و الا لا يلتئم مع قوله «حج الرجل بابنه» فإنه ظاهر في الإحجاج فالمراد من الأمر بالتلبية هو تلقينه إياها كما لا يخفى

______________________________

(1) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 40

..........

______________________________

و رواية أبان بن الحكم قال سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام يقول الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر، و العبد إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق. «1» بتقريب ان الذيل قرينة على ان المراد

من «حج به» هو الأمر بالحج و الاذن له فيه لانه لا معنى لاحجاج العبد في مقابل الصبي و قد عرفت ان الصحيح هو ابان عن الحكم و ان أبانا هذا هو ابان بن عثمان فالرواية من حيث السند لا مجال للخدشة فيها.

و اما الأولوية المذكورة أولا فغير واضحة لأن استحباب الإحجاج ثابت في حق الولي فكيف يستفاد منه الاستحباب على الصبي بنفسه إذا كان مميزا و لكن الطريق الثاني كاف في إثبات المشروعية و الصحة و ان لم نقل بها في سائر العبادات.

الجهة الثالثة في اعتبار اذن الولي في مشروعية حج الصبي و استحبابه و عدمه و المنسوب الى المشهور الاعتبار بل في الجواهر استظهار الإجماع من نفى الخلاف فيه بين العلماء في محكي المنتهى و التذكرة و لكن الذي ذهب اليه السيد في العروة و اختاره أكثر المتأخرين منه هو العدم و استدل للمشهور بأمرين:

أحدهما- ان الحج عبادة خاصة متلقاة من الشارع و قد قام الدليل على مشروعيته مضافا الى البالغ- في حق الصبي الذي اذن له الولي لأنه القدر المتيقن من الأدلة الدالة على المشروعية للصبي و في غير هذه الصورة نشك في أصل المشروعية و مع الشك فيها تجري أصالة العدم و لا مجال لقياس المقام على الموارد التي تكون أصل المشروعية مسلما و لكن الشك وقع في قيد وجودي أو عدمي كموارد دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين حيث يرجع فيها عند عدم الإطلاق إلى أصالة البراءة عن وجوب الزائد و الوجه فيه كون أصل المشروعية في المقام مشكوكا.

و الجواب عنه انه لا فرق في جواز الرجوع الى الإطلاق بين الصورتين أصلا

______________________________

(1) أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب

السادس عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 41

..........

______________________________

فمن إطلاق الأدلة المتقدمة الدالة على المشروعية للصبي يستفاد انه لا فرق بين صورة وجود الاذن و صورة عدمه أصلا فلا وجه لهذا الدليل.

ثانيهما: استتباع الحج للمال و من المعلوم ان جواز تصرف الصبي في المال مشروط بإذن الولي و قد مثل في العروة للمال بالهدي و الكفارة و لأجله أورد على هذا الدليل بأنه يمكن ان يقال أو لا بعدم ثبوت الكفارات عليه لان عمد الصبي و خطأه واحد و إتيانه ببعض محرمات الإحرام لا يوجب الكفارات و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى و ثانيا بأنه لو سلم ثبوت الكفارة فإن أمكن الاستيذان من الولي فهو و الا فيدخل في العاجز و مجرد ذلك لا يوجب سقوط الحج و توقفه على اذن الولي بل يمكن الالتزام بأنه يأتي بالكفارة بعد البلوغ و هكذا ثمن الهدى ان أمكن الاستيذان من الولي فهو و الا فيكون عاجزا عن الهدى.

و لكن الظاهر ان المراد به هو مصارف الحج المتوقف عليها الحج نوعا لاستلزامه السفر و غيره فيكون المراد ان استتباع الحج له يوجب توقفه على الاذن.

و لكنه يرد عليه- مضافا الى إمكان أن يتحقق البذل من أخيه- مثلا- أو من غيره بحيث لا يكون الحج له مستلزما لصرف شي ء من أموال نفسه أصلا- انه لو سلم استلزامه لصرف مال نفسه مطلقا نقول ان في مقابل ما يدل على اعتبار اذن الولي في التصرفات المالية الصادرة من الصغير الأدلة الدالة على استحباب الحج و مشروعيته بالإضافة إليه غاية الأمر انك عرفت ان في هذا المجال طائفة تدل بعمومها أو إطلاقها على الاستحباب

للصبي و طائفة تدل على خصوص الاستحباب للصبي اما الطائفة الأولى فالنسبة بينها و بين أدلة اعتبار الاذن في التصرف المالى عموم و خصوص من وجه لثبوت مادتي الافتراق و مادة الاجتماع اما الأولتان فهما حج غير الصبي و التصرف المالي في غير الحج و اما الثانية فحج الصبي و لا مرجح لدليل اعتبار الأذن بل يقع التساقط و يرجع الى أصالة عدم الاعتبار لو لم نقل بأن موافقة المشهور مرجحة لدليل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 42

[مسألة 1- يستحب للولي أن يحرم بالصبي غير المميز فيجعله محرما]

مسألة 1- يستحب للولي أن يحرم بالصبي غير المميز فيجعله محرما و يلبسه ثوبي الإحرام و ينوى عنه و يلقنه التلبية ان أمكن و الا يلبي عنه و يجنبه عن محرمات الإحرام و يأمره بكل من أفعاله و ان لم يتمكن شيئا منها ينوب عنه، و يطوف به و يسعى به و يقف به في عرفات و مشعر و منى، و يأمره بالرمي و لو لم يتمكن يرمى عنه و يأمره بالوضوء و صلاة الطواف و ان لم يقدر يصلى عنه، و ان كان الأحوط إتيان الطفل صورة الوضوء و الصلاة أيضا و أحوط منه توضؤه لو لم يتمكن من إتيان صورته. (1)

______________________________

اعتبار الاذن.

و اما الطائفة الثانية فعلى تقدير تماميتها و الإغماض عن المناقشة المتقدمة فاللازم الالتزام بكونها مخصصة لدليل اعتبار الاذن و الا تلزم اللغوية كما لا يخفى و لكن مورد هذه الطائفة صورة وجود اذن الولي كما هو ظاهر روايات هذه الطائفة هذا و الذي يسهل الخطب انه لا معارضة بين الطائفتين و بين أدلة اعتبار الاذن بوجه فان مفادهما ثبوت الاستحباب و المشروعية و صحة العمل من الصبي

و مفادها اعتبار الاذن في جواز التصرف المالى و لا منافاة بين الأمرين فإنه يقال بان جواز تصرفه يتوقف على الاذن و لكن حجه لا يكون مشروطا به و الكلام انما هو في الحج لا في المال فلو لم يستأذن من الولي و صرف مقدارا كثيرا من ماله فذلك لا يضر بحجه الذي لم يقم دليل على كونه مشروطا بالاذن فالأقوى- ح- ما عليه المتن نعم لو قلنا بأنه لا يجوز للولي الإذن للصبي في مثل الحج لعدم كونه مصلحة مالية و غبطة دنيوية و دائرة الاذن محدودة بالتصرف الذي كان كذلك و قلنا باستلزام الحج للتصرف المالى و لو غالبا لكان مقتضى أدلة استحباب الحج للصبي سقوط اعتبار الاذن لئلا تلزم اللغوية و لكن الظاهر عدم كون دائرة الاذن محدودة بذلك بحيث لا يجوز له الاذن في التصدق بماله و لو يسيرا و عليه فلا منافاة بين الدليلين بوجه.

(1) في هذه المسألة جهات من البحث:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 43

..........

______________________________

الأولى: أصل ثبوت الاستحباب للولي في ان يحج بالصبي غير المميز و يدل عليه- مضافا الى انه المشهور بين الأصحاب بل ادعى في الجواهر انه يمكن تحصيل الإجماع- روايات متعددة:

منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال:

قلت له ان معنا صبيا مولودا فكيف نصنع به؟ فقال: مر أمّه تلقى حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها، فاتتها فسألتها كيف تصنع فقالت إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه و جردوه و غسلوه كما يجرد المحرم وقفوا به المواقف، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه و احلقوا رأسه ثم زوروا به البيت و مري الجارية ان

تطوف به بالبيت و بين الصفا و المروة «1» و حميدة زوجة الامام الصادق و أمّ موسى بن جعفر عليهم السّلام و كانت تقية صالحة عالمة.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: انظروا من كان معكم من الصبيان فقد موه إلى الجحفة أو الى بطن مرو يصنع بهم ما يصنع بالمحرم، يطاف بهم و يرمى عنهم و من لا يجد الهدى منهم فليصم عنه وليه. «2»

و منها: صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال إذا حج الرجل بابنه و هو صغير فإنه يأمره ان يلبى و يفرض الحج فان لم يحسن ان يلبّى لبّوا عنه و يطاف به و يصلى عنه قلت ليس لهم ما يذبحون قال يذبح عن الصغار و يصوم الكبار و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب و ان قتل صيدا فعلى أبيه. «3»

و منها: غير ذلك من الروايات الدالة عليه.

ثم ان ظاهر هذه الروايات كالفتاوى إطلاق الحكم في الصبي غير المميز و انه

______________________________

(1) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 1

(2) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 3

(3) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 44

..........

______________________________

لا يكون له حد فالطفل الذي ولد من يومه يجري في وليّه هذا الحكم و لكن هنا رواية واحدة ظاهرة في التحديد و هي رواية محمد بن الفضيل قال سألت أبا جعفر الثاني عليه السّلام عن الصبي متى يحرم به؟ قال: إذا اثغر. «1»

و قوله: إذا اثغر يمكن ان يكون من باب الافعال و يكون معناه- ح- كثرة ثغر الصبي

و الثغر ما تقدم من الأسنان و يمكن ان يكون من باب الافتعال و عليه فأصله: اثتغر قلبت التاء ثاء فصار اثغر بالتشديد و هذا هو الذي قاله ابن فارس في كتاب مقاييس اللغة الذي هو من أصول كتب اللغة و قد فسره بمن ألقى أسنانه و لكن في كتاب القصاص قد فسر المثغر في مسألة ما لو كانت المقلوعة سن مثغر بمن سقطت أسنانه الرواضع التي من شأنها السقوط و نبت مكانها الأسنان الأصلية.

و على كلا التقديرين فمقتضى ورود الرواية في مقام التحديد و ظهورها في مفروغية ثبوت الحد عند السائل و التقرير له في الجواب ببيان الحدان تكون الرواية مخالفة للروايات المتقدمة و لا مجال لدعوى عدم المعارضة و لو بالإطلاق و التقييد لكونهما مثبتين و ذلك لأجل اقتضاء مقام التحديد لذلك غاية الأمر ان ما دل من الروايات المتقدمة بالإطلاق تكون قابلة للتقييد بهذه الرواية و اما مثل صحيحة ابن الحجاج الذي ورد في سؤالها إن معنا صبيا مولودا لا تجتمع مع هذه الرواية بوجه سواء كانت من باب الافعال أو من باب الافتعال لأن الصبي مع وصف كونه مولودا يكون المتفاهم منه عند العرف هو الصبي الذي يكون قريب العهد بالولادة و لم يمض من ولادته إلا زمان قليل مع ان الاثغار لا يتحقق إلا بمضي أشهر كثيرة و الاثتغار يتوقف على سنين متعددة بل في القاموس ان الصبي من لم يفطم بعد و ان كان الإطلاق في نفس هذه الرواية يكون على خلافه و عليه فتقع المعارضة بينها و بين هذه الرواية

______________________________

(1) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 8

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1،

ص: 45

..........

______________________________

و الترجيح مع الصحيحة لموافقة المشهور.

الجهة الثانية في انه هل يختص الحكم بالصبي أو يشمل الصبية أيضا و قد استشكل فيها صاحب المستند و الظاهر ان منشأ الاشكال لزوم الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على القدر المتيقن فان استحباب الإحجاج حكم مخالف للقاعدة لا يكون معهودا في شي ء من العبادات الأخرى فإن موضوع الاختلاف في شرعية عبادات الصبي و تمرينيتها هو الصبي المميز و اما الصبي غير المميز فلا بحث في عدم شرعية الصورة الحاصلة منه و لا في عدم استحباب حمله عليها للولي.

و اما كونه القدر المتيقن فلدلالة الروايات المتقدمة على حكم الابن أو الصبي أو الصبيان الذي هو جمع الصبي فلا يظهر منها حكم الصبية بوجه.

و ربما يقال بدلالة موثقة يعقوب على حكم الصبية قال قلت لأبي عبد اللّٰه- ع- ان معي صبية صغارا و انا أخاف عليهم البرد فمن اين يحرمون؟ قال ائت بهم العرج فليحرموا منها فإنك إذا أتيت بهم العرج وقعت في تهامة ثم قال فان خفت عليهم فائت بهم الجحفة «1» بناء على كون «يحرمون» و كذا قوله «فليحرموا» بصيغة المبني للمفعول لينطبق على الصبي غير المميز.

وجه الدلالة ان الصبية و ان كانت جمعا للصبي و جمع الصبية الصبايا الا ان المتفاهم العرفي من الصبية الصغار من الأولاد أعم من الذكر و الأنثى.

أقول لم يظهر وجه خصوصية هذه الرواية بعد ما كان المذكور فيها هي الصبية التي تكون جمعا للصبي.

و الظاهر ان مورد الروايات و ان كان هو الصبي أو الابن أو مثلهما الا ان العرف لا يرى له خصوصية بل يستفيد من نفسها شمول الحكم للصبية أيضا و هذا كعنوان «الرجل» المأخوذ في أدلة شكوك الصلاة

الذي تكون خصوصيته ملغاة بنظر

______________________________

(1) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 46

..........

______________________________

العرف فالإنصاف عدم اختصاص الحكم بالذكور.

الجهة الثانية في كيفية احجاجه فنقول:

امانية الإحرام فهي شأن الولي لفرض كونه صبيا غير مميز و هو لا يقدر على النية بوجه غاية الأمر ان الولي ينوي إحرام الصبي بحيث يصير الصبي محرما و يدل عليه ظهور الروايات المتقدمة في ذلك و ان وقع في صحيحة ابن الحجاج التعبير بقولها: فأحرموا عنه لكن الظاهر انه ليس المراد هو إحرام الولي عن الصبي كالإحرام المتحقق من النائب بقرينة قولها: و جردوه و غسلوه و غيرهما فالمراد هو الإحرام به و لذا لا بد له من مراعاة ان لا يتحقق من الصبي ما يحرم على المحرم البالغ من محرمات الإحرام كما قد صرح به في صحيحة زرارة المتقدمة حيث قال و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب و من المعلوم ان ذكرهما انما هو من باب المثال لا لأجل خصوصية فيهما.

ثم انه لا يبعد ان يقال بأنه كما يستحب التلفظ بالنية في اعمال حج نفسه كذلك يستحب التلفظ بها في إحرام الصبي كما قاله صاحب الجواهر و تبعه السيد في العروة فيقول: اللهم إني أحرمت هذا الصبي ..

و يلبسه ثوبي الإحرام كما ورد في بعض الروايات و يأمره بالتلبية اى يلقنه إياها ان أحسنها و ان لم يحسنها فيلبي عنه كما وقع التعرض لكلا الفرضين في رواية زرارة على ما عرفت في معناها.

و اما الطواف فحيث انه يكون مشروطا في البالغ و من بحكمه بالطهارة وقع البحث في انه هل يجب التوضؤ هنا

أم لا و على التقدير الأول فاللازم هو وضوء الولي أو الصبي بمعنى إتيانه بصورة الوضوء و على تقدير عدم التمكن توضؤه أو كليهما وجوه بل أقوال متعددة:

قال في محكي التذكرة: «و عليه ان يتوضأ للطواف و يوضئه فان كانا غير

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 47

..........

______________________________

متوضئين لم يجز الطواف، و ان كان الصبي متطهرا و الولي محدثا لم يجزه أيضا لأن الطواف بمعونة الولي يصح و الطواف لا يصح الا بطهارة و ان كان الولي متطهرا و الصبي محدثا فللشافعية قولان أحدهما لا يجزى ..» و ذكر في الجواهر بعد نقل هذه العبارة: قلت لا ريب في ان الأحوط طهارتهما معا لانه المتيقن من هذا الحكم المخالف للأصل و ان كان يقوى في النظر الاكتفاء بطهارة الولي كما يومئ اليه ما في خبر زرارة من الاجتزاء بالصلاة عنه.

أقول: مسألة الصلاة لا تقاس بالطواف بعد كون التعبير في الرواية المذكورة يطاف به و يصلى عنه و الوجه في الفرق هو إمكان الطواف بالصبي غير المميز مطلقا سواء كان بالحمل أو بالتعليم و اما الصلاة فلا تجري فيه ذلك لانه لا يمكن حمل الصبي في السنة الاولى من ولادته- مثلا- على الصلاة فاعتبار الطهارة فيها باعتبار كون الولي هو المصلى و اما الطواف فالطائف هو الطفل و ان كان بمعونة الولي.

هذا و يظهر من كشف اللثام ان اعتبار طهارة الولي كأنه لا اشكال فيه و انما الإشكال في اعتبار طهارة الصبي حيث قال: «و على من طاف به الطهارة كما قطع به في التذكرة و الدروس و هل يجب إيقاع صورتها بالطفل أو المجنون وجهان كما في الدروس و ظاهر

التذكرة من انها ليست طهارة مع الأصل و من انه طوافه لانه طواف بالمحمول».

و قال بعض الاعلام في شرح العروة ما خلاصته: انه ان تمكن الطفل من الوضوء و لو بتعليم الولي إياه فهو و ان لم يكن الطفل قابلا للوضوء فلا دليل على وضوئه و ما ورد من إحجاج الصبي انما هو بالنسبة إلى أفعال الحج كالطواف و السعي و اما الأمور الخارجية التي اعتبرت في الطواف فلا دليل على إتيانها صوره فإن الأدلة منصرفة عن ذلك كما انه لا دليل على ان الولي يتوضأ عنه فيما إذا لم يكن الطفل قابلا للوضوء فان الوضوء من شرائط الطائف لا الطواف و المفروض ان الولي غير طائف و انما يطوف بالصبي فالصحيح انه لا يعتبر الوضوء أصلا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 48

..........

______________________________

أقول لو فرض ان الأدلة منصرفة عن الأمور الخارجية المعتبرة في الطواف فلا دليل على لزوم الوضوء و ان تمكن الطفل منه و لو بتعليم الولي كما لا يخفى.

و الظاهر انه لا مجال لدعوى الانصراف بل المستفاد من الأدلة بعنوان الضابطة ان كل ما يتمكن الصبي من الإتيان به فاللازم أن يأتي به بنفسه و لو بتعليم الولي إياه من دون فرق بين الافعال و بين المقدمات و لكن تسلم لزوم طهارة الولي على ما في التذكرة و كشف اللثام يوجب التزلزل في الاقتصار على طهارة الصبي و ان كان الدليل المذكور في التذكرة غير صالح للاستدلال به فان مجرد توقف صحة طواف الصبي على معونة الولي لا يقتضي اعتبار طهارة الولي بوجه بعد عدم كونه متصفا بأنه طائف و قد عرفت الفرق بين الطواف و بين الصلاة

كما في الرواية فالأحوط الجمع بين الطهارتين وضوء الصبي أو توضئه و وضوء الولي.

ثم انه لم يعلم ان الوجه في عدم التعرض للطهارة في الطواف و تعرضه لها بالإضافة إلى الصلاة كما في المتن هل هو لعدم اعتبار الطهارة عنده في الطواف بوجه كما عرفته من بعض الاعلام أو يكون الطواف بنظره مثل الصلاة لا يبعد ان يكون الوجه هو الثاني.

كما ان الظاهر بملاحظة تحقق نية الإحرام من الولي ان نية الطواف أيضا وظيفته لانه لا يمكن ان تحقق من الطفل بعد كونه غير مميز كما هو المفروض.

ثم ان ظاهر جملة من الروايات المتقدمة هو رمى الولي عنهم و معناه ان هذا العمل خارج عن دائرة قدرة الصبي غير المميز فيأتي به الولي و لكن في محكي القواعد و المبسوط انه يستحب له ترك الحصى في يد غير المميز ثم يرمى الولي أي بعد أخذها من يده و في محكي المنتهى: «و ان وضعها في يد الصغير و يرمى بها فجعل يده كالالة كان حسنا» و سيأتي البحث في هذه الجهة في مباحث الرمي إن شاء اللّٰه تعالى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 49

[مسألة 2- لا يلزم ان يكون الولي محرما في الإحرام بالصبي]

مسألة 2- لا يلزم ان يكون الولي محرما في الإحرام بالصبي بل يجوز ذلك و ان كان محلا. (1)

[مسألة 3- الأحوط ان يقتصر في الإحرام بغير المميز على الولي الشرعي]

مسألة 3- الأحوط ان يقتصر في الإحرام بغير المميز على الولي الشرعي من الأب و الجد و الوصي لأحدهما و الحاكم و أمينه أو الوكيل منهم، و الام و ان لم تكن وليا، و الاسراء الى غير الولي الشرعي ممن يتولى أمر الصبي و يتكفله مشكل و ان لا يخلو من قرب. (2)

______________________________

(1) وجه عدم اللزوم انه و ان كان المفروض في بعض الروايات المتقدمة كصحيحة زرارة الواردة فيما إذا حج الرجل بابنه الصغير صورة حج الولي أيضا الا ان الظاهر إطلاق البعض الأخر و شموله لما إذا لم يرد الولي الحج أصلا فالحكم عام لكلا الفرضين.

(2) القدر المتيقن من ثبوت الحكم الاستحبابي بالإضافة إلى الإحجاج هو الولي الشرعي الشامل للمذكورين في المتن و البحث في ثبوت الولاية لهم موكول الى محله.

و اما غير الولي الشرعي فإن كان هو الام فالظاهر ثبوت هذه الولاية لها وفاقا للمبسوط و الخلاف و المعتبر و المنتهى و التحرير و المختلف و الدروس بل في المدارك نسبه الى الأكثر و ان نسبه في الشرائع إلى القول مشعرا بتضعيفه أو الترديد فيه و يدل عليه- مضافا الى إشعار صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المشتملة على أمر الإمام عليه السّلام بان تلقى أم المولود حميدة و تسأل عنها كيف تصنع بصبيانها بذلك بل دلالتها عليه- صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سمعته يقول مر رسول اللّٰه- ص- برويثة و هو حاج فقامت إليه امرأة و معها صبي لها فقالت يا رسول اللّٰه- ص- أ يحج عن

مثل هذا قال: نعم و لك اجره «1» فإن السؤال و ان كان لا دلالة

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 50

..........

______________________________

له في نفسه على تصدى الام للإحجاج لاجتماعه مع إحجاج الأب فإن محط نظر السائلة ان كون الصبي غير مميز يناسب مع الحج عنه- الذي يكون المراد هو الحج به و ليس المراد هو النيابة في الحج عن الصبي- أم لا الا ان قوله- ص- في الجواب: و لك اجره ظاهر في تصدى الام للإحجاج و ثبوت الأجر لها فلا مجال للإشكال في الأم بوجه و دعوى ان ثبوت الأجر لها أعم من احجاجها إياه مدفوعة بكونه خلاف الظاهر جدا.

و اما غير الام فربما يقال- كما قاله بعض الأعلام- بأنه يجوز لكل أحد ان يحرم بالصبي لأنه لا دليل على حرمة التصرف بالصبي ما لم يستلزم التصرف تصرفا ماليا و الذي يحتاج إلى اذن الولي ما إذا رجع التصرف بالصبي إلى التصرف في أمواله و اما إذا لم يرجع اليه فلا دليل على توقف جوازه على اذن الولي و عليه يجوز إحجاج الصبي لكل من يتولى أمر الصبي و يتكفله و ان لم يكن وليا شرعيا بل كان من الأجانب و الظاهر انه ليس البحث في الجواز من جهة كونه تصرفا في الصبي حتى يتكلم بمثل ما ذكر بل البحث انما هو في ثبوت الاستحباب المستفاد من الأدلة المتقدمة و انه هل يختص بالولي أو يعم غيره أيضا و هذا لا يرتبط بالجواز من جهة كونه تصرفا في الصبي بوجه بل اللازم ملاحظة تلك الأدلة و ربما يقال بدلالة

صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة على ذلك نظرا الى قوله- ع- انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة .. «1» فإن من كان معهم من الصبيان عام يشمل صبي نفسه و صبي غيره و لكن الظاهر انه لا مجال لاستفادة العموم منه فإنه حيث يكون المراد هو الصبيان غير المميزين و من المعلوم ان مثلهم يكونون مع أوليائهم لأن استصحاب صبي الغير مع فرض كونه غير مميز خلاف المتعارف خصوصا في سفر الحج فلا دلالة للرواية على تصدى غير الولي للتقديم إلى الجحفة كما لا يخفى.

______________________________

(1) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 51

[مسألة 4- النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الولي لا من مال الصبي]

مسألة 4- النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الولي لا من مال الصبي إلا إذا كان حفظه موقوفا على السفر به فمئونة أصل السفر- ح- على الطفل لا مئونة الحج به لو كانت زائدة. (1).

______________________________

و ربما يتوهم دلالة صحيحة زرارة المتقدمة أيضا على ذلك نظرا الى قوله- ع-: و ان لم يحسن ان يلبّى لبّوا عنه. «1» فإن الإتيان بصيغة الجمع مع كون المفروض في المورد حج الرجل بابنه و هو صغير لا يناسب الا مع جواز تلبية غير الولي من الحجاج المتعددين لانه لا معنى للزوم تلبية الجميع و بعبارة أخرى المفروض في الرواية بلحاظ هذا التعبير تعدد الحاج فإضافة التلبية إلى الجميع لا يكاد يصح الا مع صحة تلبية غير الولي كما لا يخفى.

و فيه ان ذيل الرواية قرينة على كون التعدد المفروض في الرواية تعدد الأولياء و الصغار فكما ان الجمع ثابت في ناحية الأولياء كذلك متحقق في ناحية الصغار و ذلك قوله- ع-

يذبح عن الصغار و يصوم الكبار و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم ..

فلا دلالة للرواية على تلبية غير الولي بل كل ولى يتصدى لتلبية صغيره و لأجله يصح التعبير بقوله: لبّوا عنه و الجمع بين هذا التعبير و بين كون المفروض في أول الرواية هو حج الرجل بابنه هو حمله على كون المراد به هو الجنس القابل لإرادة الجمع منه فتدبر جيدا.

(1) حيث ان إحجاج الصبي عمل يصدر من الولي بعنوان الاستحباب و ما يترتب عليه من الثواب انما يكون عائدا إلى الولي لا إلى الصبي و عليه فإذا كان الإحجاج متوقفا على السفر المستلزم لثبوت النفقة زائدة على الحضر فلا وجه لثبوتها في مال الصبي بوجه بعد عدم كونها غبطة له دنيوية و لا مصلحة له أخروية أصلا و ان كان مجرد المصلحة الأخروية أيضا غير كاف ظاهرا فان التصدق بمال الطفل لا يجوز و ان كان له.

______________________________

(1) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 52

[مسألة 5- الهدى على الولي و كذا كفارة الصيد]

مسألة 5- الهدى على الولي، و كذا كفارة الصيد، و كذا سائر الكفارات على الأحوط. (1) و في بعض النسخ: على الأقوى.

______________________________

نعم في مسألة الإحجاج إذا كان حفظه موقوفا على السفر به فمئونة السفر على الصبي و في ماله و كذلك إذا كان السفر مصلحة له نعم في هذه الصورة أيضا لا تكون مئونة الإحجاج في ماله كشراء ثوبي الإحرام له و أمثاله لعدم ارتباطه بما يتعلق بالصبي من الحفظ و المصلحة كما لا يخفى. و قد استدل عليه في الجواهر بأنه أولى من فداء الصيد الذي نص عليه في خبر زرارة قال: فما عن

الشافعي في أحد الوجهين من الوجوب في مال الصبي كاجرة المعلم واضح الضعف خصوصا بعد وضوح الفرق بان التعلم في الصغر يغنيه عنه في الكبر و لو فاته لم يدركه بخلاف الحج و العمرة.

(1) البحث في هذه المسألة يقع في مقامات:

المقام الأول في الهدى قال في الجواهر: و كأنه لا خلاف بينهم في وجوبه على الولي.

و الدليل على وجوبه على الولي ما عرفت من ان الإحجاج عمل يصدر من الولي بعنوان الاستحباب فما يتعلق به من النفقة يكون مرتبطا بالولي و لا وجه للثبوت في مال الصبي بعد عدم عود نفع اليه بوجه و الأولوية بالإضافة إلى كفارة الصيد المذكورة في المسألة السابقة جارية هنا أيضا فإنه إذا كانت الكفارة في قتل الصيد الذي هو عمل اختياري للصغير ثابتة على الولي فالهدى بطريق اولى كما لا يخفى.

و قد استدل على عدم ثبوته في مال الصبي- مضافا الى ما ذكر- بروايات:

منها صحيحة زرارة المتقدمة المشتملة على قوله: قلت: ليس لهم ما يذبحون قال: يذبح عن الصغار و يصوم الكبار و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم .. «1».

قال في «المستمسك» في مقام الاشكال على الاستدلال بالرواية: و اما صحيح

______________________________

(1) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 53

..........

______________________________

زرارة فالأمر فيه بالذبح عنهم انما كان بعد قول السائل: ليس لهم ما يذبحون فلا يدل على الحكم في صورة تمكن الطفل منه بل لعله ظاهر في الذبح من مال الصبي مع التمكن منه بل لا يبعد ظهوره في ذلك من جهة التقرير.

أقول: الظاهر ابتناء كلامه على كون مرجع الضمير في قول السائل: «هم» الحجاج صغارهم و

كبارهم على ما عرفت من كون المفروض في الرواية التعدد بالإضافة إلى كليهما فإنه- ح- يستظهر منه انه مع تمكن الصبي لا بد و ان يتحقق الذبح من ماله مع ان الظاهر ان مرجع الضمير خصوص الكبار بقرينة قوله- ع- قبله و ان لم يحسن ان يلبّى لبّوا عنه و عليه فمراد السائل عدم تمكن الحجاج الكبار من الذبح للجميع الكبار و الصغار فالحكم بلزوم الذبح عن الصغار ظاهر- ح- في الثبوت على الولي كما هو واضح.

و منها موثقة إسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة و خرجوا معنا الى عرفات بغير إحرام قال: قل لهم: يغتسلون ثم يحرمون و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم. «1».

و ظاهر الأكثر تمامية الاستدلال بهذه الرواية للمقام مع ان الظاهر عدم ارتباطها بما نحن فيه بوجه لان كلامنا انما هو في الصبي غير المميز الذي يريد الولي الإحجاج به بالكيفية التي عرفت و مورد هذه الرواية الصبيان المميزون الذين يتصدون للحج بأنفسهم و الدليل عليه قوله: يغتسلون ثم يحرمون و لا مجال لقراءتهما مبنية للمفعول بعد قوله: قل لهم كما هو ظاهر و عليه فالمتصدى للاغتسال و الإحرام انما هو نفس الصبي و لا محالة يكون مميزا.

ان قلت ان ذيل الرواية يدل على وجوب الذبح عنهم و ظاهره الثبوت في مال الأولياء فإذا كان الهدى ثابتا على الولي في الصبي المميز ففي الصبي غير المميز

______________________________

(1) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 54

..........

______________________________

بطريق اولى.

قلت- مضافا الى انه لا وجه للثبوت على الولي في الصبي المميز

خصوصا إذا قلنا بعدم اشتراط حجه بإذن الولي- يكون المراد من الذيل ان الذبح حيث يكون امرا خاصا لا يتحقق من الكبير نوعا بالمباشرة و لذا تجري فيه النيابة في حال الاختيار فلذا ينوب الكبار عن الصغار كما ينوب الكبار بعضهم عن بعض و لا دلالة للذيل على وجوب ان يشترى الولي من ماله دون مال الطفل كما هو ظاهر فهذه الرواية أجنبية عن المقام.

المقام الثاني في كفارة الصيد و المشهور بينهم ثبوته على الولي أيضا و المحكي عن التذكرة وجوبها في مال الصبي، و عن ابن إدريس انه لا تجب الكفارة أصلا لا على الولي و لا في مال الصبي.

و يدل على المشهور ذيل صحيحة زرارة المتقدمة و هو قوله- ع-: و ان قتل صيدا فعلى أبيه. «1» فإنه يستفاد منه ثبوت كفارة الصيد في مورد قتل الصبي الصيد أوّلا فيقابل قول ابن إدريس و ثبوتها على الأب ثانيا فيقابل ما حكى عن التذكرة و من الواضح انه لا خصوصية للأب بل المراد به هو مطلق الولي أبا كان أو غيره و قد عرفت في معنى الرواية ان هذا الذيل قرينة على عدم كون المراد بقوله: لبّوا عنه هي تلبية غير الولي أيضا بل حيث كان المفروض في الرواية تعدد الإباء و الأبناء وقع التعبير بالجمع بلحاظه فالمراد هو إحجاج كل ولي صبية و كل أب ابنه كما لا يخفى و كيف كان فالإشكال انما يرد على العلامة فإنه مع ذهابه إلى حجية خبر الواحد كيف أفتى بخلافه مع كونه صحيحا قد استند اليه المشهور و أفتوا على طبقه و لا يرد على ابن إدريس من ناحية هذه الرواية بل الاشكال عليه من جهة

أخرى نجي ء في المقام الثالث إن شاء اللّٰه تعالى.

______________________________

(1) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 55

..........

______________________________

و اما ما استند اليه العلامة في فتواه فهو ان ذلك أي الإتيان بما يوجب الكفارة من محرمات الإحرام من قبيل الإتلاف و الضمانات فكما ان إتلاف الصبي سبب لضمانه كذلك إتيانه بما يوجبها سبب لثبوت الكفارة و لا مانع من ثبوت الحكم الوضعي بالنسبة إلى الصبي لاشتراكه مع البالغ في الأحكام الوضعية كما قد حقق في محله.

و يرد عليه ما أورد عليه صاحب الجواهر من انه اجتهاد في مقابل النص و اما مستنده فسيأتي البحث عنه في المقام الثالث.

المقام الثالث في سائر الكفارات و البحث فيه أولا من جهة أصل ثبوت الكفارة بالإضافة إلى الصبي بعد اختصاص هذه الكفارات بصورة العمد.

و ثانيا من جهة انه بعد الثبوت هل يكون ثابتا على الولي أو يكون في مال الصبي و في هذا المقام احتمالات بل أقوال فالمحكي عن العلامة في التحرير و المختلف و المنتهى عدم ثبوت الكفارة أصلا و المحكي عن الكافي و النهاية الثبوت على الولي و اختاره العلامة في محكي القواعد و اما الثبوت في مال الصبي فلم ينقل عن أحد و لكن لازم ما اختاره العلامة في كفارة الصيد الثبوت في مال الصبي هنا أيضا.

و كيف كان فما استدل به على عدم ثبوت الكفارة أمور بعد وضوح انه لا مجال لإلغاء الخصوصية مما ورد في الصيد لثبوت الخصوصية له و عدم جواز قياس غيره به:

الأول ما ورد من ان عمد الصبي خطاء فان مقتضاه ان الفعل العمدي الصادر من الصبي يترتب عليه حكم الفعل

الصادر خطاء فإذا فرض ان هذه الكفارات لا تثبت إلا في صورة العمد فمقتضى ما ذكر عدم ترتب الكفارة على فعل الصبي و إتيانه شيئا من محرمات الإحرام كالتظليل العمدي و لبس المخيط كذلك و قد استحسن الاستدلال بهذا الأمر الشيخ فيما حكى عنه و استند اليه الحلي فيما ذهب اليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 56

..........

______________________________

و أورد على الاستدلال به بان هذه الجملة أجنبية عن أمثال المقام و انما تختص بباب الديات و الجنايات كما ذكره جماعة كثيرة و منهم السيدان صاحبا المدارك و العروة و ما قيل في وجه الاختصاص أمور:

أحدها ان هذه الجملة وردت في روايتين: الأولى صحيحة محمد بن مسلم عمد الصبي و خطاؤه واحد. «1» الثانية موثقة إسحاق بن عمار: عمد الصبيان خطاء يحمل على العاقلة. «2» و الرواية الثانية قرينة على ان الرواية الأولى أيضا ناظرة الى باب الديات و الجنايات لاختصاص الحمل على العاقلة بذلك الباب.

ثانيها ان نفس الصحيحة ظاهرة في الاختصاص فان المستفاد منها ان موردها ما إذا كان للعمد حكم و للخطاء أيضا حكم خاص و المقصود من الرواية الحكم بالوحدة فيما إذا صدر من الصبي و لازمة طبعا ترتب حكم الخطاء على الفعل العمدي الصادر منه فالقتل العمدي منه لا يوجب القصاص بل تثبت فيه الدية و تكون على العاقلة كما في قتل الخطاء و اما إذا لم يكن للخطاء حكم كما فيما هو المفروض في المقام لعدم ثبوت الكفارة في صورة الخطاء فلا تشمله الرواية بوجه لعدم ثبوت سنخين من الحكم بل الثابت سنخ واحد في خصوص صورة العمد.

ثالثها انصراف هذه الجملة عن مثل المقام من الكفارات و عدم

شمولها له بنظر العرف.

رابعها قيام القرينة الخارجية على الاختصاص بباب الديات و هي ملاحظة ترتب الآثار على الأفعال العمدية الصادرة من الصبي و على قصده و نيته فالإفطار العمدي منه في الصوم يوجب البطلان و كذا الإتيان عمدا بما يوجب قطع الصلاة و بطلانها من القواطع التي تقتضي البطلان في خصوص حال العمد و نية ثمانية

______________________________

(1) ئل أبواب العاقلة الباب الحادي عشر ح- 2

(2) ئل أبواب العاقلة الباب الحادي عشر ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 57

..........

______________________________

فراسخ من الصبي يترتب عليها القصر و لا مجال لدعوى كون نيته كلا نية و كذلك قصد الإقامة و الموارد الأخرى فهذه الأمور بمنزلة القرينة الخارجية التي توجب التصرف في ظاهر هذه الجملة و تخصيصها بخصوص باب الديات و الجنايات كما لا يخفى و الظاهر عدم تمامية شي ء من هذه الوجوه الا الوجه الأخير.

اما الوجه الأول فيرد عليه منع القرينية على تقدير تسليم كون الذيل قرينة على الاختصاص بالإضافة إلى الصدر في نفس الموثقة فإن قوله عليه السّلام: «يحمل على العاقلة «بيان لبعض موارد الضابطة الكلية الملقاة في الصدر و لا يوجب ذلك الاختصاص للضابطة بتلك الموارد و على تقدير اختصاص الموثقة بذلك لا دليل على كونها قرينة على اختصاص الصحيحة أيضا بذلك بعد عدم المنافاة بينهما بوجه.

و اما الوجه الثاني فغاية ما يستفاد من الصحيحة اختلاف العمد و الخطاء في الحكم سواء كان بسبب كون كل منهما موضوعا لحكم أو بسبب ترتب الحكم على العمد فقط و لازمة عدم ثبوته في مورد الخطأ و مقتضى الحكم بوحدتهما عدم ترتب حكم العمد على عمد الصبي و لأجل ما ذكرنا يجرى الاستصحاب في

عدم الحكم فإنه أيضا مرتبط بالشارع و مضاف إليه فكأنه حكم بحكمين في المقام أحدهما ثبوت الكفارة على العامد و ثانيهما عدم ثبوته على الخاطئ و لا وجه لإخراج مثل هذا المورد عن الرواية أصلا.

و اما الوجه الثالث فيرد عليه منع الانصراف بعد كون الروايات المذكورة مفيدة للضابطة العامة من دون فرق بين باب الديات و بين غيره أصلا.

و اما الوجه الرابع فقد عرفت تماميته و ان ملاحظة الأمور الخارجية المتقدمة و ما يشابهها تقتضي عدم سعة دائرة هذه الضابطة و اختصاصها بباب الديات و الجنايات فتحصل من جميع ما ذكرنا عدم تمامية الاستدلال لعدم ثبوت الكفارة في المقام بمثل هذه الروايات.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 58

..........

______________________________

الأمر الثاني دعوى انصراف أدلة ثبوت الكفارة عن الشمول للصبي.

و يرد عليها منع الانصراف بعد كون موضوع الحكم هو المحرم الذي اتى بمحرّم الإحرام و لا فرق في المحرم بين البالغ و بين الصبي و لا مجال لدعوى كون إحرامه صوريا و كلا إحرام فإن المستفاد من الروايات الواردة في إحجاج الصبي صيرورته محرما حقيقة بسبب تحريم الولي إياه كما لا يخفى هذا و لكن السيد- في العروة- استشهد لمنع الانصراف بقوله و الا فيلزم الالتزام به في الصيد أيضا مع ان لازم الانصراف ليس ذلك ضرورة ان الالتزام به في الصيد لأجل ورود نص خاص فيه مضافا الى كونه في الأهمية و العظمة بمرتبة لا يبلغها سائر المحرمات و لذا تثبت كفارته في كلتا صورتي العمد و الخطاء.

الأمر الثالث ان الأمور المترتبة على الحج من قبيل التكليف و الحكم التكليفي مرفوع عن الصبي لحديث رفع القلم و ليس ثبوت الكفارات من الضمان

كما في مورد إتلاف مال الغير الذي يوجب الضمان و يترتب عليه الحكم الوضعي غير المختص بالبالغين.

و يرد عليه- مضافا الى ان مقتضى هذا الأمر عدم ثبوت الكفارة على الصبي لا عدم ثبوتها مطلقا و لو على الولي- ان ثبوت الكفارة و ان كان بنحو الحكم التكليفي و لا مجال لتوهم كونه بمعنى الضمان كما في أصل ثبوت الهدى في الحج فإنه مجرد تكليف الا ان الكلام ليس في ذلك بل الكلام في سببية الإتيان بمحرم الإحرام لهذا الحكم التكليفي فإن المستفاد من الأدلة ثبوت هذه السببية شرعا و هي بلحاظ كونها من الأحكام الوضعية لا تختص بالبالغين بل تعم الصبيان كسببية الجنابة لوجوب الاغتسال بعد البلوغ فان كون المسبب حكما تكليفيا لا ينافي كون السببية شرعية غير مختصة بالبالغ و نظر العلامة في مسألة الصيد المتقدمة الى هذا المعنى غاية الأمر انه لا مجال للأخذ به من جهة الصيد بلحاظ ورود النص الخاص هناك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 59

..........

______________________________

و اما المقام فغير مشمول لذلك النص.

الأمر الرابع ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن عبد اللّٰه بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السّلام- و فيه: و سألته عن الصبيان هل عليهم إحرام؟ و هل يتقون ما يتقى الرجال؟ قال: يحرمون و ينهون عن الشي ء يصنعونه مما لا يصلح للمحرم ان يصنعه و ليس عليهم فيه شي ء. «1» بناء على كون قوله عليه السّلام يحرمون مبنيا للمفعول حتى ينطبق على الصبي غير المميز الذي هو محل البحث و يؤيده قوله: و ينهون الذي يكون مبنيا للمفعول لا محالة كما هو ظاهر و

بناء على كون الذيل ظاهرا في عدم وجوب الكفارة مطلقا لا عدم وجوبها على الصبي و يمكن ان يورد على هذا الأمر بمنع ظهور الذيل في ذلك و يؤيده الإتيان بكلمة «عليهم» فإنه لو كان المراد عدم وجوب الكفارة مطلقا لكان يقتصر على قوله و ليس فيه شي ء فتدبر.

و قد تحقق مما ذكرنا انه لم يقم دليل في مقابل إطلاق أدلة الكفارات على تقييدها بغير الصبي و لأجله تصل النوبة إلى البحث في الجهة الثانية و هي ان الكفارة هل تكون ثابتة على الصبي و في ماله أو تكون على الولي؟ مقتضى القاعدة، الأول لما عرفت من ان مقتضى أدلة الكفارات ثبوتها على المحرم و المحرم الحقيقي في المقام هو الطفل و الإتيان بمحرم الإحرام قد صدر منه فاللازم ترتب الكفارة عليه و العجب من السيد- قده- في العروة حيث انه استدل لأقوائية تكفل الولي بتضعيف أدلة نفى الكفارة أو عدم ارتباطها بالمقام مع ان ثبوت الكفارة أمر و تكفل الولي له أمر أخر.

و كيف كان فيمكن ان يستدل على الثبوت على الولي بأمرين:

أحدهما ما يستفاد من صاحب الجواهر من إلغاء الخصوصية عما ورد في قتل الصيد

______________________________

(1) ئل أبواب المواقيت الباب الثامن عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 60

..........

______________________________

و انه على أبيه كما في رواية زرارة المتقدمة و تقريبه ان ما ورد في الصيد يشتمل على أمرين أحدهما أصل ثبوت الكفارة في الصيد و ثانيهما ثبوتها على الأب و لا مجال لإلغاء الخصوصية من الأمر الأول بعد كون الصيد له أهمية خاصة فلا يمكن استفادة ثبوت الكفارة في غير الصيد من الرواية الواردة فيه و اما لو

استفيد ثبوتها من الأدلة الأخرى و ثبت اشتراك غير الصيد معه في أصل ثبوت الكفارة فلا مانع من إلغاء الخصوصية بالإضافة الى الأمر الثاني و الحكم بثبوت سائر الكفارات على الولي أيضا.

و هذا الأمر و ان كان غير بعيد الا ان إلغاء الخصوصية ليس بمثابة توجب الطمأنينة للنفس و الوثوق بها كما لا يخفى.

ثانيهما التسبيب لا بمعنى صيرورة الولي سببا لتحقق محرم الإحرام من الصبي فإن الولي و ان صار سببا لإحرامه فإنه الذي احرمه الا ان الإحرام لا يكون سببا و موجبا لصدور محرمه من التظليل و لبس المخيط و أشباههما بل السبب له هو إرادة الصبي و قصده لأغراض مترتبة عليه فان كونه غير مميز لا ينافي كونه مريدا و قاصدا و لذا أضيف العمد إليه في قوله- ع- عمد الصبي و خطؤه واحد بل بمعنى ان الولي كان مكلفا بعد الإحرام بالاتقاء عليهم كما في رواية زرارة و النهى عنهم كما في رواية على بن جعفر (ع) و صدور محرم الإحرام يكون دليلا غالبا على عدم تحقق المراقبة اللازمة و المحافظة الواجبة نعم يمكن صدور محرم الإحرام من الطفل أحيانا مع كمال مراقبة الولي و شدة محافظته الا انه من الندرة بمكان.

و على ما ذكرناه فيمكن ان يقال بان عدم المراقبة- مع فرض كون الطفل غير مميز- يوجب الاستناد إلى الولي فكأنه صدر هذا المحرم منه فيثبت عليه الكفارة و هذا الأمر و ان كان يمكن المناقشة فيه بأن مخالفة الولي للتكليف المتوجه إليه بالإضافة إلى الاتقاء و النهى لا يوجب ثبوت الكفارة عليه بل يترتب عليها استحقاق العقوبة و المؤاخذة الا انه طريق الى ان يكون مقتضى الاحتياط هو الثبوت على

الولي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 61

[مسألة 6- لو حج الصبي المميز و أدرك المشعر بالغا و المجنون كمل قبل المشعر]

مسألة 6- لو حج الصبي المميز و أدرك المشعر بالغا و المجنون كمل قبل المشعر يجزئهما عن حجة الإسلام على الأقوى و ان كان الأحوط الإعادة بعد ذلك مع الاستطاعة. (1)

______________________________

خصوصا مع ملاحظة الأمر الأول أيضا فالحق- ح- ما في المتن من اقتضاء الاحتياط اللزومي للثبوت على الولي.

(1) القول بالاجزاء في الفرضين هو المشهور بين الأصحاب و في الشرائع كالمحكي عن المعتبر و المنتهى الاجزاء على تردد و في محكي المدارك: التردد في محله و عن ظاهر النافع و صريح الجامع لابن سعيد هو المنع و في المستند نسب المنع إلى جماعة من متأخري المتأخرين و جعله الأظهر.

و لا يخفى ان مقتضى القاعدة بعد شرطية البلوغ- مثلا- في حجة الإسلام هو عدم الاجزاء لان مقتضاها اعتبار اشتمال جميع أجزاء الواجب على الشرط فكما ان مقتضى اعتبار شرطية الطهارة في الصلاة لزوم تحققها في جميع أجزاء الصلاة من أولها إلى أخرها فكذلك لازم اعتبار البلوغ في حجة الإسلام عدم تحققها بدونه و لو في شي ء من اجزائها و عليه فاللازم على القائل بالاجزاء اقامة الدليل عليه فنقول قد استدل عليه بأمور:

الأول الإجماع الذي ادعاه الشيخ في محكي الخلاف حيث استدل على الاجزاء بإجماع الفرقة و اخبارهم و العلامة في محكي التذكرة حيث قال: «و ان بلغ الصبي أو أعتق العبد قبل الوقوف بالمشعر فوقف به أو بعرفة بالغا معتقا و فعل باقي الأركان أجزأ عن حجة الإسلام و كذا لو بلغ أو أعتق و هو واقف عند علمائنا اجمع» قال صاحب الجواهر بعد نقل العبارة: و هو الحجة.

و يرد عليه منع الصغرى و

الكبرى اما الأول فلعدم حجية الإجماع المنقول بخبر الواحد و لو كان ناقله ثقة عدلا و قد حقق ذلك في محله و اما الثاني فلانه على تقدير الحجية بل و على فرض التحصيل لا يكون له في مثل المقام أصالة لاحتمال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 62

..........

______________________________

ان يكون مستند المجمعين شيئا من الوجوه الآتية فلا بد ملاحظتها.

الثاني الروايات المتعددة الواردة في العبد إذا أعتق و أدرك المشعر بعده الدالة على اجزائه عن حجة الإسلام مثل رواية شهاب عن أبي عبد اللّٰه- ع- في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له قال يجزى عن العبد حجة الإسلام و يكتب للسيد أجران ثواب العتق و ثواب الحج. «1»

و رواية معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- مملوك أعتق يوم عرفة قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج. «2» و غيرهما من الروايات الدالة على ذلك بتقريب ان المستفاد منها حكم عام بالإضافة الى كل من كان ناقصا- و لأجله لا يكون عليه حجة الإسلام- إذا كمل و أدرك المشعر كاملا يكون حجة مجزيا عن حجة الإسلام فلا فرق بين العبد و بين غيره من الصبي و المجنون في هذه الجهة أصلا و يمكن الإيراد عليه بأنه مع عدم تعرض شي ء من الروايات الواردة في العبد لعلة الاجزاء حتى يتعدى عن موردها إلى سائر موارد وجود العلة لا بد من القطع بالملاك و المناط و من الواضح انه لا مجال لتحقق هذا القطع خصوصا بعد ملاحظة عدم الاجزاء في بعض الموارد المشابهة كما قاله السيد في العروة حيث ذكر ان لازم إلغاء الخصوصية الالتزام بالاجزاء فيمن حج متسكعا ثم

حصل له الاستطاعة قبل المشعر و لا يقولون به.

الثالث الاخبار الدالة على ان من لم يحرم من مكة أحرم من حيث امكنه مثل رواية على بن جعفر- ع- عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السلام- قال سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله قال يقول اللهم على كتابك و سنة نبيك فقد تم إحرامه فإن جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع عشر ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 63

..........

______________________________

بلده ان كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه. «1»

قال صاحب الجواهر في تقريب الاستدلال بها: «فالوقف صالح لإنشاء الإحرام فكذا انقلابه أو قلبه مع انهما قد أحرما من مكة و أتيا بما على الحاج من الافعال فلا يكونان أسوء حالا ممن أحرم من عرفات- مثلا- و لم يدرك الا المعشر» بل في كلام بعض دلالتها على المقام بالأولوية.

و يرد عليه ان مقتضى ظهورها في كون الإحرام من حيث أمكن واجبا في موردها و مقتضى ملاحظة مواردها اختصاص الحكم بمن كان الحج واجبا عليه و لم يتحقق منه الإحرام في مكة لنسيان أو جهل أو عصيان أو مانع غيرها فإنه يجب عليه ان يحرم من حيث أمكن و اما الصبي الذي لا يجب عليه الحج و لا يكون مكلفا به فلا يستفاد حكمه منها و انه إذا بلغ قبل الوقوف بالمشعر يقع حجه حجة الإسلام و لذا اكتفى السيد في الجواب عن هذا الوجه بقوله و فيه ما لا يخفى.

الرابع الأخبار الدالة على

ان من أدرك المشعر فقد أدرك الحج ففي رواية جميل بن دراج عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج و من أدرك يوم عرفة قبل زوال الشمس فقد أدرك المتعة. «2»

و رواية هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال من أدرك المشعر الحرام و عليه خمسة من الناس فقد أدرك الحج. «3» و رواه الصدوق مثله الا انه قال على خمسة من الناس. و غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك.

و أورد السيد في العروة على الاستدلال بهذه الطائفة بأن موردها من لم يحرم فلا يشمل من أحرم سابقا لغير حجة الإسلام.

و اعترض عليه أكثر الشراح بعدم اختصاص موردها بمن لم يحرم بل يعمه

______________________________

(1) ئل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 8

(2) ئل أبواب الوقوف بالمشعر الباب الثالث و العشرون ح- 8

(3) ئل أبواب الوقوف بالمشعر الباب الثالث و العشرون ح 10

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 64

..........

______________________________

و من أحرم و فات منه الوقوف بعرفة لمانع من حبس أو غيره و في الحقيقة يكون المراد من هذه الروايات ان فوت الوقوف بعرفة الذي هو من الأركان لا يقدح في صحة الحج إذا كان ذلك لا عن عمد بل إدراك المشعر موجب لإدراك الحج فلا فرق بين من أحرم قبله و من لم يحرم أصلا.

و الحق في الجواب عن أصل الاستدلال ما أفيد مما يرجع الى عدم انطباق الدليل على المدعى بوجه فان مقتضى الروايات صحة الحج و تماميته بسبب إدراك المشعر و عدم كون فوت عرفة قادحا في ذلك و المدعى يرجع الى أجزاء الحج بعد البلوغ

و إدراك المشعر عن حجة الإسلام و من المعلوم ان الاجزاء و عدمه أمر و الصحة و عدمها أمر آخر و بعبارة أخرى لا شبهة في صحة حج الصبي و لو بلغ قبل الوقوف بالمشعر إنما الإشكال في الاجزاء و الروايات بعيدة عن إثباته و أجنبية عن افادته.

الخامس ما حكى عن بعض المحققين من ان مقتضى القاعدة هو الاجزاء لان الفعل المأمور به بالأمر الندبي عين الفعل المأمور به بالأمر الإيجابي من دون تفاوت بينهما أصلا لأن كلا من الفعلين واجد للملاك و المصلحة و الاختلاف انما هو في الأمر من جهة الوجوب و الاستحباب فالحج نظير الصلاة فكما انه إذا بلغ الطفل في أثناء الصلاة أو بعدها قبل خروج الوقت بل في أثنائه لا تجب عليه إعادة الصلاة لأنها طبيعة واحدة و قد تحقق الإتيان بها فكذلك الحج نعم ورد في باب الحج روايات تدل على ان البلوغ بعد الحج يمنع عن الاجزاء و انه لو حج الصبي عشرة حجج يجب عليه حجة الإسلام بعد البلوغ و تحقق الشرائط و اما البلوغ في الأثناء فلم يرد فيه نص دال على عدم الاجزاء بوجه فمقتضى القاعدة فيه الاجزاء و أورد عليه بوجهين:

الأول منع كون الحج طبيعة واحدة و حقيقة فأرده و ان كانت الصورة متحدة نظير الصلاة بالإضافة إلى أنواعها كالظهر و العصر و النافلة و الفريضة و القضاء و الأداء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 65

..........

______________________________

و الدليل على التعدد في المقام الروايات الدالة على عدم أجزاء حج الصبي البالغ بعد الحج عن حجة الإسلام و لو حج عشرة حجج و ما يدل على عدم أجزاء حج المتسكع و

عدم أجزاء حج العبد فان المستفاد منها تغاير طبيعة الحج و اختلاف حقيقته و ان كانت الصورة واحدة و عليه فالحج مثل أنواع الصلاة لا مثل نوع واحد منها كما لا يخفى.

ثم انه على المستدل إثبات وحدة الحقيقة و يكفي للقائل بالعدم عدم ثبوت الوحدة لان الاجزاء متوقف على إحراز الوحدة كما لا يخفى.

الثاني انه لو سلم كون الحج حقيقة واحدة لكن إطلاق بعض الروايات الواردة في عدم أجزاء حج الصبي يشمل ما إذا بلغ أثناء العمل و قبل إتمامه كصحيحة إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن ابن عشر سنين يحج؟ قال عليه حجة الإسلام إذا احتلم، و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت. «1» فإنه و ان كان تصوير البلوغ في الأثناء بالإضافة إلى الصبي المفروض في السؤال بعيدا جدا لكن تصوير حدوث الطمث بالنسبة إلى الجارية مع عدم فرض سن خاص لها أمر ممكن و مقتضى الرواية- ح- انه لا فرق في عدم الاجزاء بين حدوث الطمث بعد تمام الحج و بين حدوثه في الأثناء و يؤيده انه لا شبهة بحسب فتاويهم ظاهرا في عدم الاجزاء إذا بلغ بعد الموقفين و قبل إتمام بقية الأعمال و مستندهم ظاهرا نفس هذه الروايات فتدبر.

و الحق في هذه الجهة ان يقال ان مقتضى هذه الرواية ان الجارية إذا طمثت يجب عليها الحج فالطمث موجب لثبوته و لزومه و إذا انضمت هذه الرواية إلى الروايات المتقدمة الدالة على ان من أدرك المشعر فقد أدرك الحج يستفاد ان ما تأتي به الجارية بعد الطمث تكون حجة الإسلام إذا كان الطمث قبل الوقوف بالمشعر

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني عشر ح-

1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 66

..........

______________________________

و بعبارة أخرى المستفاد من تلك الروايات كما عرفت هو صحة الحج و تماميته بإدراك المشعر و مفاد هذه الرواية وجوب الحج الصحيح عليها بعد الطمث فملاحظة مجموعهما تصير دليلا للمشهور القائل بالاجزاء و ان كان كل واحد منهما غير صالح للاستدلال به فالحق- ح- ما عليه المتن تبعا لهم.

بقي في هذه المسألة جهات من البحث بعد الفراغ عن الاجزاء و اختياره:

الاولى قال السيد في العروة في مسألة العبد المنعتق قبل الوقوف بالمشعر التي يكون الاجزاء فيها ثابتا بالإجماع و النصوص: «هل يشترط في الاجزاء تجديد النية للإحرام بحجة الإسلام بعد الانعتاق من باب القلب أولا بل هو انقلاب شرعي؟

قولان مقتضى إطلاق النصوص الثاني و هو الأقوى فلو فرض انه لم يعلم بانعتاقه حتى فرغ أو علم و لم يعلم الاجزاء حتى يجدد النية كفاه و أجزأه». و قد تبع فيما اختاره صاحب الجواهر حيث تمسك بإطلاق النص و الفتوى و ان مقتضاه هو الاجزاء الشرعي» خلافا لما حكى عن الخلاف من وجوب تجديد نية الإحرام و لما حكى عن المعتبر و المنتهى و الروضة من إطلاق تجديد نية الوجوب و لما عن الدروس من تجديد النية.

أقول ان كان المستند في جريان الحكم في الصبي هو إلغاء الخصوصية من الروايات الواردة في انعتاق العبد قبل الوقوف بالمشعر الدالة على أجزاء حجه عن حجة الإسلام كما يظهر من الجواهر فلا مانع من التمسك بإطلاق تلك الروايات بالإضافة إلى المقام أيضا و الحكم بعدم لزوم تجديد النية و ان كان يمكن المناقشة على هذا التقدير أيضا فتدبر جيدا.

كما انه لو كان المستند في الحكم بالاجزاء في

الصبي البالغ هو الوجه الخامس الذي عرفته من ان الحج لا يكون حقائق متعددة و طبائع متكثرة بل هو حقيقة واحدة و طبيعة فأرده قد يعرض لها الاستحباب و قد يعرض لها الوجوب و لا يوجب ذلك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 67

..........

______________________________

الاختلاف بوجه فاللازم أيضا ان يقال بعدم لزوم تجديد النية أصلا.

و اما لو منعنا إلغاء الخصوصية في روايات العبد و منعنا وحدة الطبيعة و اتحاد الحقيقة بل قلنا بالتعدد و التكثر و استندنا في الحكم بالاجزاء الى ما ذكرنا من ضم روايات «من أدرك المشعر فقد أدرك الحج» إلى الإطلاق في رواية الجارية الدالة على ان عليها الحج إذا طمثت فاللازم الحكم بلزوم تجديد نية الإحرام لان مقتضى ذلك الدليل وجوب الحج بالبلوغ لفرض التمكن منه بسبب إدراك المشعر و هذا لا ينافي لزوم التجديد بعد كون مقتضى القاعدة ذلك لفرض اختلاف الحقيقة و تعدد الطبيعة و بعبارة أخرى بعد كون اللازم بحسب القاعدة تجديد النية ليس هناك ما يدل على عدم اللزوم و الاكتفاء بالنية الأولى كما لا يخفى فالحكم في هذه الجهة مبنى على ملاحظة دليل الاجزاء و الثمرة بين القولين تظهر في الفرعين المذكورين في كلام السيد- قدس سره- في العروة.

الجهة الثانية في اعتبار الاستطاعة في الاجزاء و عدمه و في هذه الجهة مباحث:

الأول في أصل اعتبار الاستطاعة و عدمه و صريح الجواهر عدم اعتبار الاستطاعة نظرا إلى إطلاق نصوص العبد و الروايات الواردة فيه قال: و لا استبعاد في استثناء ذلك مما دل على اعتبارها فيها أي في حجة الإسلام بل حكى عن التذكرة انه قال: «لو بلغ الصبي و أعتق العبد قبل

الوقوف أو في وقته و أمكنهما الإتيان بالحج وجب عليهما ذلك لان الحج واجب على الفور و لا يجوز لهما تأخيره مع إمكانه كالبالغ الحرّ خلافا للشافعي و متى لم يفعلا الحج مع إمكانه فقد استقر الوجوب عليهما سواء كانا موسرين أو معسرين لان ذلك واجب عليهما بإمكانه في موضعه فلم يسقط بفوات القدرة بعده».

و استدل السيد في العروة- مضافا الى إطلاق نصوص العبد- بانصراف ما دل على اعتبار الاستطاعة عن المقام.

و لكن في محكي كشف اللثام جعل شرطية الاستطاعة في الاجزاء من المعلوم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 68

..........

______________________________

و يظهر الاعتبار من الدروس و الروضة و غيرهما و هو الظاهر و ذلك- مضافا الى منع الانصراف المتقدم- لان الروايات الواردة في العبد انما يكون محطّ النظر فيها هو حيث الحرية و العبودية و في الحقيقة تكون هذه الروايات ناظرة إلى أدلة اعتبار الحرية في حجة الإسلام و ان المراد منها ليس هو اعتبارها في جميع أفعال الحج و مناسكه بل إذا تحققت قبل الوقوف بالمشعر يكفى ذلك في الاجزاء و اتصاف حجه بكونه حجة الإسلام و لا نظر في هذه الروايات إلى سائر الشرائط المعتبرة فيها التي منها الاستطاعة و لا إطلاق فيها بالإضافة إليها أصلا و لذا لو جنّ بعد الانعتاق أو مقارنا له لا مجال للحكم بالصحة تمسكا بإطلاق الأدلة و الوجه فيه هو عدم كون محط نظرها إلّا الخصوصية الراجعة إلى الحرية و الرقية و لا تكون نافية لسائر الشرائط أصلا و عليه فلا تعارض بين روايات العبد و بين أدلة اعتبار الاستطاعة لا بنحو العموم و الخصوص مطلقا الذي عبر عنه في الجواهر بالاستثناء

كما عرفت و لا بنحو العموم و الخصوص من وجه كما تنزل إليه في الجواهر في ذيل كلامه و قال انه على هذا التقدير أيضا يكون الترجيح للمقام و على ما ذكرنا يكون الظاهر هو اعتبار الاستطاعة.

الثاني ان الاستطاعة المعتبرة هل هي الاستطاعة في حال البلوغ أو الاستطاعة من أول أعمال الحج فيه وجهان بل قولان قال في كشف اللثام: «من المعلوم ان الاجزاء عن حجة الإسلام مشروط بالاستطاعة عند الكمال ..» و المحكي عن الدروس و الروضة و غيرهما اعتبار سبق الاستطاعة و بقائها و قد ضعف بعض الأعاظم على ما في تقريراته في شرح العروة ما افاده كاشف اللثام نظرا الى ان إطلاق أدلة اشتراط الاستطاعة في حجة الإسلام الشامل للمقام انما يدل على اشتراط ثبوتها من أول الأعمال إلى آخرها بحيث لو فقدت في جزء منها لم يجز عنها فان قلنا بانصراف إطلاقها عن المقام فاللازم القول بعدم اعتبارها أصلا و ان لم نقل بالانصراف فلا بد من القول باشتراطها من أول الأعمال إلى آخرها فلا مجال للقول باشتراطها من حين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 69

..........

______________________________

الانعتاق أو البلوغ في المقام.

أقول- مضافا الى انه لا مجال لحمل روايات العبد الدالة على الاجزاء على ما إذا كان هناك استطاعة سابقة و حين الشروع في الأعمال إذا قلنا بان العبد لا يملك لانه لا يبقى لها مورد فتدبر و الى ما عرفت من العلامة في التذكرة من القول بوجوب الحج على الصبي البالغ قبل الوقوف أو في وقته وجوبا فوريا يوجب تركه استقرار الوجوب من دون فرق بين ما إذا كان موسرا أو معسرا غاية الأمر أنه يمكنه

الحج مع الإعسار.

ان مقتضى روايات «من أدرك المشعر فقد أدرك الحج» بضميمة أدلة اعتبار الاستطاعة انه من استطاع و أدرك المشعر يكون حجة حجة الإسلام و من الواضح انه لا يعتبر في هذه الاستطاعة إلّا الاستطاعة و لو في ساعة قبل إدراك المشعر و لا مجال هنا لدعوى لزوم كون الاستطاعة متحققة من أول أعمال الحج بحيث لو كان يأتي بالحج بتمام أفعاله و اجزائه كان مع الاستطاعة فالاستطاعة المعتبرة هي الاستطاعة عند وجوب الحج و عليه فلا فرق بين عدم الإتيان بالأعمال السابقة على الوقوف أو الإتيان بها كما في المقام إذ لا يكون الإتيان مانعا عن تحقق حجّة الإسلام كما لا يخفى.

الثالث ان الاستطاعة المعتبرة هل هي الاستطاعة من البلد أو الميقات؟ الظاهر هو الثاني لأن طيّ الطريق الى الميقات لا يكون داخلا في الحج و لذا لو طيّ الطريق متسكعا ثم استطاع من الميقات يجب عليه حجة الإسلام.

الجهة الثالثة قد وقع التعبير في المتن تبعا للشرائع و بعض العبارات بإدراك المشعر لكن في نصوص العبد و معقد إجماع التذكرة و جملة من العبارات الاكتفاء في إدراك الحج بإدراك أحد الموقفين لا خصوص المشعر قال في الجواهر بعد نقل ذلك: و لعله لأن إدراك المشعر متأخر عن موقف عرفة فالاجتزاء بأحدهما يقتضي أنه الأقصى في الإدراك و لو فرض تمكنه من موقف عرفة دون المشعر فلا يبعد عدم الإجزاء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 70

..........

______________________________

ضرورة ظهور النص و الفتوى في ان كل واحد منهما مجز مع الإتيان بما بعده لا هو نفسه.

أقول الظاهر ان الحكم من هذه الجهة لا يكون حكما جديدا بل حال الصبي من هذه

الجهة حال غيره سواء كان المستند هو إلغاء الخصوصية من الروايات الواردة في العبد أو كان المستند هي الروايات الدالة على من أدرك المشعر فقد أدرك الحج على ما عرفت اما على الثاني فواضح لعدم ورودها في خصوص الصبي و مثله بل الحكم عام فاللازم ملاحظة ان الموجب لإدراك الحج هو إدراك خصوص المشعر أو ان المناط هو إدراك أحد الموقفين و سيأتي البحث فيه في محله إن شاء اللّٰه تعالى و اما على الأول فلان الظاهر عدم كون الروايات الواردة في العبد ناظرة إلى خصوصية للعبد من هذه الجهة بل مفادها عدم اعتبار الحرية في تمام الاعمال و كفاية تحققها في المقدار الذي يوجب إدراك الحج كما لا يخفى.

الجهة الرابعة في ان الحكم بالاجزاء يختص بغير حج التمتع من القران و الافراد أو يعم حج التمتع بلحاظ تقدم عمرته على حجة أيضا و في هذه الجهة بحثان:

الأول في انه هل يشمل أدلة الاجزاء حج التمتع أم لا يمكن ان يقال بعدم الشمول نظرا الى انصرافها عن حج التمتع مع ملاحظة تقدم عمرته على حجه و لكن الظاهر انه لا مجال لدعوى الانصراف و ثبوت الإطلاق لتلك الأدلة.

الثاني انه بعد الشمول هل يكون مقتضاها الاجزاء بالإضافة إلى العمرة الواقعة بتمامها في حال عدم البلوغ أو ان مقتضاها هو الاجزاء بالإضافة إلى الحج فقط فالمحكي عن الخلاف و التذكرة التصريح بالأول و في محكي الدروس نسبته الى ظاهر الفتوى، و ظاهر كاشف اللثام هو الثاني قال في محكي كشفه: «انه- اى الاجزاء بالإضافة إلى العمرة أيضا- لم يساعده الدليل ان لم يكن عليه إجماع فإن إدراك أحد الموقفين الاختياريين يفيد صحة الحج و العمرة فعل أخر

مفصول منه وقعت بتمامها في الصغر أو الجنون كعمرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 71

[مسألة 7- لو مشى الصبي إلى الحج فبلغ قبل ان يحرم من الميقات و كان مستطيعا]

مسألة 7- لو مشى الصبي إلى الحج فبلغ قبل ان يحرم من الميقات و كان مستطيعا و لو من ذلك الموضع فحجه حجة الإسلام. (1)

______________________________

أوقعها في عام أخر فلا جهة للاكتفاء بها و إذا قيل بالعدم فيكون كمن عدل الى الافراد اضطرارا فإذا أتم المناسك أتى بعمرة مفردة في عامه ذلك أو بعده».

و قيل في تتميمه: انه يأتي بعد التمام بعمرة اخرى للتمتع في ذلك العام ان كانت أشهر الحج باقية و يسقط الترتيب بين عمرة التمتع و حجه للضرورة و ان لم يبق أشهر الحج أتى بالعمرة في القابل و هل يجب عليه فيه حجة أخرى وجهان:

من الأصل و من دخول العمرة في الحج و وجوب الإتيان بهما في عام واحد على المتمتع أقول لا ينبغي الترديد في ان المستفاد من أدلة الاجزاء بحسب ما هو المتفاهم منها هو كفاية العمرة الواقعة في حال الصغر أو العبودية و الوجه فيه كون حج التمتع و عمرته فعلا واحدا بخلاف حج القران و الافراد مضافا الى تقدم العمرة على الحج فبعد الالتزام بشمول أدلة الاجزاء لحج التمتع لا يكون مفادها الا ذلك.

و من هذه الأدلة العامة الشاملة لحج التمتع يظهر انه لو بلغ الصبي في أثناء العمرة أو بعدها قبل الشروع في الحج يكون عمله مجزيا عن حجة الإسلام كما إذا بلغ في أثناء الحج قبل الوقوف بالمشعر كما لا يخفى.

(1) لا شبهة في كون الحج في المورد المفروض في المتن حجة الإسلام لفرض وقوعه بتمامه في حال الكمال مع الاستطاعة و من الواضح كفاية

الاستطاعة من موضع الإحرام و عدم لزوم ثبوتها من البلد بعد كون طي الطريق مقدمة لا دخل له في أصل الحج و المفروض الإتيان به في حال الصغر فهو كمن طي الطريق متسكعا ثم استطاع في موضع الإحرام فإنه لا شبهة في وجوب الحج عليه.

و الذي ينبغي التعرض له في هذه المسألة فرعان:

الأول الفرع الذي لم أر من تعرض له و هو ما إذا كان الصبي مستطيعا في البلد و لكنه غير بالغ و يعلم بأنه سيصير بالغا قبل الإحرام و في المدينة- مثلا- لتمامية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 72

..........

______________________________

سنه المعتبر في البلوغ في ذلك الوقت فهل يلزم عليه- و لو من ناحية العقل- ان يسلك الطريق و يوصل نفسه الى الميقات للإحرام و يأتي بحجة الإسلام أو انه لا تجب عليه الحجة في هذا العام بل ان بقيت استطاعته الى العام القابل يجب عليه فيه؟ ربما يتخيل الثاني نظرا إلى انه لا سبيل إلى إلزام الصبي بشي ء أصلا فلا مجال لإيجاب طي الطريق عليه و لو مع العلم بما ذكر.

و لكن الظاهر بطلان هذا التخيل فان الإلزامات الشرعية و ان كانت مرفوعة عن الصبي بحديث رفع القلم و مثله الا ان الإلزامات العقلية لا مجال لدعوى عدم ثبوتها في حق الصبي المميز فكما ان الحسن و القبح العقليين يجريان في الصبي المميز فالظلم منه قبيح و الإحسان منه حسن فكذلك الإلزامات العقلية ثابتة في حقه و طي الطريق يكون مشمولا لذلك فإذا كانت الاستطاعة البلدية موجودة على الفرض و الصبي يعلم بارتفاع النقص قبل الشروع في العمل فما المانع من توجه وجوب الحج اليه لا فعلا بل

عند البلوغ و ما المسوغ لترك الواجب في حقه و التأخير عن وقته و عدم فعلية وجوب الحج فعلا لا يمنع عن تحقق الإلزام العقلي بعد فرض اجتماع شرائط الوجوب قبل الإتيان بالواجب فهذا المقام نظير المقدمة التي يعلم المكلف بعدم التمكن منها في ظرف فعلية التكليف و تحقق شرائطه و لكنه متمكن منها فعلا فالظاهر انه محكوم من ناحية العقل بطى الطريق للإتيان بالواجب في وقته.

الثاني ما تعرض له بعض الاعلام في شرح العروة معترضا على الماتن من جهة عدم التعرض له و هو ما لو بلغ بعد الإحرام و قبل الشروع في الأعمال و ذكر في حكمه: انه هل يتم ذلك ندبا أو حين البلوغ ينقلب الى حجة الإسلام فيعدل إليها أو يستأنف و يحرم ثانيا من الميقات ثم رجح الاحتمال الثالث نظرا الى ان الاكتفاء بالإحرام الأول بدعوى انقلاب حجه الى حجة الإسلام لا دليل عليه، و إتمامه ندبا لا وجه له الا ما قيل من ان المحرم ليس له ان يحرم ثانيا و هذا واضح الدفع فإن الإحرام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 73

..........

______________________________

الأول ينكشف فساده بالبلوغ المتأخر و لذا لو علم حال الإحرام بأنه يبلغ بعد يومين- مثلا- ليس له ان يحرم و هو صبي فلا بد من إعادة الإحرام و يرجع الى الميقات و يحرم إحرام حجة الإسلام و هكذا لو دخل في أفعال العمرة و أتمها ثم بلغ فإنه يجب عليه الرجوع الى الميقات و إتيان العمرة ثانيا إذا وسع الوقت.

أقول لم يظهر لي كون هذا الفرع فرعا جديدا مغايرا لما وقع التعرض له في المسألة السادسة المتقدمة و هو ما إذا

بلغ الصبي و أدرك المشعر فإن عمدة مستند الحكم بالاجزاء فيه هو الروايات الواردة في انعتاق العبد و هو يصرح في مسألة العبد التي تعرض لها بعد صفحات بعموم روايات العبد و شموله لحج التمتع أيضا من جهة و بان المستفاد من إطلاق النصوص عدم الفرق بين حصول الحرية قبل الشروع في اعمال الحج و حصولها في أثناء العمرة و بين حصول الحرية بعد العمرة و قبل الموقف بمدة يسيرة- مثلا- فان الميزان في الاجتزاء كونه حرا في أحد الموقفين سواء حصلت الحرية في أثناء العمرة أم بعدها قبل أحد الموقفين.

فإذا كان هذا حال العبد و الملاك هو حصول الحرية في أحد الموقفين فيكون حال الصبي أيضا كذلك لانه لا فرق بينهما الا ان يستثنى من حكم العبد خصوص ما إذا انعتق بعد الإحرام و قبل الشروع في اعمال العمرة في حج التمتع و من الواضح انه لا وجه لهذا الاستثناء بعد كون الضابط ما ذكر خصوصا بعد تصريحه هنا بأنه إذا بلغ بعد إتمام العمرة يجب عليه الرجوع الى الميقات للإتيان بالعمرة ثانيا و ان كان مستند الحكم بالاجزاء في الصبي هي الروايات الدالة على ان من أدرك المشعر فقد أدرك الحج فقد عرفت ان مقتضاها أن إدراك المشعر و ان كان مقرونا بفوات عرفات يوجب إدراك الحج فالميزان هو إدراك المشعر سواء أدرك الوقوف بعرفات أم لا و من المعلوم تحققه في المقام لا لان له خصوصية بل لانه من مصاديق الفرع المتقدم.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحج؛ ج 1، ص: 74

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 74

[مسألة 8- لو حج ندبا باعتقاد انه غير بالغ فبان بعد الحج خلافه]

مسألة 8- لو حج ندبا باعتقاد انه غير بالغ فبان بعد الحج خلافه، أو باعتقاد عدم الاستطاعة فبان خلافه لا يجزى عن حجة الإسلام على الأقوى إلا إذا أمكن الاشتباه في التطبيق. (1).

______________________________

و مما ذكرنا يظهر الخلل فيما افاده من كون البلوغ المتأخر كاشفا عن بطلان الإحرام المتقدم أو العمرة المتقدمة فإنه لم يقم دليل على هذا الكشف بعد وقوع العمل صحيحا و اجزائه عن حجة الإسلام بناء على مذهب المشهور القائل بالاجزاء في تلك المسألة.

و بالجملة لم يظهر لنا أصلا ان هناك يكون فرعا جديدا غير الفرع المتقدم فتدبر جيدا.

(1) الإشكال في الاجزاء عن حجة الإسلام في الفرضين المذكورين في المتن اما على القول بعدم كون الحج ذات حقيقة واحدة و طبيعة فأرده بل له حقائق متعددة و متخالفة و ان كانت الصورة واحدة كصلاة الظهر و صلاة العصر فإنهما و ان كانتا متحدتين في الصورة الّا انه لا إشكال في تعددهما نظرا الى كون عنواني الظهرية و العصرية من العناوين القصدية التي لا تمتاز الّا بالقصد و لذا لو صلى صلاة العصر بتخيل الإتيان بصلاة الظهر ثم انكشف انه لم يأت بها بعد لا يجوز له احتساب ما اتى به بعنوان صلاة الظهر بل يأتي بصلاة الظهر بعدها و يسقط الترتيب لأجل الاعتقاد بإتيان صلاة الظهر فلان ما قصده من الحقيقة غير ما عليه من الحقيقة الأخرى كمثال الصلاة فالوجه في الاشكال في الاجزاء على هذا المبنى كون ما قصده غير ما عليه.

و اما على القول بوحدة الحقيقة و عدم تعدد الطبيعة غاية الأمر انه قد يعرض لها

الوجوب و قد يعرض لها الاستحباب كما عرفت نقله من بعض المحققين فالوجه في الاشكال على تقدير اعتبار قصد الوجه من الوجوب أو الاستحباب هو عدم رعاية هذا القصد لانه لم يأت به بنية الوجوب و هي كانت لازمة المراعاة في الامتثال و تحقق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 75

..........

______________________________

الموافقة في الأمور العبادية.

و على تقدير عدم اعتبار قصد الوجه أيضا فالوجه في الاشكال- ح- ان قصد الوجه و ان لم يكن معتبرا على ما هو المفروض الّا انه يمكن ان يقال بان مرجع عدم الاعتبار الى عدم لزوم نية الوجوب أو الاستحباب و اما نية الخلاف فقادحة في تحقق الامتثال و المفروض في المقام ثبوت هذه النية.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه على التقدير الأول الذي يبتنى على تعدد الحقيقة و تكثر الطبيعة لا محيص عن الاشكال و الحكم بالبطلان لما ذكر من مغايرة ما قصده لما عليه من جهة الحقيقة و لا مجال معها للاجزاء كما عرفت في مثال الصلاة.

نعم يستثنى فرض يمكن ان يتحقق و هو ما إذا أخطأ في التطبيق و نظيره في مئال الصلاة أن تكون نيته امتثال الأمر المتعلق بما هو الواجب أولا بعد زوال الشمس غاية الأمر أنه يتخيل انه معنون بعنوان صلاة العصر فالمنوى و ان كان هذا العنوان الا ان النية كانت متعلقة بالأصل بما هو الواجب أو لا فيكون الخطأ و الاشتباه في التطبيق بحيث لو كان يعلم بان الواجب أولا هي صلاة الظهر لكان يقصدها و في المقام ان تكون نيته امتثال الأمر المتعلق بالحج المتوجه اليه بعنوان انه يأتي به أول مرة مثلا غاية الأمر أنه يتخيل لأجل اعتقاد

عدم البلوغ أو عدم الاستطاعة انه أمر ندبي و لأجله ينوى متعلقه المغاير في الحقيقة مع الحج الوجوبي فالمنوى أولا و بالأصل هو الحج الذي تكون وظيفته في هذه السنة الإتيان به و لأجل الاشتباه في التطبيق تخيل انه الحج الندبي فنواه و قصده لأجل ذلك.

ففي هذه الصورة يرتفع الاشكال و الحكم فيها الاجزاء عن حجة الإسلام كما لا يخفى.

و اما على التقدير الثاني فيمكن التخلص عن الإشكال بأن قصد الوجه على تقدير اعتباره في تحقق الامتثال في الأمور العبادية على خلاف ما هو الحق المحقق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 76

[ثانيها الحرية]

ثانيها الحرية. (1)

______________________________

في محله لكن القدر المتيقن من دليل اعتباره هو ما إذا كان وجه العمل من الوجوب و الاستحباب مشخصا للمكلف و ظاهرا له فاللازم عليه- ح- رعاية هذا القصد و اما في مثل المقام مما إذا كان اعتقاده مخالفا لما هو الواقع فيقصد الندب في مورد الوجوب و بالعكس فالظاهر انه لا دلالة لدليل الاعتبار على لزوم الرعاية في مثله كما لا يخفى و اما على التقدير الثالث و فيمكن التخلص أيضا بأن قادحية نية الخلاف و لو على تقدير عدم اعتبار قصد الوجه انما هي فيما إذا كانت نية الخلاف واضحة للمكلف في حال العمل و الامتثال و اما في مثل المقام مما إذا كانت نية الخلاف مقرونة باعتقاد أنها نية الوفاق فلا مجال للحكم بقادحيتها أصلا كما لا يخفى و قد ظهر لك بملاحظة المباحث السابقة ان الأقوى هو تعدد حقيقة الحج و اختلاف أنواعه و عليه فالحكم في الفرضين المذكورين في المتن هو عدم الاجزاء الا في صورة الخطاء و الاشتباه في

التطبيق كما عرفت.

(1) اقتصر سيدنا الأستاذ الأعظم الماتن- أدام اللّٰه ظله الشريف- على بيان اشتراط الحرية و لم يتعرض لمسائله و فروعه نظرا الى عدم الابتلاء بمسائل العبيد و الإماء في هذه الأزمنة و قد ترك مسائلهما بل الكتب الفقهية المتعلقة بهما ككتاب العتق في «تحريره» المشتمل على المباحث الفقهية من أولها إلى آخرها نظرا الى ما ذكرنا و نحن نقتفى أثره و نقول:

المشهور بين الفقهاء اعتبار الحرية في الحج دون سائر العبادات بل في الجواهر الإجماع بقسميه منا و من غيرنا كما ان ظاهر المحكي من المعتبر أيضا ذلك حيث قال: ان عليه إجماع العلماء.

و ليعلم ان اعتبار الحرية في وجوب حجة الإسلام لا يرتبط بمسألة الاستطاعة التي يكون تحققها في العبد موردا للإشكال للاختلاف في ملكيته على أقوال: القول بعدم الملكية مطلقا كما هو المشهور و القول بالملكية كذلك و القول بالتفصيل و فيه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 77

..........

______________________________

أيضا أقوال من القول بملك فاضل الضريبة خاصة التي يضربها عليه مولاه و القول بملكه مع أرش الجناية و القول بأرش الجناية خاصة.

و الوجه في عدم الارتباط- مضافا الى الاتفاق في المقام و الاختلاف في مسألة ملك العبد على ما عرفت- ان اشتراط الحرية في كلمات الفقهاء انما وقع هو بعنوان أمر مستقل في رديف شرطية الاستطاعة.

و كيف كان فيدل على اعتبار هذا الشرط طوائف من الروايات:

الطائفة الأولى ما تدل على انه ليس على المملوك حج مثل:

ما رواه فضل بن يونس قال سألت أبا الحسن- عليه السّلام- فقلت يكون عندي الجواري و انا بمكة فأمرهن ان يعقدن بالحج يوم التروية فأخرج بهن فيشهدن المناسك أو أخلفهن بمكة؟ فقال

ان خرجت بهن فهو أفضل، و ان خلفتهن عند ثقة فلا بأس فليس على المملوك حج و لا عمرة حتى يعتق. «1»

و ما رواه فضل بن يونس أيضا عن أبي الحسن موسى- عليه السّلام قال ليس على المملوك حج و لا عمرة حتى يعتق. «2» و الظاهر اتحادها مع الرواية الاولى و ان جعلهما في الوسائل روايتين.

و رواية آدم بن على عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال ليس على المملوك حج و لا جهاد و لا يسافر إلا بإذن مالكه. «3»

و رواية يونس بن يعقوب قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام قال ان معنا مماليك لنا و قد تمتعوا علينا ان نذبح عنهم قال فقال: ان المملوك و لا حج له و لا عمرة لا شي ء. «4»

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس عشر ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس عشر ح- 2

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس عشر ح- 4

(4) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس عشر ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 78

..........

______________________________

و ظاهرها انه لا يتحقق منه الحج صحيحا و لذا حملها الشيخ- قده- على عدم اذن مولاه قال في الوسائل: و يحتمل الحمل على نفى الوجوب.

الطائفة الثانية ما يدل على لزوم اعادة الحج على المملوك بعد الانعتاق فلو لم تكن الحرية شرطا لوجوب حجة الإسلام لما كان وجه للزوم الإعادة كما هو ظاهر هذه الطائفة مثل:

و رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال المملوك إذا حج ثم أعتق فإن عليه اعادة الحج. «1»

رواية مسمع بن عبد الملك عن

أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال لو ان مملوكا (عبدا خ ل) حج عشر حجج ثم أعتق كانت عليه حجة الإسلام إذا استطاع الى ذلك سبيلا «2» و رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال المملوك إذا حج و هو مملوك ثم مات قبل ان يعتق أجزأه ذلك الحج فإن أعتق أعاد الحج. «3» و غير ذلك من الروايات الواردة في هذه الجهة.

الطائفة الثالثة ما تدل على ان المملوك إذا حج فأدرك أحد الموقفين معتقا أجزأه عن حجة الإسلام فلو لم تكن الحرية شرطا لما كان وجه للزوم إدراكه معتقا كما لا يخفى و هذه الطائفة هي الروايات التي استند إليها للقول بالاجزاء في بعض المسائل المتقدمة في الصبي الذي بلغ و أدرك المشعر أو أحد الموقفين و قد تقدم نقل بعض رواياتها و نضيف إليه رواية معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام مملوك أعتق يوم عرفة قال إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج «4» فلا اشكال بعد ملاحظة هذه الطوائف في

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس عشر ح- 3

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس عشر ح- 5

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس عشر ح- 4

(4) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 79

[ثالثها الاستطاعة]
اشارة

ثالثها الاستطاعة من حيث المال و صحة البدن و قوته، و تخلية السرب و سلامته، و سعة الوقت و كفايته (1).

[مسألة- 9 لا تكفي القدرة العقلية في وجوبه]

مسألة- 9 لا تكفي القدرة العقلية في وجوبه بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعية، و هي الزاد و الراحلة و سائر ما يعتبر فيها، و مع فقدها لا يجب و لا يكفى عن حجة الإسلام من غير فرق بين القادر عليه بالمشي مع الاكتساب بين الطريق و غيره، كان ذلك مخالفا لزيه و شرفه أم لا، و من غير فرق بين القريب و البعيد. (2)

______________________________

اعتبار الحرية أصلا.

(1) ذكر في الجواهر في وصف الاستطاعة قوله: التي هي شرط في الوجوب بإجماع المسلمين و النص في الكتاب المبين و المتواتر من سنة سيد المرسلين بل لعل ذلك من ضروريات الدين كأصل وجوب الحج.

و الظاهر- كما نبهنا عليه مرارا- ان مراده من كون اعتبار الاستطاعة في وجوب الحج ضروريا من الدين هو ضروري الفقه لا ضروري الإسلام و كيف كان فلا شبهة في اعتبار الاستطاعة في وجوب الحج بل وقع التعرض في أية الحج لهذا الشرط فقط في قوله تعالى مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا و اما المراد من الاستطاعة و شمولها للأمور المذكورة في المتن فسيأتي التعرض للتفصيل في ضمن المسائل الآتية إن شاء اللّٰه تعالى

(2) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الجهة الاولى لا إشكال في ان الشرط في وجوب الحج بمقتضى النصوص الآتية المفسرة للاستطاعة و المبينة لما يشترط في وجوب الحج من هذه الناحية هي الاستطاعة الشرعية بمعنى الزاد و الراحلة و سائر ما يعتبر فيها إنما الإشكال في انه لو لا تلك النصوص و كان الدليل منحصرا بالاية الظاهرة في اعتبار الاستطاعة فهل كان

مفادها هي الاستطاعة و القدرة العقلية المعتبرة في جميع الواجبات فتكون الآية إرشادا إلى حكم العقل و لا دلالة لها على أزيد مما هو معتبر في سائر التكاليف أو ان مفادها هي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 80

..........

______________________________

الاستطاعة العرفية التي هي أضيق من الاستطاعة العقلية؟ فيه وجهان ذهب الى الأول بعض الأعاظم في شرح العروة و كذا بعض الاعلام في شرحه عليها و الظاهر هو الوجه الثاني نظرا الى ان الاستطاعة إذا أخذت في الدليل الشرعي يكون المرجع فيها هو العرف كسائر العناوين المأخوذة في أدلة الأحكام فكما ان الحاكم و المرجع في تشخيص الدم في قوله الدم نجس يكون هو العرف و هو لا يرى اللون الضعيف الباقي بعد غسله مرات- مثلا- دما بل يحكم بطهارته مع ان العقل يرى بقاء اللون و لو بمرتبة ضعيفة كاشفا عن بقاء الدم فكذلك المرجع في تشخيص الاستطاعة المأخوذة في الدليل هو العرف لا العقل و على ما ذكرنا فلو كان الدليل منحصرا بالاية الشريفة لكان مفادها اعتبار الاستطاعة العرفية و يؤيده انه لو كان المراد هي الاستطاعة العقلية لما كان وجه لتخصيص وجوب الحج من بين الواجبات بها و لو كان بنحو الإرشاد كما لا يخفى.

الجهة الثانية لا شبهة في اعتبار الراحلة في الاستطاعة الشرعية بالإضافة إلى البعيد في الجملة و لا خلاف فيه حتى من العامة إنما الإشكال في انه هل يختص اعتبار وجود الراحلة بصورة الحاجة إليها لعدم قدرته على المشي أو كونه مشقة عليه أو منافيا لشرفه أو يشترط مطلقا و لو مع عدم الحاجة إليها؟ حكى عن الشيخ- قده- في الخلاف الإجماع على عدم الفرق بين

من أطاق المشي و غيره في اعتبار الراحلة و يظهر من المدارك عدم العلم بوجود القائل بعدم اعتبار الراحلة في حق البعيد إذا تمكن من المشي من غير مشقة شديدة و لكن قال في المستند: يمكن استفادة التفصيل بين المحتاج إلى الراحلة و غيره من كلام جماعة قيدوها بالاحتياج و الافتقار و كيف كان فمنشأ الخلاف أو توهمه اختلاف الأخبار الواردة في الباب فطائفة كثيرة منها دالة بإطلاقها على ما ذهب اليه المشهور:

منها صحيحة محمد بن يحيى الخثعمي قال سئل حفص الكناسي أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- و انا عنده عن قول اللّٰه- عز و جل- وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 81

..........

______________________________

ما يعنى بذلك قال: من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه له زاد و راحلة فهو ممّن يستطيع الحج أو قال: ممّن كان له مال فقال له حفص الكناسي فإذا كان صحيحا في بدنه مخلى في سربه له زاد و راحلة فلم يحج فهو ممّن يستطيع الحج؟

قال: نعم. «1».

و منها صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في قوله عز و جل وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما يعنى بذلك قال من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه له زاد و راحلة. «2».

و منها رواية السكوني عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سأله رجل من أهل القدر فقال يا ابن رسول اللّٰه أخبرني عن قول اللّٰه عز و جل وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا أ ليس قد جعل لهم الاستطاعة؟ فقال: ويحك إنما يعني بالاستطاعة

الزاد و الراحلة ليس استطاعة البدن الحديث. «3» و الظاهر ان المراد باستطاعة البدن هي صحة الجسم و المراد من نفيه نفى كونه معتبرا فقط كما لا يخفى.

و منها خبر الفضل بن شاذان عن الرضا- عليه السلام- في كتابه إلى المأمون قال:

و حج البيت فريضة على من استطاع اليه سبيلا و السبيل الزاد و الراحلة مع الصحة. «4».

و منها غير ذلك من الروايات الظاهرة بإطلاقها في اعتبار الراحلة و انها من المراد بالاستطاعة المذكورة في الآية.

و في مقابلها روايات يمكن الاستدلال بها على ان اعتبار الراحلة مقيد بصورة

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 4

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 7

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 5

(4) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 82

..........

______________________________

الحاجة إليها و هي أيضا كثيرة:

منها صحيحة محمد بن مسلم في حديث قال قلت لأبي جعفر- عليه السلام- فان عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال هو ممن يستطيع الحج و لم يستحيى و لو على حمار أجدع أبتر قال فان كان يستطيع ان يمشى بعضا و يركب بعضا فليفعل. «1» و الاستدلال بها مبنى على ان يكون المراد من قوله و لم يستحيي إلخ هو الاعتراض على استحيائه نظرا إلى انه لو كانت الراحلة المعروضة عليه هو حمارا أجدع أبتر لكان اللازم عليه القبول لتحقق الاستطاعة التي هي شرط في وجوب الحج بذلك بل يستفاد من الذيل انه لو كان قادرا على ان يمشى بعضا و يركب بعضا لكان يكفي في تحققها و ثبوت الوجوب عليه و

بما أن القدرة على مشى البعض لا خصوصية لها فيستفاد منها ان القدرة على مشى كل الطريق كافية في ثبوت الوجوب لتحقق الاستطاعة و يظهر من صاحب الوسائل حمل الرواية على هذا المعنى حيث جعل عنوان الباب: وجوب الحج على من بذل له زاد و راحلة و لو حمارا و وجوب قبوله ..

و لكن الظاهر ان المراد من قوله: و لم يستحيى بعد الحكم بأنه ممن يستطيع الحج انه لو عرض عليه الحج فاستحيى و لم يحج فهو ممن ترك الحج بعد الاستطاعة و الحكم فيه انه يستقر عليه الحج و لازمة الإتيان بالحج و لو على حمار أجدع أبتر و عليه فالذيل أيضا راجع الى هذه الصورة و من المعلوم انه في هذا الفرض إذا كان قادرا على المشي يجب عليه ان يحج و لو ماشيا كما سيأتي إنشاء للّٰه تعالى في بحث الاستقرار.

نعم لو قلنا بعدم ظهور الرواية في هذا المعنى فلا أقل من عدم ظهورها في المعنى الأول الذي عليه يبتنى الاستدلال فلا تصلح الرواية للنهوض في مقابل الروايات المتقدمة.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 83

..........

______________________________

و مثلها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال قلت له فان عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك اهو ممن يستطيع اليه سبيلا قال نعم ما شأنه يستحيي و لو يحج على حمار أجدع أبتر فإن كان يستطيع (يطيق) ان يمشى بعضا و يركب بعضا فليحج «1» و لعل هذه الرواية أظهر من الرواية السابقة في المعنى الذي ذكرنا و لكن يبعده بل يدل على خلافه

و ان المراد هو المعنى الأول صحيحة أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- يقول من عرض عليه الحج و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحج «2» و عليه فيتعين المعنى الأول لا محالة و دعوى كون الالتزام بمدلول هاتين الصحيحتين حرجيا قطعا و هو منفي في الشريعة و لا يلتزم به أحد مدفوعة بعدم كونه حرجيا دائما بل مدلولهما كسائر الأحكام الثابتة قد يتحقق فيه الحرج و قد لا يتحقق كما هو ظاهر.

و منها رواية أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قول اللّٰه- عز و جل:

وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال يخرج و يمشي ان لم يكن عنده قلت لا يقدر على المشي قال يمشى و يركب، قلت لا يقدر على ذلك أعني المشي قال يخدم القوم و يخرج معهم «3» و الرواية- مضافا الى ضعف سندها بعلى بن أبي حمزة البطائني الراوي عن أبي بصير- لا يكون مدلولها مفتى به لأحد من الأصحاب لأن القائل بعدم اعتبار الراحلة في الاستطاعة للبعيد إذا كان قادرا على المشي انما يقول بذلك في خصوص صورة القدرة على المشي و عدم كونه مشقة عليه و اما لزوم الخدمة و الخروج مع القوم في صورة عدم القدرة على المشي فلم يقل به أحد ظاهرا.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح- 5

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح- 7

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الحادي عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 84

..........

______________________________

و منها صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا

عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل عليه دين أ عليه ان يحج؟ قال: نعم ان حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين و لقد كان (أكثر) من حج مع النبي- ص- مشاة و لقد مر رسول اللّٰه- ص- بكراع الغميم فشكوا اليه الجهد و العناء فقال شدوا أزركم و استبطنوا ففعلوا ذلك فذهب عنهم «1» و كراع الغميم واد بين مكة و المدينة.

و ربما يقال ان المراد من «أطاق» المذكور في الرواية الذي هو من باب الافعال اعمال أخر مرتبة القدرة و بذل نهاية الطاقة التي ليس فوقها قدرة أصلا كما هو المراد في قوله تعالى وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ اى على الذين يتحملون الصوم بجهد و حرج شديد كالشيخ و الشيخة و من الواضح انه لا يجب الحج في هذا المورد قطعا و لم يلتزم به أحد كما ان الظاهر ان المراد بالطاقة في الرواية هو القدرة على المشي في داره و بلده في مقابل المريض و المسجى الذي لا يقدر على المشي أصلا حتى في داره و بلده و ليس المراد به المشي إلى الحج و عليه فالصحيحة في مقام بيان وجوب الحج على كل من كان قادرا على المشي و كان متمكنا منه في بلده في مقابل المريض الذي لا يتمكن من المشي فالرواية أجنبية عمن يطيق المشي و يتمكن منه بجهد و مشقة و اما الذين حجوا مع النبي- ص- فيحتمل ان يكون حجهم حجا استحبابيا لا حجة الإسلام و ذكر الامام- عليه السلام- هذه القضية ليس للاستشهاد و انما كان نقلها لمناسبة ما.

أقول الظاهر ان كلمة «أطاق» يكون المراد بها مجرد الطاقة و القدرة فإنا

نرى في كلمات الفقهاء سيما من كان منهم من أهل اللسان كصاحب الجواهر و قبله العلامة و الشيخ و غيرهما الاستعمال في ذلك بل صاحب الجواهر ذكر عقيبه قوله: «من دون مشقة» و ذكر في المدارك انه اعترف الأصحاب في حق القريب بعدم اعتبار الراحلة

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الحادي عشر ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 85

..........

______________________________

له إذا أطاق المشي و من الواضح ان مرادهم مجرد القدرة لا نهايتها و آخر مرتبتها و عليه فالرواية ظاهرة في وجوب حجة الإسلام إذا كان قادرا على المشي كما ان الظاهر ان المراد هو المشي إلى الحج لا المشي في بلده و داره فإنه لا خصوصية له في الوجوب بل الملاك هو سلامة البدن كما سيأتي و منه يظهر ان نقل من حج مع النبي- ص- كان بعنوان الاستشهاد لا لمجرد المناسبة و عليه فالرواية تدل على خلاف المشهور و لا مجال للمناقشة فيها سندا و دلالة أصلا و قد انقدح مما ذكرنا صلاحية جلّ هذه الطائفة للنهوض في مقابل أدلة المشهور و عليه فلا بد من العلاج فنقول يظهر منهم الجمع بين الطائفتين بوجوه:

الأول: ما افاده بعض الاعلام من أظهرية الروايات الدالة على اعتبار الراحلة التي هي مستند المشهور و الروايات المقابلة على تقدير تسليم دلالتها غايتها الظهور في عدم الاعتبار فيرفع اليد عن ظهورها بسبب أظهرية تلك الروايات.

و يرد عليه انه على تقدير تسليم دلالة هذه الطائفة لا مجال لدعوى أظهرية تلك الطائفة بعد كون النسبة بينهما هي نسبة المطلق و المقيد ضرورة ان مفاد تلك الطائفة اعتبار الراحلة مطلقا و مفاد هذه الطائفة عدم

اعتبارها في خصوص صورة القدرة على المشي و لا وجه لتوهم كون المطلق أظهر دلالة بالإضافة إلى مورد القيد عن المقيد كما هو ظاهر.

الثاني: ما حكى عن الشيخ- قده- من حمل هذه الطائفة على الاستحباب و تلك الطائفة على الحج الواجب الذي هو حجة الإسلام.

و يرد عليه عدم إمكان حمل هذه الطائفة على الاستحباب أما الرواية الأخيرة فمضافا الى التعبير بكلمة «على» فيها قد وقع التصريح فيها بحجة الإسلام فكيف يمكن حملها على الاستحباب و اما الروايتان الأولتان الواردتان في الاستطاعة البذلية فبلحاظ كونهما ناظرتين الى الآية الشريفة و مفسرتين لها لا تصلحان لهذا الحمل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 86

..........

______________________________

الّا ان يقال بعدم دلالة الآية أيضا على خصوص وجوب الحج بل لها دلالة على الحج الاستحبابي أيضا و هو كما ترى خصوصا مع التعبير بالكفر فيها هذا مضافا الى انه لو وصلت النوبة الى هذا الحمل لا دليل على حمل روايات المشهور على الوجوب و الطائفة الأخرى على الاستحباب فمن الممكن ان يقال بعكس ذلك كما لا يخفى.

الثالث: حمل هذه الطائفة على من استقر عليه الحج و ان كان خلاف ظاهرها على ما عرفت و حمل روايات المشهور على حجة الإسلام.

و فيه انه لا بد في الجمع ان يكون مقبولا عند العرف و العقلاء بحيث لا يرون لأجله التعارض و المباينة بين الطرفين و من الواضح ان هذا الجمع لا يكون كذلك.

الرابع: حمل روايات المشهور على التقية من جهة ذهاب كثير من العامة إلى اشتراط الراحلة مطلقا.

و فيه- مضافا الى ان فتوى المشهور عندنا أيضا ذلك و في مثله لا مجال للحمل على التقية- ان الحمل عليها انما

هو في صورة عدم إمكان الجمع بوجه و ثبوت المعارضة التامة و وصول النوبة الى هذا المرجح و قد عرفت في الجواب عن الوجه الأول إمكان الجمع بنحو التقييد للإطلاق.

الخامس: ما افاده السيد في العروة و اختاره بعض الأعاظم في شرحها من ان مقتضى الجمع هو حمل الطائفة الأولى على صورة الحاجة الى الراحلة لعدم القدرة على المشي خصوصا مع ملاحظة انها منزلة على الغالب بل منصرفة عن صورة القدرة على المشي و لأجله ذكر السيد فيها انه لو لا الإجماعات المنقولة و الشهرة المحققة لكان هذا القول- اى القول الثاني- في غاية القوة. هذا و لكن تحقق الشهرة على الخلاف و توقف الاستطاعة على الراحلة مطلقا مع ان الجمع بين المطلق و المقيد كان امرا متداولا بين الفقهاء و تبعا للعقلاء في مقام التقنين و جعل القانون خصوصا فيما إذا كان التقييد مستلزما لخروج أفراد قليلة كما في المقام حيث ان القدرة على المشي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 87

..........

______________________________

إلى الحج قلما تتحقق في الأشخاص يكشف عن اعراض المشهور عن هذه الطائفة مع كونها بمرئي و مسمع منهم و قد تحقق في محله ان اعراض المشهور عن الرواية و لو كانت في كمال الصحة و الوثاقة يوجب الوهن فيها و الخروج عن الاعتبار و الحجية فالمقام ليس من قبيل الترجيح بالشهرة الفتوائية الذي هو أول المرجحات لعدم كون التعارض متحققا هنا بل من قبيل ما ذكرنا من كون الاعراض موجبا للخروج عن الحجية.

و على ما ذكرنا فلا محيص عن الأخذ بما هو المشهور و يؤيده انه لو كان القادر على المشي مستطيعا تجب عليه حجة الإسلام لكان اللازم

بلوغه إلى مرتبة الظهور و الوضوح و عدم بقائه تحت سترة الخفاء و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط الجهة الثالثة في اعتبار الراحلة في الاستطاعة بالإضافة إلى القريب من المكي و من يقارب مكة مقتضى إطلاق الأكثر منهم الشيخ في غير المبسوط و المحقق في النافع و العلامة في الإرشاد و التبصرة و التلخيص الاعتبار و قال في محكي كشف اللثام يقوى عندي اعتبارها أيضا للمكي للمضى الى عرفات و ادنى الحل و العود و المحكي عن مبسوط الشيخ و العلامة في القواعد و التذكرة و المنتهى و التحرير و بعض آخر انه لا يشترط الراحلة للمكي و قال المحقق في الشرائع بعد اعتبار الزاد و الراحلة: و هما معتبران فيمن يفتقر الى قطع المسافة و ذكر في المسالك في شرحه:

احترز بالمفتقر الى قطع المسافة عن أهل مكة و ما قاربها ممن يمكنه السعي من غير راحلة بحيث لا يشق عليه عادة. و في الجواهر عقيب عبارة الشرائع: بل لا أجد فيه خلافا بل في المدارك نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه.

و كيف كان فالدليل على اعتبار الراحلة مطلقا إطلاق الطائفة الاولى من الروايات المتقدمة في الجهة الثانية فإن تفسير الاستطاعة في الآية بهما يدل على اعتبارهما كذلك مضافا الى ما عرفت في كلام كشف اللثام من حاجة المكي أيضا إليها للمضى الى عرفات مثلا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 88

..........

______________________________

و لكن ربما يجاب عن المطلقات بانصرافها إلى صورة المسافة التي يتهيأ الزاد و الراحلة لها بحسب العادة فلا يشمل غيرها، و عن. دليل كاشف اللثام بان اعتبارهما للمضى الى عرفات لا دليل عليه لاختصاص الآية

الشريفة بالسفر الى البيت الشريف فالاستطاعة الشرعية معتبرة في ذلك و لا دليل على اعتبارها في السفر الى عرفات بل اللازم الرجوع فيه الى القواعد المقتضية للاعتبار مع الحاجة و عدمه مع عدمها.

و قد أورد على هذا الجواب بأنه لا ريب في ان البيت الشريف مقصود في جميع أقسام للحج و لا يختص بحج التمتع غاية الأمر انه قد يقصد متقدما كما في الحج المزبور و قد يقصد متأخرا كحج القران و الافراد و قد يقصد البيت خاصة كالعمرة المفردة.

أقول كون البيت مقصودا في جميع أقسام الحج أمر و الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج المدلول عليها بالاية الظاهرة بملاحظة رجوع الضمير فيها الى البيت أمر آخر لا ارتباط بينهما.

و الظاهر ان مفاد الآية هو استطاعة السبيل الى البيت و لذا لو كان للمتمتع راحلة الى البيت فقط و لم يكن له راحلة للمضى الى عرفات و العود هل يمكن الخدشة في استطاعته و وجوب الحج عليه فإذا لم يكن المضي الى عرفات ملحوظا في استطاعة النائي لعدم كون سفره الى البيت فكيف يكون ملحوظا في المكي نعم يمكن ان يقال بان هذا انما يتم في خصوص المكي و اما من قارب مكة فسفره الى البيت و ان كان في غاية القرب اليه و عليه فينحصر الجواب بمنع شمول الإطلاقات لمثله.

و مما ذكرنا يظهر ان المراد من القريب الخارج عن مكة هو المقدار الذي لا يعد له الراحلة عادة و يكون المشي الى البيت مقدورا نوعا و لا يكون فيه حد خاص من القصر عن مسافة القصر و غيره.

بقي الكلام في شي ء و هو انه لو شك في اعتبار الراحلة للمكي و نحوه فهل

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 89

..........

______________________________

المرجع فيه و في مثله مما يحتمل اعتباره في الاستطاعة شرعا زائدا على الاستطاعة العرفية أصالة البراءة عن وجوب حجة الإسلام أو انه لا بد من الرجوع الى الآية الواردة في الحج و الحكم بوجوب الحج عليه وجهان بل قولان.

حكى القول الأول صاحب الجواهر- قدس سره- عن بعض مشايخه نظرا الى ان الاستطاعة التي يتوقف عليها وجوب الحج هي الاستطاعة الشرعية و هي أمر محل غير مبين بحدوده فكل ما يحتمل اعتباره فيها يرجع الشك فيه الى الشك في ثبوت المشروط و هو وجوب الحج و المرجع في الشك في التكليف هي أصالة البراءة عنه.

و لكن التحقيق يقتضي القول الثاني ضرورة انه ليس للاستطاعة حقيقة شرعية و لم يحك عن القائلين بثبوت الحقيقة الشرعية في ألفاظ العبادات القول بثبوتها في الاستطاعة بل الظاهر ان المراد بها هي الاستطاعة العرفية كسائر العناوين المأخوذة في أدلة الأحكام غاية الأمر ان الشارع اعتبر فيها زائدا على مقتضاها بحسب العرف مثل الحكم باعتبار الراحلة بالإضافة إلى البعيد و ان كان قادرا على المشي من غير مشقة بل كان المشي أسهل له من الركوب فان اعتباره يكون زائدا على المعنى العرفي و لازم ذلك الاقتصار على ما دل عليه الدليل و مع عدم الدليل يرجع الى الآية التي علق فيها وجوب الحج على الاستطاعة العرفية فكما ان قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ ظاهر في ان البيع الذي أمضاه اللّٰه و حكم بصحته و نفوذه هو البيع المتعارف بين العقلاء غاية الأمر ان الشارع اعتبر بعض الأمور فيه مثل عدم كونه غرريا فمع الشك في اعتبار شي ء في الصحة كاعتبار اللفظ- مثلا-

يرجع الى الإطلاق و يحكم بالصحة كذلك الآية الواردة في الحج فمع الشك في اعتبار شي ء في الاستطاعة شرعا زائدا على الاستطاعة العرفية يرجع فيه الى الآية و يحكم بالوجوب.

و لا ينافي ما ذكرنا ورود بعض الروايات في تفسير الآية الشريفة و ان المراد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 90

[مسألة 10- لا يشترط وجود الزاد و الراحلة عنده عيبا]

مسألة 10- لا يشترط وجود الزاد و الراحلة عنده عيبا بل يكفى وجود ما يمكن صرفه في تحصيلهما من المال نقدا كان أو عروضا. (1)

______________________________

بالاستطاعة فيها هي الزاد و الراحلة- مثلا- فان مثل هذا التفسير يرجع الى تبيين المراد الجدي و هو لا ينافي كون المراد الاستعمالى ما ذكرنا فالجمع بين ذلك و بين ظهور الآية في الاستطاعة هو الجمع بين الخاص و العام كما قد حقق في محله من الأصول فراجع.

و مما ذكرنا يظهر النظر فيما افاده بعض الأعاظم- قده- من انه في مورد الشك لا يمكن التمسك بإطلاق أدلة وجوب الحج على المستطيع لكونه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية لكن الأخبار المفسرة لها ليست مجملة فمهما شككنا في دخالة شي ء زائد في الاستطاعة يكون المرجع إطلاق نفس الاخبار المفسرة لها و لا تصل النوبة الى الأصل العملي المتأخر عن الأصل اللفظي.

وجه النظر ما عرفت من ان الاخبار المفسرة لا دلالة لها على ان الاستطاعة في الآية قد استعملت في الاستطاعة الشرعية بل مرجع التفسير الى ما ذكر من بيان المراد الجدي و تضيق دائرة المراد الجدي لا يستلزم ضيقا في ناحية الاستعمال و المرجع هو اللفظ بلحاظ الاستعمال و عليه فلو لم تكن الأخبار المفسرة ذات إطلاق أيضا لكان المرجع هي الآية الشريفة كما عرفت.

(1) مقتضى الجمود

على ظاهر اعتبار الزاد و الراحلة في وجوب الحج و ان كان هو وجود عينهما خصوصا بعد ورود بعض النصوص الواردة في هذا المجال في مقام تفسير الآية الّا ان الظاهر عدم اعتبار وجودهما عينا بحيث لم يجب تحصيلهما لانه من تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب و ذلك مضافا الى عدم فهم العرف من ذلك الّا التمكن و القدرة عليهما سواء كانت بدون الواسطة أو معها للروايات الظاهرة في اعتبار المال أو وجود ما يحج به مثل:

صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قال اللّٰه تعالى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 91

..........

______________________________

وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال هذه لمن كان عنده مال و صحة إلى أخر الحديث. «1»

و صحيحته الأخرى قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل له مال و لم يحج قط قال هو ممن قال اللّٰه تعالى وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَعْمىٰ إلى آخر الحديث. «2»

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام الحديث «3» و صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال قلت له أ رأيت الرجل التاجر ذا المال حين يسوف الحج كل عام و ليس يشغله عنه الّا التجارة أو الدين فقال: لا عذر له يسوف الحج الى آخر الحديث. «4»

و غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك و لا مجال لتوهم كون مقتضى الجمع بينها و بين ما ظاهره اعتبار خصوص الزاد و

الراحلة حمل المال عليهما بل الظاهر بنظر العرف حمل الطائفة الثانية على انه لا خصوصية لعين الزاد و الراحلة بل المناط التمكن منهما عينا أو بواسطة مال آخر نقدا كان أو عروضا كما لا يخفى.

ثم انه تعرض السيد في العروة في ذيل هذه المسألة لحكم حمل الزاد الشامل للطعام و الماء و علف الدابة و غيرها من الحوائج فقال: و لا يشترط إمكان حمل الزاد معه بل يكفي إمكان تحصيله في المنازل بمقدار الحاجة و مع عدمه فيها يجب حمله مع الإمكان من غير فرق بين علف الدابة و غيره و مع عدمه يسقط الوجوب. و لعل علة ترك التعرض في المتن ان العمدة في هذا البحث انما هو الماء و العلف للدابة

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 2

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 3

(4) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 92

..........

______________________________

و من المعلوم انها غير مبتلى بها في هذه الأزمنة مع انه يمكن فرض مثله في هذا الزمان بالإضافة إلى المادة المحركة للسيارة فإنه لو علم بعدم وجودها في الطريق هل يجب عليه حملها مع الإمكان و عدم المشقة أم لا و كيف كان ففي محكي التذكرة:

و ان كان يجد الزاد في كل منزل لم يلزمه حمله و ان لم يجده كذلك لزمه حمله و اما الماء و علف البهائم فإن كان يوجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة فلا كلام و ان لم يوجد لم يلزمه حمله من بلده

و لا من أقرب البلدان إلى مكة كأطراف الشام و نحوها لما فيه من عظم المشقة و عدم جريان العادة به و لا يتمكن من حمل الماء لدوابه في جميع الطريق و الطعام بخلاف ذلك.

و قال في محكي المنتهى: و اما الماء و علف البهائم فإن كانت توجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة لم يجب عليه حملها و الّا وجب مع المكنة و مع عدمها يسقط الفرض.

و الظاهر ان كلامه في التذكرة ناظر إلى انه لا يكون هناك قدرة نوعا كما يدل عليه التعبير بقوله: و لا يتمكن فلا ينافي ما في المنتهى من التفصيل بين صورة المكنة و عدمها.

و كيف كان فمبنى القول بعدم وجوب الحمل انه من تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب فلا يجب عليه الحج في هذا الحال.

و مبنى القول الثاني صدق الاستطاعة بإمكان الحمل و عدم استلزامه للحرج و العسر فان من يقدر على حمل ذلك من غير مشقة لا يكون خارجا عن الاستطاعة بوجه بمجرد عدم وجدانه في الطريق و هذا القول هو الأقوى كما هو ظاهر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 93

[مسألة 11- المراد من الزاد و الراحلة ما هو المحتاج إليه في السفر]

مسألة 11- المراد من الزاد و الراحلة ما هو المحتاج إليه في السفر بحسب حاله قوة و ضعفا و شرفا و ضعة و لا يكفى ما هو دون ذلك و كل ذلك موكول الى العرف، و لو تكلف بالحج مع عدم ذلك لا يكفى عن حجة الإسلام، كما انه لو كان كسوبا قادرا على تحصيلهما في الطريق لا يجب و لا يكفى عنها. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة أمران:

أحدهما المراد من الزاد و الراحلة ما هو المحتاج إليه في السفر

من جهة الطعام و المأكول و المشروب و ما يتعلق به حتى الأوعية و الوسيلة التي بها يتحقق طي الطريق سواء كانت دابة كما هو المتداول في تلك الأزمنة أو سيارة و طيارة كما هو المتعارف في هذا الزمان أو سفينة أو غيرها مما يتحقق به ذلك و الظاهر انه لا يشترط ان يكون مالكا للراحلة و الوسيلة عينا أو قيمة بل يكفى ان يكون مالكا لأجرتها في صورة الاستيجار بحيث صار مالكا للمنفعة كما لعلّه سيأتي.

و يبقى في هذا الأمر جهتان:

الاولى انّه هل يكون اختلاف الحال من جهة القوة و الضعف موجبا لاختلاف الزاد و الراحلة نظرا الى ان اختلاف الحال يوجب اختلاف الحاجة فالقوى لا يحتاج إلى أزيد من السيارة لفرض قوته و عدم كون الحركة معها موجبة لوقوعه في الشدة و المشقة و الضعيف يحتاج إلى الطيارة لعدم اقتضاء حاله للركوب في السيارة أو لا يوجب و الظاهر انه لا خلاف بينهم في الإيجاب و قد استدل عليه بحكومة أدلة نفى العسر و الحرج على الإطلاقات.

و الظاهر انه لا حاجة الى هذا النحو من الاستدلال حتى يرد عليه ما أورد على الاستدلال بهذه الحكومة في الجهة الثانية بل يمكن ان يستدل عليه بحكم العرف بالفرق بينهما فإنه بعد ما كان المرجع في تشخيص الاستطاعة الواقعة في الآية هو العرف كما قويناه و كان المرجع في تشخيص معنى الزاد و الراحلة الواقعين تفسيرا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 94

..........

______________________________

للاية في الروايات أيضا هو العرف فهو يقضى بالفرق بين الضعيف و القوى في الزاد و الراحلة كما لا يخفى.

الثانية هل يكون اختلاف الشأن من جهة الشرف و الضعة

موجبا للاختلاف في الزاد و الراحلة أم لا فيه وجهان بل قولان قال في الجواهر بعد قول المحقق و المراد من الراحلة راحلة مثله: «كما في القواعد و ظاهرهما اعتبار المثلية في القوة و الضعف و الشرف و الضعة كما عن التذكرة التصريح به لكن في كشف اللثام الجزم بها في الأولين دون الأخيرين لعموم الآية و الاخبار و خصوص قول الصادق- عليه السّلام في صحيح أبي بصير من عرض عليه الحج و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع، و نحوه غيره و لأنهم- عليهم السّلام- ركبوا الحمير و الزوامل و اختاره في المدارك كذلك أيضا بل هو ظاهر الدروس قال: و المعتبر في الراحلة ما يناسبه و لو محملا إذا عجز عن القتب فلا يكفى علو منصبه في اعتبار المحمل و الكنيسة فإن النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- و الأئمة- عليهم السّلام- حجوا على الزوامل الا ان الانصاف عدم خلوه عن الاشكال مع النقص في حقه إذ فيه من العسر و الحرج ما لا يخفى، و حجهم- عليه السّلام- لعله كان في زمان لا نقص فيه في ركوب مثل ذلك».

و أجاب بعض الأعاظم- قده- عن الاستدلال للاختلاف بالعسر و الحرج بعد استدلاله لعدم الفرق بين الشرف و الضعة بالروايات الواردة في البذل الدالة على وجوب الحج و لو على حمار أجدع أبتر نظرا إلى انها و ان كانت واردة في مورد البذل لكن الظاهر انها واردة في مقام بيان مفهوم الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج و لا يختلف الحال باختلاف منا شي ء حصولها بان عمومات نفى العسر و الحرج مخصصة بهذه الأخبار الخاصة الدالة على ثبوت الحكم حرجيا الذي هو

صريح هذه الروايات.

و يرد عليه أولا ان هذه الاخبار كما مر البحث فيها في البعيد القادر على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 95

..........

______________________________

المشي يكون معرضا عنها عند المشهور و لأجله تكون فاقدة لشرط الاعتبار و الحجية و ثانيا ان دعوى صراحة هذه الاخبار أو كونها كالصريحة في ثبوت الحكم الحرجي ممنوعة جدا فان هذه الاخبار تكون مطلقة قد يتحقق في موردها الحرج و قد لا يتحقق و عليه فمقتضى حكومة دليل نفى الحرج تخصيصها بصورة عدم تحققه لا العكس.

و ثالثا ان الظاهر من لحن دليل الحرج كقوله تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ إبائه عن التخصيص و عدم ملاءمته معه أصلا و ثبوت حجة الإسلام و لو بنحو التسكع على من استقر عليه الحج بالاستطاعة المناسبة و عدم الإتيان بالحج لا يكون من باب التخصيص لدليل نفى الحرج بل هو حكم تعذيبى مسوق لإفادة العقوبة و من الواضح خروج الاحكام التعذيبية عن دائرة أدلة نفى الحرج و الا يلزم ان تكون الحدود و التعزيرات بل القصاص و أكثر الديات كلها مخصصة لأدلة نفى الحرج كما لا يخفى فالإنصاف عدم تمامية ما افاده هذا البعض.

نعم في الاستدلال لثبوت الفرق بدليل نفى العسر و الحرج كما في كلام صاحب الجواهر و تبعه السيد في العروة إشكال و هو ما ذكره في المستمسك من ان حكومة قاعدة نفى العسر و الحرج انما تقتضي نفى الوجوب و لا تقتضي نفى المشروعية و لازمة في المقام انه إذا أقدم المكلف على ما فيه العسر و الحرج يكون مقتضى الجمع بين دليل نفى الحرج و الإطلاقات الدالة على الوجوب هو الصحة و الاجزاء

عن حج الإسلام فعدم الاجزاء عن حج الإسلام- حينئذ- يحتاج الى دليل آخر.

و الجواب عن هذا الاشكال ان الحج كما عرفت ليس له حقيقة واحدة بل له حقائق متعددة و ان كانت الصورة واحدة كصلاتي الظهر و العصر فإنهما و ان كانتا متحدتين من حيث الصورة لكنهما مختلفتين بالحقيقة و لذا لا تقع واحدة منهما مقام اخرى و على هذا المبنى في باب الحج إذا كان مقتضى الجمع بين الإطلاقات و دليل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 96

..........

______________________________

نفى الحرج رفع اللزوم و الوجوب يكفى ذلك في عدم تحقق حجة الإسلام التي يكون قوامها بكونها واجبة و فريضة في أصل الشرع بل ليس الواجب في الشرع الا هو لان الحج الواجب بالنذر لا يكون متعلقا للوجوب بل الوجوب انما تعلق بعنوان الوفاء بالنذر غاية الأمر عدم تحقق الوفاء في الخارج الا بالحج و لكن ذلك لا يوجب سراية الحكم المتعلق بالوفاء الى الحج لانه لا يعقل أن يسري الحكم من متعلقه الى غيره كما ان الحج الواجب بسبب الاستيجار عليه لا يكون متعلقا للوجوب بل المتعلق له هو الوفاء بعقد الإجارة و هو لا يتحقق في الخارج الا بالحج.

و بالجملة فليس متعلق الوجوب في باب الحج إلا حجة الإسلام التي بنى عليها الإسلام فإذا فرض ارتفاع الوجوب بدليل نفى العسر و الحرج لا تبقى حقيقة حجة الإسلام التي قوامها بالوجوب و بكونه فريضة و عليه فيظهر عدم اجزائه عن حجة الإسلام لمغايرة ماهية المأتي به مع ماهية حجة الإسلام الا ان يقوم دليل خاص على اجزائه و المفروض عدم ثبوت هذا الدليل.

ثم ان صاحب المستمسك بعد الاشكال المتقدم استدل على

الاجزاء بعد ارتفاع الوجوب بدليل نفى العسر و الحرج بما دل على ان الاستطاعة السعة في المال أو اليسار في المال نظرا إلى انه لا يصدق مع العسر قال: ففي رواية أبي الربيع الشامي «فقيل له- أي لأبي عبد اللّٰه- ع- فما السبيل؟ قال السعة في المال» «1» و في رواية عبد الرحيم القصير عن أبي عبد اللّٰه- ع- الواردة في تفسير آية الحج قال- ع- «ذلك القوة في المال و اليسار قال فان كانوا موسرين فهم ممن يستطيع؟ قال- ع- نعم». «2» و موثق أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللّٰه- ع- يقول من مات و هو.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 97

..........

______________________________

صحيح موسر لم يحج فهو ممن قال اللّٰه عز و جل وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَعْمىٰ ..» «1»

و نحوها غيرها.

أقول اما رواية أبي الربيع فالظاهر بقرينة قوله- ع- بعده: «إذا كان يحج ببعض و يبقى بعضا لقوت عياله» ان المراد من السعة هو وجدان ما يبقى بعضه لقوت عياله و لا يبعد بقرينة هذه الرواية ان يكون المراد بالقوة في المال و اليسار و كونه موسرا في سائر الروايات أيضا هو ذلك و عليه فلا ارتباط لهذه الروايات بما هو بصدده من عدم صدقه مع العسر.

ثم على تقدير كون المراد بالسعة في المال هو نفس عنوانها و باليسار كذلك فارتباطه بمسألة العسر و الحرج الراجع الى نفس العمل غير واضح فان العسر في قاعدة الحرج يكون مرتبطا بالعمل و راجعا اليه و اليسار في الروايات راجع الى

المال و الشخص فهنا الشخص موسر و معسر و هناك العمل و متعلق التكليف بلحاظه كذلك و لم يظهر ارتباط بين الأمرين.

ثم على تقدير كون المراد باليسار في المال ما ذكره فمقتضى الروايات اعتباره في الاستطاعة مطلقا من غير فرق بين الشريف و الوضيع و دعوى كون معنى اليسار مختلفا بالنسبة إليهما بحيث كان معنى اليسار في حق الشريف غير معناه في حق الوضيع واضحة المنع.

الأمر الثاني ما إذا لم يكن عنده الزاد و لكن كان كسوبا يمكنه تحصيله بالكسب في الطريق لأكله و شربه و سائر حوائجه فهل يجب عليه الحج في هذه الصورة أم لا؟ فيه وجهان بل قولان و ليعلم ان محل الاختلاف ما إذا لم يكن له بالفعل زاد أصلا و اما ما هو المتداول في هذه الأزمنة من استخدام بعض الأشخاص للخدمة في سفر الحج لأجل الطبخ أو سائر الخدمات أو استخدام بعض الروحانيين للنظارة

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح- 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 98

..........

______________________________

على أمر الحجاج من جهة مناسكهم و تجعل الأجرة زادا و راحلة أو مع اضافة فلا إشكال في تحقق الاستطاعة من حيث الزاد و الراحلة بالإضافة إليهما لوقوع الاستيجار قبل الشروع في سفر الحج و من المعلوم انه عند تمامية عقد الإجارة يملك المستأجر العمل على الأجير و الأجير الأجرة على المستأجر فالملكية ثابتة قبل الشروع في السفر نعم ربما يتحقق الإشكال في بعض الموارد كأكثر الروحانيين بناء على اعتبار الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة- الذي سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى- و اما الاستطاعة من جهة الزاد و الراحلة فلا اشكال فيها

أصلا فالكلام في المقام انما هو في غير هذه الصورة و هو ما إذا لم يكن بالفعل مالكا للزاد أصلا بل الثابت بالفعل هي القدرة على تحصيله في الطريق و المحكي عن مستند النراقي الوجوب فيه حيث قال: «و لو لم يجد الزاد و لكن كان كسوبا يتمكن من الاكتساب في الطريق لكل يوم قدر ما يكفيه و ظن إمكانه بجريان العادة عليه من غير مشقة وجب الحج لصدق الاستطاعة» و قال العلامة في التذكرة في هذه المسألة: «فان كان السفر طويلا لم يلزمه الحج لما في الجمع بين السفر و الكسب من المشقة العظيمة و لانه قد ينقطع عن الكسب لعارض فيؤدي إلى هلاك نفسه و ان كان السفر قصيرا فان كان تكسبه في كل يوم بقدر كفاية ذلك اليوم من غير فضل لم يلزمه الحج لانه قد ينقطع عن كسبه في أيام الحج فيتضرر، و ان كان كسبه في كل يوم يكفيه لأيامه لم يلزمه الحج أيضا للمشقة و لانه غير واجد لشرط الحج و هو أحد وجهي الشافعية و الثاني الوجوب و به قال مالك مطلقا» و مقتضى دليله الأخير و هو عدم كونه واجدا لشرط الحج عدم الوجوب مطلقا سواء كان في السفر الطويل أو في السفر القصير.

و كيف كان فالظاهر ما في المتن لظهور الاستطاعة- المأخوذة شرطا لوجوب الحج- في الاستطاعة الفعلية كسائر العناوين المأخوذة في الأدلة و من الواضح عدم تحققها في مثل المقام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 99

[مسألة 12- لا تعتبر الاستطاعة من بلده و وطنه]

مسألة 12- لا تعتبر الاستطاعة من بلده و وطنه فلو استطاع العراقي أو الإيراني و هو في الشام أو الحجاز وجب و ان لم

يستطع من وطئه، بل لو مشى الى قبل الميقات متسكعا أو لحاجة و كان هناك جامعا لشرائط الحج وجب و يكفى عن حجة الإسلام، بل لو أحرم متسكعا فاستطاع و كان امامه ميقات آخر يمكن القول بوجوبه و ان لا يخلو من اشكال. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع ثلاثة:

الأول ما لو استطاع الشخص في غير بلده و وطنه و لم يكن مستطيعا من وطنه و محل الكلام ما إذا لم تكن إقامته في البلد الثاني بنحو الدوام و قصد التوطن و ما إذا لم تكن إقامته فيه موجبا لانتقال الفرض كالمجاور بمكة بعد السنين بل كانت إقامته فيه موقتة قصيرة ففي هذه الصورة إذا استطاع من البلد الثاني كما إذا استطاع الإيراني و هو في الشام الواقع في وسط الطريق تقريبا، كما ان محل البحث ما إذا كان واجدا للزاد و الراحلة بعد العود الى وطنه لا الى محل الاستطاعة ففي هذه الصورة وقع البحث في انه مستطيع يجب عليه الحج أم لا؟ فالمحكي عن المدارك و المستند و الذخيرة و بعض المتأخرين القول بوجوب الحج و عن الشهيد الثاني العدم و عمدة ما يدل على الأول تحقق الاستطاعة الفعلية بالإضافة اليه و لا دليل على اعتبار حصولها من البلد بعد عدم وقوع التقييد به لا في الآية و لا في غيرها من الأدلة فالملاك هي فعلية الاستطاعة و هي متحققة على ما هو المفروض كما ان المفروض وجدانه للزاد و الراحلة بالإضافة إلى العود حتى الى وطنه نعم ربما يستدل على الوجوب- مضافا الى ما ذكر- بصحيحة معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام الرجل يمرّ مجتازا يريد اليمن أو غيرها

من البلدان و طريقة بمكة فيدرك الناس و هم يخرجون الى الحج فيخرج معهم الى المشاهد أ يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال: نعم «1»

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني و العشرون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 100

..........

______________________________

و قد استشكل في الاستدلال بها- تارة- بأن الظاهر منها كون جهة السؤال عدم قصد الحج من البلد لا عدم تحقق الاستطاعة منه- و اخرى- بأن الأجزاء أعم من كونه حجة الإسلام و الجواب عن الثاني واضح فإنك عرفت ان الحج له حقائق متعددة و ماهية حجة الإسلام مغايرة مع ماهية غيرها من الحج الاستحبابي و النيابي و غيرهما فالحكم بالاجزاء لا محالة ينطبق على حجة الإسلام و أجيب عن الأول بصلاحية الجواب للاستدلال بها من جهة ترك الاستفصال بين ما إذا كان مستطيعا من البلد و بين ما إذا لم يكن كذلك و لكن الظاهر انه لا مجال لهذا الجواب فإنه بعد ما فرض كون حيثية السؤال امرا لا يرتبط بمسألة الاستطاعة لا مجال- حينئذ- للاستدلال بترك الاستفصال في الجواب كما لا يخفى فالإنصاف تمامية الإشكال الأول لكن عرفت انه لا حاجة الى الاستدلال بالرواية أصلا فالحكم في هذا الفرع هو وجوب الحج كما أفيد في المتن.

الثاني ما لو مشى الى ما قبل الميقات متسكعا أو لحاجة ثم حصل له الاستطاعة هناك و الظاهر وجوب الحج عليه لما عرفت من عدم اعتبار الاستطاعة من البلد الّا لمن أراد الحج منه بان كان مقيما فيه.

ثم انه يظهر من ذلك انه لو علم بحصول الاستطاعة عند الميقات و هو في البلد لا يجب عليه السفر الى الميقات لعدم لزوم

تحصيل الاستطاعة بوجه كما إذا علم الشخص بأنه لو اتجر تجارة فلانية يصير مستطيعا فإنه لا يجب عليه الاتجار المذكور لهذا الوجه و هذا بخلاف الفرع الذي ذكرنا في ذيل بعض المسائل السابقة و هو ما لو علم الصغير المستطيع بحصول البلوغ له قبل الميقات فإنه يلزم عليه عقلا السفر الى الميقات لوجود الاستطاعة الفعلية و حصول البلوغ قبل الشروع في الأعمال و الفرق إلزام العقل هناك و المفروض وجود الاستطاعة و لا مجال للإلزام هنا بعد كونه متسكعا كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 101

..........

______________________________

الثالث ما لو أحرم متسكعا فاستطاع و في المتن- تبعا للعروة- إمكان القول بالوجوب إذا كان امامه ميقات آخر و ان ذكرا بعده انه لا يخلو من اشكال و ظاهر التقييد بما إذا كان امامه ميقات آخر هو تجديد الإحرام من ذلك الميقات و ان كان يحتمل ان يكون الوجه فيه هو العبور عن الميقات محرما و في هذا الفرع قولان آخران:

أحدهما ما افاده بعض الأعاظم- قده- في شرح العروة من عدم كون حجه حجة الإسلام لأن صيرورته كذلك تتوقف على تحقق الاستطاعة له من أول الأعمال إلى آخرها لعدم كون صرف الوجود من المال و لو في أثناء الاعمال موضوعا للوجوب كي يحكم بالاجزاء فيما إذا حصلت له الاستطاعة بعد إحرامه و لا فائدة في وجود ميقات آخر إمامه لأنه ليس له تجديد إحرامه في الميقات الثاني لأنه لا إحرام في إحرام نعم لو قلنا ان الإحرام شرط للحج لا جزء من أعماله أمكن القول بالاجزاء بلا فرق بينما إذا كان امامه ميقات آخر أولا.

ثانيهما ما افاده بعض الاعلام في شرحه على

العروة أيضا من ان مقتضى إطلاق الأدلة وجوب الحج عليه و الذي يمنع عن القول بالوجوب إحرامه لغير حجة الإسلام إذ ليس له إبطاله و الإحرام ثانيا لحج الإسلام و هو لا يمنع عنه لانه بعد فرض شمول إطلاق الأدلة المذكورة يكشف عن بطلان الإحرام الأول و انه لم يكن له أمر ندبي بالحج و انما هو مجرد تخيل و وهم فحصول الاستطاعة و لو بعد الميقات يكشف عن بطلان إحرامه الأول و لذا لو انكشف انه كان مستطيعا من بلده و كان لا يعلم بذلك فلم يجب عليه الّا حجة الإسلام و يجرى عليه احكام من تجاوز الميقات بغير إحرام من الرجوع اليه مع الإمكان و مع عدمه التفصيل الآتي في محله و لا فرق في ذلك بين ما إذا كان امامه ميقات آخر أم لا.

أقول البحث مع هذا البعض في مراحل:

الاولى أنه هل يكون لأدلة الحج إطلاق يشمل المقام و هو ما لو حصلت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 102

..........

______________________________

الاستطاعة بعد الإحرام أو ان ظاهرها هو حصول الاستطاعة قبل الشروع في اعمال الحج كما افاده ذلك البعض لا يبعد ان يقال بالثاني فكما ان الدليل الدال على شرطية شي ء للمأمور به ظاهر في لزوم اقتران الشرط مع تمام أجزاء المأمور به من أوله الى آخره كذلك الدليل الدال على شرطية شي ء لتعلق التكليف بالمأمور به ظاهر في لزوم تحقق الشرط قبل أجزاء المأمور به و الشروع فيها.

الثانية انه لو فرض ثبوت الإطلاق لأدلة الحج و شمولها لما إذا حصلت الاستطاعة بعد الإحرام الذي هو أول جزء من المأمور به نقول ان في مقابل هذا الإطلاق إطلاقا آخر

و هي الأدلة الواردة فيمن أحرم من الميقات إحراما صحيحا و لو ندبا الدالة على انه ليس له رفع اليد عن الإحرام بل يجب عليه إتمام هذا العمل فان مقتضى إطلاقها الشمول لما إذا حصل شرط الوجوب بعد الإحرام و عليه فيجب إتمامه ندبا و لا مجال لدعوى عدم نهوض دليل الاستحباب في مقابل دليل الوجوب بعد كون مقتضى هذه الأدلة لزوم الإكمال بعنوان الاستحباب كصلاة الليل التي وقعت متعلقة للنذر فإنه يجب على الناذر الإتيان بصلاة الليل لكن بقصد الاستحباب دون الوجوب.

و بعد تعارض الإطلاقين لا مرجح لإطلاق أدلة وجوب الحج و إدخال مورد التعارض تحتها كما لا يخفى.

الثالثة انه لو فرض ثبوت المزية لإطلاق أدلة وجوب الحج و لزوم إدخال المورد تحتها فالحكم بأنه يكشف عن فساد الإحرام الأول لا سبيل اليه و الاستناد الى ما لو انكشف انه كان مستطيعا من بلده و كان لا يعلم بذلك غير تام فإنه في ذلك المورد يتبين له ان الشروع في الإحرام بعنوان الاستحباب لم يكن في محله لكونه مستطيعا في الواقع يجب عليه حجة الإسلام و اما المقام فالشروع بنية الندب كان في موضعه لعدم كونه مستطيعا في هذا الحال و لا دليل على بطلان هذا الإحرام و مقتضى إطلاق أدلة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 103

..........

______________________________

الحج لزوم كون الأعمال الآتية بعنوان حجة الإسلام فكما انه صرح هذا البعض في العبد المنعتق قبل المشعر بان مقتضى أدلة إجزاء حجه عن حجة الإسلام هو الانقلاب القهري الشرعي من دون حاجة الى تجديد النية أيضا كذلك مقتضى شمول الإطلاق في المقام ذلك و يمكن ان يقال بلزوم تجديد النية أيضا

و اما الكشف عن الفساد و لزوم تجديد إحرام آخر فلم يظهر وجهه و (دعوى) ان لازم القول بتعدد الماهية في باب الحج ذلك (مدفوعة) بعدم كون لازمة ذلك بل اللازم هو العدول كما في صلاة العصر حيث يعدل عنها الى صلاة الظهر لو انكشف له في الأثناء انه لم يأت بها و كما في العدول في العبد المنعتق قبل المشعر لو لم نقل بالانقلاب القهري و (دعوى) كون العدول على خلاف القاعدة و الأصل و لا يؤخذ به الّا في موارد وجود الدليل و المفروض ثبوته في العبد المنعتق و عدم وجوده في المقام (مدفوعة) بأن التعبير في العبد و ان كان هو الاجزاء عن حجة الإسلام و في المقام هو الحكم بوجوب الحج الّا ان الظاهر انه لا فرق بينهما في الحقيقة لأن مرجع الاجزاء الى وجوب حجة الإسلام عليه في ذلك الحال غاية الأمر ان الوجوب في المقام ثبت بالإطلاق و هناك بالنص و هذا المقدار لا يوجب الفرق من جهة ما نحن فيه من العدول الى حجة الإسلام كما لا يخفى.

ان قلت لعل نظره في الحكم ببطلان الإحرام الى ان توجه الحكم بالوجوب اليه بعد الاستطاعة- لفرض الإطلاق- يقتضي البطلان من جهة ان الأمر انما تعلق بالحج و هي عبادة مركبة من عدة أجزاء منها الإحرام فكانّ الأمر تعلق إلى الإحرام و لا معنى لتعلقه إليه في حالة الإحرام إلّا بعد كون الإحرام الأول محكوما بالفساد لانه لا معنى للأمر بالإحرام في حالة كونه محرما بالإحرام الصحيح لانه من تحصيل الحاصل كما لا يخفى.

قلت نعم انما يتم ذلك لو كان الأمر متعلقا بخصوص الإحرام فإنه لا يجتمع

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 104

..........

______________________________

مع صحة الإحرام الأوّل و اما لو تعلق الأمر بمركب ذات أجزاء كثيرة يكون الإحرام جزء واحدا منها الا يكون معناه إلّا الإتيان بسائر الأجزاء غير الإحرام و لا دلالة له على بطلان الإحرام الأوّل بوجه.

فانقدح من جميع ما ذكرنا انه لم يظهر وجه للحكم ببطلان الإحرام الأول هذا على تقدير ثبوت الإطلاق لأدلة وجوب الحج و شموله لما إذا استطاع بعد الشروع و تحقق الإحرام مع ان فيه مناقشة واضحة فإن ظاهر هذه الأدلة لزوم تحقق الشرط قبل الشروع في المأمور به فكما ان ظاهر أدلة اشتراط شي ء في المأمور به لزوم اقترانه مع جميع الاجزاء كما في قوله لا صلاة الا بطهور فكذلك ظاهر أدلة اشتراط الأمر بشي ء اقترانه مع جميع الاجزاء.

و مما ذكرنا يظهر انه لا مجال للاستدلال في المقام بما دل على ان من أدرك المشعر فقد أدرك الحج لأن غاية مفاده هي الصحة و ان إدراك المشعر يوجب اتصاف الحج بالصحة و وقوعه كذلك و لكن ذلك لا يكفي في كونه حجة الإسلام التي هي واجبة بالشرع إلّا إذا ثبت الإطلاق لأدلة وجوبها و مع عدم ثبوته لا مجال للحكم بالوجوب و لذا ذكرنا في الصبي البالغ قبل الوقوف بالمشعر ان أدلة من أدرك إذا انضمت إلى الإطلاق المستفاد من قوله عليه السّلام الجارية عليها الحج إذا طمثت يستفاد منها كون حجه حجة الإسلام و بدون ثبوت الإطلاق لا مجال لهذه الاستفادة لأن غاية مفاد أدلة من أدرك لا تتجاوز عن الصحة.

فقد ظهر من جميع ذلك ان الظاهر ما افاده بعض الأعاظم- قده- من الحكم بلزوم إتمام الحج ندبا و عدم كون حجه

حجة الإسلام و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه كما انه ظهر مما ذكرنا انه لا فرق بين ما إذا كان امامه ميقات آخر و بين ما إذا لم يكن أصلا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 105

[مسألة 13- لو وجد مركب كسيارة أو طيارة و لم يوجد شريك للركوب]

مسألة 13- لو وجد مركب كسيارة أو طيارة و لم يوجد شريك للركوب فان لم يتمكن من أجرته لم يجب عليه و الا وجب الا ان يكون حرجيا عليه، و كذا الحال في غلاء الأسعار في تلك السنة، أو عدم وجود الزاد و الراحلة إلا بالزيادة عن ثمن المثل، أو توقف السير على بيع أملاكه بأقل منه. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع أربعة مشتركة في الحكم من جهة الملاك و المستند و المهم فيها صورة تحقق الضرر المالى من دون ان يبلغ الى حد الحرج لانه مع البلوغ اليه لاخفاء في ارتفاع وجوب الحج لقاعدة نفى الحرج و اولى منه صورة عدم التمكن و القدرة بوجه فالمهم صورة وجود الضرر و قد توقف العلامة في الوجوب في الفرع الأول مستدلا بان بذل المال له خسران لا مقابل له و حكى عن الشيخ القول بعدم الوجوب في الفرع الثالث و هي الزيادة عن ثمن المثل و العمدة في هذا البحث قاعدة نفى الضرر و اللازم التكلم فيها على جميع المباني فنقول:

اما على ما اختاره شيخ الشريعة الأصفهاني- قده- في رسالته في هذه القاعدة من ان مرجعها إلى النهي عن الإضرار بالغير في شريعة الإسلام بحيث كانت الجملة إنشائية مسوقة لإفادة النهى كقوله تعالى فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ فلا ارتباط لها بمثل المقام لأنها أيضا حكم شرعي اوّلى كسائر الأحكام

الأولية مثل حرمة شرب الخمر و غيره غاية الأمر ان متعلقه الإضرار بالغير.

كما انه على ما اختاره سيدنا الأستاذ الأعظم الماتن- دام ظله الشريف- و رجحناه تبعا له في المباحث الأصولية من ان قوله- صلّى اللّٰه عليه و آله- لا ضرر و لا ضرار في الإسلام حكم صادر عن النبي ناش من مقام الحكومة و الولاية الثابتة له على المسلمين لا من مقام رسالته المرتبطة بالوحي فهو لا يرتبط بباب الفقه أصلا و لا يكون من الأحكام الشرعية الأولية و لا الثانوية بل يرتبط بمقام الحكومة و الزعامة و إدارة أمر المسلمين و شئونهم.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 106

..........

______________________________

و اما على ما اختاره المشهور في معنى القاعدة من ان مفادها حكم ثانوي الهى ناظر إلى الأحكام الأولية و حاكم عليها بتضييق دائرتها بما إذا لم يجئ من ناحيتها الضرر بالتقريب المذكور في كلام الشيخ في الرسائل أو بالتقريب المذكور في كلام المحقق الخراساني- قده- في الكفاية فمقتضاه في بادى النظر و ان كان هو عدم الوجوب لان المفروض استلزامه لتحقق الضرر المالى و القاعدة حاكمة على الأدلة الأولية التي منها دليل وجوب الحج في المقام.

و لكنه ذكر في «المستمسك» ان أدلة الوجوب على المستطيع لما كانت متضمنة لصرف المال كانت أخص من أدلة نفى الضرر فتكون مخصصة لها و ما اشتهر و تحقق من ان أدلة نفى الضرر حاكمة على الأدلة فذلك يختص بالأدلة المطلقة التي لها فردان ضرري و غير ضرري فتحكم عليها و تخرج الفرد الضرري عنها و ليس من ذلك أدلة وجوب الحج على المستطيع.

و أورد عليه بعض الأعلام بأن الحج و ان كان ضرريا و

لكن المجعول من الضرر ما يقتضيه طبعه مما يحتاج اليه المسافر الى الحج و اما الزائد على ما يقتضيه طبع الحج فهو ضرر آخر أجنبي عن الضرر اللازم من طبع الحج و المرفوع بحديث لا ضرر انما هو الضرر الزائد عما يقتضيه طبع الواجب و الذي لا يرتفع بلا ضرر انما هو الضرر اللازم منه مما يقتضيه طبعه.

و الجواب عن هذا الإيراد- بعد تسليم المبنى و بعد تسليم عروض التخصيص لقاعدة نفى الضرر مع ان سياقها آب عن التخصيص خصوصا إذا كان المخصص كثيرا كالحكم بوجوب الزكاة في موارده و الحكم بوجوب الخمس في محله و الحكم بوجوب الحج كذلك و غير ذلك من الأحكام الضررية مع ان الظاهر لزوم الالتزام بان خروجها يكون بنحو التخصص لا التخصيص.

انه لو كانت أدلة الحج بالنسبة إلى الضرر الزائد الناشئ عن عدم وجود الشريك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 107

[مسألة 14- يعتبر في وجوب الحج وجود نفقة العود الى وطنه]

مسألة 14- يعتبر في وجوب الحج وجود نفقة العود الى وطنه ان اراده أو الى ما أراد التوقف فيه بشرط ان لا تكون نفقة العود إليه أزيد من العود الى وطنه إلا إذا ألجأته الضرورة إلى السكنى فيه. (1)

______________________________

للمركب أو عن مثله مطلقة لكان اللازم الأخذ بها في مقابل قاعدة نفى الضرر لأنه إذا كان لدليل المخصص إطلاق يجب الأخذ به في مقابل العام و لا مجال للأخذ بالعموم و كذا المطلق فإذا ورد قوله أعتق رقبة و ورد قوله لا تعتق الرقبة الكافرة و شككنا في ان عدم جواز عتق الرقبة الكافرة يختص بما إذا كان بأيدينا رقبة مؤمنة أو يشمل ما إذا لم يكن بأيدينا كذلك و لكن أمكننا تحصيلها

فإذا فرض ثبوت الإطلاق لدليل المقيد لا مجال للرجوع إلى الإطلاق و الحكم بجواز عتق الرقبة الكافرة إذا لم يكن بأيدينا كذلك و المقام من هذا القبيل و (دعوى) ان ثبوت الإطلاق ينافي ما مرّ من ان المراد من الاستطاعة في الآية في نفسها هي الاستطاعة العرفية لعدم كون المقام متحققا فيه الاستطاعة كذلك (مدفوعة) أولا بأن حمل الآية على الاستطاعة العرفية انما هو بلحاظ الآية في نفسها مع قلع النظر عن الروايات الواردة في تفسيرها و ثانيا بعدم كون الاستطاعة العرفية منافية للضرر المتحقق في المقام فإن الاستطاعة حاصلة و لو كان الضرر أيضا موجودا كما لا يخفى.

و قد انقدح مما ذكرنا انه لو اخترنا مبنى المشهور في مفاد القاعدة أيضا لكان اللازم الالتزام بالوجوب في هذه الفروع.

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:

المقام الأول في أصل اعتبار وجود نفقة العود في وجوب الحج في الجملة قال في الشرائع: «و المراد بالزاد قدر الكفاية من القوت و المشروب ذهابا و عودا» و من المعلوم انه لا خصوصية للزاد من هذه الجهة فإن الراحلة أيضا يكون كذلك و الذي يظهر من كلماتهم الاستدلال على ذلك بوجهين:

أحدهما ما استدل به العلامة في محكي التذكرة و المنتهى من ان في التكليف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 108

..........

______________________________

بالإقامة في غير الوطن مشقة شديدة و حرجا عظيما فيكون منفيا.

ثانيهما ما افاده بعض الأعاظم- قده- في شرحه على العروة من ان نفس الاخبار الدالة على لزوم اعتبار الزاد و الراحلة في تحقق الاستطاعة تدل على لزوم اعتبار نفقة العود كان المتفاهم العرفي منها ذلك فإذا قال المولى لعبده اذهب الى السفر الكذائي ان

كان لك الزاد و الراحلة لا يكون المتفاهم منه الا وجدانه للزاد و الراحلة ذهابا و إيابا و عليه فالتعبير في آية الحج و ان كان هي الاستطاعة الى البيت لكن فهم العرف من نفس هذا التعبير أيضا ذلك اى الذهاب و الإياب.

نعم لو لم يرد الشخص الرجوع الى الوطن أو غيره بل أراد المجاورة بمكة المكرمة- مثلا- لا تعتبر نفقة العود بالإضافة إليه أصلا و الحاكم بالفرق هو العرف أيضا و تظهر ثمرة الوجهين فيمن يريد الرجوع الى الوطن- مثلا- على حسب ميله و رغبته الشخصية و لكن لا تكون الإقامة بمكة أيضا حرجية عليه بوجه لعدم ثبوت علاقة له في الوطن- مثلا- فمقتضى الدليل الأول عدم كون نفقة العود بالإضافة إليه معتبرة في وجوب الحج و مقتضى الدليل الثاني الاعتبار لفرض إرادته الرجوع و العود الى الوطن.

المقام الثاني في انه بعد اعتبار نفقة العود في وجوب الحج فان كان مراده هو الرجوع الى وطنه فلا شبهة في اعتبار نفقة العود اليه من دون فرق بين ما إذا كان له في البلد أهل و عشيرة و بين ما إذا لم يكن له ذلك و من دون فرق أيضا بين ما إذا كان له في الوطن مسكن مملوك و لو بالإجارة و بين ما إذا لم يكن و ان كان مراده هو العود الى محل آخر و التوقف فيه فان كانت نفقة العود إليه مساوية لنفقة العود الى الوطن أو أقل منه فالمعتبر هي تلك النفقة و ان كانت أزيد فلا دليل على اعتبار الزائد عن نفقة العود الى الوطن إلا إذا ألجأته الضرورة إلى السكنى فيه فالمعتبر نفقة العود الى ذلك المحل و قد

جعل السيد في العروة المعيار هي الابعدية مع ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 109

[مسألة 15- يعتبر في وجوبه وجدان نفقة الذهاب و الإياب زائدا عما يحتاج إليه في ضروريات معاشه]

مسألة 15- يعتبر في وجوبه وجدان نفقة الذهاب و الإياب زائدا عما يحتاج إليه في ضروريات معاشه فلاتباع دار سكناه اللائقة بحاله و لا ثياب تجمله و لا أثاث بيته و لا آلات صناعته، و لا فرس ركوبه أو سيارة ركوبه، و لا سائر ما يحتاج اليه بحسب حاله و زيه و شرفه، بل و لا كتبه العلمية المحتاج إليها في تحصيله سواء كانت من العلوم الدينية أو من العلوم المباحة المحتاج إليها في معاشه و غيره، و لا يعتبر في شي ء منها الحاجة الفعلية، و لو فرض وجود المذكورات أو شي ء منها بيده من غير طريق الملك كالوقف

______________________________

الظاهر ان مراده منها هي الازيدية و التعبير بالأول انما هو للملازمة النوعية بين الأمرين و عليه فلا مجال للإشكال عليه كما في بعض الشروح و اما استثناء صورة الإلجاء فإن كان الإلجاء مرتبطا بنفس العود الى ذلك المحل كما إذا لم يتمكن من الرجوع الى وطنه لبعض الجهات فهو تام و امّا ان كان الإلجاء مرتبطا بنفس السكنى فيه و كان متمكنا من العود الى وطنه فاعتبار نفقة العود الى ذلك المحل محل اشكال كما لا يخفى ثم ان في اعتبار نفقة العود في تحقق الاستطاعة التي هي شرط لوجوب حجة الإسلام شبهة و هي انه لو فرض كون الشخص واجدا لهذه النفقة عند السير الى الحج و كانت باقية عند المناسك و الأعمال بأجمعها و لكن بعد التمامية ذهبت من يده بسرقة أو غيرها فصار فاقدا لنفقة العود بالمرة فاللازم ان يقال بعدم كون

حجه الذي اتى به بقصد حجة الإسلام كذلك مثل ما إذا علم من أول الأمر قبل المسير بأن نفقة عوده تسرق بعد الأعمال فإنه لا يجب عليه الحج في هذه الصورة فكذلك المقام و عليه فيجب عليه الإتيان بها بعدا لو تحقق له الاستطاعة له مع ان الالتزام به في غاية البعد لان لازمة ان السرقة كما ذهبت بماله كذلك ذهبت بحجه.

و يمكن ان يقال في دفع هذه الشبهة بأن الظاهر من النصوص الدالة على عدم أجزاء حج المتسكع عن حجة الإسلام غير مثل هذا الفرض و اللازم ملاحظتها كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 110

و نحوه وجب بيعها للحج بشرط كون ذلك غير مناف لشأنه و لم يكن المذكورات في معرض الزوال. (1)

______________________________

(1) المشهور بين الفقهاء هو استثناء ما يحتاج اليه الشخص في ضروريات معاشه عن الزاد و الراحلة المحقق للاستطاعة بمعنى انه يعتبر ان يكون الزاد و الراحلة زائدا على ذلك و لا يجب عليه صرفه فيهما و يمكن الاستدلال عليه بأمور:

أحدها الإجماع المدعى في بعض الكتب كالمعتبر و المنتهى و التذكرة، و الاشكال على الاستدلال به واضح مما ذكرناه مرارا.

ثانيها استثناء هذه الأمور كلا أو جلا في دين المخلوقين الذي هو أعظم من دين الخالق الذي هو الحج. و يرد عليه ان الكلام في المقام في أصل ثبوت دين الخالق لان البحث في تحقق الاستطاعة الجائية من ناحيتها الفريضة و الدين الإلهي مع ان الظاهر انه في صورة استقرار الحج و ثبوت الدين الإلهي لا يكون جميع هذه الأمور مستثناة كما لا يخفى.

ثالثها فحوى رواية أبي الربيع الشامي الدالة على ان المراد

بالسبيل في الآية هي السعة في المال لكنه قد تقدم و سيأتي أيضا في بحث الرجوع الى الكفاية ان المراد بالسعة ما ذا؟.

رابعها و هو العمدة قاعدة نفى العسر و الحرج و لا مجال للإشكال على الاستدلال بهذه القاعدة الا ان اللازم بملاحظة كون الحرج المأخوذ فيها حرجا شخصيا لا نوعيا دوران الحكم مداره فإذا فرض عدم تحقق الحرج أصلا من بيع بعض المستثنيات و صرف ثمنه في الحج فاللازم القول بوجوب الحج عليه لفرض تحقق الاستطاعة و عدم لزوم الحرج بوجه.

و دعوى انه لو توقف حجه على بيع بعض المستثنيات لم يكن نفس الحج حرجيا عليه بل هو مستلزم لأمر حرجي و هو فقده لما يحتاج إليه في معيشته فالحرج لا يكون ثابتا في أصل حجة بل في لازمة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 111

..........

______________________________

مدفوعة بأنه مع التوقف المذكور و فرض كون فقده لما يحتاج إليه في معيشته امرا حرجيا يصدق كون الحرج آتيا من قبل الحكم و هو إيجاب الحج و لا يلزم في قاعدة نفى الحرج ان يكون متحققا في نفس المأمور به و الّا لا مجال لاستفادة اعتبار نفقة العود من هذه القاعدة لعدم كون الحج مع عدمها حرجيا بوجه فالملاك هو كون الحكم موجبا لتحقق الحرج سواء كان في المأمور به أو في غيره مما يلازمه كما لا يخفى.

كما ان (دعوى) ان الاستناد بهذه القاعدة انما يجدي لنفى الإلزام و هو لا ينافي الاجزاء عن حجة الإسلام فلو تحمل الحرج و اتى بالحج يكون حجه صحيحا مجزيا (مدفوعة) بأنه على تقدير تسليم كون تحمل الحرج غير مناف للصحة لاحتمال البطلان كما رجحناه في البحث عن

القاعدة في كتابنا في القواعد الفقهية نقول ان غايته هو الحكم بالصحة و اما الاجزاء عن حجة الإسلام فلا مجال له بعد تغاير الماهية في الحج و ثبوت حقيقة خاصة لحجة الإسلام التي تكون عمدة مشخصاتها هي الوجوب و كونها فريضة فإجراء القاعدة في المقام و مثله يكون ملازما لعدم الاجزاء.

إذا ظهر لك ذلك فنقول:

اما مسألة الثياب ففي محكي الدروس و التحرير انها لا تباع و مقتضى إطلاقها انه لا فرق بين ثياب المهنة- بالفتح و الكسر- اى ما يبتذله من الثياب لأن المهنة الخدمة و بين ثياب التجمل و في الشرائع: و لا تباع ثياب مهنة و في المتن: «و لا ثياب تجمله» و شموله لثياب المهنة انما هو بنحو الأولوية و لكن شمول مثل عبارة الشرائع لثياب التجمل محل اشكال.

و العمدة على ما عرفت هو دليل نفى العسر و الحرج و الظاهر شموله لثياب التجمل أيضا و كذلك أثاث البيت إذا كان لائقا بحاله و لم يكن زائدا على حاجته

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 112

..........

______________________________

بحسب زيه و شرفه و زمانه و مكانه و سائر الخصوصيات الموجبة للفرق بين الأشخاص من جهة الحاجة.

و اما آلات صناعته فعن الدروس التوقف في استثناء ما يضطر اليه من أمتعة المنزل و السلاح و آلات الصنائع و هو محل نظر بعد فرض وجود الاحتياج إليه في معاشه و إدارة أموره.

و اما فرس الركوب أو السيارة في زماننا هذا فقد ناقش في استثنائه كاشف اللثام حيث قال في محكي كشفه: لا ارى له وجها فان فرسه ان صلح لركوبه الى الحج فهو من الراحلة و الّا فهو في مسيره إلى الحج لا

يفتقر اليه و انما يفتقر الى غيره و لا دليل على انه- ح- لا يبيعه في نفقة الحج إذا لم يتم الا بثمنه.

و قد عرفت ان الدليل هي قاعدة نفى العسر و الحرج المقتضية لعدم الوجوب مع الحاجة اليه و ان كان لا يحتاج إليه في مسيره إلى الحج بوجه.

و اما الكتب فالمحكي عن ابن سعيد انه قال: لا يعد في الاستطاعة لحج الإسلام و عمرته دار السكنى و الخادم و يعتبر ما عدا ذلك من ضياع و عقار و كتب و غير ذلك. و المحكي عن التحرير انه أطلق بيع ما عدا المسكن و الخادم و الثياب من ضياع أو غيرهما من الذخائر.

و المحكي عن المنتهى انه بعد دعوى إجماع العلماء على استثناء المسكن و الخادم الحق بذلك فرس الركوب و كتب العلم و أثاث البيت من فراش و بساط و آنية و نحو ذلك.

و الظاهر ما في المتن من تخصيص الاستثناء بالكتب المحتاج إليها سواء كان احتياجه إليها لأجل الضرورة الدينية التي هي أعظم من الدنيوية من دون فرق بين ان تكون لأجل التحصيل أو العمل و أخذ الحكم أو لأجل الضرورة الدنيوية كما إذا احتاج إليها لأجل معاشه أو لأجل التدريس و التأليف و مثلهما و لا وجه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 113

..........

______________________________

للتخصيص بالكتب العلمية الدينية- كما هو ظاهر السيد في العروة- لعموم الدليل و هي قاعدة نفى الحرج و الظاهر انه لا يعتبر في جريانها وجود الحاجة الفعلية بل يكفى كونها في معرض الحاجة و المراجعة.

و الظاهر ان حليّ المرأة بحسب حالها في زمانها و مكانها أيضا كذلك كما عن الشيخ و الشهيد إلحاقها

بالثياب و الاستشكال فيه بعدم الدليل- كما في الجواهر- مندفع بجريان القاعدة هنا أيضا و يشمله عموم المتن في قوله: و لا سائر ما يحتاج اليه بحسب حاله و زيّه و شرفه.

ثم انه لو فرض وجود دار موقوفة غير داره المملوكة و كان كل منهما لائقا بحاله مناسبا لشأنه حتى مع وصف الوقفية بمعنى عدم كون السكنى في الدار الموقوفة منافيا لشأنه أصلا و لم تكن في معرض الزوال أيضا بعروض الخراب أو الأخذ من يده أو غيرهما فهل يجب عليه بيع الدار المملوكة بشرط كون ثمنها وافيا بالحج أو متمما للاستطاعة و مكملا لها أم لا؟ في المسألة صورتان و قبل ذكرهما لا بد من التنبيه على أمر و هو انه ليس المراد من وجوب البيع المذكور في مثل هذه الموارد ان البيع يكون واجبا شرعا بل المراد هي صيرورة الشخص بذلك مستطيعا تجب عليه حجة الإسلام فلو لم يبع الدار مع كونه كذلك و حج متسكعا يكون حجة حجة الإسلام من دون ان تتحقق منه مخالفة فالمراد انه إذا انحصر طريق الحج بالبيع بحيث لم يمكنه ان يحج الا بالبيع فاللازم البيع لا انه يجب البيع مطلقا.

الصورة الأولى ما إذا كانت الدار الموقوفة بيده و تحت اختياره و لا مجال للإشكال في عدم استثناء داره المملوكة في هذه الصورة لعدم كون بيعها و صرف ثمنها في الحج موجبا لتحقق الحرج عليه أصلا على ما هو المفروض و الظاهر عدم شمول عبارة الجواهر لهذه الصورة حيث قال: «و ان كان الأقوى عدم وجوب بيعها لو كان يمكنه الاعتياض عنها بالاوقاف العامة و شبهها بل في الدروس القطع بذلك».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحج، ج 1، ص: 114

[مسألة 16- لو لم تكن المذكورات زائدة على شأنه عينا لا قيمة يجب تبديلها]

مسألة 16- لو لم تكن المذكورات زائدة على شأنه عينا لا قيمة يجب تبديلها و صرف قيمتها في مئونة الحج أو تتميمها بشرط عدم كونه حرجا و نقصا و مهانة عليه و كانت الزيادة بمقدار المئونة أو متممة لها و لو كانت قليلة. (1)

______________________________

فان إمكان الاعتياض ظاهر في الصورة الآتية فتدبر.

الصورة الثانية ما إذا لم تكن موجودة عنده و بيده بل امكنه تحصيلها و قد فرق بينهما السيد في العروة و يشعر إليه عبارة المتن نظرا الى عدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة بخلاف الصورة الأولى قال: الا إذا حصلت بلا سعى منه أو حصلها مع عدم وجوبه فإنه بعد التحصيل يكون كالحاصل أولا.

و أورد عليه بعض الاعلام في الشرح بما حاصله تحقق الاستطاعة في الصورة الثانية أيضا لأن المفروض وجود ما يحج به عنده و لا مانع من صرفه في الحج الا العسر و الحرج و هو منتف بعد قدرته على تحصيل الدار الموقوفة بلا حرج و ليس هذا من قبيل تحصيل الاستطاعة الذي لا يكون واجبا قطعا لحصولها بالفعل لثبوت الزاد و الراحلة و لو قيمة و عدم استلزام وجوب الحج للحرج أصلا على ما هو المفروض فالحكم في الصورتين هو وجوب البيع للحج.

(1) لا إشكال في انه لو زادت المذكورات كالدار- مثلا- على شأنه بحسب العين يكون اللازم بيع الزيادة لو كانت بمقدار المئونة أو متممة لها و قد ادعى القطع بذلك صاحب الجواهر تبعا للدروس و غيرها و لو لم يمكن بيعها الا ببيع المجموع يجب أيضا كما هو ظاهر.

و اما لو كانت الزيادة لا بحسب العين بل بحسب القيمة ففي المسألة قولان: الأول ما اختاره

صاحب الجواهر تبعا للتذكرة و الدروس و المسالك و غيرها من وجوب التبديل و شراء ما يليق به من ذلك بأقل من ثمنها و صرف الباقي في الحج لان الدليل على استثناء المذكورات هي قاعدة الحرج و هي لا تجري في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 115

[مسألة 17- لو لم يكن عنده من أعيان ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه و تكسبه]

مسألة 17- لو لم يكن عنده من أعيان ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه و تكسبه و كان عنده من النقود و نحوها ما يمكن شراؤها يجوز صرفها في ذلك من غير فرق بين كون النقد عنده ابتداء أو بالبيع بقصد التبديل أو لا بقصده بل لو صرفها في الحج ففي كفاية حجه عن حجة الإسلام إشكال بل منع. و لو كان عنده ما يكفيه للحج و نازعته نفسه للنكاح جاز صرفه فيه بشرط كونه ضروريا بالنسبة اليه اما لكون تركه مشقة عليه أو موجبا لضرر أو موجبا للخوف في وقوع الحرام أو كان تركه نقصا و مهانة عليه.

و لو كانت عنده زوجة و لا يحتاج إليها و امكنه طلاقها و صرف نفقتها في الحج لا يجب و لا يستطيع. (1)

______________________________

الفرض بعد كون الأقل ثمنا لائقا بحاله غير مناف لشأنه و لا موجبا للمنقصة عليه.

الثاني ما عن الكركي من عدم وجوب الاستبدال و احتمله كاشف اللثام و العلامة في التذكرة نظرا الى عدم كون العين زائدة على الحاجة و الأصل عدم وجوب التبديل. و قد اختار في المتن القول الأول و أشار بقوله: «و لو كانت قليلة» إلى خلاف ما عليه السيد في العروة من استثناء صورة ما إذا كانت الزيادة قليلة جدّا بحيث لا يعتنى بها، و الوجه في المخالفة انه

لو فرض كون الزيادة مع فرض قلّتها متممة لمئونة الحج فأيّ دليل يدل على الاستثناء في المقام و لا ربط له بخيار الغبن أصلا.

(1) في هذه المسألة فروع ثلاثة: الأول: لو لم يكن عنده من أعيان ما يحتاج اليه كالدار- مثلا- و لكن كان عنده من النقود ما يمكن شراؤها فهل يجوز الصرف في شراء الدار أم لا بل يكون مستطيعا؟

حكى في الجواهر عن الدروس و المسالك و غيرهما الأول و هو الظاهر و لا فرق فيه بين الصور المذكورة في المتن من كون النقد عنده ابتداء أو بالبيع بقصد التبديل أولا بقصد التبديل فان المعيار في الجميع هو العسر و الحرج المخرج لنفس العين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 116

..........

______________________________

عن الزاد و الراحلة ففي الحقيقة لا فرق بين نفس الدار التي يكون عدمها موجبا للحرج و بين الصور المذكورة أصلا لأنه كما يكون بيع الدار موجبا للحرج كذلك صرف النقود الموجودة أو الحاصلة من بيع الدار في الحج يكون كذلك سواء كان بقصد التبديل أولا بقصده و عدم قصده مع ثبوت الحرج لا ينافي جريان قاعدته و عليه فلو حج و الحال هذه و صرف مقدارا من النقود فيه لا يكون حجة حجة الإسلام.

و العجب من السيد في العروة حيث انه مع ذهابه الى ان الدليل على الاستثناء في المستثنيات هو قاعدة العسر و الحرج صرح بالتفصيل بين ما إذا كانت العين مثل الدار موجودة عنده فإنه لا يجب الا مع عدم الحاجة و كذا لو باعها بقصد التبديل بدار آخر فان حكم ثمنها حكم نفسها فلا يجب صرفه في الحج الا مع عدم الحاجة و بين ما

إذا كان عنده من النقود ابتداء فإنه لا يجوز شراء الدار بها و ترك الحج الا ان يكون عدمها موجبا للحرج عليه فالمدار فيه هو الحرج و عدمه و كذلك لو باعها لا بقصد التبديل فإنه يجب صرف ثمنها في الحج الا مع الضرورة إليها على حد الحرج في عدمها.

و بالجملة فقد جعل المدار في الصورتين الأولتين هو عدم الحاجة و في الصورتين الأخيرتين هو العسر و الحرج و لم يعلم وجه لهذا التفصيل الا ان يقال ان الوجه في استثناء الدار و الخادم و الثياب هو الإجماع و مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين ما إذا هناك ضرورة و ما إذا لم يكن نعم يخرج منه صورة عدم الحاجة قطعا و يبقى الباقي و عليه فلا يجب بيع الدار الموجودة في صورة الحاجة و ان لم يكن عسر و حرج لكنه يرد على هذا الوجه- مضافا الى ما عرفت من عدم ثبوت الأصالة في المقام للإجماع على تقدير كونه محصلا لاحتمال استناد المجمعين إلى قاعدة نفى الحرج فالمدار عليها لا عليه- انه على تقدير ثبوت الأصالة نقول ان معقده هي الدار الموجودة- مثلا- و اما إذا بيعت و لو بقصد التبديل فلا يشمل الإجماع ثمنها بوجه، مع انك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 117

..........

______________________________

عرفت انه- قده- اعتمد في الاستثناء على القاعدة من دون إشارة إلى الإجماع فالتفصيل المذكور في كلامه مما لا مجال له أصلا.

و قد ظهر مما ذكرنا ان المدار هي القاعدة و لا فرق فيها بين الصور الأربع أصلا نعم ذكر بعض الاعلام انه لو باع داره الموجودة المحتاج إليها للتحفظ على المال و ارادة الادخار و

البناء على عدم الصرف في الحوائج أصلا لا يكون إلزامه بالحج- حينئذ- حرجيا عليه لانه لا حرج عليه في صرفه في الحج بعد فرض انه عازم على عدم صرفه في حوائجه فإنه على تقدير صرف المال و عدمه يعيش عيشة حرجية نعم صرف المال مناف لعزمه و تصميمه بادخار المال و الا فلا حرج عليه من ناحية الحج.

و يمكن الإيراد عليه بان بناءه على تحمل الحرج لا يوجب خروج التكليف الشرعي عن الحرجية فإن الإلزام في هذا الفرض مثل الفروض المشابهة يجي ء منه الحرج و البناء على التحمل لا يوجب الخروج عن هذا الوصف مثل ما إذا كان الصوم حرجيا على شخص و لكنه على تقدير عدم الوجوب أيضا يتحمل الإمساك فهل يكون الصوم واجبا عليه فالظاهر عدم الوجوب في هذا الفرض أيضا.

الفرع الثاني: لو كان عنده ما يكفيه للحج و لكن نازعته نفسه للنكاح فهل يجب عليه الصرف في الحج أم لا؟ قال المحقق في الشرائع في هذا الفرض: «لم يجز صرفه في النكاح و ان شق تركه» و مثله ما عن المبسوط و الخلاف و القواعد و التحرير نظرا الى ان النكاح المستحب لا يعارض الحج الواجب.

و الظاهر ان مرادهم المشقة غير البالغة حد الحرج و الا إذا كان الترك موجبا لثبوت الحرج و الضرورة فالظاهر عدم وجوب الحج كسائر الموارد التي يتحقق الحرج.

ثم ان جعل صورة الخوف من الوقوع في الحرام من موارد الحرج و الضرورة- كما في المتن- محل إشكال لأن العلم بالوقوع في الحرام اختيارا فضلا عن الخوف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 118

[مسألة 18- لو لم يكن عنده ما يحج به و لكن كان له دين على شخص بمقدار مئونته أو تتميمها يجب اقتضائه ان كان حالا]

مسألة 18- لو لم يكن عنده ما يحج به و

لكن كان له دين على شخص بمقدار مئونته أو تتميمها يجب اقتضائه ان كان حالا و لو بالرجوع الى حاكم الجور مع فقد حاكم الشرع أو عدم بسط يده نعم لو كان الاقتضاء حرجيا أو المديون معسرا لم يجب و كذا لو لم يكن إثبات الدين، و لو كان مؤجلا و المديون باذلا يجب أخذه و صرفه فيه، و لا يجب في هذه الصورة مطالبته و ان علم بأدائه لو طالبه.

و لو كان غير مستطيع و امكنه الاقتراض للحج و الأداء بعده بسهولة لم يجب و لا يكفى عن حجة الإسلام، و كذا لو كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحج فعلا أو مال حاضر كذلك أو دين مؤجل لا يبذله المديون قبل اجله لا يجب الاستقراض و الصرف في الحج بل كفايته على فرضه عن حجة الإسلام مشكل بل ممنوع. (1)

______________________________

منه لا يكون مجوزا لترك الحج لعدم استناده الى الحج بل انما يرتكبه بسوء الاختيار و اللازم عليه تركه و لا يوجب ذلك سقوط الحج بوجه.

الفرع الثالث: ما إذا كانت عنده زوجة و لكن لا حاجة له إليها و امكنه طلاقها و صرف نفقتها في الحج فإنه لا يجب عليه الطلاق و الإتيان بالحج فإنه من قبيل تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب كما مرّ مرارا.

(1) في هذه المسألة أيضا فروع: الأول: لو لم يكن عنده ما يحج به و لكن كان له دين على شخص بمقدار أصل المئونة أو تتميمها فتارة يكون الدين حالا و اخرى يكون مؤجلا.

ففي الصورة الاولى ان كان المديون موسرا معترفا بثبوت الدين باذلا له إلى الدائن من دون مطالبة لا شبهة في تحقق الاستطاعة و وجوب

الحج و كذلك إذا توقف بذله على مجرد المطالبة فإنه يجب الاقتضاء- حينئذ- لأنه يصدق عليه انه يكون عنده

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 119

..........

______________________________

ما يحج به الذي هو شرط لوجوب الحج و ليست المطالبة بمنزلة تحصيل الاستطاعة الذي لا يكون واجبا بل هو مثل ما إذا كانت نقود مدخرة في البنك و كان الوصول إليها متوقفا على تحرير ما يقال له بالفارسية به (چك) و إمضائه فإن مثل هذا التوقف لا ينافي الاستطاعة الفعلية كما لا يخفى.

و كذلك إذا توقف الاقتضاء على الرجوع الى حاكم الشرع الذي يكون مبسوط اليد فان مجرد هذا التوقف لا يمنع عن فعلية الاستطاعة و اما إذا توقف على الرجوع الى حاكم الجور فقد قال في الجواهر: «و ان كان قد يقوى في النظر عدمها- يعنى الاستطاعة- مع التوقف على حاكم الجور للنهى عن الركون اليه و الاستعانة به و ان حملناه على الكراهة مع التوقف عليه ترجيحا لما دل على الجواز بالمعنى الشامل للوجوب من دليل المقدمة و غيره و مثله لا يتحقق به الاستطاعة بعد فرض ان الجواز المزبور كان بعد ملاحظة المعارضة بين ما دل على المنع و ما دل على خلافه من المقدمة و غيرها».

و أورد عليه في المستمسك بقوله: «و ما ذكره غير ظاهر إلّا إذا لم نقل بجواز الرجوع الى الجائر إذ- حينئذ- يكون دليل المنع رافعا للاستطاعة فلا وجوب كي يزاحم حرمة الرجوع، اما إذا قلنا بالجواز اعتمادا على أدلة الجواز مع انحصار استنقاذ الحق به فح لا رافع للاستطاعة كي يرتفع الوجوب».

و الظاهر ان عبارة الجواهر محتملة لوجهين: الأول ان يكون المراد ترجيح دليل الوجوب

على دليل المنع بعد تحقق المعارضة و لا محالة يكون الوجه في الترجيح أهمية الحج في الإسلام و كونه مما بنى عليه الإسلام فعلى هذا الوجه لا مجال للشك في تحقق الاستطاعة و جواز الرجوع الى حاكم الجور لاقتضاء الدين.

الثاني ان يكون المراد انه بعد فرض المعارضة يكون الجمع بين الدليلين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 120

..........

______________________________

بحمل دليل المنع على الكراهة و دليل الوجوب على مجرد الجواز فعلى هذا الوجه و ان كان الرجوع الى حاكم الجور جائزا مكروها لكنه لا سبيل للحكم بوجوب الحج بعد التصرف في ظاهر دليله بالإضافة إلى مادة الاجتماع كما لا يخفى.

و لكن الذي يرد على صاحب الجواهر عدم كون الرجوع الى حاكم الجور لمجرد اقتضاء الدين ركونا الى الظالم فان مرجع الركون هو جعل الظالم ركنا له و ظهيرا و هذا لا يتحقق في الاقتضاء و اما الاستعانة به فلا دليل على حرمتها بنحو الإطلاق فإن الفقير الذي يرجع اليه لرفع فقره هل تكون استعانته به محرمة و نظير ذلك، نعم فيما إذا تحاكم الى حاكم الجور كما فيما إذا فرض ان إثبات دينه يتوقف على الرجوع اليه و حكمه يمكن ان يقال بان الدليل على المنع هي أدلة حرمة التحاكم اليه و التحقيق في محله.

ثم ان لصاحب المستمسك منهجا آخر في ان التوقف على الرجوع الى الحاكم مطلقا و لو كان حاكم الشرع يمنع عن فعلية الاستطاعة حيث قال ما ملخصه بتقديم و تأخير ان المعتبر في الوجوب أمران: الأول ان يملك الزاد و الراحلة الثاني ان يكون قادرا على ذلك قدرة فعلية فمع انتفاء الأول لا يكون مستطيعا و ان كان

قادرا عليه و كذلك مع انتفاء الثاني فإذا كان مالكا و لم يكن قادرا بالقدرة الفعلية لا يكون مستطيعا بل قادرا عليها و الوجه في ذلك انه و ان كان قد فسرت الاستطاعة في بعض النصوص بمثل ان يكون له زاد و راحلة الذي يكون مقتضى إطلاقه وجوب الحج بمجرد الملكية الا ان المستفاد من جملة أخرى اعتبار القدرة الفعلية على المال شرعية و عرفية ففي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال اللّٰه تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال عليه السّلام هذه لمن كان عنده مال و صحة .. الى ان قال إذا هو يجد ما يحج به. «1» و في

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج الباب السادس ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 121

..........

______________________________

بعض الروايات: إذا قدر الرجل على ما يحج به و من ذلك يظهر انه مع مماطلة المديون لا قدرة فعلية بل له القدرة على تحصيل الاستطاعة و لا يجب معها الحج.

هذا و لكن الظاهر ما أفيد في المتن تبعا للعروة من تحقق الاستطاعة الفعلية في هذا الفرض فإنه يصدق عليه ان عنده ما يحج به و مجرد التوقف المذكور لا يمنع عن تحققه فهو- كما قيل- نظير ما إذا كان له مال مدفون في الأرض أو كان محرزا في صندوق و توقف التصرف فيه على حفر الأرض و فتح الصندوق بعلاج و نحوه فإنه لا ريب في الوجوب لأن القدرة التكوينية إذا كانت متوقفة على مقدمات لا يوجب ذلك سقوط الواجب بل يجب عقلا تحصيل المقدمات فالإنصاف وجوب الحج في هذا الفرض ثم

انه استثنى في المتن عن تحقق الاستطاعة في الدين الحال ما إذا كان الاقتضاء حرجيا أو كان المديون معسرا أو لم يمكن له إثبات الدين و لكن بعض الشارحين للعروة ذكر ان ذلك انما يتم في بعض الصور دون بعض نظرا الى ان الدين لو تمكن من بيعه نقدا بأقل منه كما هو المتعارف يجب عليه بيعه لصدق الاستطاعة و ان عنده ما يحج به هذا كله في الدين الحال.

و اما الصورة الثانية و هي الدين المؤجل ففيه فروض:

الأول: ما إذا كان المديون باذلا للدين من دون مطالبة و الظاهر تحقق الاستطاعة- ح- و وجوب الأخذ إذا لم يستلزم الحرج بوجه و لكن ظاهر صاحب الجواهر العدم حيث قال: «و لو كان مؤجلا و بذله المديون قبل الأجل ففي كشف اللثام:

وجب الأخذ لأنه بثبوته في الذمة و بذل المديون له بمنزلة المأخوذ و صدق الاستطاعة و وجدان الزاد و الراحلة عرفا بذلك و فيه انه يمكن منع ذلك كله ..».

و الوجه في الوجوب ان مرجع تأجيل الدين ليس الى عدم كون الدين ملكا للدائن قبل حلول الأجل بل مرجعه الى الثبوت في الذمة غاية الأمر اشتراط التأجيل في التأدية و عليه فما يبذله المديون قبل الأجل انما يكون ماله و مضافا اليه فهو مالك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 122

..........

______________________________

للزاد و الراحلة و قادر عليهما بالبذل و عليه فيفترق المقام عن الهبة التي لا يكون فيها ملك الا بعد تحقق القبول و ان القبول تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب فالفرق حصول الاستطاعة في المقام و عدمه في الهبة.

هذا إذا كان شرط التأجيل بنفع المديون خاصة كما هو الغالب

و اما لو فرض كونه بنفع الدائن أيضا كما إذا كان هذا الاشتراط من ناحيته لغرض متعلق به فالظاهر عدم كونه مانعا عن تحقق الاستطاعة مع بذل المديون قبل الأجل لأن بذله يوجب تحقق القدرة الفعلية و ان كان مخالفا لغرضه كما لا يخفى.

الثاني: ما إذا توقف بذل المديون قبل حلول الأجل على مجرد المطالبة و يكون الدائن واثقا بذلك و انه على تقدير المطالبة يبذله فصريح المتن هو عدم وجوب المطالبة- ح- و عدم تحقق الاستطاعة و الظاهر ان الفرق بين هذه الصورة و بين الدين الحال الذي تجب مطالبته هو ثبوت حق المطالبة هناك دون هذه الصورة لا بمعنى ثبوت الفرق من جهة الحرمة و عدمها حتى يقال ان المانع الشرعي كالمانع العقلي و ان الاستطاعة لا تجتمع مع حرمة المطالبة بل بمعنى ثبوت نفس الحق و عدمه و الظاهر ان هذا الفرق و ان كان موجودا الا انه لا يوجب ان يكون فارقا من جهة الاستطاعة و عدمها بل الاستطاعة متحققة في كلتا الصورتين و لازمها وجوب من جهة الاستطاعة و عدمها بل الاستطاعة متحققة في كلتا الصورتين و لازمها وجوب المطالبة و لذا اختار جماعة كالسيد في العروة و بعض الشارحين تحقق الاستطاعة و انه لا فرق بين هذه الصورة و بين الصورة الاولى.

الثالث: ما إذا شك الدائن في بذل المديون لو طالبه بالدين و الظاهر- كما هو مقتضى إطلاق المتن- عدم الوجوب لان مجرد ملكية الزاد و الراحلة- عينا أو قيمة- لا يوجب تحقق الاستطاعة ما لم يكن عنده و بيده و اختياره و المفروض الشك في ذلك لأجل الشك في بذل المديون على تقدير المطالبة و الشك في شرط

التكليف يوجب الشك في المشروط و هو مجرى أصالة البراءة و قد حققنا في الأصول ان حكم المشهور

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 123

..........

______________________________

بأنه مع الشك في القدرة العقلية لا تجري أصالة البراءة لا يجتمع مع الحكم باشتراط القدرة في أصل ثبوت التكليف بل لا بد من ان يقال بان حكمهم بذلك و انه لا تجري أصالة البراءة مع الشك في القدرة يكشف عن عدم كون القدرة شرطا أصلا و الفرق بأن القدرة العقلية غير دخيلة في الملاك بخلاف القدرة الشرعية المأخوذة في الملاك لا يوجب الفرق من جهة جريان أصالة البراءة و عدمه فإن القدرة العقلية على هذا الفرض يكون التكليف مشروطا بها لا محالة و ان لم تكن دخيلة في الملاك و الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط كذلك فاللازم ان يقال بعدم الشرطية و التحقيق في محله.

و كيف كان فلا شبهة في المقام في انه في صورة الشك تجري أصالة البراءة فلا مجال لوجوب المطالبة.

الرابع: ما إذا علم بأنه على تقدير المطالبة أيضا لا يبذل المديون الدين بل يؤخره إلى أجله و الحكم فيه واضح من جهة عدم تحقق الاستطاعة و عدم وجوب الحج الفرع الثاني: ما إذا كان غير مستطيع و امكنه الاقتراض للحج و الأداء بعده بسهولة و الظاهر فيه عدم الوجوب لان الاقتراض تحصيل للاستطاعة غير الموجودة قبل الاقتراض و تحصيلها غير واجب و لكن لو اقترض يجب عليه الحج و ان كان يصير مديونا بسبب الاقتراض الا انه سيأتي في المسألة الآتية ان الدين لا يكون مانعا عن وجوب الحج في بعض الموارد و الصور و منه يظهر ان حكم المتن

بعدم الكفاية هنا مطلقا مع حكمه في تلك المسألة بعدم كون الدين مانعا في الصورتين من الصور الأربعة المفروضة فيها لا يكاد يجتمع بل اللازم التفصيل كما هناك.

الفرع الثالث: ما إذا كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحج فعلا أو مال حاضر كذلك أو دين مؤجل لا يبذله المديون قبل اجله و لو بالمطالبة و قد حكم فيه في المتن بعدم وجوب الاستقراض و الصرف في الحج- كما في الفرع الثاني- خلافا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 124

..........

______________________________

للسيد في العروة حيث استظهر الوجوب في هذه الصورة نظرا الى صدق الاستطاعة عرفا إلا إذا لم يكن واثقا بوصول الغائب أو حصول الدين بعد ذلك فحينئذ لا يجب الاستقراض لعدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة و قد تبع السيد في ذلك صاحبي الدروس و المدارك ففي محكي الأول: «و تجب الاستدانة عينا إذا تعذر بيع ماله و كان وافيا بالقضاء». و في محكي الثاني: «و متى امتنع الاقتضاء إما لتأجيل الدين أو لكونه على جاحد و لم يكن له سواه لم يجب عليه الحج لأن الاستطاعة غير حاصلة و لا تجب الاستدانة و يحتمل قويا الوجوب إذا كان بحيث يمكنه الاقتضاء بعد الحج كما إذا كان عنده مال لا يمكنه الحج به ..» بل المستفاد منه وضوح لزوم الاقتراض في مفروض المقام هذا و لكن اعترض أكثر الشارحين للعروة عليها بأنه لا فرق بين هذا الفرع و الفرع المتقدم في عدم لزوم الاقتراض و عدم تحقق الاستطاعة نظرا الى ان المستفاد من النصوص انه يعتبر في الاستطاعة أمور ثلاثة:

الملك للمال و كونه عنده و كونه مما يمكن الاستعانة به

على السفر و يظهر الأول من قوله- عليه السلام-: ان يكون له زاد و راحلة و الثاني من قوله- عليه السلام-:

إذا قدر على ما يحج به، أو كان عنده ما يحج به، أو وجد ما يحج به و الثالث من ذكر باء الاستعانة في قوله- ع-: ان يكون عنده ما يحج به فإذا لم يكن له ملك فليس بمستطيع و كذلك إذا كان له ذلك و لكن لم يكن عنده كالعبد الآبق و الدين المؤجل فإنه ليس بمستطيع و ان امكنه تبديله: و كذلك إذا كان عنده و لكن لم يمكن تبديله بنحو يستعين به في السفر و لو ببدله كالمال المرهون و المال الحاضر الذي لا يرغب أحد في شرائه فإنه ليس بمستطيع أيضا ثم انه على تقدير الاقتراض و صيرورته مديونا بسببه يجري في مانعية الدين عن الاستطاعة ما أفاده في المسألة الآتية من التفصيل فإطلاق منع الحكم بالكفاية عن حجة الإسلام في المتن في غير محله كما في الفرع المتقدم.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 125

[مسألة 19- لو كان عنده ما يكفيه للحج و كان عليه دين]

مسألة 19- لو كان عنده ما يكفيه للحج و كان عليه دين فان كان مؤجلا و كان مطمئنا بتمكنه من أدائه زمان حلوله مع صرف ما عنده وجب بل لا يبعد وجوبه مع التعجيل و رضا دائنه بالتأخير مع الوثوق بإمكان الأداء عند المطالبة، و في غير هاتين الصورتين لا يجب، و لا فرق في الدين بين حصوله قبل الاستطاعة أو بعدها بان تلف مال الغير على وجه الضمان عنده بعدها و ان كان عليه خمس أو زكاة و كان عنده ما يكفيه للحج لولاهما فحالهما حال الدين مع المطالبة فلا

يكون مستطيعا، و الدين المؤجل بأجل طويل جدا كخمسين سنة و ما هو مبنى على المسامحة و عدم الأخذ رأسا، و ما هو مبنى على الإبراء مع الاطمئنان بذلك لم يمنع عن الاستطاعة. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة مباحث: الأول انه إذا كان عنده مال يكفى للحج و يمكن صرفه فيه و لكن كان عليه دين بمقدار لو صرف المال فيه كلا أو بعضا لا يقدر على الحج فهل يمنع الدين عن تحقق الاستطاعة أم لا فيه أقوال و آراء مختلفة:

أحدها عدم المانعية مطلقا و الحكم بوجوب الحج في مفروض البحث و في «المستند» بعد ان حكى عن المحقق الأردبيلي الوجوب استظهر انه مذهب القدماء حيث لم يتعرضوا لاشتراط الخلو من الدين- مع كون المسألة مما تعم بها البلوى و لا يمكن ان تكون مغفولا عنها بوجه- ثم قال: و هو الحق.

ثانيها المانعية كذلك يظهر هذا القول من إطلاق عبارة الشرائع حيث قال:

«و لو كان له مال و عليه دين بقدره لم يجب الّا ان يفضل عن دينه ما يقوم بالحج» و قد صرح العلامة في محكي القواعد و المنتهى بعدم الفرق بين الحال و المؤجل و كذلك الشهيد في الدروس.

و مقتضى إطلاقهما انه لا فرق في الدين الحال بين المطالب به و غيره و كذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 126

..........

______________________________

لا فرق في الدين المؤجل بين ما إذا كان الأجل يسع للحج و العود و بين غيره و كذا بين ما إذا لم يكن مطمئنا بالتمكن من الأداء زمان الحلول و بين غيره و اختار هذا القول صاحب المستمسك مصرحا بالتعميم.

ثالثها ما نسب الى صاحب المدارك من مانعية خصوص

الدين الحال المطالب به و لكن عبارته تقضى بحكمه بالمانعية في بعض صور التأجيل أيضا حيث قال في رد استدلال المنتهى للمانعية مطلقا بعدم تحقق الاستطاعة مع الحلول و توجه الضرر مع التأجيل: «و لمانع ان يمنع توجه الضرر في بعض الموارد كما إذا كان الدين مؤجلا أو حالا لكنه غير مطالب به و كان للمديون وجه للوفاء يعد الحج و متى انتفى الضرر و حصل التمكن من الحج تحققت الاستطاعة المقتضية للوجوب .. «فان الظاهر ان قوله:

و كان للمديون .. قيد للدين المؤجل أيضا و الا لكان اللازم المنع من توجه الضرر مطلقا حيث ان الاستدلال به انما هو في الدين المؤجل و عليه فيظهر انّه في الدين المؤجل إذا لم يكن للمديون وجه للوفاء بعد الحج يكون مانعا عن تحقق الاستطاعة كما لا يخفى.

رابعها ما حكى عن كاشف اللثام من مانعية الدين مطلقا الّا المؤجل الذي وسع وقته للحج و العود.

خامسها ما يدل عليه صدر عبارة المستند من انه في صورة الحلول مع المطالبة أو التأجيل مع عدم سعة الأجل للذهاب و العود يقع التزاحم بين دليل وجوب الحج و دليل وجوب أداء الدين و اللازم بعد عدم الترجيح الحكم بالتخيير بينهما، و في صورة الحلول مع الرضا بالتأخير أو التأجيل مع سعة الأجل للحج و العود و لو مع عدم الوثوق بالتمكن من أداء الدين بعد ذلك يقدم الحج.

و قد عرفت ان ذيل عبارته ظاهر في اختيار القول الأول و هو عدم المانعية مطلقا و لم يظهر لي وجه للجمع بين الصدر و الذيل و التوجيه بان الذيل ناظر إلى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 127

..........

______________________________

أصل

ثبوت الاستطاعة و وجوب الحج مع قطع النظر عن التزاحم لا يكاد ينطبق على أدلته الظاهر في تقديم الحج على الدين مطلقا كما لا يخفى.

سادسها ما اختاره في المتن- تبعا للعروة- من انه إذا كان الدين مؤجلا و يتمكن من الأداء بعد الحج عند حلول اجله لا يكون مانعا عن تحقق الاستطاعة و وجوب الحج و كذا إذا كان حالا و رضى دائنه بالتأخير و كان واثقا بالتمكن من الأداء عند المطالبة و في غير هاتين الصورتين لا يجب الحج و يكون الدين مانعا.

إذا عرفت هذه الأقوال فالكلام يقع في بيان مستندها فنقول:

قد استدل لمانعية الدين و عدم وجوب الحج معه بأمور: الأول ما استدل به في المستمسك على المانعية في جميع فروض الدين و هو ان الظاهر من روايتي أبي الربيع و عبد الرحيم القصير- المتقدمتين- اعتبار السعة و اليسار في تحقق الاستطاعة و حصولها و هما غير حاصلين مع الدين إذا لم يزد ما يحتاج إليه في الحج على ما يقابل الدين من غير فرق بين المؤجل و الحال، مع المطالبة و بدونها، و مجرد القدرة بعد ذلك على الوفاء في المؤجل و في الحال مع الرضا بالتأخير غير كاف في صدق السعة و اليسار فعلا.

و يرد عليه أولا ان الظاهر- كما عرفت سابقا في معنى رواية أبي الربيع- ان المراد بالسعة هو الرجوع بالكفاية و القدرة على المعاش بعد المراجعة و لا ارتباط لها بمسألة الدين أصلا.

و ثانيا ان الظاهر ان الروايات الدالة على تفسير الاستطاعة بأن عنده ما يحج به و قد عرفت انها تدل على اعتبار أمور ثلاثة هي ملكية الزاد و الراحلة و كونه عنده و بيده و كونه

بحيث يمكن الاستعانة به في سفر الحج لا تكون مغايرة لما يدل على تفسيرها بالسعة و اليسار و القوة بل الظاهر ان المراد بالسعة و أمثالها هو ما يدل عليه تلك الروايات و لا دلالة لها على اعتبار أمر رابع في الاستطاعة زائد على الأمور

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 128

..........

______________________________

الثلاثة كما لا يخفى.

و ثالثا على تقدير تسليم جميع ما ذكر نمنع جريان الدليل في جميع فروض الدين ففي الصورتين المذكورتين في القول السادس لا يكون الدين مانعا عن تحقق اليسار فان من كان له دين مؤجل و اجله بعد الحج و يطمئن بوجود مال له في ذلك الوقت كاف في مقام أداء الدين كيف لا يكون بالنظر الى هذا المال الموجود موسرا و له سعة الثاني ما اشتهر و ارتكز عند المتشرعة من أهمية حق الناس من حق اللّٰه تعالى فاللازم تقديم الدين على الحج لأن الأول حق الناس و الثاني حق اللّٰه و يرد عليه انه لم يقم دليل من آية أو رواية على ثبوت هذه الأهمية و ما ورد و نقله في المستمسك من ان الذنوب ثلاثة: ذنب يغفر و ذنب لا يغفر، و ذنب لا يترك، فالذي يغفر ظلم الإنسان نفسه، و الذي لا يغفر ظلم الإنسان ربه- يعنى الشرك الذي ورد في الكتاب انه لظلم عظيم و إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ- و الذي لا يترك ظلم الإنسان غيره.

لا دلالة له على أهمية ظلم الإنسان غيره من ظلم الإنسان نفسه فان عدم الترك بلحاظ ارتباطه بالغير و عدم الغفران إلا بمراجعة صاحب الحق أمر و الأهمية أمر آخر لا ارتباط لأحدهما بالآخر

كما ان الغفران في ظلم الإنسان نفسه بلحاظ ارتباطه باللّه الغفار الرءوف الرحيم لا دلالة له على عدم الأهمية أصلا.

و بالجملة هذا الحكم و ان كان مرتكزا عند المتشرعة الا انه لم يبلغ الى حد يمكن التعويل عليه.

ثم انه استشهد السيد في العروة بعد منع أهمية حق الناس من حق اللّٰه بأنه لو فرض كونهما عليه بعد الموت يوزع المال عليهما و لا يقدم دين الناس.

و حكى في المستمسك الاشكال من بعض الحواشي على ذلك بان الدين و الحج لما تعلقا بعد الموت بأعيان التركة لم يبق لرعاية الأهمية موقع.

و أورد عليه بأنه إذا كان الدين أهم كان اللازم ان لا يتعلق الحج بالتركة مع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 129

..........

______________________________

المزاحمة بالدين كما لم يتعلق الميراث مع المزاحمة للوصية و هكذا فتعلق الحج و الدين معا مع المزاحمة يدل على عدم أهمية الدين من الحج.

و أورد بعض الاعلام على السيد أولا بأن مورد التوزيع هو حال الوفاة و ذلك لا يكشف عن عدم الأهمية للدين حال الحياة فإن الميت لا تكليف عليه و انما يكون ضامنا و مديونا و هذا بخلاف الحي فإنه مكلف بأداء الدين و الحج أيضا و لا يقاس الحكم التكليفي بالوضعى فأحد البابين أجنبي عن الأخر.

و ثانيا ان المصرح به في الروايات كون الحج دينا و انه يخرج من صلب المال فهما سيان من هذه الجهة غاية الأمر أحدهما دين اللّٰه و الأخر دين الناس فهو كأنه مدين لشخصين لا يفى المال إلا لأحدهما و يوزع المال بينهما قهرا فلا يكون التوزيع- ح- شاهدا على عدم أهمية دين الناس.

و ثالثا ان التوزيع المذكور لم يدل

عليه اىّ دليل و انما ذكره العلماء في كلماتهم بل يظهر من صحيح بريد العجلي الوارد فيمن مات قبل ان يحرم انه يصرف جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام فإن فضل من ذلك شي ء فهو للدين ثم للورثة عدم التوزيع و تقديم الحج على الدين و لكن انما نلتزم بذلك في مورد الوفاة للنص و اين هذا من تكليف نفس الشخص حال حياته و كان عليه دين غير واثق بأدائه في وقته أو انه حال مطالب به.

و الجواب اما عن الوجه الأول فإن حكم الدين بالإضافة إلى الميت و ان كان وضعيا محضا الا انه لا شبهة في ترتب حكم تكليفي عليه غاية الأمر ان المكلف لا يكون نفس الميت بل الحاكم أو الوصي أو الوارث و الاختلاف لا يوجب الاختلاف في الحكم فإذا كان الحكم التكليفي بعد الوفاة متعلقا بالتوزيع كما هو المفروض فلا فرق بينه و بين حال الحياة الذي يكون الحكمان: التكليفي و الوضعي متوجهين الى شخص واحد كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 130

..........

______________________________

و اما عن الوجه الثاني فمضافا الى ان الآية تدل قبل الرواية على كون الحج دينا للّٰه كما هو ظاهر التعبير بكلمتي «اللام» و «على» في قوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ان إثبات كون الحج دينا و كون الشخص مدينا لشخصين إنما يلائم التمهيد للتساوي و عدم الترجيح لأحدهما على الأخر و كونهما سيان من هذه الجهة فجعل النتيجة عدم كون التوزيع شاهدا على عدم أهمية دين الناس مما لم يظهر لنا أصلا.

و اما عن الوجه الثالث فبان استشهاده انما هو بالفتاوى المذكورة

في كلماتهم و التحقيق موكول الى محله و لا مجال للبحث عنها هنا.

الثالث ان تقديم الدين على الحج انما هو لكون الدين مشروطا بالقدرة العقلية و الحج مشروطا بالقدرة الشرعية و قد ثبت في محله ان الأول مقدم على الثاني و يرد عليه- مضافا الى انه لم يرد دليل على التقدم المذكور- ان القدرة الشرعية في المقام ليست إلا الاستطاعة المفسرة في الروايات بان يكون عنده ما يحج به و هي حاصلة و اللازم ثبوت المشروط و لا مجال لدعوى كون القدرة الشرعية المعتبرة في المقام زائدة على الاستطاعة المذكورة نعم يمكن دعوى منع تحقق الاستطاعة كما ادعاها السيد في بعض فروض الدين كالدين الحال المطالب به و لكن لا مجال لهذه الدعوى أصلا بعد كون المفروض كفاية ما عنده للحج و الإتيان بالمناسك و جميع ما يعتبر في الاستطاعة حتى نفقة العود و الكفاية عند الرجوع و في هذا الفرض لا وجه لمنع الاستطاعة كما لا يخفى.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم تمامية شي ء من أدلة تقديم الدين بنحو الإطلاق على الحج.

و اما ما استدل به على وجوب الحج و عدم مانعية الدين فوجوه أيضا:

منها ما في المستند بعد اختيار وجوب الحج مطلقا من قوله: «لصدق الاستطاعة عرفا و المستفيضة المصرحة بأن الاستطاعة ان يكون له مال يحج به الى ان قال:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 131

..........

______________________________

و لا شك ان من استدان مالا على قدر الاستطاعة يكون ذلك ملكا فيصدق عليه ان عنده مالا و له ما يحج به من المال للاتفاق على ان ما يقرض ملك للمديون و لذا جعلوا من إيجاب صيغة القرض «ملكتك»

و صرحوا بجواز بيعه و هبته و غير ذلك من أنحاء التصرف، و الاخبار المتضمنة لوجوب الحج على من عليه دين بقول مطلق ..»

و يرد عليه ان ما افاده من تحقق الاستطاعة الشرعية المفسرة في المستفيضة بأن يكون له ما يحج به انما يتم لإثبات أصل وجوب الحج لتحقق شرطه و عدم كون الدين مانعا عن الاستطاعة فهو انما يجدي في مقابل السيد في العروة حيث منع صدقها في بعض فروض الدين كما مرت حكايته و اما كونه مجديا لتقدم الحج على الدين مع ثبوت التكليف بالأداء بالإضافة اليه و توجهه اليه فلا فان تحقق الاستطاعة أمر و تقدم الحج على الدين مع توجه التكليف الى المكلف بالنسبة إلى كلا الأمرين أمر آخر لا دلالة للكلام على إثباته نعم الأخبار التي أشير إليها لعلها تكون ظاهرة في التقدم و سيأتي البحث فيها إن شاء اللّٰه تعالى.

و منها ان الحج أهم من الدين و يظهر ذلك من التعبيرات الواردة في ترك الحج كقوله تعالى في ذيل آية الحج وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ بناء على ان المراد هو الكفر الحاصل بسبب مجرد الترك و مثل ما في بعض الروايات من قوله- ص-:

يا علىّ من سوف الحج حتى يموت بعثه اللّٰه يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا «1» و كذا يظهر من الرواية الواردة فيما بنى عليه الإسلام من ان الحج يكون كذلك و غيرهما من التعبيرات.

و يرد عليه انك عرفت ان المراد بالكفر في الآية بملاحظة الروايات الواردة في تفسيرها هو الكفر المتحقق بالإنكار لا بمجرد الترك و قد عرفت ان في الآية احتمالات متعددة فراجع أول الكتاب و اما الرواية فقد جعل

فيها ترك الحج في ضمن عشرة أمور موجبة

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 132

..........

______________________________

للكفر مثل نكاح البهيمة و منع الزكاة و مثلهما، و كونه من جملة ما بنى عليه الإسلام لا يقتضي الأهمية في مقام المزاحمة و الا يلزم تقدمه على وجوب حفظ النفس و مثله لعدم كونه مما بنى عليه الإسلام.

و بالجملة هذه التعبيرات و ان كانت تكشف عن عظمة مقام الحج و علو مرتبته الا انها لا دلالة لها على التقدم في مقام المزاحمة كما لا يخفى.

و منها الروايات الظاهرة في ذلك و هي على طائفتين: إحديهما ما دل على تقدم الحج على الدين من دون ظهور في كون الحج هي حجة الإسلام أو الحج الواجب مثل صحيحة معاوية بن وهب عن غير واحد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- يكون علىّ الدين فتقع في يدي الدراهم، فان وزعتها بينهم لم يبق شي ء فأحج بها أو أوزعها بين الغرام فقال: تحج بها و ادع اللّٰه ان يقضى عنك دينك. «1» قال صاحب الوسائل بعد نقلها: و رواه الصدوق بإسناده عن ابن محبوب عن ابان عن الحسين بن زياد العطار قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام و ذكر مثله. و يظهر من ذلك ان حسين بن زياد العطار من جملة غير واحد الذي روى عنه معاوية بن وهب في السند الأول و عليه فلا تعدد في الرواية أصلا.

و ذكر السيد في العروة في مقام الجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة: و الاخبار الدالة على جواز الحج لمن عليه دين لا تنفع في الوجوب و في كونه حجة

الإسلام و مثله ما في بعض الشروح من أنها قضية في واقعة لم يعلم انه هل كان دين الراوي حالا أو مؤجلا، يرضى الدائن بالتأخير أولا، كان حجه استحبابيا أو وجوبيا.

و الظاهر انه لا مجال لإنكار كون الدين في مفروض السؤال حالا لظهوره في انه لو لم يصرف الدراهم في الحج لكان اللازم هو التوزيع بين الغرماء و احتمال كون التوزيع في الدين المؤجل قبل حلول أجله في غاية البعد و عليه فبعد كون السؤال ظاهرا

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخمسون ح- 10

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 133

..........

______________________________

في الدين الحال يظهر كون المراد من الحج هي حجة الإسلام لأنه في غيرها يدور الأمر بين رعاية حكم استحبابي و بين موافقة حكم وجوبي و لا مجال لترجيح الأول على الثاني و (دعوى) كون مورد السؤال هو مجرد المشروعية لا التقديم و الجواب ناظر إليها (مدفوعة) بأنه لا ينبغي الارتياب في ظهور الجواب في التحريض على الحج و الدعاء لقضاء الدين و لا وجه للتحريك إلى أمر استحبابي و ترك أمر وجوبي أصلا فالرواية لا بد من الحمل على الدين الحال و كون الحج حجة الإسلام.

ثانيتهما ما تدل بظاهرها على تقدم حجة الإسلام أو الحج الواجب على الدين كصحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل عليه دين عليه ان يحج؟ قال نعم ان حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين و لقد كان أكثر من حج مع النبي- ص- مشاة إلى آخر الحديث. «1»

و الظاهر ان السؤال في نفسه ظاهر في مورد مزاحمة الدين مع الحج و هذا يتحقق

في بعض فروض الدين مثل ما إذا كان له مال لا يكفي إلا لأحد الأمرين و يمكن صرفه في كل منهما.

و اما صورة عدم المزاحمة فهي خارجة عن مورد السؤال و عليه فلو كان الجواب مشتملا على قوله عليه السّلام «نعم» فقط لكانت دلالة الرواية على تقدم الحج ظاهرة لكن قوله عليه السّلام بعده: ان حجة الإسلام واجبة .. الظاهر في وجوب حجة الإسلام على من يكون قادرا على المشي في طريق الحج و الوصول الى البيت لما عرفت من ان المراد من قوله «أطاق» مجرد القدرة و التمكن لا آخر مرتبة القدرة و نهايتها يوجب صرف الظهور إلى أمر آخر و هو انه حيث لا يكون وجوب الحج متوقفا على وجود الراحلة بل يكفى فيه مجرد القدرة على المشي فلا مانع من صرف المال الموجود في الدين و الإتيان بالحج ماشيا و عليه فتدل الرواية على تقدم الدين أو على انه

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الحادي عشر ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 134

..........

______________________________

لا مزاحمة بينه و بين الحج بعد إمكان صرف المال في الدين و صرف قدرة المشي في طريق الحج.

هذا و لكن عرفت فيما تقدم ان الرواية باعتبار دلالتها على عدم اعتبار الراحلة في وجوب الحج على البعيد تكون معرضا عنها عند المشهور و اللازم طرحها.

و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال قال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- الحج واجب على الرجل و ان كان عليه دين. «1» و دلالتها ظاهرة و لكن المناقشة تجري في سندها.

ثم ان السيد في العروة حمل الروايتين بعد تسليم تمامية دلالتهما و سندهما على

الصورة التي حكم فيها بوجوب الحج و عدم مزاحمة الدين معه كما إذا كان الدين مؤجلا و اطمئن بالقدرة على أدائه عند حلول أجله أو على من استقر عليه الحج سابقا و ان استشكل في هذا الحمل و قال الاولى الحمل الأول.

و يرد عليه ان الحمل لا بد و ان يكون لأجل وجود دليل على الخلاف و بدونه لا مجال للحمل إذا كانت الرواية مطلقة من حيث الدلالة كما هو المفروض.

ان قلت حيث انه منع وجود الاستطاعة في غير الصورة المذكورة فاللازم ارتكاب الحمل المذكور و الا يلزم ان يكون الحج واجبا مع عدم الاستطاعة.

قلت لم لا تكون الرواية دليلا على وجود الاستطاعة و شاهدة على بطلان الدعوى المذكورة و كيف كان لا مجال للحمل بعد عدم ثبوت دليل على الخلاف.

ثم ان ما ذكره في المستمسك من طرح الروايتين لإعراض المشهور انما يتم في الرواية الاولى و اما الرواية الثانية فلا مجال لدعوى الاعراض بالإضافة إليها كما لا يخفى.

و صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال قلت له: أ رأيت الرجل التاجر ذا المال حين يسوف الحج كل عام و ليس يشغله عنه الا التجارة أو

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخمسون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 135

..........

______________________________

الدين فقال: لا عذر له يسوف الحج، ان مات و قد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «1» فإنها ظاهرة في عدم كون الدين كالتجارة عذرا مجوزا لتسويف الحج و تأخيره فتدل على تقدم الحج على الدين.

هذا و لكن الظاهر ان توصيف الرجل بكونه ذا المال و صاحب الثروة مع وضوح ان

مجرد الاستطاعة لا يوجب تحقق هذا العنوان يدل على ان شغل التجارة و كذا الدين انما كان الشخص معتذرا بهما لأجل الفرار عن الحج من دون ان يكون هناك مزاحمة في البين.

و بالجملة لا دلالة للرواية على تقدم الحج على الدين في فرض الدوران و المزاحمة كما لا يخفى.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا في الروايات الظاهرة في تقدم الحج على الدين انها بين ما يكون معرضا عنها و ما يكون مشتملا على ضعف في السند و ما يكون غير ظاهرة في التقدم مع المزاحمة نعم ذكرنا ان الرواية الأولى ظاهرة في ذلك و لكن الإنصاف انه ليس ظهورا قويا يمكن الاعتماد عليه و الفتوى على طبقه فلم يثبت الى هنا تقدم الدين على الحج و لا تقدم الحج على الدين و اللازم بعد ذلك ملاحظة المسألة من باب التزاحم فنقول يقع البحث من هذه الجهة في مقامات ثلاثة: المقام الأول في أصل ثبوت التزاحم هنا في الجملة و الظاهر انه لا مجال لإنكاره كما في صدر كلام المستند المتقدم لانه توجه الى المكلف تكليفان أحدهما متعلق بالحج بلحاظ وجود شرطه و هي الاستطاعة و الآخر بأداء الدين بلحاظ القدرة عليه عقلا و لا يقدر المكلف على الجمع بين الأمرين و رعاية كلا التكليفين فيقع التزاحم في البين.

و ما ذكره السيد في العروة في مقام منع المزاحمة و الجواب عن المستند

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 136

..........

______________________________

من كون وجوب الحج مشروطا بالاستطاعة و هي غير متحققة و التزاحم فرع كون الواجبين مطلقين و في عرض واحد و المفروض

ان وجوب أداء الدين مطلق و وجوب الحج مشروط بالاستطاعة الشرعية.

يرد عليه ما تقدم من وضوح تحقق الاستطاعة الشرعية في المقام لانه يصدق ان عنده ما يحج به و كذا ما تقدم من ان الواجب المشروط بعد تحقق شرطه و حصوله يكون في عرض الواجب المطلق و لا وجه لتقدمه على الواجب المشروط المفروض بوجه و عليه فإنكار أصل التزاحم في الجملة مما لا سبيل إليه أصلا.

المقام الثاني في ان التزاحم هل يكون متحققا في جميع فروض الدين أو يكون ثابتا في بعضها؟ الظاهر هو الثاني و ذلك لانه لو فرض كون الدين مؤجلا و كان المكلف مطمئنا بتمكنه من الأداء عند حلول اجله لا مجال لتوهم التزاحم لان المفروض قدرته على رعاية كلا التكليفين و الإتيان بكلا العملين كما انه لو كان الدين حالا و لكن كان الدائن راضيا بالتأخير و المديون مطمئنا بالتمكن من الأداء عند المطالبة لا يتحقق التزاحم.

نعم ذكر صاحب المستند في الدين المؤجل انه إذا كان اجله يسع للحج و العود لا يكون مزاحما مع الحج و ان لم يكن واثقا بالتمكن من الأداء عند حلوله مع ان الظاهر انه في صورة عدم الوثوق حيث يجب عليه حفظ القدرة المالية للصرف في أداء الدين في وقته و لا يجوز الصرف في مصرف آخر فالتزاحم يتحقق بين وجوب الحج و وجوب حفظ القدرة لأداء الدين و وفائه نعم مع الوثوق لا يبقى مجال لتوهم التزاحم.

المقام الثالث في انه بعد ثبوت التزاحم في بعض الفروض هل يكون هنا ما يوجب تقدم أحد المتزاحمين على الأخر؟ ربما يقال: نعم نظرا الى جريان احتمال الأهمية بالإضافة إلى الدين و قد ثبت في محله ان

احتمال الأهمية كالجزم بها يكون مرجحا لمحتملها فاللازم ترجيح الدين و الحكم بعدم وجوب الحج في صورة المزاحمة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 137

..........

______________________________

معه و لعل هذا هو مستند المتن في ترجيح الدين و من البعيد ان يكون مستنده ما في العروة من عدم تحقق الاستطاعة في هذه الصورة فلا يجب الحج لأجله.

و لكن الظاهر انه لا مجال لدعوى جريان احتمال الأهمية في خصوص الدين بل يجرى هذا الاحتمال في الحج أيضا بلحاظ ما مرّ من الأدلة الدالة على تقدمه فان تلك الأدلة و ان لم تنهض لإثبات الأهمية لكن اقتضائها لثبوت الاحتمال لا مجال لنفيه و عليه فيجري احتمال الأهمية في الحج أيضا و مقتضى القاعدة في هذه الصورة التخيير لعدم المزية أصلا.

كما انه ربما يقال بتقدم الأسبق من حيث الزمان و عليه فلو كان الحج مستقرا عليه سابقا و بعده حصل الدين يحكم بتقدم الحج للأسبقية.

و لكن التحقيق- كما حقق في محله- عدم كون الأسبقية مرجحة في باب التزاحم بوجه و لذا اختار السيد في العروة التخيير في الدوران بين الحج المستقر الذي لا تعتبر فيه الاستطاعة و بين الدين نظرا الى ثبوت التزاحم في خصوص هذه الصورة و عدم كون الأسبقية موجبة للترجيح في باب المتزاحمين.

المبحث الثاني انه لا فرق في حكم الدين المتقدم في المبحث الأول بين ما إذا كان سابقا على حصول المال بقدر الاستطاعة أو لا حقا له كما إذا استطاع للحج ثم عرض عليه دين كما إذا أتلف مال الغير- مثلا- على وجه الضمان من دون تعمد قبل خروج الرفقة أو بعده قبل ان يخرج هو أو بعد خروجه قبل الشروع في

الأعمال- كما مثل به السيد في العروة- أو تلف مال الغير على وجه الضمان عنده- كما مثل به في المتن- و لعل مثال السيد اولى و ان كان لا فرق بينه و بين ما في المتن في الجهة الراجعة الى هذا المبحث بل الفرق بينهما في جهة أخرى تستفاد من تقييد الإتلاف بما إذا كان من دون تعمد و هو انه إذا كان الإتلاف للمال الذي هو بقدر الاستطاعة عمديا يترتب عليه استقرار الحج كما سيأتي البحث عنه فيما بعد إن شاء اللّٰه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 138

..........

______________________________

تعالى و عليه فتلف مال الغير على وجه الضمان ان كان شاملا لصورتي التعدي و التفريط كما هو مقتضى الإطلاق لكان اللازم الحكم بالاستقرار كالإتلاف العمدي و يمكن ان يقال بالاختصاص بمثل العارية المضمونة التي يكون فيها الضمان من دون تعمد و تفريط أيضا.

و كيف كان فالوجه في عدم الفرق بين ما إذا كان الدين سابقا على الاستطاعة أو لا حقا انه لا يكفي في تحقق الاستطاعة حدوثها بل اللازم بقائها لوضوح انه لو تحققت سرقة الاستطاعة قبل الشروع في الأعمال يكشف ذلك عن عدم الوجوب و عليه فإذا قلنا بعدم اجتماع الدين مع الاستطاعة فاللازم الحكم بذلك في البقاء أيضا فإن الدين العارض يمنع عن بقاء الاستطاعة و هو معتبر كما عرفت كما انه لو قلنا باعتبار اليسار و السعة و هو لا يجتمع مع الدين فاللازم الحكم به في البقاء أيضا كما انه لو قلنا بالمزاحمة على ما اخترناه يكون اللازم تحققها مع عروض الدين أيضا و قد عرفت ان الأسبقية من حيث الزمان لا تكون مرجحة في باب

التزاحم أصلا المبحث الثالث: فيما إذا كان عليه خمس أو زكاة بقدر الاستطاعة- مثلا- فتارة يكونان على ذمته و اخرى في عين ماله، اما على الأول كما إذا أتلف متعلق الخمس أو الزكاة حيث انه يوجب الانتقال إلى الذمة فيكون حالهما حال الدين المعجل المطالب به لان المستحقين لهما طالبون و لا فرق بين الدين الشخصي و الجهة أصلا فيجري في هذا الفرض حكم الدين المذكور و يظهر من تفريع المتن قوله: فلا يكون مستطيعا ان الوجه في الحكم بتقدم الدين هو عدم اجتماعه مع الاستطاعة كما عرفت تصريح السيد في العروة بذلك و ان كان يحتمل مع قطع النظر عن ذلك ان يكون الوجه عنده المزاحمة و تقدم الدين لأهميته أو احتمالها.

ثم ان الظاهر ان مراد من علل التقدم بعدم الاستطاعة ان نفس ثبوت الدين أو الخمس أو الزكاة مانعة عن تحققها سواء صرف المال فيها أم لم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 139

..........

______________________________

يصرف و عليه فما في كلام بعض الاعلام من انه بالصرف تزول الاستطاعة لا وجه له ظاهرا.

و اما على الثاني فلا إشكال في تقديمهما على الحج و كذا على سائر الديون لعدم تحقق الاستطاعة- ح- من دون فرق بين ما إذا قلنا بان تعلقهما بالمال على نحو الإشاعة أو على نحو الكلي في المعين أو على نحو تعلق الحق به كحق الرهانة فإنه لا يتحقق على شي ء من التقادير عنوان الاستطاعة غاية الأمر انه على بعض الأقوال تكون العلة عدم الملكية و على البعض الأخر عدم جواز التصرف فلا يصدق انه عنده ما يحج به.

ثم انه لا مجال لتوهم الإطلاق في عبارة المتن و الشمول

لكلتا الصورتين بعد كون التعبير فيه: و ان كان عليه خمس أو زكاة حيث ان ظاهره تعلقهما بالذمة كما يستفاد من كلمة «عليه» و عليه فالمتن متعرض لخصوص الصورة الاولى و لعل الوجه في عدم التعرض للصورة الثانية وضوح حكمها على ما عرفت.

المبحث الرابع: إذا كان الدين مؤجلا بأجل طويل جدا كخمسين سنة- مثلا- أو كان مبنيا على المسامحة و عدم الأخذ رأسا كمهور نساء أهل الهند على ما مثل به السيد في العروة حيث انهم يجعلون المهر ما لا يقدر الزوج على أدائه كمائة الف روبية أو خمسين الف لإظهار الجلالة و ليسوا مقيدين بالإعطاء و الأخذ، أو كان الدين مبنيا على الإبراء بان وعده الدائن به و كان مطمئنا بذلك ففي المتن انه لم يمنع شي ء من ذلك من الاستطاعة.

لكن الظاهر انه لو فرض العلم بأنه لا يقدر في الفرض الأول على أداء الدين عند حلول أجله الّا من طريق حفظ ما عنده مما يكون بقدر الاستطاعة فلا مجال لدعوى عدم كونه مانعا عن الاستطاعة لو كان الوجه في تقدم الدين هي المانعية عن الاستطاعة كما انه لو احتمل في الفرض الثاني مطالبة الزوجة و لو عند تحقق الطلاق أو مطالبة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 140

[مسألة 20- لو شك في ان ماله وصل الى حد الاستطاعة أو علم مقداره و شك في مقدار مصرف الحج]

مسألة 20- لو شك في ان ماله وصل الى حد الاستطاعة أو علم مقداره و شك في مقدار مصرف الحج و انه يكفيه يجب عليه الفحص على الأحوط (1)

______________________________

ورثتها على تقدير الموت و لا يقدر على التأدية بوجه لا مجال للدعوى المذكورة كما انه على تقدير كون المبنى هي المزاحمة كما اخترناه تتحقق فيما ذكر و اما في الفرض الثالث

فحيث يكون الاطمئنان علما بحسب نظر العرف لا يكون الدين المذكور مانعا عن وجوب الحج بوجه أصلا كما لا يخفى:

(1) الشبهة في كلا الفرضين موضوعية و قد اشتهر انه لا يجب الفحص فيها بخلاف الشبهة الحكمية نظرا إلى إطلاق أدلة اعتبار الأصول و عدم ما يدل على اعتبار الفحص في جريانها و قد حققنا في الأصول ان جريان أصالة البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية- على تقديره كما هو الحق- مشروطة بالفحص مطلقا في مقابل من يقول بعدم اعتبار الفحص كذلك أو بالتفصيل- على قولين مذكورين هناك- و اما الأصول الشرعية فلا يجب الفحص فيها في الشبهات الموضوعية لأنه- مضافا الى ما ذكر من إطلاق أدلة اعتبار الأصول و عدم وجود مقيّد في البين- يدل عليه فقرة من صحيحة زرارة الثالثة المستدل بها في باب حجيّة الاستصحاب في الأصول و هي قول زرارة:

فهل على ان شككت في انه أصابه شي ء ان انظر فيه؟ قال لا و لكنك انما تريد ان تذهب الشك الذي وقع في نفسك. فان ظاهره عدم وجوب النظر في الثوب ليعلم انه هل اصابه شي ء أم لا مع ان النظر فيه أمر جزئي خفيف المئونة بل حكم بجريان الأصل المقتضي للطهارة.

هذا و لكن الظاهر ان المشهور اختاروا في باب الحج و كذا في باب الخمس و الزكاة إذا شك في زيادة الربح على المئونة أو في بلوغ النصاب وجوب الفحص و قد استدل لهم بوجوه ثلاثة:

الأول ان مثل المراجعة إلى دفتر الحساب لتعلم الاستطاعة و عدمها و النظر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 141

..........

______________________________

إلى الأفق لتبين الفجر و نحوهما لا يعد عرفا من الفحص حتى يقال بعدم

وجوبه و يرد عليه- مضافا الى ان مقتضاه وجوب النظر في مورد سؤال زرارة المتقدم لعدم كون مجرد النظر فيه لاستكشاف حاله فحصا- ان هذا الوجه إنما يلائم ما لو كان الدليل على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية مثل الإجماع القائم على العدم مع كون مقتضى أدلة اعتبار الأصول الشرعية هو الوجوب فإنه- حينئذ- يناسب ان يقال ان معقد الإجماع هو الفحص و هذا لا يعد فحصا و اما لو قلنا بإطلاق أدلة اعتبار الأصول و عدم ما يدل على وجوب الفحص فالبحث في تحقق عنوان الفحص و عدمه لا مجال له أصلا بل اللازم البحث في تحقق الجهل الذي هو مجرى الأصول الشرعية و عدمه و الظاهر انه لا شبهة في تحقق عنوان الجهل قبل المراجعة إلى الدفتر في المثال المذكور و لذا يعد من لم يراجع إلى رسالة المجتهد الحاضر عنده جاهلا غاية الأمر توصيفه بكونه مقصرا و هذا التوصيف انما يكون مورده الشبهات الحكمية و لا يجري في الشبهات الموضوعية أصلا فلا مجال لإنكار تحقق الجهل و الا لكان اللازم ان يقال انه عالم نعم يمكن ان يقال بعدم صدق الجهل في بعض الموارد كما في مثال الفجر إذا توقف تبينه على مجرد فتح العين للرؤية ففي مثله لا يجري الأصل الشرعي.

ثانيها لزوم المخالفة القطعية الكثيرة لو قلنا بعدم وجوب الفحص و لا شبهة في كونها مبغوضة للشارع.

و أورد عليه أولا بالنقض بموارد الشك في الطهارة و النجاسة حيث انه يعلم بمخالفة الأصول الجارية فيهما للواقع كثيرا.

و ثانيا بالحل نظرا الى ان المكلف لا يعلم بالنسبة إلى نفسه بوقوعه في الخلاف و الا لكان من العلم الإجمالي الجاري في التدريجيات نعم

يعلم ذلك بالنسبة إلى سائر الناس بمعنى انه يعلم بأن الأصول التي يجريها الناس عند شكهم في الاستطاعة-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 142

..........

______________________________

مثلا- كثير منها مخالفة للواقع و لكن هذا العلم لا اثر له بالنسبة إلى نفسه لان تحقق المخالفة من سائر الناس لا ارتباط له إليه أصلا كما لا يخفى.

ثالثها رواية زيد الصائغ الواردة في الزكاة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- ع- انى كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها بخارى، فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضة و ثلث مساو ثلث رصاصا و كانت تجوز عندهم و كنت أعملها و أنفقها، قال: فقال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام لا بأس بذلك إذا كان تجوز عندهم فقلت أ رأيت ان حال عليه الحول و هي عندي و فيها ما يجب علىّ فيه الزكاة أزكيها قال: نعم انما هو مالك. قلت: فإن أخرجتها الى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتى حال عليها الحول أزكيها: قال ان كنت تعرف ان فيها من الفضة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة فزك ما كان لك فيها من الفضة خالصة من فضة ودع ما سوى ذلك من الخبيث. قلت و ان كنت لا اعلم ما فيها من الفضة الخالصة إلا أني اعلم ان فيها ما يجب فيه الزكاة قال: فاسبكها حتى تخلص الفضة و يحترق الخبيث ثم تزكى ما خلص من الفضة لسنة واحدة. «1».

و أورد على الاستدلال بها- مضافا الى ضعف السند بزيد الصائغ- تارة بورود الرواية في باب الزكاة و لا دليل على التعدي عنه الى باب الخمس فضلا الى الحج و اخرى بأن موردها صورة العلم بوجوب الزكاة

و الشك في الزيادة و إيجاب الفحص في هذه الصورة لا يقتضي وجوبه في ما إذا كان أصل الوجوب مشكوكا كما إذا شك في أصل النصاب.

و ثالثة بما ذكره بعض الاعلام من انه لا موجب للتصفية و التمييز بين المس و الرصاص و الفضة إذ يمكن إعطاء الزكاة بنية المال الموجود فيخلص من الزكاة و لا حاجة الى تخليص الدراهم و علاجها و تصفيتها و عليه فالتخلص من الزكاة له طريقان أحدهما إخراج الزكاة من المال بالنسبة و ثانيهما تخليص الفضة و تصفيتها.

______________________________

(1) ئل أبواب زكاة الذهب و الفضة الباب السابع ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 143

..........

______________________________

و توضيح كلامه انه حيث كان المفروض تساوى الدراهم المغشوشة في مقدار الفضة غاية الأمر عدم كون مقدارها من حيث النسبة معلوما لانه لا يعلم انه الثلث أو أزيد أو انقص فإذا أدى الزكاة من نفس الدراهم المغشوشة يتحقق العلم بالتخلص من الزكاة و انه أخرجها بالمقدار الواقعي فإذا فرض ان الدراهم المغشوشة ألف درهم و فرض ان النصاب مائة مثقال فضة و هو لا يعلم باشتمال الالف على المائة غاية الأمر انه يحتمل اشتماله على مائتين أو ثلاثمائة فإذا أخرج الزكاة من نفس الدراهم المغشوشة كان اخرج ربع عشرها الذي هو خمس و عشرون درهما فهو يقطع بالتخلص من الزكاة على جميع التقادير سواء كانت نسبة الفضة في كل درهم هي الثلث أو الربع أو النصف أو غيرها لانه لو فرض كون النسبة هي النصف- مثلا- لكان إخراج خمس و عشرين درهما موجبا لإخراج اثنى عشر و نصف مثقالا من الفضة مع ان ربع العشر من خمسمائة التي هي النصاب على

هذا التقدير يكون المقدار المذكور و هكذا على التقادير و الاحتمالات الأخر و عليه فضعف دلالة الرواية انما هو من جهة ظهورها في انحصار التخلص بالتخليص و التصفية مع انك عرفت عدم الانحصار.

و يرد عليه ان إخراج الزكاة من نفس الدراهم المغشوشة بالنسبة كما افاده و ان كان موجبا للتخلص القطعي الا انه ربما يستلزم إخراج الزائد من الزكاة لأنه قد ثبت في محله من كتاب الزكاة ان التفاوت بين النصابين مغتفر و يجرى عليه حكم النصاب السابق و الإخراج بالنحو المذكور يوجب إخراج الزائد مما هو واجب عليه مع ان التخليص المفروض في الرواية لا يستلزم ذلك بوجه أصلا.

نعم يمكن الإيراد على الرواية بأنه لا حاجة الى تصفية الدراهم بأجمعها بل إذا سبك درهما واحدا يظهر له نسبة الفضة الموجودة فيه الى مجموع الدراهم فإذا ظهر انها ثلث يعطى من بقية الدراهم بمقدار الزكاة و لا مجال لدعوى كون الحكم بلزوم التصفية انما هو لأجل عدم كون الدراهم المغشوشة جائزة و رائجة في البلد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 144

..........

______________________________

الذي كان فيه السائل بالفعل و ذلك للحكم بلزوم إخراج الزكاة من نفس هذه الدراهم في ذلك البلد في الجواب السابق إذا كان نسبة الفضة معلومة و عليه فيقع الاشكال من جهة انه لا وجه لتخليص المجموع بعد كون تخليص واحد أو اثنين كافيا للعلم بمقدار الفضة الموجودة فيه أو فيهما و بالنتيجة للعلم بمقدارها في الدراهم الأخر.

و اما الإشكال بضعف السند فيمكن الجواب عنه بان الظاهر استناد المشهور إليها في باب الزكاة مع قولهم بعدم وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية و استناد المشهور إلى رواية يوجب انجبار ضعفها

نعم الاشكال عليها من جهة عدم جواز التعدي عن موردها الذي هي الزكاة إلى غيرها من الخمس و الحج يكون باقيا بحاله و اما الإشكال بورودها في مورد العلم بوجوب الزكاة و الشك في الزيادة فالظاهر اندفاعه بعدم الفرق بين الصورتين أصلا بعد عدم كون الأقل و الأكثر في مثلها ارتباطيا و عليه فالشك في الزيادة شك في تكليف مستقل بل يمكن ان يقال بأولوية المقام من مورد الرواية لعدم تحقق مخالفة أصل التكليف فيه بخلاف ما نحن فيه الذي يكون اجراء البراءة من دون محض مستلزما لمخالفة التكليف بالكلية فتدبر.

ثم انه ظهر ان الرواية المذكورة و ان كانت لا تنهض لإثبات وجوب الفحص في موردها فضلا عن غيره الا انه إذا انضمت الرواية الى ما علم من الشرع من أهمية الزكاة و الخمس و الحج لأن الأولين من المسائل الاقتصادية التي اهتم الإسلام بشأنها و لذا نرى اقتران الزكاة بالصلاة في كثير من موارد الكتاب العزيز و الحج قد عرفت اهتمام الشرع به بحيث كان مما بنى عليه الإسلام و يصير التارك له الى آخر العمر مبعوثا يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا و قد وقع التعبير عن تركه بالكفر احتمالا في آية الحج يظهر انه لا مجال لتركها بمجرد احتمال عدم بلوغ النصاب و عدم زيادة الربح و عدم الاستطاعة إذا كان رفعه متوقفا على مجرد المراجعة إلى الدفتر و صرف ساعة من الوقت- مثلا- خصوصا مع ما عرفت من عدم حكم العقل بالبراءة في الشبهات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 145

[مسألة 21- لو كان ما بيده بمقدار الحج]

مسألة 21- لو كان ما بيده بمقدار الحج و له مال لو كان باقيا يكفيه في

رواج امره بعد العود و شك في بقائه فالظاهر وجوب الحج كان المال حاضرا عنده أو غائبا. (1).

______________________________

الموضوعية قبل الفحص فمثل ذلك يقتضي انه لو لم يجز الفتوى بوجوب الفحص فلا أقل من اقتضائه إيجابه احتياطا كما أفاده في المتن.

(1) هذه المسألة من فروعات مسألة شرطية الرجوع الى الكفاية في وجوب حجة الإسلام- التي سيأتي البحث فيها إن شاء اللّٰه تعالى و وقع الخلاف و الكلام في اعتبارها- و كان المناسب ان يقع التعرض لها بعدها و كيف كان فعلى تقدير اعتبار الرجوع الى الكفاية لو كان له مال زائدا على الاستطاعة الكافية للحج لو كان باقيا يكفيه في رواج امره بعد العود و لكنه يشك في بقائه ففي المتن تبعا للعروة الحكم بوجوب الحج عليه غاية الأمر انه فرض المسألة في المال الغائب و لعله لكون الشك في البقاء انما يتحقق نوعا فيه كما لا يخفى و علله في العروة باستصحاب البقاء و عدم كونه معدودا من الأصول المثبتة.

و لكن جريان الاستصحاب مبنى على القول بجريانه في الأمور الاستقبالية أيضا إذا كان لبقاء المستصحب الى ذلك الزمان أثر شرعي فعلى كاستصحاب بقاء الدم الى ثلاثة أيام الذي يترتب عليه الحكم بالحيضية بالإضافة إلى الدم الموجود الذي يشك في بقائه إلى الثلاثة و كما في المقام لان البقاء بعد العود يترتب عليه الحكم بوجوب الحج فعلا لانه من شرائطه.

كما ان عدم كونه مثبتا مبنى على كون المأخوذ في لسان أدلة اعتبار هذا الشرط هو ان يكون للمكلف مال بعد العود من الحج فان الاستصحاب على هذا التقدير لا يكون مثبتا بوجه و اما لو كان المأخوذ فيه هو عنوان «الرجوع الى الكفاية» فاستصحاب بقاء المال

لا يثبت هذا العنوان الذي هو الموضوع للحكم بالشرطية الشرعية.

ثم انه يمكن ان يقال ان الدليل العمدة على اعتبار هذا الشرط هي قاعدة نفى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 146

[مسألة 22- لو كان عنده ما يكفيه للحج فان لم يتمكن من المسير]

مسألة 22- لو كان عنده ما يكفيه للحج فان لم يتمكن من المسير لأجل عدم الصحة في البدن أو عدم تخلية السرب فالأقوى جواز التصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة، و ان كان لأجل عدم تهيئة الأسباب أو فقدان الرفقة فلا يجوز مع احتمال الحصول فضلا عن العلم به، و كذا لا يجوز له التصرف قبل مجي ء وقت الحج فلو تصرف استقر عليه لو فرض رفع العذر فيما بعد في الفرض الأول و بقاء الشرائط في الثاني، و الظاهر جواز التصرف لو لم يتمكن في هذا العام و ان علم بتمكنه في العام القابل فلا يجب إبقاء المال الى السنين القابلة. (1)

______________________________

الحرج التي اقتضت استثناء مثل الدار و الثياب و الخادم و أشباهها- على ما عرفت- و عليه ففي المقام يكون الشك في بقاء المال مرجعه الى الشك في ثبوت الحرج و عدمه و من المعلوم انه مع الشك في ثبوت الحرج لا مجال للأخذ بالقاعدة بل لا بد من إحرازه فلا دليل في مقابل دليل وجوب الحج في مثل المقام فاللازم- ح- الحكم بالوجوب و ان لم يجر الاستصحاب.

(1) يظهر من صاحب الجواهر و كثير ممن قبله من الفقهاء كالمدارك و كشف اللثام و الذخيرة و مجمع البرهان و الدروس و التذكرة و المنتهى ان المناط في المنع عن التصرف فيما عنده مما يكفيه للحج بما يخرجه عن الاستطاعة هو خروج الرفقة و سفر الوفد فلو كان التصرف

قبله يجوز التصرف المذكور و صريح السيد- قده- في العروة هو تعليق الجواز بما إذا كان قبل التمكن من المسير فيجوز قبله و لا يجوز بعده و ان كان قبل خروج الرفقة و فصل في المتن بين ما إذا كان عدم التمكن من المسير لأجل عدم الصحة في البدن أو عدم تخلية السرب فيجوز التصرف المذكور و بين ما إذا كان لأجل عدم تهيئة الأسباب أو فقدان الرفقة فلا يجوز.

و حكى في «المستمسك» عن بعض الأعاظم في حاشية العروة الحكم بعدم الجواز إذا دخل أشهر الحج و لو لم يتمكن من المسير بوجه و قبله إذا تمكن من المسير

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 147

..........

______________________________

فالشرط في جواز التصرف المزبور أمران ينتفي الحكم بانتفاء أحدهما.

هذا و الظاهر ان مراد السيد- قده- من التمكن من المسير هي الصحة في البدن و تخلية السرب اللتان هما من الشرائط الوجوبية في باب الحج كالاستطاعة المالية و لذا يعبر عن الأولى بالاستطاعة البدنية و عن الثاني بالاستطاعة السربية و اما تهيؤ الأسباب و وجود الرفقة فلا مدخل لمثلهما في أصل الحكم و تحقق الوجوب بل من الشرائط و المقدمات الوجودية و عليه فالظاهر ما قاله السيد من الاختصاص بالأولين كما يظهر من المستمسك و العجب من بعض الاعلام حيث فسر التمكن من المسير في العروة بخصوص المقدمات الوجودية و لذا أورد عليه بعدم مدخليته في فعلية وجوب الحج أصلا لأن المعتبر فيه هي الاستطاعة المفسرة في الروايات بالزاد و الراحلة و صحة البدن و تخلية السرب و لا مدخل للتمكن من المسير في ذلك مع انك عرفت ان مراده هي الاستطاعة من حيث البدن

و الاستطاعة من ناحية السرب.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انه لا مجال للإشكال في جواز التصرف المذكور قبل اجتماع شروط الوجوب بأجمعها لأنه لم يتحقق الوجوب بعد على ما هو المفروض فكما انه لا يجب تحصيل الاستطاعة المالية قبل تحققها فكذلك لا يجب إبقائها قبل حصول الشروط الأخرى لأنه لا موجب له أصلا.

و اما في صورة اجتماع الشروط كلها فالكلام يقع تارة فيما هو مقتضى الأدلة العامة الواردة في الحج من الآية و الرواية المفسرة للاستطاعة المذكورة فيها و اخرى فيما هو مقتضى الأدلة الخاصة على تقديرها.

اما من الجهة الأولى فبعد وضوح حكمين لا مجال للخدشة فيهما أحدهما عدم وجوب تحصيل الاستطاعة المالية بوجه و ثانيهما انه لو سرق الزاد و الراحلة ينتفى الوجوب و كذلك لو حدث مانع من السفر كالسيل أو العدو أو منع الحكومة و أمثالها نقول:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 148

..........

______________________________

انه ذكر بعض الاعلام في شرح العروة انه لا ينبغي الريب في عدم جواز تعجيز نفسه بعد وجوب الحج بشرائطه و حدوده و ان كان الواجب متأخرا لأن الميزان في عدم جواز تعجيز النفس عن إتيان الواجب هو تنجز الوجوب و فعليته و ان كان زمان الواجب متأخرا و مبدأ هذا الوجوب ليس خروج الرفقة و لا التمكن من المسير و لا دخول أشهر الحج بل مقتضى الآية و الروايات الواردة في تفسيرها تنجز الوجوب بحصول الزاد و الراحلة و ما يحج به و تخلية السرب و صحة البدن بحيث لا يكون الحج حرجيا و لا فرق في حصول ذلك بين أشهر الحج و خروج الرفقة و التمكن من المسير و أشهر الحج انما هي

ظرف الواجب لا انها ظرف الوجوب و هو غير محدّد بزمان خاص و عليه يظهر عدم جواز تعجيز نفسه في هذه السنة إذا تمكن من الحج في السنة الثانية و يجب عليه إبقاء المال الى المقبل.

و لم يقع في كلامه التعرض لان بقاء الاستطاعة هل يكون معتبرا في وجوب الحج أم لا و انه إذا لم يكن معتبرا فكيف لا يكون الوجوب ثابتا فيما إذا سرق الزاد و الراحلة و إذا كان معتبرا فكيف يجب تحصيله مع ان تحصيل أصل الاستطاعة و حدوثها لا يكون كذلك و هذه الجهة هي المشكلة الأصلية في هذه المسألة لا كون وجوب الحج تعليقيا.

و من أجل ما ذكرنا ذكر بعض الأعاظم في شرح العروة ان مقتضى القواعد الأولية جواز التصرف المخرج عن الاستطاعة و ان تمكن من المسير و اجتمعت الشرائط نظرا الى ان الزاد و الراحلة موضوع لوجوب الحج و لذلك لم يتوهم أحد وجوب تحصيلهما على من كان فاقدا لهما و الى أنهما كما يكونان موضوعا لوجوب الحج حدوثا كذلك يكون موضوعا بقاء و لذلك لا إشكال في انه إذا تلف ماله في أثناء الاعمال يكشف عن عدم وجوب الحج عليه من أول الأمر و الى ان إذهاب الموضوع ليس حراما في حد نفسه ما لم يرد دليل خاص على حرمته و لذا لا يحرم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 149

..........

______________________________

السفر- على مقتضى القاعدة- في شهر رمضان مع انه إذهاب لموضوع وجوب الصوم و هو الحضر فالتصرفات المخرجة في المقام لا تكون حراما و على فرض الحرمة لو عصى و أتلف الموضوع انتفى الحكم قهرا لان وجود الحكم حدوثا و بقاء

دائر مدار وجود موضوعه حدوثا و بقاء فالاتلاف على تقدير حرمته لا يقتضي بقاء وجوب الحج أصلا.

و ذكر سيد المستمسك ان المستفاد من الآية ان الاستطاعة آناً ما موجبة لتحقق الوجوب نظير قوله من أفطر وجب عليه الكفارة نعم لو كانت عبارة التشريع هكذا:

المستطيع يجب عليه الحج كانت ظاهرة في إناطة الحكم بالوصف حدوثا و بقاء كما إذا قيل المسافر يجب عليه القصر حيث يكون الحكم منوطا بالسفر حدوثا و بقاء و عليه فيكفي في إطلاق الوجوب حدوثا و بقاء تحقق الاستطاعة آناً ما غاية الأمر ان استطاعة السبيل الى البيت لا تحقق آناً ما إلا إذا كانت مقدمات الوجود حاصلة في الواقع كل منها في محله فإذا كان المكلف في علم اللّٰه يبقى ماله و راحلته و صحته الى ان يصل الى البيت الشريف و لا مانع يمنعه عن ذلك يكون مستطيعا من أول الأمر و يجب عليه الحج فإذا عجّز نفسه بإذهاب ماله مثلا كان مخالفا للوجوب المذكور.

قال: و من ذلك يظهر انه لا مجال لدعوى كون الاستطاعة شرطا للوجوب حدوثا و بقاء من جهة ان الزاد و الراحلة لو سرقا في الطريق انتفى الوجوب و كذا لو حدث مانع من السفر من سيل أو عدوّ أو مرض أو غيرها فان ذلك يوجب انتفاء الوجوب، وجه الاشكال عليها ان حدوث الأمور المذكورة كاشف عن عدم الاستطاعة من أول الأمر فلا وجوب حدوثا و لا بقاء بخلاف ما لو القى زاده في البحر أو قتل راحلته أو مرّض نفسه فان ذلك لا يكشف عن عدم الاستطاعة من أول الأمر بل هو مستطيع لكنه عجّز نفسه فإذا كان مستطيعا كان التكليف ثابتا في حقه فيكون

تعجيز نفسه مخالفة منه للتكليف الثابت عليه فيكون حراما.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 150

..........

______________________________

هذا و قد عرفت انه يرد على بعض الاعلام انه لم يتعرض لحل المشكلة الأصلية في هذا الباب و هي انه لا يجتمع الحكم باعتبار بقاء الاستطاعة في الوجوب مع الحكم بلزوم الإبقاء و وجوب حفظ الاستطاعة و عدم إتلافه بل وقع التعرض لجهة الوجوب التعليقي الذي يرجع الى فعلية الوجوب و تنجزه و كون الواجب امرا استقباليا.

و يرد على بعض الأعاظم ان الحكم بعدم وجوب حفظ الاستطاعة و إبقائها و جواز الإتلاف و التصرف المخرج- مع انه يوجب تعطيل الحج و عدم القيام به الا من النادر الذي يأتي به طمعا في الثواب العظيم و الأجر الكثير المترتب عليه على ما تدل عليه الروايات و لا يقاس بالسفر في شهر رمضان حيث انه لا يوجب الا الفرار من الأداء و يبقى عليه وجوب القضاء- خلاف لما هو المرتكز في أذهان المتشرعة و الثابت عندهم بحيث يكون القبول ثقيلا عليهم جدا كما لا يخفى.

و يرد على المستمسك ان الحكم بكشف سرقة الزاد و الراحلة عن عدم حدوث الاستطاعة لم يعلم المراد به فان كان المراد به هو الكشف العقلي كما هو الظاهر من كلامه نقول انه لا مجال لهذا الكشف أصلا لأنه بعد حدوث الاستطاعة و بقائها مدة بحيث كان السفر الى البيت الشريف ممكنا له من جميع الجهات غاية الأمر أنه أخّره لسعة الوقت و عدم لزوم التعجيل ثم عرض لها السرقة كيف يمكن ان يقال بأن السرقة كاشفة عن عدم حدوث الاستطاعة و هل هذا الا تكذيب ما هو محسوس بالوجدان و مرئي بالعين

نعم لو لم تبق الاستطاعة في يده إلا مدة قليلة لم يتمكن من السفر الى البيت في تلك المدة كان بقيت في يده ساعات- مثلا- يمكن القول بالكشف المزبور.

و ان كان المراد به هو الكشف التعبدي الذي يرجع الى ان مقتضى الجمع بين ما يدل على انتفاء الوجوب بالسرقة و بين الآية الظاهرة- بمقتضى ما أفاده- في كون حدوث الاستطاعة شرطا للوجوب ان تجعل السرقة كاشفة عن عدم الحدوث

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 151

..........

______________________________

تعبدا نقول ان الجمع لا ينحصر بذلك فلم لا يجعل الدليل المذكور دالا على عدم كون الحدوث بمجرده شرطا للوجوب بل الشرط هو حدوث الاستطاعة و بقائها.

و التحقيق ان مقتضى الجمع بين الأدلة ذلك غاية الأمر ان شرطية البقاء ليست كشرطية الحدوث بمعنى انه كما ان الحدوث يكون بنحو الإطلاق شرطا للوجوب لا يكون البقاء كذلك شرطا فان المستفاد من دليل انتفاء الوجوب بالسرقة ان الموجب للانتفاء اجتماع أمرين الأول عدم البقاء و الثاني كون عدم البقاء مستندا إلى أمر غير اختياري فيستفاد منه العموم بهذا النحو و هو ان عدم البقاء إذا كان مستندا الى كل أمر غير اختياري يوجب انتفاء الوجوب و اما إذا كان عدم البقاء مستندا إلى أمر اختياري كالإتلاف و التصرف المخرج كما في المقام فلا دليل على انتفاء الوجوب بسببه و عليه فاعتبار البقاء في الوجوب غير اعتبار الحدوث فيه فإذا لم يكن تحصيل الاستطاعة لازما فلا يستلزم ذلك جواز الإتلاف و عدم لزوم الحفظ ثم لا يخفى ان اعتبار الحدوث و كذا البقاء بالنحو المذكور انما هو في أصل وجوب الحج و حدوثه لا ان يكون الحدوث معتبرا

في الحدوث و البقاء في البقاء و عليه فما في كلام المستمسك من ذكر كلمة الحدوث و البقاء عقيب الوجوب لا وجه له.

كما ان اعتبار البقاء في أصل الوجوب مع عدم العلم به نوعا انما هو لأجل الاستصحاب الجاري الحاكم بالبقاء كما عرفت في استصحاب بقاء الدم إلى ثلاثة أيام الموجب لكون الدم من أول حدوثه متصفا بالحيضية هذا تمام الكلام في الجهة الاولى.

و اما الجهة الثانية فربما يقال ان مقتضى بعض الأدلة الخاصة أيضا عدم جواز الإتلاف مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «1» و رواية على بن حمزة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انه قال من قدر على ما يحج به و جعل يدفع ذلك و ليس له شغل يعذره اللّٰه فيه حتى جاء الموت فقد ضيع شريعة من شرائع الإسلام. «2»

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج الباب السادس

(2) ئل أبواب وجوب الحج الباب السادس

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 152

..........

______________________________

بناء على كون المراد بالدفع المذكور فيهما هو الإتلاف مع ان الظاهر ان المراد هو التأخير في العمل لا التصرف المخرج و يؤيده قوله «و ليس له شغل» و كذا قوله «جعل يدفع ذلك» فلا دلالة لهما.

بقي الكلام في هذه المسألة في أمور: الأول ان مقتضى ما ذكرنا من اعتبار البقاء بالنحو المذكور في أصل وجوب الحج انه لو تصرف فيما بيده مما يكفيه للحج بما يخرجه عن الاستطاعة لكان لازمة استقرار الحج عليه و عدم انتفاء وجوبه و اما حرمة التصرف المذكور

و عدم جوازه فلا مجال لثبوتها لان مقتضى وجود شرط الوجوب تحققه لا حرمة التصرف المخرج فلو حج معه متسكعا فقد اتى بما هو الواجب عليه من دون ان يكون مرتكبا لمحرم أصلا.

نعم لو توقف حجه على إبقاء الاستطاعة و حفظها بحيث كانت الاستطاعة مقدمة وجودية لتحققه يصير الحفظ واجبا بالوجوب الغيري المقدمي الشرعي أو العقلي و من المعلوم انه لا يترتب على مخالفة الأمر الغيري استحقاق العقوبة بوجه.

و مما ذكرنا يظهر انه لو كان التصرف المخرج بمثل المعاملة الناقلة كالهبة و أشباهها لا مجال لتوهم البطلان فيها اما في صورة إمكان الحج متسكعا و عدم توقف وجود الحج على بقاء الاستطاعة فلانه لا حرمة في البين أصلا حتى يبحث في اقتضائها للفساد عدمه، و اما في صورة توقف وجود الحج عليه فلان الأمر الغيري و كذا النفسي لا يستتبعان للحرمة بوجه لعدم اقتضاء الأمر بالشي ء للنهى عن الضد مطلقا- كما قد حقق في محله- و على تقدير الاستتباع و الاقتضاء فالنهي الغيري لا يقتضي الفساد كما انه على تقدير كون النهى نفسيا لا دلالة فيه على الفساد على ما ثبت في محله.

الثاني ان مقتضى ما ذكرنا من لزوم حفظ الاستطاعة عدم جواز التصرف و ان علم بعدم تمكنه في هذا العام لعدم تعرض في الآية و الرواية لخصوص عام الاستطاعة فالحكم باختصاص عدم الجواز بخصوص عامها و انه لا يجب إبقاء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 153

[مسألة 23- ان كان له مال غائب بقدر الاستطاعة وحده أو مع غيره]

مسألة 23- ان كان له مال غائب بقدر الاستطاعة وحده أو مع غيره و يمكن من التصرف فيه و لو بالتوكيل يكون مستطيعا و الا فلا، فلو تلف في الصورة الأولى

بعد مضى الموسم، أو كان التلف بتقصير منه و لو قبل أو ان خروج الرفقة استقر عليه الحج على الأقوى، و كذا الحال لو مات مورثه و هو في بلد آخر. (1)

______________________________

الاستطاعة إلى السنين القابلة كما في المتن تبعا للعروة لعله يكون مستندا الى الفتاوى و الإجماع كما في المستمسك.

الثالث ان ما في المتن من قوله و كذا لا يجوز التصرف قبل مجي ء وقت الحج لم يعلم المراد منه فإنه ان كان المراد من وقت الحج هو أشهر الحج فاللازم بقرينة المقابلة ان يكون المراد من الفرضين المذكورين قبله ما إذا كان بعد أشهر الحج و عليه فيصير حكم قبل الأشهر أثقل مما بعده لثبوت التفصيل فيما بعد و إطلاق عدم الجواز قبله، و ان كان المراد من وقت الحج هو الوقت الخاص الذي يقع الحج فيه كعرفة و ما بعده من الأيام المعدودة فيرد عليه ان الفرضين المذكورين قبله واقعان قبل الوقت المذكور- كما هو ظاهر- الا ان يراد قبيل الوقت المذكور بعد السفر الى البيت و هو أيضا في غاية البعد و بالجملة لم يعلم المراد من هذا الفرض بوجه

(1) قد مر ان المعيار في حصول الاستطاعة ما إذا اجتمع أمور ثلاثة هي عبارة عن ملك الزاد و الراحلة و التمكن من التصرف فيهما و إمكان صرفهما في الحج عبارة عن ملك الزاد و الراحلة و التمكن من التصرف فيهما و إمكان صرفها في الحج و اما حضور المال و غيابه فهما أمران لا ارتباط لهما بالاستطاعة إثباتا و نفيا فإذا كان المال غائبا و تمكن من التصرف فيه و لو بالتوكيل يكون مستطيعا كما انه إذا كان المال حاضرا و لم

يتمكن من التصرف فيه لأجل الغصب أو وجود مانع آخر لا يكون مستطيعا فالغياب و الحضور خارجان عن مسألة الاستطاعة و منه يظهر حال ما لو مات مورثه و هو في بلد آخر فان المعيار هو التمكن من التصرف في الإرث من دون فرق بين كونه في بلد أخر و غيره فإنه ربما يكون التمكن متوقفا على شي ء أو أشياء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 154

[مسألة 24- لو وصل ماله بقدر الاستطاعة و كان جاهلا به أو غافلا]

مسألة 24- لو وصل ماله بقدر الاستطاعة و كان جاهلا به أو غافلا عن وجوب الحج عليه ثم تذكر بعد تلفه بتقصير منه و لو قبل أو ان خروج الرفقة، أو تلف و لو بلا تقصير منه بعد مضى الموسم استقر عليه الحج مع حصول سائر الشرائط حال وجوده. (2)

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 1، ص: 154

______________________________

مع الحضور أيضا كما هو المتعارف في هذه الأزمنة من إثبات النسب و انحصار الوراثة و مثلهما من المقدمات فالملاك ما ذكرنا كما هو ظاهر.

(2) في هذه المسألة أقوال ثلاثة: أحدها ما اختاره صاحب العروة و الماتن- دام ظله- من استقرار الحج نظرا الى وجود الاستطاعة بحسب الواقع و هي الشرط في ثبوت التكليف و العلم شرط في التنجز لا في أصل التكليف و عدم التمكن من جهة الجهل أو الغفلة لا ينافي الوجوب الواقعي غاية الأمر أنه معذور في ترك ما وجب عليه و اما الاستقرار فهو تابع للوجوب الواقعي و عدم الإتيان بالحج فاللازم الحكم بثبوت الاستقرار في

الفرضين غاية الأمر انه إذا كان التلف بلا تقصير لا بد من فرض تحققه بعد مضى الموسم لان التلف قبله يكشف عن عدم الاستطاعة كما عرفت و إذا كان بتقصير لا بد من تعميمه لما إذا كان قبل خروج الرفقة أيضا كما ان المفروض فيهما ما إذا ارتفع الجهل و النسيان بعد ما لم يتمكن من الحج في عام الاستطاعة كما لا يخفى.

ثانيها ما حكى عن المحقق القمي- قده- في أجوبة مسائله من عدم الوجوب اى عدم الاستقرار نظرا إلى انه ما دام كونه جاهلا أو غافلا لا يكون التكليف متوجها اليه و بعد ارتفاعهما لا يكون عنده ما يكفيه للحج على ما هو المفروض فلم يستقر عليه و قال في «المستمسك»: و كان الوجه الذي دعا القمي إلى نفى الاستطاعة ما تضمن من النصوص من ان من ترك الحج و لم يكن له شغل يعذره اللّٰه به فقد ترك فريضة من فرائض الإسلام مما يدل على ان وجود العذر ناف للاستطاعة.

و أورد عليه بان المفهوم من النصوص العذر الواقعي الذي لا يشمل قصور

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 155

..........

______________________________

المكلف من جهة غلطه و جهله و اشتباهه بل يختص بالأمر الواقعي الذي يكون معلوما تارة و مجهولا اخرى.

ثالثها ما اختاره بعض الاعلام- على ما في تقريراته في شرح العروة- من التفصيل في الغفلة بين ما إذا كانت مستندة الى تقصير منه كترك التعلم و بين ما إذا كانت غير مستندة إليه ككثرة الاشتغال و الابتلاء ففي الأول يستقر عليه الحج دون الثاني و كذا في الجاهل بين ما إذا كان جهله بسيطا فيستقر و بين ما إذا كان مركبا

فلا اما التفصيل في الغفلة فلان مقتضى حديث الرفع في غير «ما لا يعملون» هو الرفع الواقعي و مرجعه الى التخصيص في الأدلة الأولية و عدم ثبوت الحكم في حقه واقعا و عليه ففي فرض الغفلة لا يجب عليه الحج لعدم ثبوته في حقه و بعد رفعها لا مال له بالفعل حتى يجب عليه الحج غاية الأمر اختصاص الحديث بما إذا كانت الغفلة غير مستندة الى التقصير و اما مع استنادها اليه فلا مخصص في مقابل الأدلة الأولية فالحج واجب عليه و مستقر.

و اما التفصيل في الجاهل فلان الجاهل بالجهل البسيط و ان لم يجب عليه الحج بمقتضى حديث الرفع الا ان هذا الحكم حكم ظاهري لا ينافي وجوب الحج عليه واقعا فإذا انكشف الخلاف يجب عليه الإتيان بالحج لاستقراره عليه لان العلم بالاستطاعة لم يؤخذ في الموضوع و انما الموضوع وجود ما يحج به واقعا و الجاهل بالجهل البسيط يتمكن من إتيان الحج و لو احتياطا و اما الجاهل بالجهل المركب فلا يتوجه اليه التكليف واقعا لعدم تمكنه من الامتثال و لو على نحو الاحتياط، و الاحكام و ان كانت مشتركة بين العالم و الجاهل و لكن بالجهل البسيط الذي يتمكن من الامتثال لا الجهل المركب و الجزم بالعدم الذي لا يتمكن من الامتثال ابدا فهو كالغفلة.

أقول: قد حققنا في الأصول تبعا لسيدنا العلامة الأستاذ الماتن- دام ظله

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 156

[مسألة 25- لو اعتقد انه غير مستطيع فحج ندبا]

مسألة 25- لو اعتقد انه غير مستطيع فحج ندبا فإن أمكن فيه الاشتباه في التطبيق صح و أجزأ عن حجة الإسلام، لكن حصوله مع العلم و الالتفات بالحكم و الموضوع مشكل، و ان قصد

الأمر الندبي على وجه التقييد لم يجز عنه و في صحة حجه تأمل، و كذا لو علم باستطاعته ثم غفل عنها، و لو تخيل عدم فوريته فقصد الندب لا يجزى و في صحته تأمل. (1)

______________________________

العالي- ان الخطابات العامة المتضمنة للتكاليف و الاحكام بنحو العموم لا تكاد تنحلّ الى خطابات متكثرة حسب تكثر افراد المكلفين و تعدد آحادهم بل انما هي خطاب واحد متضمن لحكم عام و تكليف كلى و مقتضاه ثبوت مقتضاه بالإضافة إلى الجميع غاية الأمر كون بعض الأمور عذرا بالنسبة إلى المخالفة و موجبا لعدم ترتب استحقاق العقوبة عليها كالعجز و الجهل و الغفلة في الجملة و لا ملازمة بين كونها عذرا و بين عدم ثبوت التكليف الذي يتضمنه الخطاب العام فقوله وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا يدل على ثبوت هذا التكليف و تحقق هذا الدين في جميع موارد تحقق الاستطاعة الواقعية و عليه فالتكليف ثابت بنحو العموم فإذا انكشف للجاهل انه مستطيع و للغافل انه كان يجب عليه الحج و لم يؤت به بعد فاللازم الحكم بالاستقرار و لزوم الإتيان به و لو بنحو التسكع و لا فرق من هذه الجهة بين فرضي الغفلة و كذا فرضي الجهل و ان كان بينهما فرق أحيانا من جهة المعذورية و عدمها و عليه لا مجال لدعوى خروج الجاهل بالجهل المركب عن الأحكام المشتركة بين العالم و الجاهل و التفصيل المذكور مبتن على القول بالانحلال و اختصاص كل مكلف بخطاب خاص و قد انقدح مما ذكرنا ان الأقوى ما عليه المتن.

(1) وجه الاجزاء عن حجة الإسلام في صورة الاشتباه في التطبيق على تقدير إمكانه هو انه في هذه الصورة قصد

الأمر الواقعي المتعلق بالحج بالإضافة إليه غاية الأمر تخيله باعتبار اعتقاده عدم الاستطاعة انه هو الأمر الندبي فقصده و لو كان عالما بالاستطاعة لكان يقصد الأمر الوجوبي المتوجه إليه ففي الحقيقة كان قصده امتثال الأمر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 157

..........

______________________________

الواقعي أيّاما كان و لكنه يتخيل أنه الأمر الندبي فلا مجال للحكم بعدم الاجزاء في هذه الصورة و اما في صورة التقييد فتارة يقع البحث فيها عن الاجزاء عن حجة الإسلام و عدمه و اخرى بعد الفراغ عن عدم الاجزاء في صحته في نفسه فنقول:

اما الجهة الأولى ففي المتن و العروة الحكم بعدم الاجزاء نظرا إلى انه لم يقصد امتثال الأمر الواقعي أيّاما كان بل انما قصد امتثاله على تقدير كونه هو الأمر الندبي بحيث لو كان عالما بالاستطاعة لما كان يقصد امتثال الأمر الوجوبي بوجه فلم يتعلق قصده بإتيان حجة الإسلام أصلا بل انما تعلق بإتيان خصوص الحج الندبي و عليه فكيف يمكن الحكم بالاجزاء عنه مع ما عرفت من تعدد حقائق الحج و مغايرة حجة الإسلام لغيرها من حيث الماهية.

هذا و لكن ذكر بعض الاعلام- على ما في شرح العروة- ان الظاهر هو الاجزاء في هذه الصورة أيضا نظرا الى ان التقييد انما يتصور في الأمور الكلية التي لها سعة و قابلة للتقسيم إلى الأنواع و الأصناف و اما الأمر الخارجي الذي لا يقبل التقسيم فلا يتصور فيه التقييد نظير ما ذكروه من التفصيل في باب الايتمام الى زيد فبان انه عمرو فإنه غير قابل للتقييد لأن الائتمام قد تعلق بهذا الشخص المعين و هو لا يكون فيه سعة حتى يتصور فيه التقييد و في المقام يكون

الأمر بالحج المتوجه إليه في هذه السنة أمر شخصي ثابت في ذمته و ليس فيه سعة و المفروض ان الثابت في ذمته ليس إلا حجة الإسلام و قد اتى بها فان حج الإسلام ليس إلا الاعمال الصادرة من البالغ الحر المستطيع الواجد لجميع الشرائط و لا يعتبر قصد هذا العنوان في صحة الحج غاية الأمر تخيل جواز الترك و هو غير ضائر كما لو فرضنا انه صام في شهر رمضان ندبا بنية القربة و كان جاهلا بوجوب الصوم فيه فإنه لا ريب في الاكتفاء به بل لو فرضنا انه لو علم بالوجوب لم يأت به في هذه السنة نلتزم بالصحة أيضا لأنه من باب تخلف الداعي و ليس من التقييد بشي ء.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 158

..........

______________________________

أقول يرد عليه أولا انه لا مجال للإشكال في ثبوت فرضين في هذا المقام و مثله لان المكلف تارة يكون بصدد امتثال الأمر الواقعي أيّاما كان و في مثال الاقتداء المذكور بصدد الايتمام بالإمام الحاضر أيّا من كان و اخرى بصدد امتثال الأمر الواقعي على تقدير كونه هو الندب و بصدد الايتمام بالإمام الحاضر على تقدير كونه زيدا بحيث لم يتعلق غرضه بامتثال الأمر الوجوبي و بالاقتداء بعمرو أصلا و ان كان معتقدا بعدالته و صحة الاقتداء به و التعبير عن الفرض الأول بالاشتباه في التطبيق و عن الفرض الثاني بالتقييد انما هو للإشارة إلى الفرضين و ليس البحث في نفس العنوانين حتى يقال باختصاص دائرة التقييد بما إذا كان هناك سعة و عموم قابل للتضييق و التقييد.

و ثانيا انه لا اختصاص للتقييد بما إذا كان في الأمور الكلية بل يجري في الأمور الجزئية

بنحو يكون وجودها متحققا مقيدا لا ما إذا عرض لها التقييد بعد وجودها نظير ما ذكروه في باب الواجب المشروط من ان رجوع القيد في مثل «أكرم زيدا ان جاءك» إلى الهيئة كما عليه المشهور في مقابل الشيخ- قده- مع كون مفاد الهيئة امرا جزئيا لانه كالحروف يكون من باب الوضع العام و الموضوع له الخاص لا مانع منه لأنه ينشأ الوجوب بنحو التقييد من أول الأمر لا انه ينشأ ثم يعرض له التقييد.

و ثالثا انه لو سلمنا اختصاص التقييد بما إذا كان في الأمور الكلية نقول بثبوت الأمر الكلي في المقام و مثله كالاقتداء في المثال المذكور ضرورة انه لا بد من ملاحظة الأمر قبل تحققه في الخارج لان التقييد انما يتحقق في هذه المرحلة و من المعلوم ان الائتمام الذي يتعلق به القصد يكون قبل التحقق كليا له سعة من حيث الزمان و المكان و من حيث من يقتدى به و إذا كان كذلك فله التقييد و التضييق و عليه فالتقييد بالمقتدى الخاص يكون قبل مرحلة الوجود و كذلك المقام فإنه قبل ان يشرع في الحج يتصف عمله بالسعة و الكلية و له التقييد من جهة الداعي بأمر خاص و كون الأمر المتعلق بالحج في هذه السنة أمرا خاصا لا يوجب عدم إمكان التقييد في الحج الذي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 159

..........

______________________________

يريد الشروع فيه.

و العجب منه انه مع التزامه بتعدد حقائق الحج و تكثر ماهياته كيف جعل الحج في صورة التقييد مجزيا عن حجة الإسلام مع انه لم يقصدها بوجه بل قصد غيرها لا لأجل الجهل بوجوبها عليه لاعتقاد عدم الاستطاعة بل لانه لا يريد الإتيان

بها على تقدير العلم أيضا كما هو المفروض و من هنا يمكن ان يقال بالفرق بين الحج و بين الصوم الذي أورده بعنوان التأييد نظرا الى احتمال ان لا يكون للصوم حقائق مختلفة و ماهيات متعددة بخلاف الحج.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان الظاهر هو عدم الاجزاء عن حجة الإسلام في فرض التقييد.

و اما الجهة الثانية فقد حكم السيد في العروة بصحة ما اتى به من الحج في نفسه و ان لم يكن مجزيا عن حجة الإسلام و تأمل فيها في المتن و الوجه فيه انه سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى ان من كان عليه حجة الإسلام لا يجوز ان يأتي بالحج نيابة عن الغير أو تطوعا عن نفسه و لكنه لا يعلم انه هل يختص الحكم بما إذا كان عالما بثبوت حجة الإسلام عليه أو يعمّه و ما إذا كان جاهلا به أيضا كما في المقام فاللازم ملاحظة تلك المسألة.

بقي الكلام في الفرع الأخير الذي تعرض له في المتن و هو ما لو كان عالما بالاستطاعة و بوجوب الحج عليه لكنه تخيل عدم كون الوجوب فوريا فحج ندبا و قد حكم فيه بثبوت حكم التقييد عليه من عدم الاجزاء و التأمل في صحته في نفسه و الوجه فيه انه مع العلم بالوجوب و قصد الأمر الندبي لأجل تخيل عدم الفورية لا محيص عن كونه تقييدا لانه لا يريد امتثال الأمر الوجوبي بوجه فلا مجال للاجزاء و الوجه في التأمل في الصحة ما عرفت.

و لكن بعض الاعلام مع حكمه بالاجزاء في التقييد حكم بعدم الاجزاء في خصوص المقام نظرا الى ثبوت أمرين هنا أحدهما وجوبي و الأخر ندبي مترتب على

تفصيل الشريعة في

شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 160

[مسألة 26- لا يكفي في وجوب الحج الملك المتزلزل]

مسألة 26- لا يكفي في وجوب الحج الملك المتزلزل كما لو صالحه شخص بشرط الخيار إلى مدة معينة إلا إذا كان واثقا بعدم فسخه لكن لو فرض فسخه يكشف عن عدم استطاعته. (1)

______________________________

الأول و في طوله و لا استحالة في الأمر بالضدين إذا كان بنحو الترتب لأن الأمر الثاني مترتب على عدم الإتيان بالأول و لو كان عن عصيان و عليه فما اتى به صحيح في نفسه الا انه لا يجزى عن حجة الإسلام لأن الأمر الفعلي لم يقصد و انما قصد الأمر الندبي المترتب على مخالفة الأمر الفعلي بخلاف التقييد الذي لا يكون فيه الا أمر واحد.

أقول لم يظهر لي الفرق بثبوت أمرين هنا دون التقييد الذي لا يكون فيه الا أمر واحد و لا محالة يكون هو الأمر المتعلق بحج الإسلام و ثبوت العلم في المقام بأصل الوجوب لا يكون فارقا فإنه على اى تقدير لم يقصد امتثال الأمر المتعلق بحج الإسلام و عليه فلو فرض ثبوت الفرق المذكور لا يكون فارقا من حيث الاجزاء و عدمه أصلا.

(1) قد استدل السيد- قده- في العروة لعدم كفاية الملك المتزلزل في وجوب الحج بأنها في معرض الزوال و يرد عليه أوّلا ان المعرضية للزوال شأن جميع الأموال الموجودة في الخارج فإنها بأجمعها مشتركة في المعرضية غاية الأمر اختلاف طرق الزوال من جهة الفسخ و الاحتراق و المرض و التلف و غيرها كالاختلاف من جهة قوة الاحتمال و ضعفه بحيث لا يبلغ مرحلة لا يعتنى به العقلاء.

و ثانيا على تقدير اختصاص المعرضية بمثل المقام لم يقم دليل على اعتبار عدمها في تحقق الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج

فإنها كما عرفت عبارة عن ان يكون عنده ما يحج به و قد عرفت انه يستفاد من الحكم بعدم وجوب الحج في مثل مورد السرقة اعتبار البقاء بنحو ينافيه عدمه غير الاختياري فيجب حفظ البقاء و لا يجوز التصرف المخرج له عن الاستطاعة و اما اعتبار عدم المعرضية للزوال زائدا على ما ذكر فلم يقم دليل عليه و بناء عليه فالظاهر تحقق الاستطاعة في المثال المذكور

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 161

[ (مسألة 27- لو تلفت بعد تمام الاعمال مئونة عوده الى وطنه أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه]

(مسألة 27- لو تلفت بعد تمام الاعمال مئونة عوده الى وطنه أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه- بناء على اعتبار الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة- لا يجزيه عن حجة الإسلام فضلا عما لو تلف قبل تمامها سيما إذا لم يكن له مئونة الإتمام. (1)

______________________________

في المتن غاية الأمر ان الفسخ يكون كالسرقة لأن الظاهر عدم كون الفسخ مؤثرا من حين العقد بحيث كان كاشفا عن عدم تحقق الملكية من رأس بل يكون مؤثرا من حينه و الّا لكان اللازم التعليل بعدم إحراز الملكية من الأول لا بكونها في معرض الزوال.

و على ما ذكرنا لا يعتبر الوثوق بعدم الفسخ بل يكفى مجرد احتماله لجريان استصحاب عدم الفسخ كجريان استصحاب عدم السرقة و مثلها نعم إذا اطمئن بالفسخ اطمينانا عرفيا يعامل معه معاملة العلم لا يكون مستطيعا- حينئذ- من جهة عدم تحقق البقاء بالمعنى المذكور الذي هو شرط الاستطاعة.

و العجب من بعض الاعلام حيث صرح بتحقق الاستطاعة و لو مع العلم بان المالك يفسخ و يسترجع المال نظرا إلى انه ان كان متمكنا من أدائه بلا حرج فلا كلام و ان استلزم أدائه الحرج يسقط وجوب الحج

لنفى الحرج.

فإنه مع وضوح ان مفروض البحث عدم التمكن من الأداء لانحصار ما عنده بمورد المصالحة و الا كان مستطيعا من جهة ذلك المال يرد عليه ان العلم بالفسخ يرجع الى العلم بعدم البقاء الذي يكون شرطا لتحقق الاستطاعة كما عرفت.

كما ان ما في المتن من جعل الفسخ كاشفا عن عدم الاستطاعة مرجعه الى ان الملاك هو الفسخ و عدمه لا مجرد المعرضية للزوال كما لا يخفى.

(1) في المسألة وجهان أحدهما الاجزاء و قد نفى عند البعد السيد في العروة تبعا لما عن المدارك من القطع به حيث قال: «فوات الاستطاعة بعد الفراغ من أفعال الحج لم يؤثر في سقوطه قطعا و الا لوجب اعادة الحج مع تلف المال في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 162

..........

______________________________

الرجوع أو حصول المرض الذي يشق السفر معه و هو معلوم البطلان» لكن في الجواهر:

«قد يمنع معلومية بطلانه بناء على اعتبار الاستطاعة ذهابا و إيابا في الوجوب» و هو الوجه للوجه الثاني و هو عدم الاجزاء الذي هو مختار المتن فان مرجعه الى ان مقتضى القاعدة ذلك لأنه إذا كانت مئونة العود الى الوطن دخيلة في تحقق الاستطاعة التي هي شرط الوجوب كمئونة الذهاب فاللازم ان يكون تلفها كاشفا عن عدم تحقق الاستطاعة من أول الأمر غاية الأمر عدم العلم به فهو كما إذا تلفت مئونة الذهاب قبل الشروع في الأعمال و عليه فمقتضى القاعدة عدم الاجزاء الا ان يقوم دليل عليه.

و اما ما يمكن ان يكون وجها للاجزاء فهو أحد أمور: الأول: ارتكاز المتشرعة على صحة الحج في مفروض المسألة و مثله كما إذا مرض بعد الاعمال مرضا لو كان قبل الحركة لما

كان الحج واجبا عليه لفقد الاستطاعة البدنية فإن حصول المرض الكذائي بعد تمامية الأعمال و الفراغ عن الحج لا يكون عند المتشرعة قادحا في صحة الحج الذي اتى به بوجه و يؤيده سكوت الروايات عن التعرض لذلك مع عدم كون مثله قليل التحقق بل يكثر الابتلاء به فالارتكاز المذكور بضميمة عدم التعرض في النصوص يوجب الاطمئنان بالإضافة إلى صحة الحج.

الثاني ان الدليل على اعتبار مئونة العود و كذا اعتبار الرجوع الى الكفاية بناء على اعتباره هي قاعدة نفى الحرج و هي تجري في مورد الامتنان فإذا كان الشخص قبل الحركة فاقدا لمئونة العود- مثلا- يكون وجوب الحج بالإضافة إليه حرجيا و اللازم سقوطه و اما إذا صار بعد الاعمال فاقدا فإجراء القاعدة للحكم بعدم أجزاء ما اتى به عن حجة الإسلام مع كونها مقصودة خلاف الامتنان فلا مجال لجريانه- ح- و عليه فمقتضى دليل الاعتبار باللحاظ المذكور عدم اعتبار مئونة العود في مفروض المسألة فاللازم الحكم بالاجزاء كما لا يخفى.

ثالثها ما افاده السيد في العروة من انه يقرب الاجزاء ما ورد من ان من مات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 163

..........

______________________________

بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأه عن حجة الإسلام وجه التقريب ان الموت المفروض في الرواية مستلزم لزوال الاستطاعة البدنية و الاستطاعة المالية أيضا اما الأول فواضح و اما الثاني فللانتقال إلى الورثة فإذا كان زوال الاستطاعتين غير قادح في الاجزاء فزوال خصوص الاستطاعة المالية بطريق اولى لا يكون قادحا فيه كما لا يخفى.

و يرد على الأخير مضافا الى ان مقتضاه انه لو زالت الاستطاعة المالية بعد الإحرام و دخول الحرم يكون حجة مجزيا عن حجة الإسلام و لا

يمكن الالتزام به انه لا يمكن التعدي عن مورد الرواية لاحتمال ان يكون للموت خصوصية من جهة عدم التمكن من الحج ابدا بخلاف مثل المقام فلا يجوز التعدي عنه بوجه مع ان الظاهر ان محط النظر في الرواية كفاية بعض الاعمال عن الكل و ان الإحرام و دخول الحرم يكفى عن تمام الاعمال و لا نظر فيها الى زوال الاستطاعة المالية بوجه و بالجملة لا مجال لاستفادة حكم المقام منها و التعبير بالتقريب لعله لما ذكر.

و يرد على الثاني انه لو كان الدليل لاعتبار مئونة العود الى الوطن قاعدة نفى الحرج لكان مقتضاه ما ذكر و لكن عرفت فيما تقدم ان الدليل عليه هو ان المتفاهم العرفي من اعتبار الزاد و الراحلة فيما يتوقف على السفر هو اعتبارهما ذهابا و إيابا لا خصوص الذهاب فقط فإنه لو قيل ان فلانا متمكن من السفر الى المشهد المقدس لزيارة قبر مولانا على بن موسى الرضا عليهما آلاف التحية و الثناء لا يتفاهم العرف منه الا التمكن منه ذهابا و إيابا و عليه فاعتبار مئونة الإياب انما هو كاعتبار مئونة الذهاب و مع التلف يستكشف عدم تحقق الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج.

و هكذا بالنسبة إلى اعتبار الرجوع الى الكفاية بناء على اعتباره فإنه لو كان الدليل عليه هي قاعدة نفى الحرج لكان مقتضاه ما ذكر و اما إذا كان الدليل هي الرواية فلا مجال لذلك و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى.

و يرد على الأول ان المرتكز عند المتشرعة و ان كان ذلك الا ان الظاهر توسعة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 164

[مسألة 28- لو حصلت الاستطاعة بالإباحة اللازمة وجب الحج]

مسألة 28- لو حصلت الاستطاعة بالإباحة اللازمة وجب

الحج، و لو اوصى له بما يكفيه له فلا يجب عليه بمجرد موت الموصى كما لا يجب عليه القبول (1)

______________________________

الارتكاز حتى بالإضافة إلى تلف الأموال في أثناء الأعمال و قد عرفت انه لا يمكن الالتزام به و سكوت الروايات مع التعرض لأصل اعتبار الاستطاعة الظاهر بمقتضى ما ذكر في الذهاب و الإياب لا دلالة فيه على شي ء.

الا انه مع ذلك كله لا يمكن الالتزام بأنه لو مرض بعد الاعمال مرضا لو كان حادثا حين الحركة لما كان يجب عليه الحج يكشف ذلك عن عدم كون حجّه حجة الإسلام و هكذا تلف مئونة العود و الانصاف أن المسألة مشكلة و لا يكون شي ء من الوجهين ظاهرا.

(1) في هذه المسألة فرعان: الأول ما لو حصلت الاستطاعة بالإباحة اللازمة فإنه وقع الإشكال في وجوب الحج عليه نظرا إلى انه هل يعتبر الملكية في حصول الاستطاعة أم لا، ظاهر المتن و السيد في العروة عدم الاعتبار و علله فيها بصدق الاستطاعة بالإباحة اللازمة.

و أورد عليه في المستمسك بأنه لا مجال للاستدلال به بعد ما ورد في تفسير الاستطاعة بأن يكون له زاد و راحلة مما ظاهره الملك قال: نعم في صحيح الحلبي إذا قدر الرجل على ما يحج به، و في صحيح معاوية: إذا كان عنده مال يحج به أو يجد ما يحج به، و هو أعم من الملك لكن الجمع بينه و بين غيره يقتضي تقييده بالملك و عدم الاجتزاء بمجرد الإباحة.

و أجاب عنه بعض الاعلام بما حاصله انه انما يحمل المطلق على المقيد لأجل التنافي بينهما كما في مثل أعتق رقبة و أعتق رقبة مؤمنة بعد إحراز وحدة المطلوب و اما إذا لم يكن هناك منافاة كما

في مثل الخمر نجس و المسكر نجس فلا مجال للحمل لعدم التنافي و المقام من هذا القبيل لان قوله- ع- له زاد و راحلة و ان كان ظاهرا في الملكية الا انه لا ينافي ثبوت الاستطاعة في غير مورد الملك أيضا كموارد جواز

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 165

..........

______________________________

التصرف و الإباحة.

و يرد عليه ان وقوع الطائفتين في مقام تفسير الآية و تحديد الاستطاعة الواقعة فيها يوجب تحقق التنافي بينهما لوضوح ثبوت المنافاة بين كون المراد من الاستطاعة الواقعة في الآية خصوص الملكية و بين كون المراد منها أعم من الإباحة فاللازم حمل المطلق على المقيد.

و لكنه ذكر بعض الأعاظم في شرح العروة ان ظهور اللام في قوله زاد و راحلة في الملكية ممنوع بل هي ظاهرة في مطلق الاختصاص.

أقول يمكن ان يقال بان اللام في نفسها ظاهرة في الملكية و لكن الطائفة الأخرى قرينة على كون هذا الظهور مرادا بل المراد هو الاختصاص الشامل للإباحة و عليه فالجمع بين الطائفتين و ان كان يمكن بأحد وجهين الا انه لا يبعد ان يقال بأن الأرجح عند عند العقلاء هو ما ذكرنا و مقتضاه تحقق الاستطاعة بالإباحة اللازمة كالإباحة المشترطة في ضمن عقد لازم بنحو شرط النتيجة لا شرط الفعل فتدبر.

ثم ان تقييد الإباحة باللازمة انما هو لإخراج الإباحة الجائزة التي يجوز للمالك الرجوع و هو يبتنى على ما تقدم من عدم كفاية الملك المتزلزل في وجوب الحج و قد عرفت المناقشة منّا في ذلك هذا في الإباحة الملكية.

و اما الإباحة الشرعية كالأنفال و المباحات الأصلية فالظاهر عدم كونها بمجردها موجبا لصدق الاستطاعة فإن مجرد إباحة الأسماك في البحر و الاحتطاب

في البرّ و المعادن و أشباهها لا يوجب تحقق الاستطاعة و ان عنده ما يحج به أو انه يجد ما يحج به نعم بعد تحقق الاصطياد و الاحتطاب و الاستخراج يتحقق موضوع الاستطاعة فالفارق بين الاباحتين هو العرف و عليه فلا يبقى مجال لما في المستمسك من انه لم يظهر الفرق بين الإباحة المالكية و الإباحة الشرعية.

الفرع الثاني ما إذا اوصى له بما يكفيه للحج من الزاد و الراحلة أو ثمنهما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 166

..........

______________________________

و صريح المتن عدم تحقق الاستطاعة الموجبة للحج بمجرد الموت و عدم وجوب القبول عليه و الظاهر ان المنشأ لعدم وجوب القبول عليه هي كون الوصية التمليكية عقدا عنده مفتقرا الى القبول و عليه فالقبول يرجع الى تحصيل الاستطاعة و هو غير لازم لما عرفت غير مرة من عدم لزوم تحصيل الاستطاعة و عدم وجوبه و المتن مشعر بأنه لو قلنا بأن الوصية المذكورة إيقاعا غير مفتقر الى القبول غاية الأمر ثبوت حق الرد له بلحاظ ان سلطنة الغير على تمليك ماله اليه من دون اختياره و رضاه مناف للسلطنة الثابتة له لكان مقتضى القاعدة حصول الاستطاعة له و لازمة عدم جواز الرد له في هذا المورد لعدم جواز رفع الاستطاعة المحققة و إتلاف الاستطاعة الثابتة.

و لكن ظاهر السيد- في العروة- حصول الاستطاعة على كلا التقديرين حيث قال: لو اوصى له بما يكفيه للحج فالظاهر وجوب الحج عليه بعد موت الموصى خصوصا إذا لم يعتبر القبول في ملكية الموصى له و قلنا بملكيته ما لم يرد فإنه ليس له الرد- حينئذ- فإنه يظهر منه وجوب القبول على تقدير اعتباره و عدم جواز الرد

على تقدير عدم اعتباره.

و الظاهر عدم حصول الاستطاعة مطلقا اما على تقدير كون الوصية المذكورة عقدا فلما عرفت من عدم لزوم تحصيل الاستطاعة و اى فرق بين قبول الوصية و بين قبول الهبة حيث لا يجب قبولها الموجب للاستطاعة، و اما على تقدير كونها إيقاعا فلان الظاهر ان الرد يكشف عن عدم ثبوت الملكية من أول الأمر و ليس ذلك مثل إتلاف الاستطاعة المحققة غير الجائز على ما عرفت بل هو كاشف عن عدم كونه مستطيعا من الأول نعم لو قلنا بتأثير الرد في زوال الملكية من حين الرد لكان ذلك مثل الإتلاف المذكور و عليه فلا يجوز له الرد- حينئذ- و التحقيق في محله.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 167

[مسألة 29- لو نذر قبل حصول الاستطاعة زيارة أبي عبد اللّٰه الحسين- عليه السلام- مثلا في كل عرفة فاستطاع]

مسألة 29- لو نذر قبل حصول الاستطاعة زيارة أبي عبد اللّٰه الحسين- عليه السلام- مثلا في كل عرفة فاستطاع يجب عليه الحج بلا اشكال و كذا الحال لو نذر أو عاهد- مثلا- بما يضاد الحج، و لو زاحم الحج واجب أو استلزمه فعل حرام يلاحظ الأهم عند الشارع الأقدس (1).

______________________________

(1) قد وقع التعرض لنظير المسألة في كلمات الشهيدين و في محكي كتاب المدارك و الذخيرة و المستند و في كلام صاحب الجواهر- قده- و هو ما لو نذر حجا مقيدا بكونه غير حجة الإسلام و بكونه في هذه السنة- مثلا- ثم استطاع بعد النذر في تلك السنة و حكموا بتقديم النذر على حجة الإسلام.

و لها نظائر كثيرة مثل ما ذكره السيد- قده- في العروة من نذر إعطاء الفقير كذا مقدارا فحصل له ما يكفيه لأحدهما بعد حصول المعلق عليه و نذر مقدار مائة ليرة مثلا في الزيارة أو التعزية

أو نحو ذلك قبل حصول الاستطاعة.

و مثل ما لو نذر ان يصلى صلاة الليالي العشر الأول من ذي الحجة في مسجد محلته أو بلده و غيرها من الأمثلة الكثيرة التي يجمعها المضادة للحج و عدم إمكان الجمع بين الحج و بينها.

و الظاهر منهم تقدم الإجارة على الحج فيما إذا استؤجر على الحج في هذه السنة ثم استطاع و ان حكى عن بعض الأعاظم الفرق بين الإجارة و النذر و لعله يأتي التعرض لهذه الجهة.

و كيف كان فهذه المسألة من المسائل التي لها أهمية خاصة من ناحية العمل و الابتلاء و من ناحية البحث و الجهة العلمية اما من الجهة الاولى فلان القول بتقديم النذر كما اختاره السيد في العروة تبعا للفقهاء الذين أشرنا إليهم يوجب انفتاح طريق الفرار من الحج الى آخر العمر إذا نذر الزيارة- مثلا- في كل عرفة لمنع النذر المذكور بناء عليه عن وجوب الحج و اما من الناحية العلمية فلابتنائها على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 168

..........

______________________________

جهات مختلفة كما سيجي ء إن شاء اللّٰه تعالى.

إذا عرفت ذلك فنقول قد استدل للقول بتقديم النذر فيما إذا كان قبل حصول الاستطاعة بأمور:

أحدها: ما هو المذكور في أكثر كلماتهم من ان المانع الشرعي كالمانع العقلي و مرجعه إلى انه يعتبر في الاستطاعة زائدا على الأمور المذكورة من ان يكون عنده ما يحج به مضافا الى صحة البدن و تخلية السرب القدرة الشرعية و هي ان لا يكون الحج مزاحما لواجب آخر و مع تحقق المزاحمة ترتفع الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج و ربما يستدل على اعتبارها بصحيحة الحلبي: إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و

ليس له شغل يعذره اللّٰه تعالى فيه فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «1» نظرا الى ظهورها في ان مطلق العذر رافع للفرض و لا ريب في ان الوفاء بالنذر عذر فيكون رافعا للفرض.

و أجيب عنه بأن الرواية لم تبين الصغرى و انما تعرضت لترك الحج بلا عذر و اما كون الشي ء الخاص عذرا فلا بد من إثباته من الخارج كما ثبت العذر في موارد الحرج و الضرر الزائدين على ما يقتضيه الحج و لم يثبت كون الوفاء بالنذر عذرا ثم انه ذكر بعض الاعلام انه لو قلنا باعتبار القدرة الشرعية أيضا كما هو المشهور لا مجال للحكم بتقديم النذر عليه و ملخص ما أفاده في وجهه من كلامه الطويل مع تقريب منا ان الوفاء بالنذر ليس واجبا ابتدائيا نظير الصلاة و الصوم و نحوهما من الواجبات الإلهية بل هو واجب إمضائي بمعنى ان وجوبه إلزام من اللّٰه تعالى بما التزم المكلف به على نفسه كالعقود فالحكم بوجوب الوفاء بالنذور و العقود نشأ من التزام المكلف على نفسه شيئا و اللّٰه تعالى الزمه بهذا الإلزام و عليه فلا بد من ملاحظة ما التزمه الناذر على نفسه بمقتضى صيغة النذر مثل للّٰه علىّ ان أفعل كذا و من الواضح

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 169

..........

______________________________

ان العمل الملتزم به لا بد و ان يكون بمقتضى كلمة اللام قابلا للإضافة الى اللّٰه و مرتبطا به و من هنا اعتبروا الرجحان في متعلق النذر لعدم كون غير الراجح حتى المباح قابلا للإضافة و الارتباط اليه و لا يكفى مجرد الرجحان في نفسه و

هو الرجحان الملحوظ بالإضافة إلى الترك بمعنى كون المقايسة بين الفعل و الترك من دون ملاحظة الأمور الأخر بل لا بد من ملاحظة سائر الملازمات و المستلزمات كان لا يكون العمل مستلزما لترك واجب أو إتيان محرم و الا فلا يكون قابلا للإضافة إليه سبحانه و ان كان في نفسه راجحا فزيارة الحسين- عليه السّلام- يوم عرفة و ان كانت في كمال الرجحان في نفسها الا انها إذا كانت ملازمة لترك واجب كالحج لا يمكن إضافتها الى اللّٰه سبحانه فان نذرها- حينئذ- يرجع الى نذر ترك الحج نظير قراءة القرآن من أول طلوع الفجر الى ما بعد طلوع الشمس بحيث تفوت عنه فريضة الصبح و عليه فلا بد ان يكون ما التزم به قابلا للاستناد الى اللّٰه تعالى و الا فلا ينعقد النذر و ينحل كما إذا نذر صوم يوم الذي يجي ء مسافرة فصادف يوم العيد حيث انه لا ريب في انحلال النذر في أمثال هذه الموارد و لازم ذلك عدم كون المقام من باب التزاحم الذي يكون مورده الواجبين الفعليين اللذين يشمل كل منهما على ملاك ملزم غاية الأمر عدم تمكن المكلف من الجمع بينهما في مقام الامتثال لان هذا انما يختص بما إذا كان الواجب ابتدائيا أصليا كالصلاة و الإزالة و اما إذا كان الواجب واجبا إمضائيا فلا يجرى فيه الترتب لان ما التزم به المكلف انما هو مطلق مستلزم لترك الحج و هذا غير قابل للإمضاء.

و اما المشروط يعنى المقيد بترك الحج فلم ينشأه و لم يلتزم به فما هو قابل للإمضاء و لم يلتزمه و لم ينشأه و ما التزم به غير قابل للإمضاء.

و المناقشة في أصل الكلام بان لازمة عدم

انعقاد النذر فيما إذا تعلق بما يستلزم تفويت ما هو أهم كما إذا نذر ان يصلى في مسجد محلته لانه يستلزم تفويت الصلاة في المسجد الجامع أو الحرم الشريف مدفوعة بأن الملاك في صحة انعقاد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 170

..........

______________________________

النذر ان يكون الفعل المنذور قابلا للإضافة إليه تعالى و المستحب المستلزم لترك مستحب آخر أهم صالح للإضافة إليه تعالى نعم لو نذر ترك الراجح لا ينعقد النذر كما إذا نذر ترك زيارة الحسين عليه السّلام.

و يرد عليه مضافا الى وجود التهافت في كلامه فإنه يستفاد من صدر كلامه ان الخصوصية الموجودة في النذر و مثله من الواجبات الإمضائية هي كون ما التزم به المكلف على نفسه محدودا من أول الأمر ففي النذر يكون الملتزم به هو الفعل الذي يكون قابلا للإضافة الى اللّٰه تعالى زائدا على الرجحان المتحقق به و الإلزام تابع للالتزام فما التزم به من الأمر المحدود و الموصوف بالأمرين يكون مقتضى وجوب الوفاء بالنذر تعلق الإلزام من ناحية الشارع به و ظاهر كلامه في الأثناء و الأخر ان المحدودية الموجودة في النذر هي عدم كون فعل كل راجح قابلا للإمضاء و صالحا لتعلق الإلزام الشرعي به فبين الكلامين تهافت.

انه ان قلنا بعدم اعتبار القدرة الشرعية في وجوب الحج زائدة على الزاد و الراحلة و صحة البدن و تخلية السرب فلا إشكال في عدم كون المنذور المستلزم لترك الحج قابلا للإضافة إليه تعالى كما في مثال نذر قراءة القرآن المستلزمة لترك فريضة الصلاة في وقتها فان قراءة القرآن مع هذا الوصف لا تكون قابلة للإضافة إليه بوجه أصلا.

و اما ان قلنا باعتبار القدرة الشرعية في وجوب

الحج كما هو العمدة في مفروض البحث في كلامه فكون المنذور المستلزم لترك الحج مع هذا الوصف و هو اعتبار القدرة الشرعية المنتفية مع فرض وجوب الوفاء بالنذر غير قابل للإضافة اليه أول الكلام لان عدم قابليته للإضافة اليه انما هو على تقدير تقدم الحج و رجحانه على النذر و من الواضح انه أول البحث و النزاع و من هنا يعلم الفرق بين الحج و بين الصلاة التي لا يشترط في وجوبها الا الوقت و المفروض دخوله

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 171

..........

______________________________

في مثال نذر قراءة القرآن فإنك عرفت ان القراءة المذكورة لا تكون قابلة للإضافة و اما الحج فلا دليل على عدم القابلية بعدم عدم قيام الدليل على التقدم فما افاده غير تام.

نعم سلك شيخه و أستاذه المحقق النائيني- قده- في مباحثه الأصولية في باب التزاحم على ما في تقريرات بحثه مسلكا آخر لعدم ثبوت مجال للنذر مع الاستطاعة و وجوب الحج لو أغمض النظر عن المناقشة في بعض مقدماته يكون مسلكا تامّا.

و ملخصه انه و ان كان النذر مشروطا بالقدرة الشرعية و الحج أيضا كذلك و لازم ذلك هو الحكم بتقدم ما كان زمان امتثاله متقدما و في فرض الاتحاد ما كان زمان خطابه كذلك الا ان النذر مشتمل على خصوصية توجب تأخره لأنه يعتبر فيه ان لا يكون موجبا لتحليل حرام أو تحريم حلال سواء كان نفس متعلقه حراما كما إذا نذر ما يحرم فعله لو لا النذر أو كان ملازما لذلك كما إذا نذر ما يوجب تفويت واجب لو لا النذر كما في المقام فان مقتضى القاعدة انحلال النذر و تعيين الحج عليه و ان

تقدم خطاب الوفاء بالنذر و كان كل من النذر و الحج مشروطا بالقدرة الشرعية و السر فيه هو ان النذر في المقام يوجب تفويت الحج الواجب لو لا النذر و تفويت الواجب كذلك يوجب انحلال النذر فانحلال النذر في مثل هذا ليس لمكان اعتبار الرجحان في متعلقه حال الفعل حتى يستشكل بأنه يكفي الرجحان حال النذر و زيارة الحسين عليه السّلام يوم عرفة كانت راجحة في حال النذر لعدم تحقق الاستطاعة بعد فلا موجب لانحلاله و لعله لذلك حكى انه كان عمل صاحب الجواهر (قده) على ذلك حيث انه كان ينذر قبل أشهر الحج زيارة الحسين عليه السّلام يوم عرفة لئلا يتوجه عليه خطاب الحج في أشهره بل لان انحلال النذر انما هو لمكان استلزامه تفويت واجب بالنذر.

و هذا الكلام و ان كان يمكن المناقشة فيه اما من جهة ورود الدليل الدال على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 172

..........

______________________________

اعتبار عدم كونه موجبا لتحليل حرام أو تحريم حلال في اليمين دون النذر و إلغاء الخصوصية غير معلوم خصوصا مع اختلافهما في بعض الأمور كعدم اعتبار الرجحان في متعلق اليمين دون النذر.

و امّا من جهة عدم ظهور التعبير فيما يشمل الاستلزام و احتمال الاختصاص بما إذا كان نفس المتعلق حراما دون ما إذا استلزم ذلك كما في المقام.

و امّا من جهة عدم كون ترك الواجب حراما لعدم كون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهى عن ضده العام أيضا فترك الواجب ليس بحرام كما ان ترك الحرام ليس بواجب.

الا انه بعد الإغماض عن المناقشات المذكورة يكون أصل الكلام تامّا لوضوح ان المراد من الحرام و الحلال اللذين لا بد ان لا يكون النذر موجبا

لخلافهما هو الحرام و الحلال مع قطع النظر عن النذر لا الحلال و الحرام حتى مع وصف تعلق النذر كما هو ظاهر و من المعلوم ان ترك الحج مع قطع النظر عن النذر يكون محرما لفرض الاستطاعة.

ثانيها ما أفاده في المستمسك فإنه بعد ان ذكر ان الأخذ بأحد الحكمين في المقام يكون رافعا لموضوع الآخر و ان المقام لا يكون من باب المتزاحمين الواجد كل منهما لملاكه و يكون تزاحمهما في مقام الامتثال بل من قبيل المتواردين اللذين يكون كل منهما رافعا لملاك الآخر و الترجيح بالأهم لا يتحقق فيه بل يتعين فيه الرجوع الى منشأ آخر للترجيح قال: «و لا ينبغي التأمل في ان الجمع العرفي يقتضي الأخذ بالسابق دون اللاحق تنزيلا للعلل الشرعية منزلة العلل العقلية فكما ان العلل العقلية يكون السابق منهما رافعا للاحق كذلك العلل الشرعية فيلغى احتمال كون اللاحق رافعا لموضوع السابق و ان كان احتمالا معقولا في العلل الشرعية لكنه لا يعتنى به في مقام الجمع بين الدليلين».

و يرد عليه أولا منع ما ذكره من عدم تحقق الاستطاعة مع قطع النظر عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 173

..........

______________________________

وجوب الحج لأنها عبارة عن الأمور المعروفة و القدرة الشرعية لا تعتبر فيها بوجه فلا يكون وجوب الوفاء بالنذر رافعا لموضوع الاستطاعة أصلا.

و ثانيا ان تنزيل العلل الشرعية منزلة العلل العقلية فاقد للدليل بعد كون الحكم في العلل العقلية مستندا الى العقل و دعوى ان الحاكم بالجمع بين الدليلين بالنحو المذكور انما هو العرف مدفوعة بعدم ثبوت حكم العرف بذلك كما لا يخفى.

ثالثها ثبوت التزاحم بين الحكمين و كون النذر أهم من الحج فهو ينحل الى

دعويين:

إحديهما مسألة التزاحم و كون المقام من باب المتزاحمين و قد صرح بذلك بعض الأعاظم في شرحه على العروة و مستنده ان كلا من الحج و النذر فيما نحن فيه واجب لتمامية موضوعه اما الحج فلعدم كون موضوع الحج على ما يستفاد من الاخبار الواردة في تفسير الاستطاعة الواقعة في الآية الا الزاد و الراحلة و صحة البدن و تخلية السرب و كذلك سعة الوقت بحكم العقل و الفرض تحقق جميع هذه الشرائط في مفروض البحث و لم يشترط في وجوب الحج عدم مزاحمته لواجب آخر و عليه فالحج بعد تحقق جميع شرائطه واجب و لو كان مزاحما لواجب آخر.

و اما النذر فلانه لا يشترط في انعقاده الا رجحان متعلقه و المراد به هو الرجحان بالإضافة إلى الترك لا بالنسبة الى جميع الأضداد المتصورة له و من المعلوم تحققه في المقام و لم يدل دليل تعبدي على كون عدم الاستطاعة أو عدم تقدمها من شرائط انعقاده فلا مجال لإنكار انعقاد النذر.

ثانيتهما دعوى تقدم النذر على الحج و الوجه فيها ثبوت العقاب و الكفارة معا في مخالفة النذر بخلاف ترك الحج لثبوت العقاب فقط في تركه، و يمكن ان يقال في خصوص نذر زيارة عرفة بأنه أهم من الحج لما ورد من ان اللّٰه تعالى ينظر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 174

..........

______________________________

الى زوار الحسين عليه السّلام في يوم عرفة قبل ان ينظر الى الحجاج.

و يرد على استفادة الأهمية من ثبوت الكفارة منعها فان عدم ثبوت الكفارة قد يكون لأجل عظم المعصية و شدتها كما في مسألة تكرار الصيد في باب الإحرام حيث انه لا كفارة فيه و مع ذلك يقول

اللّٰه تعالى وَ مَنْ عٰادَ فَيَنْتَقِمُ اللّٰهُ مِنْهُ فان مرجعه الى ان العود لا يصلح ان يخفف بالكفارة بل يترتب عليه انتقام اللّٰه تبارك و تعالى.

و على ما ورد في باب زيارة عرفة من كثرة الثواب ان كثرته لا تدل على الأهمية فرب مستحب يكون أكثر ثوابا من الواجب مع انه لا مجال لدعوى أهمية المستحب بالإضافة إلى الواجب كما في السلام و رده حيث ان الأول مستحب و ثوابه أكثر و الثاني واجب و ثوابه أقل.

ثم انه قد ظهر لك من جميع ما ذكرنا عدم تمامية شي ء من الأدلة الثلاثة للقائلين بتقدم النذر على الحج كما انه ظهر لك أدلة القائلين بتقدم الحج و ان ما افاده بعض الاعلام في هذا المجال غير تام و ما افاده المحقق النائيني- قده- مع قطع النظر عن بعض المناقشات قابل للاستدلال و لكن العمدة هو السلوك من طريق التزاحم بضميمة دعوى تقدم الحج على النذر لما يستفاد من الكتاب و السنة مما يدل على أهميته بالإضافة إلى النذر لارتباط تركه مع الكفر و كونه مما بنى عليه الإسلام و انه يوصف تاركه بأنه يموت يهوديا أو نصرانيا و غير ذلك من التعبيرات الواردة في الحج الدالة على أهميته.

و الظاهر ان الحكم في المتن بأنه يجب عليه الحج بلا إشكال انما يكون مستندا الى هذا الوجه كما يدل عليه ذيل العبارة و هو قوله و لو زاحم الحج واجب و التعبير بالواجب بالنحو العام انما هو لعدم اختصاص الحكم بالنذر ففي الحقيقة يكون الذيل راجعا الى فرض كون الاستطاعة متقدمة على النذر أو غيره من الواجبات و انه لا بد من ملاحظة ما هو الا هم عند الشارع

الأقدس و من الواضح عدم كون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 175

[مسألة 30- لو لم يكن له زاد و راحلة و لكن قيل له: حج و على نفقتك و نفقة عيالك]

مسألة 30- لو لم يكن له زاد و راحلة و لكن قيل له: حج و على نفقتك و نفقة عيالك، أو قال: حج بهذا المال و كان كافيا لذهابه و إيابه و لعياله وجب عليه من غير فرق بين تمليكه للحج أو إباحته له، و لا بين بذل العين أو الثمن: و لا بين وجوب البذل و عدمه، و لا بين كون الباذل واحدا أو متعددا نعم يعتبر الوثوق بعدم رجوع الباذل، و لو كان عنده بعض النفقة فبذل له البقية وجب أيضا، و لو لم يبذل تمام النفقة أو نفقة عياله لم يجب، و لا يمنع الدين من وجوبه. و لو كان حالا و الدائن مطالبا و هو متمكن من أدائه لو لم يحج ففي كونه مانعا وجهان، و لا يشترط الرجوع الى الكفاية فيه، نعم يعتبر ان لا يكون الحج موجبا لاختلال أمور معاشه فيما يأتي لأجل غيبته (1)

______________________________

النذر أهم و مع ذلك لا يكون المتن خاليا عن الخلل لفرض النذر قبل الاستطاعة في أول الكلام و عدم التعرض لخصوص الاستطاعة قبل النذر و على اىّ فالظاهر ان المتن ناظر الى باب التزاحم و تقدم الحج و في الختام يرد اشكال على السيد- قده- في العروة حيث انه بعد الحكم بتقدم النذر على الحج فيما كان النذر قبل حصول الاستطاعة حكم بتقدم الحج فيما لو كان النذر بعد حصول الاستطاعة لأجل التزاحم مع انه لا فرق في التزاحم بين الفرضين كما انه لا فرق في كون العذر الشرعي كالعذر العقلي بين الصورتين فان العذر الشرعي

الذي وجد في البقاء يكون عذرا مانعا عن وجوب الحج فدليل الفرض الأول يجري في الفرض الثاني و بالعكس فلا مجال للتفصيل المذكور أصلا.

(1) قد حكى الإجماع على وجوب الحج بالبذل في جملة من الكتب الفقهية و لم ينقل من أحد الخلاف في أصل المسألة و البحث تارة من جهة مفاد الآية في نفسها مع قطع النظر عن الروايات الواردة في تفسيرها و اخرى مع ملاحظة الروايات المفسرة و ثالثة من جهة الروايات الخاصة الواردة في المسألة فنقول:

اما من الجهة الأولى فقد ذكرنا سابقا ان المراد من الاستطاعة الواردة في الآية هي الاستطاعة العرفية لأنها تكون كسائر العناوين المأخوذة في موضوعات أدلة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 176

..........

______________________________

الأحكام فكما ان المرجع في تشخيص الدم في قوله كل دم نجس هو العرف و لا يعتد بالبرهان العقلي القائم على ان اللون الضعيف الباقي في الثوب بعد غسله كاملا هو الدم لعدم كونه عند العرف كذلك، كذلك الاستطاعة الواقعة في الآية فإن الحاكم في تشخيصها هو العرف و من الواضح حكم العرف بثبوت القدرة عند البذل خصوصا إذا قيل له حج بهذا المال و كان كافيا للحج و لنفقة عياله فالاية بنفسها تدل على الوجوب بالبذل كما لا يخفى.

و اما من الجهة الثانية فقد سبق انه قد ورد في تفسير الآية طائفتان من الروايات إحديهما ما تكون ظاهرة في ان الاستطاعة عبارة عن ملكية الزاد و الراحلة لظهور اللام في قوله: له زاد و راحلة في الملكية.

ثانيتهما ما تكون ظاهرة في الأعم من الملكية و الإباحة مثل قوله- عنده ما يحج أو يجد ما يحج به أو قدر الرجل على ما

يحج به و مثله من التعبيرات.

و مر أيضا ان بعض الاعلام حكم بأنه لا موجب لحمل المطلق على المقيد و تقييد إطلاق ما يحج به بالملكية لعدم التنافي بين حصول الاستطاعة بالملكية و حصولها بالإباحة و البذل و انما يحمل المطلق على المقيد فيما إذا كان بينهما التنافي كما إذا ورد في متعلقات الاحكام بعد إحراز وحدة المطلوب و تقدم أيضا الجواب عنه بان ورود الطائفتين في تفسير الآية الشريفة و تبيين المراد من الاستطاعة الواردة فيها يوجب تحقق المنافاة بينهما و بعبارة أخرى بعد كون الطائفتين واردتين لا في مقام بيان المصداق للاستطاعة بل في مقام بيان مفهومها الواقع في الآية لا مجال للحكم بعدم تحقق المنافاة بينهما أصلا.

كما انه قد تقدم أيضا ان الجمع بين الطائفتين يمكن بان تجعل الطائفة الثانية قرينة على عدم كون المراد من اللام في الطائفة الأولى هي الملكية و ان كانت ظاهرة فيها في نفسها و ان هذا الجمع هو الجمع المقبول عند العرف و العقلاء.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 177

..........

______________________________

و يؤيده في المقام صحيحة العلاء على ما رواه الصدوق في كتاب التوحيد قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن قول اللّٰه- عز و جل- وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال يكون له ما يحج به قلت فمن عرض عليه فاستحيى؟ قال هو ممن يستطيع. «1»

فان تفسير الاستطاعة بقوله له ما يحج به ثم الحكم بان من عرض عليه الحج مستطيع ظاهر في عدم كون المراد من اللام هي الملكية و الا لم يكن مصداقا للمستطيع الواقع في الآية المفسر في صدر الرواية.

الّا ان يقال بان

ظهور اللام في الملكية محفوظ و هو قرينة على ان المراد من الذيل هو كون العرض و البذل بنحو الملكية و لكن الظاهر هو الأول و لعله يجي ء الكلام على هذه الجهة في البحث في انه هل يختص البذل الموجب للحج بما إذا كان على نحو التمليك أو يعم صورة الإباحة أيضا.

و قد انقدح مما ذكرنا ان الآية مع ملاحظة الروايات المفسرة أيضا ظاهرة في الوجوب بالبذل و لو لم يكن على نحو التمليك.

و اما من الجهة الثالثة فالعمدة في مقام الاستدلال خصوص صحيحة العلاء المروية في كتاب التوحيد المتقدمة في الجهة الثانية لأنها تامة من حيث السند و الدلالة اما من الجهة الأولى فلكونها صحيحة و اما من جهة الدلالة فلظهورها في كون من عرض عليه الحج من مصاديق المستطيع الواقع في الآية المفسر في صدر الرواية بمن يكون له ما يحج به و من الواضح عدم الشمول لما يكون عرض الحج بنحو يوجب وقوعه في الحرج و المشقة و الضيق بل بنحو تكون الاستطاعة الملكية موجبة للحج لعدم الفرق بين الاستطاعتين من هذه الجهة و كون العنوان الجامع هو له ما يحج به فدلالة الرواية خالية عن المناقشة نعم هنا

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 178

..........

______________________________

بعض الروايات التي استدل بها أيضا و لكنها غير واضحة مثل صحيحة محمد بن المسلم في حديث قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام فان عرض عليه الحج فاستحيى قال هو ممن يستطيع الحج و لم يستحيى و لو على حمار أجدع أبتر قال فان كان يستطيع ان يمشى بعضا و يركب بعضا

فليفعل «1» فإنه يحتمل فيها أمران: أحدهما: ان يكون بصدد التوبيخ على الاستحياء في جميع فروض عرض الحج و لو على حمار أجدع أبتر و مقتضاها- حينئذ- كون الاستطاعة البذلية أوسع من الاستطاعة الملكية لاختصاص الثانية بصورة عدم الحرج و كونها موافقة للشئون و الشرف و شمول الاستطاعة البذلية لمثل عرض الحج و لو على حمار أجدع أبتر و من الواضح استلزامه للحرج و مخالفة الشأن في كثير من الموارد.

ثانيهما: ان يكون بصدد التوبيخ على الاستحياء فيما يوجب عرض الحج لزومه و وجوبه و هو فيما إذا كان غير حرجي و موافقا لشأنه و شرفه و انه إذا ترك الحج في هذه الصورة لمجرد الاستحياء يجب عليه الحج بعده و لو على حمار أجدع أبتر و مقتضاها- حينئذ- لزوم الحج عليه و لو بنحو التسكع كما في الاستطاعة الملكية إذا ترك الحج فزالت الاستطاعة فإنه يجب عليه الحج متسكعا و يجرى هذان الاحتمالان في قوله فان كان يستطيع ان يمشى .. أيضا و اما احتمال ان يكون التوبيخ على الاستحياء حكما اخلاقيا لا فقهيا ففي غاية البعد و لا ينبغي الاعتناء به أصلا.

و يؤيد الاحتمال الأول رواية أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول من عرض عليه الحج و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحج «2» و يؤيد الاحتمال الثاني رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال فان كان دعاه قوم ان يحجوه فاستحيى فلم يفعل فإنه لا يسعه الا ان يخرج و لو

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب

العاشر ح- 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 179

..........

______________________________

على حمار أجدع أبتر. «1»

هذا و لكنك عرفت ان صحيحة العلاء كافية في إثبات الحكم مضافا الى كونها موافقة للفتوى و لا حاجة الى الروايات الأخر التي تجري فيها المناقشة و دعوى انه لا مانع من قيام الدليل على ثبوت حكم حرجي في مورد خاص كما قام على وجوب الحج بنحو التسكع مع ترك الحج في مورد الاستطاعة الملكية و زوالها مدفوعة- مضافا الى كونها مخالفة للفتوى في المقام لعدم ذهاب أحد إلى الوجوب في مورد عرض الحج إذا كان على حمار أجدع أبتر- بأن الوجوب في مورد التسكع ناش عن المكلف نفسه باعتبار ترك الحج و عصيان وجوبه مع وجود جميع الشرائط و في المقام لا مدخلية لإرادة المكلف فيه أصلا كما لا يخفى.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انه يقع الكلام بعد الفراغ عن أصل الحكم و ثبوته في الجملة في جهات:

الجهة الاولى في انه هل يختص الحكم بوجوب الحج بسبب الاستطاعة البذلية بما إذا كان البذل بنحو التمليك أو يعم ما إذا كان بنحو الإباحة أيضا نسب الأول إلى الحلي في السرائر فإنه بعد الحكم بأنه يعتبر في البذل نفقة العائلة أيضا و انه مع عدم بذل النفقة يصح فيمن لا تجب عليه نفقة غيره قال: بشرط ان يملكه ما يبذله و يعرض عليه لا وعد بالقول دون الفعال. و ظاهره بملاحظة التعبير بالتمليك هو اعتبار كون البذل بهذا النحو و لكن عطف قوله و يعرض عليه و نفى الوعد بالقول دون الفعال يظهر منه انه ليس مراده التمليك في مقابل الإباحة بل البذل العملي الموجب للوثوق في مقابل القول

الخالي عن الوثوق نوعا ففي الحقيقة يرجع كلامه الى اعتبار الوثوق و سيجي ء البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى.

و كيف كان فيمكن ان يستدل لهذا القول و ان لم يكن الحلّي قائلا به بصحيحة

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 180

..........

______________________________

العلاء بن رزين المتقدمة التي هي الأصل في الحكم من جهة الرواية نظرا الى الجوابين المذكورين فيها فان الجواب عن سؤال المراد من الاستطاعة بقوله: له ما يحج به إذا انضم الى الجواب عن سؤال من عرض عليه الحج بقوله هو ممن يستطيع يظهر منه ان المراد من عرض الحج هو العرض بنحو التمليك لظهور اللام في الملكية.

و لكن قد عرفت ان الجمع بين الجوابين يقتضي أن يجعل الجواب الثاني قرينة على عدم كون المراد من اللام الملكية خصوصا مع ظهور كثير من الروايات الواردة في عرض الحج هو كون العرض بنحو الإباحة و لذا ربما يقال بان القدر المتيقن من الاخبار الواردة في هذا المجال هو كون العرض بنحو الإباحة فدعوى الاختصاص بالبذل بنحو التمليك واضحة البطلان.

ثم انهم بعد الحكم بوجوب الحج بالاستطاعة البذلية الشاملة للبذل التمليكي قطعا تعرضوا لمسألة اخرى و هي ما إذا وهبه ما يكفيه للحج و حكموا فيها بعدم وجوب القبول بنحو الإطلاق كما عن الشرائع أو بالتفصيل بين ما إذا وهبه لان يحج أو وهبه و خيره بين ان يحج به أو لا و بين ما إذا وهبه و لم يذكر الحج أصلا بالحكم بوجوب القبول في الأولين دون الأخير أو بوجوب القبول في خصوص الصورة الاولى و كيف كان فمسألة الهبة اختلافية مع

ان مسألة البذل وفاقية و- ح- يقع الكلام في الفرق بين الهبة المفيدة للملكية التي لا يجب قبولها مطلقا أو في الجملة و بين البذل التمليكي الذي يظهر منهم الاتفاق على وجوب القبول فيه و المستفاد من بعض الكلمات ان الفرق هو كون البذل من الإيقاعات و لا يعتبر فيه القبول و الهبة من العقود المفتقرة إلى القبول و لكن يرد عليه ان البذل التمليكي الإيقاعي مما لا نجد له في الفقه عينا و لا أثرا فإن البذل بنحو الإباحة كما في إطعام الضيف و غيره شائع و اما البذل بنحو التمليك فمما لم يعرف بوجه و سيجي ء التحقيق في مسألة الهبة الآتية إن شاء اللّٰه تعالى.

الجهة الثانية في انه هل يختص الحكم المذكور بما إذا كان هناك بذل عين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 181

..........

______________________________

الزاد و الراحلة أو يعم صورة بذل الثمن أيضا؟ اشترط الشهيد الثاني في محكي المسالك بذل العين قال: «نعم يشترط بذل عن الزاد و الراحلة فلو بذل له أثمانهما لم يجب عليه القبول» و استظهر ذلك من عبارة التذكرة أيضا معللا ذلك بثبوت المنة في بذل الثمن.

هذا و الظاهر ان العنوان المأخوذ في الدليل و هو عرض الحج يعم صورة بذل الثمن أيضا فكما ان الاستطاعة المالية لا تتوقف على ملكية عين الزاد و الراحلة كما عرفت بل تعم ملكية أثمانهما إذا أمكن الصرف فيهما كذلك الاستطاعة البذلية و ظاهر صحيحة العلاء المتقدمة عدم كون الحكم بالوجوب في الاستطاعة البذلية ثابتا على خلاف القاعدة حتى يقال بالاقتصار على القدر المتيقن و هو ما إذا كان هناك بذل عين الزاد و الراحلة فإن ثبوته فيها

في رديف ثبوته بالاستطاعة المالية من دون فرق كما يظهر من قوله- ع- هو ممن يستطيع، و اما التعليل بالمنة كما في كلام التذكرة فغير ظاهر لان التفكيك بين البذلين من هذه الجهة مما لم يعلم وجهه.

الجهة الثالثة في انه هل يختص الحكم المذكور بما إذا كان البذل واجبا على الباذل بنذر أو شبهه أو يعم ما إذا لم يكن البذل واجبا بل مستحبا أو مباحا؟ حكى الأول عن العلامة في التذكرة حيث قال: «و ان قلنا بعدم وجوبه- اى البذل- ففي إيجاب الحج اشكال أقربه العدم لما فيه من تعليق الواجب بغير الواجب» و حكى ذلك عن جامع المقاصد أيضا.

هذا و الظاهر ان مقتضى إطلاق الأدلة هو الثاني لأن عرض الحج أعم و دعوى الاختصاص بصورة الوجوب ممنوعة خصوصا مع ملاحظة كون العرض الواجب نادرا بالإضافة إلى البذل غير الواجب.

و التعليل المذكور في كلام العلامة بظاهره مما يقطع بخلافه فإن الوجوب في الاستطاعة المالية من تعليق الواجب بغير الواجب ضرورة عدم لزوم تحصيل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 182

..........

______________________________

الاستطاعة فضلا عن مثل وجوب الإتمام عند قصد الإقامة و وجوب القصر عند السفر و كل واجب مشروط بفعل المكلف لعدم كون شرط الوجوب واجبا على ما قرر في مبحث مقدمة الواجب من مباحث الأصول.

هذا و يحتمل ان يكون مراد العلامة- قده- من الوجوب هو الوثوق و ذكر الوجوب انما هو باعتبار انّه أحد طرق تحقق الوثوق فيرجع الى الجهة الآتية.

الجهة الرابعة انه لا فرق بين كون الباذل واحدا أو متعددا و الوجه فيه إطلاق الدليل لان عرض الحج يشمل ما إذا كان العارض واحدا أو متعددا هذا و يدل

على صورة التعدد رواية معاوية بن عمار المتقدمة المشتملة على قوله- ع- فان كان دعاه قوم ان يحجوه .. فان ظاهره كون الداعي متعددا فلا فرق بين الصورتين.

الجهة الخامسة انه هل يختص الحكم المذكور بما إذا كان هناك وثوق و اطمينان بعدم رجوع الباذل و وفائه به صريح المتن الاعتبار و قد سبقه صاحب المدارك حيث قال في محكيه: «نعم لا يبعد اعتبار الوثوق بالباذل لما في التكليف بالحج بمجرد البذل مع عدم الوثوق بالباذل من التعرض للخطر على النفس المستلزم للحرج العظيم و المشقة الزائدة فكان منفيا.

أقول لا إشكال في ثبوت الحكم بالوجوب فيما إذا كان هناك وثوق و طمأنينة كما انه لا إشكال في عدم ثبوت الحكم المذكور إذا كان هناك وثوق بالرجوع و عدم الوفاء لانه يعامل معه عند العرف و العقلاء معاملة العلم و حيث انه يعتبر في الاستطاعة مطلقا البقاء فالعلم أو الوثوق بعدمه يمنع عن تحقق الوجوب و ثبوته.

إنما الإشكال في صورة الشك فان كان فيها خوف على النفس كما أشير إليه في عبارة المدارك فلا شبهة في عدم وجوب الحج لكون السفر حراما فلا يكون مستطيعا بحسب الواقع و ان لم يكن فيها خوف على النفس فلا إشكال في الاستطاعة المالية في الوجوب نظرا الى جريان استصحاب البقاء كما مر سابقا و اما في الاستطاعة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 183

..........

______________________________

البذلية فقد ذكر بعض الأعاظم- بعد الحكم بان الموضوع لوجوب الحج في المقام ليس هو قول الباذل و تعبيره بأنه حجّ و علىّ نفقتك بل الموضوع هو البذل الفعلي حدوثا و بقاء لا حدوثا فقط فالموضوع هو البذل المستمر الى آخر الاعمال

و الى ان يرجع الى وطنه- انه مع الشك في البقاء لا يمكن إثبات الوجوب بالإطلاقات لكونه من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

أقول هذا انما يتم لو لم يجر الأصل في الشبهة الموضوعية و الا فمع جريان الأصل الحاكم بالبقاء يحرز تحقق عنوان العام فاستصحاب العالمية في زيد مع الشك فيها و وجود الحالة السابقة يحكم بأنه عالم فيترتب عليه حكم العام و وجوب الإكرام و كذا المقام.

و بالجملة لم يعرف وجه للفرق بين الحكم بجريان الاستصحاب في الاستطاعة المالية مع الشك في البقاء و عدم جريانه في الاستطاعة البذلية هذا لو قلنا باعتبار الوثوق بالإضافة إلى الحكم الظاهري و هو ثبوت الوجوب ظاهرا و اما بالإضافة إلى الحكم الواقعي فيدل على عدمه إطلاق النصوص المتقدمة الحاكم بثبوت الوجوب بمجرد البذل من دون ان تكون الوثاقة دخيلة فيه أصلا كما لا يخفى.

الجهة السادسة الظاهر انه يعتبر في الاستطاعة البذلية أيضا نفقة العود لعين ما ذكر في الاستطاعة المالية من الوجه و قد عرفت ان الوجه فيها اما الاستفادة العرفية من نفس الاستطاعة إلى السفر فان المتفاهم منها عندهم وجود نفقة الذهاب أيضا كنفقة الإياب فإن عرض الحج المفروض في روايات البذل معناه بذل نفقة السفر اليه المشتمل على الأمرين و اما لزوم الحرج المنفي في كلتا الصورتين نعم قد عرفت اختصاص اعتبار هذه النفقة بمن يريد الرجوع الى وطنه أو مثله و اما من كان مراده البقاء في مكة فلا تعتبر نفقة العود بالإضافة إليه أصلا.

الجهة السابعة إذا كان المبذول بعض النفقة و كان بعضها موجودا عنده بحيث كان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 184

..........

______________________________

المجموع كافيا للحج فالمذكور

في كلمات جماعة مرسلين له إرسال المسلمات من دون تعرض لخلاف أو إشكال هو وجوب الحج فالاستطاعة المركبة تكون كإحدى الاستطاعتين: المالية و البذلية.

و قد استدل له في المدارك و الجواهر بالأولوية بالإضافة إلى الاستطاعة البذلية الكاملة و لكن الظاهر انه لا مجال لدعويها بعد عدم الإحاطة بملاكات الاحكام و ربما يستدل له بان ثبوت الحكم في الاستطاعتين يدل على ثبوته الجامع بين الأمرين.

و أورد عليه بأنه لم يثبت وجود الجامع مع التبعيض كما يتضح بملاحظة النظائر فإن ثبوت حكم لكر من حنطة و كر من شعير لا يدل على ثبوته لنصف كر من الحنطة و نصف كر من الشعير.

و الحق ان صحيحة العلاء التي هي الأصل في الحكم تدل على ثبوته في هذا الفرض أيضا فإن المعيار المستفاد منها هو ان يكون له ما يحج به بالمعنى الشامل للإباحة و هذا المعيار ينطبق على الاستطاعة المركبة في عرض انطباقها على الاستطاعتين بمعنى انه لا يستفاد حكم المقام من حكمهما بل بمعنى استفادة الجميع من نفس ذلك العنوان فله أنواع ثلاثة من دون ارتباط لأحدها بالآخر و عليه فمقتضى إطلاق الصحيحة وجوب الحج ببذل البقية.

الجهة الثامنة انه هل يعتبر في الاستطاعة البذلية نفقة العيال في مدة السفر ذهابا و إيابا إذا لم تكن النفقة موجودة عند المبذول له أو لم يتمكن من نفقتهم مع ترك الحج أيضا كما إذا كان يعمل في كل يوم و يحصل نفقة العيال لذلك اليوم و في هذه الصورة يكون السفر الى الحج موجبا لان لا تكون له نفقة العيال فهل تعتبر- ح- في الاستطاعة البذلية أم لا؟ و الظاهر ان اعتبارها هو المشهور بل يظهر من بعض الكلمات الإجماع

عليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 185

..........

______________________________

و الظاهر انه لا دلالة لشي ء من روايات البذل على اعتبار نفقة العيال فان عرض الحج لا يدل الّا على اعتبار نفقة الذهاب و الإياب و اما نفقة العيال فلا دلالة له عليه كما انه لا دلالة لدليل اعتبارها في الاستطاعة المالية على ما سيجي ء على اعتبارها في الاستطاعة البذلية كما في الرجوع الى الكفاية المعتبر فيها دونها.

فالحق ان يقال انه ان كانت النفقة واجبة على المنفق شرعا فان قلنا باعتبار القدرة الشرعية زائدة على الزاد و الراحلة و غيرهما في وجوب الحج فاللازم الحكم بعدم وجوب الحج في المقام مع عدم بذل النفقة لعدم تحقق القدرة الشرعية مع وجوب الإنفاق المتوقف على البقاء في الوطن و عدم السفر و ان لم نقل باعتبار القدرة الشرعية- كما هو الحق- فيتحقق التزاحم بين وجوب الإنفاق و وجوب الحج فان ثبت أهمية أحد الأمرين أو احتمل أهمية خصوص أحدهما فالترجيح معه و الا فالحكم هو التخيير كما في سائر موارد التزاحم.

و ان لم يكن الإنفاق واجبا عليه فتارة يكون تركه حرجيا عليه لملاحظة بعض الجهات و بعض ما يترتب على تركه من انهتاك الشأن و الحيثية و اخرى لا يكون كذلك ففي الصورة الثانية يجب الحج بلا اشكال مع عدم بذل النفقة و في الصورة الأولى الظاهر عدم الوجوب لاستلزام وجوب الحج للحرج و هو منفي كما في سائر موارد استلزام وجوبه للحرج.

الجهة التاسعة في عدم مانعية الدين من وجوب الحج بالاستطاعة البذلية و الوجه فيه ان رفع اليد من الحج و عدم قبول البذل لا يوجب التمكن من أداء الدين كما في الاستطاعة المالية حيث

يدور أمر المال بين الصرف في الحج و بين الصرف في أداء الدين و لا يمكن الجمع بين الأمرين فتتحقق مانعية الدين أو التزاحم بين الوجوبين كما مرّ البحث عنه مفصلا و اما في الاستطاعة البذلية فلا يكون في البين مال يدور امره بين الصرف في جهتين بل مال لا بد و ان يصرف في الحج فان صرف فيه و الا فلا مجال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 186

..........

______________________________

للصرف في جهة أخرى فلا وجه للمانعية أو المزاحمة.

نعم يصح هذا في الاستطاعة البذلية الكاملة و اما الاستطاعة الملفقة و المركبة فبالاضافة الى المقدار الذي يكون له تتحقق المانعية أو المزاحمة لعين ما تقدم في ذلك البحث لانه لا فرق بين كون ماله بمقدار الاستطاعة أو بمقدار بعضها أصلا و من هنا يظهر ان إطلاق المتن انّ الدين لا يمنع من وجوبه في غير محله خصوصا مع التصريح قبله بأن الاستطاعة البذلية كما تتحقق ببذل تمام النفقة كذلك تتحقق ببذل البعض مع وجود البعض الأخر.

بقي الكلام في هذه الجهة فيما أفاده بصورة الاستدراك و الاستثناء و انه لو كان الدين حالا و الدائن مطالبا و هو يتمكن من أدائه لو لم يحج ففي كونه مانعا وجهان:

وجه عدم كونه مانعا إطلاق النصوص و الفتاوى اما إطلاق النصوص فلعدم التعرض فيها للدين و ان المعيار في وجوب الحج بالبذل هو مجرد عرض الحج عليه و تحقق البذل من دون فرق بين ما إذا كان هناك دين و ما إذا لم يكن، و اما إطلاق الفتاوى فلتصريح كثير من الكلمات و العبارات بعدم كون الدين مانعا في الاستطاعة البذلية من دون فرق بين فروضه

و صوره.

و وجه المانعية بعد ملاحظة وجوب السعي في أداء الدين و تحصيل القدرة عليه ان الملاك في مانعية الدين في الاستطاعة المالية متحقق هنا و كذلك المزاحمة على تقديرها كما اخترناه غاية الأمران منشأ التزاحم هناك عدم التمكن من صرف المال في الأمرين الحج و أداء الدين و اما منشأ التزاحم هنا فهو عدم التمكن من صرف الوقت- مثلا- في كليهما لانه على تقدير عدم الحج يكتسب كل يوم- مثلا- و يقدر بذلك على أداء الدين و بالأخرة لا يقدر على الجمع بين الأمرين و الظاهر من الوجهين هو الوجه الأخير لما عرفت في دليله.

الجهة العاشرة في انه لا يشترط الرجوع الى الكفاية في وجوب الحج بالبذل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 187

..........

______________________________

و ان قلنا باشتراطه في الوجوب بالاستطاعة المالية و الوجه فيه عدم جريان دليل الاشتراط هناك في المقام سواء كان الدليل هي قاعدة نفى الحرج أو كان الدليل هي الرواية امّا القاعدة فعدم جريانها في المقام واضح لانه ليس هناك مال لو لم يصرفه في الحج يتمكن من صرفه في مخارجه بعد الرجوع من سفر الحج بخلاف الاستطاعة المالية التي لو لم تصرف في الحج يستعين بها على نفقته و نفقة عياله بعد العود ففي المقام لا يكون الا مجرّد الضيافة، و الاستفادة منها و عدمها سيّان فيما يتعلق بحال الشخص من جهة النفقة و عليه فلا مجال للحكم بالاشتراط بعد كون الوجه فيه هي قاعدة نفى الحرج غير الجارية في المقام.

و اما الرواية فالعمدة هي رواية أبي الربيع الشامي على نقل المفيد- قده- قال سئل أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن قول اللّٰه- عز و

جل- وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فقال ما يقول الناس قال فقلت له: الزاد و الراحلة قال فقال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- قد سئل أبو جعفر- عليه السّلام- عن هذا فقال هلك الناس إذا لئن كان من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت عياله و يستغنى به عن الناس يجب عليه ان يحج بذلك ثم يرجع فيسئل الناس بكفه لقد هلك إذا فقيل له فما السبيل؟ قال: فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض و يبقى بعضها لقوت عياله. «1»

و المناقشة في السند من جهة أبي الربيع مدفوعة اما من جهة وقوعه في أسانيد تفسير على بن إبراهيم و اما من جهة فتوى المشهور على طبق روايته الجابرة للضعف و اما الدلالة فموردها هي الاستطاعة المالية و لم يقم دليل على ان كل ما اعتبر فيها يكون معتبرا في الاستطاعة البذلية أيضا خصوصا مع إطلاق نصوصها.

بقي الكلام في الصورة التي استدركها في المتن و هو انه يعتبر ان لا يكون الحج موجبا لاختلال أمور معاشه فيما يأتي لأجل غيبته و ذلك كما لو فرض ان

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 188

[مسألة 31- لو وهبه ما يكفيه للحج لان يحج وجب عليه القبول على الأقوى]

مسألة 31- لو وهبه ما يكفيه للحج لان يحج وجب عليه القبول على الأقوى، و كذا لو وهبه و خيره بين ان يحج أو لا، و اما لو لم يذكر الحج بوجه فالظاهر عدم وجوبه.

و لو وقف شخص لمن يحج أو اوصى أو نذر كذلك فبذل المتصدي الشرعي وجب، و كذا لو اوصى له بما يكفيه بشرط ان بحج

فيجب بعد موته و لو أعطاه خمسا أو زكاة و شرط عليه الحج لغا الشرط و لم يجب نعم لو أعطاه من سهم سبيل اللّٰه ليحج لا يجوز صرفه في غيره و لكن لا يجب عليه القبول، و لا يكون من الاستطاعة المالية و لا البذلية، و لو استطاع بعد ذلك وجب عليه الحج. (1)

______________________________

الشخص يكون عاملا للحكومة أو غيرها بحيث لو فرض انه ان صرف الوقت في الحج يضر ذلك بحاله و يوجب ان ينعزل من عمله و هو يقتضي اختلال أمور معاشه لعدم طريق آخر له لتأمين المعاش، و كما لو فرض ان له كسبا في أيام الحج يوجب تأمين معاشه في تمام السنة و إذا صرف هذه الأيام في الحج يستلزم الإخلال بمعاشه و الوجه في الاستدراك هو استلزام وجوب الحج في هذه الصورة لتحقق الحرج و مقتضى القاعدة نفيه فلا مجال للحكم بالوجوب فيها أصلا كما لا يخفى.

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات:

المقام الأول فيما إذا وهبه ما يكفيه للحج و قد فرض فيه فروض ثلاثة لأنه تارة يهبه ما يكفيه للحج لان يحج و اخرى يهبه ذلك و يخيره بين ان يحج أولا و ثالثة يهبه و لا يذكر الحج لا تعيينا و لا تخييرا.

و الأقوال في هذه الفروض مختلفة فمقتضى إطلاق المحقق في الشرائع عدم وجوب القبول في شي ء من الفروض حيث قال بعد مسألة البذل: «و لو وهب له مال لم يجب عليه قبوله» و كذا العلامة في محكي القواعد و قد صرح بهذا الإطلاق صاحب الجواهر- قده- تبعا لصاحب المسالك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 189

..........

______________________________

و في مقابل هذا القول،

القول بوجوب قبول الهبة مطلقا و في جميع فروضه الثلاثة و هو مختار صاحبي المدارك و المستند على ما حكى عنهما.

و القول الثالث هو التفصيل بين الفروض و فيه أيضا قولان:

أحدهما ما في المتن و في العروة من الحكم بوجوب القبول في الفرضين الأولين دون الثالث و قد اختاره بعض الأعاظم في شرحه على العروة.

و ثانيهما الحكم بوجوب القبول في خصوص الفرض الأول دون الأخيرين يظهر ذلك من المستمسك و من بعض الاعلام في الشرح فالأقوال في مسألة الهبة أربعة و إذا لو حظ ذلك مع ما تقدم من كون وجوب القبول في مسألة البذل اتفاقيّا و لم ينقل الخلاف فيه من أحد يظهر انه ان كان البذل بنحو الإباحة يكون الفرق بين المسألتين واضحا لأن الهبة عقد يفتقر إلى الإيجاب و القبول و يؤثر في حصول الملكية و البذل إيقاع يؤثر في الإباحة.

و اما إذا كان البذل بنحو التمليك فبعد اشتراكه مع الهبة في الأثر لا بد من الالتزام بكون البذل إيقاعا مؤثرا في الملكية و قد عرفت انه غير معهود و يظهر من صاحب الجواهر انه واضح المنع حيث قال في مقام الجواب عن توهم الفرق بين الهبة و بين البذل التمليكي بأنه يفيد التمليك بلا قبول بخلاف الهبة: «إذ هو كما ترى واضح المنع» و قد استظهر هو من نصوص البذل خصوص صورة إباحة أكل الزاد و ركوب الراحلة أو الإباحة المطلقة الشاملة للتملك ان اراده و ان كان هذا الاستظهار ممنوعا لا لوجود البذل التمليكي بل لعدم اختصاص النصوص بالبذل و شمولها للهبة أيضا.

و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في وجوب القبول في الفرض الأول لأن العنوان المأخوذ في النص الذي

هو الأصل في الحكم هو «من عرض عليه الحج» و هو كما يشمل البذل للحج كذلك يشمل الهبة لأن يحج أيضا لعدم الفرق بينهما من جهة صدق العنوان و ما استظهره صاحب الجواهر غير ظاهر بل الظاهر ما ذكرنا و ما في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 190

..........

______________________________

محكي المسالك من ان قبول الهبة نوع من الاكتساب و هو غير واجب للحج لان وجوبه مشروط بوجود الاستطاعة فلا يجب تحصيل شرطه بخلاف الواجب المطلق يرد عليه انه مع شمول الرواية و حكمها بوجوب القبول لا يبقى مجال لهذا الاستدلال نعم يتم ذلك في مورد لا يشمله النص كالفرض الثالث الآتي.

و اما الفرض الثاني و هو فرض التخيير فربما يناقش في الحكم بوجوب القبول فيه تارة من جهة ظهور عرض الحج المذكور في النصوص في عرضه على التعيين لا على التخيير و اخرى من جهة ان التخيير يرجع الى ان بذله للحج مشروط بعدم صرفه المبذول في جهة أخرى أو الإبقاء عنده و لا يجب على المبذول له تحصيل الشرط و بعبارة أخرى موضوع الوجوب هو البذل للحج و الهبة مع التخيير بذل للجامع و بذل الجامع لا يكون بذلا للحج بشخصه.

و يدفع المناقشة الأولى منع الظهور فيما ذكر فان عرض الحج عنوان عام كما يشمل العرض بنحو التعيين كذلك يشمل العرض بنحو التخيير.

و المناقشة الثانية بأن التخيير في المقام انما هو كالتخيير في الواجب التخييري فكما انه يتصف الطرفان أو الأطراف في الواجب التخييري بالوجوب و لا ينافي اتصاف بعض الأطراف بالوجوب اتصاف الآخر به أيضا فكذلك المقام فان كلا من الحج و زيارة الحسين عليه السّلام مثلا- يصدق عليه

انه معروض عليه و لا ينافي عرض الزيارة عليه عرض الحج أصلا و الملاك هو صدق عنوان الدليل فهل يمكن ان يقال بأنه مع تصريح الواهب بالحج و ذكره بالخصوص و لو على نحو التخيير انه لم يعرض عليه الحج فهذه المناقشة أشبه بالاجتهاد في مقابل النص.

و اما الفرض الثالث و هو الهبة المطلقة من دون تعرض للحج لا تعيينا و لا تخييرا فالظاهر عدم وجوب القبول لانه لا يصدق بمجرد الهبة كذلك انه عرض عليه الحج فمن وهب ماله لولده محبة منه اليه و تفضلا له عليه لا يصدق على عمله انه عرض الحج

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 191

..........

______________________________

على ابنه و الملاك هو صدق هذا العنوان فالظاهر- ح- عدم وجوب القبول في خصوص هذا الفرض و قد ظهر مما ذكرنا ان الأقوى في مسألة الهبة ما في المتن و العروة من التفصيل.

المقام الثاني فيما إذا وقف شخص لمن يحج فبذل المتولي ما يكفيه له أو اوصى شخص كذلك فبذل الوصي ذلك أو نذر شخص كذلك فبذل الناذر ذلك أو اوصى شخص لخصوص زيد- مثلا- ما يكفيه بشرط ان يحج و الظاهر وجوب الحج في جميع هذه الفروض لتحقق الاستطاعة البذلية و صدق عرض الحج عليه في تمامها لعدم الفرق بمقتضى إطلاق العنوان بين كون الباذل العارض مالكا لما يبذله إباحة أو تمليكا و بين ان يكون غير مالك و لكن كان له البذل شرعا بمقتضى التولية أو الوصاية نعم لا مجال لتوهم الشمول لما إذا بذل مال الغير بنحو غير مشروع.

و اما مع المشروعية فلا وجه لتخيل عدم شمول الإطلاق مع انه يمكن ان يقال ان الباذل

الحقيقي هو الواقف أو الموصى و المتولي و الوصي هما بمنزلة الوكيل في البذل و كيف كان لا شبهة في الحكم أصلا نعم يرد على فرض النذر انه تكرار لما سبق في أول مبحث البذل من انه لا فرق في وجوب الحج بالبذل بين ما إذا كان البذل واجبا و بين غيره فان البذل الواجب هو البذل الواجب بالنذر و شبهه و يمكن ان يقال بان الفرق بين الموردين انما هو في ان المورد الأول ما إذا كان النذر متعلقا بالبذل الذي هو فعله و اما هذا المورد فالمراد منه ما إذا كان المنذور صيرورة من يحج مالكا بنحو النتيجة فتدبر.

المقام الثالث فيما لو أعطاه خمسا أو زكاة بمقدار ما يكفيه للحج و شرط عليه ان يحج و الكلام يقع تارة في صحة الشرط و عدمها و اخرى انه بعد عدم الصحة هل يجب عليه الحج أم لا و ثالثة في ثبوت الفرق في الزكاة بين ما إذا كانت من سهم الفقراء و بين ما إذا كانت من سهم سبيل اللّٰه و عدمه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 192

..........

______________________________

اما من الجهة الأولى فقد استظهر السيد- قده- في العروة صحة الشرط و صرح الماتن- أدام اللّٰه ظله الشريف- باللغوية و عدم الصحة.

و الوجه في العدم عدم ثبوت ولاية و سلطنة للدافع المعطى على تعيين المصرف غاية الأمر ثبوت الولاية له على تعيين المستحق في باب الزكاة بل و في باب الخمس- على خلاف- و لا ملازمة لهذه الولاية و الولاية على تعيين المصرف خصوصا على تقدير القول بالإشاعة الذي يرجع الى الاشتراك فإنه لا مجال لأحد الشريكين عند دفع سهم الشريك

الآخر اليه ان يعين له المصرف بل يكون سهمه امانة عنده يتحقق ردها بالدفع اليه كما انه يمكن ان يقال بان المقدار الذي يدفع بعنوان الخمس هي مئونة السنة و ان الحج خارج عنها فلا مجال- ح- لشرط الحج و قد صرح السيد- قد- في مسائل ختام الزكاة انه لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحج أو نحوهما من القربات و عليه فيتحقق التهافت بين كلامية.

و كيف كان فقد ذكر بعض الاعلام وجها آخر لعدم صحة الشرط و ملخصه ان التعليق و الاشتراط الذي مرجعه الى الالتزام المرتبط بالالتزام العقدي انما يجري في الأمور القابلة للتعليق كالأمور الاعتبارية و اما التكوينية فهي غير قابلة للتقييد لان التقييد انما يصح في مورد الإطلاق و السعة و الأمر الخارجي التكويني في نفسه مضيق و غير قابل لعروض التقييد عليه نظير الايتمام الخارجي بالإمام الحاضر فإن الايتمام قد حصل و تحقق خارجا سواء كان الامام زيدا أو عمرا و انما الدواعي تختلف باختلاف الموارد و بالجملة الأمور التكوينية الخارجية تتصف بالوجود و العدم و لا يجرى فيها التعليق و عليه فالواجب في المقام الذي وجب عليه الخمس أو الزكاة هو الإعطاء و الإيتاء و هو أمر خارجي غير قابل للتعليق و اما الملكية الشرعية فليست تحت يده و اختياره و انما هي بيد الشارع فما هو تحت يده لا يقبل التعليق و ما هو قابل له خارج عن يده و اختياره فلا مجال للتعليق في المقام أصلا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 193

..........

______________________________

و يرد عليه- مضافا الى النقض بموارد كثيرة مثل الواجب المشروط بناء على مبنى الشيخ الأعظم الأنصاري-

قده- من رجوع القيد إلى المادة و كون المجي ء في مثل أكرم زيدا ان جاءك قيدا لزيد الذي يجب إكرامه و معناه وجوب إكرام زيد الجائي بل و على مبنى المشهور من رجوع القيد إلى الهيئة التي وضعها كوضع العرف اى يكون وضعها عاما و الموضوع له خاصا.

و مثل العناوين القصدية التي يعتبر في تحققها القصد فان ضرب اليتيم إذا كان بقصد التأديب يترتب عليه هذا العنوان الراجح و إذا كان بقصد الظلم و الإيذاء ينطبق عليه عنوان الظلم مع انه في الخارج ليس الا شيئا واحدا.

و مثل مسألة الايتمام التي تقدمت نظرا الى ما مر من انه لا مجال لإنكار ثبوت صورتين فيها بحسب الواقع فإن الايتمام على كل تقدير سواء كان الامام زيدا أم عمروا يغاير الايتمام المقيد بكونه زيدا و قد انكشف خلافه.

- ان الموجود الخارجي إذا لو حظ مع وصف كونه صادرا بالإرادة و الاختيار لا بنحو الإطلاق الشامل للإكراه و الإجبار فلا بدّ في تحققه من الإرادة الناشئة عن مباديها فإذا كان من جملة مباديها التصديق بفائدة المراد و فرض ان الفائدة التي قد صدقها كانت منحصرة بصورة خاصة فلا بد من ان يقال ان الإرادة انما تعلقت بصدورها بهذه الكيفية و عليه فما هو الصادر في الخارج يكون من حين صدورها محدودا و مقيدا لعدم تعلق الإرادة بغير المحدود و المقيد أصلا و لعله تخيل ان مراد القائل بالتقييد في الأمر الخارجي هو تقييده بعد وجوده و تحققه في الخارج مع ان مراده هو التقييد في مرحلة قبل التحقق في الخارج بحيث كان الواقع مقيدا من أول الأمر ففي المقام إذا كان الإعطاء مشروطا بالحج فمعناه ان الإعطاء الإرادي

انما تحقق مقيدا لعدم التصديق بالفائدة في غيره فهو و ان كان امرا خارجيا الا انه صدر و تحقق مقيدا لا انه وجد ثم قيد كما لا يخفى و قد ظهر بما ذكرنا بطلان هذا الوجه و ان منشأ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 194

..........

______________________________

لغوية الشرط في المقام عدم ثبوت الولاية للمعطي بالإضافة إلى تعيين المصرف أصلا هذا تمام الكلام في الجهة الاولى.

و اما الجهة الثانية فإن قلنا بصحة الشرط فاللازم وجوب القبول و وجوب الحج لانه يصدق عليه انه عرض عليه الحج و لو من طريق الاشتراط المشروع نعم قد عرفت ان صحة الشرط تبتنى أيضا على ان يكون الحج معدودا من مئونة السنة في باب الخمس نظرا الى ان الزيارات كلها معدودات من المئونة و الا فلا يبقى مجال لهذا الاشتراط و لو قلنا بثبوت الولاية للمعطي على تعيين المصرف و بالجملة فعلى تقدير صحة الاشتراط يجب القبول و الحج.

و اما ان قلنا بلغوية الشرط فالظاهر كما في المتن من عدم وجوب الحج- حينئذ- لأنه بعد فرض اللغوية يكون وجود هذا الشرط كالعدم فلا يصدق عنوان عرض الحج معه خلافا لما في المستمسك من انه لو بنى على بطلان الشرط أمكن ان يدعى الوجوب بلحاظ صدق العرض فتشمله نصوص البذل فيجب عليه الحج للاستطاعة البذلية لا لصحة الشرط، مع انك عرفت ان مرجع اللغوية إلى كون وجوده كالعدم و لا مجال لصدق العرض- حينئذ- كما لا يخفى.

و اما الجهة الثالثة فالكلام فيها تارة من حيث وجوب القبول و عدمه و اخرى من حيث انه بعد عدم وجوب القبول إذا قبل ما حكمه؟ و قبل البحث من الحيثيتين

لا بد من التنبيه على أمر و هو انه لا إشكال في هذا الفرض في صحة الشرط و لم يناقش فيها أحد ممن تعرض و الوجه فيه ان اشتراط الحج في هذا الفرض لا يرجع الى تعيين المصرف كما في الفرض المتقدم بل الى تعيين مصداق من مصاديق سبيل اللّٰه فكما ان تعيين المستحق في ذلك الفرض كان بيده و له الولاية عليه كذلك تعيين شي ء من مصاديق سبيل اللّٰه و عليه لا مجال للمناقشة في صحة الشرط في هذا الفرض و نقول بعد ذلك:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 195

..........

______________________________

اما البحث من الحيثية الأولى فقد صرح بعض الاعلام- تبعا للسيد في العروة- بوجوب القبول بناء على عدم اختصاص سبيل اللّٰه بالمصالح العامة و شموله لمثل الحج من المصالح الفردية نظرا إلى انه يصير بذلك مستطيعا و الظاهر ان مراده صدق عنوان «عرض الحج» عليه لانه بعد ما كان الاشتراط في هذا الفرض جائزا و لا يكون وجوده كالعدم يتحقق هذا العنوان فيجب عليه القبول لتحقق الاستطاعة البذلية.

و عليه فلا بد للقائل بعدم وجوب القبول المنع من تحقق العنوان في المقام و الوجه فيه ان الظاهر من عرض الحج على شخص هو عرضه عليه لان يحج لنفسه مثل ما إذا كان مستطيعا بالاستطاعة المالية فالحج يضاف الى من عرض عليه و له جميع ما يترتب عليه من الثواب و الأجر و لذا لا يصدق هذا العنوان فيما إذا كان الحج المعروض حجا استيجاريا و نيابيا مع ان ظاهر العنوان الصدق في هذه الصورة أيضا فإذا فرض عدم الصدق فيها لوضوح عدم وجوب القبول في الحج الاستيجاري و لم يقل أحد

بالوجوب فيه فالظاهر عدم الصدق في المقام أيضا لأن الحج فيه بما انه مصداق من مصاديق سبيل اللّٰه يكون الإتيان به مسقطا للتكليف المتوجه الى المعطى فالإضافة في الحقيقة مرتبطة اليه و ان كان في البين ترتب الثواب بالنسبة إلى المعروض عليه أيضا لكن هذا الثواب ثابت في الحج النيابي أيضا.

و بالجملة فالظاهر بملاحظة ما ذكرنا من مدخلية الحج المزبور في سقوط التكليف عن المعطى عدم صدق العنوان المذكور فلا دليل على وجوب القبول و عليه فالحق ما في المتن.

و اما البحث من الحيثية الثانية فالظاهر انه بعد القبول و ان كان غير واجب يجب عليه الصرف في الحج و لا يجوز صرفه في غيره و لكن هذا الحج لا يكون حج المستطيع لا بالاستطاعة المالية و لا بالاستطاعة البذلية أما الأولى فواضحة و اما الثانية فلان المفروض عدم صدق العنوان المأخوذ في نصوص البذل و عليه فيكون هذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 196

[مسألة 32- يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام]

مسألة 32- يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام و كذا بعده على الأقوى، و لو وهبه للحج فقبل فالظاهر جريان حكم سائر الهبات عليه، و لو رجع عنه في أثناء الطريق فلا يبعد ان يجب عليه نفقة عوده، و لو رجع بعد الإحرام فلا يبعد وجوب بذل نفقة إتمام الحج عليه (1)

______________________________

الحج كالحج الواجب بالنذر و شبهه و من المعلوم انه لا يجزى عن حجة الإسلام إذا استطاع بعدا هذا و في العبارة خلل و حقها ان يقال نعم لو أعطاه سهم من سهم سبيل اللّٰه ليحج لا يجب عليه القبول و لكنه إذا قبل لا يجوز صرفه في غيره و

لا يكون من الاستطاعة المالية .. فتأمل في الفرق بين العبارتين.

(1) في هذه المسألة فروع: الأول الرجوع عن البذل قبل الدخول في الإحرام و الظاهر انه لا اشكال عندهم في الجواز و هو كذلك لو كان البذل بنحو الإباحة ضرورة ان مقتضى سلطنة الناس على أموالهم جواز الرجوع حتى فيما صرح ابتداء ببقاء الإباحة لكان التصريح بذلك لا يمنع عن الرجوع بالإضافة إلى البقاء فهو اى المال في كل حال باختياره و تحت سلطنته فيجوز لمن قدم طعاما الى غيره للأكل ان يرجع عن إباحته في وسط الأكل و قبل تمامه فلا إشكال في الجواز مطلقا فيما لو كان البذل بنحو الإباحة.

و اما لو كان بنحو التمليك فظاهر إطلاقهم جواز الرجوع في هذه الصورة أيضا مع ان الظاهر انه لم يقم دليل عليه لانه لا مجال لقاعدة السلطنة هنا بعد فرض خروجه عن ملكه و كما ان الأصل في العقود اللزوم كذلك الأصل في الإيقاعات كالعتق و نحوه و قد قام الدليل على جواز الرجوع في الطلاق بالإضافة الى أحد نوعيه و هو الطلاق الرجعي و بالجملة لا بد من اقامة الدليل على الجواز في هذه الصورة و لم يثبت ذلك و لعل إطلاقهم جواز الرجوع انما يكون لأجل أن المرتكز عندهم كون البذل الإيقاعي انما يكون بنحو الإباحة دون التمليك و ان صرح بالتعميم في أول مسألة البذل كما في المتن على ما تقدم.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 197

..........

______________________________

الثاني الرجوع عن البذل بعد الدخول في الإحرام و قد حكم في المتن بأن الأقوى هو الجواز خلافا للمحقق النائيني- قده- في رسالته في مناسك الحج حيث قال و اما

بعد إحرامه فالأقوى لزوم البذل و لغوية رجوعه نحو ما مر من لغوية رجوع مالك المكان عن اذنه في الصلاة فيه بعد الإحرام لها.

و يظهر من السيد- قده- في العروة التوقف حيث ذكر ان في المسألة وجهين من دون ان يرجح أحدهما على الأخر.

و كيف كان فمقتضى قاعدة السلطنة الجواز في هذه الصورة أيضا و لكن التشبيه الواقع في كلام المحقق النائيني- قده- إشارة إلى دليل على المنع و لذا لا بد من ملاحظته فنقول تارة يبحث فيه من جهة المشبه به و المقيس عليه و اخرى من جهة صحة التشبيه على تقدير تسليم ثبوت الحكم في المشبه به و عدمها.

اما من الجهة الأولى فربما يناقش في لغوية رجوع المالك عن اذنه في أثناء الصلاة تارة من جهة ان منشأ الحكم باللغوية هو وجوب إتمام الصلاة على المصلى و حرمة القطع مع ان الدليل على حرمة القطع هو الإجماع و القدر المتيقن منه غير المقام فإنه لم يحرز ثبوت الإجماع مع تصريح المالك بعدم رضاه بان يتم صلوته في منزله فلا دليل على حرمة القطع حتى تكون منشأ لعدم جواز الرجوع و لغويته كما لا يخفى.

و اخرى من جهة ان لزوم الإتمام انما هو فيما إذا كان الإتمام صالحا لان يقع صحيحا و قابلا للاتصاف بالصحة ضرورة انه لا مجال للحكم بوجوب الإتمام فيما إذا خرج منه الحدث غير الاختياري لعدم صلاحية الأجزاء الباقية للاتصاف بالصحة أصلا و المقام أيضا من هذا القبيل ضرورة انه مع رجوع المالك يصير التصرف في داره محرما و عليه فالاجزاء الباقية من الصلاة يكون إيقاعها فيه موردا لاجتماع الأمر و النهى فان قلنا بالامتناع و تقديم جانب النهي أو

بالاجتماع و ان لازمة ليس هي صحة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 198

..........

______________________________

الصلاة بل بطلانها كما اختاره سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي- قدس سره- و احتمله سيدنا المحقق الأستاذ الماتن- دام ظله- فلا يبقى مجال للحكم بوجوب الإتمام و حرمة القطع أصلا لعدم إمكان اتصاف الأجزاء الباقية بالصحة بناء على ما ذكر.

و اما من الجهة الثانية فلانه على تقدير تسليم الحكم في المقيس عليه نمنع ثبوت الحكم في المقام: اما لأجل عدم وجوب الإتمام في المقام لان الحج الذي يجب إتمامه ما كان الشروع فيه بعنوان الندب أو ما كان الشروع فيه بعنوان الوجوب مع بقاء الاستطاعة و عدم زوالها و اما ما شرع فيه عن استطاعة ثم زالت الاستطاعة قبل الإتمام بالسرقة و غيرها فالظاهر انه لا يجب إتمامه و المقام من هذا القبيل لعدم الفرق بين الاستطاعة المالية و الاستطاعة البذلية من هذه الجهة و بالجملة بعد ما كان مقتضى قاعدة السلطنة جواز الرجوع بعد الإحرام أيضا لم ينهض دليل في مقابلها حتى يمنع عن جريانها لان المانع هو وجوب الإتمام و لم يدل عليه دليل في المقام.

و اما لان الإتمام على تقدير وجوبه لا يتوقف على لغوية الرجوع و عدم تأثيره مطلقا لانه يمكن الإتمام من طريق آخر كالاستدانة و الاستيهاب و العمل للغير و الخدمة له بالأجرة و غيرها من الطرق نعم يتوقف عليها في بعض الصور و هو ما لم يكن له طريق إلى الإتمام غير ما بذل له.

و اما لأجل انه على تقدير ثبوت التوقف دائما لا مطابقة بين الدليل و المدعى لان المدعي هي لغوية الرجوع التي مرجعها الى لزوم ان يكون الزاد

و الراحلة المبذولتان عنده الى آخر اعمال الحج و الدليل يقتضي ضمان الباذل لمصاريف الإتمام بلحاظ ان الاذن في الحج اذن في الإتمام و هو يتوقف على مصاريف و اللازم على الباذل بصورة الضمان بذل تلك المصاريف و من الواضح ان الضمان أمر و لغوية الرجوع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 199

..........

______________________________

أمر آخر و ربما يترتب ثمرة عملية كما إذا كانت المصاريف أقل مما ينقسم على الإتمام من المبذول كما إذا كان المبذول زائدا على مصرف الحج بضعفين أو أكثر و عليه فالدليل لا ينطبق على المدعى و قد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم تمامية الدليل الذي اعتمد عليه المحقق النائيني- قده.

و ربما يستشهد على عدم جواز الرجوع في مثل المقام بما وقع التسالم عليه من عدم جواز رجوع المالك الاذن في رهن ملكه عن الرهن بعد تحققه و لكن يرد عليه- مضافا الى انه يكون في المقامات المختلفة موارد جوزوا- للمالك فيها الرجوع و لم يقم دليل على ان المقام هل يكون من قبيل الموارد الجائزة أو يكون من قبيل الموارد غير الجائزة- وضوح الفرق بين المقام و بين الرهن فإنه هناك يكون حدوث الرهن موجبا لتعلق حق المرتهن بالعين المرهونة و مقتضى قاعدة السلطنة الثابتة له عدم جواز التصرف في العين المرهونة بما ينافي كونها رهنا و لذا يتوقف بيع العين المرهونة من الراهن على اجازة المرتهن كما ثبت في محله و بالجملة تصير العين بعد الرهن متعلقة لحق الغير و اما في المقام فلم يتعلق حق من المبذول له بعد تحقق البذل فالمقايسة في غير محلها.

ثم انه ربما يستظهر ان الوجه في توقف السيد- قده-

في العروة في الحكم بجواز الرجوع في المقام مع انه أفتى بجواز الرجوع في مسألة الصلاة المذكورة في كلام المحقق النائيني- قده- هو التمسك بقاعدة الغرور المعروفة المدلول عليها بقوله- ص- المغرور يرجع الى من غره و هذا الحديث و ان لم يوجد- على ما قاله بعض المتتبعين في الأحاديث- في شي ء من كتب الأحاديث العامة و الخاصة و ان أسنده إلى النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- بعض الأعاظم من الفقهاء كالمحقق الكركي و صاحب الجواهر الا ان الدليل عليها لا ينحصر بالرواية النبوية بل يدل عليها الإجماع و تسالم الأصحاب و السيرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 200

..........

______________________________

العقلائية و الروايات الواردة في تدليس الزوجة من جهة إراءتها حرة مع كونها امة و من جهة العيوب المختلفة و قد وقع في بعضها التعليل بقوله عليه السّلام: كما غر الرجل و خدعه و بالجملة لا مجال للإشكال في حجية القاعدة و كونها من القواعد الفقهية المسلمة و قد تعرضنا لها مفصلا في كتابنا في القواعد الفقهية الا أن الاشكال في صحة الاستدلال بها للمقام.

تارة من جهة عدم تحقق عنوان الغرور هنا لان تحققه انما هو في مثل ما إذا قدم طعام الغير المغصوب الى ضيفه الجاهل بالحال مع ان معنى الضيافة و ظاهرها كون الطعام لنفسه و اما في المقام فلم يتحقق من المالك الا مجرد الإباحة و هي لا تنافي الرجوع حتى فيما لو صرح ببقائها بل الإباحة موضوع لجواز الرجوع كما ان الطلاق الرجعي موضوع لجواز الرجوع و لا دلالة لإيقاعه على انه لا يرجع و لا يتحقق فيه الرجوع بل هو إنشاء الفراق بنحو قابل للرجوع

و في المقام تكون خصوصية الإباحة في مقابل التمليك هي جواز الرجوع بمقتضى قاعدة السلطنة غير الجارية في صورة التمليك و عليه فلا مجال لان يقال ان إنشاء الإباحة ظاهر في عدم الرجوع و تغرير للمباح له و إيقاع له في خلاف ما هو الظاهر منه.

نعم ربما يقترن التصريح بعدم الرجوع في الإباحة بإنشائها و يكون مقتضى التصريح- حينئذ- الوعد بالعدم و انه لا يخلف في وعده و- حينئذ- يتحقق التعزير لأجل هذا التصريح لا لأجل أصل إنشاء الإباحة كما لا يخفى.

و اخرى من جهة ان صدق الغرور يتوقف على علم الغار و جهل المغرور و ربما يقال بأنه يعتبر فيه زائدا على العلم قصد إيقاع المغرور في خلاف الواقع لان الغرور من العناوين القصدية المتقومة بالقصد فإذا لم يكن الغار قاصدا للإيقاع في خلاف الواقع لا يتحقق الغرور و ان ناقشنا في اعتبار القصد فيه في كتابنا في القواعد الفقهية و كيف كان فلا شبهة في اعتبار علم الغار مع ان فرضه في المقام الذي يتحقق منه البذل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 201

[مسألة 33- الظاهر ان ثمن الهدى على الباذل]

مسألة 33- الظاهر ان ثمن الهدى على الباذل، و اما الكفارات فليست على الباذل و ان اتى بموجبها اضطرارا أو جهلا أو نسيانا بل على نفسه (1)

______________________________

للحج باختياره في غاية الندرة.

و ثالثة من جهة ما أشرنا إليه من ان مقتضى قاعدة الغرور ضمان الغار و الكلام في المقام ليس في الضمان و عدمه بل في جواز الرجوع و لغويته و هما أمر ان غير مرتبطان فلا يكون الدليل على الضمان دليلا على لغوية الرجوع التي هي محل البحث و الكلام.

و قد انقدح من جميع

ما ذكرنا ان الأقوى ما في المتن من جواز الرجوع بعد الإحرام أيضا غاية الأمر انه إذا كان الرجوع قبل الإحرام يجب عليه نفقة عوده الى وطنه و ان كان بعد الإحرام فالمذكور في المتن وجوب نفقة الإتمام أيضا و هو يبتنى على وجوب الإتمام على المبذول له و قد مرت المناقشة فيه هذا كله في البذل و اما الهبة الموجبة للملكية فجواز الرجوع فيها و عدمه انما هو مثل جواز الرجوع و عدمه في الهبات الأخرى لأن المقام مصداق من مصاديقها غاية الأمر وجوب القبول هنا دون سائر المقامات و لكنه لا يوجب تغير حكم الهبة فيجوز الرجوع هنا في موارد الجواز هناك و لا يجوز في موارد عدم الجواز كما هو ظاهر.

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في أمرين: الأول: ثمن الهدى و قد استظهر في المتن ثبوته على الباذل و لا بد أوّلا من ملاحظة ان ثمن الهدى هل يكون جزء من الاستطاعة المالية بحيث لا تتحقق الاستطاعة بدونه فلا يجب الحج أو لا يكون جزء منها فيجب الحج بدونه ربما يتوهم الثاني بل يظهر من بعض العبارات و لعل منشأه ثبوت البدل للهدي و هو الصوم الذي تكون ثلاثة في الحج و سبعة بعد الرجوع فمع ثبوت البدل له تتحقق الاستطاعة بدونه و لكن الظاهر هو الأول لأن البدل حيث يكون بدلا اضطراريا و ليس في عرض الهدى بل في طوله فمقتضى القاعدة- حينئذ- مدخليته في الاستطاعة و بعد ذلك يقع الكلام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 202

..........

______________________________

في الاستطاعة البذلية فان كان المبذول غير مشتمل على ثمن الهدى و لكن كان المبذول له واجدا له

زائدا على مصارفه فلا إشكال- حينئذ- في تحقق الاستطاعة الملفقة و المركبة نظرا الى ما تقدم في أوائل مبحث الاستطاعة البذلية من ثبوت الملفقة أيضا.

و ان لم يكن المبذول له واجدا له فهو المورد لما في المتن من ثبوته على الباذل و لكن التعبير بكلمة «على» تبعا للسيد في العروة الظاهرة في الحكم اللزومي ربما لا ينطبق على ما تقدم من جواز الرجوع للباذل مطلقا سواء كان قبل الإحرام أو بعده الى آخر الأعمال فإن الإلزام لا يجتمع مع جواز الرجوع و لعله لأجل ذلك حمل بعض الشرّاح عبارة السيد- قده- على ما إذا كان البذل واجبا بنذر أو شبهه أو على القول بعدم جواز الرجوع في البذل نظرا الى مثل قاعدة الغرور.

و لكن يرد عليه ان حمل العبارة على مورد وجوب البذل مع عدم الإشارة إليه في غاية البعد كما ان ابتناء ذلك على القول بعدم جواز الرجوع بعيد جدا خصوصا بملاحظة حكم المتن و العروة بالجواز قبلا مع انه على تقديره ينحصر مورده بما بعد الإحرام و الكلام مطلق و الذي ظهر لي في وجه التعبير بكلمة «على» أحد أمرين اما ان يكون الوجه فيه ان التعبير الذي هو القدر المتيقن في البذل في الاستطاعة البذلية هو قول الباذل: «حج و علىّ نفقتك» فإنه لو عبر الباذل بهذه العبارة و لم يرجع في بذله يصح ان يقال بثبوت ثمن الهدى عليه على نحو اللزوم.

و اما ان يكون الوجه فيه ان المراد منه هو الضمان الذي هو حكم وضعي نظرا الى ما تقدم من المتن من الحكم بلزوم نفقة الإتمام على تقدير الرجوع بعد الإحرام و عليه فالمقصود هو ضمان ثمن الهدى.

و كيف كان

فمقتضى ما ذكرنا في الاستطاعة المالية انه لو كان المبذول غير مشتمل على ثمن الهدى لا يجب القبول على المبذول له- حينئذ- لعدم كفاية المبذول لجميع مصارف الحج التي منها ثمن الهدى كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 203

[مسألة 34- الحج البذلي مجز عن حجة الإسلام]

مسألة 34- الحج البذلي مجز عن حجة الإسلام سواء بذل تمام النفقة أو متممها، و لو رجع عن بذله في الأثناء و كان في ذلك المكان متمكنا من الحج من ماله وجب عليه و يجزيه عن حجة الإسلام ان كان واجدا لسائر الشرائط قبل إحرامه و الا فاجزائه محل إشكال. (1)

______________________________

الأمر الثاني الكفارات و هي على قسمين: الأول الكفارات التي تترتب على موجباتها إذا صدرت عن عمد و اختيار كأكثر الكفارات الثابتة في الحج و لا شبهة في ثبوتها على المبذول له الذي اتى بموجبها عمدا و اختيارا ضرورة انه لا مجال لتوهم ثبوت هذا القسم على الباذل أصلا.

الثاني الكفارات المترتبة على موجباتها مطلقا من دون فرق بين ما إذا صدرت عمدا أو جهلا أو نسيانا و كذا بين ما إذا صدرت اختيارا أو اضطرارا كالصيد على الظاهر.

و في هذا القسم تارة يتحقق من المبذول له عمدا اختيارا و الظاهر انه لا ينبغي الإشكال في عدم ثبوتها على الباذل في هذه الصورة و اخرى يتحقق منه اضطرارا أو نسيانا أو جهلا و قد توقف السيد في العروة في ثبوتها على الباذل و لكن صريح المتن عدم ثبوتها عليه و الوجه فيه انه لا تكون الكفارة معدودة من مصارف الحج و دخيلة في الاستطاعة المالية فإذا اتى المستطيع المالى بموجب الكفارة جهلا- مثلا- و لم يكن قادرا على أدائها لا

يكون ذلك كاشفا عن عدم كونه مستطيعا و عن عدم كون حجه حجة الإسلام و عليه فالظاهر عدم ثبوته على الباذل و لا مجال للتوقف في المسألة كما صنعه السيد- في العروة.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين: الأول في أجزاء الحج البذلي عن حجة الإسلام و عدمه و الكلام فيه تارة من جهة الفتاوى و الآراء و اخرى من جهة مقتضى الأدلة العامة الواردة في الاستطاعة البذلية و ثالثة من جهة الروايات الخاصة الواردة في خصوص هذه المسألة فنقول:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 204

..........

______________________________

اما من الجهة الأولى فالمشهور و المعروف بين الأصحاب قديما و حديثا الاجزاء و انه لا يجب على المبذول له الحج ثانيا إذا استطاع بالاستطاعة المالية خلافا للشيخ في محكي الإستبصار حيث أوجبه ثانيا إذا أيسر بعد ذلك نظرا الى بعض الروايات الآتية الظاهرة في ذلك و حمل ما يدل على الاجزاء على ما لا ينافيه كما سيأتي ثم قال ان الوجوب إذا أيسر مطابق للأصول الصحيحة التي تدل عليها الدلائل و الاخبار.

و قد قواه بعض الأعاظم من المعاصرين في ابتداء كلامه و ان جعله مقتضى الاحتياط الوجوبي في أثنائه و مقتضى الاحتياط الاستحبابي في آخره.

و اما من الجهة الثانية فقد مر ان العمدة في مسألة الاستطاعة البذلية هي صحيحة علاء بن رزين المتقدمة و ظاهرها ان من عرض عليه الحج فاستحيى فهو ممن يستطيع و ظاهره بقرينة الصدر الذي وقع تفسيرا لآية الحج ان الحج البذلي مصداق من الحج الواجب في الآية الذي يكون فرضا في الإسلام و عليه فالحج البذلي مصداق لحجة الإسلام بعد كون المراد بها ما هو الواجب في الشرع

مرة واحدة طول العمر فالتعبير بكونه مجزيا عن حجة الإسلام كما في المتن و غيره لا يخلو عن مسامحة و عناية و بالجملة مقتضى الدليل الذي هو الأساس في بحث الاستطاعة البذلية هو الاجزاء و ما في كلام الشيخ- قده- المتقدم من ان الوجوب إذا أيسر مطابق للأصول الصحيحة لم يعرف له وجه لأن الأصل الصحيح الذي يمكن ان يعول عليه في الحكم بالوجوب إذا أيسر هو الاستصحاب نظرا إلى انه قبل البذل كان يجب عليه الحج إذا استطاع فبعده و الإتيان بالحج و الاستطاعة المالية بعده يكون الوجوب باقيا بحاله فاللازم الإتيان به ثانيا.

و يرد عليه- مضافا الى انه لا مجال للاستصحاب مع وجود الأمارة المعتبرة كما في المقام على ما عرفت من دلالة صحيحة علاء على الاجزاء و الى ان جريان الاستصحاب التعليقي محل خلاف و اشكال- ان مورد الاستصحاب التعليقي و مجراه على تقدير

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 205

..........

______________________________

جريانه ما إذا كان التعليق واقعا في لسان الدليل الشرعي و اما إذا كان التعليق غير واقع كذلك بل ارجع الدليل اليه كما في المقام فإنه ليس في آية الحج تعليق لان قوله تعالى «مَنِ اسْتَطٰاعَ» بيان للناس الواقع في صدر الآية فلا مجال لجريان الاستصحاب التعليقي بعد عدم وجود التعليق في لسان الدليل كما قرر في محله من الأصول.

و اما من الجهة الثالثة فقد وردت في المقام طائفتان:

إحديهما ما تدل على الاجزاء مثل صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام رجل لم يكن له مال فحج به رجل من إخوانه أ يجزيه ذلك عنه عن حجة الإسلام أم هي ناقصة؟ قال: بل

هي حجة تامة. «1» و جعل الاجزاء و النقص في السؤال متقابلين قرينة واضحة على ان المراد بالتمامية في الجواب هو الاجزاء كما لا يخفى.

و صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجه غيره ثم أصاب مالا هل عليه الحج؟ فقال يجزى عنهما جميعا. «2» قال في الوسائل بعد نقل الحديث: «أقول يحتمل كون الاجزاء حقيقة بالنسبة الى من حج عنه مجازا بالنسبة إلى النائب، و يحتمل عود الضمير في قوله:

عنهما الى الرجلين المنوب عنهما دون النائب، و يحتمل الحمل على الإنكار و اللّٰه اعلم».

و ذكر بعض الاعلام: انه يحتمل عود الضمير في قوله: عنهما الى ما اتى به من الحج و الى ما لم يأت به بمعنى ان ما حجة يجزى و يكون صحيحا و يجزى أيضا عن الحج إذا استطاع و أيسر أي لا يجب عليه الحج ثانيا إذا أيسر و يحتمل عوده و إرجاعه إلى الشخصين اى النائب و المبذول له و لكن في مورد النائب نلتزم بالحج عليه إذا أيسر لأجل دليل آخر دال على عدم سقوطه عنه.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح- 2

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و العشرون ح- 21

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 206

..........

______________________________

أقول مع وجود الإجمال في الجواب من جهة مرجع ضمير التثنية لا مجال للإشكال في دلالتها على الاجزاء في المقام و انه لا يجب على المبذول له الحج ثانيا كما هو ظاهر.

الثانية ما تدل بظاهرها على عدم الاجزاء مثل معتبرة فضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّٰه- عليه

السّلام- قال سألته عن رجل لم يكن له مال فحج به أناس من أصحابه أقضى حجة الإسلام؟ قال نعم فإن أيسر بعد ذلك فعليه ان يحج قلت هل تكون حجته تلك تامة أو ناقصة إذا لم يكن حج من ماله؟ قال نعم قضى عنه حجة الإسلام و تكون تامة و ليست بناقصة و ان أيسر فليحج الحديث. «1»

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال لو ان رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجته فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج الحديث. «2» هذا و قد جمع بين الطائفتين بوجوه:

الأول ما ذكره الشيخ- قده- في محكي الاستبصار من ان صحيح معاوية الدال على الصحة و انها حجة تامة لا ينافي صحيح الفضل الدال على الوجوب إذا أيسر و استطاع لان صحيح معاوية أخبر ان ما حجه بالبذل صحيح و يستحق بفعلها الثواب و هذا مما لا كلام و لا خلاف فيه.

و يرد عليه ما عرفت من ان كلمة التمامية قد استعملت في صحيحة معاوية بمعنى الاجزاء و النقص بمعنى عدم الاجزاء فلا مجال لحمل التمامية على مجرد الصحة و استحقاق الثواب حتى لا ينافي الوجوب إذا أيسر و استطاع.

الثاني ما ذكره بعض الأعاظم من المعاصرين من ان الطائفة الثانية مفسرة للطائفة الأولى لأن الظاهر من الاولى ان حجه حجة الإسلام إلى آخر عمره أي

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح- 6

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و العشرون ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 207

..........

______________________________

من دون قيد و شرط و لازمة عدم وجوب الحج عليه ثانيا و ان استطاع

و مقتضى الطائفة الثانية ان حجه حجة الإسلام بشرط ان لا يتحقق له الاستطاعة بعده فان مات قبل حصول ذلك كان حجه حجة الإسلام و الا كان عليه الحج ثانيا فاختلافهما بالإطلاق و الاشتراط قال و هذا نظير ما ورد في حق الصبي و المملوك من ان الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر و العبد إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق. «1»

و يرد عليه عدم وضوح كون هذا النحو من الجمع جمعا مقبولا عند العقلاء في المقام و ان كان حمل المطلق على المقيد أمرا شائعا مقبولا عندهم كما لا يخفى و استعمال حجة الإسلام في الرواية على سبيل المسامحة بعد دلالة الأدلة الكثيرة على اعتبار البلوغ و الحرية في الوجوب الذي هو قوام حجة الإسلام.

الثالث ما يظهر من المشهور و قد صرح به الشيخ- قده- في التهذيب من حمل الطائفة الثانية الدالة على وجوب الحج ثانيا على الاستحباب جمعا بينها و بين الطائفة الأولى الظاهرة في الاجزاء و عدم الوجوب.

و يرد عليه مضافا الى ان حمل الأمر على الاستحباب و ان كان غير بعيد الا ان حمل قوله- عليه السلام- عليه ان يحج أو عليه الحج كما في صدر رواية الفضل و أبي بصير على الاستحباب في غاية البعد ان ظاهر هذه الطائفة كون الحكم الثابت بعد اليسار مختصا بمن حج عن استطاعة بذلية و انه هو الذي يأتي بالحج ثانيا مع انه لو كان المراد هو الحج الاستحبابي لما كان ذلك مختصا به لان استحباب الحج ثابت بالإضافة إلى الجميع فتدبر.

الرابع ما ذكره صاحب الوسائل بعد نقل رواية الفضل بن عبد الملك و بعد نقل حمل

الشيخ- قده- إياها على الندب و حكمه بأنه جيد من قوله: و يمكن الحمل على الوجوب الكفائي كما مر في الحج الثاني، و على كون الحج الأول على وجه

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 208

..........

______________________________

النيابة عن الغير كما يأتي.

و مراده من الوجوب الكفائي هو الوجوب الثابت بمقتضى ما دل على انه لا يجوز تعطيل الكعبة و لا يجوز ان لا يشترك أحد في مراسم الحج و الإتيان بمناسكه و من الواضح كون هذين الحملين أيضا في غاية الاستبعاد.

الخامس ما أفاده في المستمسك من قوله: و العمدة وهن الخبرين بالاعراض و الهجر.

و يرد عليه ان اعراض المشهور عن الخبر و ان كان موجبا لسقوطه عن الاعتبار و ان كان من حيث هو في غاية الصحة الا انه لا بد من إحراز الاعراض و تحقق الهجر و هو غير ثابت في المقام لانه يحتمل ان يكون الخبر ان محمولين عند المشهور على الاستحباب بل هو الظاهر على ما ذكرنا تبعا للشيخ في كتاب التهذيب و مع هذا الاحتمال لا يكون الاعراض بمحرز أصلا.

هذه هي وجوه الجمع و قد عرفت المناقشة في الجميع و لكن الحمل على الاستحباب اولى من الجميع و ان لم نقل به فالظاهر تحقق المعارضة و الترجيح- حينئذ- مع روايات الإجزاء لأنها الموافقة للشهرة الفتوائية التي هي أول المرجحات في باب المتعارضين على ما ثبت في محله فالنتيجة- حينئذ- هو القول بالاجزاء كما في المتن هذا تمام الكلام في المقام الأول.

المقام الثاني فيما لو رجع الباذل في الأثناء و الظاهر ان مراد المتن من كلمة «الأثناء» ليس

هو أثناء مناسك الحج و اعماله حتى يختص فرض المسألة بخصوص هذا الفرض بل أعم منه و من الرجوع قبل الإحرام لأنه أيضا رجوع في الأثناء أي بعد الشروع الذي يتحقق بالسفر من وطنه إلى مدينة- مثلا- و يؤيده قوله: متمكنا من الحج مع انه لو كان المراد هو أثناء الأعمال لكان المناسب ان يقول: متمكنا من إتمام الحج كما لا يخفى و كيف كان ففي مسألة الرجوع فرضان:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 209

..........

______________________________

الأول الرجوع في المدينة- مثلا- قبل ان يحرم و يأخذ في الأعمال و في هذا الفرض تارة لا يكون للمبذول له مال يتمكن به من الحج و اخرى يكون له مال كذلك.

ففي الصورة الاولى لا يجب عليه الحج قطعا لانه بالرجوع ينكشف عدم كونه مستطيعا بالاستطاعة البذلية و المفروض عدم ثبوت الاستطاعة المالية فلا مجال للزوم الحج عليه أصلا و قد عرفت انه يجب على الباذل الراجع نفقة عوده الى وطنه.

و في الصورة الثانية الظاهر وجوب الحج عليه لتمكنه من الحج و الإتيان بمناسكه لكن الوجوب هل يكون لأجل الاستطاعة البذلية الملفقة أو لأجل الاستطاعة المالية؟

و تظهر الثمرة في الشرائط لاختلاف الاستطاعتين فيها كالرجوع إلى الكفاية و كاستثناء الدار و أثاث البيت و أشباههما حيث لا يكون ذلك معتبرا في الاستطاعة البذلية بخلاف الاستطاعة المالية.

و يظهر من المتن- بناء على عمومه لفرض الرجوع قبل الإحرام كما استظهرنا منه- ان هذه الصورة من قبيل الاستطاعة المالية التي يعتبر فيها الشرائط قبل الإحرام و لكنه يمكن ان يقال بأنه من قبيل الاستطاعة المركبة لأنه لا فرق فيها بين ان يكون المبذول بعض النفقة بمقدار يمكن معه الذهاب إلى

المدينة و العود منها و كان البعض الأخر ملكا للمبذول له و بين ان يكون المبذول تمام النفقة و لكنه قد رجع عن بذله في المدينة- مثلا- فان هذا الفرض أيضا كالفرض الأول تكون الاستطاعة فيه مركبة و عليه لا يعتبر فيها الشرائط قبل الإحرام كما لا يخفى.

و بالجملة ظاهر من عمّم الاستطاعة البذلية للاستطاعة الملفقة عدم اعتبار شرائط الاستطاعة المالية في الملفقة و المركبة و هي تشمل المقام لانه نوع منها على ما ذكرنا و لكنه لا ينبغي الالتزام بعدم اعتبار شرائط الاستطاعة المالية في الملفقة أصلا سواء كانت ببذل البعض ابتداء أو ببذل التمام ثم الرجوع كما في المقام لان عمدة الدليل في اعتبار تلك الشرائط هي قاعدة نفى الحرج على ما تقدم في استثناء مثل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 210

[مسألة 35- لو عين مقدارا ليحج به و اعتقد كفايته فبان عدمها]

مسألة 35- لو عين مقدارا ليحج به و اعتقد كفايته فبان عدمها فالظاهر عدم وجوب الإتمام عليه سواء جاز الرجوع له أم لا، و لو بذل ما لا ليحج به فبان بعد الحج انه كان مغصوبا فالأقوى عدم كفايته عن حجة الإسلام و كذا لو قال: «حج و على نفقتك» فبذل مغصوبا (1).

______________________________

الدار و على ما يأتي إن شاء اللّٰه تعالى في اعتبار الرجوع الى الكفاية و من الواضح جريان القاعدة فيما إذا كان المبذول له واجدا لبعض النفقة أيضا فتدبر.

الثاني الرجوع في أثناء أعمال الحج و بعد الإحرام و الفرض مبنى على القول بجواز الرجوع و تأثيره و عدم لغويته كما اختاره الماتن- دام ظله الشريف- في بحث الرجوع سابقا و على هذا المبنى تارة يقال بلزوم إتمام الحج عليه و ان لم يكن

له من الأموال الشخصية ما يتمكن به من الإتمام كما اختاره الماتن أيضا نظرا الى كون الباذل ضامنا لنفقة الإتمام لقاعدة الغرور أو غيرها و اخرى يقال بعدم لزوم إتمام الحج عليه إذا لم يكن له مال يفى بذلك.

فعلى الأول يجب عليه الإتمام و الظاهر اجزائه عن حجة الإسلام لعدم خروجه عن الحج البذلي بالرجوع بعد ثبوت ضمانه لنفقة الإتمام كما لا يخفى.

و على الثاني إذا كان له مال يفي بالإتمام يصير المفروض من الاستطاعة الملفقة و المركبة و يجرى فيه ما تقدم في الفرض الأول من انه هل يعتبر فيها شرائط الاستطاعة المالية أم لا و قد عرفت ان الظاهر اعتبارها و يظهر من المتن انه لا بد من ملاحظة تحقق الشرائط قبل الإحرام و قبل الشروع في الأعمال و لكنه يمكن ان يقال بملاحظة ما تقدم في حج الصبي من كفاية البلوغ قبل المشعر عدم لزوم تحقق الشرائط قبل الإحرام فتأمل جيدا.

(1) في هذه المسألة فروع: الأول لو عين الباذل مقدارا ليحج المبذول له بذلك المقدار و اعتقد الباذل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 211

..........

______________________________

كفايته فبان له عدم الكفاية فهل يجب على الباذل إتمام ذلك المقدار بما يكفى للحج أم لا يجب عليه الإتمام؟ اختار في المتن عدم الوجوب مطلقا سواء كان الرجوع في البذل جائزا للباذل أم لا و قال السيد في العروة في هذا الفرع: «وجب عليه الإتمام في الصورة التي لا يجوز له الرجوع إلا إذا كان ذلك مقيدا بتقدير كفايته» و مقتضاه وجوب الإتمام على الباذل بشرطين.

أحدهما كون تبين عدم الكفاية في الحال» التي لا يجوز فيها الرجوع كما إذا كان في أثناء

المناسك و قلنا بعدم جواز الرجوع في هذه الحالة.

ثانيهما عدم كون بذل المقدار الذي تبين عدم كفايته مقيدا بفرض الكفاية و تقديرها فإنه مع هذا التقييد الذي مرجعه الى اشتراط البذل بصورة الكفاية فلا بذل مع عدمها كما هو المتبين لا يجب عليه الإتمام لفرض عدم تحقق شرطه و تبين عدم الكفاية كما ان اعتبار الشرط الأول انما هو بلحاظ انه مع جواز الرجوع و استرداد ما بذل لا مجال للحكم بوجوب الإتمام و اما مع عدم الجواز فالدليل على وجوب الإتمام هو الدليل على عدم جواز الرجوع فإذا لم يجز له الرجوع لأجل لزوم إتمام المناسك بعد الشروع فيها- مثلا- فاللازم الإتمام في هذه الصورة.

و اما وجه عدم وجوب الإتمام عليه مطلقا كما في المتن فهو ان اعتقاد الكفاية الذي هو الفرق بين ما نحن فيه و بين سائر موارد البذل التي لا يجب فيها الإتمام لا يكون فارقا و موجبا لثبوت وجوب الإتمام و جواز الرجوع و عدمه لا دخل له في ذلك فان عدم جواز الرجوع فيما بذله لأجل لزوم إتمام المناسك على المبذول له- مثلا- لا يستلزم وجوب إتمام ما بذله الباذل و الا لكان اللازم الحكم بوجوب الإتمام و لو مع اعتقاد عدم الكفاية من أول الأمر فتدبر.

الفرع الثاني ما إذا بذل له ما لا ليحج به كما إذا قال له: حج بهذا المال فبان بعد الحج انه كان مغصوبا فقد اختار في المتن عدم اجزائه عن حجة الإسلام و ذكر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 212

..........

______________________________

السيد في العروة ان في الاجزاء وجهين و ان أقربهما العدم.

و حكى الوجه الأول و هو الاجزاء عن

بعض نظرا الى جواز التصرف في المال المغصوب لفرض جهله بالغصب فلا يكون التصرف بمحرم هذا و الظاهر انه ليس البحث في جواز التصرف و عدمه حتى يقال بثبوت الجواز مع الجهل بل البحث انما هو في ان الحج الذي يكون مجزيا عن حجة الإسلام لا بد و ان يكون عن استطاعة سواء كانت هي الاستطاعة المالية أو الاستطاعة البذلية و المفروض عدم تحقق الاولى في المقام و اما الثانية فتتوقف على شمول الأدلة الواردة في الاستطاعة البذلية لما إذا كان المبذول مال الغير و لم يكن الباذل مجازا في التصرف فيه بوجه و من الواضح عدم الشمول فهل يمكن ان يتوهم أحد انّ قوله- عليه السلام- في بعض تلك الروايات: من عرض عليه الحج فاستحيى .. شامل لما إذا كان العرض عليه من غير مال العارض بحيث كان العارض غاصبا و لو كان جاهلا و كذا قوله- عليه السلام- في البعض الأخر: دعاه قوم ان يحجوه فإنه لا مجال لاحتمال الشمول لما إذا كان مراد القوم ان يحجوه من مال غيرهم الذي لا يجوز لهم التصرف فيه بوجه و بالجملة أدلة الاستطاعة البذلية قاصرة عن الشمول للمقام فالحج الواقع فاقد لكلتا الاستطاعتين فلا مجال لاجزائه عن حجة الإسلام و كفايته عنه و قد ظهر انه ليس الكلام في تحقق الحج مع المال المغصوب بل الكلام انما هو في تحقق الاستطاعة و عدمه و لا فرق في هذه الجهة بين صورتي العلم و الجهل.

الفرع الثالث ما إذا قال له حج و على نفقتك فبذل له مالا مغصوبا و اختار في المتن عدم الاجزاء فيه أيضا و لكن استظهر السيد- قده- في العروة الصحة و الاجزاء

عن حجة الإسلام معللا بأنه استطاع بالبذل.

و لعل نظره ان الإعطاء و البذل من المال المغصوب لا يوجب عدم تحقق الاستطاعة البذلية الحاصلة بقوله: حج و على نفقتك نظير بيع الكلي و أداء المال المغصوب بعنوان المبيع فكما أن الأداء المذكور هناك لا يقدح في صحة البيع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 213

[مسألة 36- لو قال اقترض و حج و على دينك ففي وجوبه عليه نظر]

مسألة 36- لو قال اقترض و حج و على دينك ففي وجوبه عليه نظر، و لو قال اقترض لي و حج به وجب مع وجود المقرض كذلك. (1)

______________________________

و اشتغال ذمة البائع بالمبيع الكلي فكذلك المقام.

و الجواب عنه وضوح الفرق بين المقامين فإنه هناك قد تمت المعاملة بعقد البيع و صار التمليك و التملك متحققا بنفس العقد و الأداء أمر آخر خارج عن المعاملة غاية الأمر وجوبه و لزومه على البائع و اما هنا فمجرد الإنشاء لا يكفي في تحقق البذل الموجب للحج لانه مجرد قول و وعد بل الموجب هو البذل و الإعطاء الخارجي و الا فاللازم الوجوب بمجرد ذلك القول و عليه فإذا كان المبذول مالا مغصوبا لا تتحقق الاستطاعة البذلية كما في الفرع المتقدم فلا فرق بين الصورتين هذا بالنظر الى وجوب الحج و اما بلحاظ الضمان فالظاهر تحققه بالإضافة إلى كليهما لاستيلاء كل منهما على مال الغير بغير اذن منه و لا من الشارع فللمالك الرجوع الى كل واحد منهما غاية الأمران قرار الضمان انما هو على الباذل لقاعدة الغرور كمن قدم طعاما مغصوبا الى ضيفه الجاهل فان مقتضى تلك القاعدة كون القرار على المقدم.

(1) في هذه المسألة فرعان: الأول ما لو قال اقترض- اى لنفسك- و حج و على دينك الثابت بسبب

الاقتراض و قد تنظر في المتن و في العروة في وجوب الاقتراض و الحج عليه و استدل عليه فيها بعدم صدق الاستطاعة عرفا و الوجه فيه- بعد كون المفروض فيه عدم تحقق الاستطاعة المالية- عدم معلومية صدق العناوين المأخوذة في أدلة الاستطاعة البذلية في المقام فلا يصدق عنوان «من عرض عليه الحج» بمجرد طلب الاقتراض و تضمين دين المقترض و الشك في الصدق أيضا لا يترتب عليه الا عدم الوجوب للزوم إحراز العنوان في ثبوته و تحققه كما لا يخفى.

الثاني ما لو قال اقترض لي و حج به و فرض وجود مقرض كذلك و في المتن تبعا للعروة الحكم بوجوب الاقتراض و الحج في هذا الفرض و لكنه استشكل بعض الشراح

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 214

[مسألة 37- لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعا وجب عليه الحج]

مسألة 37- لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعا وجب عليه الحج، و لو طلب منه اجارة نفسه للخدمة بما يصير مستطيعا لا يجب عليه القبول، و لو آجر نفسه للنيابة عن الغير فصار مستطيعا بمال الإجارة قدم الحج النيابي ان كان الاستيجار للسنة الأولى فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب عليه الحج لنفسه، و لو حج بالإجارة أو عن نفسه أو غيره تبرعا مع عدم كونه مستطيعا لا يكفيه عن حجة الإسلام. (1)

______________________________

فيه نظرا إلى انه لم يظهر وجه الفرق بين الصورتين لان الاقتراض من تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب و لا يصدق العرض و البذل على الأمر بالاقتراض و إيجاد مقدمة البذل بالاقتراض غير واجب كتحصيل المال و الاستطاعة نعم لو اقترض يجب الحج- ح- لحصول الاستطاعة كما إذا اكتسب و حصل الاستطاعة.

أقول الظاهر

صدق العرض و البذل في هذا الفرض فان طلب الاقتراض للمطالب و وجود المقرض كذلك يكفى عرفا في صدق عنوان العرض و هذا كما إذا لم يكن عند الباذل مال لكنه أحال المبذول له الى مديون للباذل بمقدار مصرف الحج فهل يمكن ان يقال ان الحوالة تمنع عن صدق عنوان العرض و البذل و كما إذا سلم اليه ما يعبر عنه في الفارسية «به چك» ليذهب به الى البنك و يسلمه إليه فيأخذ المال فإنه لا مجال للتشكيك في صدق عنوان العرض في مثله و المقام من هذا القبيل.

(1) في هذه المسألة فروع متعددة: الأول ما لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعا و قد حكم بوجوب الحج عليه و المراد من طريق الحج ليس خصوص الطريق المنتهى الى الحج بل أعم منه و مما هو المتداول في هذه الأزمنة من استخدام افراد للخدمة في المدينة و مكة و الموقفين بالطبخ أو غيره كما ان المراد من الخدمة ما لا يكون منافيا للإتيان بالأعمال و المناسك و في هذه الصورة تكون الأجرة التي قد ملكها بالإيجار موجبة لتحقق الاستطاعة المالية التي يترتب عليها وجوب الحج و لذا لو كان مستطيعا قبل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 215

..........

______________________________

الإجارة جاز له اجارة نفسه للخدمة في الطريق كما انه لو آجر نفسه للنيابة عن الغير يجوز له اجارة نفسه للخدمة لعدم المنافاة.

و ذكر السيد- في العروة- بعد ذلك قوله: «بل لو آجر نفسه لنفس المشي معه بحيث يكون العمل المستأجر عليه نفس المشي صح أيضا و لا يضر بحجه نعم لو آجر نفسه لحج بلدي لم يجز له

ان يوجر نفسه لنفس المشي كاجارته لزيارة بلدية أيضا اما لو آجر للخدمة في الطريق فلا بأس و ان كان مشيه للمستأجر الأول فالممنوع وقوع الإجارة على نفس ما وجب عليه أصلا أو بالإجارة».

أقول الظاهر انه لا إشكال في الوجوب في أصل المسألة و هو ما لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج و وجوب قطع الطريق عليه للغير لا ينافي الوجوب لان الواجب انما هو نفس الاعمال لا المقدمات فالمستأجر عليه غير الواجب و الواجب لم يقع عليه عقد الإجارة.

و لكن ربما يقال بان ظاهر الآية الشريفة وجوب السفر و طي الطريق وجوبا نفسيا فإنه المراد من «حِجُّ الْبَيْتِ» المأمور به فيها لأنه عبارة عن الذهاب اليه و السعي نحوه و عليه فوجوبه نفسي فلا يجوز أخذ الأجرة عليه.

و يدفعه انه لا مجال لتوهم كون الواجب بالاية هو طي الطريق و السفر و الذهاب و لا وجه لدعوى كون المراد من «حِجُّ الْبَيْتِ» ذلك فإنه يدفعها- مضافا الى استبعاد دعوى دلالة الآية على مجرد ذلك من دون دلالة لها على وجوب الأعمال- ان حمل «حِجُّ الْبَيْتِ» على ذلك لا يجتمع مع قوله تعالى «مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» فان ذكر السبيل عليه يصير لغوا لا فائدة فيه أصلا و عليه فالمراد منه هي الأعمال و المناسك التي لها اضافة الى البيت و هو المحور و الأساس لها.

هذا مع ان النصوص و الفتاوى متطابقة على عدم كون السفر و طي الطريق واجبا بالوجوب النفسي فإنه لو فرض ان مستطيعا قد اختطف من بلده و أطلق في الميقات لا يقدح

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 216

..........

______________________________

ذلك في صحة حجه أصلا كما

انه لو سافر من بلده الى محل آخر لغرض ثم أراد منه الذهاب الى الحج لا يضر ذلك بحجة أصلا.

و اما الروايات فمثل صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق- عليه السّلام- عن الرجل يمر مجتازا يريد اليمن أو غيرها من البلدان و طريقه بمكة فيدرك الناس و هم يخرجون الى الحج فيخرج معهم الى المشاهد ا يجزيه ذلك عن حجة الإسلام قال: نعم. «1»

و صحيحته الأخرى قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- الرجل يخرج في تجارة إلى مكة أو يكون له إبل فيكريها حجته ناقصة أم تامة؟ قال لا بل حجته تامة. «2» و رواية الفضل بن عبد الملك عنه- عليه السلام- قال و سئل عن الرجل يكون له الإبل يكريها فيصيب عليها فيحج و هو كرى تغنى عنه حجته أو يكون يحمل التجارة إلى مكة فيحج فيصيب المال في تجارته أو يضع تكون حجته تامة أو ناقصة أو لا يكون حتى يذهب به الى الحج و لا ينوى غيره أو يكون ينويهما جميعا أ يقضي ذلك حجته قال نعم حجته تامة. «3»

ثم انه في «المستمسك» بعد ما اختار دلالة الآية على كون وجوب السفر وجوبا نفسيا و انه إذا أجمل مبدأ السير يكون القدر المتيقن هو السير من الميقات و بعد حكاية استدلال الجواهر بالنصوص المذكورة على عدم كون السفر واجبا داخلا في اعمال الحج قال ما ملخصه: «ان النصوص المذكورة لا تصلح للخروج بها عن ظاهر الآية الشريفة فإن الصحيح الأول ظاهر في ان خروجه الى المشاهد لم يكن بقصد غاية أخرى و انما كان لمحض الحج و الصحيح الثاني يدل على ان حجه و هو كرى أو يحمل التجارة إلى مكة

صحيح و هو لا يقتضي خروج السير من الميقات عن الحج و عدم لزوم التعبد و التقرب به لان وقوع العمل عبادة يتوقف على صدوره عن داعي القربة على نحو

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني و العشرون ح- 2

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني و العشرون ح- 4

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني و العشرون ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 217

..........

______________________________

يكون ذلك الداعي صالحا للاستقلال في الداعوية و هو لا ينافي وجود داع آخر كذلك نعم إطلاقه يقتضي الصحة و ان كان داعي القربة تبعيا لكن هذا الإطلاق ليس بحد يصلح للخروج بها عن ظاهر الآية لقرب حمل الكلام على انه في مقام نفى مانعية الضميمة و اما الخبر الثالث فحمله على ذلك أقرب فإن قول السائل و لا ينوى غيره ظاهر في ذلك جدّا مضافا الى ضعف سنده بالإرسال».

و يرد عليه- مضافا الى ما عرفت من عدم دلالة الآية على وجوب السفر و السعي الى البيت بوجه لما عرفت- انه لا مجال لإنكار ظهور الروايات في عدم مدخلية للسفر و لو من الميقات في اعمال الحج و مناسكه و ان ما يعتبر فيه قصد القربة هي الاعمال فقط دون السير فما هو الواجب في الميقات انما هو الإحرام و اما السير منه الى البيت فلا يكون واجبا نفسيا بل انما يجب مقدمة لتحقق الطواف و السعي و مثلهما فلو اختطف في الميقات بعد الإحرام ثم أطلق في مكة لا يقدح ذلك في صحة حجه و لا يجب عليه العود الى الميقات ليتحقق منه السير الذي هو واجب

تعبدي على ما أفاده فالإنصاف انه لا مجال لدعوى الوجوب التعبدي بالإضافة إلى السير و لو من الميقات مع انه لا وجه لدعوى الإجمال ثم الحمل على السير من الميقات فإنه بعد كون التكليف بالحج ثابتا على كل مستطيع من الناس فإذا كان المراد من حج البيت هو السعي اليه و الحركة نحوه فلا محالة يكون المراد هي حركة كل مكلف من محله و ما هو موضع تعيشه و محل عائلته و لا مجال للحمل على السير من الميقات و التفكيك بينه و بين السير من وطنه و بلده هذا مع انه قد تقرر في محله عدم منافاة أخذ الأجرة للواجب النفسي التعبدي فضلا عن التوصلي و قد حققنا ذلك في كتابنا في القواعد الفقهية و في بحث الإجارة من هذا الكتاب.

الفرع الثاني ما لو طلب منه اجارة نفسه للخدمة في طريق الحج بما يصير به مستطيعا و قد حكم في المتن- تبعا للعروة أيضا- بعدم وجوب القبول و الوجه في عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 218

..........

______________________________

الوجوب عدم تحقق شي ء من الاستطاعتين قبل القبول و عدم لزوم تحصيل الاستطاعة بوجه من دون فرق بين الاستطاعة المالية و الاستطاعة البذلية.

اما عدم تحقق الأولى فلأنه قبل الإجارة لا يكون مستطيعا على ما هو المفروض و اما عدم تحقق الثانية فلانه لا يصدق انه عرض عليه الحج أو دعي أن يحجوه لان المطلوب منه هي إجارة نفسه للخدمة كالطبخ و نحوه فلا يصدق عليه انه عرض عليه الحج و مثله كما لا يخفى.

و لكنه ربما يقال بالوجوب إذا لم يكن حرجا عليه كما قال به صاحب المستند و استند في ذلك

أولا إلى صدق الاستطاعة و ثانيا إلى انه مالك لمنافعه فيكون مستطيعا قبل الإجارة كما إذا كان مالكا لمنفعة عبده أو دابته و كانت كافية في استطاعته.

و أجاب عن الأول السيد في العروة بالمنع من صدق الاستطاعة بذلك و الظاهر ان مراده منع صدق الاستطاعة العرفية مع انه لو كان المراد هي الاستطاعة العرفية لا مجال لدعوى منعها و لذا لو كان الدليل منحصرا بالاية الظاهرة في الاستطاعة العرفية كما مر البحث فيه سابقا لكان اللازم الحكم بالوجوب في المقام لكنه حيث لا يكون الدليل منحصرا بها بل كان هناك روايات واردة في تفسير الآية و مقتضاها ان المراد بالاستطاعة هو وجود الزاد و الراحلة عينا أو بدلا و المفروض عدم تحققهما في المقام فاللازم هو الحكم بعدم الوجوب.

و اما الدليل الثاني فيدفعه ان الحرّ لا يكون مالكا لمنافعه بل لعله لا مجال له أصلا لأنه لا يعتبر كون الإنسان مالكا لنفسه و لو كانت هي منافعه و لا ينافي ذلك جواز اجارة نفسه المستلزمة لتمليك منفعته إلى المستأجر لعدم الملازمة بين صحة التمليك و تحقق الملكية قبله كما ان تحقق وصف الغنى المانع من جواز أخذ الزكاة- مثلا- بسبب القدرة على مثل الخياطة لا يوجب تحقق الملكية للمنفعة فإن الغني لا يتوقف على ثبوتها كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 219

..........

______________________________

و يدل على عدم الملكية انه لو قلنا بها لكان اللازم ان يمهد مقدمات الطلب و يتصدى لذلك و يجعل نفسه معرضا للإيجار من دون ان يكون الوجوب متوقفا على الطلب كما هو المدعى مع انه من الواضح عدم الوجوب.

الفرع الثالث ما لو آجر نفسه للنيابة عن

الغير فصار مستطيعا بمال الإجارة ففي المتن و العروة لزوم تقديم الحج النيابي ان كان الاستيجار للسنة الاولى.

و يستفاد من العبارة عدم كونه في حال الإيجار مستطيعا و قد صرح به السيد في العروة و ظاهرهما انه إذا كان في حال الإيجار مستطيعا لا يجوز ان يوجر نفسه للنيابة مع انه لا يتم على إطلاقه فإنه إذا لم يكن الاستيجار لخصوص السنة الاولى و لم يكن هناك انصراف إليها بل كان الاستيجار بنحو الإطلاق أو مع التصريح بعدم الاختصاص بالسنة الاولى لا مجال للمناقشة في الجواز لعدم المانع- ح- بوجه فإنه لا تزاحم بين الأمرين أصلا.

نعم فيما إذا كان الاستيجار لخصوص السنة الأولى- تصريحا أو انصرافا- لا وجه لجواز النيابة و ان قلنا بجواز أخذ الأجرة على الواجب النفسي التعبدي- كما هو الحق- و ذلك لان مورد تلك المسألة ما إذا اتى الأجير الواجب المذكور لنفسه غاية الأمر تعلق غرض عقلائي للمستأجر بذلك حتى تصح الإجارة و بذل الأجرة و اما هنا فالمفروض ان العمل المستأجر عليه هو الحج النيابي الذي مرجعه الى لزوم الإتيان به نيابة عن الغير و الأجرة انما تقع في مقابل هذا فما هو الواجب عليه لا تقع في مقابله الأجرة و ما تقع في مقابله الأجرة غير واجب عليه و من المعلوم انه لا يمكن الجمع بين الأمرين لعدم صلاحية حج واحد لان يقع عن نفسه و عن غيره فالمقام لا يرتبط بتلك المسألة أصلا هذا إذا كان الأجير مستطيعا و اما إذا لم يكن مستطيعا بل صار كذلك بمال الإجارة فقد عرفت انه حكم فيه بتقديم الحج النيابي و قد علله بعض الاعلام في الشرح بأنه يجب عليه تسليم

العمل المستأجر عليه الى من يستحقه كما لو أجر نفسه لسائر الأعمال من البناء و الخياطة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 220

..........

______________________________

فإن وجوب تسليم ما عليه من الأعمال ينافي وجوب الحج و يزاحمه.

و يرد عليه ان لزوم تسليم العمل المستأجر عليه الى من يستحقه و ان كان لا مجال للإشكال فيه الا ان المفروض انه يكون هنا وجوب أخر و هو وجوب حجة الإسلام المشروط بالاستطاعة الحاصلة بمال الإجارة فهنا وجوبان تحقق أحدهما بالإجارة و الأخر بالاستطاعة و لا يمكن الجمع بينهما في مقام الامتثال و الكلام انما هو في وجه تقدم الحج النيابي على الحج عن نفسه و من المعلوم ان لزوم تسليم العمل في باب الإجارة لا يصلح لان يكون وجها للتقدم فهذا التعليل عليل.

و قد ذكر في «المستمسك» في مقام بيان وجه التقديم ان وجوب حج النيابة عليه في هذه السنة المحقق بالإجارة يكون مانعا عن الاستطاعة السربية التي هي شرط وجوب حج الإسلام و ان كانت الاستطاعة المالية حاصلة.

و يرد عليه انه ان كان المراد من الاستطاعة السربية التي يكون وجوب حج النيابة مانعا عنها هي تخلية السرب و انفتاح الطريق و عدم وجود مانع فمن الواضح ان وجوب حج النيابة لا يكون مانعا عنها نعم صارت الاستنابة موجبة لتحقق الاستطاعة المالية فقط نعم يمكن فرض ذلك فيما إذا كان انفتاح الطريق بيد المستأجر بحيث لو لا قبول النيابة و تحقق الاستيجار لكان الطريق غير منفتح و اما كون نفس الاستيجار مانعا عنه مطلقا فلم يعلم وجهه.

و ان كان المراد منها كون منفعة طي الطريق في السنة الاولى و منفعة الإتيان بالأعمال و المناسك مملوكة

للمستأجر و مع المملوكية له لا يقدر الأجير على الإتيان بالحج لنفسه و ذلك كما إذا ملك منفعة نفسه في زمان خاص للمستأجر فإنه لا يجوز له ان يصرفها و لو في نفسه و مصالحه فنقول ان عدم القدرة و لو في المثال ممنوع و عدم الجواز فيه انما هو لأجل انه لا يكون في مقابل الاستيجار الذي يجب الوفاء به وجوب آخر و اما في المقام ففي مقابل وجوب الوفاء بعقد الإجارة وجوب الحج عن نفسه لتحقق شرطه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 221

..........

______________________________

و هي الاستطاعة المالية و لو بسبب الإجارة.

ثم انه على فرض وجوب التقديم ففي المتن ان هذا التقديم انما هو فيما إذا كان الاستيجار للسنة الاولى و مفهومه انه إذا لم يكن الاستيجار لخصوص هذه السنة لا بد من تقديم حجة الإسلام مع انه في هذا الفرض لا يجب التقديم مطلقا لأنه إذا علم بأنه إذا صرف الاستطاعة في حجة الإسلام لا يكون قادرا على الحج النيابي في السنين الآتية لا يبقى مجال للتقديم في هذه الصورة بل لا بد من الإتيان بالحج النيابي كما لا يخفى الفرع الرابع ما لو حج مع عدم كونه مستطيعا فإنه لا يجزى عن حجة الإسلام بل يجب عليه الحج بعد ما صار مستطيعا و فيه فرضان: الأول ما إذا حج لنفسه تسكعا بعنوان الاستحباب و الثاني ما إذا حج لغيره نيابة سواء كان تبرعا أو بمال الإجارة و المشهور المعروف في كلا الفرضين عدم الاجزاء بل في الجواهر بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بل يمكن تحصيل الإجماع عليه.

و يدل على عدم الاجزاء في كلا الفرضين إطلاق

مثل الآية الشريفة فإن مقتضاه انه مع حدوث الاستطاعة و تحققها يجب الحج من دون فرق بين من حج قبلا مع عدم الاستطاعة و من لم يتحقق منه الحج بعد و ليس في مقابل الإطلاق ما يوجب التقييد خصوصا في الفرض الأول الذي لم يرد فيه رواية أصلا نعم يمكن استفادة حكمه من بعض الروايات الدالة على الاجزاء كما يأتي.

و اما الفرض الثاني فقد ورد فيه طائفتان من الاخبار: الأولى ما تدل على عدم الاجزاء مثل رواية آدم بن على عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال من حج عن إنسان و لم يكن له مال يحج به أجزأت عنه حتى يرزقه اللّٰه ما يحج به و يجب عليه الحج. «1» و في المستمسك بدل آدم «مرازم» لكن في الوسائل و التهذيب الذي رواها صاحب الوسائل عنه هو آدم و هو مجهول و كذا الراوي عنه

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 222

..........

______________________________

و هو محمد بن سهل لم تثبت وثاقته و جبر الضعف بالاشتهار انما هو فيما إذا علم استناد المشهور إلى الرواية الضعيفة و موافقة المشهور لا دلالة لها على الاستناد بوجه لاحتمال ان يكون مستندهم في المقام هو إطلاق مثل الآية الشريفة.

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال لو ان رجلا معسرا ا حجّه رجل كانت له حجته فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج. «1» بناء على ان يكون المراد من قوله: أحجه رجل هي استنابة الرجل إياه كما يظهر من صاحب الوسائل حيث انه أورد الرواية في باب من حج نائبا

عن غيره و ان كان يبعده قوله: كانت له حجته فان ظاهره وقوع الحج لنفسه.

الثانية ما تدل على الاجزاء مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: حج الصرورة يجزى عنه و عمن حج عنه. «2» و صحيحته الأخرى قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل حج عن غيره يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال:

نعم. «3» بناء على ان يكون الضمير في «يجزيه» راجعا إلى النائب كما هو الظاهر لا المنوب عنه.

و صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجه غيره ثم أصاب مالا هل عليه الحج؟ فقال: يجزى عنهما جميعا. «4» و لو حمل قوله: أو أحجه غيره على استيجاره للنيابة عن الغير كما عرفت في رواية أبي بصير فالفرق- ح- بينه و بين قوله: حج عن رجل مع اشتراكهما في وقوع الحج نيابة هو كون النيابة في الأول تبرعية و في الثاني بالاستيجار و مال الإجارة و عليه

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و العشرون ح- 5

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 2

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 4

(4) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و العشرون ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 223

..........

______________________________

فمرجع الضمير في قوله يجزى عنهما هو النائب و المنوب عنه و هذا بخلاف ما لو كان المراد من قوله أحجه غيره هو إحجاج الباذل إياه ببذل مقدار الاستطاعة فإنه يشكل المراد من ضمير التثنية- حينئذ- و اما

احتمال كون مرجع ضمير التثنية على التقدير الأول- هما الرجلان المنوب عنهما ففي غاية البعد.

و كيف كان فربما يقال في مقام الجمع بين الطائفتين بأن روايات الاجزاء صريحة في الاجزاء و عدم وجوب الحج ثانيا و اما روايات عدم الإجزاء فهي ظاهرة فيه و مقتضى الجمع هو الحمل على الاستحباب.

و يدفع هذا القول- مضافا الى انه لم يقع في روايات عدم الاجزاء التعبير بصيغة الأمر حتى يحمل على الاستحباب بل التعبير الواقع هو الوجوب أو ان عليه الحج و دعوى انه لا مانع من حمل التعبيرين أيضا على الاستحباب لان الواجب اللغوي الذي هو بمعنى الثبوت أعم من الاستحباب و كذا قوله، عليه الحج فإنه أيضا لا ينافي الاستحباب.

مدفوعة بأنه في البين قرينة لا مجال معها الا للحمل على الوجوب و جعلها نصا فيه و هو تعليق الوجوب و نحوه على اليسار و الاستطاعة في الروايتين ضرورة ان الاستحباب لا يدور مدار الاستطاعة أصلا بل الحج مستحب في كل سنة بالإضافة إلى المتسكع كما لا يخفى فالروايتان صريحتان في الوجوب و لا وجه لحملهما على الاستحباب كما لا يخفى.

و العمدة ان الطائفة الثانية معرض عنها عند الأصحاب لم يذهب إليها أحد منهم بل تسالموا على خلافها و لو كانت الطائفة الأولى معتبرة من حيث السند لأمكن ان يقال بوقوع التعارض بين الطائفتين و كون الترجيح مع الاولى لموافقتها للشهرة الفتوائية و على اىّ حال لا محيص عن الحكم بالعدم.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 224

[مسألة 38- يشترط في الاستطاعة وجود ما يمون به عياله حتى يرجع]

مسألة 38- يشترط في الاستطاعة وجود ما يمون به عياله حتى يرجع و المراد بهم من يلزمه نفقته لزوما عرفيا و ان لم يكن واجب

النفقة شرعا (1)

______________________________

(1) يقع البحث في هذه المسألة في مقامين.

الأول في أصل اعتبار الشرط فنقول الظاهر اتفاق الفتاوى عليه و في الجواهر:

بلا خلاف أجده فيه بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه و لكن الظاهر انه لا مجال لجعل الإجماع دليلا بعد احتمال كون مستند المجمعين بعض الوجوه الآتية التي:

منها انه لا يتحقق الاستطاعة بدونه فان قوله عليه السّلام في تفسيرها ان يكون عنده ما يحج به أو إذا قدر على ما يحج به لا يكون المتفاهم منه عرفا الا كون ذلك زائدا على نفقة عياله و ان كان مقتضى الجمود خلاف ذلك.

و منها- و هو العمدة- دليل نفى الحرج فإنه إذا كان مقتضى هذا الدليل عدم وجوب الحج إذا كان حرجيا من جهة فقدان الدار و الأثاث و الكتب و نحوها ففي المقام يتحقق الحرج بطريق أولى ضرورة ان إيجاب الحج عليه مع عدم الاتفاق و احتياجهم عليه يكون حرجيا بلا اشكال.

و منها ان حفظ نفس العيال واجب و وجوبه أهم من وجوب الحج بلا شبهة فيتقدم عليه.

و يرد عليه ان هذا الوجه أخص من المدعى لاختصاصه بما إذا كان ترك الإنفاق موجبا لتحقق الهلاك و تلف النفس و المدعى أعم من ذلك.

و منها ان الإنفاق واجب شرعا و مع تزاحم هذا الوجوب لوجوب الحج يكون هذا الوجوب متقدما لاشتراط وجوب الحج بالقدرة الشرعية المنتفية مع وجود واجب آخر مزاحم.

و قد تقدم في مسألة تزاحم الدين و الحج بطلان هذا المبنى و ان وجوب الحج لا يكون مشروطا بالقدرة الشرعية و انه عند التزاحم لا بد من ملاحظة ما هو الأهم و مع عدمه فالتخيير مع ان هذا الدليل- على تقدير تماميته- يختص بما

إذا كان العيال واجب النفقة شرعا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 225

..........

______________________________

و منها رواية أبي الربيع الشامي قال سئل أبو عبد اللّٰه عليه السّلام عن قول اللّٰه عز و جل:

وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فقال ما يقول الناس؟ قال فقلت له:

الزاد و الراحلة قال فقال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام قد سئل أبو جعفر عليه السّلام عن هذا فقال هلك الناس إذا، لئن كان من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت عياله و يستغنى به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذا فقيل له فما السبيل؟ قال: فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض و يبقى بعضا لقوت عياله، أ ليس قد فرض اللّٰه الزكاة فلم يجعلها الا على من يملك مأتي درهم. «1».

و المناقشة في السند باعتبار أبي الربيع الشامي حيث انه لم يوثق في كتب الرجال مدفوعة بأنه يكفي في وثاقته وقوعه في بعض أسانيد كتاب التفسير لعليّ بن إبراهيم القمي المشتمل على توثيق جميع رواته بنحو عامّ خصوصا مع رواية ابن محبوب عنه بواسطة خالد و هو من أصحاب الإجماع و ان ناقشنا في ذلك في بعض المقامات.

و المراد بقوله- عليه السلام- لقد هلكوا إذا هل هي الهلاكة بمعنى تلف النفس أو وقوعهم في مشقة شديدة و حرج شديد و كيف كان فلا إشكال في دلالة الرواية على اعتبار نفقة العيال زائدا على نفقة الحج المقام الثاني في المراد من العيال الذي يشترط في الاستطاعة وجود ما يمون به إياه و انه هل هو خصوص من تجب نفقته على المستطيع أو الأعم منه و ممن تلزم

نفقته عليه باللزوم العرفي كالأخ الصغير أو الكبير الذي لا يقدر على التكسب و ادارة معاشه؟ لاخفاء في ان مقتضى بعض الوجوه المتقدمة في المقام الأول هو الاختصاص و لكن مقتضى بعضها الأخر العدم و ذلك كقاعدة نفى الحرج حيث انها لا تختص بذلك بل تجري في مثل المثالين و كذلك الرواية فإن العيال المأخوذ فيها يكون المراد

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 226

[مسألة 39- الأقوى اعتبار الرجوع الى الكفاية]

مسألة 39- الأقوى اعتبار الرجوع الى الكفاية من تجارة أو زراعة أو صنعة أو منفعة ملك كبستان و دكان و نحوهما بحيث لا يحتاج الى التكفف و لا يقع في الشدة و الحرج، و يكفى كونه قادرا على التكسب اللائق بحاله، أو التجارة باعتباره و وجاهته و لا يكفى ان يمضي أمره بمثل الزكاة و الخمس و كذا من الاستعطاء كالفقير الذي من عادته ذلك و لم يقدر على التكسب، و كذا من لا يتفاوت حاله قبل الحج و بعده على الأقوى، فإذا كان لهم مئونة الذهاب و الإياب و مئونة عيالهم لم يكونوا مستطيعين و لم يجز حجهم عن حجة الإسلام (1)

______________________________

منه ما هو المتفاهم عند العرف و لا يكون مقيدا بمن تجب نفقته شرعا لعدم الدليل على التقييد و ما ذكرنا من اختصاص بعض الوجوه المتقدمة مرجعه الى عدم دلالته على أزيد من ذلك لا انه يدل على العدم في غيره كما لا يخفى.

و عليه فالمراد بالعيال كما في المتن ما يشمل العيال العرفي الذي تلزم نفقته عليه لزوما عرفيا و لكن الظاهر اختصاص ذلك بما إذا كان الشخص مراعيا للزوم العرفي و

منفقا على عياله كذلك خارجا و اما إذا لم يكن كذلك بل كان في البين مجرد اللزوم العرفي من دون ان يكون هناك إنفاق في الخارج فلا مجال لاعتبار وجود نفقته أصلا و لعل التعبير بوجود ما يمون به عياله ظاهر في تحقق الإنفاق العرفي كما لا يخفى.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة أيضا في مقامين: المقام الأول في أصل اعتبار الرجوع الى الكفاية و انه مع عدمه لا يجب الحج فالمنسوب الى أكثر القدماء هو الاعتبار قال الشيخ- قده- في المبسوط: «و الزاد و الراحلة شرط في الوجوب و المراعى في ذلك نفقته ذاهبا و جائيا، و ما يخلفه لكل من يجب عليه نفقته على قدر كفايتهم، و يفضل معه ما يرجع اليه يستعين به على أمره أو صناعة يلتجئ إليها فإن كان ضياع أو عقار أو مسكن يمكنه ان يرجع إليها و يكون قدر كفايته لزمه ..» و نسب ذلك الى ظاهر الصدوق و الشيخ المفيد و الحلبي و القاضي و بنى زهرة و حمزة و سعيد، بل عن الخلاف و الغنية إجماع الإمامية عليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 227

..........

______________________________

و لكنه قال المحقق- قده- في محكي المعتبر: «الرجوع الى الكفاية ليس شرطا و به قال أكثر الأصحاب» و اختاره العلامة في القواعد و شارحها في جامع المقاصد و من المتأخرين صاحب الحدائق و بعض آخر و كيف كان فالمسئلة خلافية و لأجله لا مجال للتمسك فيها بالإجماع أصلا مع انه على تقديره و عدم وجود الخلاف لما كان للإجماع أصالة بعد الظن بان مستند المجمعين انما هو بعض الوجوه الآتية التي استدل بها على الاعتبار و هي:

1-

عدم صدق الاستطاعة المفسرة بمثل ان عنده ما يحج به بدون قدر الكفاية بعد الرجوع كعدم صدقها بدون نفقة العيال في المسألة المتقدمة فهل التاجر الذي يكون رأس ماله بمقدار مصاريف الحج و إذا حج و رجع لا يقدر على التجارة بوجه بل يضطر الى ان يستعطى من الغير و يمد يده الى الناس يصدق عليه ان عنده ما يحج به و هو رأس المال الذي لا يقدر بدونه على التجارة و التعيش من طريق التكسب الظاهر عدم الصدق.

2- قاعدة نفى العسر و الحرج فإنه لا شبهة في تحقق الحرج في المثال المتقدم إذا وجب عليه صرف رأس المال في الحج و الرجوع مع فقدان رأس المال و توقف اعاشته و تجارته عليه كما هو ظاهر فهذه القاعدة نافية للوجوب مع الرجوع لا إلى كفاية.

3- الروايات الدالة على ذلك و هي كثيرة:

منها رواية أبي الربيع الشامي المتقدمة في المسألة السابقة بناء على دعوى كون ذيلها و هو قوله: و يبقى بعضا لقوت عياله لا يختص بقوته في خصوص مدة غيبة المعيل و طول سفره في الحج بل أعم منه و من القوت بعد الرجوع من الحج و هو لا ينطبق الا على اعتبار الرجوع الى الكفاية كاعتبار النفقة في مدة الغيبة.

و لو نوقش في ظهور الذيل في الأعم نظرا الى دعوى ظهوره في خصوص

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 228

..........

______________________________

النفقة في مدة الغيبة خصوصا مع عدم التعرض لقوت نفسه و لو كان المراد هو الأعم لكان اللازم التصريح به أيضا أو عدم ظهوره في الأعم و ان لم يكن ظاهرا في الخصوص أيضا نقول ان الرواية قد رواها المفيد-

قده- في المقنعة بنحو آخر يكون مقتضاه اعتبار الرجوع الى الكفاية و توضيحه ان صاحب الوسائل بعد ان روى الرواية بالنحو المتقدم عن الكليني- قده- قال: «و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب، و رواه الصدوق بإسناده عن أبي الربيع الشامي، و رواه في العلل عن محمد بن موسى بن المتوكل عن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري عن احمد بن محمد عن الحسن ابن محبوب مثله، و رواه المفيد في المقنعة عن أبي الربيع مثله الا انه زاد بعد قوله: و يستغنى به عن الناس يجب عليه ان يحج بذلك ثم يرجع فيسئل الناس بكفه لقد هلك إذا ثم ذكر تمام الحديث و قال فيه يقوت به نفسه و عياله».

و يستفاد منه ان الرواية قد رواها المشايخ الثلاثة مسندة بالنحو الأول و ان المفيد- قده- قد تفرد بنقل الحديث عن أبي الربيع بالنحو الثاني و ظاهره النقل عنه بنحو الإرسال لخلو العبارة عن ذكر كلمة «الاسناد» و نحوها كما ان الظاهر عدم كون ما نقله المفيد زيادة على النحو الأول بل القول المذكور انما هو بدل قوله ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذا لا انه زيادة واقعة بينه و بين قوله: و يستغنى به عن الناس لعدم المناسبة بين الزّيادة و بين قوله بعدها ينطلق إليهم .. أصلا فلا بد ان يكون المراد من الزيادة هي البدلية و وقوعه مقامه كما ان قوله: يقوت به نفسه و عياله بدل لقوله:

لقوت عياله، في ذيل الرواية.

و كيف كان فلا إشكال في دلالة الرواية على- نقل المفيد- على اعتبار الرجوع الى الكفاية و انه لا مجال لوجوب الحج مع سؤال الناس بكفه إذا رجع و قد

عرفت عدم دلالتها على نقل المشايخ الثلاثة على الاعتبار و- ح- فهل هذا الاختلاف يرجع الى تعدد الرواية و يقتضي ان يقال بان في المقام روايتين و لا بد من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 229

..........

______________________________

الجمع الدلالي بينهما على فرض إمكان الجمع و مساعدة العرف و العقلاء و معاملة قواعد باب التعارض على تقدير عدم إمكان الجمع أو ان الاختلاف المذكور لا يستلزم التعدد بوجه بل يوجب الترديد فيما هو الصادر من الامام عليه السّلام و ان الصادر هل يكون مطابقا لما رواه المشايخ أو لما رواه المفيد؟ الظاهر هو الثاني بل لا مجال للاحتمال الأول بعد كون الراوي واحدا و هو أبو الربيع الشامي.

و عليه فان قيل بعدم اعتبار نقل المفيد- قده- لكونه بنحو الإرسال و ليس من قبيل المرسلات المعتبرة عندنا و هي ما لو كانت الرواية مسندة الى الامام و منسوبة إليه كما إذا قال المرسل: قال الامام- عليه السلام- كذا فان مثله كاشف عن توثيق الوسائط و الا لا وجه للإسناد المذكور كما لا يخفى فاللازم الأخذ بالرواية على نقل المشايخ فقط.

و اما ان قلنا باعتبار نقل المفيد- قده- نظرا الى ان الظاهر كون نقله ناظرا الى نقل المشايخ و انه انما حذف الاسناد المذكور في كلامهم لا انه نقل مستقل بنحو الإرسال فربما يقال بان مقتضى ترجيح أصالة عدم النقيصة الجاري في مثل المقام هو ترجيح نقل المفيد المشتمل على الزيادة و الحكم باعتبار الرجوع الى الكفاية الا ان الظاهر انه لا مجال له في المقام- و ان سلمنا الترجيح المذكور في مورده- و ذلك لان مورده ما إذا دار الأمر بين الزيادة و

النقيصة كما إذا اشتمل أحد النقلين على زيادة دالة على حكم زائد و كان الأخر فاقدا لتلك الزيادة و اما في المقام فلا يكون الأمر دائرا بينهما لما عرفت من ان تعبير صاحب الوسائل بالزيادة في نقل المفيد في غير محله لان نقل المشايخ مشتمل على جملات بعد قوله عليه السّلام: و يستغنى به عن الناس و نقل المفيد مشتمل على جملات آخر مكان تلك الجملات فلا يكون الأمر دائرا بين الزيادة و النقيصة.

و دعوى عدم كون الجملات المذكورة في نقل المشايخ مشتملا على حكم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 230

..........

______________________________

زائد بخلاف الجملات المذكورة في نقل المفيد فإنها تشتمل على حكم زائد و هو اعتبار الرجوع الى الكفاية.

مدفوعة بان الأمر و ان كان كذلك الا ان الملاك في ترجيح أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة ليست هذه الزيادة بل زيادة العبارة و الجملة و الكلام و الكلمة بشرط ان لا يكون مجرد العبارة فقط بل دالا على أمر زائد فلا مجال للترجيح في المقام.

فانقدح من جميع ما ذكرنا انه لا مجال لاستفادة الاعتبار من الرواية و ان قلنا بوثاقة أبي الربيع و اعتبار نقل المفيد و ترجيح أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة.

و منها ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد- عليهما السّلام- في حديث شرائع الدين قال: و حج البيت واجب على من استطاع اليه سبيلا و هو الزاد و الراحلة مع صحة البدن و ان يكون للإنسان ما يخلفه على عياله، و ما يرجع اليه بعد حجه. «1».

و دلالتها على اعتبار الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة الموجبة للحج واضحة و

لكنها ضعيفة من حيث السند.

و منها رواية عبد الرحيم القصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال سأله حفص الأعور و انا اسمع عن قول اللّٰه- عز و جل- وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال ذلك القوة في المال و اليسار قال فان كانوا موسرين فهم ممن يستطيع الحج؟ قال: نعم الحديث. «2»

و مثلها رواية عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن قوله تعالى

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح- 4

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 231

..........

______________________________

وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال: الصحة في البدن و القدرة في ماله «1» و دلالتهما على اعتبار الرجوع الى الكفاية انما هو باعتبار ان عناوين القوة في المال و القدرة فيه و اليسار لا تكاد تتحقق بدون الرجوع المذكور.

و لكن الظاهر- كما أفيد- ان هذه العناوين ذات مراتب و لا ظهور فيها في المرتبة التي تكون زائدة على الزاد و الراحلة المفسرة بهما الاستطاعة في جملة من الروايات المفسرة بحيث يتحقق التعارض و الاختلاف بينهما كما لا يخفى.

و منها صحيحة ذريح المحاربي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: من مات و لم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا. «2»

و أورد على الاستدلال بها بأن الإجحاف أمر مشكك ذو مراتب و ما ورد من تفسير الاستطاعة بالزاد و الراحلة مفسر لهذا العنوان فيعلم منها ان المراد من عدم

حصول الإجحاف هو كونه واجدا للزاد و الراحلة لو لم يرد دليل تعبدي آخر على اعتبار وجدانه زائدا على ذلك.

و الجواب عن هذا الإيراد أن وجدانه للزاد و الراحلة مأخوذ في موضوع المسألة ضرورة ان المراد من قوله من مات و لم يحج حجة الإسلام ليس مطلق من لم يحج بل خصوص المستطيع و هو الواجد للزاد و الراحلة لا محالة و بعبارة أخرى ظاهر مفروض السؤال ثبوت المقتضى للوجوب و تحقق المانع عن العمل بداهة ان غير المستطيع لا يكون له مانع عن الحج بل عدم صدور الحج عنه لعدم تحقق المقتضي.

فإذا كان وجود الزاد و الراحلة مفروضا في أصل الموضوع فلا محالة يكون المراد من الحاجة المجحفة مثل نفقة العيال في مدة الغيبة و نفقة نفسه و عياله بعد

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 12

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 232

..........

______________________________

الرجوع فالإنصاف صحة الاستدلال بهذه الرواية لتماميتها من حيث السند و الدلالة.

و منها ما ذكره صاحب مجمع البيان في ذيل قوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا من قوله: المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) انه الزاد و الراحلة و نفقة من تلزمه نفقته و الرجوع الى كفاية اما من مال أو ضياع أو حرفة مع الصحة في النفس و تخلية الدرب (السرب) من الموانع و إمكان المسير. «1».

و الظاهر عدم كونها رواية و لو مرسلة بل انما هو استنباط له من ملاحظة الروايات الواردة في الباب فلا يصح للاستناد اليه بوجه.

و منها صحيحة هارون بن حمزة الغنوي عن

أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحج و له ورثة قال: هم أحق بميراثه ان شاءوا أكلوا و ان شاءوا حجوا عنه. «2».

و مثلها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل توفى و اوصى ان يحج عنه قال ان كان صرورة فمن جميع المال انه بمنزلة الدين الواجب، و ان كان قدر حج فمن ثلثه، و من مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم أحق بما ترك فان شاءوا أكلوا و ان شاءوا حجوا عنه. «3».

و دلالتهما على اعتبار الرجوع الى الكفاية انما هو باعتبار الحكم بعدم وجوب الحج على الورثة إذا كانت التركة بمقدار نفقة الحج فيعلم من ذلك انه يعتبر في الوجوب على المورث أمر زائد على ذلك و هو الرجوع الى الكفاية.

و لكن ورد في هذا المجال رواية أخرى و هي صحيحة ضريس الكناسي قال سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذرا في شكر ليحجنّ به

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح- 5

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع عشر ح- 1

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 233

..........

______________________________

رجلا إلى مكة فمات الذي نذر قبل ان يحج حجة الإسلام و من قبل ان يفي بنذره الذي نذر قال: ان ترك ما لا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال، و اخرج من ثلثه ما يحج به رجلا

لنذره و قد وفى بالنذر، و ان لم يكن ترك مالا الا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك، و يحج عنه وليه حجة النذر انما هو مثل دين عليه «1» و ظاهرها تعين وجوب الحج في الفرض المذكور في الروايتين الذي حكم فيه بعدم الوجوب و تخيير الورثة بين فعل الحج و تركه.

و لكن الظاهر ان مورد هذه الرواية بقرينة قوله: عليه حجة الإسلام صورة استقرار الحج على الرجل و عليه فمقتضى الجمع بين هذه الرواية و الروايتين حملهما على صورة عدم الاستقرار و عليه فتدلان على اعتبار الرجوع الى الكفاية لأنه لو لا ذلك لكان اللازم على الورثة الحج مع عدم كون المتروك الا بمقدار خصوص نفقة الحج الا ان يقال ان عدم الوجوب في الفرض المذكور ليس لأجل عدم تحقق الرجوع الى الكفاية بل لأجل عروض الموت للمورث الكاشف عن عدم وجوب حجة الإسلام فإن المستطيع لو مات في سنة الاستطاعة قبل ان يحج لا يجب عليه حجة الإسلام و لو كان شرط الرجوع الى الكفاية متحققا بالإضافة إليه فعدم الوجوب في مورد الرواية لعله كان لأجل الموت لا لفقدان الرجوع إليها كما لا يخفى.

هذا و لكن الظاهر عدم اختصاص موردهما بما إذا عرض الموت في سنة الاستطاعة بل مقتضى الإطلاق الشمول لما إذا عرض بعدها غاية الأمر خلو الاستطاعة الحاصلة عن الرجوع الى الكفاية و عليه فالفرق بين الموردين اختصاص مورد صحيحة ضريس بما إذا استقر عليه حجة الإسلام و من الممكن اعتبار الرجوع الى الكفاية في تحقق الاستقرار فتدبر.

هذا و لكن ربما يناقش في أصل دلالة الروايتين بأن غاية مفادهما ان وجدانه

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج

و شرائطه الباب التاسع و العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 234

..........

______________________________

لنفقة الحج فقط لا يكفي في وجوب الحج عليه بل يعتبر وجدانه زائدا على ذلك و اما اعتبار وجدانه لمقدار الرجوع الى الكفاية فلا دلالة لهما عليه فلعله يكفى كونه واجدا لنفقة العيال الى زمان عوده الى وطنه زائدا على نفقة حجه فتدبر.

المقام الثاني في انه بعد اعتبار الرجوع الى الكفاية في الجملة هل يجب الحج على الفقير الذي يعيش من الزكاة أو على طالب العلم الذي يعيش من سهم الامام (ع) أو على السيد الذي يستحق سهم السادة و يعيش به و أمثالهم و طرح البحث فيهم يمكن ان يكون على سبيل البحث الكبروي بأن كان البحث في انه هل يعتبر فيهم الرجوع الى الكفاية أيضا أو لا يعتبر فيهم كما في الاستطاعة البذلية حيث عرفت انه لا يعتبر فيها الرجوع الى الكفاية و يمكن ان يكون على نحو البحث الصغروي بأن كان البحث في انه بعد اعتبار الرجوع الى الكفاية مطلقا هل يتحقق الرجوع إليها بالإضافة إليهم أم لا، يستفاد من السيد في العروة الأول كما ان ظاهر المتن هو الثاني.

و كيف كان فاللازم ملاحظة الأدلة فنقول: ان قلنا بان الدليل على أصل اعتبار الرجوع الى الكفاية هي قاعدة نفى العسر و الحرج فاللازم ان يقال بعدم اعتباره في الموارد المذكورة و مثلها لعدم كون وجوب الحج في مثله مستلزما للعسر و الحرج فإذا فرض ان طالبا من طلاب العلم مع كون اعاشته من طريق الرواتب التي هي من الخمس نوعا صار مستطيعا بسبب الإرث بمقدار نفقة الحج و العيال في مدة الغيبة فقط لا

يكون إيجاب الحج عليه مستلزما للعسر و الحرج بعد كون اعاشته من الرواتب الثابتة بعد الحج أيضا.

و ان قلنا بان الدليل على أصل الاعتبار هو كون الرجوع الى الكفاية مأخوذا في معنى الاستطاعة بحسب نظر العرف و انه لا يتحقق الاستطاعة بدونه فاللازم الحكم بعدم الوجوب في الموارد المذكورة لعدم تحقق الرجوع الى الكفاية و لزوم كونه مالكا لما يستعين به على الاعاشة بعد الرجوع و يستغنى به كما هو المفروض.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 235

..........

______________________________

و ان قلنا بان الدليل هي الروايات الواردة في الباب فمقتضى رواية أبي الربيع الشامي المتقدمة على نقل المفيد- قده- أيضا عدم الوجوب لصراحتها في ان المراد بالاستطاعة هي السعة في المال بنحو يبقى بعضا يقوت به نفسه و عياله و ظاهرها باعتبار ذكر النفس هو القوت بعد الرجوع و من المعلوم عدم تحقق السعة بهذا المعنى في مثل الموارد المذكورة كما لا يخفى و لكن قد عرفت عدم ثبوت هذا النقل كما ان مقتضى ما ورد مما يدل على ان المراد من الاستطاعة هي القوة في المال أو القدرة فيه أو اليسار أو مثلها من التعبيرات هو عدم الوجوب بناء على عدم تحقق هذه العناوين في مثل الموارد المذكورة لكنك عرفت انه محل تأمل و اشكال لتفسير السعة بالزاد و الراحلة و نفقة العيال فقط في رواية أبي الربيع على نقل المشايخ الثلاثة على ما مرّ.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 1، ص: 235

هذا و قد عرفت

ان العمدة في الروايات هي صحيحة ذريح المحاربي المتقدمة المشتملة على قوله لم يمنعه عن ذلك حاجة تجحف به و من الظاهر انه مع وجود ما يستغنى به من مثل الزكاة و الخمس لا يكون في البين حاجة تجحف به لارتفاع حاجته به و على ما ذكرنا فالظاهر وجوب الحج في الموارد المذكورة و مثلها كالفقير الذي يعيش بالصدقة المستحبة بالاستعطاء و الأخذ و الاعتياد بهما كما ان الظاهر عدم محدودية ذلك بالعمر أو السنة أو مثلهما بل الملاك عدم وجود الحاجة المجحفة و لو فرض تحقق الحاجة الكذائية على خلاف العادة بعد الرجوع من الحج لا يكشف ذلك عن عدم وجوب حجه و عدم كونه حجة الإسلام كما لا يخفى.

و قد صادف هذا الزمان مع فاجعة عظيمة و حادثة مولمة ينبغي ان يسيل لأجلها بدل الدموع الدّم و هي المصيبة الكبرى التي ابتلى بها المسلمون في جميع أقطار العالم بل غير المسلمين من المستضعفين و هي ارتحال سيدنا الأستاذ الأعظم الامام الخمينى الماتن- قدس سره الشريف- بعد دورة قليلة من المرض و الكسالة الذي اضطر فيه الى العمل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 236

..........

______________________________

الجراحي و كان ذلك ليلة الأحد آخر شوال المكرم من سنة 1409 من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف الثناء و التحية و بعد ان اطلع الناس على هذه الفاجعة من طريق الإذاعة صبيحة يوم الأحد صاروا حيارى سكارى و كأنهم قد أخذ منهم ما هو أحب الأشياء إليهم أو قد فقدوا من له حق الحياة و الهداية عليهم و هو كذلك فإنه وضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم و انقذهم من الضلالة و

ارجع إليهم الإسلام و نظامه و قد أسس الحكومة الإسلامية الحقيقية على مكتب التشيع الذي هو حقيقة الإسلام و بالطبع قد خرجوا من الضلال الذي كان محيطا بهم من جميع الجوانب و أعطاهم الحرية و الاستقلال و رفع يد الاستكبار و الكفار عن هذه المملكة التي صارت مستعمرة للكفر في تمام ابعادها و كان يعامل معها الكفار و في رأسهم الشيطان الكبير (امريكا) معاملة ملك أنفسهم و مع الناس معاملة العبيد و الإماء و كان سعيهم المخالفة مع الإسلام و هدم أساسه و رفع مظاهرة حتى ابدلوا التاريخ الإسلامي الذي مبدئه الهجرة النبوية إلى تاريخ السلطنة القومية لئلا يكون من الإسلام أثر و لا يبقى منه رائحة أصلا و كان الامام الخمينى- قده- هو الذي قابل الكفر و عارضه حتى أسقط حكومة الشاة العميل و الأجير الخبيث و أسس مكانه الحكومة الإسلامية المبتنية على قوانين الإسلام و قد تحمل في هذا الطريق مشاقا كثيرة الحبس و التبعيد و أنواع التهمة و الافتراء حتى ممن ينتحل في هذا الطريق مشاقا كثيرة الحبس و التبعيد و أنواع التهمة و الافتراء حتى ممن ينتحل العلم و الدين و يرتزق بسببهما و لم يستشم في الحقيقة رائحتهما خصوصا الدين منهما.

و بالجملة بعد اطلاع الناس على هذه الحادثة غير المترقبة عطلوا دكاكينهم و رفعوا اليد عن مشاغلهم و في ثلاثة أيام التي وقع فيها التوديع و التشييع و التدفين اجتمع ما يزيد على عشرة ملايين من العاصمة و البلاد المختلفة الداخلية و الخارجية و كل يوم منها و من الأيام التي بعدها و الان خامس الأيام كأنه يوم العاشور الذي وقع فيه قتل جده الحسين و أولاده و أنصاره- عليه

و عليهم السلام- فمن محافل اجتمعوا فيه لإقامة العزاء و اجتماعات سيارة مشتملة على الضرب على الرءوس و الصدور و البكاء و الضجّة و من العجائب الذي ليس له في التاريخ نظير أنه لأجل شدة الازدحام و تكاثر الأنام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 237

[مسألة 40- لا يجوز لكل من الولد و الوالد أن يأخذ من مال الأخر و يحج به]

مسألة 40- لا يجوز لكل من الولد و الوالد أن يأخذ من مال الأخر و يحج به، و لا يجب على واحد منهما البذل له، و لا يجب عليه الحج و ان كان فقيرا و كانت نفقته على الأخر و لم تكن نفقة السفر أزيد من الحضر على الأقوى. (1)

______________________________

لم يتمكن من تدفين الإمام إلا بعد ساعات كثيرة بعد تدابير مخصوصة و الاستفادة من القوى الانتظامية و الان بعد مضى خمسة أيام يكون قبره محاطا بالناس و لا يزال يكون مجتمعا عنده ما يزيد على مائة ألف في كل آن و كانّ الناس قد نسوا أهلهم و عيالهم و حتى أنفسهم و لا يتفكرون إلّا في فقدان امامهم و لا يرون الّا ذهاب جميع ما يتعلق بهم من الدين و الدنيا و انا اسلّى هذه المصيبة إلى صاحبها بقية اللّٰه الأعظم روحي و أرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء و أرجو من كريم لطفه و فضله و عنايته الشاملة أن ينظر الى القلوب المجروحة و الابصار الدامعة نظرة عناية و رأفة و تحنن و الى هذا النظام و الثورة نظرة تحكيم و تسديد و السلام عليه و على آبائه الطاهرين.

(1) لا خلاف في انه لا يجوز للولد الأخذ من مال الوالد ليحج به و لا يجب على الوالد البذل له و تدل عليه القاعدة و

كذا الروايات التي يأتي بعضها.

انما الخلاف و الاشكال في العكس و هو أخذ الوالد من مال الولد للحج و وجوب إعطاء الولد له و عدم جواز الامتناع عنه فالأشهر بل المشهور- كما في الجواهر- عدم الجواز خلافا للمحكي عن النهاية و الخلاف و التهذيب و المهذب و ان كان بينها اختلاف من جهة التصريح بوجوب الحج على الوالد في الأولين و بالجواز في الأخير و في التهذيب التعبير بأنه يأخذ من مال الولد و هو محتمل للوجوب و الجواز.

و العمدة فيها عبارة الشيخ في الخلاف قال فيه في كتاب الحج في المسألة الثامنة: «إذا كان لولده مال روى أصحابنا انه يجب عليه الحج و يأخذ منه قدر كفايته و يحج به و ليس للابن الامتناع منه و خالف جميع الفقهاء في ذلك دليلنا الأخبار المروية في هذا المعنى من جهة الخاصة و قد ذكرناها في الكتاب الكبير و ليس فيها ما يخالفها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 238

..........

______________________________

فدل على إجماعهم على ذلك و أيضا قوله- صلّى اللّٰه عليه و آله- أنت و مالك لأبيك فحكم ان ملك الابن مال الأب و إذا كان له فقد وجد الاستطاعة فوجب عليه الحج».

و الرواية التي رواها في كتابه الكبير هي صحيحة سعيد بن يسار الآتية و التعبير بالجمع امّا لما في محكي كشف اللثام من ان الرواية و ان كانت واحدة الّا انه رواها في التهذيب بطريق ثلاثة طريقين في الحج و هما طريق موسى بن القاسم و طريق احمد بن محمد بن عيسى و طريق في المكاسب و هو طريق الحسين بن سعيد و اما لإرادته النصوص الموافقة معها المشتملة على

خصوصيتين إحديهما عدم التعرض فيها للحج و الثانية عدم الاشتمال على قوله- صلّى اللّٰه عليه و آله- أنت و مالك لأبيك اما الأول فلعدم التعرض في شي ء من الروايات لمسألة الحج غير رواية سعيد بن يسار و اما الثاني فلجعل الرواية المشتملة على القول المزبور دليلا آخر على مدعاه كما في العبارة المتقدمة.

و أورد على دعواه الإجماع صاحب الجواهر بأنه لم نعرف من وافقه على ذلك غير المفيد و كيف كان فالرواية ما رواه سعيد: قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام الرجل يحج من مال ابنه و هو صغير قال نعم يحج منه حجة الإسلام، قلت و ينفق منه قال نعم، ثم قال ان مال الولد لوالده ان رجلا اختصم هو و والده إلى النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- فقضى ان المال و الولد للوالد. «1»

و أورد بعض الاعلام على استدلال الشيخ- قده- بهذه الرواية بوجهين:

أحدهما ان المذكور في الرواية الولد الصغير و من المعلوم جواز تصرف الولي في مال الصغير إذا كان بالمعروف و ثانيهما ان السؤال في الرواية عن الجواز و عدمه لا الوجوب فهي لا تفيد الشيخ- قده- و الجواب عن الإيراد الأول وضوح عدم ارتباط السؤال بمسألة الولاية الثابتة للأب على الصغير فإن الولاية لا ترتبط بحج الولي لنفسه أصلا و عن الإيراد الثاني

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و الثلاثون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 239

..........

______________________________

ان محط السؤال و ان كان هو الجواز و عدمه الا ان توصيف حجه بكونه حجة الإسلام لا يكاد ينطبق الا على الوجوب لان الوجوب مأخوذ في معناها بل قد عرفت ان

الحج الواجب في الشريعة ليس إلا حجة الإسلام فالرواية ظاهرة الدلالة على مرام الشيخ- قده- و تؤيد الرواية المذكورة روايات: منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال سألته عن الرجل يحتاج الى مال ابنه قال يأكل منه ما شاء من غير سرف، و قال في كتاب على- عليه السّلام- ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلا باذنه و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء و له ان يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها و ذكر ان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- قال لرجل أنت و مالك لأبيك. «1» و لا يخفى ان تقييد الأكل بعدم الإسراف في صدر الرواية ثم إيراد ما في كتاب على- عليه السّلام- و نقل ما قاله رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- يشعر بعدم كون المراد منهما الإطلاق و ان مال الابن مال الوالد مطلقا يفعل به ما يشاء.

و منها صحيحة على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال: سألته عن الرجل يكون لولده الجارية أ يطأها قال ان أحبّ، و ان كان لولده مال و أحب ان يأخذ منه فليأخذ، و ان كانت الأم حية فلا أحب ان تأخذ منه شيئا إلا قرضا «2» و منها رواية محمد بن سنان ان الرضا- ع- كتب اليه فيما كتب من جواب مسائله: و علة تحليل مال الولد لوالده بغير اذنه و ليس ذلك للولد لان الولد موهوب للوالد في قوله- عز و جل- يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ، مع انه المأخوذ بمؤنته صغيرا و كبيرا، و المنسوب

اليه و المدعو له لقوله- عز و جل- ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ، و لقول النبي- ص- أنت و مالك لأبيك و ليس للوالدة مثل ذلك لا تأخذ من ماله شيئا إلا بإذنه أو اذن الأب و لان الوالد مأخوذ بنفقة الولد و لا تؤخذ

______________________________

(1) ئل أبواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعون ح- 1

(2) ئل أبواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعون ح- 10

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 240

..........

______________________________

المرأة بنفقة ولدها. «1»

و في مقابل هذه الروايات روايات اخرى:

مثل صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر- عليه السّلام- ان رسول اللّٰه- ص- قال لرجل أنت و مالك لأبيك ثم قال أبو جعفر- ع- ما أحب ان يأخذ من مال ابنه الا ما احتاج اليه مما لا بد منه ان اللّٰه لا يجب الفساد. «2» و ما في الذيل من قول أبي جعفر- ع- اما إيماء الى عدم صحة ما اشتهر نقله من رسول اللّٰه- كما في الجواهر- و اما إشارة الى عدم كون ذلك حكما فقهيا كليا جاريا في جميع الموارد بل حكما في واقعة خاصة ناشيا عن الجهات الأدبية و الأخلاقية كما يظهر من بعض الروايات الآتية.

و صحيحة ابن سنان قال سألته- يعني أبا عبد اللّٰه- ع- ما ذا يحل للوالد من مال ولده؟ قال اما إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له ان يأخذ من ماله شيئا، و ان كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له ان يطأها الا ان يقومها قيمة تصير لولده قيمتها عليه قال: و يعلن ذلك قال و سألته عن الوالد أ يرزأ [1] من مال ولده

شيئا قال نعم و لا يرزأ الولد من مال والده شيئا إلا بإذنه، فإن كان للرجل ولد صغار لهم جارية فأحب أن يقتضيها فليقومها على نفسه قيمة ثم ليصنع بها ما شاء ان شاء وطأ و ان شاء باع. «4».

و منها صحيحة الحسين بن أبي العلاء قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال قوته (قوت خ ل) بغير سرف إذا اضطر اليه قال فقلت له: فقول رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال له: أنت و مالك لأبيك فقال انما

______________________________

[1] رزأه ماله كجعله و علمه رزءا بالضم أصاب منه شيئا كارتزأ ماله و رزأه رزءا و مرزئة أصاب منه خيرا.

______________________________

(1) ئل أبواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعون ح- 9

(2) ئل أبواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعون ح- 2

(4) ئل أبواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 241

..........

______________________________

جاء بأبيه إلى النبي صلّى اللّٰه عليه و آله فقال يا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله هذا ابى و قد ظلمني ميراثي عن أمي فأخبره الأب انه قد أنفقه عليه و على نفسه و قال أنت و مالك لأبيك و لم يكن عند الرجل شي ء أو كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله يحبس الأب للابن. «1» و هذه هي الرواية التي أشرنا إليها و قلنا بدلالتها على عدم كون حكم رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و قوله حكما كليا فقهيا بل حكما ادبيا اخلاقيا واقعا في واقعة خاصة و يؤيده انه لا

معنى لكون الابن بنفسه ملكا للأب بحيث يعامل معه معاملة العبد المملوك يبيعه و يتصرف فيه بما يتصرف فيه فهو يدل على عدم كون اضافة ماله إليه إضافة ملكية كأموال نفس الأب.

و منها رواية على بن جعفر عليه السّلام عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال سألته عن الرجل يأكل من مال ولده؟ قال لا الّا ان يضطر إليه فيأكل منه بالمعروف و لا يصلح للولدان يأخذ من مال والده شيئا إلّا بإذن والده. «2»

و منها صحيحة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن الوالد يحل له من مال ولده إذا احتاج اليه قال: نعم و ان كان له جارية فأراد أن ينكحها قومها على نفسه و يعلن ذلك قال و ان كان للرجل جارية فأبوه أملك بها ان يقع عليها ما لم يمسها الابن. «3»

ثم انه ذكر السيد- قده- في العروة ان قول الشيخ ضعيف و ان كان يدل عليه صحيح سعيد بن يسار و استدل عليه بإعراض الأصحاب عنه قال مع إمكان حمله على الاقتراض من ماله مع استطاعته من مال نفسه، أو على ما إذا كان فقيرا و كانت نفقته على ولده و لم يكن نفقة السفر الى الحج أزيد من نفقته في الحضر إذ الظاهر الوجوب- ح- أقول: اما الاعراض فلا مجال لإثباته بل لا مجال لدعويه بعد ذهاب الشيخين

______________________________

(1) ئل أبواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعون ح- 8

(2) ئل أبواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعون ح- 6

(3) ئل أبواب ما يكتسب به الباب التاسع و السبعون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 242

..........

______________________________

الى مفاده و

الفتوى على طبقه خصوصا مع ادعاء الشيخ الإجماع على وفقه كما عرفت في عبارته المتقدمة و فتوى المشهور على الخلاف لا دلالة لها على الاعراض فإنه يمكن ان يكون وجهها ترجيح الطائفة المعارضة و تقديمها عليه لا الاعراض و اما إمكان الحمل الأول المحكي عن الاستبصار و بعض كتب العلامة فلا يكفى بمجرده بعد عدم اقتضاء الجمع العرفي له و كذا إمكان الحمل الثاني المحكي عن كاشف اللثام فإنه أيضا بمجرده لا يكفي إلا إذا كان مقتضى الجمع العرفي.

و التحقيق في المقام ان يقال ان ما استدل به الشيخ لمرامه في كتاب الخلاف أمران أحدهما: الحديث النبوي و قوله صلّى اللّٰه عليه و آله أنت و مالك لأبيك الثاني: صحيح سعيد بن يسار.

اما الحديث النبوي فظاهره و ان كان ثبوت الملكية للوالد بالإضافة الى مال الولد مطلقا لكنه قد ورد في تفسيره و بيان المراد منه طائفتان من الروايات من الأئمة الأطهار- عليهم الصلاة و السلام- و من الظاهر ثبوت المعارضة بين الطائفتين و عدم إمكان الجمع بين التفسيرين فإنه كيف يجتمع ثبوت الملكية المطلقة التي مقتضاها التصرف فيه ما شاء و بأيّ نحو أراد مع كون المراد هو القوت مع الاضطرار اليه بدون ان يتحقق الإسراف و بعد تحقق التعارض لا محيص عن الرجوع الى المرجحات و قد ذكرنا مرارا ان أول المرجحات على ما يستفاد من المقبولة هي موافقة الشهرة الفتوائية و من المعلوم موافقتها مع الروايات الحاكمة بالتحديد و لزوم الاقتصار على القوت المذكور.

نعم بعض الروايات المتقدمة خالية عن التعرض للنبوي و التفسير له و تدل على جواز وطي جارية الابن ان أحبّ الأب و لكنها قابلة للحمل على ما إذا قومها

على نفسها بشهادة الروايات الأخر المتعددة الدالة على ذلك و مقتضى الجمع مع ذلك انّه حكم ارفاقى بالإضافة إلى الوالد على خلاف القاعدة لدلالته على جواز التقويم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 243

[مسألة 41- لو حصلت الاستطاعة لا يجب ان يحج من ماله]

مسألة 41- لو حصلت الاستطاعة لا يجب ان يحج من ماله، فلو حج متسكعا أو من مال غيره و لو غصبا صح و أجزأه نعم الأحوط عدم صحة صلاة الطواف مع غصبية ثوبه، و لو شراه بالذمة أو شرى الهدى كذلك فان كان بناؤه الأداء من الغصب ففيه اشكال و الا فلا إشكال في الصحة، و في بطلانه مع غصبية ثوب الإحرام و السعي إشكال و الأحوط الاجتناب (1)

______________________________

و لو من غير اذن الابن أو رضاه و الظاهر انه لا فرق فيه بين ما إذا كان الابن صغيرا أو كبيرا للتعبير عن الولد بالرجل في بعض الروايات المتقدمة.

و اما صحيحة سعيد بن يسار فلو كانت خالية من الذيل المشتمل على التعليل بالنبوي و التفسير له بما يوافق إحدى الطائفتين المتقدمتين لكان من الممكن القول بوجوب الحج على الوالد من مال الولد لعدم المخالف له في هذه الجهة و عدم منافاته مع التفسير بالقوت بغير سرف كعدم منافاة تقويم الجارية لنفسه على ما عرفت الا ان اشتمالها على التعليل المزبور المبتني على أحد التفسيرين و رجحان التفسير الأخر عليه يوجب ضعف الرواية و عدم إمكان الالتزام بمفادها فالحق- ح- ما عليه المشهور من عدم الوجوب بل عدم الجواز مطلقا حتى في الفرض الذي استظهر السيد- قده- الوجوب فيه كما لا يخفى.

(1) الاستطاعة الحاصلة شرط لوجوب الحج و ثبوته على المكلف و اما صرفها في الحج فلا دليل

على وجوبه الا فيما إذا توقف الإتيان بالحج عليه و في غير هذه الصورة لا مجال لتوهم الوجوب و عليه فلو حج المستطيع متسكعا و مضيقا على نفسه في المركب و المسكن و غيرهما لا يقدح ذلك في صحة حجه و تمامية عمله بوجه كما انه لو حج من مال غيره مثل ما إذا بذل له الغير مصارف الحج ليحج لنفسه فقبل و صرف المال المبذول لا يضر ذلك بعمله أصلا و لا يوجب عدم اتصاف حجه بكونه حجة الإسلام الواجبة بسبب الاستطاعة المالية بل لو كان مال الغير الذي صرفه في الحج قد صرفه بغير اذنه و رضاه فإنه لا يوجب البطلان نعم الكلام يقع في موارد خاصة:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 244

..........

______________________________

منها الطواف فإنه حكم جماعة و منهم السيد- قده- في العروة باعتبار الستر في الطواف كاعتباره في الصلاة و لذا افتى السيد- قده- في المقام بعدم الصحة إذا كان ثوب الطواف غصبا و يظهر من الماتن- قدس سره الشريف- عدم الاعتبار لتعرضه لحكم صلاة الطواف مع غصبية الثوب دون نفس الطواف و قد احتاط وجوبا في كتاب الصلاة في مسألة اعتبار الستر في الصلاة باعتباره في الطواف أيضا و قد اخترنا هناك عدم الاعتبار.

و كيف كان فالظاهر عندنا عدم البطلان سواء قلنا باعتباره في أصل الطواف أو باعتباره في خصوص صلوته لان البطلان مبنى على القول بالامتناع و تقديم جانب النهي في مسألة اجتماع الأمر و النهى المعروفة أو على القول بالاجتماع و دعوى عدم إمكان كون المبعد مقربا في الخارج كما اختاره سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي- قده- و اما على تقدير القول بالاجتماع و إمكان

اجتماع المقرب و المبعد في عمل واحد خارجي لأجل العنوانين و انطباق المفهومين فاللازم هو القول بالصحة و يظهر من الماتن- قده- الترديد في ذلك لجعل عدم الصحة مقتضى الاحتياط الوجوبي و كان- قده- في مجلس الدرس أيضا مرددا في هذه الجهة.

و منها الهدى فإنه لو اشتراه بثمن معين مغصوب فالمعاملة باطلة و لازمها عدم انتقال الهدى الى ملكه و عليه يكون الحج باطلا و لو اشتراه بثمن كلي في الذمة فمقتضى إطلاق بعض الكلمات الصحة و لو ادى الثمن من المال المغصوب فإن الأداء المذكور لا يوجب بطلان المعاملة بل غايته ثبوت الثمن في ذمته بعد صحة المعاملة هذا و لكن يظهر من الماتن- قده- انه في هذه الصورة إذا كان بناؤه حال المعاملة على الأداء من المال المغصوب ففي صحة المعاملة إشكال و هو يستلزم الإشكال في صحة الحج و الوجه فيه انه مع هذا البناء ربما يمكن ان يقال بتحقق أكل المال بالباطل المنهي عنه نعم مع عدم هذا البناء لا مجال للإشكال في الصحة سواء كان بناؤه على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 245

[مسألة 42- يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية]

مسألة 42- يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية فلا يجب على مريض لا يقدر على الركوب أو كان حرجا عليه و لو على المحمل و السيارة و الطيارة، و يشترط أيضا الاستطاعة الزمانية فلا يجب لو كان الوقت ضيقا لا يمكن الوصول الى الحج أو أمكن بمشقة شديدة، و الاستطاعة السربية بان لا يكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول الى الميقات أو الى تمام الاعمال و الا لم يجب، و كذا لو كان خائفا على نفسه أو بدنه أو

عرضه أو ماله و كان الطريق منحصرا فيه أو كان جميع الطرق كذلك، و لو كان طريق الا بعد مأمونا يجب الذهاب منه، و لو كان الجمع مخوفا لكن يمكنه الوصول اليه بالدوران في بلاد بعيدة نائية لا تعد طريقا اليه لا يجب على الأقوى. (1)

______________________________

الأداء من مال نفسه أو لم يكن له بناء على الأداء من اىّ مال.

و منها ثوب الإحرام و قد حكم السيد- قده- في العروة بعدم الصحة مع غصبيته مع انه حكم في مباحث الإحرام بعدم مدخلية لبس الثوبين في ماهية الإحرام و حقيقته بل هو واجب تعبدي آخر و لا يكون من الأركان و عليه فلا يكون غصبيته موجبة لبطلان الحج أصلا.

نعم لو كان دخيلا و شرطا في الإحرام لكان اللازم الحكم بالبطلان بناء على مبناهم و اما على ما اخترنا فلا مجال للحكم بالبطلان و لو على هذا التقدير كما لا يخفى.

و منها ثوب السعي و الظاهر انه لا مجال للحكم بالبطلان مع كونه مغصوبا أصلا لأنه لا يعتبر فيه الستر و يصح حتى في صورة عدم وجوده و كونه عاريا و لكنه ذكر السيد- قده- في العروة انه لا يصح الحج في هذا المورد أيضا.

(1) تشتمل هذه المسألة على اعتبار ثلاث استطاعات في وجوب الحج:

الاولى الاستطاعة البدنية و الكلام فيها يقع في مراحل:

المرحلة الأولى أصل اعتبارها في الوجوب في الجملة و يدل عليه- مضافا الى ما في الجواهر: من قوله بلا خلاف أجده فيه بل عن المنتهى كأنه إجماعي بل عن المعتبر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 246

..........

______________________________

اتفاق العلماء عليه. بل في المستند دعوى الإجماع صريحا- الروايات المستفيضة الظاهرة في ذلك بل

في بعضها تفسير الاستطاعة الواردة في الآية الشريفة بما يشتمل عليها منها صحيحة محمد بن يحيى الخثعمي قال سئل حفص الكناسي أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- و انا عنده عن قول اللّٰه عز و جل وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. ما يعنى بذلك؟ قال من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة فهو ممن يستطيع الحج أو قال ممن كان له مال. فقال له حفص الكناسي: فإذا كان صحيحا في بدنه مخلى، له زاد و راحلة فلم يحج فهو ممن يستطيع الحج؟

قال: نعم. «1».

و منها خبر الفضل بن شاذان عن الرضا- عليه السّلام- في كتابه إلى المأمون قال و حج البيت فريضة على من اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، و السبيل الزاد و الراحلة مع الصحة «2» و منها صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في قوله- عز و جل- وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما يعنى بذلك؟ قال: من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه، له زاد و راحلة. «3»

و منها رواية الرحمن بن سيابة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في قوله: وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد و راحلة فهو مستطيع للحج. «4»

و منها رواية عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن قوله:

وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال الصحة في بدنه و القدرة في ماله «5»

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 4

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح-

6

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 7

(4) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 10

(5) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 12

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 247

..........

______________________________

و منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قال اللّٰه تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال هذه لمن كان عنده مال و صحة، و ان كان سوّفه للتجارة فلا يسعه و ان مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذا هو يجد ما يحج به الحديث. [1]

و منها صحيحة ذريح المحاربي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال من مات و لم يحج حجة الإسلام لم يمنعه عن ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا. و فيما رواه الشيخ قال: ان شاء يهوديا و ان شاء نصرانيا. «2».

و لكن ربما يتوهم انه تعارض هذه الروايات ما رواه السكوني عن أبي عبد الهّٰ - عليه السّلام- قال سأله رجل من أهل القدر فقال يا ابن رسول اللّٰه أخبرني عن قول اللّٰه- عز و جل- وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا أ ليس قد جعل اللّٰه لهم الاستطاعة؟ فقال: ويحك إنما يعني بالاستطاعة الزاد و الراحلة ليس استطاعة البدن الحديث. «3».

و يدفع التوهم المذكور- مضافا الى عدم تمامية الرواية من حيث السند- ان ظاهر الجواب باعتبار كونه جوابا عن سؤال كون المراد بالاستطاعة في الآية خصوص الاستطاعة البدنية المتحققة في غالب الناس انه ليس المراد خصوص ذلك بل ما

يشمل الزاد و الراحلة اللذين يحتاجان الى التحصيل نوعا و على تقدير الإجمال في الجواب تكون الروايات السابقة مبنية للمراد منه و مفسرة لما أريد و انه ليس المراد نفى مدخلية الاستطاعة البدنية رأسا بل المراد عدم كونها بخصوصها مرادة من الاستطاعة

______________________________

[1] ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 1 و في الوسائل بدل سوفه: سوقه و الظاهر عدم صحته

______________________________

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح- 1

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 248

..........

______________________________

القرآنية كما انه لو فرض ثبوت التعارض يكون الترجيح مع تلك الروايات لموافقتها للشهرة الفتوائية المحققة على ما عرفت فلا مجال للإشكال في أصل اعتبار الاستطاعة البدنية في الجملة.

المرحلة الثانية في المراد من الاستطاعة البدنية قد ظهر مما تقدم ان العنوان المأخوذ في أكثر الروايات المتقدمة الصحة في البدن و في صحيحة ذريح جعل المانع المرض الذي لا يطيق فيه الحج و الظاهر ان هذا هو الملاك باعتبار تناسب الحكم و الموضوع و كون المراد من الطاقة هي الطاقة العرفية لا العقلية كما هو واضح فالمرض الذي لا يكون الحج معه مقدورا عرفا يمنع عن تحقق الوجوب و عليه فمثل الأعمى و الأصم و الأخرس و الأعرج و بعض الأمراض المنافي لصحة البدن غير المنافي للحج بوجه لا يكون خارجا بالاستطاعة البدنية و كذلك السفيه و لو فرض كون السفه شعبة من الجنون لا يكون خارجا عن دائرة الحكم بالوجوب.

و يظهر مما ذكرنا ان الملاك كون المرض لا يطيق فيه الحج فلا يختص بعدم القدرة على الركوب فقط كما يستشم من كلمات

الفقهاء حيث انهم فرعوا على اعتبار الاستطاعة البدنية عدم القدرة على الركوب و عليه فلو كان منشأ عدم القدرة شيئا آخر غير مسألة الركوب كالاستيحاش الذي لا يتحمل من جهة رؤية تلك الجمعية الكثيرة المجتمعة في مكة و كذلك بعض الجهات الأخر يكون ذلك مانعا عن الوجوب.

المرحلة الثالثة في الفرعين اللذين ألحقهما السيد- قده- في العروة بعدم القدرة على الركوب و حكم فيهما بعدم الوجوب قال: و كذا لو تمكن من الركوب على المحمل لكن لم يكن عنده مئونته، و كذا لو احتاج الى خادم و لكن عنده مئونته و موردهما ما إذا كانت الاستطاعة المالية المناسبة لشأنه متحققة و لكن المرض صار مانعا عن الجري على طبقها فكان شأنه الركوب على الدابة و لكنه لا يقدر عليه بل على الركوب على المحمل و مثله في هذه الأزمنة ما إذا كان شأنه الركوب على السيارة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 249

..........

______________________________

و لكنه لا يقدر لأجل المرض الأعلى الركوب على الطيارة و في مثال الخادم كانت الاستطاعة المناسبة لشأنه حاصلة بدون الخادم أيضا و لكن المرض اقتضى استصحابه و المفروض في المثالين عدم القدرة المالية على المحمل و على الخادم.

ثم ان وجه الحكم بعدم الوجوب في الفرعين واضح لان ما يقدر عليه لا يكون عنده مئونته و ما لا يقدر عليه لا يجب عليه لذلك فالحكم هو عدم الوجوب و لكنه وقع الكلام في ان سقوط وجوب الحج فيهما هل هو لأجل فقدان الاستطاعة المالية و عدم التمكن المالى أو انه لأجل وجود المرض و فقد الاستطاعة البدنية فعلى الأول لا يجب الحج بالمرة فلا تجب الاستنابة كما لا تجب

المباشرة و على الثاني تجب الاستنابة لما سيأتي من وجوب الاستنابة على المريض لدلالة النصوص عليه.

و الظاهر من إلحاق العروة هو الثاني و هو الحق لأن المفروض ان الاستطاعة المالية المناسبة لشأنه حاصلة لا نقص فيها أصلا غاية الأمر ان المرض صار مانعا عن الجري على طبقها و الركوب على الدابة و الحج بدون استصحاب الخادم و عليه فيجري فيهما حكم المريض من وجوب الاستنابة كما سيأتي بيان حكم المريض.

هذا و يظهر من عبارة المتن بلحاظ جعل المثال عدم القدرة على الركوب و لو على المحمل أو السيارة أو الطيارة ان صورة القدرة على الركوب على المحمل أو مثله خارج عن مثال المرض فاللازم ان يكون الوجه للسقوط هو فقد الاستطاعة المالية.

و هذا المعنى و ان كان يستفاد من العبارة الّا ان الظاهر عدم كونه مرادا للماتن- قدس سره الشريف- و يؤيده بل يدل عليه خلو هذين الفرعين المذكورين في العروة عن موارد تعليقته عليها و هو يدل على موافقته معها في هذه الجهة كما لا يخفى الثانية الاستطاعة الزمانية و قد نسب اعتبارها في الوجوب العلامة في التذكرة إلى علمائنا و في كشف اللثام انه إجماع و قال النراقي- قده- في المستند: للإجماع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 250

..........

______________________________

و فقد الاستطاعة و لزوم الحرج و العسر و كونه مما يعذره اللّٰه تعالى فيه كما صرح به في بعض الاخبار.

و يدل على اعتبارها و ان كانت الروايات الواردة في الاستطاعة و بيان المراد منها خالية عن التعرض لها انه لو كان الوقت ضيقا بحيث لا يقدر و لا يمكنه الوصول الى الحج تكون العلة لعدم الوجوب هو عدم القدرة

العقلية المعتبرة في ثبوت التكليف و إذا أمكنه لكن بمشقة شديدة لا تتحمل عادة يكون الوجه لعدم الوجوب هو دليل نفى الحرج الحاكم بعدم ثبوته معه كما لا يخفى.

ثم انه فرع السيد- قده- في العروة على عدم وجوب الحج فيما إذا كان الوقت ضيقا قوله: و- حينئذ- فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب و الا فلا و يظهر من أكثر محشى العروة و منهم الامام الماتن- قدس سره الشريف- الموافقة معه في هذه الجهة.

و لكنه أورد عليه بعض الاعلام في شرح العروة بأن الصحيح وجوب إبقاء الاستطاعة و عدم جواز تفويتها اختيارا لان وجوب الحج غير مقيد بزمان و انما الواجب مقيد بزمان خاص فالوجوب حالي و الواجب استقبالي كما هو شأن الواجب المعلق و لذا لو توقف الحج على قطع المسافة أزيد من سنة واحدة كما كان يتفق ذلك أحيانا في الأزمنة السابقة وجب الذهاب، و الاستطاعة الموجبة للحج غير مقيدة بحصولها في أشهر الحج أو بخروج الرفقة بل متى حصلت وجب الحج و يجب عليه التحفظ على الاستطاعة فلو استطاع في الخامس من شهر ذي الحجة و لم يتمكن من السفر الى الحج في هذه السنة يجب عليه إبقاء المال إلى السنة الآتية ليحج به.

و الجواب عن هذا الإيراد يظهر بعد ملاحظة أمرين: الأول ان الواجب المشروط الذي يتوقف وجوبه على تحقق الشرط و ثبوته إذا كان مشروطا بشرائط متعددة بحيث كان اجتماعها و تحقق مجموعها دخيلا في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 251

..........

______________________________

ثبوت الوجوب لا يتحقق وجوب الا بعد اجتماعها و يكون نقصان واحد منها كافيا في عدم تحقق الوجوب لان المفروض شرطية الاجتماع.

الثاني ان

ارتباط الزمان و إضافته إلى الحج يكون على نحوين فان الملحوظ ان كان نفس الزمان الذي يقع فيه اعمال الحج و مناسكه تكون مدخليته في الحج بنحو الواجب المعلق الذي أفاده المورد بمعنى كونه قيدا و دخيلا في الواجب دون الوجوب و ان كان الملحوظ الاستطاعة الزمانية التي هي وصف المكلف لان المراد به هي قدرته على ان يأتي بالحج في زمانه من دون ان يكون هناك حرج و مشقة فاعتبارها انما هو في الوجوب كاعتبار الاستطاعة المالية و الاستطاعة البدنية و لا يتحقق الوجوب بدونها لأن القدرة العقلية شرط لأصل ثبوت التكليف و دليل نفى الحرج رافع لأصل الحكم في مورد ثبوت الحرج.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان مقتضى الأمرين عدم وجوب الحج مع انتفاء الاستطاعة الزمانية كعدم وجوبه مع انتفاء الاستطاعة المالية أو البدنية و مع عدم وجوب الحج لا مجال للحكم بوجوب إبقاء الاستطاعة و التحفظ عليها الى العام القابل و الا فاللازم وجوب إبقاء الاستطاعة البدنية أيضا إذا كانت الاستطاعة المالية منتفية و لكنه يعلم بتحققها في العام القابل لأن دخالة الاستطاعتين في الوجوب على نحو واحد خصوصا مع التصريح في كثير من الروايات المتقدمة الواردة في تفسير الاستطاعة باعتبار كلا الأمرين كما ان اللازم فيما إذا كانت الاستطاعة المالية متحققة دون البدنية الحكم بلزوم إبقائها خصوصا في صورة العلم بتحقق الاستطاعة البدنية في العام القابل و الظاهر عدم التزامه به.

و لا مجال لدعوى ان المراد بالاستطاعة الزمانية المعتبرة في وجوب الحج هي الاستطاعة و لو بعد خمسين عاما بحيث لو علم بتحقق الاستطاعة الزمانية بعد الخمسين يجب عليه الحج فعلا و يجب عليه حفظ الاستطاعة المالية و إبقائها في مدة

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 252

..........

______________________________

الخمسين فالظاهر- حينئذ- ما افاده السيد- قده- في العروة و العجب انه لم يعلق المورد على هذا المورد في تعليقاته على العروة كأكثر المحشين على ما عرفت.

الثالثة الاستطاعة السربية و اعتبارها في وجوب الحج هو المشهور بين الفقهاء بل ادعى عليه الإجماع كما ذكره النراقي في المستند و يدل عليه الآية الشريفة المتضمنة لقوله تعالى مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا نظرا الى ان استطاعة السبيل هي الاستطاعة السربية و لا أقل من شموله لهذه الاستطاعة كما يدل عليه جملة من الروايات المتقدمة الدالة على ان تخلية السرب مأخوذة في الاستطاعة في رديف صحة البدن و الزاد و الراحلة و السرب بفتح السين المهملة و قد تكسر بمعنى الطريق فلا إشكال في اعتبارها و عليه فلو كان في الطريق مانع من الوصول الى الميقات أو الى مواضع الأعمال الأخر كمكة و عرفات و منى و نحوها لا يجب الحج من أول الأمر نعم لو عرض المانع في الأثناء فهو من المصدود الذي يأتي حكمه بعدا.

و الحق في المتن بذلك في عدم الوجوب ما لو كان خائفا على نفسه أو بدنه أو عرضه أو ماله و كان الطريق منحصرا به أو كان جميع الطرق كذلك و الظاهر ان ملاك الإلحاق ليس هو شمول عدم تخلية السرب لصورة الخوف المذكور و عدم الا من فإنه مضافا الى ان التخلية و عدمها أمران واقعيان و الاستطاعة السربية تكون كسائر الاستطاعات من جهة الواقعية و لا ترتبط بالاحتمال الذي مورده النفس تكون تخلية السرب امرا لأنه عبارة عن عدم ثبوت المانع من الوصول الى الميقات أو الى تمام الاعمال و الخطر

خصوصا إذا لم يكن على النفس امرا آخر.

و كيف كان فقد ذكر بعض الاعلام في شرح العروة ان خوف الضرر بنفسه كما قد يستفاد من بعض الروايات طريق عقلائي إلى الضرر و لا يلزم ان يكون الضرر معلوما جزما بل جرت سيرة العقلاء على الاجتناب عن محتمل الضرر فالحكم في مورد خوف الضرر مرفوع واقعا حتى لو انكشف الخلاف و تبين عدم وجود المانع في الطريق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 253

..........

______________________________

و قد ذكر في المستمسك: «ان الحكم هنا ظاهري فإن موضوع الحكم الواقعي بعدم الوجوب لعدم الاستطاعة هو عدم تخلية السرب واقعا فمع الشك لا يحرز الحكم الواقعي بل يكون الحكم بعدم الوجوب ظاهريا نعم مع احتمال تلف النفس لما كان يحرم السفر يكون الحكم الظاهري بحرمة السفر موضوعا للحكم الواقعي بانتفاء الاستطاعة و انتفاء وجوب الحج لكن لا لأجل تخلية السرب بل للحرمة الظاهرية المانعة عن القدرة على السفر اما مع احتمال تلف المال أو غيره مما لا يكون الاقدام معه حراما فالأصول و القواعد العقلائية المرخصة في ترك السفر تكون من قيل الحجة على انتفاء تخلية السرب و لأجل ذلك يكون المدار في عدم وجوب السفر وجود الحجة على عدم وجوبه من أصل عقلائي أو امارة كذلك تقتضي الترخيص في تركه و عليه لو انكشف الخلاف انكشف كونه مستطيعا واقعا انتهى موضوع الحاجة من كلامه زيد في علو شأنه و مقامه.

و يرد عليه ان ما أفاده في صورة الخوف على النفس مبنى على اعتبار القدرة الشرعية غير المتحققة مع ثبوت الحرمة في الحج و وجوبه و قد مر و يأتي عدم اعتبارها في الوجوب أصلا و

ان الاستطاعة المعتبرة في الوجوب تجتمع مع توقف الحج على الإتيان بالمحرم لكنه تتحقق المزاحمة حينئذ و الترجيح مع ما هو أهم كما سيأتي و ان التفصيل بين هذه الصورة و بين صورة الخوف على غير النفس من جهة انتفاء تخلية السرب في الأخيرة و عدم انتفائها في الأولى مما لا يقبله الذوق الفقهي أصلا.

و اما ما افاده بعض الاعلام مما تقدم فيرد عليه ان وجوب دفع الضرر المحتمل ان كان في مورد العقاب المحتمل فهو و ان كان مسلما الا انه يرجع الى الاحتياط اللازم في مورد احتمال العقاب و يكون من الأصول العملية و الأحكام الظاهرية و ان كان في مورد الضرر غير العقاب فهو مع انه محل اشكال و مناقشة لعدم الدليل على الوجوب و لو عند العقلاء لا يكون على تقديره إلّا أصلا عقلائيا و لا مجال لدعوى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 254

..........

______________________________

كون احتمال الضرر و ان كان احتمالا عقلائيا طريقا لثبوت الضرر الواقعي المرفوع بقاعدة نفى الضرر ضرورة ان موضوع القاعدة هو ما إذا كان الضرر محققا ثابتا مع انه قد ذكرنا مرارا ان قاعدة لا ضرر أجنبية عن الأحكام الفقهية بل هو حكم حكومتى صادر من النبي صلّى اللّٰه عليه و آله بما انه حاكم على المسلمين و التحقيق في محله.

و كيف كان فظاهر إطلاق المتن انه لا فرق في المال الذي يخاف عليه بين القليل و الكثير كما ربما ظهر من معقد الإجماع المحكي عن التذكرة و نفى الخلاف في محكي الحدائق و لكنه ذكر صاحب الجواهر انه لو كان المال قليلا غير مضر و غير مجحف اتجه الوجوب- حينئذ و

كان ذلك كزيادة أثمان الآلات على الأقوى بل حكى فيه عن كشف اللثام عدم السقوط و ان خاف على كل ما يملكه سواء قيل باشتراط الرجوع الى الكفاية أو قيل بعدمها لأنه بالاستطاعة قد دخل في العمومات و خوف التلف غير التلف و غاية ما يلزمه ان يؤخذ ماله فيرجع.

هذا و لكن التفصيل الذي ذكره صاحب الجواهر وجيه.

بقي في هذه المسألة فرعان: أحدهما ما لو كان طريق الأبعد مأمونا و قد حكم في المتن بوجوب الذهاب منه و الوجه فيه ان أقربية الطريق لا دخالة لها في وجوب الحج نعم لا بد من فرض المسألة فيما إذا كانت الاستطاعة بقدر الطريق الا بعد ضرورة انه لو لم تكن بهذا المقدار لا يجب عليه الذهاب منه.

ثانيهما ما لو كان الجميع مخوفا لكن يمكنه الوصول اليه بالدوران في بلاد بعيدة نائية لا تعد طريقا اليه و قد حكم فيه أيضا بعدم الوجوب و هذا الفرع بالنحو المفروض في المتن لا يرد على الحكم بعدم الوجوب فيه شي ء و اما بالنحو المذكور في العروة الخالي عن قيد: لا تعد طريقا اليه فيرد عليه اشكال بعض الشروح فإنه لو لم يكن البلاد البعيدة بحيث لا تعد طريقا اليه لا وجه للحكم بعدم وجوب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 255

[ (مسألة 43- لو استلزم الذهاب الى الحج تلف مال له معتد به]

(مسألة 43- لو استلزم الذهاب الى الحج تلف مال له معتد به بحيث يكون تحمله حرجا عليه لم يجب، و لو استلزم ترك واجب أهم منه أو فعل حرام كذلك يقدم الأهم لكن إذا خالف و حج صح و أجزأه عن حجة الإسلام و لو كان في الطريق ظالم لا يندفع الا بالمال فان

كان مانعا عن العبور و لم يكن السرب مخلى عرفا و لكن يمكن تخليته بالمال لا يجب، و ان لم يكن كذلك لكن يأخذ من كل عابر شيئا يجب إلا إذا كان دفعه حرجيا (1)

______________________________

الحج حينئذ و الاستدلال له بعدم صدق تخلية السرب كما في العروة غير صحيح لان المفروض عدم وجود المانع في العبور بهذا النحو و الدوران في بلاد بعيدة و مجرد البعد لا يقتضي انتفاء تخلية السرب كما لا يخفى و اما مع القيد المذكور في المتن فلا موقع للإشكال أصلا لأن المفروض انه ليس في البين طريق عرفا حتى يكون مخلى أم لا فالحكم مع هذا القيد ظاهر.

(1) في هذه المسألة فروع: الأول ما لو استلزم الذهاب الى الحج تلف مال له معتد به بحيث يكون تحمله حرجا عليه و الحكم فيه عدم الوجوب كما في جميع الموارد التي يستلزم الحج الحرج فان وجوبه منفي بقاعدة نفى الحرج هذا على مبنى الماتن- قده- من ان دليل نفى الضرر غير مرتبط بالحكم الفقهي بل هو حكم مولوي ناش عن مقام حكومة النبي- ص- و اما على مبنى المشهور من ان الدليل المذكور رافع للأحكام الضررية في رديف دليل نفى الحرج فلا يحتاج الى القيد الأخير و هو كون تحمله حرجا عليه بل يكفى كون المال معتدا به يكون تلفه مضرا بحاله و ان لم يكن حرجا كما عنونه في العروة كذلك و ان أورد عليه بان الحج من الأحكام الضررية التي لا يجرى فيها دليل نفى الضرر لانه من التكاليف المبنية على الضرر كالزكاة و الخمس و الجهاد و نحوها تكون أدلتها مخصصة لدليل نفى الضرر.

و لكنه أجيب عن الإيراد المذكور بان

الحج و ان كان حكما ضرريا في نفسه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 256

..........

______________________________

لكن بالنسبة إلى المقدار اللازم مما يقتضيه طبع الحج و اما الضرر الزائد عن ذلك الذي ليس من شئون الحج و لا من مقتضيات طبعه فلا مخصص له و لا مانع من شمول دليل نفى الضرر له.

الثاني ما لو استلزم الحج ترك واجب أو فعل حرام و قد مر ان الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج هي الاستطاعة الجامعة لا الاستطاعات الأربعة المتقدمة التي هي أمور واقعية و ليست الاستطاعة الشرعية معتبرة فيه زائدة على الاستطاعة الجامعة المذكورة و- ح- فمع تحقق هذه الاستطاعة يتنجز التكليف بالحج فان كان الحج مستلزما لترك واجب أو فعل حرام فاللازم اجراء قواعد باب التزاحم بينهما من ترجيح ما هو الأهم قطعا أو محتمل الأهمية و التخيير في غير الصورتين فإذا استلزم الحج لتلف نفس محترمة فلا إشكال في تقدم وجوب حفظ النفس على وجوب الحج و إذا استلزم ترك صلة الرحم- مثلا- فلا شبهة في تقدم وجوب الحج على وجوبها و هكذا لا بد من ملاحظة ما هو الأهم و ترجيحه على غيره و التخيير في صورة التساوي المطلق.

ثم انه قد حقق في الأصول انه لو خالف الأمر بالأهم و اشتغل بالمهم و كان عبادة كما في المثال المعروف و هي الصلاة و الإزالة تكون العبادة صحيحة إما لوجود ملاك الأمر فيها و اما لأجل صحة الترتب و إمكانه المقتضي لصحة العبادة و لو على القول بافتقارها الى الأمر الفعلي أو بنحو ثالث حققه الماتن- قده- في علم الأصول.

و كيف كان فمع المخالفة و الاشتغال بالحج لا موقع للإشكال في

صحته بل يصح و يجزى عن حجة الإسلام كما لا يخفى.

الثالث ما إذا كان في الطريق ظالم لا يندفع الا بالمال و قد فرض فيه فرضين:

أحدهما ما إذا كان غرض الظالم و هدفه مجرد المنع عن العبور و عليه فلا يكون السرب مخلى لوجود الظالم المانع من العبور و لكن يمكن تخليته بالمال و الحكم فيه عدم دفع المال لتحقق التخلية لأن تحصيل التخلية كتحصيل الاستطاعة المالية و مثلها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 257

[مسألة 44- لو اعتقد كونه بالغا فحج ثم بان خلافه]

مسألة 44- لو اعتقد كونه بالغا فحج ثم بان خلافه لم يجز عن حجة الإسلام، و كذا لو اعتقد كونه مستطيعا مالا فبان الخلاف، و لو اعتقد عدم الضرر أو الحرج فبان الخلاف فان كان الضرر نفسيا أو ماليا بلغ حد الحرج أو كان الحج حرجيا ففي كفايته اشكال بل عدمها لا يخلو من وجه، و اما الضرر المالى غير البالغ حد الحرج فغير مانع عن وجوب الحج، نعم لو تحمل الضرر و الحرج حتى بلغ الميقات فارتفع الضرر و الحرج و صار مستطيعا فالأقوى كفايته. و لو اعتقد عدم المزاحم الشرعي الأهم فحج فبان الخلاف صح، و لو اعتقد كونه غير بالغ فحج ندبا فبان خلافه ففيه تفصيل مر نظيره و لو تركه مع بقاء الشرائط إلى تمام الاعمال استقر عليه و يحتمل اشتراط بقائها إلى زمان إمكان العود الى محله على اشكال. و ان اعتقد عدم كفاية ماله عن حجة الإسلام فتركها فبان الخلاف استقر عليه مع وجود سائر الشرائط، و ان اعتقد المانع من العدو أو الحرج أو الضرر المستلزم له فترك فبان الخلاف فالظاهر استقراره عليه سيما في الحرج، و

ان اعتقد وجود مزاحم شرعي أهم فترك فبان الخلاف استقر عليه. (1)

______________________________

لا يكون واجبا لانه لا يجب تحصيل شرط التكليف.

ثانيهما ما إذا كان السرب مخلى و لكن غرض الظالم و هدفه أخذ المال من دون ان يكون المنع عن العبور مقصودا فيأخذ من كل عابر شيئا و الحكم فيه وجوب دفع المال فيما إذا لم يكن حرجا و موجبا لوقوعه في المشقة و العسر.

و الفرق بين الفرضين واضح فان الغرض في الأول عبارة عن المنع عن العبور و في الثاني عبارة عن أخذ المال و لذا لو لم يدفع اليه مال و رجع العابر عن الطريق يتحقق الغرض في الأول دون الثاني فلا مجال لتوهم انه لا فرق بين الفرضين لتوقف العبور على دفع المال في كليهما.

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لفروع كثيرة تجمعها احدى الضابطتين:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 258

..........

______________________________

اعتقاد وجود بعض الشرائط مع كونه مفقودا في الواقع و الانكشاف بعد الحج، و اعتقاد فقد بعض الشرائط مع كونه موجودا في الواقع كذلك.

الأول: ما لو اعتقد كونه بالغا فحج ثم بان الخلاف و الحكم فيه عدم كونه مجزيا عن حجة الإسلام لأن المفروض ان ما اتى به لم يكن واجدا لشرائطها لعدم وقوعه في حال البلوغ فلا محالة يقع ندبا- بناء على مشروعية عبادات الصبي كما هو مقتضى التحقيق- و الحج الندبي لا يجزى عن حجة الإسلام التي هي حج واجب بأصل الشرع و بعبارة أخرى بعد ما صار بالغا و كان سائر الشرائط موجودا يكون مقتضى إطلاق الكتاب و السنة وجوب الحج عليه و ليس في مقابله ما يدل على العدم فاللازم حينئذ الحكم بعدم

الإجزاء.

الثاني: ما لو اعتقد كونه مستطيعا مالا فبان الخلاف و قد سوى الماتن- قده- بينه و بين الفرع الأول في الحكم بعدم الاجزاء و لكن السيد- قده- في العروة بعد الحكم في الفرع الأول بأن الظاهر بل المقطوع عدم اجزائه عن حجة الإسلام ذكر في هذا الفرع ان في اجزائه عن حجة الإسلام و عدمه وجهين: من فقد الشرائط واقعا و من ان القدر المسلم من عدم أجزاء حج غير المستطيع عن حجة الإسلام غير هذه الصورة.

و كأنه- قده- تخيل ان الحكم بعدم الاجزاء حكم مخالف للقاعدة يقتصر فيه على المقدار الذي دل الدليل عليه و حيث ان الدليل في المقام هو الإجماع و هو دليل لبى يقتصر فيه على القدر المسلم و هو ما إذا كان الحج المأتي به متصفا بعنوان الاستحباب واقعا و اعتقادا و اما المقام الذي يكون الاعتقاد على خلاف الواقع فلا يعلم بشمول الإجماع له فيحكم بالاجزاء على وفق القاعدة.

مع انك عرفت ان الحكم بعدم الاجزاء حكم موافق للقاعدة و منشأه إطلاق الكتاب و السنة الحاكم بلزوم الحج على المستطيع و ان تحقق منه الحج قبل الاستطاعة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 259

..........

______________________________

فالحكم بالاجزاء يحتاج الى دليل في مقابل القاعدة و المفروض انتفائه في المقام فاللازم هو الحكم بالعدم كما في المتن.

الثالث: ما لو اعتقد عدم الضرر أو الحرج فبان الخلاف و الكلام في هذا الفرع تارة في الحرج سواء كان من جهة المال أو من جهة غيره و اخرى في الضرر اما من جهة الحرج فإذا كان الحج مستلزما للحرج واقعا و ان كان اعتقاده على خلافه فقد رجح في المتن عدم الكفاية

بعد الاستشكال فيها و الوجه فيه ان دليل نفى الحرج هل يكون رافعا لمجرد الوجوب و الإلزام مع بقاء الفعل على أصل المحبوبية و الرجحان أو انه يرفع المجعول الشرعي الذي هو أمر بسيط لا تركيب فيه و يدل على عدم كون الوجوب مجعولا أصلا فإذا ارتفع بلسان عدم الجعل لا دليل على ثبوت الرجحان و المحبوبية أصلا؟ فإن قلنا بالأول كما هو المشهور بينهم من ان دليل نفى الحرج رخصة لا عزيمة فالظاهر هو الحكم بالاجزاء عن حجة الإسلام كما استظهره السيد- قده- في العروة و ان قلنا بالثاني كما هو مختار الماتن- قده- ظاهرا و قد اخترناه في كتابنا في القواعد الفقهية فالظاهر هو الحكم بعدم الاجزاء.

ثم ان بعض الاعلام بعد ان استشكل على العروة بناء على المبنى الثاني اختار الاجزاء و الكفاية نظرا الى عدم شمول مثل دليل نفى الضرر للمقام لانه امتنانى و لا امتنان في الحكم بالبطلان بعد العمل قال: فما ذكره- قده- من الاجزاء صحيح لا لأجل ان دليل نفى الضرر لا ينفى المحبوبية بل لأجل عدم جريان دليل نفى الضرر لكونه امتنانيا لا يشمل مثل الحكم بالبطلان و لا يعم ما إذا انكشف الخلاف بعد العمل و يرد عليه- مضافا الى ان الجمع بين كون دليل نفى الحرج و كذا دليل نفى الضرر رافعا لأصل المحبوبية و كون النفي فيهما بنحو العزيمة لا الرخصة و بين كونهما في مقام الامتنان مما لا يتم فان الامتنان انما يناسب رفع الإلزام و الوجوب و لا يلائم رفع المحبوبية من رأس- أولا ان البطلان لا يكون مفاد القاعدة بنحو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 260

..........

______________________________

المطابقة

حتى ينافي الامتنان بل مفاده عدم جعل الحكم اللزومي على الناس و هو بنفسه أمر امتنانى لا ترديد فيه و اما كون لازمة بناء على المبنى الثاني هو البطلان فلا ينافي دلالة القاعدة عليه بوجه كما لا يخفى و ثانيا و هو المهم ان غاية الأمر عدم دلالة القاعدة على البطلان و كون لازم الامتنان هي الصحة المناسبة معه لكن الكلام في المقام في الأمر الزائد على الصحة و هو الاجزاء فمجرد عدم دلالتها على البطلان بل اقتضائها الصحة لا يستلزم الاجزاء لعدم الملازمة بينهما فان الحج الندبي يكون صحيحا و لا يكون مجزيا عن حجة الإسلام و هذا بخلاف الوضوء الضرري و الحرجي فإن صحته تستلزم جواز الاكتفاء به في الصلاة و مثلها.

و بالجملة المدعى هو الاجزاء و الدليل لا يثبت إلّا الصحة و لا ملازمة بينهما أصلا و قد عرفت ان القاعدة تقتضي عدم الاجزاء و الاجزاء يحتاج الى الدليل و مع فقده لا مجال للالتزام به أصلا هذا كله فيما يتعلق بالحرج.

و اما من جهة الضرر فالكلام فيه مثل الحرج على مبنى المشهور و اما بناء على مختار الماتن- قده- في قاعدة نفى الضرر على ما عرفت فيرد عليه ان المراد من الضرر النفسي في المتن ما ذا بعد انه لا شبهة في اختصاص قيد الحرج بالضرر المالى كما يدل عليه قوله بعده و اما الضرر المالى غير البالغ حد الحرج فان كان المراد به ما يشمل الضرر البدني أيضا من جرح أو قطع عضو أو نحوهما كما يؤيده عطف الضرر المالى عليه فيرد عليه انه ما الدليل على عدم وجوب الحج مع وجود هذا الضرر إذا لم يكن حرجيا كما هو

مقتضى الإطلاق فيصير ذلك مثل الضرر المالى غير البالغ حد الحرج غير مانع عن وجوب الحج و اعتقاد خلافه غير قادح في الوجوب.

و ان كان المراد به ما يختص بتلف النفس و ان كان يبعده ظهور الخلاف بعد الحج المفروض في صورة المسألة فإنه لا يجتمع مع مثله كما هو ظاهر فلزوم ترك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 261

..........

______________________________

الحج معه انما هو لأجل التزاحم على ما عرفت و قد حكم في المتن بعد ذلك بان الحكم فيه مع اعتقاد الخلاف هي الصحة التي يكون المقصود بها الإجزاء أيضا فلا مجال للإشكال في الكفاية بل ترجيح عدمها كما لا يخفى.

بقي في هذا الفرع ما لو ارتفع الضرر أو الحرج قبل الميقات و صار مستطيعا و الظاهر فيه كما في المتن صحة الحج و الاجزاء لان ارتفاع الأمرين قبل الميقات و صيرورته مستطيعا قبله تكفي في وجوب الحج فهو كمن حدثت له الاستطاعة قبل الميقات بعد ما كان فاقدا لها و قد سلك الطريق اختيارا لغير حجة الإسلام أو قهرا و عدوانا فإن حجه حجة الإسلام من دون اشكال.

الفرع الرابع: ما لو اعتقد عدم المزاحم الشرعي الأهم فبان الخلاف بعد الحج و الحكم فيه الصحة و الاجزاء كما في المتن و الوجه فيه أولا الأولوية بالإضافة إلى صورة وجود المزاحم و اعتقاده ثبوته فإنه قد مر فيه الحكم بالصحة لأحد أمور تقدمت الإشارة إليها فإذا كان الحكم في هذه الصورة هي الصحة ففي صورة اعتقاد الخلاف يكون بطريق اولى.

و ثانيا انه لو قلنا بالبطلان في الصورة المتقدمة فلا ملازمة بينه و بين الحكم بالبطلان في المقام لان اتصاف المزاحم الأهم بالمزاحمة

انما هو في صورة فعلية التكليف و تنجزه ضرورة انه لا مجال لتوهم التزاحم مع عدم فعلية أحد التكليفين و عدم اتصافه بالتنجز فإذا كان في المثال المعروف جاهلا بوجوب الإزالة عن المسجد جهلا يعذر فيه أو جاهلا بأصل تنجس المسجد لا يبقى مجال حينئذ للحكم بتأخر الصلاة عن الإزالة لأجل المزاحمة و المقام من هذا القبيل فإنه بعد الاعتقاد بعدم المزاحم الشرعي الأهم لا يكون التكليف حينئذ فعليا فلا تتحقق المزاحمة بوجه بعد كونها مرتبطة بمقام الامتثال و راجعة الى عدم قدرة المكلف على الجمع بين الواجبين فاللازم ان تكون العبادة مع كونها غير أهم صحيحة جامعة لجميع الخصوصيات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 262

..........

______________________________

مجزية عن حجة الإسلام في المقام.

الفرع الخامس: ما لو اعتقد كونه غير بالغ فحج ندبا فبان خلافه و انه كان بالغا حين الحج و في المتن: فيه تفصيل مر نظيره أقول بل مر نفس هذا الفرع في بعض المسائل السابقة فراجع.

الفرع السادس: هذا الفرض أي صورة اعتقاد كونه غير بالغ غاية الأمر ترك الحج لأجل الاعتقاد المذكور فبان الخلاف و انه كان بالغا و في المتن استقرار الحج عليه مع بقاء الشرائط إلى تمام الاعمال و احتمل على اشكال اشتراط بقائها إلى زمان إمكان العود الى محله و العمدة في البحث في هذا الفرع الحكم بالاستقرار مع كون ترك الحج مستندا الى اعتقاد الخلاف و هو عدم كونه بالغا و اما البحث في انه ما ذا يعتبر في الاستقرار من ناحية بقاء الشرائط فيأتي تفصيله في المسألة الرابعة و الخمسين الآتية و انه قد اختلفوا فيما به يتحقق الاستقرار على أقوال فالمشهور مضى زمان

يمكن فيه الإتيان بجميع أفعاله مستجمعا للشرائط و هو الى اليوم الثاني عشر من ذي الحجة و قيل باعتبار مضى زمان يمكن فيه الإتيان بالأركان جامعا للشرائط فيكفي بقائها إلى مضى جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان و السعي و ربما يقال باعتبار بقائها إلى عود الرفقة و قد يحتمل كفاية بقائها إلى زمان يمكن فيه الإحرام و دخول الحرم و قد يقال بكفاية وجودها حين خروج الرفقة و قد قوى الماتن- قده- تبعا للسيد- قده- اعتبار بقائها إلى زمان يمكن فيه العود الى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة المالية و البدنية و السربية و اما بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقائها إلى آخر الاعمال و العجب من السيد- قده- حيث انه مع اختياره القول الأخير اعتبر في موضعين من المسألة الخامسة و الستين بقاء الشرائط إلى ذي الحجة و الظاهر انه سهو من القلم بقرينة تصريحه بالقول الذي ذكرنا في المسألة الواحدة و الثمانين و كيف كان فالبحث في انه بما ذا يتحقق الاستقرار يأتي في محله إن شاء اللّٰه تعالى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 263

..........

______________________________

و اما البحث في أصل الاستقرار فنقول لا إشكال في ثبوته فيما إذا ترك الحج مع وجود الشرائط متعمدا و مع التوجه و الالتفات و خاليا عن العذر انما الكلام في مثل المقام مما إذا كان ترك الحج مسببا عن اعتقاد عدم وجوبه لأجل فقد بعض شرائط الوجوب و قد حكى عن الجواهر انه نفى الخلاف و الاشكال من حيث النص و الفتوى في استقرار الحج في الذمة إذا استكملت الشرائط مع ان الموجود فيها ذلك في صورة الإهمال الذي هو أعم من

مطلق الترك فلا دلالة له على حكم المقام.

و كيف كان فقد ذكر بعض الاعلام في شرح العروة ان الظاهر عدم الاستقرار قال ما ملخصه: «أما أولا فلان موضوع وجوب الحج هو المستطيع و متى تحقق عنوان الاستطاعة صار الحكم بوجوب الحج فعليا لفعلية الحكم بفعلية موضوعه و إذا زالت الاستطاعة و ارتفع الموضوع يرتفع وجوب الحج لارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه حتى بالإتلاف و العصيان نظير القصر و التمام بالإضافة إلى الحاضر و المسافر و لو لم تكن الأدلة الواردة في مورد التسويف الدالة على ذمّه و انه تضييع شريعة من شرائع الإسلام لقلنا بعدم وجوبه و عدم الاستقرار في مورد الترك عن عمد أيضا لعدم دلالة الأدلة الأولية الا على الوجوب ما دامت الاستطاعة باقية و من المعلوم ان ما ورد في التسويف لا يشمل المقام لعدم صدق عنوان التسويف على المعتقد بالخلاف و انه غير بالغ لا يجب عليه الحج.

و اما ثانيا فلان الاحكام و ان كانت تشمل الجاهل و لكن لا تشمل المعتقد بالخلاف لانه غير قابل لتوجه الخطاب اليه فهو غير مأمور بالحكم واقعا فلا يكون وجوب في البين حتى يستقر عليه ففي زمان الاعتقاد بالخلاف لا يكون مكلفا و بعد الانكشاف لا يكون مستطيعا على الفرض.

و اما ثالثا فلان الاستقرار انما هو فيما إذا كان الترك لا عن عذر و مع الاستناد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 264

..........

______________________________

الى العذر كما في المقام لا موجب له و عليه فالظاهر في المقام العدم».

أقول: عمدة ما يرد عليه أمران:

أحدهما انا قد حققنا في الأصول تبعا لسيدنا الأستاذ الماتن- رضوان اللّٰه تعالى عليه و حشره مع أجداده الطاهرين سلام

اللّٰه عليهم أجمعين- ان الخطابات العامة لا تكاد تنحل الى خطابات متعددة حسب تعدد المكلفين و تكثر افرادهم حتى يلاحظ حال المكلف و انه يمكن ان يتوجه اليه خطاب أم لا بل الملحوظ فيها حال الغالب و انه صالح لتوجه التكليف و الخطاب إليه أم لا و عليه فكما يكون الجاهل مشمولا للخطابات كذلك يكون المعتقد بالخلاف أيضا مكلفا واقعا و التكليف ثابت عليه غاية الأمر انه يكون معذورا في المخالفة غير مستحق للعقوبة عليها و عليه فلا مجال لدعوى عدم ثبوت التكليف بالإضافة الى من اعتقد عدم كونه بالغا.

ثانيهما انه لا بد من ملاحظة ان الاستقرار في موارد ثبوته هل يكون على وفق القاعدة و ثابتا بمقتضى الأدلة الأولية الدالة على وجوب الحج على المستطيع أو انه يكون على خلافها و ان تلك الأدلة لا تدل على ثبوته بل يحتاج الى مثل الروايات الواردة في التسويف بحيث لو لا تلك الروايات لما كان دليل على الاستقرار أصلا.

و الظاهر هو الوجه الأول فإن موضوع وجوب الحج و ان كان هو عنوان المستطيع الا انه لا دليل على كونه مثل عنواني المسافر و الحاضر من العناوين التي لها دخل في ترتب الحكم حدوثا و بقاء بل الظاهر كونه من العناوين التي لها دخل في ترتب الحكم حدوثا فقط و عليه فحدوث الاستطاعة يكفي في بقاء التكليف و ثبوته بعد زوال الاستطاعة غاية الأمر انه ليس المراد بالحدوث مجرده بل ما به يتحقق الاستقرار من الاحتمالات التي أشرنا إليها في أول هذا الفرع.

و الدليل على ذلك اى كون عنوان المستطيع من قبيل هذه العناوين- مضافا الى انه لا يبعد الاستظهار مطلقا في جميع العناوين المأخوذة إلا ما

قام الدليل فيه على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 265

..........

______________________________

الخلاف- ما هو المرتكز بين المتشرعة و المتفاهم عندهم من آية الحج و غيرها من أدلة وجوب الحج و عليه فيكون الاستقرار على وفق القاعدة فالحكم في المقام ما في المتن من الاستقرار.

الفرع السابع ما لو اعتقد عدم كفاية ماله عن حجة الإسلام فترك الحج ثم بان الخلاف و انه كان مستطيعا مالا و المفروض وجود باقي الشرائط أيضا و الحكم فيه ما تقدم في الفرع السادس من دون فرق أصلا و قد مرّ ان الأقوى هو الاستقرار.

الفرع الثامن ما لو اعتقد المانع من العدو أو الحرج أو الضرر المستلزم له فترك الحج فبان الخلاف و قد استظهر الماتن- قده- الاستقرار في هذا الفرع أيضا و لكن السيد- قده- في العروة بعد ان ذكر ان فيه وجهين قد قوى عدم الاستقرار قال لان المناط من الضرر الخوف و هو حاصل إلا إذا كان اعتقاده على خلاف روية العقلاء و بدون الفحص و التفتيش.

و عليه فالفرق بين هذا الفرع و الفرعين السابقين- بنظر السيد- يرجع الى ان الاعتقاد بالخلاف كان محققا فيهما دونه لان الشرط ليس هو عدم الضرر واقعا و عدم العدو كذلك بل الشرط هو عدم خوف الضرر و المفروض تحققه بمجرد الاعتقاد و عليه فلا يكون ترك الحج مستندا الا الى عدم تحقق شرط الوجوب واقعا لا الى الاعتقاد بالخلاف مع وجوده كذلك.

و لذا أورد عليه بعض الأعلام بأنه لا يتم على مسلكه من شرطية هذه الأمور واقعا فان الخوف بوجود العدو أو الضرر و ان كان طريقا عقلائيا إلى وجوده و لكن الحكم بعدم الوجوب في ظرف

الجهل بتحقق الشرط حكم ظاهري لا واقعي فيكون المقام نظير ما إذا اعتقد عدم المال و ترك الحج ثم بان الخلاف.

أقول قد مر في المسألة الثانية و الأربعين ما يتعلق ببحث الخوف فراجع.

الفرع التاسع ما لو اعتقد وجود مزاحم شرعي أهم فترك الحج لأجله فبان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 266

[مسألة 45- لو ترك الحج مع تحقق الشرائط متعمدا استقر عليه]

مسألة 45- لو ترك الحج مع تحقق الشرائط متعمدا استقر عليه مع بقائها إلى تمام الاعمال و لو حج مع فقد بعضها فان كان البلوغ فلا يجزيه الا إذا بلغ قبل أحد الموقفين فإنه مجز على الأقوى، و كذا لو حج مع فقد الاستطاعة المالية، و ان حج مع عدم أمن الطريق أو عدم صحة البدن و حصول الحرج فان صار قبل الإحرام مستطيعا و ارتفع العذر صح و أجزأ، بخلاف ما لو فقد شرط في حال الإحرام إلى تمام الاعمال، فلو كان نفس الحج و لو ببعض اجزائه حرجيا أو ضرريا على النفس فالظاهر عدم الاجزاء. (1)

______________________________

الخلاف بعد الحج و الحكم فيه ما في الفرعين المتقدمين- السادس و السابع- من دون فرق و عليه فالحكم فيه هو الاستقرار أيضا.

(1) في هذه المسألة أيضا فروع يكون الجامع لغير الفرع الأول الحج مع فقد بعض الشرائط فنقول:

الأول: لو كانت الشرائط المعتبرة في وجوب الحج متحققة بأجمعها و المكلف عالم بها و بوجوب الحج عليه و مع ذلك تركه عامدا اختيارا فهذا هو القدر المسلم من مورد استقرار الحج عليه و لزوم الإتيان به في القابل و لو متسكعا مع بقاء الشرائط إلى تمام الأعمال الذي يمكن تحققه في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة و قد مر ان البحث

فيما به يتحقق الاستقرار من جهة بقاء الشرائط يأتي في بعض المسائل الآتية و اما أصل الاستقرار و ثبوته في المقام فلا مجال للإشكال فيه و هذا هو المورد الذي نفى الاشكال فيه نصا و فتوى في عبارته المتقدمة لأن الإهمال فيها بمعنى ترك الحج متعمدا و متساهلا و لا فرق فيه بين القول بكون أصل الاستقرار على وفق القاعدة أو على خلافها غاية الأمر انه على التقدير الثاني يدل عليه الروايات الكثيرة الواردة في التسويف الذامة له الدالة على انه تضييع شريعة من شرائع الإسلام و انه يوجب ان يموت يهوديا أو نصرانيا و لا فرق في مفادها بين كون التسويف الى العام القابل أو الى الأعوام المتعددة بل الى آخر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 267

..........

______________________________

العمر فاصل الاستقرار لا مجال للمناقشة فيه.

الثاني: لو حج مع فقد البلوغ فان وقع تمام الحج معه فالحج و ان كان صحيحا بناء على مشروعية عبادات الصبي و رجحانها و استحبابها كما هو مقتضى التحقيق الا انه لا يكون مجزيا عن حجة الإسلام لدلالة الروايات المتعددة عليه و في بعضها انه لو حج عشر حجج لا يجزيه عن حجة الإسلام.

و ان وقع بعضه معه فقد اختار الماتن- قدس سره الشريف- انه لو بلغ قبل أحد الموقفين فهو يجزى عن حجة الإسلام و الوجه فيه إلغاء الخصوصية من الروايات الواردة في العبد الذي انعتق قبل أحد الموقفين الدالة على أجزاء حجه عن حجة الإسلام و قد مرّ تفصيل البحث في ذلك في شرح المسألة السادسة من كتاب الحج فراجع الثالث: لو حج مع فقد الاستطاعة المالية فتارة يقع تمام الحج معه و اخرى

يرتفع ذلك قبل أحد الموقفين و مقتضى المتن الاجزاء في الفرض الثاني و منشأه أيضا إلغاء الخصوصية من روايات العبد كما في الصغير و عليه يكون المستفاد منه ان ما جعله السيد في العروة مادة النقض بالإضافة إلى إلغاء الخصوصية و هو ان مقتضاه الالتزام به في الاستطاعة إذا حصلت قبل أحد الموقفين و انهم لا يقولون به قد التزم به الماتن- قده- لعدم الدليل على عدم الاجزاء في هذه الصورة و كيف كان فمقتضى إلغاء الخصوصية الحكم بالاجزاء في هذا الفرض.

و اما الفرض الأول الذي هو عبارة عن وقوع الحج بأجمعه أو الموقفين معا مع فقد الاستطاعة المالية فمقتضى المتن فيه عدم الاجزاء و قال السيد- قده- في العروة:

«و ان حج مع عدم الاستطاعة المالية فالظاهر مسلمية عدم الاجزاء و لا دليل عليه الا الإجماع و الّا فالظاهر ان حجة الإسلام هو الحج الأول و إذا اتى به كفى و لو كان ندبا كما إذا اتى الصبي صلاة الظهر مستحبا- بناء على شرعية عباداته- فبلغ في أثناء الوقت فإن الأقوى عدم وجوب إعادتها، و دعوى ان المستحب لا يجزى عن الواجب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 268

..........

______________________________

ممنوعة بعد اتحاد ماهية الواجب و المستحب نعم لو ثبت تعدد ماهية حج المتسكع و المستطيع تم ما ذكر لا لعدم أجزاء المستحب عن الواجب».

و يظهر منه الترديد في تعدد ماهية الحج بالإضافة إلى المتسكع و المستطيع بل الميل الى العدم اما الكبرى و هو عدم الاجزاء على فرض التعدد فلا ريب فيه هنا و شبهه كصلاتي الظهر و العصر فإنهما ماهيتان متغايرتان ضرورة أن عنواني الظهر و العصر من العناوين القصدية

التي يتقوم تحقق المأمور به بهما فان صلاة الظهر ليست مجرد اربع ركعات يؤتى بها بعد الزوال بل ما كانت مقرونة بقصد الظهرية و عليه فمن اتى بصلاة العصر قبل صلاة الظهر باعتقاد انه اتى بها أولا ثم انكشف الخلاف بعد الصلاة لا مجال لدعوى وقوع ما اتى به ظهرا و الإتيان بالعصر بعدها نعم اختار ذلك السيد- قده- في العروة في مباحث النية استنادا إلى رواية صحيحة دالة على قيام الأربع مكان الأربع و اعترض عليه أكثر المحشين و الشارحين بأن الرواية غير معمول بها فلا بد من المشي على طبق القاعدة و هي تقتضي عدم الاجزاء و كيف كان فلا مناقشة في الكبرى و اما الصغرى فالدليل على تعدد ماهية الحج بالإضافة إلى الفاقد لشرائط الوجوب و الواجد لها اما في مورد الصغير فما عرفت من ورود روايات متعددة دالة على ان الصبي لو حج عشر حجج لا يكون حجة مجزيا عن حجة الإسلام فيظهر منها ثبوت الاختلاف بين الصلاة و الحج الصادرين من الصبي و ان اشتركا في المشروعية و الصحة و اما في المقام فالدليل على التغاير و التعدد إطلاق أدلة وجوب الحج على المستطيع من الآية و الرواية فإن مقتضاه وجوبه على المستطيع و ان حج قبله في حال عدم الاستطاعة و لازمة عدم الاجزاء و هو يدل على تعدد الماهية و بالجملة إطلاق مثل الآية يقتضي حدوث الوجوب على المستطيع و ان حج سابقا ندبا و هذا الإطلاق و ان كان قابلا للتقييد الّا انه مع عدم نهوض دليل عليه لا بد من الأخذ به و الحكم بعدم الاجزاء و عليه فالحكم الاجماعى موافق للقاعدة و- ح- لا يبقى

للإجماع أصالة بل يكون مستندا إليها- قطعا أو احتمالا-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 269

..........

______________________________

لا يقال ان مثل ذلك يجري في صلاة الصبي في المثال المفروض في كلام السيد- قده- لان الوجوب انما يتحقق بالبلوغ فكيف يحكم فيه بالأجزاء لأنا نقول ليس الأمر كذلك فان مثل أقيموا الصلاة مطلق شامل للصبي و لا يكون مقيدا بالبالغين و لو لم يكن في البين مثل حديث رفع القلم عن الصبي لقلنا بلزوم الإتيان بالصلاة على الصبي أيضا و من المعلوم ان الحديث لا يرفع الا قلم التكليف و الإلزام و ما يتبعه من استحقاق العقاب و المؤاخذة و عليه فالمقدار الخارج عن أقيموا الصلاة هو اللزوم على الصبي و اما الخطاب و أصل الحكم فهما باقيان ضرورة ان الصبي إنما يتمثل أقيموا الصلاة لا شيئا آخر و بعد امتثاله في أول الوقت لا يبقى مجال لامتثاله ثانيا بعد تحقق البلوغ و صيرورته مكلفا.

و هذا بخلاف من يحج ندبا فإنه لا يتمثل الآية و مثلها من الأدلة الدالة على الوجوب على المستطيع بل يتمثل الأمر الاستحبابي المتوجه اليه المتعلق بعمله و بعد صيرورته مستطيعا يتوجه إليه الآية لتحقق عنوان المستطيع فاللازم امتثاله و الإتيان بالحج ثانيا و بالجملة الفرق انما هو في مدخلية عنوان المستطيع في الدليل الدال على وجوب الحج و أخذه فيه و عدم مدخلية البلوغ بحيث كان المفاد ايها البالغون أقيموا الصلاة فعمل الصبي موجب لامتثال «أقيموا» و حج المتسكع لا يكون امتثالا للاية و شبهها و عليه فعدم الاجزاء في باب الحج ثابت على طبق القاعدة.

الرابع: لو حج مع عدم أمن الطريق أو مع عدم صحة البدن و حصول

الحرج فهل يكفي حجه عن حجة الإسلام أم لا فالمحكي عن المشهور عدم الاجزاء عن الواجب و ذهب الشهيد في الدروس الى الاجزاء حيث انه بعد ذكر الشروط الثمانية لوجوب الحج و جعل السادس الصحة من المرض و العضب و السابع تخلية السرب و الثامن التمكن من المسير بسعة الوقت قال: «و لو حج فاقد هذه الشرائط لم يجزه و عندي لو تكلف المريض و المعضوب و الممنوع بالعدو و تضيق الوقت أجزأه لأن ذلك من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 270

..........

______________________________

باب تحصيل الشرط فإنه لا يجب و لو حصله وجب و أجزأ نعم لو ادى ذلك الى إضرار بالنفس يحرم إنزاله و لو قارن بعض المناسك احتمل عدم الاجزاء» ثم تعرض لبيان ما لم يعتبر من الشروط عندنا و عدّه أربعة: الإسلام و البصر و المحرم في النساء من دون حاجة و اذن الزوج ثم قال في نتيجة البحث: «فانقسمت الشرائط إلى أربعة أقسام:

أولها ما يشترط في الصحة خاصة و هو الإسلام.

الثاني ما يشترط في المباشرة و هو الإسلام و التمييز.

الثالث ما يشترط في الوجوب و هو ما عدا الإسلام.

الرابع ما هو شرط في الاجزاء و هو ما عدا الثلاثة الأخيرة و في ظاهر الفتاوى:

كل شرط في الوجوب و الصحة شرط في الاجزاء».

فقد فرق في الاستطاعة بين الاستطاعة المالية و بين الاستطاعات الثلاثة الأخر من الاستطاعة السربية و الاستطاعة البدنية و الاستطاعة الزمانية و ان الحج مع فقد الاولى لا يكون مجزيا عن حجة الإسلام بخلاف الحج مع فقد احدى الاستطاعات الثلاثة الأخر فإنه يجزى عن حجة الإسلام و استدل عليه بان تحصيل شرط الوجوب و ان لم

يكن واجبا بخلاف شرط الواجب الّا انه مع التحصيل يصير واجبا لتحقق شرطه و ان لم يكن لازم التحصيل.

و يرد عليه عدم انطباق الدليل على المدعى فان تحصيل شرط الوجوب و ان كان موجبا لتحققه مع انه لا يكون واجبا الا انه في المقام لا يكون تكلف الحج مع فقد شي ء من الاستطاعات الثلاثة موجبا لتحققه و حصول الاستطاعة فإن المفروض كون الطريق غير مأمون و عدم صحة البدن و تضيق الوقت و عدم سعته و التكلف لا يرفع شيئا من ذلك و ليس مثل الاستطاعة المالية غير لازمة التحصيل المتحققة بعده فإنها لم تكن و بالتحصيل قد تحققت و اما في المقام فلم تتحقق الاستطاعة المنتفية أصلا فالمدعى الحج مع عدم الاستطاعة و الدليل يقتضي وقوعه معها كما لا يخفى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 271

..........

______________________________

و عليه فكيف يصير الحج بسبب التكلف واجبا مع عدم تحقق شرط الوجوب نعم لو كان فقد شي ء من الاستطاعات مرتبطا بالمشي إلى الميقات الذي هو مقدمة لتحقق الأعمال التي يكون شروعها بالإحرام من الميقات لا مجال للإشكال في الاجزاء و لا قائل بعدمه كما انه في الاستطاعة المالية يكون الأمر كذلك فإنه لو استطاع المكلف في الميقات قبل الشروع في الأعمال يكون حجة مجزيا عن حجة الإسلام إنما الكلام و الاشكال فيما لو كان الفقد مقرونا بالأعمال و انه هل يكون مجزيا أم لا و الدليل لا يقتضي الإجزاء نعم ذكر انه لو ادى ذلك الى إضرار بالنفس يحرم و يحتمل عدم الاجزاء في هذا الفرض الذي كان مقارنا لبعض المناسك.

و قد وجه في «المستمسك» كلام الشهيد- قده- بان عدم الحرج و

الضرر المأخوذ شرطا في الاستطاعة يراد به عدم الحرج و الضرر الآتيين من قبل الشارع لا مطلقا فإذا تكلف المكلف الحرج و الضرر لا بداعي أمر الشارع بل بداع آخر فعدم الحرج و الضرر الآتيين من قبل الشارع حاصل لان المفروض ان الحرج و الضرر الحاصلين كانا بإقدام منه و بداع نفساني لإبداع الأمر الشرعي فتكون الاستطاعة حينئذ حاصلة بتمام شروطها فيكون الحج حجة الإسلام ثم دفع توهم ان لازم ذلك البطلان فيما إذا كان المكلف جاهلا و أقدم على الحج بداعي اللزوم الشرعي مع ان مقتضى إطلاق كلام الشهيد الصحة في هذا الفرض أيضا بأن الحرج أو الضرر في الفرض المذكور لا يكون آتيا من قبل الشارع بل يكون ناشيا من جهله بالحكم و اعتقاده اللزوم اشتباها و قال في آخر كلامه ما ملخصه ان هذا التوجيه انما هو لرفع استبشاع التفصيل المذكور لا لرفع الاشكال عنه بالمرة لأن دليل نفى الحرج أو الضرر لا يصلح لرفع الملاك في حال الحرج أو الضرر فلا يدل على اشتراط عدمهما في الاستطاعة.

و التحقيق في المقام ان يقال ان محل البحث- كما في الدروس- هو انتفاء واحدة من الاستطاعات الثلاثة: السربية و البدنية و الزمانية و عليه لا مجال لتقييد عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 272

..........

______________________________

صحة البدن بصورة حصول الحرج كما في المتن تبعا للعروة حيث قيده به بكلمة «مع» و كذلك قيد ضيق الوقت به بكلمة «كذلك» و يجري في المتن احتمال كون «أو» محل «واو» و ان كان يبعده قوله بعده فان صار قبل الإحرام مستطيعا لعدم مدخلية عدم الحرج في موضوع الاستطاعة فإن دليل نفى الحرج و

ان كان حاكما على الأدلة الأولية الدالة على الاحكام اللزومية من الوجوب و التحريم و مدلوله رفع اللزوم و التكليف الّا ان تقدمه عليها ليس بنحو يرجع الى التقييد أو التخصيص في الأدلة الأولية بحيث كان مرجعه الى تقييدها بعدم لزوم الحرج كتقييد دليل وجوب الحج بالاستطاعة و عليه لا يقع الحج الحرجي المحكوم بعدم الوجوب في رديف الحج الفاقد للاستطاعة المعتبرة في الوجوب و عليه فقوله في المتن: «فان صار قبل الإحرام مستطيعا» يدل على عدم كون المراد بالحرج هو الحرج المأخوذ في قاعدة نفيه فلا يبقى مجال- حينئذ- لتقييد عدم صحة البدن بحصول الحرج نعم يمكن ان يقال بان الروايات الواردة في الاستطاعة البدنية وقع التعبير في أكثرها بصحة البدن أو قوته و في بعضها بان المانع هو المرض الذي لا يطيق فيه الحج و قد مر ان المراد من الطاقة هي الطاقة العرفية لا العقلية و- حينئذ- يمكن ان يقال بان المراد من هذا التعبير كون المرض موجبا لصيرورة الحج حرجيا و عليه يتم التقييد المذكور في المتن.

و يرد عليه- مضافا الى عدم معلومية مساواة التعبير المذكور لكون الحج حرجيا بسبب المرض- انه على تقدير المساواة لا بد من المعاملة معه معاملة سائر الشرائط المأخوذة في وجوب الحج فإنه يكون مثلها في الأخذ بعنوان الشرطية و يكون فقده موجبا لفقد الشرط و هو يوجب عدم الاجزاء.

و ما أوردناه على المتن يرد على العروة أيضا على ما عرفت خصوصا مع ملاحظة انه في مقام الاستدلال جعل الملحوظ قاعدتي نفى الحرج و الضرر و اختار في الذيل ما اختاره في الدروس لكن لا لما ذكره من الدليل بل لان الضرر و الحرج إذا لم

يصلا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 273

..........

______________________________

الى حدّ الحرمة إنما يرفعان الوجوب و الإلزام لا أصل الطلب فإذا تحملهما و اتى بالمأمور به كفى.

و بالجملة لم يظهر لي وجه تقييد صورة المسألة بما ذكر و لا الاتكال في مقام الاستدلال على مفاد القاعدتين مع ان مقتضى ما ذكرنا وقوع الحج مع فقد الاستطاعة و كون الحج معه مغايرا حقيقة و ماهية مع الحج الواجد للاستطاعة و لا مجال- حينئذ- للاجزاء فلا بد من الحكم بعدمه كما عليه المشهور و قد عرفت عدم انطباق دليل الشهيد- قده- على مدعاه فالحكم في أصل محل البحث هو عدم لاجزاء.

نعم يقع الكلام بعد ذلك فيما إذا كان الحج و لو ببعض مناسكه حرجيا مع كونه واجدا للاستطاعة بتمام أنواعها كما إذا كان الوقوف بعرفات حرجيا عليه أو الوقوف بالمشعر كذلك و مع ذلك تحمل الحرج و اتى بالحج مع عدم كونه واجبا عليه لأجل ارتفاع الوجوب بالحرج بمقتضى قاعدته و هو الذي تعرض له في المتن في ذيل المسألة بقوله فلو كان نفس الحج و لو ببعض اجزائه حرجيا و ان كان يرد على التفريع بالفاء أيضا ما ذكرنا من عدم كون المسألة الأصلية المفروضة مرتبطة بالحرج أصلا و كيف كان فقد استظهر فيه و فيما إذا كان موجبا للإضرار بالنفس عدم الاجزاء و نقول: اما في مورد الحرج فالكلام فيه تارة في أصل الصحة و اخرى بعد الفراغ عن الصحة في الاجزاء عن حجة الإسلام.

اما البحث في أصل الصحة فقد مر غير مرة ان العبادة الحرجية لا تكاد تقع صحيحة بمقتضى قاعدة نفى الحرج لان مقتضاها انما هو السقوط بنحو العزيمة لا

الرخصة و لكنه ورد في خصوص الحج روايات كثيرة دالة على استحباب الحج و رجحانه في كل حال من دون فرق بين صورة الحرج و غيرها و من المعلوم ان دليل نفى الحرج لا يكون حاكما الا على الأدلة الدالة على الاحكام اللزومية من الوجوبية أو التحريمية فاستحباب الحج ثابت على كل حال و عليه فالحج الحرجي يقع صحيحا لا محالة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 274

[مسألة 46- لو توقف تخلية السرب على قتال العدو لا يجب]

مسألة 46- لو توقف تخلية السرب على قتال العدو لا يجب و لو مع العلم بالغلبة، و لو تخلى لكن يمنعه عدو عن الخروج للحج فلا يبعد وجوب قتاله مع العلم بالسلامة و الغلبة، أو الاطمئنان و الوثوق بهما، و لا تخلو المسألة عن اشكال. (1).

______________________________

كالحج الواقع مع فقد الاستطاعة.

و اما الكلام في الاجزاء فهو عين الكلام في الاجزاء بالإضافة إلى حج المتسكّع و قد عرفت ان لازم تعدد الماهية الثابت في الحج هو عدم الاجزاء.

نعم يرد على المتن ان عطف الضرر على النفس على الحرج لا يكاد يتم على مبناه في قاعدة نفى الضرر و هو كونه حكما مولويا صادرا عن مقام حكومة رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله لا كونه حكما إلهيا مرتبطا بمقام رسالته و وساطته و ذلك لان المراد بالضرر على النفس ما كان واجدا لجهتين الاولى عدم كونه موجبا لتلفه لعدم محل للبحث في الاجزاء عن حجة الإسلام بعد فرض التلف و الهلاك فالمراد هو الضرر النفسي غير البالغ حد التلف و الثانية عدم كونه حرجيا لانه مقتضى العطف على الحرج.

و عليه فالجمع بين كون المراد بالضرر هو ما كان واجدا للجهتين المزبورتين و بين كون

المراد من حديث «لا ضرر» ما ذكر لا ما هو المشهور من كونه قاعدة فقهية و حكما ثانويا ناظرا إلى الأدلة الأولوية و حاكما عليها يقتضي كون الحج الضرري هو بنفسه حجة الإسلام لأن المفروض تحقق جميع شروط الوجوب و ثبوت الحكم اللزومي و عدم وجود دليل حاكم عليه مقتض لنفى الوجوب و رفع اللزوم فالحج الكذائي لا يكون غير حجة الإسلام و لا يكون مستحبا مغايرا من حيث الماهية مع الحج الواجب كما لا يخفى.

(1) قد وقع فرض المسألة في كلام السيد- في العروة- و من قبله بعنوان واحد و هو ما لو توقف الحج على قتال العدو قال العلامة في القواعد: «و لو افتقر في السير الى القتال فالأقرب السقوط مع ظن السلامة» و في محكي الإيضاح: «ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 275

..........

______________________________

المراد بالظن هنا العلم العادي الذي لا يعد العقلاء نقيضه من المخوفات كإمكان سقوط جدار سليم قعد تحته لانه مع الظن بالمعنى المصطلح عليه يسقط إجماعا و بالسلامة هنا السلامة من القتل و الجرح و المرض و الشين لانه مع ظن أحدها بالمعنى المصطلح عليه في لسان أهل الشرع و الأصول يسقط بإجماع المسلمين».

و قال في محكي كشف اللثام: «الأقرب وفاقا للمبسوط و الشرائع سقوط الحج ان علم الافتقار الى القتال مع ظن السلامة- أي العلم العادي بها- و عدمه كان العدو مسلمين أو كفارا للأصل و صدق عدم تخلية السرب، و عدم وجوب قتال الكفار الّا للدفع أو للدعاء إلى الإسلام بإذن الإمام الى ان قال: و قطع في التحرير و المنتهى بعدم السقوط إذا لم يلحقه ضرر و لا خوف و احتمله

في التذكرة و كأنه لصدق الاستطاعة و منع عدم تخلية السرب حينئذ مع تضمن المسير امرا بمعروف و نهيا عن المنكر و اقامة لركن من أركان الإسلام».

هذا و لكنه قد فرض في المتن للمسألة صورتين يختلف حكمهما على طبق القواعد:

الاولى: ما لو توقف تخلية السرب على قتال العدو و الحكم فيها عدم وجوب القتال و لو مع العلم بالغلبة لأنه قد عرفت انه لا يجب تحصيل شرط الوجوب فكما انه لا يجب تحصيل الاستطاعة المالية التي هي شرط الوجوب كذلك لا يجب تحصيل تخلية السرب المتحققة بقتال العدو و لو كان مقرونا بالعلم بالغلبة و السلامة فلا ينبغي الإشكال في هذه الصورة في عدم وجوب القتال و عدم وجوب الحج نعم لو قاتل و صار غالبا يصير الحج واجبا.

الثانية: ما لو كان السرب مخلى لكن يمنعه العدو عن الخروج للحج و قد نفى البعد في المتن عن وجوب القتال في هذه الصورة بشرط العلم أو الاطمئنان بالسلامة و الغلبة ثم نفى خلو المسألة عن الاشكال و الوجه فيه انها ذات وجهين:

من كونه مانعا عن تحقق الحج مع فعلية وجوبه و تحقق جميع شروطه كما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 276

[مسألة 47- لو انحصر الطريق في البحر أو الجو وجب الذهاب]

مسألة 47- لو انحصر الطريق في البحر أو الجو وجب الذهاب الا مع خوف الغرق أو السقوط أو المرض خوفا عقلائيا، أو استلزم الإخلال بأصل صلاته لا بتبديل بعض حالاتها و اما لو استلزم أكل النجس و شربه فلا يبعد وجوبه مع الاحتراز عن النجس حتى الإمكان و الاقتصار على مقدار الضرورة، و لو لم يحترز كذلك صح حجه و ان أثم كما لو ركب المغصوب الى الميقات بل

إلى مكة و منى و عرفات فإنه اثم و صح حجه، و كذا لو استقر عليه الحج و كان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة فإنه يجب أدائها فلو مشى الى الحج مع ذلك اثم و صح حجه نعم لو كانت الحقوق في عين ماله فحكمه حكم الغصب و قد مر. (1)

______________________________

هو المفروض فيجب دفعه بأي نحو أمكن ليتحقق المأمور به في الخارج كما لو كان مانعا عن الصلاة و توقف إيجادها على قتاله و دفعه مع انه مرتبة من مراتب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر فيجب إيجادها.

و من كون المفروض ان العدو غير واجب القتل مع قطع النظر عن المانعية سواء كان مسلما أو كافرا و المانعية لا تقتضي بنفسها الجواز بعد تقدم حفظ النفس على الحج و كونه مزاحما أهم و ان كان بينه و بين ما إذا كان الحج مستلزما لترك حفظ النفس الواجب فرق الّا انه لا يقتضي الوجوب في المقام.

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام: الاولى: ان انحصار طريق الحج في البحر أو الجو الموجب للركوب على السفينة أو الطيارة لا يوجب سقوط وجوب الحج بعد عدم اختصاصه بطريق خاص ضرورة انه مع تحقق شرائط وجوبه يجب الإتيان به من كل طريق أمكن من دون فرق بين الطرق أصلا.

الثانية: يستثنى من وجوب الذهاب من طريق البحر أو الجو ما إذا كان هناك خوف عقلائي بالإضافة إلى الغرق أو السقوط أو المرض فإذا كان كذلك يسقط

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 277

..........

______________________________

وجوب الحج لما مر في الاستطاعة السربية من ان الخوف كذلك مانع عن تحققها و الخوف العقلائي ان كان

متحققا بالنسبة إلى النوع و الغالب فلا إشكال في عدم الوجوب معه و ان لم يكن كذلك بل كان الخوف بالإضافة إلى شخص المكلف من جهة تخوفه على خلاف الغالب فان كان موجبا للحرج فالظاهر عدم الوجوب لان الملحوظ في قاعدة نفى الحرج هو الحرج الشخصي لا النوعي فهذا الفرض و ان لم يصدق عليه الخوف العقلائي كما هو الظاهر يدل على عدم وجوب الحج فيه القاعدة المذكورة.

الثالثة: يستثنى أيضا من الوجوب المذكور ما إذا استلزم الذهاب من طريق البحر أو الجو الإخلال بأصل الصلاة و موجبا لتركها فإنه لا شبهة حينئذ في عدم الوجوب لاهمية الصلاة بالإضافة إلى الحج عند ثبوت المزاحمة و اما إذا استلزم تبديل بعض حالات الصلاة كتبديل القيام الى القعود- مثلا- و تبديل الطهارة المائية بالطهارة الترابية و تبديل الركوع و السجود بالإيماء ففي المتن انه لا يرتفع الوجوب بالتبديل و الوجه فيه ظهور كون الحج الذي هو من أهم الفرائض الإلهية و يموت تاركه يهوديا أو نصرانيا أهم من التبديل و ترك الصلاة قائما مع الإتيان بها جالسا فلا بد من ترجيحه هذا بناء على ما اخترناه في معنى الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج من ان المراد بها هي الاستطاعة العرفية و لا يعتبر فيها سوى ما فسرت به في الروايات الدالة على بيانها من ان المراد هي الاستطاعات الأربعة: المالية و السربية و البدنية و الزمانية فمع تحققها يصير وجوب الحج فعليا و لو كان فعله مستلزما لترك واجب أو فعل حرام فلا بد من رعاية قواعد التزاحم و ترجيح الأهم- قطعا أو احتمالا- و التخيير مع عدمه كذلك.

و اما إذا قلنا بمدخلية عدم الاستلزام المذكور في معنى

الاستطاعة و ان المراد بها هي الاستطاعة الشرعية غير المتحققة مع الاستلزام لترك الواجب أو فعل الحرام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 278

..........

______________________________

فان قلنا في موارد التبديل المذكورة بجواز تعجيز الإنسان نفسه عن القيام و عن الطهارة المائية- مثلا- مع الاختيار فاللازم الإتيان بالحج لتحقق الاستطاعة بهذا المعنى أيضا لأن المفروض عدم استلزامه لذلك بعد فرض جواز التعجيز.

و اما إذا قلنا بحرمة التعجيز المذكور فيشكل الأمر و في «المستمسك» بعد ان استظهر من الفتاوى عدم الفرق في مزاحمته لوجوب الحج و منافاته لتحقق الاستطاعة بين كونه أهم من الحج و عدمه بل استظهر انه لا اشكال فيه عندهم قال: «و الذي ينبغي ان يقال انه لا عموم في النصوص التي اعتمد عليها في مانعية ما ذكر عن الاستطاعة لكل واجب بل يختص بالواجب الذي له نوع من الأهمية بحيث يصح ان يعتذر به في ترك الحج فإذا علم المكلف انه إذا حج يفوته رد السلام على من سلم عليه أو الإنفاق يوما ما على من تجب نفقته عليه أو نحو ذلك من الواجبات التي ليس لها تلك الأهمية لا يجوز له ترك الحج فرارا عن تركها فإنه لا يصح له الاعتذار بذلك».

و أنت خبير بان رفع اليد عن المبنى المذكور اولى من التوجيه بهذا النحو فإن صحة الاعتذار به في ترك الحج ان كان المقصود هي الصحة عند الشارع فلا طريق إلى إثباتها و ان كان هي الصحة عند المتشرعة- كما صرح به في ذيل كلامه- فلا تكون كاشفة عن الصحة عند الشارع فإنهم لا يرون جواز ترك الحج بمجرد استلزامه لترك صلاة واحدة خصوصا إذا لم تكن أزيد

من ركعتين مع انك عرفت ترجيحها على الحج بلا كلام و بالجملة فهذا التوجيه لا يرجع الى محصل.

الرابعة: ما إذا استلزم الحج المذكور أكل النجس أو شربه و قد نفى البعد عن وجوب الحج في هذه الصورة و الوجه فيه ما ذكرنا من أهمية وجوب الحج بالإضافة إلى وجوب الاجتناب عن النجس فتلزم مراعاة وجوب الحج نعم لا بد من الاقتصار على مقدار الضرورة و الاحتراز عن الزائد عليه جمعا بين التكليفين و لو لم يحترز كذلك فلا يضر بصحة حجه بعد كون ذلك مرتبطا بالمقدمة و بالسفر في البحر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 279

..........

______________________________

أو الجو غاية الأمر تحقق الإثم و العصيان كما في ركوب الدابة المغصوبة و يجري في هذه الجهة ما ذكرنا في الجهة الثالثة بناء على مبنى الاستطاعة الشرعية.

الخامسة: ما لو استقر عليه الحج و كان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة و في المتن انه يجب عليه أدائها و لكن لو مشى الى الحج بدون الأداء اثم و صح حجه.

و قد تقدم في مسألة مزاحمة الحج لأداء الدين في عام الاستطاعة و قبل استقرار الحج ما يتعلق باهمية الحج أو أهمية أداء الدين و مثله أو التخيير بينهما من التفصيل في بيان الأدلة و ما هو المختار فراجع.

نعم لا إشكال في صحة الحج و لو كان أداء الحقوق أهم بالإضافة إليه لعدم كون المزاحمة موجبة لبطلان المزاحم غير الأهم إذا كان عبادة كما في الصلاة و الإزالة و ان كانت الآراء في وجه الصحة مختلفة و النظرات متعددة.

لكن في المقام إذا قلنا بان تعلق الخمس و الزكاة بالمال انما هو بنحو

الإشاعة و الشركة لكان اللازم عدم كون ثوب الإحرام المشتري بالمال المذكور بنحو الثمن المعين أو الثمن الكلي لكن مع البناء حين المعاملة على الأداء من ذلك المال منتقلا اليه و كذا ثمن الهدى.

و اما إذا قلنا بكون تعلقهما انما هو بنحو الكلي في المعين فالمعاملة صحيحة إذا بقي عنده من المال مقدارهما.

و قد مر أيضا ان غصبية ثوبي الإحرام لا تكاد تضر بالإحرام لعدم مدخليتهما في حقيقته نعم غصبية الثوب حال الطواف و صلوته قادحة في صحتهما كما ان الإخلال بالهدي و كونه غصبا يقدح في صحة الحج و يمنع عن وقوع الاعمال المترتبة عليه صحيحة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 280

[مسألة- 48 يجب على المستطيع الحج مباشرة]

مسألة- 48 يجب على المستطيع الحج مباشرة فلا يكفيه حج غيره عنه تبرعا أو بالإجارة، نعم لو استقر عليه و لم يتمكن منها لمرض لم يرج زواله أو حصر كذلك أو هرم بحيث لا يقدر أو كان حرجا عليه وجبت الاستنابة عليه، و لو لم يستقر عليه لكن لا يمكنه المباشرة لشي ء من المذكورات ففي وجوبها و عدمه قولان لا يخلو الثاني عن قوة و الأحوط فورية وجوبها.

و يجزيه حج النائب مع بقاء العذر الى ان مات بل مع ارتفاعه بعد العمل بخلاف أثنائه فضلا عن قبله و الظاهر بطلان الإجارة و لو لم يتمكن من الاستنابة سقط الوجوب و قضى عنه، و لو استناب مع رجاء الزوال لم يجز عنه فيجب بعد زواله و لو حصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية، و الظاهر عدم كفاية حج المتبرع عنه في صورة وجوب الاستنابة و في كفاية الاستنابة من الميقات اشكال و ان كان الأقرب عدم الكفاية.

(1)

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع متعددة: الأول: انه إذا كان المستطيع قادرا على مباشرة الحج يجب عليه الحج مباشرة و لا يكفيه حج غيره عنه تبرعا أو بالإجارة و الوجه فيه- مضافا الى تسلمه و ثبوت الإجماع القطعي عليه- كون جواز النيابة و الاستنابة أمرا مخالفا للقاعدة مفتقرا الى قيام الدليل و لم يقم دليل عليه مع فرض قدرة المستطيع على مباشرة الحج.

الثاني: من استقر عليه الحج و لم يتمكن بعد الاستقرار من المباشرة لشي ء من الأمور المذكورة في المتن ففي وجوب الاستنابة عليه و عدمه قولان فالمشهور بل المدعى عليه الإجماع في جمع من الكتب كالروضة و المسالك و المفاتيح و شرحها و بعض آخر هو الوجوب و جزم صاحب المستند بعدم الوجوب و استظهره من الذخيرة بل من الشرائع و النافع و الإرشاد لترددهم في مسألة استنابة المعذور من غير تفصيل بين الاستقرار و عدمه، و قد قواه صاحب الجواهر و حكى التردد من بعضهم في الوجوب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 281

..........

______________________________

و مستند الاختلاف الروايات الكثيرة الواردة في المسألة و هي على طوائف:

الطائفة الأولى ما ظاهره الوجوب من غير تقييد للنائب بعنوان مخصوص و هي:

صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: ان عليا- عليه السّلام- رأى شيخا لم يحج قط و لم يطق الحج من كبره فأمره أن يجهز رجلا فيحج عنه. «1»

و لا يخفى ظهور قوله: فأمره في وجوب التجهيز و الاستنابة لظهور مادة الأمر في ذلك بل ظهورها في الوجوب أقوى من ظهور هيئة افعل فيه كما قرر في محله الا ان إطلاق السؤال و شموله لغير المستطيع لعدم التعرض

فيه لوصف الاستطاعة أصلا لا يجتمع مع وجوب الاستنابة أصلا فهل الترجيح- ح- مع ظهور مادة الأمر في الوجوب و لازمة تقييد المورد بقيد الاستطاعة أو مع إطلاق المورد و لازمة حمل الأمر على الاستحباب لانه لا مجال لإيجاب الاستنابة مع عدم الاستطاعة أصلا- لا سابقا و لا في الحال؟ لا يبعد ان يقال بالثاني لأنه- مضافا الى أقووية ظهور الأمر في الوجوب و الى كون المستفاد عرفا من عدم وقوع الحج منه قط و عدم طاقته منه فعلا لأجل الكبر هو الحج الذي هي فريضة إلهية و كان الواجب عليه الإتيان به كما لا يخفى- يكون تقييد المورد بالقيدين مع كون الامام- عليه السّلام- في مقام بيان الحكم بصورة نقل الواقعة في زمن المولى أمير المؤمنين- عليه السّلام- لا بيان نقل خصوصيات الواقعة و لو لم تكن دخيلة في الحكم كبياض لحيته و رأسه- مثلا- دليلا على كون المراد من الأمر هو الوجوب لعدم مدخلية شي ء من القيدين في استحباب الاستنابة أصلا فالإنصاف انه لا مجال للمناقشة في دلالة الرواية على الوجوب.

و مثلها صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال ان أمير المؤمنين- صلوات اللّٰه عليه- أمر شيخا كبيرا لم يحج قط و لم يطق الحج لكبره ان يجهز رجلا يحج عنه. «2».

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 282

..........

______________________________

و صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال كان على- عليه السّلام- يقول لو ان رجلا أراد الحج فعرض

له مرض أو خالطه سقم فلم يستطيع الخروج فليجهز رجلا من ماله ثم ليبعثه مكانه. «1» و الظاهر و لو بقرينة ظهور قوله: فليجهز في الوجوب ان المراد من الحج الذي أراده هو الحج الواجب و هي حجة الإسلام الواجبة بأصل الشرع مضافا الى ان إطلاق الحج ظاهر فيه لعدم افتقاره الى التقييد بخلاف الحج الاستحبابي فتدبر.

ثم ان هذه الروايات مشتركة في كون من يجهزه و يستنيبه متصفا بالرجولية و الظاهر ان العرف يلغى هذه الخصوصية كإلغائه في مثل رجل شك بين الثلاث و الأربع و لو نوقش في إلغاء الخصوصية يستفاد ذلك من بعض الروايات الواردة في المقام و ان كان في دلالته على أصل الوجوب مناقشة من حيث السند و الدلالة و هي ما رواه المفيد في «المقنعة» عن الفضل بن العباس قال: أتت امرأة من خثعم رسول اللّٰه- ص- فقالت ان أبي أدركته فريضة الحج و هو شيخ كبير لا يستطيع ان يلبث على دابته فقال لها رسول- ص- فحجي عن أبيك. «2» و رواه الشيخ في الخلاف في المسألة السادسة من كتاب الحج عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس بهذه الصورة:

ان امرأة من خثعم سألت رسول اللّٰه- ص- فقالت: ان فريضة اللّٰه في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع ان يستمسك على راحلة فهل ترى ان أحج عنه فقال- ص- نعم قال و في رواية عمرو بن دينار عن الزهري مثله و زاد: فقالت يا رسول اللّٰه فهل ينفعه ذلك فقال: نعم كما لو كان عليه دين تقضيه نفعه.

و لا دلالة في قوله- ص- فحجي في رواية المفيد على الوجوب لعدم

وجوب النيابة على الغير بل الكلام في وجوب الاستنابة على المستطيع التارك و لا دلالة في الرواية على

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 5

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 283

..........

______________________________

هذا الوجوب نعم التشبيه بالدين يشعر بالوجوب لوجوب أدائه من كل طريق أمكن و لو بالطلب من الغير كما لا يخفى الطائفة الثانية ما ظاهره الاستنابة في صورة المشية و هي روايتان:

إحديهما رواية سلمة أبي حفص عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- ان رجلا اتى عليا- عليه السلام- و لم يحج قط فقال انى كنت كثير المال و فرطت في الحج حتى كبرت سني فقال: فتستطيع الحج؟ فقال لا فقال له على- عليه السّلام- ان شئت فجهز رجلا ثم ابعثه يحج عنك. «1».

ثانيتهما رواية عبد اللّٰه بن ميمون القداح عن أبي جعفر عن أبيه- عليهما السلام-- ان عليا- عليه السّلام- قال لرجل كبير لم يحج قط إن شئت ان تجهز رجلا ثم ابعثه بحج عنك. «2».

و ربما يقال ان التعليق على المشية قرينة على عدم الوجوب لانه يجب الإتيان بالواجب مطلقا شاء أم لم يشأ فلا يقال ان شئت صل صلاة الظهر بخلاف صلاة الليل مثلا و عليه فتصير هذه الطائفة قرينة على عدم كون المراد بالطائفة الاولى هو الوجوب.

و لكن يرد عليه- مضافا الى ضعف سند هذه الطائفة لأن سلمة أبا حفص لا يكون مذكورا في الكتب الرجالية بل لا يكون له الّا روايات قليلة جمعها في كتاب جامع الرواة و الراوي عنه في الجميع هو ابان بن عثمان و رواية

عبد اللّٰه بن ميمون ضعيفة بسهل بن زياد و عدم ثبوت كون جعفر بن محمد هو الجعفر الواقع في اسناد كامل الزيارات مع انه يحتمل قويا ان يكون المراد بقوله عليه السّلام ان شئت ان تأتي بما هو الواجب عليك و ان تفرغ ذمتك مما اشتغلت به كما في الوسائل.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 3

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 8

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 284

..........

______________________________

و بالجملة إذا دار الأمر بين جعل التعليق على المشية قرينة على التصرف في الطائفة الاولى و بين العكس فلا خفاء في ان الترجيح مع الثاني و حمل قوله عليه السّلام: «ان شئت» على ما ذكرنا.

الطائفة الثالثة ما تدل على اعتبار اشتمال النائب على بعض الخصوصيات مع عدم مدخليته فيه و هي:

صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال و ان كان موسرا و حال بينه و بين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره اللّٰه فيه فان عليه ان يحج عنه من ماله صرورة لا مال له. «1»

و رواية على بن أبي حمزة قال سألته عن رجل مسلم حال بينه و بين الحج مرض أو أمر يعذره اللّٰه فيه فقال عليه ان يحج من ماله صرورة لا مال له. «2»

و ربما يقال بان اعتبار قيد الصرورة في النائب مع وضوح عدم لزومه بضميمة عدم جواز التفكيك بين القيد و المقيد دليل على عدم وجوب الاستنابة مضافا الى ما في الجواهر من انه يقوى كون المراد الإحجاج في مثل هذا الشخص بدل تركه الحج لأنه نائب عنه.

و يرد

عليه- مضافا الى ما ربما يقال من إمكان الأخذ بالقيد و الالتزام باعتباره في النائب- ان التفكيك مع قيام الدليل عليه لا مانع منه أصلا فإنه- حينئذ- يشبه إلغاء الخصوصية المتقدم في قيد الرجولية على ما عرفت و اما ما في الجواهر ففي غاية البعد خصوصا في رواية الحلبي المشتملة على كلمة «عنه» الظاهرة في النيابة مضافا الى عدم المناسبة بين ثبوت الوجوب على المستطيع و بين وقوع الحج للنائب كما لا يخفى.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 2

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 285

..........

______________________________

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا ان الأقوى في مسألة الاستنابة ما عليه المشهور من اللزوم و الوجوب.

ثم انه ذكر في «المستمسك» ان المذكور في كلام الأصحاب الهرم و المرض و الضعف و نحو ذلك مما يرجع الى قصور الاستطاعة البدنية قال: «و لم أقف عاجلا على من تعرض لغير ذلك من الموانع من حبس أو صد أو نحوهما مما يوجب فقد الاستطاعة السربية مع ان المذكور في مصحح الحلبي ان موضوع الاستنابة مطلق العذر و نحوه خبر على بن أبي حمزة فالتعميم أوفق بالنصوص لو لا ما عرفت من ظهور كون المشهور خلافه».

أقول: قد تعرض في الشرائع عطفا على المرض للعدوّ و عليه فلا اشعار بالاختصاص بما يوجب فقد الاستطاعة البدنية بل يعم الاستطاعة السربية أيضا.

ثم انه قيد في المتن- تبعا للعروة و الجواهر- المرض بما لم يرج زواله قال في الجواهر: «و قد صرح غير واحد بان الوجوب على تقدير القول به انما هو فيما

لم يرج زواله، اما ما يرجى زواله فلا تجب الاستنابة فيه بل عن المنتهى الإجماع عليه، و ربما يشهد له التتبع بل في المدارك لو حصل له اليأس بعد الاستنابة وجب عليه الإعادة لأن ما فعله أو لا لم يكن واجبا فلا يجزى عن الواجب».

و قد ذكر بعض الأعاظم- قده- ان الأقوى في النظر هو الحكم بوجوب الاستنابة مطلقا من دون فرق بين ما إذا كان المرض مرجو الزوال و غيره و ذلك لإطلاق بعض ما مر من الاخبار الواردة في المقام قال بل نقول ان حملها على صورة ما إذا كان المرض غير مرجو الزوال حمل على الفرد النادر فان المرض غالبا يكون مرجو الزوال نعم الأخبار الواردة في استنابة الشيخ الكبير ليس لها إطلاق و ذلك لان الشيخوخة ليست مما يرجى زواله فتلك الأخبار مختصة بالمرض غير مرجو الزوال لكن هذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 286

..........

______________________________

كما ترى لا يصلح مقيدا للاخبار المطلقة الدالة على وجوب الاستنابة مطلقا لكونهما مثبتين و لا تنافي بينهما.

أقول ان كان مراده بالرواية المطلقة صحيحة الحلبي المتقدمة المشتملة على قوله: و حال بينه و بين الحج مرض .. فيرد عليه انه من الواضح كون المراد بالمرض المذكور فيها هو المرض الذي لا يرجى زواله لان ظاهرها حيلولة المرض بينه و بين طبيعة الحج غير المقيدة بسنة خاصة أو سنوات كذلك و من الظاهر ان الحيلولة المذكورة لا تتحقق إلا في المرض المذكور فان المرض الحائل بينه و بين الحج في بعض السنوات لا يكون متصفا بالحيلولة بينه و بين الطبيعة فلا مجال لدعوى الإطلاق في هذه الرواية أصلا.

و ان كان مراده بالرواية

المطلقة هي صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة المشتملة على قوله لو ان رجلا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطيع الخروج نظرا الى ظهورها في كون المرض العارض مانعا عن استطاعة الخروج من دون فرق بين كونه مرجو الزوال و غيره بل لعل ظاهره هو الأول كما لا يخفى.

فيرد عليه ان دعوى اختصاصها بالحج التطوعى و الإرادي الخارج عن بحث المقام كما ذكره بعض الاعلام و ان كانت ممنوعة الّا ان ظهور الروايات المتقدمة في كون المرض و مثله غير مرجو الزوال و بما يصير قرينة على حمل الرواية على الحج غير الواجب أو على كون المراد من المرض فيه ما لا يكون مرجو الزوال و ان كان خلاف الإطلاق أو خلاف ظاهرها فتدبر.

و بالجملة لم يثبت وجوب الاستنابة في المرض الذي يعلم بزواله بعد سنة أو أزيد.

نعم ذكر بعض الاعلام انه لم يرد في شي ء من الروايات اليأس أو رجاء الزوال بل المذكور فيها عدم التمكن و عدم الطاقة و الحيلولة بينه و بين الحج بمرض و نحوه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 287

..........

______________________________

و الظاهر ان المأخوذ في الحكم بلزوم الاستنابة عدم الطاقة واقعا و عدم الطاقة واقعا و عدم الاستطاعة كذلك و اما اليأس من زوال العذر فهو طريق عقلائي لعدم التمكن من إتيانه واقعا كما انه تجوز له الاستنابة في فرض رجاء الزوال لاستصحاب بقاء العذر و لكن ذلك حكم ظاهري قال و بالجملة موضوع وجوب الاستنابة هو عدم الطاقة و عدم القدرة واقعا و لكن اليأس عن زوال العذر أو استصحاب بقاء العذر أو الاطمئنان ببقاء ذلك كل ذلك طرق الى الواقع.

و

لازم ذلك انه لا مدخلية لليأس في الحكم بلزوم الاستنابة بل مجرد احتمال البقاء كاف في ذلك لجريان الاستصحاب هذا تمام الكلام في الفرع الثاني.

الفرع الثالث لو لم يستقر عليه الحج لكن لا يمكنه المباشرة لشي ء من المذكورات في الفرع الثاني من المرض و الحصر و الهرم ففي وجوب الاستنابة و عدمه قولان حكى الأول عن الإسكافي و الشيخ و أبي الصلاح و ابن البراج و العلامة في التحرير و حكى عن الخلاف الإجماع عليه و ما في المستمسك من قوله: و حكى عن الخلاف الإجماع على عدم وجوبها عليه لكني لم أجده فيه فالظاهر انه اشتباه.

و حكى الثاني عن ظاهر المفيد- قده- و ابن إدريس و ابن سعيد و العلامة في القواعد و المختلف و عن كاشف اللثام و نفى خلوه عن القوة في المتن كما ان السيد- قده- في العروة نفى خلو الأول عن القوة.

هذا و الظاهر انه لا مجال للمناقشة في شمول الإطلاق في بعض الروايات المتقدمة لصورة عدم الاستقرار مثل صحيحة الحلبي المتقدمة المشتملة على قوله- عليه السّلام- و ان كان موسرا و حال بينه و بين الحج .. فان هذا القول يشمل من كان موسرا و مستطيعا في سنة الحج الذي حال بينه و بينه المرض و لم يكن كذلك قبلا بان لم يستقر عليه الحج و- حينئذ- فمقتضى إطلاقها وجوب الاستنابة عليه أيضا و كذلك رواية على بن أبي حمزة المتقدمة المشتملة على قوله: و سألته عن رجل مسلم حال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 288

..........

______________________________

بينه و بين الحج مرض .. فإن إطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب يدل على عدم اختصاص

الحكم بمن استقر عليه الحج و شموله لغيره أيضا.

و بالجملة لا إشكال في ثبوت الإطلاق في المقام الا ان ثبوته بمجرده لا يكفي في إثبات الحكم هنا و ليس كالفرع الثاني الذي يتوقف على مجرد قيام الدليل على الوجوب و ذلك لأنه في مقابل الإطلاق هنا الروايات الواردة في الاستطاعة الدالة على تفسيرها بعد الاستطاعة المالية بالاستطاعة البدنية و السربية أيضا و ظاهرها ان مدخلية الاستطاعتين في الحج عين مدخلية الاستطاعة المالية فكما ان لها الشرطية في أصل وجوب الحج و ثبوت هذا التكليف و مرجعه الى ان فقد الاستطاعة المالية يوجب عدم ثبوت الوجوب رأسا لا سقوط قيد المباشرة و الإتيان بالحج من طريق النيابة كذلك ظاهر الروايات ان للاستطاعتين مدخلية في أصل الوجوب و انه مع انتفاء شي ء منها لا يكون هناك تكليف بالحج رأسا لا انه يسقط قيد المباشرة و يقوم مقامه الاستنابة و الإتيان من طريق النيابة.

فلو كان في مقابل هذه الروايات رواية معتبرة واردة في خصوص من لم يستقر عليه الحج دالة على لزوم الاستنابة عليه مع المرض أو الحصر أو الهرم- مثلا- لكان اللازم الجمع بين الأمرين بحمل روايات تفسير الاستطاعة على كون المراد مدخليتها- بأنواعها- في لزوم المباشرة و ان انتفاء شي ء من الاستطاعتين لا يوجب انتفاء التكليف رأسا بل اللازم الاستنابة و الإتيان من طريق النيابة.

الا انه مع ثبوت الإطلاق في مقابلها لا بد من ملاحظة ان الترجيح مع الإطلاق فيتصرف في تلك الروايات مثل ما إذا كان في البين رواية خاصة أو ان الترجيح مع ظهور تلك الروايات في كون مدخلية الاستطاعتين كمدخلية الاستطاعة المالية في أصل الوجوب و ثبوت التكليف لا في اعتبار المباشرة.

و الظاهر

ان الترجيح مع تلك الروايات لكون ظهورها مستندا الى الوضع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 289

..........

______________________________

و أقوى بالإضافة إلى الظهور المستند إلى الإطلاق فالترجيح مع القول بعدم الوجوب الفرع الرابع في ان وجوب الاستنابة في مورده و هو خصوص من استقر عليه الحج أو أعم منه و ممن لم يستقر فوري أم لا استظهر السيد- قده- في العروة الفورية و جعلها في المتن مقتضى الاحتياط اللزومي و الدليل عليها هو الدليل المتقدم في أوائل كتاب الحج الدال على فورية وجوب الحج و لا فرق فيه بين المستقر و غيره فإذا كان أصل التكليف ثابتا بنحو الفورية و أدلة لزوم الاستنابة غايتها التوسعة في مقام الأداء و انه لا يختص بالإتيان به مباشرة بل اللازم إيجاد الحج في الخارج و لو من طريق التسبيب و الاستنابة فالتغيير الحاصل بسبب أدلة النيابة هو هذا المقدار الراجع الى عدم مدخلية قيد المباشرة و اما أصل الوجوب و وصفه و هي الفورية فهما باقيان بحاله من دون تغيير.

و اما الترديد الذي يشعر به الاحتياط اللزومي فلعلّ منشأه عدم دلالة شي ء من اخبار الاستنابة و لزومها على فوريتها مع ان الوجه فيه ما عرفت من كون الغرض منها افادة إلغاء اعتبار قيد المباشرة فقط من دون نظر الى شي ء آخر هذا مضافا الى ظهور بعضها في الفورية كما لا يخفى.

الفرع الخامس إذا استناب و صار النائب في مقام الإتيان بالحج و تحقق منه فإن بقي العذر و استمرّ الى ان مات المنوب عنه فلا شبهة في أجزاء حج النائب و مرجعه الى عدم وجوب الإتيان به ثانيا نيابة عنه بعد الموت و ذلك لظهور

أدلة الاستنابة في ان الحج الذي يأتي به النائب هو الحج الواجب على المنوب عنه و انه يأتي به مكانه فحجّه حجّه فلا مجال للزوم الإتيان به ثانيا كما إذا اتى به مباشرة حيث لا يبقى موقع للزوم التكرار و اما إذا لم يبق العذر كذلك ففيه صور ثلاثة:

الأولى: ما إذا ارتفع العذر بعد فراغ النائب عن العمل و الإتيان بالحج فالمنسوب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 290

..........

______________________________

الى المشهور بل ربما يدعى عدم الخلاف فيه عدم الاجزاء و انه يجب عليه الإتيان بالحج بعد ذلك مباشرة و لكن صاحب الجواهر- قده- استفاد من فتوى المشهور عدم لزوم الاستنابة و لكن صاحب الجواهر- قده- استفاد من فتوى المشهور عدم لزوم الاستنابة و انهم غير قائلين بالوجوب نظرا إلى انه على تقدير الوجوب لكان مقتضى القاعدة الاجزاء كما هو المقرر في الأصول.

و بالجملة فمختار المتن- تبعا للسيد في العروة- الاجزاء لما ذكرنا من ان ظاهر الاخبار ان ما يأتي به النائب من الحج هو الذي كان واجبا على المنوب عنه فإذا اتى به فقد حصل ما كان واجبا عليه و لا دليل على وجوبه مرة أخرى.

نعم يمكن المناقشة في ذلك بان العذر المسوّغ للاستنابة هو العذر الباقي غير الزائل و مع ارتفاعه بعد عمل النائب يستكشف انه لم يكن مجال للاستنابة و لكن يدفعها ما ثبت في الأصول من اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء و ان استصحاب بقاء العذر يكفي في صحة عمل النائب و وقوعه عن المنوب عنه.

الثانية و الثالثة ما إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب أي بعد الإحرام أو في أثناء الطريق قبل الشروع في الحج و قد

اختار السيد- قده- فيهما الاجزاء أيضا نظرا الى وقوع الاستنابة بأمر الشارع و كون الإجارة لازمة لا دليل على انفساخها خصوصا إذا لم يمكن إبلاغ النائب الموجر ذلك و لا مجال لدعوى كون جواز النيابة ماداميا.

و لكن مختار المتن هو عدم الاجزاء نظرا الى ان ارتفاع العذر في الصورتين كاشف عن عدم مشروعية النيابة و الإجارة لأن المفروض عدم تحقق الحيلولة بينه و بين الحج أصلا و انه كان متمكنا من الحج مباشرة و استصحاب بقاء العذر لا دلالة له على مشروعية النيابة بعد ارتفاع العذر فالنيابة لم تكن مشروعة بحسب الواقع و عليه فالإجارة الواقعة عليها باطلة لعدم مشروعية العمل المستأجر عليه و منه يظهر انه لا يجب على الأجير أيضا إتمام الحج عن نفسه لعدم كون إحرامه متصفا بالمشروعية فلم يتحقق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 291

..........

______________________________

الشروع في الحج بنحو مشروع حتى يجب إتمامه بخلاف الحج الاستحبابي الذي شرع فيه فإنه يجب إتمامه بمجرد الشروع و بالجملة فالحكم في هاتين الصورتين عدم الاجزاء فاللازم الإتيان به مباشرة لفرض ارتفاع العذر.

الفرع السادس: لو لم يتمكن من الاستنابة ففي المتن: سقط الوجوب و قضى عنه. اما سقوط وجوب الاستنابة فلفرض عدم التمكن منها سواء كان منشأ عدم التمكن عدم وجود النائب أو وجوده مع مطالبته مالا كثيرا موجبا للضرر زائدا على الضرر المتحقق في أصل الاستنابة بناء على اقتضاء قاعدة «لا ضرر» لارتفاع الحكم الضرري و حكومتها على الأدلة الأولية كما هو المشهور أو في خصوص ما إذا كان تحمل المال المطالب حرجيا بناء على اختصاص رفع الحكم في مثل هذه الموارد بقاعدة «نفى الحرج» و عدم جريان قاعدة

«لا ضرر» لان مفادها غير ما هو المعروف كما مر مرارا.

ثم ان المفروض صورة عدم التمكن من الاستنابة إلى آخر العمر ضرورة انه مع التمكن منها و لو في عام تجب الاستنابة فيه بلا اشكال.

و اما القضاء عنه بعد الموت فلا إشكال في ثبوته و وجوبه فيما إذا كان الحج مستقرا عليه لان المفروض عدم تحققه منه و لو بالاستنابة و منه يظهر وجوب القضاء و لو مع التمكن من الاستنابة إذا خالف و لم يتحقق منه أصلا.

و اما إذا لم يكن الحج مستقرا عليه فان قلنا بعدم وجوب الاستنابة عليه- كما اخترناه- فالظاهر عدم وجوب القضاء عنه بعد الموت لان المفروض عدم وجوب الحج عليه رأسا فلا مجال لوجوب القضاء عنه بعد الموت.

و اما ان قلنا بوجوب الاستنابة عليه- كما اختاره في العروة- فربما يقال ان الظاهر عدم وجوب القضاء عنه لعدم تنجز التكليف عليه مباشرة للعذر من المرض و الحصر و عدم وجوب الاستنابة عليه في زمان حياته لعدم وجود النائب أو لأمر آخر من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 292

..........

______________________________

الضرر أو الحرج فالحج لا يجب عليه لا مباشرة و لا نيابة.

أقول لا مجال لدعوى ان المستفاد من أدلة الاستنابة لزوم القضاء عنه بعد الموت فان الاستنابة الواجبة- على تقديره- أمر مرجعه الى عدم مدخلية المباشرة و الاكتفاء بعمل النائب و لزوم القضاء أمر آخر مترتب على تنجز التكليف و المفروض عدمه لتعذر المباشرة و الاستنابة معا و هذا بخلاف من استقر عليه الحج الذي يجب القضاء عنه بعد الموت.

نعم لازم ما ذكرنا وجوب القضاء إذا كان متمكنا من الاستنابة غاية الأمر انه لم تتحقق منه خارجا

عصيانا فتدبر و سيأتي تفصيل مسألة القضاء إن شاء اللّٰه تعالى.

الفرع السابع: لو استناب مع رجاء الزوال ففي المتن لم يجز عنه فيجب بعد زواله قال و لو حصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية أقول اما عدم الاجزاء فيما لو استناب مع رجاء الزوال فتحقق الزوال فلأجل ان جواز الاستنابة مترتب على اليأس من الزوال فلا مجال لها مع الرجاء و عليه فالنيابة غير صحيحة فلا يجزى حج النائب عن المنوب عنه هذا بناء على مبنى المتن من اختلاف الحكم باختلاف حال المنوب عنه من جهة اليأس و الرجاء.

و اما بناء على القول بان موضوع وجوب الاستنابة هي الحيلولة الواقعية للمرض بينه و بين الحج غاية الأمر انه ربما يحرز بالوجدان أعم من القطع و الاطمئنان و اخرى بالاستصحاب فالظاهر جريان الاستصحاب و لو مع رجاء الزوال لعدم المنافاة بينه و بين الاستصحاب و إذا كان الاستصحاب جاريا تصير الاستنابة مشروعة و- ح- زوال المرض بعد العمل لا يكاد يقدح في الاجزاء أصلا كما مرّ في الفرع الخامس نعم إذا كان الزوال في الأثناء أو قبل الشروع لا يكون مجزيا.

و اما استظهار الكفاية فيما لو حصل اليأس بعد عمل النائب مع رجاء الزوال عند الاستنابة فتمكن المناقشة فيه بأنه ان كان الموضوع هو الحيلولة الواقعية فقد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 293

..........

______________________________

عرفت الكفاية و لو لم يحصل اليأس بعد عمل النائب و ان كان الموضوع هي حال النائب و هو اليأس من الزوال فالمفروض عدم تحققه حين الاستنابة و هو دخيل في جوازها و مشروعيتها فلا يبقى مجال للاجزاء و الكفاية كما لا يخفى.

الفرع الثامن: لو حج المتبرع

عنه في صورة وجوب الاستنابة ففي المتن:

«الظاهر عدم الكفاية» وجه الظهور انه لو لم يكن في البين أدلة وجوب الاستنابة و كنا نحن و أدلة وجوب الحج على المستطيع لم نكن نتجاوز عن اعتبار صدوره بنحو المباشرة و عدم كفاية الاستنابة أيضا لكن أدلة وجوب الاستنابة نفى مدخلية المباشرة و وسّع في الحكم بنحو اكتفى بصدوره من النائب الذي استنابه المنوب عنه و كلا الفرضين يشتركان في الانتساب الى المنوب عنه و الإضافة الصدورية إليه غاية الأمر ان الصدور في الأول بالمباشرة و في الثاني بالتسبيب و عليه فلم يقم دليل على كفاية الصدور من الغير بنحو التبرع مع عدم انتسابه اليه و عدم استناد صدوره اليه بوجه و ليس هذا الفرض كصورة الموت التي لا بد من القضاء عنه كقضاء دينه و يكفى فيه تبرع القضاء فان زمن الحياة لا بد من استناد العمل الواجب اليه و اضافة صدوره به بالمباشرة كما في مثل الصلاة و الصوم أو الأعم منها و من التسبيب كما في المقام و عليه فلا يكفى تبرع الغير في ذلك.

الفرع التاسع: هل تكفي الاستنابة من الميقات ففي المتن استقرب الكفاية بعد ان استشكل فيها، وجه الكفاية ان المستفاد من الروايات الواردة في الاستنابة ان الواجب هو تجهيز رجل ليحج عنه فاللازم هي تهية مقدمات صدور الحج بعنوان النيابة عنه و إرسال شخص لذلك و اما لزوم كون الإرسال من بلد المنوب عنه فلا دلالة لها على وجوبه خصوصا بعد انه لا يلزم على المنوب عنه طي الطريق الى الميقات بقصد الحج بل اللازم هو الحج الذي شروعه من الميقات و اما قوله- عليه السّلام- في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة:

«ثم ليبعثه مكانه» فلا دلالة له أيضا على لزوم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 294

[مسألة 49- لو مات من استقر عليه الحج في الطريق]

مسألة 49- لو مات من استقر عليه الحج في الطريق فان مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأه عن حجة الإسلام، و ان مات قبل ذلك وجب القضاء عنه و ان كان موته بعد الإحرام على الأقوى، كما لا يكفى الدخول في الحرم قبل الإحرام كما إذا نسيه و دخل الحرم فمات و لا فرق في الاجزاء بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الحل كما إذا مات بين الإحرامين، و لو مات في الحل بعد دخول الحرم محرما ففي الإجزاء إشكال، و الظاهر انه لو مات في الحل بعد دخول الحرم محرما ففي الإجزاء إشكال، و الظاهر انه لو مات في أثناء عمرة التمتع أجزأه عن حجه، و الظاهر عدم جريان الحكم في حج النذر و العمرة المفردة لو مات في الأثناء، و في الافسادى تفصيل، و لا يجرى فيمن لا يستقر عليه الحج فلا يجب و لا يستحب عنه القضاء لو مات قبلهما. (1)

______________________________

البعث من بلد المنوب عنه بل المراد هو بعثه مكانه في الإتيان بالحج و تحقق المناسك منه فالظاهر حينئذ هو الكفاية من الميقات.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين: المقام الأول: فيمن استقر عليه الحج و قد مات في الطريق قبل ان يتم اعمال الحج و يأتي بمناسكه و فيه صور:

الاولى: ما إذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم و قد نفى في محكي «المدارك» وجدان الخلاف في الاجزاء عن حجة الإسلام و عدم لزوم القضاء عنه على الوارث بل عن «المنتهى» الإجماع عليه و يدل عليه صحيحة

ضريس عن أبي جعفر عليه السّلام قال في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق فقال: ان مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام و ان مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام. «1»

و عدم فرض الإحرام في الموت في الحرم لعله لأجل تحقق الإحرام من الميقات قبل دخول الحرم نوعا و ندرة تحقق النسيان للإحرام من الميقات و دخول الحرم

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 295

..........

______________________________

بدونه مع ان هذا المورد هو القدر المتيقن فلا شبهة في دلالة الرواية على الاجزاء فيما هو المفروض في هذه الصورة كما ان صورة الاستقرار هي القدر المسلم من موردها نعم في بعض الروايات ذكر مكان الحرم «مكة» و هي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام المشتملة على قوله: قلت فان مات و هو محرم قبل ان ينتهي إلى مكة قال: يحج عنه ان كان حجة الإسلام و يعتمر انما هو شي ء عليه. «1»

و لكنه- مع انه لا قائل به- يحتمل ان يكون المراد من مكة هو الحرم باعتبار ان الفصل بين الحرم و مكة قليل جدا و كان الحرم محيطا بها في زمن صدور الروايات و ان كانت توسعة مكة في الأزمنة المتأخرة صارت موجبة لدخول حرم فيها في بعض الجوانب الا انه في ذلك الزمان كانت مكة محاطة بالحرم و عليه فلا تبعد دعوى شمول مكة لذلك باعتبار كونه من توابعها و نواحيها.

هذا مضافا الى ان دلالة هذه الصحيحة على عدم الاجزاء انما هو بالإطلاق لأن عدم الانتهاء إلى مكة مطلق شامل لعدم دخول الحرم

و دخوله و صحيحة ضريس صريحة في الاجزاء إذا مات في الحرم فهي صالحة لتقييد رواية زرارة كما لا يخفى فلا إشكال في الحكم.

الثانية: ما إذا مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم و المشهور عدم الاجزاء و وجوب القضاء عنه و نسب الخلاف الى خلاف الشيخ- قده- و ابن إدريس و في محكي كشف اللثام نسبة الخلاف إلى الحلي فقط و ذلك لعدم صراحة كلام الشيخ فيه لانه و ان قال: «إذا مات أو أحصر بعد الإحرام سقطت عنه عهدة الحج» لكن استدلاله بالنصوص و الإجماع ربما يدل على ان مراده الإحرام و دخول الحرم لا مجرد الإحرام فقط.

و الدليل للاجزاء مفهوم الجملة الشرطية الثانية الواقعة في صحيحة بريد العجلي و لأجله يكون التعجب من الحلي فإنه مع عدم اعتماده على خبر الواحد و لو كان صحيحا

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 296

..........

______________________________

كيف اعتمد في الحكم المخالف للقاعدة المقتضية لعدم الاجزاء لانه لا مجال للاجزاء بمجرد الإحرام و يفتقر الحكم بالاجزاء إلى تعبد واضح على مفهوم جملة شرطية في رواية واحدة و هي صحيحة بريد العجلي قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج حاجا و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق قال ان كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام، و ان كان مات و هو صرورة قبل ان يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام فإن فضل من ذلك شي ء فهو للورثة ان لم يكن عليه دين، قلت أ

رأيت ان كانت الحجة تطوعا ثم مات في الطريق قبل ان يحرم لمن يكون جمله و نفقته و ما معه؟ قال يكون جميع ما معه و ما ترك للورثة الا ان يكون عليه دين فيقضى عنه أو يكون أوصى بوصية فينفذ ذلك لمن اوصى له و يجعل ذلك من ثلاثة «1» و يرد على الاستدلال بها انه ان قيل بثبوت المفهوم للقضية الشرطية- على خلاف ما هو التحقيق و الثابت في محله- ففي الرواية قضيتان شرطيتان مفهوم الاولى انه إذا لم يكن الموت في الحرم لا يكون ما اتى به مجزيا عن حجة الإسلام و مفهوم الثانية انه إذا كان موته بعد الإحرام يكون مجزيا و بينهما تهافت و تناقض فاللازم ان يقال:

اما بعدم ثبوت المفهوم لشي ء من الشرطيتين لأجل ثبوت التعارض و لازمة عدم تعرض الرواية لهذه الصورة التي هي محل البحث و هو الموت بعد الإحرام و قبل دخول الحرم فلا يبقى مجال للاستدلال بها على الاجزاء.

و اما بما حكى عن «المستند» و احتمله السيد- قده- في العروة من كون المراد من قوله في الرواية: «قبل ان يحرم» قبل ان يدخل في الحرم كما يقال: «انجد» اى دخل في نجد و أيمن اى دخل اليمن و هذا المعنى و ان كان خلاف الظاهر في نفسه الا انه

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 297

..........

______________________________

يمكن جعل الجملة الشرطية الأولى قرينة عليه كما في سائر الموارد التي يحمل اللفظ على خلاف ظاهره لأجل وجود القرينة على الخلاف و على هذا الوجه أيضا لا يبقى مجال للاستدلال بها على

الاجزاء بل هي دليل على العدم كما لا يخفى.

و اما بتعارض المفهومين و مقتضى القاعدة هو التساقط و الرجوع الى أدلة أخرى و مقتضاها وجوب القضاء عنه و عدم الاجزاء كما هو مقتضى القاعدة أيضا.

ثم انه لو فرض انحصار مدلول الرواية بالجملة الشرطية الثانية و ثبوت المفهوم لها لكان يعارضه منطوق صحيحة زرارة المتقدمة الدالة على عدم الاجزاء قبل الانتهاء إلى مكة التي قد عرفت ان المراد بها الحرم و من الواضح أقووية المنطوق فاللازم رفع اليد عن المفهوم.

و قد ظهر مما ذكرنا عدم صلاحية الرواية للاستدلال بها على الاجزاء فاللازم الحكم بعدم الاجزاء و وجوب القضاء عنه.

الثالثة: ما إذا دخل في الحرم قبل الإحرام كما إذا نسيه في الميقات و لم يحرم ثم دخل الحرم بلا إحرام فمات و في المتن الحكم بعدم الكفاية و الاجزاء كما في الصورة الثانية و الوجه فيه ان المذكور في مثل صحيحة ضريس و ان كان هو الموت في الحرم و مقتضى إطلاقه بدوا الشمول لما إذا لم يتحقق منه الإحرام رأسا الا ان المنساق منه هو الدخول في الحرم بما هو المتعارف الغالب من الإحرام في الميقات و عدم نسيانه لا مجرد تحقق الموت في الحرم و لو لم يحرم أصلا مع ان مقتضى إطلاق قوله- ع- في صحيحة بريد: «و ان كان مات و هو صرورة قبل ان يحرم ..» هو الشمول لما إذا كان ذلك في الحرم كما لا يخفى و اما قوله في صحيحة ضريس: «خرج حاجا حجة الإسلام» فلا دلالة له على تحقق الإحرام لأن المراد بالخروج حاجا هو الخروج من البلد بقصد حجة الإسلام لا الورود فيها المتحقق بالإحرام نعم مفهوم صحيحة

زرارة الوارد في الاجزاء دال على اعتبار كون الموت في حال الإحرام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 298

..........

______________________________

الرابعة: ما إذا مات بين الإحرامين و في المتن الحكم بالاجزاء و الوجه فيه- مضافا الى الأولوية فإنه إذا كان مجرد الإحرام و دخول الحرم ثم الموت كافيا و مجزيا عن حجة الإسلام ففيما إذا اتى بجميع اعمال عمرة التمتع ثم أحل ثم مات يكون الاجزاء و عدم وجوب القضاء بطريق اولى- ظهور مثل صحيحة ضريس في الاكتفاء بالموت في الحرم غاية الأمر انا حملناه على ما إذا تحقق الإحرام من الميقات و وقع دخول الحرم بعده و اما اعتبار كون الموت في حال الإحرام فلا دلالة له عليه نعم ظاهر مفهوم صحيحة زرارة اعتبار كون الموت في حال الإحرام و يمكن ان يقال ان المراد بقوله ان مات و هو محرم ليس هو الموت في حال الإحرام بل الموت بعد تحقق الإحرام من الميقات و ان لم يكن مقرونا به و كيف كان لا مجال لرفع اليد عن ظهور صحيحة ضريس في ان المعيار هو الموت في الحرم و هو متحقق في الفرض.

الخامسة: ما إذا مات في الحل بعد دخول الحرم محرما كما إذا خرج بين الإحرامين عن الحرم لضرورة أو غيرها و في المتن الاستشكال في الاجزاء و الوجه فيه ما عرفت من ظهور صحيحة ضريس في اعتبار ظرفية الحرم للموت فإنه لم يقع التعبير بما إذا كان الموت بعد الإحرام و دخول الحرم بل التعبير هو الموت في الحرم و لا مجال لدعوى انه لا خصوصية المحرم بعد كون المحتمل- قويا- ثبوت الخصوصية من جهة شرافة الحرم و علو مكانته

و عظمة شأنه و لا يقاوم هذا الظهور الإطلاق المستفاد من صحيحة زرارة الدالة بمفهومها على انه ان كان الموت بعد الانتهاء إلى مكة يكون مجزيا نظرا الى صدق «البعدية» بعد الخروج منها أيضا و ذلك لضعف الإطلاق في مقابل الظهور في مثل صحيحة ضريس كما لا يخفى.

السادسة: ما إذا مات في أثناء عمرة التمتع اى بعد الإحرام و دخول الحرم و الظاهر الاجزاء عن حجه أيضا لأن حجة الإسلام عمل واحد مركب من العمرة و الحج فكما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 299

..........

______________________________

ان الموت في أثناء حجه يجزى عن حجة الإسلام الواجبة عليه كذلك الموت في أثناء عمرته بعد كون مجموعهما عملا واحدا و لذا لا يترتب على عمرته بمجردها شي ء أصلا.

و اما من كانت وظيفته حج القران أو الافراد المتقدم على عمرتهما فان مات في أثناء الحج فلا شبهة بمقتضى النص في الاجزاء عن حجه لأنهما أيضا من مصاديق حجة الإسلام المذكورة في الروايات و اما الاجزاء عن عمرتهما فمشكل لان الحج و العمرة فيهما عملان مستقلان بخلاف حج التمتع الا ان يقال بان ظاهر الاجزاء عن حجة الإسلام هو الاجزاء عن كليهما لان عنوان حجة الإسلام يطلق على المجموع و ان كانا عملين مستقلين و قد نفى السيد- قده- في العروة ابتداء البعد عن الاجزاء و ان استشكل فيه أخيرا.

السابعة: من مات في أثناء الحج النذري لا يكتفى به و ان كان موته بعد الإحرام و دخول الحرم و ذلك لان الاجزاء في ذلك المورد انما هو على خلاف القاعدة لأن مقتضاها العدم بعد عدم تحقق المأمور به في الخارج و فقدان الحج لأركانه فالاجزاء يحتاج

الى الدليل و قد دل عليه في خصوص حجة الإسلام للتصريح بها في الروايات المتقدمة و لم ينهض دليل عليه في غيرها و عليه فالحكم لا يجري في الحج النذري بل الحكم فيه على وفق القاعدة المقتضية لعدم الاجزاء.

و هكذا الكلام في العمرة المفردة فإن الموت في أثنائها و لو كان بعد الإحرام و دخول الحرم لا يوجب الاجزاء لعدم الدليل عليه و هذا من دون فرق بين ما إذا لم تكن مقرونة بحج القران أو الافراد كما لو فرض وجوبها على المستطيع لخصوصها أو كانت مقرونة بأحدهما و ذلك لعدم انطباق حجة الإسلام عليه و كونها عملا مستقلا في قبال الحج.

و اما الحج الافسادى فهو اى جريان حكم الروايات فيه مبنى على ان حجة الإسلام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 300

..........

______________________________

هل هو الحج الفاسد الذي يتمه أولا و الحج الثاني عقوبة للإفساد و جزاء عليه أو انها هو الحج الثاني الذي يأتي به بعد إتمام الحج الأول الفاسد فان قلنا بالأول فالحكم لا يجرى فيه لان المفروض تحقق الموت في أثناء الحج الثاني و هو ليس بحجة الإسلام فلا دليل على الاجزاء فيه بل يجب القضاء عنه و ان قلنا بالثاني فالحكم بالاجزاء يجرى فيه لان المفروض انه هو حجة الإسلام فتشمله الروايات هذا تمام الكلام في المقام الأول.

و اما الكلام في المقام الثاني و هو من لم يستقر عليه الحج بل كان عام استطاعته فالمهم فيه هو الحكم بوجوب القضاء عنه و فيه أقوال ثلاثة:

الأول القول بوجوب القضاء عنه حكى عن المقنعة و المبسوط و النهاية و ظاهر القواعد و اختاره في المستند حيث قال: «لو مات

المستطيع في طريق الحج فان كان قبل الإحرام و دخول الحرم وجب القضاء عنه بشرط استقرار الحج في ذمته سابقا على المشهور و مطلقا على الأقرب المنصور» و كذا اختاره جمع من المحققين من شراح العروة.

الثاني القول باستحباب القضاء عنه و هو ظاهر الجواهر حاكيا له عن بعض و جعله السيد في العروة أظهر.

الثالث عدم وجوب القضاء عنه و عدم استحبابه أيضا و هو مختار المتن و لعله المشهور.

اما القول الأول فمستنده الأخذ بإطلاق صحيحة ضريس الظاهرة في وجوب القضاء عنه فيما إذا مات دون الحرم فان قوله فيها رجل خرج حاجا حجة الإسلام مطلق شامل لمن لم يستقر الحج عليه أيضا و لا يقدح في ذلك كون الحكم بوجوب القضاء مختلفا بالإضافة الى من استقر و من لم يستقر حيث انه في الأول يكون موافقا للقاعدة و في الثاني مخالفا لها نظرا الى ان الموت في عام الاستطاعة بعد الإحرام قبل دخول الحرم يكشف عن عدم وجوب الحج عليه من الأول لفقد الاستطاعة الزمانية المعتبرة في وجوب الحج بحكم العقل و قاعدة نفى الحرج على ما عرفت سابقا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 301

..........

______________________________

فكما ان فقد الاستطاعة المالية بعد الإحرام و قبل دخول الحرم يكشف عن عدم وجوب الحج من الأول كذلك عدم الاستطاعة الزمانية المتحقق بالموت.

هذا و لكن ذلك لا يقدح في دلالة الروايات على الحكم بوجوب القضاء عنه و ان كان خلاف القاعدة فمقتضى الإطلاق وجوب القضاء في المقام أيضا.

و اما القول الثاني فمستنده انه لا وجه لوجوب القضاء عمن لم يستقر عليه بعد كشف موته عن عدم الاستطاعة الزمانية و لذا لا يجب إذا مات

في البلد قبل الذهاب أو إذا فقد بعض الشرائط الأخر مع كونه موسرا و عليه فيحمل الأمر بالقضاء على القدر المشترك و استفادة الوجوب فيمن استقر عليه من الخارج مثل الإجماع فالإطلاق في الصدر و ان كان محفوظا الّا ان قوله: فليقض لا دلالة له على الوجوب بل على القدر المشترك فيدل على رجحان القضاء عمن لم يستقر عليه الحج.

و اما القول الثالث فمبنى على اختصاص صحيحة ضريس بخصوص من استقر عليه الحج نظرا الى لزوم رفع اليد عن إطلاق قوله: خرج حاجا حجة الإسلام لا لأجل الحكم بوجوب القضاء عنه في الذيل و هو لا يلائم مع عدم ثبوت التكليف من الأول فإن الحكم إذا كان على خلاف القاعدة لا بد من الالتزام به إذا دل الدليل عليه بل لأجل ان التعبير بالاجزاء في الرواية و كذا التعبير بالقضاء في قوله فليقض ظاهر ان فيما إذا كان هناك تكليف ثابت على عهدة المكلف فإنه مع عدم ثبوت التكليف و عدم وجوب حجة الإسلام الذي يكشف عنه الموت في الأثناء لا مجال للتعبير بالاجزاء فيما إذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم و للتعبير بالقضاء فيما إذا مات دون الحرم فهذان التعبيران قرينتان على اختصاص مورد الحكم بما إذا كان هناك تكليف ثابت على عهدة المكلف و في ذمته فالرواية لا دلالة لها على حكم من لم يستقر أصلا و من الواضح انه كما ان الوجوب يحتاج الى دليل كذلك الاستحباب يحتاج إليه أيضا و من المعلوم عدمه أيضا و عليه ففي هذا المقام كما انه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 302

[مسألة 50- يجب الحج على الكافر و لا يصح منه]

مسألة 50- يجب الحج على الكافر و

لا يصح منه، و لو أسلم و قد زالت استطاعته قبله لم يجب عليه، و لو مات حال كفره لا يقضى عنه، و لو أحرم ثم أسلم لم يكفه و وجب عليه الإعادة من الميقات إن أمكن و الا فمن موضعه نعم لو كان داخلا في الحرم فأسلم فالأحوط مع الإمكان ان يخرج خارج الحرم و يحرم.

و المرتد يجب عليه الحج سواء كانت استطاعته حال إسلامه أو بعد ارتداده و لا يصح منه فان مات قبل ان يتوب يعاقب عليه و لا يقضى عنه على الأقوى و أن تاب وجب عليه و صح منه على الأقوى سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته، و لو أحرم حال ارتداده فكالكافر الأصلي، و لو حج في حال إسلامه ثم ارتد لم يجب عليه الإعادة على الأقوى، و لو أحرم مسلما ثم ارتد ثم تاب لم يبطل إحرامه على الأصح. (1)

______________________________

لا يجب القضاء كذلك لا يستحب و هذا القول هو الظاهر كما في المتن.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة أيضا في مقامين: المقام الأول في الكافر و فيه جهات من البحث:

الاولى: انه يجب الحج على الكافر فيما إذا تمت شرائط الوجوب كالمسلم و هو مبنى على القاعدة المعروفة الفقهية التي التزم بها المشهور و هي اشتراك الكفار مع المؤمنين في التكليف بالفروع كاشتراكهم معهم في التكليف بالأصول و قد خالف المشهور جماعة كالمحدث الكاشاني و الأمين الأسترآبادي و صاحب الحدائق و بعض المتأخرين و قد تكلمنا فيها مفصلا في كتابنا في القواعد الفقهية و اخترنا فيه ما هو المشهور الثانية: انه مع وجوب الحج على الكافر إذا اتى به في حال كفره لا يقع منه صحيحا اما لعدم

تحقق قصد القربة منه بعد عدم اعتقاده بالإسلام و كونه مقربا في شرعه فلا معنى لتحقق قصد القربة و اما لقيام الدليل من الإجماع و غيره على كون الإسلام من شرائط صحة العبادة فلا تقع من الكافر كذلك و لو فرض اعتقاده بوجوبه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 303

..........

______________________________

و الإتيان به مع قصد القربة.

الثالثة: ان الكافر إذا أسلم فإن بقيت استطاعته الحادثة حال الكفر الى ما بعد الإسلام فلا إشكال في عدم سقوط وجوب الحج عنه و لزوم الإتيان به بعده و كذا إذا حدثت له الاستطاعة بعد الإسلام ثانيا فإنه لا إشكال أيضا في وجوب الحج عليه انما الكلام فيما إذا زالت استطاعته قبل الإسلام مع عدم حدوثها بعده في انه هل يجب عليه الحج متسكعا كالمسلم الذي استقر عليه الحج أو انه لا يجب عليه الحج أصلا؟

الظاهر هو الثاني لأنه مقتضى قاعدة «الجب» المعروفة التي هي أيضا من القواعد الفقهية و منشأها الحديث المعروف الذي رواه العامة و الخاصة كما في مسند احمد و غيره و في تفسير على بن إبراهيم و هو ان الإسلام يجب ما قبله و كذا سيرة النبي و الأئمة المعصومين- عليه و عليهم أفضل صلوات المصلين- حيث لم يعهد و لم ينقل إلزامه أو إلزامهم الكافر الذي أسلم بقضاء ما فات منه من الصلاة و الصيام فالحكم بعدم وجوب القضاء على الكافر متسالم عليه و لا مجال للإشكال فيه أصلا.

نعم ربما تجري المناقشة في الحج بالإضافة إلى قضاء الصلاة و الصيام نظرا الى ان الحج غير موقت بوقت ليتصور فيه القضاء فهو نظير ما لو أسلم الكافر في أثناء الوقت في الواجبات

الموقتة فكما انه يجب عليه الأداء مع فرض بقاء الوقت و لا يكون مقتضى قاعدة الجب سقوط الأداء في هذا الفرض كذلك يجب عليه الحج بعد الإسلام و لو مع زوال الاستطاعة في حال الكفر و لا تجري فيه القاعدة المذكورة.

و ان شئت قلت ان وجوب الحج متسكعا بعد زوال الاستطاعة تكليف يشترك فيه المسلم و الكافر و لا يكون له وقت خاص بل يكون باقيا ما دام العمر فلا وجه لاقتضاء قاعدة الجب سقوطه بل هو نظير ما عرفت من الإسلام في أثناء الوقت.

و الجواب عن المناقشة انها جارية إذا كان الحكم بوجوب الحج متسكعا موافقا للقاعدة ثابتا على المسلم و الكافر في صورة ترك الحج في عام الاستطاعة و استقراره

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 304

..........

______________________________

على المكلف و اما لو فرض كونه مخالفا للقاعدة و كان الدليل على ثبوته بنحو لا يشمل الكافر فلا مجال للمناقشة أصلا و الظاهر انه من هذا القبيل اما كونه مخالفا للقاعدة فلان مقتضى الأدلة الأولية وجوب الحج على المستطيع و مقتضاها سقوط التكليف مع زوال الاستطاعة و ان كان الترك مستندا الى العصيان و المخالفة.

و اما عدم كون الدليل عليه شاملا للكافر فلان ظاهره هو الترك العمدي للحج مع الاعتقاد بوجوبه و ثبوت التكليف به غاية الأمر كان المنشأ للترك هو التسويف و الإهمال و هذا العنوان لا يشمل الكافر الذي يكون منشأ تركه عدم الاعتقاد بوجوبه كما لا يخفى فدليل وجوب الحج مع التسكع قاصر عن الشمول للكافر و المفروض زوال استطاعته فلا يجب عليه الحج في الصورة التي هي محل البحث.

اشكال مشهور ذكره صاحب المدارك في مبحث قضاء الصلوات

و هو انه لا يعقل الوجوب- اى وجوب القضاء عليه- إذ لا يصح منه إذا اتى به و هو كافر و يسقط عنه إذا أسلم و استظهر وجوب الحج عليه في كتاب الحج حيث قال في محكيه: «لو أسلم وجب عليه الإتيان بالحج مع بقاء الاستطاعة قطعا و بدونها في أظهر الوجهين و اعتبر العلامة في التذكرة في وجوب الحج استمرار الاستطاعة إلى زمان الإسلام و هو غير واضح».

و أجيب عنه بوجوه: أحدها ما ذكره السيد- قده- في العروة من انه يمكن ان يكون الأمر به حال كفره امرا تهكميا- اى استهزائيا- ليعاقب لا حقيقيا و لكنه استشكل فيه لعدم إمكان إتيانه به لا كافرا و لا مسلما فلا يكون قابلا للامتثال و من الواضح عدم معقوليته مع عدم القابلية للامتثال.

و يرد على هذا الجواب أيضا انه لو كان دليل تكليف الكافر دليلا خاصا منحصرا بالكافر يمكن ان يقال فيه ذلك و اما مع عموم الدليل و شموله للمسلم و الكافر فلا مجال لهذا الجواب لانه لا معنى لحمل الأمر الواحد على الحقيقي و التهكمى بالإضافة إليهما.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 305

..........

______________________________

ثانيها ما استظهره السيد- قده- فيها و هو انه حال استطاعته مأمور بالإتيان به مستطيعا و ان تركه فمتسكعا و هو ممكن في حقه لإمكان إسلامه و إتيانه مع الاستطاعة و لا معها ان ترك فحال الاستطاعة مأمور به في ذلك الحال و مأمور- على فرض تركه حالها- بفعله بعدها قال: «و كذا يدفع الإشكال في قضاء الفوائت فيقال انه في الوقت مكلف بالأداء و مع تركه بالقضاء و هو مقدور له بان يسلم فيأتي بها أداء و

مع تركها قضاء فتوجه الأمر بالقضاء اليه انما هو في حال الأداء على نحو الأمر المعلق».

ثم قال: «فحاصل الاشكال انه إذا لم يصح الإتيان به حال الكفر و لا يجب عليه إذا أسلم فكيف يكون مكلفا بالقضاء و يعاقب على تركه؟ و حاصل الجواب انه يكون مكلفا بالقضاء في وقت الأداء على نحو الوجوب المعلق و مع تركه الإسلام في الوقت فوت على نفسه الأداء و القضاء فيستحق العقاب عليه و بعبارة اخرى: كان يمكنه الإتيان بالقضاء بالإسلام في الوقت إذا ترك الأداء و- ح- فإذا ترك الإسلام و مات كافرا يعاقب على مخالفة الأمر بالقضاء و إذا أسلم يغفر له و ان خالف أيضا و استحق العقاب».

و يرد عليه أمران: الأول ان الواجب المعلق و ان كان تصويره بمكان من الإمكان و لا مانع منه ثبوتا و قد تحقق بالإضافة إلى الحج بالنظر الى الموسم و في غيره الا ان الالتزام به يحتاج الى قيام الدليل عليه و قد قام في مثل الحج فان مقتضى الآية الواردة فيه هو تحقق الوجوب بمجرد الاستطاعة الجامعة للاستطاعات الأربعة و الجمع بينه و بين ما يدل على توقف صحته على وقوعه في الموسم و الزمان الخاص يقتضي الالتزام بالفرق بين الاستطاعة و بين الوقت الخاص بأن الاولى لها مدخلية في أصل الوجوب و التكليف و الثاني قيد للواجب فالوجوب فيه بعد الاستطاعة حالي و الواجب استقبالي و اما في المقام فلم يدل دليل عليه فان ظاهر قوله: اقض ما فات هو تحقق الوجوب المتعلق بالقضاء بعد تحقق الفوت المتوقف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 306

..........

______________________________

على ترك الأداء فمن اين يستفاد ثبوته

بنحو التعليق في وقت الأداء.

ان قلت ان طريق استفادة ذلك هو ثبوت التكليف بالقضاء بالإضافة إلى الكافر أيضا فإنه إذا كان ثبوته بعد الوقت مستلزما لعدم المعقولية لما ذكره صاحب المدارك من عدم قابليته للامتثال لعدم صحته في حال الكفر و عدم ثبوته بعد الإسلام فهذه قرينة عقلية على كون ثبوته بنحو الواجب المعلق في حال الأداء فالدليل على ذلك هو حكم العقل.

قلت ان الالتزام بذلك فرارا عن الاشكال المذكور انما يتم مع انحصار طريق التخلص بذلك و الا فلو فرض طريق آخر للتخلص فلا مجال للالتزام به كما لا يخفى الثاني ان ما افاده على تقدير تماميته انما يتم في قضاء الصلاة و الصيام و لا يتم في الحج الذي هو محل البحث في المقام لما عرفت من عدم كون وجوب الحج متسكعا على تقدير الترك في عام الاستطاعة حكما موافقا للقاعدة مشتركا بين المسلم و الكافر بل هو حكم ثابت بالنصوص الخاصة على خلاف الأدلة الأولية الواردة في وجوب الحج و مورده المسلم المعتقد بوجوب الحج التارك له في عام الاستطاعة عمدا مسامحة و مساهلة و اما الكافر الذي لا يعتقد بوجوب الحج و يكون منشأ تركه في العام المذكور هو عدم الاعتقاد بالوجوب فلا دلالة لها على وجوب الحج متسكعا بالإضافة اليه و عليه فهذا الوجه لا يجري في الحج.

ثالثها ما في شرح بعض الأعاظم- قده- على العروة على ما في تقريراته من انه لا نقول بتوجه أمر بالقضاء على حدة بعد فوات وقت الأداء حتى لزم المحذور المذكور بل نقول انه انما توجه إليه الأمر بإتيان الفعل في الوقت و كان ذلك ممكنا له بان يسلم ثم يأتي بالفعل في الوقت

و هذا الأمر انما يكون على نحو تعدد المطلوب لما ورد من دليل قضاء الفوائت.

و على هذا لو لم يسلم و ترك الفعل المأمور به في الوقت فلا محالة يبقى في ذمته

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 307

..........

______________________________

فلو أسلم جبّ عنه ذلك و لو لم يسلم بقي في ذمته و عوقب عليه و هذا معنى تكليفه بالقضاء لا انه توجه اليه خطاب آخر بالقضاء حتى يقال بتعلقه بغير مقدور أو انه خطاب بلا فائدة.

و يرد عليه منع كون الأمر بالقضاء دليلا على كون الأمر الأول المتعلق بالصلاة في الوقت واردا بنحو تعدد المطلوب بحيث كان للمولى مطلوبان:

أحدهما طبيعة الصلاة من حيث هي و ثانيهما إيقاع تلك الطبيعة في الوقت و سند المنع ان لازم ذلك عدم كون القضاء بعنوانه الظاهر في إتيان الفعل خارج الوقت متعلقا للأمر المولوي الذي هو ظاهر الأمر بوجه لانه لا يبقى لهذا العنوان الذي هو عنوان ثالث مغاير للمطلوبين المذكورين مجال مع انه لا وجه لرفع اليد عن ظاهر قوله اقض ما فات في تعلق الأمر المولوي بعنوان القضاء بالمعنى المصطلح و عليه فاللازم ان يقال بعدم تحقق الأمر به الا بعد خروج الوقت و عدم الإتيان بالمأمور به فيه.

رابعها ما افاده بعض الاعلام على ما في شرح العروة من ان الصحيح في الجواب ان يقال انه بناء على تكليف الكفار بالفروع ان الكافر و ان كان لا يمكن تكليفه بالقضاء الا انه يعاقب بتفويته الملاك الملزم على نفسه اختيارا.

و يرد عليه انه مع عدم ثبوت التكليف و لو كان المنشأ له هو عدم قابليته للامتثال لا يكون هناك ما يكشف عن ثبوت المصلحة

الملزمة فان الكاشف له نوعا هو التكليف و مع عدمه لا مجال للمكشوف خصوصا مع ملاحظة ان التكليف بالقضاء إنما يلائم مع تخفيف المخالفة الحاصلة بترك الأداء و هو يناسب شأن المسلم فيمكن ان لا يكون للقضاء بالإضافة إلى الكافر مصلحة أصلا و بالجملة لا بد في الحكم باستحقاق العقاب من إحراز تفويت الملاك و من الواضح انه لا طريق إلى إثباته.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 308

..........

______________________________

و الحق في الجواب ما ذكرناه في كتابنا في القواعد الفقهية مما استفدناه من سيدنا الأستاذ الماتن- قدس سره الشريف- في بعض مباحثه الأصولية و هو ان الاستحالة انما تتحقق إذا كان الخطاب متوجها الى خصوص الكافر كالخطاب المتوجه الى العاجز و اما لو كان الخطاب متوجها الى العموم من دون فرق بين المسلم و الكافر فلا تكون صحة هذا الخطاب متوقفة على صحته الى كل واحد من المخاطبين الا ترى انه يصح الخطاب إلى جماعة بخطاب واحد ان يعملوا عملا و لو مع العلم بعدم قدرة بعضهم على إيجاد العمل نعم لو كان الجميع أو الأكثر غير قادرين لما صح العقاب و اما مع عجز البعض فلا مانع منه مع انه لو انحل الخطاب الواحد الى الخطابات المتعددة لما صح لاستحالة بعث العاجز مع العلم بعجزه و في المقام أيضا كذلك فان التكليف بوجوب القضاء عام شامل للمسلم و الكافر و عدم قابليته للامتثال بالإضافة إلى الكافر لا يقدح في ثبوت الخطاب و التكليف بنحو العموم غاية الأمر انه لا بد له من التمسك بالعذر في صورة المخالفة و من الظاهر ان الكفر لأجل انه أمر اختياري لا يكاد يتحقق به العذر

كما لا يخفى.

الجهة الرابعة انه لو بقي الكافر المستطيع الذي استقر الحج عليه على كفره الى ان مات ففي المتن تبعا لغيره: لا يقضى عنه و قد استدل عليه السيد- قده- في العروة بعدم كونه أهلا للإكرام و الإبراء.

و من الواضح انه لا يلائم مع كونه دليلا فقهيا مستندا للحكم و الفتوى خصوصا مع كون عنوان الإبراء يشمل مثل الدين من حقوق الناس فإنه لا اشكال ظاهرا في وجوب أداء دينه من تركته مع استلزامه تحقق الإبراء.

فالأولى في مقام الاستدلال ان يقال ان القضاء عنه بعد الموت لا يكاد يتحقق إلا بالنيابة عنه و كون الفاعل قاصدا لها و قد تحقق في بحث النيابة اشتراط كون المنوب عنه مسلما في النيابة عنه في العبادات فأدلة النيابة تمنع عن النيابة عن الميت الكافر في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 309

..........

______________________________

المقام نعم استثنى مورد واحد و هو ما إذا كان المنوب عنه ناصبا و النائب ولدا له كما ورد في النص.

الجهة الخامسة إذا أحرم الكافر ثم أسلم لا يكفيه إحرامه المتقدم على إسلامه لأنه جزء العبادة و قد تقدم عدم صحة العبادة من الكافر من دون فرق بين مجموع العبادة أو اجزائها و عليه فاحرامه المتقدم لم يقع صحيحا و منه يظهر انه لو ألغى الخصوصية من الروايات الواردة في العبد المنعتق قبل أحد الموقفين الدالة على اجزائه عن حجة الإسلام و حكم بعدم اختصاصها بالعبد و جريانها في مثل الصبي الذي بلغ قبل أحد الموقفين و ان حجه يجزى عن حجة الإسلام لما كان وجه للتسرية إلى إسلام الكافر قبل أحدهما و ذلك لان إحرام العبد و الصبي وقع صحيحا

غاية الأمر ان فقدان شرط الحرية و البلوغ كان مانعا عن اتصافه بكونه جزء لحجة الإسلام و قد دل الدليل على ان تحقق الشرطين قبل أحد الموقفين يوجب الاجزاء عن حجة الإسلام و اما في المقام فلم يتحقق الإحرام من الكافر صحيحا من أول الأمر فلا مجال لاستفادة حكمه من روايات العبد بوجه.

فإذا كان الإحرام باطلا فاللازم كما سيأتي تفصيله انه مع انكشاف بطلان الإحرام لا بد من العود الى الميقات مع الإمكان و الا فالإحرام من موضعه نعم إذا دخل الحرم فأسلم أو انكشف البطلان فالأحوط مع الإمكان ان يخرج خارج الحرم ثم يحرم.

المقام الثاني في المرتد و فيه أيضا جهات من البحث:

الاولى في وجوب الحج عليه كسائر التكاليف من دون فرق بين ان تكون استطاعته حال إسلامه أو تكون حال ارتداده و الدليل عليه ما مر في الكافر من اشتراك أدلة الاحكام و عدم اختصاصها بالمؤمنين و شمولها للكافر و المرتد أيضا.

الثانية عدم صحة الحج من المرتد و لازمة انه لو استمر ارتداده الى الموت و مات كافرا من دون ان يتوب و يرجع عن ردته يعاقب على تركه في الآخرة كعقاب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 310

..........

______________________________

الكافر عليه و الوجه فيه ما مر أيضا من اشتراط الإسلام في صحة العبادة و عدم وقوعها من غير المسلم كذلك فلو حج في حال الارتداد لا يكون صحيحا و لو كان ارتداده لأجل إنكار ضروري آخر- مثلا.

الثالثة انه لا يقضى عنه كما انه لا يقضى عن الكافر غاية الأمر ان قوله: على الأقوى، هنا يشعر بوجود الخلاف و الاشكال هنا و هو كذلك و قال في الجواهر:

و لعل الأقوى

عدم القضاء، و فيه اشعار بتوقفه في ذلك و منشأ هذا ما في محكي قواعد العلامة حيث قال: و لو مات- يعنى المرتد المستطيع- اخرج من صلب تركته و ان لم يتب على اشكال و استدل له بإطلاق وجوب القضاء عمن مات و عليه حجة الإسلام و بأنه دين.

و مقتضى ما ذكرنا في الكافر من عدم وجوب القضاء عنه لانه لا تصح النيابة عن الكافر في العبادة عدم القضاء في المقام أيضا كما ان مقتضى التعليل الذي ذكره السيد- قده- هناك عدم الفرق فالأقوى- حينئذ- هو العدم.

الرابعة انه ان تاب و رجع عن ارتداده لا يسقط الوجوب و يصح منه.

اما عدم سقوط الوجوب فلان توبته ليست كإسلام الكافر لعدم جريان قاعدة «الجب» في غير الكافر الأصلي اما لاختصاص قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: الإسلام يجب ما قبله بالكافر الأصلي و عدم جريانه في المرتد بحكم التبادر كما ذكره السيد- قده- في العروة و مقصوده من التبادر الانصراف و الانسباق الى الذهن لا التبادر الاصطلاحي و اما لعدم جريان السيرة القطعية من زمن النبي و زمن الأئمة- عليه و عليهم السلام و الصلاة- في المرتد لانه دليل لبى لا إطلاق له فالمرتد إذا تاب لا يسقط عنه وجوب الحج بوجه لعدم الدليل على السقوط.

و اما صحته منه فيما إذا صدر بعد توبته فلا اشكال فيها في المرتد الملي الذي تقبل توبته و رجوعه و اما المرتد الفطري فيبتني الحكم بالصحة على قبول توبته ظاهرا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 311

..........

______________________________

و ترتيب احكام المسلم عليه ما عدا الأحكام الثلاثة و هي تقسيم أمواله و مفارقة زوجته و قتله فان قلنا

بالقبول كذلك كما هو الحق فيصح الحج الصادر منه و ان لم نقل بذلك سواء قلنا بعدم قبولها مطلقا أو قلنا بعدم قبولها ظاهرا و ان قبل باطنا فلا مجال لصحة عبادته لعدم زوال كفره و ارتداده نعم يشكل بناء على هذين القولين ان التكليف بالعبادة مع عدم صحتها و عدم إمكان الإتيان بها صحيحة إلى آخر العمر كيف يجتمعان الا ان يكون هذا الاشكال دليلا على بطلان القولين فتدبر.

الخامسة انه لو أحرم حال ارتداده لا يقع إحرامه صحيحا بل يكون باطلا فيجري فيه حكم بطلان الإحرام من الرجوع الى الميقات مع الإمكان و الّا فمن موضعه و إذا دخل الحرم يخرج خارج الحرم و يحرم.

السادسة لو حج في حال إسلامه ثم ارتد ففي المتن: لم يجب عليه الإعادة على الأقوى خلافا للشيخ- قده- في المبسوط حيث قال في محكيه: «لان إسلامه الأول لم يكن إسلاما عندنا لانه لو كان كذلك لما جاز ان يكفر ..» فان كان مراده بالجواز هو الجواز التكليفي فمن المعلوم ان عدم الجواز لا يختص بما إذا كان إسلامه الأول إسلاما بل يكون شاملا للكافر فان الكافر لا يجوز له استدامة الكفر و البقاء عليه أصلا هذا مضافا الى ان عدم الجواز كذلك لا ينافي الكفر بل دليل على تحققه و وقوعه و ان كان مراده بالجواز هو الإمكان فيرد عليه ان هذا الكلام مصادرة و عين المدعى لانه لم يقم دليلا على عدم الإمكان و انه لو كان إسلامه الأول إسلاما لما أمكن له ان يكفر كما لا يخفى.

نعم في الجواهر الاستدلال له بقوله تعالى وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدٰاهُمْ حَتّٰى يُبَيِّنَ لَهُمْ مٰا يَتَّقُونَ،

و من الواضح ان ذيل الآية دليل على إمكان الإضلال بعد الهداية و يؤيده بل يدل عليه مثل قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدٰادُوا كُفْراً .. فان ظاهره تحقق الايمان و الكفر حقيقة و لا مجال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 312

..........

______________________________

لحمل الآية على الكفر الحقيقي و الايمان التخيّلى الاعتقادي نعم هنا شبهة اخرى و هي تنشأ من أدلة الإحباط الظاهرة في ان الكفر و الشرك يوجبان حبط الأعمال السابقة و جعلها كالعدم فظاهرها ان الارتداد و ان لم يكن كاشفا عن بطلان إسلامه الأول و بطلان حجه لذلك الا انه يوجب الحبط و صيرورة الحج كأنه لم يتحقق أصلا.

و يدفع هذه الشبهة مضافا الى ان أدلة الإحباط لا إطلاق لها يشمل صورة التوبة و الرجوع عن الارتداد و القدر المتيقن هو الكفر الباقي الى آخر العمر خصوصا مع كون الإحباط على خلاف القاعدة لأن مقتضاها صحة العمل الواقع مع شرائط الصحة فهو أي الإحباط يتوقف على قيام دليل عليه، ان قوله تعالى وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كٰافِرٌ فَأُولٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ الآية ظاهر في كون الحبط انما هو في صورة الموت و هو كافر فلم يقم دليل على بطلان الحج في المقام مع دلالة رواية صحيحة على ذلك و هي ما رواه زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال من كان مؤمنا فحج ثم أصابته فتنة ثم تاب يحسب له كل عمل صالح عمله و لا يبطل منه شي ء. [1]

و احتمال ان يكون المراد محبوبية كل عمل صالح يأتي به بعد التوبة دفعا لتوهم ان الكفر بعد

الايمان موجب لعدم قبول عمله يدفعه قوله من كان مؤمنا فحج فان ذكر الحج بعد الايمان دليل على ان المراد هو العمل الذي اتى به في حال الايمان قبل إصابة الفتنة فلا يبقى- ح- إشكال في الصحة.

السابعة لو أحرم ثم ارتد ثم تاب ففي المتن تبعا للسيد- قده- لم يبطل إحرامه على الأصح و اعلم ان العبادات من هذه الجهة مختلفة فبعضها لا يكون الارتداد في أثنائها

______________________________

[1] ئل أبواب مقدمة العبادات الباب الثلاثون ح- 1 و هذه الرواية رواها الشيخ بإسناده إلى الحسين بن على بن سفيان البزوفري و ذكر الشيخ في رجاله طريقه الى كتبه و طريقه اليه صحيح فلا إشكال في الرواية من حيث السند

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 313

..........

______________________________

موجبا للبطلان كما لو ارتد في أثناء الوضوء أو الغسل أو الأذان أو الإقامة و بعضها يكون الارتداد في أثنائها موجبا للبطلان كالصوم و بعضها مختلف فيها كالحج و الصلاة. أما الحج فقد قال الشيخ في محكي المبسوط: «فإن أحرم ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام جاز ان يبنى عليه لانه لا دليل على فساده الا على ما استخرجناه في المسألة المتقدمة في قضاء الحج فان على ذلك التعليل لم ينعقد إحرامه الأول أيضا غير انه يلزم عليه إسقاط العبادات التي فاتته في حال الارتداد عنه لمثل ذلك لأنا إذا لم نحكم بإسلامه الأول فكأنه كان كافرا في الأصل و كافر الأصل لم يلزمه قضاء ما فاته في حال الكفر و ان قلنا بذلك كان خلاف المعهود من المذهب و في المسألة نظر ..».

و قد تبعه في جواز البناء على إحرامه المحقق في الشرائع و بعض آخر

و العمدة في هذا المقام بيان الفرق بين الحج و بين الصيام و لعل الوجه فيه مضافا الى عدم دخول الزمان في مفهوم الإحرام بخلاف الصيام فإنه ليس مجرد الإمساك المخصوص أو الترك كذلك من دون نظر الى الزمان ان الصوم في جميع الآنات فعل اختياري قارّ سواء كان امرا وجوديا أو عدميا و عليه تكون عبادة اختيارية حدوثا و بقاء و لذا لا يجتمع مع نية القطع و لو في آن واحد فهو عمل اختياري مستمر و لا بد من ثبوت النية في جميع الآنات و لو ارتكازا و عند التوجه و الالتفات.

و اما الإحرام فهو حالة حاصلة للمحرم و صفة متحققة له نظير الطهارة و الحدث فكما ان الطهارة- مثلا- إذا تحققت تستمر الى ان يتحقق شي ء من النواقض المعروفة و لا يكون مثل نية القطع قادحا في بقائها لعدم كون النية معتبرة في البقاء كذلك الإحرام لا يبطل بسبب نية العدول بل هو مستمر الى ان يتحقق المحلل من الحلق أو التقصير و عليه فبطلان الإحرام بالارتداد يتوقف على ان يكون الكفر من الأمور التي يتحقق بها التحليل كما ان بطلان الطهارة بالارتداد يتوقف على ان يكون الكفر من الأمور التي يتحقق بها التحليل كما ان بطلان الطهارة بالارتداد يتوقف على كون الكفر من النواقض.

و بالجملة الفرق بين الصيام و بين الإحرام انما هو في كون الأول من الافعال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 314

[مسألة 51- لو حج المخالف ثم استبصر لا تجب عليه الإعادة]

مسألة 51- لو حج المخالف ثم استبصر لا تجب عليه الإعادة بشرط ان يكون صحيحا في مذهبه و ان لم يكن صحيحا في مذهبنا من غير فرق بين الفرق. (1)

______________________________

و الثاني

من الصفات و الحالات و لا يجتمع الفعل القار مع الارتداد بخلاف الصفات هذا في الحج.

و اما الصلاة فظاهر الجواهر بطلانها بالارتداد في الأثناء و المراد منه هو الارتداد في السكوتات و السكونات المتخللة بين الافعال و الحركات و قوى السيد- قده- في العروة عدم البطلان استنادا الى عدم كون الهيئة الاتصالية جزء في الصلاة و الظاهر عدم تمامية مستند السيد لان اعتبار الهيئة الاتصالية فيها تستفاد من عد أمور بعنوان القواطع كالضحك و البكاء و التكلم و نحوها فان التعبير بالقطع دليل على اعتبار هيئة مستمرة اتصالية مع ان نظر المتشرعة انما هو ان المصلى إذا دخل في الصلاة تكون الصلاة ظرفا له الى آخر الصلاة و لا يكون السكوت أو السكون المتخلل موجبا لعدم كونه في الصلاة و عليه فالارتداد في أثنائها يكون ارتدادا في بعض أجزاء الصلاة فيكون مبطلا لها و التفصيل موكول الى كتاب الصلاة:

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام.

الاولى في أصل وجوب الإعادة و عدمه بنحو الإجمال فيما لو حج المخالف ثم استبصر فالمشهور شهرة عظيمة هو عدم الوجوب و حكى الخلاف عن ابن الجنيد و ابن البراج و يدل على المشهور روايات معتبرة مستفيضة جمعها في الوسائل في الباب الثلاثين من أبواب المستحقين للزكاة و أحسنها سندا و متنا و من جهة الاشتمال على التعليل صحيحة بريد العجلي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام-: كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم من اللّٰه تعالى عليه و عرفه الولاية فإنه يوجر عليه الا الزكاة فإنه يعيدها لانه وضعها في غير مواضعها لأنها لأهل الولاية و اما الصلاة و الحج و الصيام فليس عليه قضاء.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 315

..........

______________________________

و استدل القائل بالوجوب برواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال: و كذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج و ان كان قد حج. «1».

و رواية على بن مهزيار قال كتب إبراهيم بن محمد بن عمران الهمداني الى أبي جعفر- عليه السّلام- انى حججت و انا مخالف و كنت صرورة فدخلت متمتعا بالعمرة إلى الحج قال فكتب إليه: أعد حجك. «2».

و ربما يحكم بضعف الروايتين لوجود سهل بن زياد في سندهما و لكن في سند الاولى كان احمد بن محمد مع سهل معا لكن الجمع بين الروايتين و بين روايات المشهور من حيث الدلالة على تقدير صحة سندهما يقتضي حملهما على الاستحباب لصراحة تلك الروايات في عدم وجوب الإعادة و ظهورهما في الوجوب و مقتضى القاعدة حمل الظاهر على النص و الحكم باستحباب الإعادة.

و يدل على الاستحباب أيضا صحيحة بريد بن معاوية العجلي قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل حج و هو لا يعرف هذا الأمر ثم من اللّٰه عليه بمعرفته و الدينونة به أ عليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال قد قضى فريضته و لو حج لكان أحب الى، قال و سألته عن رجل حج و هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ثم من اللّٰه عليه فعرف هذا الأمر يقضى حجة الإسلام؟ فقال: يقضي أحب الى الحديث «3» و صحيحة عمر بن أذينة قال كتبت الى أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- اسئله عن رجل حج و لا يدرى و لا يعرف هذا الأمر ثم من اللّٰه عليه بمعرفته و الدينونة به أ

عليه حجة الإسلام قال قد قضى فريضة اللّٰه و الحج أحب الى. «4».

و صحيحته الأخرى مع زيادة أنه سأله عن رجل هو في بعض هذه الأصناف من

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث و العشرون ح- 5

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث و العشرون ح- 6

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث و العشرون ح- 1

(4) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث و العشرون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 316

..........

______________________________

أهل القبلة ناصب متدين ثم من اللّٰه عليه فعرف هذا الأمر أ يقضي عنه حجة الإسلام أو عليه ان يحج من قابل قال يحج أحب الى. «1»

هذا و الظاهر عدم كون الأخيرة رواية مستقلة و ان جعلها في الوسائل كذلك بل هي متحدة مع ما قبلها و يغلب على الظن اتحادهما مع الأولى أيضا لأن الراوي عن بريد فيها هو ابن أذينة و لأن عبارة الأخيرة قريبة من الاولى.

و كيف كان فلا اشكال بملاحظتها في ثبوت الاستحباب و عدم الوجوب.

الثانية في مورد هذا الحكم الذي يكون على خلاف القاعدة لأن مقتضاها هو وجوب الإعادة لأن الحج الصادر من المخالف و ان كان صحيحا باعتقاده و على حسب مذهبه الا انه باطل نوعا و لا أقل من بطلان وضوئه من جهة غسل الرأس مكان المسح و من بعض الجهات الأخرى و هو يستلزم بطلان الطواف و صلوته المستلزم لبطلان الحج و من المعلوم اقتضاء البطلان للزوم الإعادة فمقتضى القاعدة اللزوم الا ان الروايات المعتبرة المستفيضة دلت على عدم الوجوب فلا بد من تحقيق موردها و ملاحظة موضوعها فنقول ان هنا

صورتين.

الصورة الأولى: ما إذا كان الحج الذي اتى به في زمن الخلاف صحيحا باعتقاده مبرئا للذمة مسقطا للتكليف بحيث لو بقي على خلافه و لم يعرف هذا الأمر لما كان مكلفا بالإعادة بحسب نظره و الظاهر ان المنسبق الى الذهن من مورد الروايات هي هذه الصورة فإن قوله في بعض الروايات المتقدمة انى حججت و انا مخالف ظاهر على ما هو المتفاهم عند العرف في وقوع الحج الصحيح بنظره غاية الأمر ان معرفته بالولاية صارت موجبة للشك من جهة التفاته الى كون العمل خاليا عن الولاية و مقرونا بالنصب و الخلاف فمحط السؤال انما هي هذه الحيثية فقط من دون ان يكون في العمل خلل من غير هذه الناحية.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث و العشرون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 317

..........

______________________________

و لا مجال لاحتمال كون العمل المأتي به متصفا بالصحة عندنا أيضا بدعوى كون الروايات ناظرة إلى التصحيح من ناحية فقدان الولاية لا من النواحي الأخرى و ذلك لاقتضائه حمل الروايات مع كثرتها على الفرد النادر أو ما لا يتفق في الخارج أصلا لما عرفت من بطلان وضوئه لا أقل فهذا الاحتمال غير تام.

نعم ذكر المحقق في الشرائع و العلامة في القواعد و الشهيد في الدروس على ما حكى عنهم في مقام الاستثناء من أصل الحكم بعدم وجوب الإعادة ما لو أخل بركن منه فان كان المراد الإخلال بما هو الركن عندنا كما لعله الظاهر يدل ذلك على اعتبار كون المأتي به في حال الخلاف صحيحا عندنا و قد عرفت انه لا مجال لحمل الروايات الكثيرة على المورد النادر أو أسوء منه. و ان

كان المراد الإخلال بما هو الركن عنده يكون مقتضاه عدم شمول الروايات لما هو الفاسد عنده و هو الحق كما سيأتي.

الصورة الثانية: ما إذا كان ما اتى به من الحج فاسدا عنده و بنظره و قد عرفت ان المنسبق الى الذهن من مورد الروايات الدالة على عدم وجوب الإعادة على خلاف القاعدة هو ما إذا لم يكن الحج فاسدا بنظره لتمحض السؤال في الروايات في جهة الايمان و الاستبصار و فساد العقيدة و لا دلالة له على الفساد من جهة أخرى بنظره.

هذا و لكن في «المستمسك» بعد الاعتراف بان المنسبق الى الذهن هي الصورة الأولى قال: لكن التفصيل بين الزكاة و غيرها معللا بما ذكر- أي في مثل صحيحة بريد المتقدمة- مع غلبة الفساد في الأعمال غير الزكاة يوجب ظهورها في عموم الحكم لما كان فاسدا في نفسه و يكون وجه التعليل ان الزكاة لما كانت من حقوق الناس لم تجز بخلاف غيرها فإنها من حقوق اللّٰه تعالى فاجتزأ بها تعالى و حينئذ لا فرق في العمل بين ان يكون فاسدا عندنا و عندهم و ان يكون صحيحا عندنا لا عندهم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 318

..........

______________________________

و بين العكس إذا كان إتيانه على وجه العبادة».

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 1، ص: 318

و يرد عليه: ان التعليل المذكور في صحيحة بريد المتقدمة راجع الى خصوص المستثنى و هو وجوب الإعادة في الزكاة فمقتضاه ان وجوب إعادة الزكاة انما هو لأجل كونها من حقوق

الناس و لم يضعها المخالف في موضعها الذي هو أهل الولاية و هذا لا يقتضي ان لا يكون وجوب الإعادة في بعض العبادات الأخر مستندا إلى جهة أخرى مثل الفساد و عدم وقوعها صحيحة بنظر العامل المخالف نعم لو كان الحكم بعدم الوجوب في المستثنى منه معللا بكونه من حقوق اللّٰه لكان اللازم تعميم الحكم لهذه الصورة أيضا و لكن لم يقع هذا التعليل في الصحيحة و غيرها و بالجملة: التعليل الواقع في الرواية انما وقع في جانب الإثبات و اما جانب النفي فخال عن التعليل و من الواضح انه لا إطلاق فيها يشمل صورة الفساد فاللازم الرجوع في هذه الصورة إلى القاعدة و هي تقتضي وجوب الإعادة كما مر.

ثم: انه مما ذكرنا ظهر انه لو اتى المخالف بما هو الصحيح عند الإمامية و المطابق لفتوى فقهائهم فإن كان ذلك فاسدا بنظره بلحاظ عدم جواز الرجوع الى فقهاء الشيعة لأخذ الفتوى و العمل على طبقها فلا يتمشى منه قصد القربة المعتبر في العبادة باتفاق الفريقين فالظاهر انه داخل في الصورة الثانية و لا دلالة لروايات عدم وجوب الإعادة على حكمه بل اللازم الرجوع فيه الى القاعدة المقتضية للبطلان لفرض فقد قصد القربة.

و ان لم يكن ذلك فاسدا بنظره بلحاظ جواز الرجوع الى فقهاء الشيعة كما افتى بذلك شيخ جامعة الأزهر الشيخ شلتوت بعد تمهيد مقدمات من ناحية سيدنا المحقق الأستاذ آية اللّٰه العظمى البروجردي قدس سره الشريف و لعمري انه كان منه خدمة عظيمة للتشيع و خطوة مهمة في ترويجه و تأييده جزاه اللّٰه عن الإسلام و اهله خير الجزاء و حشره مع سيد الأنبياء عليه آلاف التحية و الثناء فاللازم الحكم بالصحة

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 319

..........

______________________________

و عدم وجوب الإعادة لأنه إذا كان مجرد الصحة بنظره كافيا في الحكم بعدم وجوب الإعادة ففيما إذا كان صحيحا بحسب الواقع يكون ذلك بطريق اولى كما لا يخفى.

الثالثة: ما لم يقع التعرض له لا في المتن و لا في العروة و هو ما إذا استبصر المخالف في أثناء الحج فهل يجرى عليه حكم الاستبصار بعد تمامية الحج فيما إذا كان حكمه عدم وجوب الإعادة أو لا يجرى فيجب عليه اعادة ما اتى به إذا كان قابلا للإعادة و اعادة مجموع الحج إذا لم يكن قابلا لها كما إذا استبصر بعد وقوف عرفة- مثلا- فيه وجهان من ان ظاهر أكثر الروايات ورودها في مورد تمامية الحج مثل قوله: رجل حج و قوله انى حججت و انا مخالف فلا دلالة على حكم الإستبصار في الأثناء و من ان قوله عليه السّلام في صحيحة بريد المتقدمة في أول البحث: كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم من اللّٰه تعالى عليه و عرفه الولاية فإنه يوجر عليه.

يشمل أثناء الحج أيضا نظرا الى ان مناسك الحج اعمال مستقلة بحيالها و ان كان بينها ارتباط و لأجل استقلالها تعتبر النية لكل واحد مستقلة و هذا بخلاف أجزاء الصلاة و أفعالها فإنها لا تكون كذلك و عليه فالعموم يشمل اعمال الحج و لا وجه لدعوى خروجها عنه بعد عدم قيام الدليل على التخصيص.

و المناقشة في دلالتها من جهة ان قوله يوجر عليه لا دلالة له على الاجزاء و عدم وجوب الإعادة فإن الأجر أعم من الاجتزاء به الا ترى ان الحج المندوب لغير المستطيع يوجر عليه و لكنه

لا يجزى عن حجة الإسلام كما مر البحث فيه سابقا.

مدفوعة بأنه في خصوص الرواية بمعنى الاجزاء و عدم وجوب الإعادة بقرينة قوله عليه السّلام فيها بعد استثناء الزكاة: فإنه يعيدها فان هذا التعبير ظاهر في ان ثبوت الأجر في المستثنى منه بمعنى عدم وجوب الإعادة نعم نقل ان في نسخة الوسائل و نقله لا يوجد هذا التعبير و عليه فالقرينة هو ذيل الرواية و هو قوله عليه السّلام و اما الصلاة و الحج و الصيام فليس عليه قضاء فان الظاهر ان هذا الذيل تكرار لما افادته الضابطة الكلية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 320

[مسألة 52- لا يشترط اذن الزوج للزوجة في الحج و ان كانت مستطيعة]

مسألة 52- لا يشترط اذن الزوج للزوجة في الحج و ان كانت مستطيعة و لا يجوز له منعها منه، و كذا في الحج النذري و نحوه إذا كان مضيقا و في المندوب يشترط اذنه، و كذا الموسع قبل تضييقه على الأقوى، بل في حجة الإسلام له منعها من الخروج مع أول الرفقة مع وجود اخرى قبل تضييق الوقت، و المطلقة الرجعية كالزوجة ما دامت في العدة بخلاف البائنة و المعتدة للوفاة فيجوز لهما في المندوب أيضا، و المنقطعة كالدائمة على الظاهر، و لا فرق في اشتراط الاذن بين ان يكون ممنوعا من الاستمتاع لمرض و نحوه أولا. (1)

______________________________

المذكورة في الصدر و ليس شيئا آخر زائدا على الصدر بحيث كان مفاد الصدر مجرد ثبوت الأجر و كان مفاد الذيل عدم وجوب القضاء في العبادات الثلاثة و ظاهره عدم الوجوب بعد تحققها و الفراغ عنها كما لا يخفى فالإنصاف تمامية دلالة الصحيحة على عدم وجوب الإعادة في الأثناء أيضا و هذا الوجه هو الظاهر فلا فرق بين

ما إذا كان الاستبصار بعد تمامية الحج أو في الأثناء نعم ظهر مما ذكرنا اختصاص هذا الأمر بالحج و عدم جريانه في مثل الصلاة و الصيام فالاستبصار في أثنائهما لا يجدي بالنسبة الى عدم وجوب الإعادة بل يجب الرجوع فيهما إلى القاعدة المقتضية لوجوب الإعادة كما هو ظاهر.

(1) في هذه المسألة أيضا جهات من البحث: الاولى: في عدم اشتراط اذن الزوج للزوجة في وجوب الحج عليها إذا كانت مستطيعة بالاستطاعة المعتبرة الجامعة للاستطاعات الأربعة و لا خلاف يوجد فيه كما في محكي المستند و يدل عليه جملة من النصوص المعتبرة:

منها صحيحة محمد- يعنى ابن مسلم- عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن امرأة لم تحج و لها زوج و ابى ان يأذن لها في الحج فغاب زوجها فهل لها ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 321

..........

______________________________

تحج؟ قال: لا إطاعة له عليها في حجة الإسلام. «1»

و منها: صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام امرأة لها زوج فأبى ان يأذن لها في الحج، و لم تحج حجة الإسلام، فغاب عنها زوجها و قد نهاها ان تحج فقال: لا طاعة له عليها في حجة الإسلام و لا كرامة، لتحج ان شاءت. «2»

و هذه الرواية دليل على ان التعليق على المشية لا ينافي الوجوب كما قد مر.

و منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال سألته عن امرأة لها زوج و هي صرورة و لا يأذن لها في الحج قال: تحج و ان لم يأذن لها. «3»

و منها غير ذلك من الروايات الدالة عليه.

ثم ان القدر المتيقن من مورد الروايات هو ما إذا كان الحج مستقرا

عليها و اما إذا لم يكن كذلك كما إذا كانت في عام الاستطاعة فمقتضى القاعدة بناء على ما اخترنا من عدم اعتبار الاستطاعة الشرعية في وجوب الحج و ان المعتبر فيه هي الاستطاعة الجامعة للاستطاعات الأربعة فقط عدم اشتراط الاذن في وجوب الحج عليها لفرض تحقق الاستطاعة المعتبرة، و اما بناء على اعتبار الاستطاعة الشرعية التي لازمها عدم استلزام الإتيان بالحج لترك واجب أو فعل محرم فاللازم بمقتضى القاعدة عدم الوجوب عليها مع عدم الاذن و المنع لاستلزام الحج الخروج من البيت غير الجائز بدون اذنه كما قد وقع التصريح به في جملة من الروايات هذا مع قطع النظر عن روايات المقام.

و اما مع ملاحظتها فالظاهر ان مقتضاها عدم الاشتراط في الحج غير المستقر أيضا لأن قوله- عليه السلام- في كثير منها: لا إطاعة له عليها في حجة الإسلام شامل له أيضا

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع و الخمسون ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع و الخمسون ح- 3

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع الخمسون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 322

..........

______________________________

و لا اختصاص له بالحج المستقر مضافا الى إطلاق السؤال فيها و ترك الاستفصال في الجواب فلا تنبغي المناقشة في هذه الصورة أيضا.

الثانية انه لا يجوز للزوج منع الزوجة عن حجة الإسلام لا بالمنع القولي و لا بالمنع العملي اما الأول فلكونه امرا بالمنكر و اما الثاني فلكونه سببا لتحققه مضافا الى انه خلاف السلطنة على النفس و الى ان الجواز فرع ثبوت الحق له و المستفاد من الروايات المتقدمة عدم ثبوت الحق له في هذه الجهة

و يدل عليه مرسلة المقنعة المعتبرة قال:

سئل- ع- عن المرأة تجب عليها حجة الإسلام يمنعها زوجها من ذلك، أ عليها الامتناع؟ فقال- ع- ليس للزوج منعها من حجة الإسلام، و ان خالفته و خرجت لم يكن عليها حرج. «1»

الثالثة ظاهر المتن و غيره إلحاق الحج الواجب بالنذر و نحوه إذا كان مضيقا بحجة الإسلام في عدم اشتراط الاذن من الزوج في وجوب الوفاء به و الدليل على الإلحاق- كما في المستمسك- مع ان الروايات المتقدمة موردها خصوص حج الإسلام اما إلغاء خصوصية المورد من تلك الروايات و اما الإجماع و اما ما في المعتبرة و غيره من قوله- ع- لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. «2».

أقول ما حديث إلغاء الخصوصية فلا موقع له لانه بعد ما كانت حجة الإسلام لها خصوصية من جهة الأهمية التي يكشف عنها التعبير بالكفر في مورد تركه في الآية الشريفة و كون تاركه يموت يهوديا أو نصرانيا لا مجال لإلغاء الخصوصية عنها لاحتمال كون الاهتمام بها موجبا لإلغاء اشتراط اذن الزوج و من الواضح عدم ثبوته في مثل حج النذر كما لا يخفى.

و اما الإجماع فالظاهر انه لا أصالة له في مثل المقام مما يوجد فيه ما يمكن ان

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع و الخمسون ح- 6

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع و الخمسون ح- 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 323

..........

______________________________

يستدل به من الروايات كالغاء الخصوصية على ما عرفت و كالرواية الآتية فلا يكون الإجماع على فرض تحققه دليلا مستقلا.

و اما مرسلة المعتبر فهي و ان كانت معتبرة من حيث السند لأنها من جملة المرسلات التي

أسند المرسل الرواية الى الامام- عليه السّلام- بمثل «قال» و هذا يكفي في اعتبار الرواية لأن ذلك بمنزلة توثيق جميع الوسائط الا انه نوقش في دلالتها من وجهين:

أحدهما ما يظهر من بعض الاعلام في بيان مقتضى القاعدة في حج النذر من ان النذر واجب فيما إذا كان الرجحان في متعلقه في ظرف العمل بمعنى ان النذر انما ينعقد و يجب الوفاء به إذا كان المنذور راجحا في ظرف العمل به و اما إذا كان مرجوحا و محرما في نفسه فلا ينعقد من الأول و ينحل و لا يجب الوفاء به و يقدم الواجب الأخر عليه فان العمل لا بد ان يكون في نفسه راجحا مع قطع النظر عن تعلق النذر به و عليه إذا فرض ان خروج الزوجة من البيت من دون اذن الزوج محرم كما في النصوص المعتبرة فلا ينعقد نذرها للحج المستلزم للخروج من البيت.

و محصل هذه المناقشة عدم انعقاد النذر فلا يكون هناك معصية الخالق حتى لا تكون إطاعة للمخلوق بالإضافة إليها كما لا يخفى.

و يدفع هذه المناقشة بعد تسليم اعتبار الرجحان في المتعلق في ظرف العمل و تحقق الفعل ان المنذور و هو الحج لا يكون فاقدا للرجحان في ظرف الإتيان به و استلزامه للخروج من البيت بغير اذن الزوج لا يستلزم فقدان الحج للرجحان لانه لا موجب لذلك أصلا غاية الأمر ان الاستلزام المذكور موجب لتحقق المزاحمة بين دليل وجوب الوفاء بالنذر و دليل حرمة الخروج من البيت بغير اذن الزوج فإذا فرض ان المرسلة اقتضت عدم ثبوت الطاعة للمخلوق في معصية الخالق فلازمه تقديم وجوب الوفاء بالنذر و ان كان مستلزما للخروج المذكور و الانصاف ان هذا الكلام من

بعض الاعلام في غاية الغرابة و نهاية الاستبعاد.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 324

..........

______________________________

ثانيهما ما يظهر من صاحب «جامع المدارك» من ان المرسلة ناظرة الى ما لم تكن إطاعة المخلوق إطاعة للّٰه تعالى أيضا و في مثل المقام من الزوج و المولى تكون إطاعة الزوجة و العبد إطاعة له تعالى لأنها واجبة من قبل الشرع فهو خارج عن المرسلة.

و يدفعه- مضافا الى استناد الفقهاء إليها في موارد وجوب الإطاعة مثل ما إذا اذن المولى لعبده في الحج ثم رجع في أثناء الحج عن اذنه و في غيره- انه لا معنى لحمل المرسلة على موارد الإطاعة غير الواجبة فإنه لا معنى لان تكون الإطاعة الكذائية مقدمة على إطاعة الخالق و ارتكاب معصية بل الظاهر هي الإطاعة الواجبة مع قطع النظر عن معصية الخالق فالمراد انه لا طاعة لمخلوق فيما تجب إطاعته في نفسه إذا كانت مستلزمة لمعصية الخالق فالإنصاف تمامية الاستدلال بالمرسلة لعدم اشتراط مثل حج النذر و الحج الاستئجاري بإذن الزوج فتدبر.

الرابعة يشترط اذن الزوج في الحج المندوب و في الجواهر: إجماعا محكيا عن التذكرة بل في المدارك نسبته إلى علمائنا اجمع بل فيها عن المنتهى لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم و هو الحجة.

و استدل عليه- مضافا الى الإجماع- بأن حق الزوج واجب فلا يجوز تفويته بما ليس بواجب و بموثقة إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (ع) قال: سألته عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الإسلام تقول لزوجها أحجّني مرة أخرى، إله أن يمنعها؟

قال: نعم، يقول لها: حقي عليك أعظم من حقك علىّ في هذا. «1».

لكن في محكي المدارك: «و قد يقال ان الدليل الأول انما يقتضي

المنع من الحج إذا استلزم تفويت حق الزوج و المدعى أعم من ذلك، و الرواية انما تدل على ان للزوج المنع و لا يلزم منه التوقف على الاذن ..»

و أجاب عن الاشكال على الأول في «المستمسك» بما حاصله ان الروايات الدالة

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع و الخمسون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 325

..........

______________________________

على عدم جواز خروج المرأة من بيتها إلا بإذنه بل على سقوط نفقة الزوجة بالخروج من بيتها بغير اذنه يدل على ان من حقوقه الاستيذان منه في السفر فلا يجوز لها تفويته و السفر بدون اذنه و عليه فالحج بدون اذنه مستلزم لتفويت حقه دائما ثم قال: نعم دلالة الموثق على وجوب الاستيذان غير ظاهرة على ان سوق السؤال فيه و في غيره من النصوص المتقدمة في حجة الإسلام يقتضي ان وظيفة الزوجة الاستيذان لا عدم المنع فلا حظ.

أقول: لا مجال للتمسك بالإجماع على اشتراط الاذن في الحج المندوب بعد عدم اتصافه بالأصالة و كون المدرك له- قطعا أو احتمالا- الوجوه الأخر و اما استلزام تفويت حق الزوج بالمعنى الذي أفاده في «المستمسك» لا بالمعنى المذكور في الاشكال فهو أمر مسلم لا ارتياب فيه و مرجعه الى ثبوت تكليفين هنا أحدهما الاستحباب المتعلق بعنوان الحج لفقد شرائط وجوبه اما لعدم تحقق الاستطاعة بعد و اما للإتيان بحجة الإسلام قبلا و ثانيهما الحرمة المتعلقة بخروجها من البيت بغير اذنه و حيث ان الحج بدون الاذن ملازم لتحقق العنوان المحرم فلا محالة يقع التزاحم بين التكليفين و من المعلوم انه في مورد التزاحم بين تكليف لزومي و بين غيره يكون الترجيح مع

التكليف اللزومي لأنه لا يزاحمه ما لا يكون في رتبته من جهة اللزوم و عليه فاللازم رعاية التكليف المتعلق بالخروج من البيت بغير الاذن.

و هذا الدليل يكفي في مقام الاستدلال الّا ان الذي يرد عليه انه لو خالفت الزوجة التكليف الإلزامي التحريمي و حجت بغير اذنه لا يكون مقتضى الدليل بطلان حجها لما حقق في مسألة الصلاة و الإزالة من ان الصلاة مكان الإزالة صحيحة غير باطلة لإحدى الوجوه المذكورة هناك مع ان المدعى في المقام اشتراط الاذن بحيث يكون الحج مع عدمه باطلا.

فاللازم الاستناد في ذلك الى الموثقة و الظاهر تمامية دلالتها على اعتبار الاذن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 326

..........

______________________________

منه في صحة حجها المندوب و ذلك لان مقتضى الجمود على ظاهر السؤال فيها و ان كان هو السؤال عن ثبوت حق المنع للزوج و ثبوته لا يلازم التوقف على الاذن الّا ان المراد منه انه هل الحج المندوب الذي تأتي به مرة أخرى مثل حجة الإسلام التي أتت بها أو لا فكما انه لا يشترط الاذن في صحتها كذلك لا يشترط في صحة الحج المندوب أم لا فالسؤال انما يرجع الى كونه مثل حجة الإسلام في الجهة الممتازة و هو عدم التوقف على الاذن.

و يؤيده بل يدل عليه التعليل الذي علمه الزوج في مقابل المرأة إذا اعترضت عليه و هو قوله حقي عليك أعظم من حقك علىّ في هذا فهل مقتضى الأعظمية مجرد ثبوت حق المنع للزوج أم مقتضاها اشتراط اذنه في صحة عملها؟ و الظاهر هو الثاني و عليه فمقتضى الموثقة منطبق على ما افتى به الأصحاب من الاشتراط و التوقف الخامسة: ظاهر المتن اشتراط اذن

الزوج في الحج الواجب الموسع قبل التضيق لكن التعبير بالأقوى فيه دون الحج المندوب يشعر بوجود المخالف فيه و هو كذلك فان صاحب المدارك بعد قوله: و ربما قيل بان للزوج المنع في الموسع الى محل التضييق .. قال: و هو ضعيف لأصالة عدم سلطنته عليها في ذلك ..»

و يرد عليه انه لا مجال للأصل المذكور بعد ثبوت الإطلاق لأدلة حرمة الخروج من البيت بغير اذنه فانّ مقتضاه عدم الجواز في مثل المقام نعم لو كان التزاحم بين الحرمة المذكورة و بين أصل الوجوب كما في حجة الإسلام و مثل حج النذر لما كان للحرمة موقعية لكن التزاحم في المقام بين الحرمة و بين الإتيان بالواجب الموسع في أول وقته أو وسطه قبل عروض التضيق و من المعلوم تقدم الحرمة كتقدمها على الاستحباب في الحج المندوب و لكن لازم ما ذكرنا تحقق مخالفة الحكم التكليفي إذا حجت بدون اذن الزوج لا ثبوت البطلان لأجل فقدان شرط الصحة كما هو مقتضى العطف و التشريك في الحكم في المتن.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 327

..........

______________________________

و بالجملة المدعى هو الاشتراط و التوقف الذي لازمة البطلان مع الفقدان و الدليل لا يقتضيه بل غاية ما يدل عليه تقدم الحرمة مع التزاحم كما عرفت و لو لا دلالة الموثقة على الاشتراط في الحج المندوب لما كان مقتضى القاعدة فيه الاشتراط أيضا السادسة: ظاهر المتن ان للزوج المنع من الخروج مع أول الرفقة في حجة الإسلام أيضا مع وجود اخرى قبل تضيق الوقت و الدليل عليه ما ذكرنا في الحج الواجب الموسع و يجرى فيه أيضا المناقشة المذكورة هناك من ان غاية مفاد الدليل تقدم

الحرمة مع التزاحم لعدم كون طرفها أصل الواجب بل تقديمه مع أول الرفقة.

و يمكن دفع المناقشة هنا بالخصوص بان مقتضى ظاهر المتن هنا مجرد جواز منع الزوج لا التوقف على اذنه و الاشتراط و من المعلوم ثبوته و ان له المنع و ان لم يكن مؤثرا في البطلان بوجه كما لا يخفى.

السابعة: ان المطلقة الرجعية بحكم الزوجة ما دامت في العدة فلا يشترط اذن الزوج في حجها الواجب و البحث فيها تارة مع قطع النظر عن الروايات الخاصة الواردة في المطلقة و اخرى مع ملاحظتها.

اما من الحيثية الأولى فالظاهر انصراف الروايات المتقدمة الواردة في حجة الإسلام الدالة على عدم اشتراط اذن الزوج فيها عن المطلقة الرجعية لأنها و ان كانت زوجة و يترتب عليها حكمها الّا ان المنسبق الى الذهن منها غير المطلقة نعم مقتضى الدليل العام الشامل لكل حج واجب و هو قوله لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق- بناء على تمامية الاستدلال به كما اخترناه- عدم اشتراط الاذن في المطلقة الرجعية أيضا.

و اما من الحيثية الثانية فالروايات الواردة فيها على أربعة أقسام:

الأول: ما تدل على ان المطلقة لا تحج في عدتها و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين حجة الإسلام و بين غيرها و كذلك عدم الفرق بين اذن الزوج و عدمه كما ان مقتضى إطلاقها انه لا فرق بين المطلقة الرجعية و بين المطلقة البائنة و هي صحيحة معاوية بن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 328

..........

______________________________

عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال: لا تحج المطلقة في عدتها. «1»

الثاني: ما تدل على ان المطلقة تحج في عدتها و هي أيضا مطلقة شاملة لجميع الحالات و

الخصوصيات المذكورة و هي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: المطلقة تحج في عدتها. «2»

الثالث: ما يدل على التفصيل بين حجة الإسلام و بين غيرها و هي مرسلة منصور بن حازم قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن المطلقة تحج في عدتها قال ان كانت صرورة حجت في عدتها، و ان كانت حجت فلا تحج حتى تقضى عدتها. «3» و توصيف الرواية بالصحة مع كونها مرسلة كما في جمع من الكتب الفقهية كالجواهر و غيرها لا وجه له أصلا فإن أبا عبد اللّٰه البرقي رواها عمن ذكره عن منصور فالرواية غير معتبرة و لكن ذكر بعض الاعلام ان خبر منصور و ان كان ضعيفا سندا للإرسال و لكن التفصيل المذكور فيه يستفاد من أدلة أخرى التي دلت على ان حج الإسلام لا يعتبر فيه اذن الزوج و لا طاعة له عليها فيه و اما الخروج من البيت لغير حج الإسلام فيعتبر فيه الإذن.

أقول قد عرفت ان الروايات الواردة في حجة الإسلام منصرفة عن المطلقة الرجعية فلا دلالة لها على الجزء الأول من التفصيل المذكور في خبر منصور و دعوى ثبوت حكمها في الرجعية بطريق أولى لأنه إذا لم يكن اذن الزوج شرطا في صحة حج الزوجة حجة الإسلام فعدم شرطيته في صحة حج المطلقة بطريق أولى مدفوعة بمنع الأولوية لأنه يمكن ان يكون نظر الشارع الى عدم خروج المطلقة من البيت مطلقا و كونها حاضرة عنده ليتحقق الرجوع و تعود الزوجية و هذا بخلاف الزوجة

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الستون ح- 3

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الستون ح- 1

(3) ئل أبواب وجوب الحج و

شرائطه الباب الستون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 329

..........

______________________________

كما لا يخفى.

و اما روايات حرمة الخروج من البيت فمفادها مجرد الحرمة و لا دلالة لها على اعتبار الاذن بنحو الاشتراط و هذا بخلاف الجزء الثاني من الخبر المزبور فان مفاده البطلان سواء كان النهى فيه إرشادا إلى الفساد و البطلان أو مولويا متعلقا بعنوان العبادة كما لا يخفى فخبر منصور خصوصا بالنسبة إلى الجزء الثاني لا يدل عليه شي ء آخر الرابع: ما تدل على انّ المطلقة تحج في عدتها إذا طابت نفس زوجها و هي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام-: المطلقة تحج في عدتها ان طابت نفس زوجها. «1» و مقتضى إطلاقها انه لا فرق بين حجة الإسلام و غيرها.

و الجمع بينها و بين الطائفتين الأولتين يقتضي حمل الاولى على صورة عدم اذن الزوج و حمل الثانية على صورة الاذن و اللازم- ح- القول باشتراط الاذن في مثل حجة الإسلام أيضا.

و لكن الظاهر وقوع التعارض بين هذه الصحيحة و بين المرسلة المعتبرة المتقدمة: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق بالعموم و الخصوص من وجه لعدم اختصاص الصحيحة بالحج الواجب بل القدر المتيقن منها هو الحج المندوب و اختصاص المرسلة بالحج الواجب لعدم تحقق المعصية في غيره هذا من ناحية و اما من الناحية الأخرى فالصحيحة تختص بالحج مع اذن الزوج و تقتضي عدم صحته بدونه و المرسلة تعم كل طاعة و كل معصية و مادة الاجتماع التي هي محل التعارض الحج الواجب سواء كان حجة الإسلام أو غيرها من دون اذن حيث ان مقتضى الصحيحة عدم صحته و مقتضى المرسلة الصحة كما لا يخفى.

هذا

و الظاهر تقدم المرسلة على الصحيحة لكون سياق المرسلة آبيا عن التخصيص و عليه فيصير المحصل عدم اشتراط اذن الزوج في حج المطلقة إذا كانت

______________________________

(1) أبواب العدد الباب الثاني و العشرون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 330

..........

______________________________

حجة الإسلام أو مثلها من الحج الواجب المضيق.

الثامنة: ان المطلقة البائنة لا يشترط ان زوجها في صحة حجها مطلقا و لو كان مندوبا أو واجبا موسعا و عللوا ذلك بانقطاع عصمتها منه- كما في العروة- و عدم كونها زوجة فلا مجال لاشتراط اذن زوجها السابق.

التاسعة: أن المعتدة للوفاة كالمطلقة البائنة بل عدم اشتراط اذن الزوج فيها أظهر لعدم وجود زوج لها على ما هو المفروض و احتمال عدم صحة حجها حتى تنقضي عدة الوفاة يدفعها روايات متعددة جمعها في الوسائل في باب مستقل منها موثقة زرارة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال سألته عن التي يتوفى عنها زوجها أ تحج في عدتها؟

قال: نعم. «1» و مقتضى إطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب الشمول لمثل الحج المندوب.

العاشرة: قد استظهر في المتن ان المنقطعة كالدائمة في الأحكام المذكورة و الوجه فيه انها زوجة حقيقة و ان انقسام النكاح الى قسمين انقسام حقيقي و مجرد عدم ترتب بعض الاحكام مثل النفقة و التوارث على بعض الأقوال و حق القسم لا يوجب عدم كونها زوجة بل هي كذلك حقيقة فيكون مثل حجها المندوب مشروطا بإذن الزوج.

تتمة: لا فرق فيما ذكر من موارد اشتراط الاذن بين ما إذا لم يكن ممنوعا من الاستمتاع لمرض و نحوه و بين ما إذا كان كذلك لان الملاك على ما يستفاد من الروايات هو عنوان الزوجية و هو

متحقق في الفرضين و لم يقم دليل على ان الملاك إمكان الاستمتاع حتى ينتفي في صورة العدم فلا فرق بينهما من جهة الاشتراط.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و الستون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 331

[مسألة 53- لا يشترط وجود المحرم في حج المرأة ان كانت مأمونة على نفسها و بضعها]

مسألة 53- لا يشترط وجود المحرم في حج المرأة ان كانت مأمونة على نفسها و بضعها، كانت ذات بعل أولا، و مع عدم الأمن يجب عليها استصحاب محرم أو من تثق به و لو بالأجرة، و مع العدم لا تكون مستطيعة، و لو وجد و لم تتمكن من أجرته لم تكن مستطيعة، و لو كان لها زوج و ادعى كونها في معرض الخطر و ادعت هي الأمن فالظاهر هو التداعي، و للمسألة صور و للزوج في الصورة المذكورة منعها بل يجب عليه ذلك، و لو انفصلت المخاصمة بحلفها أو أقامت البينة و حكم لها القاضي فالظاهر سقوط حقه، و ان حجت بلا محرم مع عدم الا من صح حجها سيما مع حصول الا من قبل الشروع في الإحرام. (1)

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات: الأول: ان المرأة ان كانت مأمونة على نفسها و بضعها لا يشترط في حجّها وجود المحرم من دون فرق بين ما إذا كانت ذات بعل أولا بخلاف ما إذا لم تكن مأمونة فإنه يجب عليها استصحاب محرم أو من تثق به و لو بالأجرة و مع العدم لا تكون مستطيعة كما إذا وجد و لم تتمكن من أجرته.

و يدل على ذلك روايات مستفيضة:

منها صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في المرأة تريد الحج ليس معها محرم هل يصلح لها

الحج؟ فقال نعم إذا كانت مأمونة. «1»

و منها صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن المرأة تحج (تخرج- خ ل) إلى مكة بغير ولى؟ فقال لا بأس تخرج مع قوم ثقات «2» و منها صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال سألته عن المرأة تحج

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و الخمسون ح- 2

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و الخمسون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 332

..........

______________________________

بغير وليها فقال ان كانت مأمونة تحج مع أخيها المسلم. «1»

و يدل على عدم الفرق بين ذات البعل و غيرها صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن المرأة تحج بغير ولى؟ قال: لا بأس و ان كان لها زوج أو أخ أو ابن أخ فأبوا أن يحجوا بها و ليس لهم سعة فلا ينبغي لها ان تقعد و لا ينبغي لهم ان يمنعوها. (الحديث). «2»

ثم انه احتمل السيد- قده- في العروة وجهين في وجوب التزويج عليها تحصيلا للمحرم مع ان الظاهر انه لا تنبغي المناقشة في الوجوب لانه بعد تحقق الاستطاعة التي هي شرط للوجوب يكون ذلك من المقدمات الوجودية التي يجب تحصيلها و لذا حكم بوجوب استصحابه و لو بالأجرة فاللازم التحصيل و لو بتزويج نفسها أو تزويج بنتها حتى تسافر مع صهرها و لو كان تزويجها بنحو الانقطاع لأجل تحقق المحرمية كما إذا كان وقته ساعة أو ساعتين أو كانت البنت صغيرة بناء على جواز تزويجها كذلك كما إذا كان مشتملا على المصلحة و كيف كان فاللازم تحصيل المحرم بأيّ

نحو أمكن فيما إذا لم يكن مستلزما للمهانة و الحرج كما لا يخفى.

المقام الثاني في التنازع فيما إذا كان للمرأة زوج قال في المستمسك: «أول من صور هذا النزاع فيما وقفت عليه الشهيد في الدروس قال: و لو ادعى الزوج الخوف و أنكرت عمل بشاهد الحال أو بالبينة فإن انتفيا قدم قولها و الأقرب انه لا يمين عليها» و نحوه في المدارك و الجواهر و الحدائق.

أقول ان كان مراد الشهيد من النزاع المذكور هو كون الزوج مدعيا لخوف نفسه على الزوجة- نفسا أو بعضا- و الزوجة مدعية للمأمونية على الأمرين من ناحية نفسها فيرد عليه:

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و الخمسون ح- 5

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و الخمسون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 333

..........

______________________________

أولا: انه لا بد ان يكون مرجع الادعاء و الإنكار إلى النفي و الإثبات بالإضافة إلى شي ء واحد و اما إذا كان المدعى يثبت امرا و المنكر لا ينكره بل يثبت امرا آخر- كما في المقام- حيث ان الزوج مدع لخوف نفسه عليها و الزوجة مدعية للمأمونية من ناحية نفسها فلا يتحقق المدعى و المنكر و بالجملة محلهما ما إذا لم يمكن الجمع بينهما بحسب الواقع و اما إذا أمكن الجمع كذلك كما في المقام حيث انه لا منافاة بين خوفه و عدم خوفها فلا يتحقق العنوانان.

و ثانيا: انه على تقدير صدق العنوانين لكن ليس كل دعوى قابلة للسماع و الطرح عند الحاكم و المقام كذلك فان دعوى الزوج خوف نفسه لا يترتب عليها أثر فإن ما رتب عليه الأثر في النصوص و الفتاوى هي مأمونية

الزوجة و عدمها و لا دخل لخوف الزوج و عدمه في ذلك نظير موارد الحرج في مثل غسل الزوجة و وضوئها فان الرافع للوجوب عنها هو اشتمالهما على الحرج باعتقادها و لا مدخل لاعتقاد الزوج في ذلك أصلا و المقام من هذا القبيل كما لا يخفى.

و ثالثا: انه على تقدير تسليم كلا الأمرين ظاهر العبارة ثبوت الدعوى و المدعى و المنكر و يرد عليه انه مع انتقاء البينة كيف جعل الأقرب عدم ثبوت اليمين عليها مع ان مقتضى قاعدة «البينة على المدعى و اليمين على من أنكر» ثبوت الحلف عليها فتدبر.

و ان كان مراد الشهيد- قده- من النزاع المذكور ما إذا كان الزوج مدعيا لخوفها على نفسها أو بعضها و انها كاذبة في دعوى المأمونية على الأمرين و الزوجة مدعية للمأمونية فالنزاع بهذه الصورة في الجملة خال عن الإشكالين الأولين في الصورة السابقة لورود النفي و الإثبات على شي ء واحد و هي مأمونية الزوجة و عدمها و يكون الزوج بادعائه نافيا لوجوب الحج عليها بدون المحرم أو من تثق به و نقول انه على هذا التقدير يتصور صور:

الاولى: ان يكون الغرض من النزاع مجرد وجوب الحج على الزوجة و عدمه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 334

..........

______________________________

فالزوجة تدعى المأمونية و لازمها عدم الافتقار الى محرم و ان الحج واجب عليها و الزوج يدعى خوفها و لازمة عدم وجوب الحج عليها لانتفاء المحرم على ما هو المفروض فمحط النزاع نفس الوجوب و عدمه.

و لا يخفى ان النزاع بهذه الصورة لا يكون قابلا للطرح عند الحاكم و لا تكون دعوى الزوج واجدة لشروط سماع الدعوى المذكورة في كتاب القضاء لانه يعتبر في

سماعها ان تكون الدعوى على تقدير ثبوتها حقا عائدا الى المدعى و عدم وجوب الحج على الزوجة بمجرده لا يكون كذلك كما هو ظاهر.

الثانية: ان يكون الغرض من النزاع المذكور التوقف على اذن الزوج و عدمه بمعنى ان الزوجة المدعية للمأمونية تريد بذلك إثبات وجوب حجها و انه حجة الإسلام- مثلا- و إذا كان كذلك لا يشترط فيه الاذن لما تقدم من عدم اعتبار اذن الزوج في الحج الواجب على الزوجة إذا كان مضيقا و الزوج المدعى للخوف يكون غرضه نفى وجوب الحج و إذا كان كذلك يكون حجها مشروطا بإذن زوجها كما تقدم أيضا فالغرض من النزاع يرجع الى التوقف على الاذن و عدمه.

و لا يخفى ان النزاع بهذه الصورة انما يكون قابلا للطرح إذا كان اذن الزوج في غير الحج الواجب حقا من حقوق الزوج كسائر الحقوق الثابتة له عليها فإنه- حينئذ- يرجع النزاع الى ثبوت هذا الحق و عدمه فالزوج مدع للثبوت و الزوجة منكرة باعتبار ادعائها وجوب الحج و هو لا يفتقر الى الاذن و اما إذا كان حكما من الأحكام الشرعية و منشأه الأدلة الدالة على حرمة الخروج من البيت للزوجة بغير اذن زوجها الظاهرة في مجرد الحكم التكليفي من دون ان يكون هناك حق للزوج فترجع هذه الصورة إلى الصورة الأولى التي لا تكون الدعوى مسموعة قابلة للطرح عند الحاكم لان مرجع النزاع- حينئذ- إلى ثبوت هذا الحكم التكليفي و عدمه كما إذا تنازع رجلان في خمرية مائع معين فإنه لا مجال لطرحه عند الحاكم كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 335

..........

______________________________

ثم انه في هذه الصورة- على تقدير كون الاذن حقا- لا

وجه لتوهم كونه من موارد التداعي بل هو من موارد المدعى و المنكر كما انه لا شبهة في كون المدعى هو الزوج و المنكر هي الزوجة خصوصا بناء على ما هو الحق من كون المرجع في تشخيص المدعى و المنكر بعد عدم ورود تفسير لهما في الأدلة أصلا هو العرف كسائر العناوين المأخوذة في لسان الروايات.

الثالثة: ان يكون الغرض من النزاع في ناحية الزوج هو ثبوت حق الاستمتاع له عليها فيما إذا كانت الأهلية للاستمتاع موجودة في الطرفين و في ناحية الزوجة ثبوت النفقة لها عليه فالزوج يدعى عدم المأمونية و انها خائفة فالحج لا يكون واجبا عليها و الحج الاستحبابي يوجب الإخلال بالحق الثابت له عليها و هو حق الاستمتاع و الزوجة تدعى المأمونية و ان الحج واجب عليها و النفقة لا تسقط مع وجوب الحج فهو مدع لحق الاستمتاع عليها و هي مدعية للنفقة عليه.

و في هذه الصورة تجري أحكام التداعي على تقدير عدم كون المعيار هو محط الدعوى و مصبه بل كان المعيار هو الهدف و الغرض للمتداعيين و اما على تقدير كون المعيار مصب الدعوى فلا تكون موردا للتداعى أيضا لأن مصب الدعوى هي المأمونية و عدمها و هي من موارد المدعى و المنكر كما هو ظاهر.

ثم انه ذكر في المتن انه في الصورة التي استظهر فيها التداعي يكون للزوج منعها بل يجب عليه ذلك الا مع انفصال المخاصمة بحلفها أو إقامتها البينة و حكم القاضي بنفعها فإنه يسقط حقه فهنا أمران:

أحدهما: جواز منع الزوج لها بل وجوبه قبل انفصال المخاصمة بالنحو المذكور و الحكم بذلك يدل على ان المفروض في المتن هو ادعاء الزوج كونها في معرض الخطر باعتقاده فإنه

على تقدير ذلك يجوز له منعه باعتبار حفظها عن الخطر الذي يهدّدها سيما بالإضافة إلى بعضها مع انك عرفت ان الادعاء بهذا النحو لا يكون مسموعا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 336

..........

______________________________

لعدم منافاته مع ادعاء الزوجة بوجه فإنه يمكن الجمع بين خوفه و بين مأمونيتها، و اما لو كان المفروض في المتن ادعاء الزوج كونها في معرض الخطر باعتقادها و انها كاذبة في دعوى المأمونية فلا مجال- ح- للحكم بوجوب المنع خصوصا مع كون اعتقاده هي المأمونية لأنه يمكن الجمع بين اعتقاده المأمونية و بين دعواه كذب المرأة في الاعتقاد بذلك كما لا يخفى.

ثانيهما: عدم الجواز بعد انفصال المخاصمة بالنحو المذكور و الوجه فيه ما هو المذكور في كتاب القضاء من انه بعد انفصال المخاصمة و حكم القاضي بنفع أحد المتخاصمين يجب على المحكوم عليه ترتيب آثار الحكم في الجملة فلا يجوز له تجديد الدعوى و لا المقاصة و ان كان محقا و في مثل المقام يسقط حقه و ان كان يرى نفسه كذلك.

المقام الثالث فيما لو حجت المرأة بلا محرم مع عدم الأمن و حكمه على ما في المتن الصحة سيما مع حصول الأمن قبل الشروع في الإحرام و ينبغي قبل بيان وجه الحكم بالصحة من تقديم أمور:

الأول: انه ليس المراد بالصحة في المتن و شبهه هي الصحة غير المنافية لعدم الاجزاء عن حجة الإسلام كما في صحة الحج المندوب فإنه مع كونه صحيحا لكنه لا يكون مجزيا عن حجة الإسلام كما مر الكلام فيه- بل المراد بالصحة ظاهرا هي الصحة مع الاجزاء و وقوع حجها بعنوان حجة الإسلام- مثلا.

الثاني: ان اشتراط المأمونية بالذات أو باستصحاب مثل المحرم

في وجوب الحج على المرأة على ما يستفاد من الروايات المتقدمة الواردة في هذا الباب هل مرجعه الى اشتراط أمر زائد على الاستطاعات الأربعة المعتبرة في وجوب الحج فيكون مدخليتها في الوجوب كمدخلية شي ء من الاستطاعات المذكورة فيه و على هذا التقدير لا يبقى مجال للزوم تحصيله كما لا يجب تحصيل الاستطاعة- على ما مرّ مرارا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 337

..........

______________________________

أو ان مرجع الاشتراط- على ما يستفاد من ملاحظة هذه الروايات مع ملاحظة الروايات المفسرة للاستطاعة بخصوص الأمور الأربعة المذكورة الظاهرة في عدم اعتبار شي ء آخر في وجوب الحج و فعليته- إلى انه مع عدم المأمونية يقع التزاحم بين دليل وجوب الحج الذي صار منجزا لحصول شرطه و هي الاستطاعة و دليل حرمة السفر مع الخوف على النفس أو العرض و الروايات الواردة في المقام ظاهرة في تقدم الحرمة على الوجوب و انه لا يجب عليها الحج مع عدم المأمونية لأن الحرمة المذكورة أهم من وجوب الحج.

الثالث: ان المفروض في هذا المقام ظاهرا ما لو حجت المرأة بلا استصحاب محرم مع وجوده و إمكان حصول الأمن بسببه مع عدم كونها مأمونة بذاتها ففي هذه الصورة تجري أحكام التزاحم لانه كان يجب عليها أوّلا استصحابه المحقق لعنوان المأمونية لئلا يتحقق السفر مع الخوف الذي يكون محرما فإذا خالفته و عصت الحرمة التي هي أهم- على ما هو المفروض المستفاد من الروايات- و اشتغلت بالمهم الذي هو عبادة تقع صحيحة لأجل الترتب أو غيره مما هو مفيد فائدته.

و قد انقدح مما ذكرنا وجه الحكم بالصحة المقرونة بالإجزاء- كما في المتن- و ان المقام من قبيل الصلاة بدل الإزالة في المثال المعروف

في باب التزاحم و لكن بعض الاعلام حيث زعم ان المفروض في هذا المقام صورة عدم وجود المحرم أصلا و لا محالة لا تكون مستطيعة بنظره أورد على الحكم بالصحة فيما إذا كان الخوف حاصلا عند الميقات و ما بعده من الافعال نظرا الى عدم التزاحم هنا بعد ما لم يكن في البين الا حرمة السفر و الخروج من البيت المتحقق مع جميع الاعمال لعدم تحقق الوجوب مع عدم تحقق الاستطاعة فاللازم الحكم بالبطلان إلا في بعض الفروض و قد عرفت ان المفروض في هذا المقام الصورة التي ذكرناها لا ما زعمه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 338

[مسألة 54- لو استقر عليه الحج بان استكملت الشرائط و أهمل حتى زالت]

مسألة 54- لو استقر عليه الحج بان استكملت الشرائط و أهمل حتى زالت أو زال بعضها وجب الإتيان به بأي نحو تمكن، و ان مات يجب ان يقضى عنه ان كانت له تركة و يصح التبرع عنه، و يتحقق الاستقرار على الأقوى ببقائها إلى زمان يمكن فيه العود الى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة المالية و البدنية و السربية، و اما بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقائه إلى آخر الاعمال. و لو استقر عليه العمرة فقط أو الحج فقط كما فيمن وظيفته حج الافراد أو القران ثم زالت استطاعته فكما مر يجب عليه بأي وجه تمكن و ان مات يقضى عنه (1)

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين: المقام الأول في حكم من استقر عليه الحج و الاستقرار في الجملة عبارة عن استكمال الشرائط ثم الإهمال و المسامحة و عدم الإتيان حتى زالت- كلّا أو بعضا- و يتصور فيه صور:

الاولى: ما إذا لم يكن قادرا على الإتيان بالحج بعد عام الاستطاعة و

زوالها بوجه بحيث كان فاقدا للقدرة العقلية بعده و من المعلوم انه لا مجال لوجوب الحج في هذه الصورة بعد فرض انتفاء القدرة العقلية فقد تحقق منه عصيان التكليف من دون ان يكون له طريق الى جبرانه من غير سبيل التوبة نعم لو مات يقضى عنه من تركته مع وجودها- على ما سيأتي.

الثانية: ما إذا كان قادرا على الإتيان بالحج بعد عام الاستطاعة و زوالها من دون ان يكون مستلزما للحرج غاية الأمر مع التسكع الذي هو عبارة عن السير و الحركة مع التعسف و التكلف و هذه هي الصورة التي حكم فيها بوجوب الحج متسكعا و الدليل عليه ليس هي الآية و الأدلة الدالة على وجوب الحج على المستطيع لان ظاهرها مدخلية الاستطاعة في الوجوب- حدوثا و بقاء- كسائر العناوين الظاهرة في ذلك مثل عنواني «المسافر و الحاضر» بل الدليل هي النصوص الواردة في التسويف و التأخير إلى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 339

..........

______________________________

آخر العمر الظاهرة في الحرمة و انه موجب لترك شريعة من شرائع الإسلام أو ان تاركه يموت يهوديا أو نصرانيا أو انه يحشر يوم القيامة أعمى فإن مفادها لزوم الإتيان به ما دام لم يمت و ان زالت الاستطاعة فلا إشكال في هذه الصورة بل لا خلاف من حيث الفتوى أيضا.

الثالثة: الصورة الثانية مع استلزامها للحرج، مقتضى القاعدة مع ملاحظة دليل نفى الحرج عدم الوجوب في هذه الصورة لكن ربما يقال بوجوبه و يمكن ان يستدل عليه بوجوه:

الأول: الإجماع لأن الظاهر من كلمات الأصحاب هو التسالم على وجوب الحج متسكعا على من استقر عليه الحج إلا إذا انتفى أصل القدرة.

و الجواب عنه- مضافا الى المناقشة

في الصغرى نظرا إلى انه لو كان نظرهم الى وجوب الحج حتى مع الحرج لكان اللازم التصريح به خصوصا مع ما هو المغروس في الأذهان مع ملاحظة قاعدة نفى الحرج التي هي حاكمة على الأدلة الأولية- منع الكبرى بعد احتمال استناد المجمعين الى بعض الوجوه الآتية كما مرّ مرارا.

الثاني: انه أوقع نفسه بسوء اختياره في هذا المحذور.

و الجواب عنه عدم كونه بمجرده دليلا على الوجوب في صورة الحرج فإنه لو كان هناك دليل على الوجوب لكان الوجه المذكور صالحا لتوجيهه و قابلا لتقريبه و اما مع عدم الدليل المذكور فلا يكون هذا الوجه بمجرده دليلا عليه كما لا يخفى خصوصا مع ملاحظة عدم اختصاص قاعدة الحرج بما إذا لم يكن الحرج ناشيا من المكلف و بسوء اختياره الثالث: الروايات المتقدمة الواردة في الاستطاعة البذلية الدالة على انه ليس له ان يستحيي بل يجب عليه الخروج الى الحج و لو على حمار أجدع أبتر مع دعوى كون الاستطاعة المالية كالبذلية.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 340

..........

______________________________

و الجواب عنه انه قد تقدم انه يجرى في الروايات احتمالان:

أحدهما ان يكون المراد وجوب الحج في عام الاستطاعة البذلية و لو كان المبذول له حمارا أجدع أبتر ففي الحقيقة تدل على سعة دائرة البذل في الاستطاعة البذلية ثانيهما ان يكون المراد وجوب الحج بعد زوال الاستطاعة البذلية و ان كان على حمار كذلك ففي الحقيقة تكون ناظرة الى من استقر عليه الحج بالاستطاعة البذلية و الظاهر ان كلا من الاحتمالين يؤيده بعض الروايات الأخر فراجع.

فان كان المراد الاحتمال الأول فلا ارتباط لهذه الروايات بالمقام أصلا و ان كان المراد هو الاحتمال الثاني فالجواب ان الحج

على حمار كذلك لا يكون مستلزما للحرج دائما أو نوعا بل قد يكون مستلزما و قد لا يكون كذلك و في هذه الصورة يكون إطلاقها محكوما بقاعدة نفى الحرج فلا مجال للاستدلال بهذه الروايات.

الرابع: رواية أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قول اللّٰه- عز و جل- وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال يخرج و يمشي ان لم يكن عنده قلت لا يقدر على المشي؟ قال يمشى و يركب، قلت لا يقدر على ذلك أعني المشي؟ قال يخدم القوم و يخرج معهم. «1».

و الاستدلال بهذه الرواية مع الإغماض عن سندها- لضعفه بعلى بن أبي حمزة البطائني الراوي عن أبي بصير- مبنى على دعوى كون الرواية واردة في مورد الاستقرار و على دعوى كون خدمة القوم مستلزمة للحرج و كلتا الدعويين ممنوعة:

أما الأولى فلأجل كونها واردة في مقام الجواب عن سؤال تفسير الآية الدالة على وجوب أصل الحج مع الاستطاعة و قد عرفت ان الآية لا دلالة لها على وجوب الحج في صورة الاستقرار لظهورها في كون عنوان «المستطيع» دخيلا- حدوثا و بقاء- فلا مجال لحمل الرواية على بيان حكم الاستقرار أصلا نعم تكون الرواية معرضا عنها كما مر

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الحادي عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 341

..........

______________________________

و اما الثانية فلمنع كون الخدمة مستلزمة للحرج دائما فإنها قد تكون حرجية و قد لا تكون كذلك و مع الإطلاق يلزم التقييد بقاعدة نفى الحرج كما عرفت.

الخامس الروايات الكثيرة الدالة على ان من ترك الحج مع الاستطاعة من دون عذر فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام أو

انه يحشر يوم القيامة أعمى أو انه يموت يهوديا أو نصرانيا و الجواب ان مقتضى إطلاق هذه الروايات و ان كان هو الوجوب في صورة الحرج أيضا الا انه لا بد من رفع اليد عن الإطلاق بسبب قاعدة نفى الحرج كما في سائر أدلة التكاليف.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم يقم دليل على الوجوب في صورة الحرج و قد عرفت انه لم يقع التصريح بالوجوب فيها بل يستفاد من إطلاق الكلمات أو عمومها مع انه لو كان مرادهم الشمول لكان ينبغي التصريح بذلك كما عرفت.

ثم ان ما ذكرنا انما هو بالنسبة إلى وجوب الإتيان بالحج إذا استقر عليه و اما بالإضافة إلى وجوب القضاء عنه لو مات و لم يأت به فنقول:

يمكن الاستدلال على الوجوب بأنه دين يجب أدائه من تركته لو كانت له تركة و الدليل على كونه دينا التعبير بكلمتي «اللام و على» في الآية الشريفة الظاهرة في انه من حقوق اللّٰه تبارك و تعالى على المستطيع كما هو الشائع في التعبير عن الدين فيقال لزيد على عمر و كذا و لم يقع التعبير بذلك في الكتاب في مثل الصلاة و الصيام و لعل الوجه فيه الدلالة على أهمية الحج خصوصا بالإضافة إلى جانبه الاجتماعى و اشتماله على اجتماع المسلمين من جميع أقطار العالم و يترتب على هذا الاجتماع فوائد كثيرة و نتائج هامة و الاطلاع على مشاكل المسلمين و الاقدام على رفعها و التوانس و الارتباط بينهم مع ما فيه من ظهور عظمة الإسلام و شوكة المسلمين و لأجله يكون تحمله شاقا على من لا يتحمل الإسلام و يأبى عن نفوذه و شيوعه من الزعماء و الحاكمين و بعد

ان امتنع عليهم منع المسلمين و صدهم عن الاجتماع المذكور سعوا في ان لا يترتب عليه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 342

..........

______________________________

فوائده الاجتماعية و لا يرتبط المسلمون بعضهم مع بعض في الجهات السياسية و المشاكل التي أوقعهم الاستعمار فيها و لأجله اختاروا لحكومة الحرمين من كان عبدا لهم لا يطيع اللّٰه بل يطيع الطاغوت و الشيطان و اقدروه كمال القدرة للصد عن وصول المسلمين الى الاهداف المهمة الاجتماعية المترتبة على الحج و أمروه بالمقاومة و لو كانت متوقفة على قتل المئات من الحجاج الذين كان أكثرهم من الشيوخ و الكبار من الرجال و النساء جنب مسجد الحرام فجعلوا قوله تعالى «وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً» تحت أقدامهم و اختاروا عبادة الطاغوت و الشيطان في لباس خدمة الحرمين و ذكروا لتوجيه ذلك بعد ان لم يكن لهم وجه ما يضحك به الثكلى و يشهد بكذبه من كان له ادنى حظ من الفهم و العقل.

و كيف كان يمكن استفادة وجوب القضاء الذي هو بمعنى أداء الدين بعد الموت من نفس التعبير في الآية الشريفة و لو أغمض النظر عنه يدل على ذلك روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و يترك مالا قال: عليه ان يحج من ماله رجلا صرورة لا مال له «1» و السؤال فيها يحتمل ان يكون مطلقا شاملا لمن لم يستطع أصلا أيضا و يمكن ان يكون مختصا بخصوص المستطيع الذي استقر عليه الحج و لم يأت به و على كلا التقديرين دليل على الوجوب في المقام.

و منها: رواية محمد بن مسلم قال: سألت

أبا جعفر- عليه السّلام- عن رجل مات و لم يحج حجة الإسلام يحج عنه؟ قال: نعم. «2».

و منها: رواية أخرى له قال: سألت أبا جعفر- ع- عن رجل مات و لم يحج حجّة الإسلام و لم يوص بها أ يقضي عنه؟ قال: نعم. «3» و الظاهر اتحادها مع الرواية

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح- 2

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 343

..........

______________________________

السابقة خصوصا مع كون الراوي عن محمد بن مسلم في كلتيهما هو عاصم بن حميد و الراوي عنه كذلك هو النضر بن سويد.

و منها: رواية رفاعة قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها، أ يقضي عنه؟ قال نعم. «1».

ثم انه لو فرض ثبوت الإطلاق لهذه الروايات من جهة شمولها لغير المستطيع فضلا عن المستطيع الذي لم يستقر عليه الحج فتارة يتمسك في تقييدها بالإجماع بل الضرورة على عدم وجوب قضاء الحج عن غير المستطيع و الإجماع ظاهرا على عدم وجوب قضائه عن المستطيع الذي لم يستقر عليه و اخرى يتمسك في التقييد بالروايات الدالة عليه فنقول:

اما التقييد من الجهة الأولى الراجعة الى عدم الشمول لغير المستطيع فيدل عليه روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل توفى و اوصى ان يحج عنه قال ان كان صرورة فمن جميع المال انه بمنزلة الدين الواجب و ان كان قد حج فمن ثلثه، و من

مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الّا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم أحق بما ترك فان شاءوا أكلوا، و ان شاءوا حجوا عنه. «2»

و الظاهر ان المراد بنفقة الحمولة هي نفقة الحج كما وقع التعبير بها في بعض الروايات الآتية و مورد الجملة الأخيرة هو غير المستطيع لانه وقع التعرض لحكم المستطيع في الجملتين الأوليين: الاولى بالإضافة إلى المستطيع الذي لم يحج و الثانية بالإضافة إلى المستطيع الذي حج حجة الإسلام و كانت وصيته هو الحج التطوعى و عليه فمورد الجملة الثالثة لا محالة يكون غير المستطيع و مفاد الرواية عدم لزوم الحج عنه.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح- 6

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 344

..........

______________________________

و مثلها: رواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحج و له ورثة قال: هم أحق بميراثه ان شاءوا أكلوا و ان شاءوا حجوا عنه. «1»

و منها: صحيحة بريد العجلي قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج حاجا و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق قال: ان كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام، و ان كان مات و هو صرورة قبل ان يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام فإن فضل من ذلك شي ء فهو للورثة ان لم يكن عليه دين، قلت أ رأيت ان كانت الحجة

تطوعا ثم مات في الطريق قبل ان يحرم لمن يكون جمله و نفقته و ما معه؟ قال يكون جميع ما معه و ما ترك للورثة الا ان يكون عليه دين فيقضى عنه أو يكون أوصى بوصية فينفذ ذلك لمن اوصى له و يجعل ذلك من ثلثه. «2»

و اما التقييد من الجهة الثانية الراجعة إلى الاختصاص بالمستطيع الذي استقر عليه الحج فيدل عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألني رجل عن أمرية توفيت و لم تحج فأوصت أن ينظر قدر ما يحج به فان كان أمثل أن يوضع في فقراء ولد فاطمة عليها السّلام وضع فيهم و ان كان الحج أمثل حج عنها فقلت له: ان كان عليها حجة مفروضة فأن ينفق ما أوصت به في الحج أحب الىّ من ان يقسم في غير ذلك «3» فان الظاهر من قوله: أحب هو اللزوم و المحبوبية التعينية كما في قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ و عليه فمفاد الرواية لزوم قضاء الحج عنها إذا كان عليها حجة مفروضة و من الواضح اختصاص هذا العنوان بخصوص المستطيع الذي

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع عشر ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح- 2

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و الستون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 345

..........

______________________________

استقر عليه الحج لان الموت مع عدم الاستقرار كاشف عن عدم الوجوب و عدم كون الحجة مفروضة.

فقد ظهر من جميع ذلك ان مقتضى الجمع بين الروايات لزوم قضاء الحج عمن استقر عليه الحج و الظاهر انه لا فرق

في ذلك بين من تمكن من الإتيان بالحج و لم يأت به عصيانا كما هو المفروض في المقام أو حرجا و بين من لم يتمكن من الإتيان به أصلا كما ان الظاهر صحة التبرع عنه لانه بعد فرض كون الحج بمنزلة الدين الواجب و قد عرفت ظهور تعبير الآية في ذلك يجرى عليه حكم الدين من هذه الجهة أيضا فيصح التبرع عنه كما في الدين فتدبر مضافا الى دلالة بعض الروايات على صحة التبرع.

المقام الثاني: فيما يتحقق به الاستقرار و الظاهر كما حكى عن المدارك ان عنوان الاستقرار لا يكون في شي ء من الروايات بل هو اصطلاح فقهي و قد وقع الخلاف فيما يتحقق به على أقوال:

منها: ما هو المشهور- نقلا و تحصيلا كما في الجواهر- من ان ما يتحقق به الاستقرار الذي يترتب عليه أحكامه عبارة عن مضى زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعاله مستجمعا للشرائط و هو الى اليوم الثاني عشر من ذي الحجة.

و منها: ما اختاره في المهذب و احتمله الشهيد من انه مضى زمان يمكن فيه الإتيان بالأركان جامعا للشرائط فيكفي بقائها إلى مضى جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان و السعي.

و منها: ما احتمله العلامة في محكي القواعد من انه عبارة عن مضى زمان يتمكن فيه من الإحرام و دخول الحرم.

و منها: ما ذكره السيد- قده- في العروة بقوله: و ربما يقال باعتبار بقائها إلى عود الرفقة. و ربما يستفاد ذلك مما ذكره في التذكرة من ان من تلف ماله قبل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 346

..........

______________________________

عود الحجاج و قبل مضى إمكان عودهم لم يستقر الحج في ذمته لأن نفقة الرجوع لا بد

منها في الشرائط.

و منها: ما هو ظاهر المدارك و صريح المفاتيح و شرحه و استقر به صاحب المستند على ما حكى عنهم من كفاية وجودها حين خروج الرفقة فلو أهمل استقر عليه و ان فقدت بعد ذلك لانه كان مأمورا بالخروج معهم.

و منها: ما اختاره الماتن- قدس سره- و السيد- قده- في العروة من انه يتحقق الاستقرار ببقائها إلى زمان يمكن فيه العود الى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة المالية و البدنية و السربية و اما بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقائه إلى آخر الاعمال.

و الظاهر ان المراد بمثل العقل هي الحيات.

أقول: اما القول بكفاية وجود الشرائط حين خروج الرفقة معللا بأنه كان مأمورا بالخروج معهم فيرد عليه ان الجامع للشرائط إلى حين الخروج تارة يعلم ببقائها إلى آخر الاعمال و الفراغ عنها و اخرى يعلم بانتفائها- كلا أو بعضا- في أثناء الأعمال و ثالثة يشك في البقاء و الانتفاء ففي الصورة الاولى يكون امره بالخروج مع الرفقة أمرا واقعيا مقدميا على القول بوجوب المقدمة و ثبوت الملازمة بينه و بين وجوب ذي المقدمة و في الصورة الثانية لا يكون مأمورا بالخروج أصلا لأنه يعلم بعدم وجوب الحج عليه فكيف تجب مقدمته و هي الخروج و في الصورة الثالثة يكون مأمورا بالخروج امرا ظاهريا مقدميا لان وجوب ذي المقدمة انما هو مستند الى استصحاب بقاء الشرائط و عدم انتفائها في أثناء الاعمال فهو وجوب ظاهري فوجوب الخروج أيضا كذلك.

و حينئذ نقول- بعد كون المفروض في كلام القائل هي الصورة الثالثة- انه ان كان المراد بالاستقرار الذي يتحقق عند القائل بما ذكره هو الاستقرار الواقعي فيرد عليه ان الأمر الظاهري بالخروج لا يحقق الاستقرار الواقعي، و ان

كان المراد هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 347

..........

______________________________

الاستقرار الظاهري فيرد عليه ان الاستقرار الظاهري لا يترتب عليه الأثر لأن الملاك في الاستقرار الذي يوجب الحج و لو متسكعا و القضاء عنه بعد الموت هو استكمال الشرائط و استجماعها ثم الإهمال و المسامحة و من الواضح انه لا بد من الرجوع الى أدلة الشرائط و الوصول الى مفادها و الظاهر ان أدلة الشرائط تدل على جهتين:

إحديهما: ان الشرائط المعتبرة أمور واقعية و لها مع هذا الوصف مدخلية في الوجوب و التكليف و عليه فاجتماعها بمقتضى الاستصحاب لا يؤثر إلّا في ثبوت الوجوب الظاهري ثانيتهما: ان الشرائط دخيلة في التكليف حدوثا و بقاء و لا يتحقق التكليف الواقعي بمجرد حدوثها فقط و عليه فإذا لم يخرج مع الرفقة و زالت الشرائط- كلا أو بعضا- بعد خروجها قبل زمان الحج أو في أثناء الاعمال يكشف ذلك عن عدم الوجوب بحسب الواقع لما عرفت من مدخليتها في البقاء كالحدوث فلا وجه لوجوب الحج عليه بعد ذلك مع التسكع و لا لوجوب القضاء عنه بعد الموت كما انه يظهر ان مخالفته للأمر بالخروج لا تكون الّا مجرد التجري من دون ان يكون بحسب الواقع مأمورا بالخروج فهذا القول لا مجال للالتزام به أصلا.

و اما: ما احتمله العلامة في القواعد من انه عبارة عن مضى زمان يتمكن فيه من الإحرام و دخول الحرم فان كان مستنده القواعد و أدلة اعتبار الشروط فقد عرفت ان مقتضاها اعتبار بقاء الشرائط إلى آخر الاعمال و تمامية الحج و لا يستفاد منها خصوصية للإحرام و دخول الحرم، و ان كان مستنده الروايات الدالة على ان من مات بعد

الإحرام و دخول الحرم يجزى ذلك عن حجة الإسلام كصحيحتي بريد العجلي و ضريس المتقدمتين ففيه ان موردهما كما مر الكلام فيه خصوص من استقر عليه الحج قبل ذلك و لا تشملان من لم يستقر عليه بقرينة التعبير بالاجزاء و القضاء فيهما فلا ارتباط لهما بالمقام مع انه على فرض العموم و الشمول يختص ذلك بالموت و لا يتعدى منه الى غيره فهل زوال الاستطاعة بعد الإحرام و دخول الحرم لا ينافي اتصاف الحج

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 348

..........

______________________________

بكونه حجة الإسلام؟! من المعلوم انه لا يمكن الالتزام به فهذا الاحتمال لا مجال له أيضا و اما: ما اختاره في المهذب و احتمله الشهيد فيرد عليه- مضافا الى ان عدّ طواف النساء من جملة الأركان مع ان أصل جزئيته محل اشكال فضلا عن ركنيته لا وجه له- ان تخصيص اعتبار بقاء الشرائط بخصوص الأركان لا دليل عليه فان مقتضى أدلة الشرائط اعتبار بقائها في مجموع العمل و لا خصوصية للأركان من هذه الجهة بعد عدم قيام الدليل عليه.

و اما ما ذكره المشهور فالظاهر ان الحد المذكور في الذيل و هو الى اليوم الثاني عشر من ذي الحجة لا يكون مذكورا في كلام المشهور بل إنما أضاف إليه مثل السيد- قده- في العروة نظرا الى ان تمامية الحج انما تتحقق في اليوم المذكور و عليه فلو لم يكن المبيت بمنى من أفعال الحج لا يكون ذلك اشكالا على المشهور فإنهم ذكروا ان ما يتحقق به الاستقرار عبارة عن مضى زمان يمكن ان يقع فيه الحج مستجمعا للشرائط في حال الاختيار و اللازم ملاحظة أعمال الحج و ان اىّ عمل يكون

جزء له و اىّ عمل لا يكون كذلك.

و الظاهر ان كلام المشهور مطابق للقاعدة و أدلة الشرائط من دون فرق بين الحياة و العقل و بين غيرهما من الشرائط كالاستطاعة بأنواعها الأربعة و ذلك لما عرفت من ظهورها في اعتبارها في جميع أفعال الحج و لا فرق بين الأركان و غيرها و اما نفقة العود و الإياب بناء على اعتبارها فاللازم و ان كان وجودها حين الأعمال الا انه لا دليل على اعتبار بقائها بعد تمامية الحج بحيث لو تلفت قبل عود الحاج يكشف ذلك عن عدم وجوب الحج عليه من الأول و كذا لو مرض بعد الفراغ عن الحج مرضا يشق معه السفر و لذا اعترض صاحب المدارك على ما قاله العلامة في التذكرة من العبارة المتقدمة بأن فوات الاستطاعة بعد الفراغ من أفعال الحج لم يؤثر في سقوطه قطعا و الا لوجب اعادة الحج مع تلف المال في الرجوع أو حصول المرض الذي يشق معه السفر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 349

..........

______________________________

و هو معلوم البطلان و ان ناقش فيه صاحب الجواهر بقوله بعد نقل ما في المدارك قلت قد يمنع معلومية بطلانه بناء على اعتبار الاستطاعة ذهابا و إيابا في الوجوب.

و بما ذكرنا يندفع الاشكال على المشهور و محصل الاشكال ان نفقة العود و الإياب ان كانت ملحوظة بنحو الشرطية لوجوب الحج فاللازم ان يكون ذهابها بعد الفراغ عن اعمال الحج قبل مضى زمان يمكن فيه العود كاشفا عن عدم وجوب الحج لانتفاء شرطه و ان لم يكن كاشفا عن ذلك بل كان غير مناف للوجوب و لوقوع الحج حجة الإسلام فما معنى شرطية نفقة العود و

اعتبارها في الوجوب كما لا يخفى.

و يندفع الاشكال المزبور بأن ثمرة الشرطية و فائدة الاعتبار انه لو لم تكن له هذه النفقة عند ارادة الحج لا يجب عليه الحج و الخروج اليه و كذا لو علم عند ارادة الحج بسرقة النفقة المزبورة بعد الفراغ عن الحج قبل مضى الزمان المذكور و اما كون ذهابها في الزمان المذكور كاشفا عن عدم وجوب الحج من الأول فلا و السرّ في ذلك ان عمدة الدليل على اعتبار نفقة العود هي قاعدة «لا حرج» و مقتضاها باعتبار ورودها في مقام الامتنان عدم الوجوب مع انتفائها من الأول أو مع العلم به بعد الفراغ قبل مضى الزمان المذكور و اما انتفائها بعد وجودها من الأول فلا يكون مقتضى القاعدة الكشف عن عدم الوجوب بعد عدم ثبوت الامتنان في هذه الصورة لأنه لا مجال لثبوته بلحاظ الحكم بعدم كون حجه الذي اتى به حجة الإسلام و يجرى ذلك بالإضافة إلى الرجوع الى الكفاية فإنه لو فرض تلفها بعد الرجوع بلا فصل لا يكون ذلك كاشفا عن عدم وجوب حجه و ان كان شرطا في الوجوب كما مرّ.

و مما ذكرنا من تأييد كلام المشهور يظهر توجه الاشكال على ما في المتن و العروة من اعتبار مضى زمان يمكن معه العود بالإضافة إلى استجماع الشرائط فإنك عرفت ان لازم الشرطية ليس هو اعتبار البقاء الى الزمان المذكور مضافا الى انه يرد عليهما انه ما الفرق بين نفقة العود و بين الرجوع الى الكفاية حيث اعتبر مضى زمان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 350

..........

______________________________

يمكن فيه العود بالإضافة إلى نفقة العود و لم يعتبر شي ء بالنسبة إلى الرجوع الى

الكفاية فانقدح ان الحق في المسألة ما عليه المشهور.

ثم انه تعرض في العروة في ذيل مسألة الاستقرار لأمرين:

أحدهما ان هذا- يعنى اعتبار بقاء الشرائط إلى مضى الزمان المذكور- إذا لم يكن فقد الشرائط مستندا الى ترك المشي و الا استقر عليه كما إذا علم انه لو مشى الى الحج لم يمت أو لم يقتل أو لم يسرق ماله- مثلا- فإنه- ح- يستقر عليه الوجوب لأنه بمنزلة تفويت الشرط على نفسه و اما لو شك في ان الفقد مستند الى ترك المشي أولا فالظاهر عدم الاستقرار للشك في تحقق الوجوب و عدمه واقعا.

أقول: اما أصل ما افاده من انحصار اعتبار بقاء الشرائط بما إذا لم يكن فقد الشرائط مستندا الى ترك المشي و الا استقر عليه فالدليل عليه ما افاده من انه بمنزلة تفويت الشرط على نفسه فهو كما لو أتلف الاستطاعة بيده فإنه لا يمنع عن وجوب الحج عليه.

و اما ما افاده من الحكم بعدم الاستقرار في صورة الشك للشك في تحقق الوجوب و عدمه واقعا فيرد عليه ان لازمة الحكم بعدم الوجوب فيما لو احتمل انتفاء الاستطاعة- مثلا- قبل الشروع في الأعمال أو في أثنائها لان الاستطاعة شرط للوجوب و الشك في الشرط شك في المشروط فتجري أصالة البراءة عن الوجوب مع انه لا مجال لجريانها و الحكم بعدم الوجوب لان مقتضى الاستصحاب بقاء الاستطاعة و ثبوت الوجوب و لو ظاهرا فهو نظير الشك في القدرة فإنه لا يجوز تفويت الواجب بمجرده و لا يجوز للعبد الاحتجاج على المولى في مخالفة التكليف بالشك في القدرة على المكلف به بل لا بد من إحراز عدمها و ثبوت العجز عن موافقته و المقام من هذا القبيل

فإنه لا يكون الشك في استناد الفقد الى ترك المشي أو غيره عذرا في مخالفة التكليف بل اللازم إحراز عدم الاستناد الى غيره كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 351

..........

______________________________

ثانيهما التفكيك بين الاستقرار و بين الاجزاء قال في العروة بعد معنى الاستقرار:

«هذا بالنسبة إلى استقرار الحج لو تركه و اما لو كان واجدا للشرائط حين المسير فسار ثم زال بعض الشرائط في الأثناء فأتمّ الحج على ذلك الحال كفى حجه عن حجة الإسلام إذا لم يكن المفقود مثل العقل بل كان هو الاستطاعة البدنية أو المالية أو السربية و نحوها على الأقوى.

أقول: اللازم هو التفصيل في الشرائط غير العقل و الحيات فان كان الدليل على اعتبارها الأدلة الدالة على مدخليتها في الوجوب من الروايات الخاصة سيما الواردة منها في تفسير الاستطاعة المأخوذة في الآية الشريفة فاللازم بمقتضى مدخليتها- حدوثا و بقاء- كون انتفائها في أثناء الاعمال كاشفا عن عدم الوجوب فإذا انتفت الاستطاعة المالية في أثناء الاعمال بحيث تقع بقية الاعمال خالية عن الاستطاعة فلا مجال للحكم بالوجوب و كون حجه حجة الإسلام.

و ان كان الدليل على اعتبارها هي المزاحمة و أهمية الواجب الآخر على الحج كحفظ النفس و أداء الدين- مثلا- فعدم رعايتها من الأول غير قادح في الصحة فضلا عن انتفائها في الأثناء كما لا يخفى.

و ان كان الدليل هي قاعدة نفى الحرج مثل نفقة العود فانتفائها في الأثناء لا يوجب البطلان بمعنى الخروج عن كونه حجة الإسلام كانتفائها بعد الاعمال قبل مضى زمان يمكن فيه العود لما عرفت من عدم اقتضاء القاعدة بالإضافة الى بعد الأعمال أو في الأثناء شيئا ينافي الامتنان فالحق في هذا

الأمر هو التفصيل الذي عرفت.

بقي الكلام في أصل المسألة فيما وقع التعرض له في المتن في الذيل و هو ما لو استقر عليه العمرة فقط أو الحج فقط كما في حج القران و الافراد و قد صرح في الجواهر بأنه قد تستقر العمرة وحدها و قد يستقر الحج وحده و قد يستقران و الوجه في ذلك ان كلا من الحج و العمرة في القران و الافراد واجب مستقل يجب مع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 352

[مسألة- 55 تقضى حجة الإسلام من أصل التركة ان لم يوص بها]

مسألة- 55 تقضى حجة الإسلام من أصل التركة ان لم يوص بها سواء كانت حج التمتع أو القران أو الافراد أو عمرتهما، و ان اوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو الثلث فكذلك أيضا، و لو اوصى بإخراجها من الثلث وجب إخراجها منه، و تقدمت على الوصايا المستحبة و ان كانت متأخرة عنها في الذكر، و ان لم يف الثلث بها أخذت البقية من الأصل، و الحج النذري كذلك يخرج من الأصل، و لو كان عليه دين أو خمس أو زكاة و قصرت التركة فإن كان المال المتعلق به الخمس أو الزكاة موجودا قدما فلا يجوز صرفه في غيرهما، و ان كانا في الذمة فالأقوى توزيعه على الجميع بالنسبة فإن وفت حصة الحج به فهو و الا فالظاهر سقوطه، و ان وفت ببعض أفعاله كالطواف فقط- مثلا- و صرف حصته في غيره، و مع وجود الجميع

______________________________

الاستطاعة إليه وحده دون الأخر و هذا بخلاف حج التمتع الذي لا يكون مع عمرته الا واجبا واحدا و الاستطاعة المعتبرة ملحوظة بالنسبة إلى المجموع و كيف كان فالدليل على وجوب الإتيان بحج القران و الافراد

بعد الاستقرار و وجوب القضاء بعد الموت هي الروايات المتقدمة الواردة في مورد استقرار حجة الإسلام فإن حجة الإسلام عنوان عام شامل لأقسام الحج بأجمعها و لا اختصاص له بحج التمتع فنفس الروايات المتقدمة شاملة لحج القران و الافراد أيضا.

و اما العمرة المفردة فيمكن ان يقال بأنها جزء من حجة الإسلام و ان كان عملا مستقلا فتشملها أيضا الروايات المتقدمة أيضا و لو نوقش في ذلك فيدل على وجوب القضاء عنه الذي هو لازم وجوب أدائه مع التسكع صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا أحصر الرجل بعث بهديه الى ان قال: قلت فان مات و هو محرم قبل ان ينتهي إلى مكة قال: يحج عنه ان كان حجة الإسلام و يعتمر انما هو شي ء عليه «1» فان قوله- عليه السّلام- و يعتمر ظاهر في وجوب قضاء العمرة كقضاء حجة الإسلام و التعليل دليل على وجوب أدائه على المكلف في حال الحياة و لو مع التسكع.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 353

توزع عليها، و ان وفت بالحج فقط أو العمرة فقط ففي مثل حج القران و الافراد لا يبعد وجوب تقديم الحج، و في حج التمتع فالأقوى السقوط و صرفها في الدين. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة وقع التعرض لفروع أيضا: الأول: أنه في صورة استقرار الحج التي يجب القضاء عنه بعد الموت هل يكون قضائها من أصل التركة مع عدم الوصية بها أم لا و البحث في هذا الفرع انما هو بعد الفراغ عن أصل وجوب القضاء عمن استقر عليه الحج فلا وجه للتعرض للروايات الدالة

على أصل الوجوب في هذا المقام كما في بعض شروح العروة و نقول:

اما الفتاوى في هذا الفرع فقد قال في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بيننا بل الإجماع بقسميه عليه» و قد ادعى الإجماع في بعض الكتب أيضا و اما الدليل فهو عبارة عن جملة من الروايات المعتبرة:

منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال: يقضى عن الرجل حجة الإسلام من جميع ماله. «1»

و منها موثقة سماعة بن مهران قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها و هو موسر فقال: يحج عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك. «2»

و منها صحيحة بريد العجلي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال سألته عن رجل استودعني مالا و هلك و ليس لولده شي ء و لم يحج حجة الإسلام قال: حج عنه و ما فضل فأعطهم. «3»

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح- 3

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح- 4

(3) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الثالث عشر ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 354

..........

______________________________

و ربما يقال بأنه تعارض هذه الروايات صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل توفى و اوصى ان يحج عنه قال ان كان صرورة فمن جميع المال انه بمنزلة الدين الواجب، و ان كان قد حج فمن ثلثه، و من مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم أحق بما ترك فان شاءوا أكلوا، و ان

شاءوا حجوا عنه «1» و الرواية و ان كان موردها الوصية و البحث انما هو مع عدمها لكن التعليل بقوله- عليه السّلام- انه بمنزلة الدين الواجب عام يشمل صورة عدم الوصية أيضا كالدين.

و قد أجيب عن التعارض بوجهين:

أحدهما: ما في «المستمسك» من وجود التعارض في نفس الرواية بين صدرها و ذيلها فان صدرها صريح في إخراجه من الأصل و ذيلها ظاهر في خلاف ذلك فلا بدّ من طرحه أو تأويله.

ثانيهما: ما في شرح بعض الاعلام على العروة من ان المراد من الذيل بقرينة الصدر الصريح في إخراجه من الأصل ان ما تركه من المال لا يفى بمصارف الحج و انما يفى بمقدار الحمولة و اجرة الحمل و الركوب فح لا يجب القضاء عنه لعدم وفاء المال فيرجع المال إلى الورثة فإن شاءوا حجوا عنه من مالهم.

و لكن الظاهر بطلان كلا الوجهين و الوجه فيه عدم الوصول الى معنى الرواية اما الوجه الأول فقد عرفت فيما سبق ان مورد ذيل الرواية بقرينة الجملتين الأولتين صورة عدم الاستقرار و عدم الاستطاعة فلا تعارض بين الصدر الصريح في وجوب القضاء و الذيل الظاهر في عدم الوجوب أصلا.

و اما الوجه الثاني فالظاهر ان المراد من قدر نفقة الحمولة هو قدر نفقة الحج و الشاهد عليه- مضافا الى ان الظاهر من قوله: «ان شاءوا حجوا عنه» هو الحج عنه من

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 355

..........

______________________________

ماله لا من أموالهم رواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الا

قدر نفقة الحج و له ورثة قال هم أحق بميراثه ان شاءوا أكلوا و ان شاءوا حجوا عنه. «1»

و لو أبيت إلا عن كون المراد من قدر نفقة الحمولة غير قدر نفقة الحج فيقال على هذا الوجه بوقوع المعارضة بين هذه الرواية و الروايات المتقدمة و لكن الحق ما عرفت من عدم وقوع التعارض بوجه لاختلاف الموردين و من الواضح ان كون ما ترك بمقدار نفقة الحج لا يلازم الاستطاعة في حال الحياة كما لا يخفى.

الفرع الثاني: ما لو اوصى بحجة الإسلام من غير تعيين كونها من الأصل أو من الثلث و حكمه- كما في المتن- كالفرع الأول و هو القضاء عن أصل التركة و يدل عليه- مضافا الى إمكان دعوى الأولوية فإنه فيما إذا لم يكن هناك وصية إذا كان الواجب الإخراج من الأصل لكان ثبوت هذا الحكم مع الوصية المطلقة بطريق أولى- صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل توفى و اوصى ان يحج عنه قال: ان كان صرورة فمن جميع المال انه بمنزلة الدين الواجب و ان كان قد حج فمن ثلثه الى آخر الحديث. «2»

ثم لا يخفى اتحاد هذه الرواية مع صحيحة معاوية بن عمار المذكورة في الوسائل بعد هذه الرواية مع فصل رواية أخرى و لا تعدد بين الروايتين قال فيها: معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال سألت عن رجل مات و اوصى ان يحج عنه قال ان كان صرورة حج عنه من وسط المال و ان كان غير ضرورة فمن الثلث. «3»

بل الظاهر اتحادها مع الرواية الفاصلة و هي رواية حارث بيّاع الأنماط انه سئل

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج

و شرائطه الباب الرابع عشر ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح- 4

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 356

..........

______________________________

أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل اوصى بحجة فقال ان كان صرورة فهي من صلب ماله انما هي دين عليه و ان كان قد حج فهي من الثلث. «1» وجه الاتحاد ظهور كون السائل المجهول في هذه الرواية هو معاوية بن عمار في الروايتين و بالجملة الحكم في الفرع واضح.

الفرع الثالث: ما لو اوصى بإخراج حجة الإسلام من الثلث فتارة يكون مع الحج وصايا اخرى مستحبة كالصدقة و بناء المسجد- مثلا- و اخرى لا يكون و على كلا التقديرين فتارة يكون الثلث وافيا بما اوصى به و اخرى لا يكون.

فان كان وافيا فلا إشكال في الحكم و انه يجب العمل بالوصية و الإخراج من الثلث و ان لم يكن وافيا ففيه صورتان:

الاولى: ما إذا كان مع الحج وصايا اخرى مستحبة و البحث في حكمه تارة من جهة ان مقتضى القاعدة ما ذا و اخرى من جهة الروايات الواردة في المقام.

اما من جهة القاعدة فربما يقال بان مقتضاها لزوم تقسيم الثلث بينها بالسوية و ما دل على خروج الحج من أصل المال انما هو فيما إذا لم يوص به و اما إذا اوصى به و بغيره كالصدقة و العتق يخرج الحج من الثلث و يصرف ثلث الثلث و هو التسع في الحج فان الصرف تابع لجعل الموصي فإن كان ثلث الثلث غير واف بالحج يكمل من أصل المال فكأنه بالنسبة إلى الحج لم يوص

و ليس المقام من باب المزاحمة حتى نقول بتقدم الحج لأهميته بل وجوبه من باب الإيصاء.

كما انه ربما يقال بان مقتضى القاعدة هو تقديم الحج و ان كان متأخرا عن سائر الوصايا في الذكر لأن حجة الإسلام لما كانت يجب إخراجها على كل حال و ان لم يسعها الثلث لم تصلح المستحبات لمزاحمتها التي لا يجب إخراجها إذا لم يسعها الثلث لأن النسبة بينهما من قبيل نسبة الواجب المطلق الى المشروط يكون الأول رافعا للثاني.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 357

..........

______________________________

و الظاهر ان الرواية الآتية كما انه يستفاد منها حكم هذه الصورة يستفاد منها- بملاحظة التعليل المذكور- مقتضى القاعدة و الا يلزم ان يكون التعليل بأمر تعبدي على خلاف القاعدة و هو خلاف ظاهر التعليل فانتظر.

و اما من جهة الرواية فمقتضى الروايات الكثيرة التي ذكرها في الوسائل في كتاب الحج و في كتاب الوصايا تقديم الحج على غيره من الوصايا المستحبة اما ما أورده في كتاب الحج فروايتان لمعاوية بن عمار و الظاهر اتحادهما و ان كان بينهما اختلاف من جهة نقل تمام القصة و بعضها و المشتملة على التمام ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن زكريا المؤمن عن معاوية بن عمار قال: ان امرأة هلكت و أوصت بثلثها يتصدق به عنها و يحج عنها و يعتق عنها فلم يسع المال ذلك فسئلت أبا حنيفة و سفيان الثوري فقال كل واحد منهما: انظر الى رجل قد حج فقطع به فيقوى به، و رجل قد سعى في فكاك رقبته فبقي عليه شي ء فيعتق و يتصدق بالبقية

فأعجبني هذا القول و قلت للقوم يعني أهل المرأة انى قد سألت لكم فتريدون ان أسأل لكم من هو أوثق من هؤلاء قالوا: نعم، فسئلت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن ذلك فقال: ابدأ بالحج فان الحج فريضة فما بقي فضعه في النوافل قال: فأتيت أبا حنيفة فقلت انى قد سألت فلانا فقال لي: كذا و كذا قال: فقال: هذا و اللّٰه الحق و آخذ به، و القى هذه المسألة على أصحابه، و قعدت لحاجة لي بعد انصرافه فسمعتهم يتطارحونها فقال بعضهم بقول أبي حنيفة الأول فخطأ من كان يسمع هذا و قال سمعت هذا من أبي حنيفة منذ عشرين سنة. «1»

و لا مجال للخدشة في سند الرواية لأن زكريا المؤمن قد وثق بالتوثيق العام لوقوعه في اسناد كتاب كامل الزيارات و اما دلالتها فمضافا الى تصريحها بلزوم البدأة بالحج مع كون الوصية من الثلث يكون التعليل بكون الحج فريضة ظاهرا

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثلاثون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 358

..........

______________________________

في ان مقتضى القاعدة أيضا ذلك فان المراد بالفريضة ليس كونه فريضة على الميت ضرورة انه مع فقد الحياة لا يبقى مجال لبقاء التكليف بل الظاهر من الفرض كونه واجبا على الوارث الإخراج و لو لم يكن هناك وصية كما عرفت في الفرع الأول و ما كان حاله هكذا لا يصلح الوصايا المستحبة للمزاحمة معه فالوجوب من قبل الوصية و ان كان متساوي النسبة إلى الجميع و لا فرق فيه بين الحج و غيره الا ان أهمية الحج باللحاظ المذكور لكونه فرضا مع قطع النظر عن الوصية دون سائر الوصايا تقتضي ترجيحه و

صرف الثلث فيه و لا مجال للتوزيع و التقسيم بالسوية كما لا يخفى.

فالرواية كما انها تدل على أصل الحكم ترشد الى مفاد القاعدة بلحاظ التعليل لما عرفت من عدم كونه بأمر تعبدي على خلاف القاعدة فتدبر.

الصورة الثانية ما إذا لم يكن مع الحج وصية اخرى و الحكم فيه- كما في المتن- من صرف الثلث في الحج و لزوم التكميل من بقية المال و الوجه فيه انه مقتضى الجمع بين ما يدل على وجوب الإخراج من أصل التركة خصوصا مع ما في بعض الروايات من التعليل بأنه بمنزلة الدين الواجب و بين ما يدل على نفوذ الوصية و بعبارة أخرى الوصية بإخراج الحج من الثلث انما تكون نافذة بالإضافة إلى جهة الإثبات و اما بالنسبة إلى جهة النفي و هو عدم صرف ما زاد على الثلث فيه فلا مجال لنفوذها فمقتضى الجمع بين الدليلين المذكورين ما ذكرنا.

الفرع الرابع: حج النذر و الحكم فيه- على ما في المتن- هو الإخراج من أصل التركة أيضا كما في حجة الإسلام و قد استدل على ذلك بوجوه:

الأول: انه دين اللّٰه كما في سائر التكاليف الإلهية و الوظائف الشرعية و قد عبر عن حجة الإسلام كما عرفت مرارا باللام و على في الآية الشريفة و في رواية الخثعمية المتقدمة التعبير عن الحج بأنه دين اللّٰه و الظاهر وقوع التعبير عن الصلاة بذلك في بعض الروايات فإذا ثبت كونه دينا فاللازم إخراج ذلك من الأصل أيضا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 359

..........

______________________________

و الجواب ان ترتيب جميع احكام الدين على مثل حج النذر خصوصا مع عدم وقوع التعبير بالدين فيه و وضوح كونه على تقديره لا يكون على

سبيل الحقيقة بل على نحو المسامحة و العناية ممنوع مضافا الى انصراف الدين في موضوع تلك الاحكام الى دين الناس كما لا يخفى.

الثاني: الإجماع على ان الواجبات المالية تخرج من الأصل.

و فيه: انه على تقدير ثبوت الإجماع و تحققه يكون القدر المتيقن من معقده هي الواجبات المالية النفسية المحضة كالزكاة و الخمس و أمثالهما و لا يشمل مثل الحج الذي يكون المال مقدمة لتحقق مناسكه و اعماله أو يكون مختلطا من المال و غيره الثالث: ما أفاده في «المستمسك» من انه مقتضى الأخذ بمضمون النذر فإنه تمليك للّٰه سبحانه العمل المنذور فإذا كان مملوكا كان دينا فيجب إخراجه من الأصل كسائر الديون و مرجعه الى ان صيغة النذر المتحققة باللام و على ظاهرة في كون المنذور دينا و مملوكا له تعالى على عهدة الناذر و ذمته.

و يرد عليه: انها لا تقتضي كونه كالدين المتعارف بحيث يترتب عليه احكامه لانصراف الدين في موضوعها الى دين الناس و حقهم.

فانقدح انه لم ينهض دليل على إخراج حج النذر من الأصل الّا ان يثبت الإجماع على خصوصه و هو غير معلوم خصوصا مع عدم وقوع التعرض له في كثير من الكلمات.

الفرع الخامس: ما لو كان عليه دين أو خمس أو زكاة و قصرت التركة عن الوفاء بالجميع و الفرض ما لو كان عليه شي ء من هذه الأمور زائدا على حجة الإسلام الثابتة عليه و الّا فلا يرتبط بالمقام و عليه فإيراد الرواية الدالة على التوزيع مع عدم ثبوت الحج في موردها كما في بعض شروح العروة لا وجه له أصلا و كيف كان ففي خصوص مورد ثبوت الخمس أو الزكاة ان كان المال المتعلق به أحدهما موجودا

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 360

..........

______________________________

بعينه فاللازم تقديمه على الحج و لا يجوز صرفه اى صرف مقدار الخمس أو الزكاة في غيرهما من دون فرق بين القول بالإشاعة فيهما المقتضية للتشريك في عين المال واصلة و بين القول بالتشريك في المالية و بين القول بكونهما حقا متعلقا بالمال لأنه في جميع الفروض لا يكون المجموع متعلقا بالميت جائزا له التصرف فيه مطلقا.

و اما لو كان الخمس أو الزكاة متعلقا بالذمة كما في الدين الذي يكون تعلقه بها دائما فالمشهور بينهم ان التركة توزع على الجميع بالنسبة كما في غرماء المفلس و عن الحدائق الميل الى تقديم الحج و عن جواهر القاضي احتماله.

و دليل المشهور ثبوت الجميع على العهدة و عدم الترجيح لبعض على الأخر فمقتضى القاعدة التوزيع على الكل.

و اما ما يدل على تقديم الحج فروايتان دالتان على تقديمه على الزكاة:

إحديهما: صحيحة معاوية بن عمار قال قلت له: رجل يموت و عليه خمسمائة درهم من الزكاة و عليه حجة الإسلام و ترك ثلاثمائة درهم و اوصى بحجة الإسلام و ان يقضى عنه دين الزكاة قال: يحج عنه من أقرب ما يكون و يرد الباقي في الزكاة. «1».

ثانيتهما: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل مات و ترك ثلاثمائة درهم و عليه من الزكاة سبعمائة درهم و اوصى ان يحج عنه قال: يحج عنه من أقرب المواضع و يجعل ما بقي في الزكاة. «2»

و لكن الظاهر اتحاد الروايتين و عدم تعددهما بمعنى وقوع السؤال من معاوية بن عمار مرة واحدة و الجواب كذلك غاية الأمر انّ الاختلاف انما هو في النقل عنه و هو لا يقتضي تعدد الرواية و

عليه فالإشكال في سند الثانية كما في الجواهر على تقدير

______________________________

(1) ئل أبواب المستحقين للزكاة الباب الواحد و العشرون ح- 2

(2) ئل كتاب الوصايا الباب الثاني و الأربعون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 361

..........

______________________________

ثبوته و الإغماض عن جوابه لا يوجب الإشكال في سند الرواية بعد صحة سند الاولى فلا مجال للإشكال من ناحية السند.

و اما من ناحية الدلالة فالظاهر ان المتفاهم العرفي من الجواب هو تقديم الحج غاية الأمر من أقرب المواضع و قوله يرد الباقي في الزكاة ليس معناه لزوم إبقاء شي ء من المال لأجل الزكاة حتى يكون ظاهرا في التوزيع بل معناه لزوم رد الباقي في الزكاة على تقدير بقاء شي ء بعد الحج و عليه فلا مجال لحملهما على التوزيع و بالجملة لا خفاء في ظهور الجواب في لزوم تقديم الحج و ان كان مستوعبا لجميع التركة بحيث لم يبق شي ء للزكاة بعد الحج.

ثم ان هاتين الروايتين و ان كانتا واردتين في مورد الزكاة الا ان الظاهر جريان الحكم في الخمس أيضا اما لكونه عوضا عن الزكاة و اما لظهور كون الزكاة أهم من الحج و ذلك لعطفها على الصلاة في كثير من الموارد في الكتاب العزيز و لما توعّد به من العذاب على تركها و عليه فالإشكال باختصاص الروايتين بالزكاة لا مجال له أصلا.

ثم ان مقتضى بعض الروايات تقدم الحج على دين الناس و حقوقهم و هي صحيحة بريد العجلي المتقدمة الواردة في رجل خرج حاجا و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق، المشتملة على قوله عليه السّلام: و ان كان مات و هو صرورة قبل ان يحرم جعل جمله و

زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام فإن فضل من ذلك شي ء فهو للورثة ان لم يكن عليه دين. «1» بناء على تعلق قوله: ان لم يكن عليه دين بقوله فهو للورثة فإن مفاده حينئذ تقدم الحج على الدين و الدين على الإرث و اما لو كان متعلقا بقوله: جعل جمله و زاده .. فمفاده تقدم الدين على الحج و على اى تقدير فالرواية مخالفة للمشهور حيث انهم يقولون بالتوزيع بالنسبة من دون تقدم للحج

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 362

..........

______________________________

على غيره و لا تأخر كما ان صحيحة معاوية بن عمار أيضا مخالفة لهم فان قلنا بأن إعراض المشهور عن رواية يوجب الوهن و القدح فيها و لو كانت في كمال الصحة و التمامية فاللازم رفع اليد عنهما لأجل الاعراض و قد صرح بذلك السيد- قده- في العروة تبعا لصاحب الجواهر- قده- و ان لم نقل بذلك فاللازم الفتوى على طبق الروايتين و الحكم بتقدم الحج على غيره من الخمس و الزكاة و الدين.

ثم: انه بناء على التوزيع بالنسبة- كما هو المشهور- لا يبقى مجال لفرض كون حصة الحج وافية به أصلا فإنه مع قصور التركة عن الوفاء بالجميع و التوزيع بنسبة المصرف و المقدار لا محالة تكون حصة الحج غير وافية به دائما و لأجله يستشكل على المتن و العروة لوقوع هذا الفرض فيهما نعم لو كان التوزيع بنحو التساوي يمكن تحقق هذا الفرض أحيانا و لكنه غير مراد لتصريحهم بان التوزيع في المقام انما هو كالتوزيع في غرماء المفلس و من الواضح كونه

بالنسبة لا بالتساوي و عليه فاللازم سقوط الحج بالمرة مع التوزيع الا ان تكون حصته بمقدار الحج فقط أو العمرة فقط ففيه بحث سيأتي.

و بالجملة: مع عدم وفاء حصة الحج به كما هو لازم التوزيع دائما لا مجال لتوهم لزوم صرف حصته في أبعاضه لعدم مشروعية شي ء من الأبعاض و الاجزاء وحده فالوقوف وحده لا يكون كذلك و الوقوفان وحدهما أيضا كذلك و هكذا نعم في خصوص الطواف قام الدليل على مشروعيته و رجحانه فيجوز الإتيان به استحبابا و في الرواية المعروفة: الطواف بالبيت صلاة و لأجله يجوز تعلق النذر به أيضا كتعلقه بالنافلة من الصلاة الا ان وقوعه جزء للحج الواجب أو العمرة الواجبة مع خلوه عن سائر الأبعاض و الاعمال لم تثبت مشروعيته بوجه و بعبارة أخرى وقوعه واجبا بالأصل كوجوب أصل الحج لم يقم دليل عليه و قاعدة الميسور لا تجري في مثل المقام من الأعمال الارتباطية و العبادات التي يرتبط بعض اجزائها ببعض و عليه فاللازم سقوط

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 363

..........

______________________________

الحج بالمرة و صرف حصته في غيره هذا مع عدم وفاء التركة إلا ببعض الاجزاء و الاعمال و اما مع وفائها بالحج فقط أو العمرة فقط بمعنى وفائها لأحدهما فالكلام يقع تارة في حج القران و الافراد و اخرى في حج التمتع.

اما الأول فهل يكون مخيرا بين الحج و العمرة نظرا الى وجوب كل واحد عليه مستقلا كما اختاره السيد- قده- في العروة و ان احتاط بعده بتقديم الحج أو ان الحج مقدم على العمرة كما اختاره الماتن- قدس سره الشريف- وجهان و الظاهر هو الثاني و الوجه فيه اما أهمية الحج بالإضافة

إلى العمرة لاختصاصه- بعد الاشتراك مع العمرة في جميع مناسكها- بما لا يوجد في العمرة كالوقوفين و اعمال منى و من الواضح اقتضاء ذلك للأهمية و اما تقدمه على العمرة في حج القران و الافراد و هو يقتضي صرف التركة فيه كما في الصلاة إذا علم المصلى بأنه لا يقدر الا على القيام في ركعة واحدة فإن اللازم عليه صرف هذه القدرة في الركعة الأولى لتقدمها إذ صرفها في غيرها من الركعات يوجب ان يكون ترك القيام في الركعة الأولى بلا عذر موجب له و هذا بخلاف العكس كما لا يخفى فالظاهر بمقتضى الوجهين ترجيح الحج كما في المتن.

و اما الثاني فهل الحكم فيه السقوط و الصرف في الدين و غيره أو التخيير أو ترجيح الحج لأهميته أو العمرة لتقدمها في هذا الحج عليه أو ينتقل حج التمتع الى الافراد؟ وجوه مقتضى القاعدة هو الوجه الأول لان مقتضى الأدلة ان حج التمتع عمل واحد مرتبطة عمرته بحجه و كذا العكس و ان كان يتوسط الإحلال بينهما لكنه لا يخل بوحدته و ثبوت الارتباط بين عمرته و حجه و عليه فوفاء التركة بأحدهما انما هو كوفائه بخصوص الطواف أو الوقوف أو غيرهما في الفرض المتقدم فلا يبقى مجال للتفكيك مع وصف ثبوت التمتع و عليه فاللازم صرف الحصة في غيره من الدين و مثله.

نعم هنا رواية ربما يستفاد منها الوجه الأخير و هو الانتقال الى حج الافراد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 364

..........

______________________________

و هي رواية على بن مزيد (فرقد- كا) صاحب السابري قال اوصى الىّ رجل بتركته فأمرني أن أحج بها فنظرت في ذلك فإذا هي شي ء يسير لا يكفى

للحج فسئلت أبا حنيفة و فقهاء أهل الكوفة فقالوا تصدق بها عنه الى ان قال فلقيت جعفر بن محمد في الحجر فقلت له رجل مات و اوصى الى بتركته ان أحج بها فنظرت في ذلك فلم يكف للحج فسئلت من عندنا فقالوا تصدق بها فقال ما صنعت؟ قلت تصدقت بها قال:

ضمنت الا ان لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان و ان كان يبلغ ما يحج به من مكة فأنت ضامن. «1» و الاستدلال بها على الانتقال الى حج الافراد متوقف على تمامية الرواية من حيث السند أولا و على تماميتها من حيث الدلالة على حكم المقام ثانيا بدعوى كون الحج الموصى به هو حج التمتع و انه لا فرق بين صورة الوصية و بين غيرها الذي هو محل البحث في المقام و ان المراد من الحج من مكة هو حج الإفراد الذي يكون إحرامه من مكة مع ان الرواية ضعيفة من حيث السند لان على بن مزيد- أو فرقد- مجهول و الموصى به و ان كان هو حج التمتع لان الظاهر كون الموصى من أهل الكوفة و الكوفيون يجب عليهم التمتع لبعدهم كالايرانيين و اما عدم الفرق بين صورة الوصية و بين غيرها فربما يناقش فيه نظرا الى ان العمل بالوصية مرغوب فيه مهما أمكن فان لم يمكن العمل بنفس الوصية فالأقرب و الأقرب و لا شك ان الحج وحده أقرب الى نية الموصى.

و لكن الظاهر بطلان المناقشة خصوصا مع ما عرفت في بعض الروايات المتقدمة الواردة في الوصية بالحج الدالة على لزوم إخراجه من أصل التركة معللة بأن الحج بمنزلة

الدين الواجب فان مقتضى هذا التعليل ان الوصية لا مدخل لها في ذلك بل الوجه فيه هو كونه بمنزلة الدين الواجب و هو لا فرق فيه بين صورة الوصية و غيرها و عليه فاللازم في المقام اجراء الحكم في غير

______________________________

(1) ئل كتاب الوصايا الباب السابع و الثلاثون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 365

[مسألة 56- لا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل استيجار الحج]

مسألة 56- لا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل استيجار الحج أو تأدية مقدار المصرف إلى ولى أمر الميت لو كان مصرفه مستغرقا لها، بل مطلقا على الأحوط و ان كانت واسعة جدا و كان بناء الورثة على الأداء من غير مورد التصرف و ان لا يخلو الجواز من قرب لكن لا يترك الاحتياط (1)

______________________________

صورة الوصية أيضا.

و اما كون المراد من الحج من مكة هو حج الافراد فربما يناقش فيه كما في «المستمسك» بان ظاهر الرواية انه اوصى ان يحج الوصي بنفسه فالحج الموصى به بلدي بمباشرة الوصي و الامام عليه السّلام امره بالحج الميقاتي عند عدم كفاية المال لذلك فالمراد من الحج من مكة الحج الميقاتي في قبال البلدي لا الحج الذي يكون إحرامه من مكة في مقابل العمرة التي يكون إحرامها من الميقات.

و لكن في الاستظهار المذكور نظر بل الظاهر كون المراد هو حج الإفراد الذي يكون إحرامه من مكة هذا و لكن ضعف سند الرواية يمنع عن الاستناد إليها فاللازم هو الحكم بما في المتن من سقوط الحج و صرف حصته في غيره.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين: الأول: ما إذا كان مصرف الحج مستغرقا للتركة بمعنى كونه مساويا لها و ذلك لما عرفت من أنه على تقدير قصور

التركة و لو بمقدار يسير يسقط الحج في حج التمتع نعم في حج القران و الافراد إذا كانت وافية بالحج أو العمرة يكون الحكم ما تقدم في المسألة السابقة و كيف كان فالمفروض هنا التساوي و الظاهر انه لا إشكال في عدم جواز التصرف للورثة في هذه الصورة من دون فرق بين القول بعدم انتقال التركة إلى الورثة في هذا الفرض و مثله من الدين لان المستفاد من الآيات الشريفة و النصوص الصحيحة تأخر مرتبة الإرث عن الدين و ان السهام المفروضة انما تثبت بعد الدين و قد مرّ ان الحج بمنزلة الدين الواجب كما ان المستفاد من الروايات المعتبرة تقدم الوصية على الإرث و تأخرها عن الدين و لازم التأخر عدم الانتقال الى الوارث مع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 366

..........

______________________________

الاستغراق بل التركة باقية على ملك الميت و الغرماء يتلقون المال من الميت لا من الوارث و لا مانع يمنع عن ذلك و بين القول بالانتقال الى الوارث غاية الأمر ان التركة متعلقة لحق الغرماء و قد نسب الثاني إلى الحلي و المحقق و بعض كتب العلامة و عن المفاتيح و المسالك النسبة إلى الأكثر و نسب الأوّل إلى كثير من كتب العلامة و جامع المقاصد و غيرها.

اما عدم الجواز على القول الأول فواضح لأن منشأه عدم الملكية و عدم ارتباط التركة بالورثة و اما عدم الجواز على القول الثاني فلان منشأه كونها متعلقة لحق الغير و الغرماء و معه لا يجوز التصرف في متعلق حقهم من دون فرق بين ان يكون التصرف متلفا أو ناقلا كتصرف الراهن في العين المرهونة فالحكم في هذا المقام ظاهر و مما

ذكرنا يظهر انه لا مجال لما حكى عن بعض الأعاظم في حاشيته على العروة من انه لا يبعد جواز التصرف حتى في المستغرق أيضا مع تعهد الأداء لكن الأحوط ان يكون برضى الديان و الوجه فيه ان مجرد التعهد و الضمان مع عدم رضى الديان لا يوجب جواز التصرف بوجه.

الثاني ما إذا لم يكن مصرف الحج مستغرقا للتركة بل كان أقل منها و الحكم في هذا المقام محل اشكال و خلاف:

ربما يقال بالجواز و انه لا مانع من تصرف الورثة في التركة مع البناء على الأداء و يدل عليه وجوه:

الأول: ان التركة لا تنتقل إلى الورثة في المقدار الزائد على الدين و لا مانع من ملكية الميت بمقدار الدين أو مصرف الحج الذي هو بمنزلة الدين فالميت يملك كليا معينا من التركة و الوارث يملك الباقي من المال المتروك كما في بيع الصاع من الصبرة الذي يكون مقتضاه ملكية المشتري للصاع منها على نحو الكلي في المعين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 367

..........

______________________________

و بقاء ملكية البائع بالإضافة إلى بقية الصبرة فكما ان البائع يجوز له هناك التصرف في الصبرة قبل تسليم صاع المشتري إليه بمقدار ما يتعلق به و يملكه فكذلك الوارث في المقام يجوز له التصرف في التركة في المقدار الزائد على الدين أو مصرف الحج و ليست الملكية بنحو الكلي في المعين كالملكية بنحو الشركة و الإشاعة المقتضية لعدم جواز تصرف أحد الشريكين أو الشركاء في المال المشترك بدون رضا الأخر و اذنه فمقتضى القاعدة بناء على هذا القول و هو بقاء ملكية الميت بالإضافة إلى مقدار الدين و شبهه جواز التصرف كما لا يخفى.

الثاني: السيرة القطعية

القائمة على جواز التصرف للورثة مطلقا و ان كان الميت مديونا كما هو الغالب لان الغالب ثبوت الدين على الميت و لا أقل من مهر زوجته حيث لا يكون الإعطاء في حال الحيات متعارفا.

الثالث: موثقة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن- عليه السّلام- عن رجل يموت و يترك عيالا و عليه دين أ ينفق عليهم من ماله؟ قال ان كان يستيقن ان الذي ترك يحيط بجميع دينه فلا ينفق، و ان لم يكن يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال «1» و نحوه خبر البزنطي من دون فرق إلا في قوله: ان كان يستيقن .. فان فيه ان كان يستيقن ان الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق «2» و هذا هو الظاهر لأن إحاطة التركة بالدين أعم من كون الدين مستغرقا لها كما لا يخفى و ربما عبر عن خبر البزنطي بالصحيح و أورد عليه بان الموجود في التهذيب: «البزنطي بإسناد له» اى بطريق له و الطريق مجهول فالرواية غير معتبرة.

و لكن الظاهر عدم تعدد الرواية أصلا بل الرواية واحدة و عليه فيحتمل قويا ان يكون من روى عنه البزنطي هو عبد الرحمن بن الحجاج الراوي في الرواية الأولى

______________________________

(1) ئل كتاب الوصايا الباب التاسع و العشرون ح- 2

(2) ئل كتاب الوصايا الباب التاسع و العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 368

..........

______________________________

و كيف كان فرواية ابن الحجاج معتبرة و مقتضاها التفصيل في التصرف المتلف و هو الإنفاق على العيال بين صورة استغراق الدين للتركة فلا يجوز و صورة عدم الاستغراق فيجوز و من الواضح ان الاستيقان و عدمه لا دخل لهما في ذلك بل المعيار هو الاستغراق

الواقعي و عدمه.

و اما القول بعدم الجواز الذي جعله في المتن مقتضى الاحتياط اللزومي من دون فرق بين ما إذا كانت التركة واسعة جدا و بين ما إذا لم تكن كذلك و ان فرق بينهما السيد- قده- في العروة فيبتني على القول بانتقال جميع التركة من الميت الى الوارث غاية الأمر تعلق حق الغرماء بجميعها و مقتضاه عدم جواز التصرف للورثة بعد كون المجموع متعلقا لحق الغرماء و الظاهر ان حقهم انما هو من قبيل حق الرهانة المتعلق بالمال بما انه ملك للشخص الخاص و انه باق على ملك ماله لا بما هو هو و ليس من قبيل حق الجناية المتعلق بالمال بما هو هو فلو جنى العبد على أحد كان حق الجناية ثابتا عليه و يتبعه اين ما كان و لو بيع مرات و لا يكون البيع كذلك منافيا لحق الجنابة و بالجملة مقتضى تعلق حقهم بالتركة كتعلق حق الرهانة عدم جواز التصرف في شي ء من التركة بدون إذن ذي الحق.

و اما السيرة فيمكن المناقشة فيها خصوصا مع ملاحظة جريانها على التصرف في التركة مع تعدد الورثة و هو يقتضي تحقق الشركة المانعة عن جواز تصرف أحد الشريكين أو الشركاء بدون رضا الأخر فلا مجال- ح- للاعتماد على السيرة و الظاهر ان نظر السيد- قده- في التفصيل الذي ذكره الى تحقق السيرة فيما إذا كانت التركة واسعة جدا و عدم تحققها في غير هذه الصورة مع ان الظاهر انه لا فرق بين الصورتين من ناحية السيرة أصلا كما لا يخفى.

و اما النص الخاص فالظاهر انه لا مجال لرفع اليد عنه بعد اعتباره سندا و ظهوره دلالة و عدم ثبوت شهرة على خلافه و الظاهر

انه المنشأ لقوله في المتن: «و ان لا يخلو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 369

[مسألة 57- لو أقر بعض الورثة بوجوب الحج على الميت و أنكره الآخرون لا يجب عليه]

مسألة 57- لو أقر بعض الورثة بوجوب الحج على الميت و أنكره الآخرون لا يجب عليه الا دفع ما يخصه من التركة بعد التوزيع لو أمكن الحج بها و لو ميقاتا و الا لا يجب دفعها، و الأحوط حفظ مقدار حصته رجاء لإقرار سائر الورثة أو وجدان متبرع للتتمة بل مع كون ذلك مرجو الوجود يجب حفظه على الأقوى، و الأحوط رده الى ولي الميت.

و لو كان عليه حج فقط و لم يكف تركته به فالظاهر أنها للورثة نعم لو احتمل كفايتها للحج بعد ذلك أو وجود متبرع يدفع التتمة وجب إبقائها و لو تبرع متبرع بالحج عن الميت رجعت اجرة الاستيجار الى الورثة سواء عينها الميت أم لا، و الأحوط صرف الكبار حصتهم في وجوه البر (1)

______________________________

الجواز من قرب لانه برجع الى مطلق الدين غير المستغرق لا الى خصوص ما إذا كانت التركة واسعة جدا نعم لا يبقى مجال للزوم الاحتياط بعد وجود الرواية المعتبرة و ان كان مقتضى القاعدة خلافها على ما عرفت.

(1) في هذه المسألة فروع:

الأول: ما لو أقر بعض الورثة بوجوب الحج على الميت و أنكره الآخرون ففي المتن انه لا يجب عليه الا دفع ما يخصه من التركة بعد التوزيع و المراد انه لا يجب عليه الا دفع مقدار من الدين بعد توزيعه على التركة بنسبة السهام و عليه فلا يجب عليه دفع جميع حصته إذا كان الدين مستغرقا لها ففي المثال الذي ذكره في الجواهر و هو ما إذا خلف الميت ابنين و بنتا و كان مجموع التركة

ألفا و الدين الذي يدعيه أحد الابنين- مثلا- خمسمائة لا يجب على الابن المقر الا دفع مائتين مما يخصه من التركة و هو أربعمائة و يرد عليه انه مع كون المراد ذلك لا يمكن فرض إمكان الحج بها بعد توزيع مصارفه على الجميع كالدين و لو فرض كون الحج من الميقات كما هو المشهور في أصل المسألة و هو لزوم قضاء الحج عن الميت بعد استقراره عليه من لزوم الحج من الميقات و عليه فكيف يمكن الجمع بين توزيع مصارف الحج و بين إمكان الحج

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 370

..........

______________________________

بما يخص سهم المقرّ من التركة و أصرح من المتن كلام السيد- قده- في العروة حيث قال بعد فرض المسألة: لم يجب عليه الا دفع ما يخص حصته بعد التوزيع و ان لم يف ذلك بالحج لا يجب عليه تتميمه من حصته.

و كيف كان فقد ذكر في الجواهر بعد الحكم بتوزيع الدين بالنحو المذكور قوله: «بلا خلاف محقق معتد به أجده في شي ء من ذلك عندنا نصا و فتوى نعم يحكى عن الشافعي وجوب دفع جميع ما في يده في الدين لانه لا إرث إلا بعده و لا ريب في بطلانه و مثل ذلك يأتي في الحج الذي قد عرفت كونه من الدين أيضا».

أقول الكلام يقع في مقامين:

المقام الأول فيما تقتضيه القاعدة و انه هل هو لزوم دفع الوارث المقرّ ما يخصه من التركة بعد توزيع الدين أو انه لزوم دفع جميع ما في يده في الدين فنقول: يظهر من صاحب الجواهر و من بعض شراح العروة ان مقتضى القاعدة في مسألة إقرار أحد الوراث بالدين و في مسألة

إقراره بوارث آخر هي الإشاعة و الشركة كما فيما لو أقر أحد الشركاء بشريك أخر فيكون ما في يد المقر مشاعا بينه و بين المقر له فلو أقر أحد الورثة بأخ له و أنكره الباقون أو أقر بدين و أنكره الآخرون فمقتضى القاعدة تنصيف حصته فيكون إنكار الباقي من الورثة ضررا واردا على المقر و المقر له معا لما تقتضيه قاعدة الإشاعة من ان ما بقي بقي لهما و ما تلف تلف منهما هذا و لكن الظاهر انه لا وجه للإشاعة في مسألة الإقرار بالدين و ان كانت صحيحة في مسألة الإقرار بوارث أخر أو شريك أخر لأنه لا مجال لدعوى ثبوت الدين في التركة بنحو الإشاعة و الشركة أصلا سواء قلنا بعدم انتقال ما يساوى مقداره الى ملك الوارث و بقائه على ملك الميت أو قلنا بانتقال المجموع الى الوارث و تعلق حق الديان بالتركة كتعلق حق الرهانة على ما عرفت.

و الوجه في بطلان الشركة ان تلف بعض التركة بعد الموت لا يوجب الضرر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 371

..........

______________________________

على الدين و نقصانه بالنسبة بل هو باق بأجمعه و كذا لو غصب بعض التركة و الإنكار بمنزلة الغصب خصوصا إذا كان جاحدا و هذا دليل على نفى الإشاعة و بعده نقول ان قلنا بالمبنى الأول الذي مرجعه الى بقاء ملكية الميت بالإضافة إلى مقدار الدين بنحو الكلي في المعين كالصاع من الصبرة على ما مر فاللازم على الوارث المقرّ ان يدفع مقدار الدين إلى الدائن من حصته من التركة فيجب عليه في المثال المتقدم دفع جميع الأربعمائة نعم لا يجب عليه التكميل من ماله الشخصي بلا ريب لبقاء

هذا المقدار على ملكية الميت على حسب إقراره فيجب عليه دفعه.

و ان قلنا بالمبنى الثاني الذي مرجعه الى انتقال جميع التركة إلى الوارث غاية الأمر تعلق حق الدائن بالمجموع فالظاهر ان مقتضاه لزوم دفع جميع ما في يده أيضا لأنه بدفع المأتين في المثال لا يزول الحق المتعلق بالباقي بل هو باق بقوته و لا يرتفع الا بدفع الجميع فمقتضى القاعدة على كلا المبنيين لزوم دفع جميع الأربعمائة في المثال و دفع جميع الدين إذا فرض في المثال كون التركة ألفين فيلزم دفع جميع الخمسمائة و يبقى للمقر ثلاثمائة.

المقام الثاني في مقتضى النص الوارد في هذا الباب و هي موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل مات فأقر بعض ورثته لرجل بدين قال: يلزم ذلك في حصته. «1» و قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية انه حملها الشيخ- قده- على انه يلزم بقدر ما يصيب حصته لما يأتي و مراده بما يأتي خبر أبي البختري وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه- عليهما السّلام- قال قضى على- عليه السّلام- في رجل مات و ترك ورثة فأقر أحد الورثة بدين على أبيه انه يلزم (يلزمه خ ل) ذلك في حصته بقدر ما ورث و لا يكون ذلك في ماله كله، و ان أقر اثنان من الورثة و كانا عدلين أجيز ذلك على الورثة، و ان لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما بقدر ما ورثا و كذلك ان

______________________________

(1) ئل كتاب الوصايا الباب السادس و العشرون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 372

..........

______________________________

أقر بعض الورثة بأخ أو أخت إنما يلزمه في حصته «1».

أقول ظاهر

الموثقة في نفسها ثبوت ذلك اى مجموع الدين المقر به في حصته بمعنى ان حصة المقر ظرف لمجموع الدين الذي أقر به فكما ان ثبوت الدين في مجموع التركة مرجعه الى لزوم أدائه من مجموعها كذلك ثبوته في حصة المقر مرجعه الى لزوم أداء مجموعه من سهمه فإذا كان بمقدار الحصة أو زائدا عليه يلزم صرف مجموع الحصة فيه نعم في مورد النقصان لا يلزم التكميل من الأموال الشخصية المتعلقة بالمقر و بالجملة لا ينبغي الارتياب في ظهور الموثقة في نفسها فيما ذكرنا لا في التوزيع الذي هو مورد الفتوى.

و اما جعل رواية أبي البختري قرينة على الحمل على خلاف الظاهر و هو التوزيع فليس بلحاظ قوله- عليه السّلام- في الصدر يلزم ذلك في حصته بقدر ما ورث لأن إضافة قوله بقدر ما ورث لا تقتضي الدلالة على خلاف ما يدل عليه الموثقة و كذا قوله و لا يكون ذلك في ماله كله لانه ليس المراد بالمال هي الحصة المتعلقة بالمقر بل الأموال الشخصية المتعلقة به بل بلحاظ قوله- عليه السّلام- في الذيل في مورد الإقرار بالنسب كالأخ أو الأخت: إنما يلزمه في حصته نظرا إلى انه في مورد الإقرار بالنسب لا يكون جميع حصة المقر له في حصة المقر بل يكون حصة المقر بينهما بنحو التساوي بل بنحو التوزيع المذكور في المقام فإذا أقر أحد الابنين الوارثين بابن ثالث يكون سهم المقر و هو النصف بينهما نصفين على القول الأول أو يكون ثلث سهم المقر للمقر له على القول الأخر و على التقديرين يكون مقتضى الرواية عدم ثبوت جميع حصة المقر له في حصة المقر فإذا كان المراد من الذيل ذلك لا محالة فهو

يصير قرينة على ان المراد من صدرها و كذا المراد من الموثقة المشتملة على نفس هذا التعبير هو التوزيع كما لا يخفى.

______________________________

(1) ئل كتاب الوصايا الباب السادس و العشرون ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 373

..........

______________________________

هذا و لكن ضعف سند الرواية بأبي البختري الذي قيل في حقه انه من أكذب البرية يمنع عن صلاحيتها للقرينية و للتصرف في ظاهر الموثقة بحملها على التوزيع فاللازم الأخذ بظاهر الموثقة و الحكم بثبوت مجموع الدين المقر به في حصة المقر فتصير الرواية مطابقة للقاعدة الا ان يقال ان ادعاء صاحب الجواهر نفى خلاف محقق معتد به كما عرفت في أول البحث و ان لم يكن معتبرا من جهة الإجماع الا ان دلالته على ثبوت الشهرة المحققة لا ينبغي الارتياب فيها و حيث ان الشهرة موافقة لرواية أبي البختري فتصير جابرة لضعفها و مع ذلك تصلح للقرينية للموثقة و حملها على خلاف ظاهرها فتكون النتيجة التوزيع الذي هو مورد الفتوى كما لا يخفى.

ثم ان توزيع الدين على حصة المقر يقتضي لزوم دفع ما يخصه من التركة بعده في الدين و حيث انه لا يكون واجبا ارتباطيا بل انحلاليا يكون دفع اىّ مقدار منه موجبا لتحقق البراءة بالإضافة الى ذلك المقدار فدفع المأتين في المثال الذي ذكره صاحب الجواهر يوجب سقوط الدين بهذا المقدار و اما الحج فحيث يكون واجبا ارتباطيا لا يكفى ما يخصه من التركة بعد التوزيع للحج لا محالة و قد مرّ ان فرض الكفاية مع هذه الخصوصية لا مجال له أصلا و- ح- يقع الكلام في مصرف هذا المقدار فنقول يستفاد من المتن ان فيه صورا ثلاثة:

الأولى ما إذا علم

بعدم تبدل إنكار المنكرين إلى الإقرار إلى الأبد و عدم وجود متبرع يدفع التتمة كذلك و ظاهر المتن بلحاظ الحكم بعدم وجوب الدفع الرجوع الى المقر و صيرورته جزء من حصته مع انه محل نظر بل منع فإنه لو قلنا بعدم انتقال ما يساوى الدين أو مصرف الحج الى الوارث و بقائه على ملك المالك فاللازم الالتزام ببقاء المأتين في المثال على ملك الميت و حيث انه لا يكفى للحج فاللازم الصرف في جهات الميت الأقرب فالأقرب و ان قلنا بالانتقال و تعلق الحق كتعلق حق الرهانة فتعلق الحق بحصته مانع عن التصرف و لا مجال للحكم بجواز صرف جميع حصنه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 374

..........

______________________________

في جهات نفسه و أغراضه كما لا يخفى.

الثانية ما لو شك في التبدل المذكور و وجود المتبرع و عدمه و قد احتاط فيه في المتن بالاحتياط اللزومي بالحفظ اى حفظ مقدار حصته ليتحقق الحال و يظهر في الاستقبال و الظاهر ان منشأ لزوم الاحتياط هو ان الشك في القدرة يكون مجرى أصالة الاحتياط بنظر المشهور مع انه يمكن المناقشة في مثل المقام مما يكون عدم القدرة مسبوقا بالحالة السابقة المتيقنة فإن مقتضى الاستصحاب- ح- عدم ثبوت التكليف فاستصحاب عدم الإقرار و عدم وجود المتبرع يقتضي عدم لزوم الحفظ و اجراء حكم الصورة الأولى عليه فإذا قلنا فيها بعدم وجوب الدفع و الرجوع الى المقر يكون الحكم في المقام أيضا كذلك و لا مانع من اجراء الاستصحاب بالإضافة إلى الأمور الاستقبالية إذا ترتب عليها أثر في الحال كما هنا.

الثالثة ما لو كان الإقرار و المتبرع مرجو الوجود و المراد صورة العلم أو الاطمئنان بالوجود

و الحكم في هذه الصورة كما في المتن وجوب الحفظ و وجهه ظاهر.

الفرع الثاني ما لو كان عليه حج فقط و لم يكف تركته به و قد استظهر في المتن أنها للورثة و مرجعه إلى انه لا يجب صرف التركة في وجوه البر أو التصدق عن الميت لكن احتاط في العروة بالاحتياط الاستحبابي بالتصدق عنه لرواية على بن مزيد (فرقدكا) صاحب السابري قال اوصى الى رجل بتركته فأمرني أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فإذا هو شي ء يسير لا يكفى للحج فسئلت أبا حنيفة و فقهاء أهل الكوفة فقالوا تصدق بها عنه الى ان قال فلقيت جعفر بن محمد في الحجر فقلت له رجل مات و اوصى الىّ بتركته ان أحج بها فنظرت في ذلك فلم يكف للحج فسئلت من عندنا من الفقهاء فقالوا تصدق بها فقال ما صنعت؟ قلت تصدقت بها قال ضمنت الا ان لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة، فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 375

..........

______________________________

ضمان، و ان كان يبلغ ما يحج به من مكة فأنت ضامن. «1»

و الوجه في الحكم بالاستحباب ضعف سند الرواية لجهالة الراوي و لكن الرواية مع ذلك واردة أولا في مورد الوصية بالحج و ثانيا تدل على ان الانتقال إلى الصدقة انما هو بعد عدم بلوغ التركة للحج من مكة الذي هو حج الافراد و اما بعد بلوغها اليه فلا مجال للانتقال بل ينتقل حج التمتع الواجب على الميت لكون الظاهر انه كوفي و هو يجب عليه حج التمتع الى الافراد.

ثم الظاهر ان الفرق بين هذا الفرع الذي

يكون الحكم فيه كون التركة للورثة و بين ما تقدم من إقرار بعض الورثة بثبوت الحج على الميت حيث قلنا بان مقتضى القاعدة صرف المأتين المقر به في المثال الذي ذكره صاحب الجواهر فيما يرجع الى جهات الميت الأقرب فالأقرب من دون فرق بين المبنيين انه هناك حيث تكون التركة وافية بالحج بحسب الواقع فلا محالة تكون المأتان باقية على ملك الميت أو متعلقة لحقه و اما في المقام فحيث لا تكون التركة وافية بالحج أصلا فلا مجال للحكم بالبقاء على ملك الميت أو تعلق حقه بها.

ثم انه استثنى في المتن صورة احتمال كفاية التركة للحج بعد ذلك أو وجود متبرع يدفع التتمة و حكم فيه بوجوب الإبقاء و قد مر ان مقتضى الاستصحاب عدم الوجوب لان استصحاب عدم الكفاية مع الشك فيها فيما بعد و كذا استصحاب عدم وجود المتبرع يقتضي الحكم بعدم وجوب الإبقاء و يرد على المتن اشكال آخر و هو ان الحكم بالاحتياط اللزومي في الفرع السابق في صورة الشك و الفتوى بوجوب الإبقاء هنا في صورة الاحتمال لا يكاد يجتمع.

الفرع الثالث ما لو تبرع متبرع بالحج عن الميت فالكلام تارة في أصل صحة التبرع عن الميت و اخرى في رجوع اجرة الاستيجار الى الورثة و ثالثة في

______________________________

(1) ئل كتاب الوصايا الباب السابع و الثلاثون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 376

..........

______________________________

ان مقتضى الاحتياط صرف الكبار حصتهم في وجوه البرّ اى عن الميت فنقول:

اما أصل صحة التبرع فيدل عليه مثل صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل مات و لم يكن له مال و لم يحج حجة الإسلام

فأحج عنه بعض إخوانه هل يجزى ذلك عنه أو هل هي ناقصة؟ قال بل هي حجة تامة، «1» و المراد بالتمامية بقرينة المقابلة الواقعة في السؤال هي الاجزاء و براءة ذمة الميت و سقوط الحج عنه و الظاهر انه لا مدخل لعدم وجود التركة المفروض في السؤال للحكم بصحة التبرع بل الملاك صلاحية حج الميت للسقوط بفعل المتبرع كالدين حيث انه لا فرق في سقوطه بأداء المتبرع بين صورة وجود التركة و عدمها كما لا يخفى.

و رواية عامر بن عميرة قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- بلغني عنك انك قلت لو ان رجلا مات و لم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض اهله أجزأ ذلك عنه؟ فقال نعم اشهد بها على أبي أنه حدثني ان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- أتاه رجل فقال يا رسول اللّٰه ان أبي مات و لم يحج فقال له رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- حج عنه فان ذلك يجزى عنه. «2»

و غير ذلك من الروايات الدالة على صحة التبرع في الحج عن الميت.

و اما رجوع اجرة الاستيجار الى الورثة فلان المانع عن الرجوع انما هو الحج و المفروض سقوطه بأداء المتبرع و قد صرح في المتن بأنه لا فرق في الرجوع بين ما إذا عيّنها الميت و ما إذا لم يعين اى سواء كان هناك وصية أم لا.

و اما الاحتياط المذكور فان كان منشأه الرواية الضعيفة المتقدمة في الفرع الثاني كما صرح به السيد- قده- في العروة فقد عرفت ان الرواية واردة أولا في خصوص مورد الوصية و ثانيا دالة على ان الانتقال الى التصدق انما هو بعد اليأس عن تحقق الحج لأجل قصور التركة

فلا يمكن ان يستفاد منها التصدق مع تحقق الحج

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و الثلاثون ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و الثلاثون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 377

[مسألة 58- الأقوى وجوب الاستيجار عن الميت من أقرب المواقيت إلى مكة ان أمكن]

مسألة 58- الأقوى وجوب الاستيجار عن الميت من أقرب المواقيت إلى مكة ان أمكن و الا فمن الأقرب إليه فالأقرب، و الأحوط الاستيجار من البلد مع سعة المال و الا فمن الأقرب إليه فالأقرب لكن لا يحسب الزائد على أجرة الميقاتية على صغار الورثة. و لو اوصى بالبلدى يجب و يحسب الزائد على أجرة الميقاتية من الثلث، و لو اوصى و لم يعين شيئا كفت الميقاتية إلا إذا كان هناك انصراف إلى البلدية أو قامت قرينة على إرادتها فحينئذ تكون الزيادة على الميقاتية من الثلث، و لو زاد على الميقاتية و نقص عن البلدية يستأجر من الأقرب الى بلده فالأقرب على الأحوط، و لو لم يمكن الاستيجار الا من البلد وجب و جميع مصرفه من الأصل (1)

______________________________

عن الميت و لو من ناحية المتبرع و التعدي عن مورد الوصية إلى غيره و ان كان يمكن القول به الا ان التعدي إلى صورة وقوع الحج مما لا مجال له أصلا.

و ان كان منشأه عدم انتقال مقدار مصرف الحج إلى الورثة أو كونه متعلقا لحق الميت فقد عرفت انه مع وقوع الحج من المتبرع لا مجال للاحتياط المذكور خصوصا مع التخصيص بحصة الكبار كما لا يخفى.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في صورتين: الاولى: ما إذا لم يكن هناك وصية و فيه أقوال: قال في الشرائع: «الثانية- يعني المسألة الثانية- يقضى الحج من

أقرب الأماكن و قيل يستأجر من بلد الميت و قيل ان اتسع المال فمن بلده و الّا فمن حيث أمكن» و البحث في هذا الكلام يقع من جهتين:

الجهة الاولى: في المراد من أقرب الأماكن بعد وضوح انه ليس المراد هي الأقربية المكانية بل الأقلية من حيث النفقة و المئونة لانه لا مدخل للقرب و البعد المكانيين في ذلك أصلا فنقول: قال في المدارك: «ان المراد به أقرب المواقيت إلى مكة ان أمكن الاستيجار منه و الّا فمن غيره مراعيا الأقرب فالأقرب فإن تعذر الاستيجار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 378

..........

______________________________

من أحد المواقيت وجب الاستيجار من أقرب ما يمكن الحج منه الى الميقات».

و قد فسر بهذا النحو كاشف اللثام عبارة القواعد قال في القواعد: من أقرب الأماكن إلى الميقات و في كشف اللثام: و انما يجب اى الحج عنه من أقرب الأماكن إلى مكة من بلده الى الميقات فإن أمكن من الميقات لم يجب الّا منه و الا فمن الأقرب إليه فالأقرب و لا يجب من بلد موته أو بلد استقراره عليه.

و في الجواهر بعد نقل ما ذكر: «قلت الظاهر اتحاد المراد و هو الحج عنه من أقرب الأماكن إلى مبدأ نسك الحج». و الظاهر عدم شمول هذه العبارة للاستيجار من نفس الميقات و لا الترتيب في المواقيت بين القريب و البعيد و الظاهر ان مراد المشهور هو التعبير الواقع في مثل المتن.

الجهة الثانية: في المراد من القولين الآخرين المذكورين في الشرائع فنقول الظاهر من القول الثاني و هو لزوم الاستيجار من بلد الميت هو الاستيجار مع اتساع المال له و احتمال لزوم التكميل من الولي مع عدم الاتساع أو

الحج عنه بنفسه في غاية البعد و الغرابة.

و على ما استظهرنا يقع الكلام في الفرق بين القولين بعد اشتراكهما في لزوم الاستيجار من البلد مع سعة المال و فيه احتمالان:

الأول سقوط الحج مع عدم السعة كما في محكي المدارك حيث قال: الموجود في كلام الأصحاب حتى في كلام المصنف في المعتبر ان في المسألة قولين و قد جعل المصنف هنا الأقوال ثلاثة و لا يتحقق الفرق بين القولين الأخيرين الّا على تقدير القول بسقوط الحج مع عدم سعة المال للحج من البلد على القول الثاني و لا نعرف بذلك قائلا مع انه مخالف للروايات كلها.

الثاني: ما ذكره في الجواهر في مقام المناقشة على الفرق الذي ذكره المدارك من انه يمكن عدم التزام سقوط الحج بل ينتقل الى الحج من الميقات و لا يجب الاستيجار من حيث أمكن كما هو مقتضى جملة من الروايات و بذلك يتحقق الفرق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 379

..........

______________________________

بين القولين.

و هذا هو الذي ذكره السيد- قده- في العروة بصورة الاحتمال لا القول و لعل الوجه فيه عدم وضوح كون مراد القائل بهذا القول هذا المعنى و لكن من جميع ما ذكرنا يظهر انه لا يكون في المسألة أقوال أربعة كما ذكره بعض الاعلام حيث جعل الاستيجار من البلد مقابلا للقول الثاني بناء على التوجيه المذكور في الجواهر و للقول الثالث و قد عرفت اعتراض المدارك على الشرائع بجعل الأقوال فيها ثلاثة مع تصريحه في المعتبر كالموجود في كلام الأصحاب بان في المسألة قولين و عليه فكيف يمكن القول بوجود أقوال أربعة.

و كيف كان فالقول الأول المذكور في الشرائع منسوب إلى الأكثر بل الى المشهور بل

عن الغنية الإجماع عليه و القول الثاني نسبه في الجواهر الى الشيخ و ابن إدريس و يحيى بن سعيد و غيرهم و الظاهر اختيار الشيخ له في النهاية و اما في المبسوط و الخلاف فقد اختار ما هو المشهور كما ذكره العلامة في المختلف و القول الثالث محكي عن الدروس.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم ان ما تقتضيه القاعدة- مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة و النصوص الواردة على تقدير ورودها في المقام أو استفادة حكم المقام منها- هو ما ذهب اليه المشهور و تبعهم العروة و المتن لان الثابت بمقتضى الأدلة المتقدمة هو وجوب قضاء حجة الإسلام عن الميت بعد استقرارها عليه في حال الحياة و عدم الإتيان بها مسامحة و مساهلة فاللازم على وليّه الإتيان بحجة الإسلام و من الواضح ان حجة الإسلام عبارة عن الأعمال المخصوصة و المناسك المعروفة التي شروعها من الميقات و طيّ الطريق و قطع المسافة و ان كان واجبا على الميت الا ان وجوبه انما هو من باب المقدمة و لا يكون وجوب المقدمة إلا عقليا و على تقدير كونه شرعيا- كما اختاره القائل بوجوب المقدمة- لا يكون الا غيريا و الغرض الأصلي تحقق الحج و هي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 380

..........

______________________________

الأعمال و المناسك مع ان قطع الطريق و المسافة لا يلزم ان يتحقق بعنوان المقدمة للحج فإذا سافر إلى المدينة للتجارة- مثلا- ثم استطاع هناك كما إذا مات أبوه كذلك و انتقل إليه بالإرث أموال كثيرة موجبة لتحقق الاستطاعة لا يجب عليه الا الحج من المدينة و لا يلزم عليه العود الى الوطن و السفر منه بقصد الحج و كذا إذا

كان مستطيعا في البلد و لكنه لم يكن قاصدا للحج أصلا فسافر إلى المدينة لغرض آخر ثم بدا له بعد الوصول إليها ان يحج و يأتي بما هو الواجب عليه، و كذا في صورة الاستطاعة في البلد يمكن له الخروج منه للحج متسكعا من دون صرف مال كما عرفت سابقا.

فهذا و أشباهه دليل على ان طي الطريق لا ارتباط له بالحج الا من جهة المقدمية فلو اختطف المستطيع في بلده و أرسل في المدينة يجب عليه الحج منها فلا ريب حينئذ في ان مقتضى القاعدة هو قضاء حج الميت عنه من الميقات بل لا يلزم الا من أقرب المواقيت إلى مكة المكرمة.

و اما: ما يمكن ان يستدل به على وجوب الحج من البلد فهو أمران:

أحدهما: انه لا فرق بين الاستنابة في الحج عن الميت و بين استنابة الحي التي عرفت لزومها مع عدم القدرة على المباشرة في صورة استقرار الحج لمرض أو هرم أو شبههما فكما انه يجب على المكلف هناك الاستنابة من البلد كذلك يجب هنا لعدم الفرق بين المقامين أصلا.

و الجواب: أولا انه لم يثبت هناك لزوم الاستنابة من البلد بل قد عرفت الاشكال و الاختلاف في المسألة.

و ثانيا: انه على تقدير القول بذلك هناك لم يثبت اتحاد المقامين و عدم تحقق الفرق في البين بل ثبت الفرق من بعض الجهات كعدم جريان التبرع هناك و جريانه في المقام بلا اشكال على ما عرفت من اقتضاء النص و الفتوى لذلك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 381

..........

______________________________

و ثالثا: انه على تقدير المساواة و عدم ثبوت الفرق تكون تسرية حكم ذلك المقام الى هنا من مصاديق القياس الا مع تنقيح

المناط القطعي أو إلغاء الخصوصية و كلاهما مفقودان بلا ريب.

ثانيهما: الروايات المتعددة و النصوص المتكثرة و التمسك بهذه الروايات مبنى أولا على دلالتها على كون الواجب الاستيجار من البلد و الأقرب إليه فالأقرب في موردها و هي الوصية فإن جميعها وارد في هذا المورد و لم يرد شي ء منها في المقام الذي هي صورة عدم الوصية و ثانيا على إثبات انه لا فرق بين الصورتين: الوصية و غيرها و مع عدم تمامية شي ء من الأمرين لا يبقى مجال للاستدلال بها أصلا كما لا يخفى فنقول: منها صحيحة على بن رئاب قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل اوصى ان يحج عنه حجة الإسلام و لم يبلغ جميع ما ترك إلا خمسين درهما قال: يحج عنه من بعض المواقيت التي وقّتها رسول اللّٰه- ص- من قرب. «1».

و الظاهر ان مورد السؤال صورة الوصية بحجة الإسلام فقط من دون تعيين المقدار و لا تعيين المحل الذي يحج عنه من البلد أو الميقات أو غيرهما و المراد من الجواب لزوم الحج عنه من بعض المواقيت و اما قوله- ع- من قرب فيحتمل ان يكون المراد منه هو القرب من الميقات الذي عبر عنه في بعض الروايات بما دون الميقات و يحتمل ان يكون المراد هو أقرب المواقيت المذكور في كلام المشهور و يحتمل ان يكون المراد نفى لزوم الحج عنه من البلد بلحاظ كون الميقات قريبا من مكة و لو أبعد المواقيت.

و كيف كان فالسؤال يدل على انه مع فرض كون التركة واسعة و كافية للحج من البلد يكون اللزوم من البلد مرتكزا في ذهن السائل و الجواب تقرير له على هذه الجهة فمقتضاها الوجوب من

البلد مع سعة المال و كفايته.

______________________________

(1) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الثاني ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 382

..........

______________________________

و منها موثقة عبد اللّٰه بن بكير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه سئل عن رجل اوصى بماله في الحج فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده قال: فيعطى في الموضع الذي يحج به عنه. «1» و دلالتها على لزوم الاستنابة من البلد مع سعة المال و الأقرب إليه فالأقرب مع عدمها واضحة.

و منها ما رواه ابن أبي نصر البزنطي عن محمد بن عبد اللّٰه قال سألت أبا الحسن الرضا- عليه السّلام- عن الرجل يموت فيوصي بالحج من اين يحج عنه؟ قال: على قدر ماله، ان وسعه ماله فمن منزله، و ان لم يسعه ماله فمن الكوفة فان لم يسعه من الكوفة فمن المدينة. «2».

و أورد على الاستدلال بها سندا و دلالة اما من حيث السند فلان الراوي و هو محمد بن عبد اللّٰه بن عيسى الأشعري القمي لم تثبت وثاقته و ان زيدت كلمة «الثقة» في النسخة المطبوعة من كتاب الشيخ بعد عده من أصحاب الرضا- عليه السّلام- لكن هذه النسخة لم تثبت صحتها و كل من نقل عن الشيخ لم يذكر التوثيق أصلا و انا أضيف اليه ان البزنطي و ان كان من أصحاب الإجماع الا ان كون الرجل من أصحابه لا يقتضي وثاقة من يروى عنه أصلا بل غايته كون الرجل بنفسه مجمعا على وثاقته و صحة روايته فالرواية ضعيفة من حيث السند.

و اما من جهة الدلالة فقد ذكر بعض الاعلام ان الخبر يشتمل على أمر لم يقل به أحد إذ لو كانت العبرة بصرف

المال في المقدمات فلا بد من ملاحظة البلاد الأقرب فالأقرب لا الطفرة من بلد الموصى الظاهر انه «خراسان» بقرينة روايته عن الرضا- ع- الى الكوفة و منها إلى المدينة بل اللازم بناء على ملاحظة الأقرب فالأقرب من البلاد ملاحظة البلاد الواقعة في الطريق كنيشابور و سبزوار و طهران و هكذا لا انه يحج عنه

______________________________

(1) ئل أبواب النيابة في الحج ألباب الثاني ح- 2

(2) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الثاني ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 383

..........

______________________________

من الكوفة و ان لم يسعه فمن المدينة مع تحقق مسافة بعيدة بين ذلك.

و يرد عليه- مضافا الى ان الراوي قمي لا خراساني و يمكن ان لا يكون السؤال في خراسان بل في الطريق اليه من المدينة كما لا يخفى و على تقديره فلا دلالة له على كون الموصى بلده خراسان لأن السؤال في بلد لا دلالة له على كون مورده ذلك البلد- ان الجواب الأصلي الذي أفاده الإمام- عليه السّلام- بصورة الضابطة و القاعدة الكلية هو قوله- ع-: «على قدر ماله» الذي يكون مقتضاه البلد و الأقرب إليه فالأقرب و اما ما ذكره بعد ذلك فهو يشبه المثال و لا دلالة له على لزوم الترتيب المذكور فيه فالمناقشة من حيث الدلالة غير واردة بل الرواية ظاهرة في الترتيب بين البلد و الأقرب إليه فالأقرب و منها: ما أورده في الجواهر بعنوان صحيحة الحلبي عنه- عليه السّلام- قال و ان اوصى ان يحج عنه حجة الإسلام و لم يبلغ ماله ذلك فليحج عنه من بعض المواقيت و الظاهر انه اعتمد في ذلك على نقل صاحب المدارك عن تهذيب الشيخ- قده- مع ان

الموجود في التهذيب هو ذكر هذا الكلام بعد صحيحة الحلبي و الدقة فيه تقتضي عدم كونه ذيلا للصحيحة بل هو اما من كلام الشيخ و عبارته و اما من كلام المفيد- قده- في المقنعة التي يكون التهذيب شرحا لها و كيف كان لا تكون رواية أصلا و يدل عليه عدم تعرض صاحب الوسائل لهذه الرواية في الباب الذي أورد فيه سائر الروايات الواردة في المسألة بل و لا في غيره ظاهرا و لو كانت كذلك أي رواية لكانت دلالتها على اعتبار البلد مع سعة المال أظهر من جميع روايات الباب و منها رواية أبي سعيد (سعيد في بعض الطرق) عمن سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل اوصى بعشرين درهما في حجة قال يحج بها (عنه) رجل من موضعه. «1»

و منها: رواية أبي بصير عمن سأله قال قلت له رجل اوصى بعشرين دينارا في حجة فقال: يحج له رجل من حيث يبلغه. «2»

______________________________

(1) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الثاني ح- 5

(2) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الثاني ح- 8

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 384

..........

______________________________

و الظاهر اتحاد الروايتين غاية الأمر ان المذكور في أحد الطريقين أبا سعيد و في الأخر أبا بصير و الظاهر ان أحدهما تصحيف و يؤيده ان الراوي عن كليهما هو ابن مسكان و عنه محمد بن سنان كما انه يظهر ان المسئول في الرواية الثانية هو أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- و ذكر الدرهم في إحديهما و الدينار في أخرى لا يدل على التعدد.

و منها: رواية عمر بن يزيد قال قال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل اوصى بحجة فلم تكفه من

الكوفة، تجزي حجته من دون الوقت. «1»

و منها: رواية أخرى لعمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- رجل اوصى بحجة فلم تكفه قال فيقدمها حتى يحج دون الوقت. «2» و من الواضح اتحاد الروايتين و ان جعلهما في الوسائل متعددا.

و منها: ما رواه ابن إدريس في أخر السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجال بسنده عن عدة من أصحابنا قالوا: قلنا لأبي الحسن يعنى على بن محمد- عليهما السّلام- ان رجلا مات في الطريق و اوصى بحجة و ما بقي فهو لك، فاختلف أصحابنا فقال بعضهم: يحج عنه من الوقت فهو أو فر للشي ء ان يبقى عليه و قال بعضهم: يحج عنه من حيث مات فقال:

- ع- يحج عنه من حيث مات. «3» و المراد من قوله- ع- من حيث مات يحتمل ان يكون لأجل كون اللازم في قضاء الحج عنه في مورده هو الاستنابة و النيابة من البلد الذي يكون المعيار فيه هو بلد الموت و يحتمل ان يكون لأجل كون المورد و هو الموت في الطريق و اللازم بمقتضى الرواية هي النيابة عنه من حيث مات ليكمل الحج من بلد الإقامة و الاستيطان و على الثاني لا تكون الرواية مرتبطة بالمقام الا من جهة دلالتها على كون المراد هو الحج من البلد.

______________________________

(1) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الثاني ح- 6

(2) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الثاني ح- 7

(3) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الثاني ح- 9

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 385

..........

______________________________

و في مقابل هذه الروايات رواية زكريا بن آدم قال سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن رجل مات و اوصى بحجة أ

يجوز ان يحجّ عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال: اما ما كان دون الميقات فلا بأس. «1» و دلالتها على عدم لزوم النيابة من البلد مع سعة المال للاستنابة منه ظاهرة و لكن سندها ضعيف بسهل بن زياد.

فإن أغمضنا عن ضعف سند الرواية فاللازم الجمع بينها و بين الروايات المتقدمة و ما قيل في مقام الجمع أمور:

أحدها: حمل تلك الروايات على استحباب الحج من البلد بقرينة رواية زكريا الصريحة في عدم الوجوب و كفاية الحج من الميقات.

و يرد عليه ان دلالة كثير من الروايات المتقدمة على وجوب الحج البلدي انما كانت بالمفروغية عند السائل و تقرير الامام- عليه السّلام- له و لا يمكن حمله على الاستحباب و ليس فيها مثل هيئة «افعل» الظاهرة في الوجوب القابلة للحمل على الاستحباب إذا كان في مقابلها ما هو أظهر.

ثانيها: التفصيل بين حجة الإسلام و بين غيرها لورود مثل صحيحة ابن رئاب في خصوص حجة الإسلام و إطلاق رواية زكريا لان الموصى به هو مطلق الحجة فيحمل على غير حجة الإسلام.

و هذا الجمع و ان كان أقرب من الوجه السابق الا ان حمل الإطلاق في رواية زكريا على غير حجة الإسلام مع كون المصداق الظاهر لمطلق الحجة هي حجة الإسلام بعيد فتدبر.

ثالثها التفصيل بين ما إذا كانت الوصية بالحج بمقدار معين من المال و عدمه بوجوب الحج عنه في الأول من المكان الذي يفي به المال و عدم وجوبه عنه في الثاني الا من الميقات و الشاهد عليه خبرا أبي سعيد و أبي بصير الواردان في خصوص

______________________________

(1) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الثاني ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 386

..........

______________________________

الوصية بمال معين.

رابعها: التفصيل بين صورة سعة المال و صورة عدمها فيقال بان ما دل على وجوب الحج البلدي مختص بصورة سعة المال و وفائه بذلك و مع عدم السعة فمن الأقرب إليه فالأقرب حتى ينتهي إلى الميقات و الظاهر ان هذا الوجه أحسن الوجوه و أظهرها هذا و لكن ورود هذه الروايات بأجمعها في مورد الوصية يمنع عن الاستدلال بها في المقام و هو صورة عدم الوصية لعدم دليل على عدم الفرق و احتمال دخل خصوصية المورد.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم ينهض في هذه الصورة في مقابل القاعدة التي ليس مقتضاها الا الحج عنه من بعض المواقيت الأقرب فالأقرب إلى مكة ما يدل على وجوب الحج عنه من البلد و لو كان المال واسعا في غاية الوسعة فاللازم متابعة المشهور كما في المتن.

نعم استحباب الاحتياط بالإخراج من البلد ثم من الأقرب إليه فالأقرب بحاله مع احتساب التفاوت بين البلد و الميقات من سهم الكبار فقط و لا ينبغي الارتياب فيه الصورة الثانية: ما إذا كان هناك وصية فتارة يعين الموصى البلد أو الميقات و اخرى لا يعين شيئا منهما و في الثانية قد يكون هناك انصراف إلى البلدية بنظر العرف و ما هو المتداول بين أهله أو تكون قرينة قائمة على ارادتها و قد لا يكون شي ء من الانصراف و قيام القرينة.

ففيما إذا أطلق و لم يعين شيئا و لم يكن انصراف و لا قرينة ففي المتن «كفت الميقاتية» و ذكر بعض الاعلام انه في باب الوصية بالحج لم يرد نص معتبر يعتمد عليه فلا بد من الرجوع الى ما تقتضيه القاعدة.

و الظاهر وجود النص المعتمدة و هو بعض الروايات

المتقدمة كصحيحة على بن رئاب الواردة في الوصية المطلقة بحجة الإسلام الدالة على مفروغية لزوم الحج

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 387

..........

______________________________

من البلد مع سعة المال و اقتضاء التركة له عند السائل و تقرير الامام- عليه السّلام- له على ذلك.

و موثقة ابن بكير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه سئل عن رجل اوصى بماله في الحج فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده قال فيعطى في الموضع الذي يحج به عنه، بناء على كون الموصى به صرف جميع أمواله في الحج و كون اللام في «له» مكسورا و جزء لكلمة «ما» و المراد به هو المال و اما بناء على كون «ما» موصولة و «اللام» مفتوحة فيكون المراد صرف ما يتعلق به من الثلث في الحج و عليه فلا دلالة لها على لزوم الحج البلدي مع عدم وفاء الثلث به.

هذا و لكن الظاهر هو الاحتمال الأول و عدم ثبوت الإجمال في الرواية إذ على تقدير الاحتمال الثاني كان اللازم اضافة مثل قوله: «من الثلث» بعد قوله: «بماله»، و على تقدير الإجمال تكون صحيحة على بن رئاب رافعة لإجمالها و إبهامها حيث صرح فيها بأنه لم يبلغ جميع ما ترك إلا .. فهي تدل على ان النظر انما هو الى جميع المال لا خصوص الثلث.

فمقتضى الروايتين لزوم كون الحج من البلد في صورة الوصية نعم في مقابلهما ما يدل على ان الوصية مطلقا انما هي من الثلث و ما زاد يحتاج إلى اجازة الورثة لكن حيث ان النسبة هي الإطلاق و التقييد فاللازم تقييد الإطلاق بغير مورد الوصية بالحج الثابت على عهدة الموصى نظرا الى الروايتين.

و اما ما

في المتن من كفاية الميقاتية في صورة الإطلاق فالظاهر ان منشأه ما ذهب اليه صاحب الجواهر- قده- من تعارض الروايات المتقدمة و تساقطها و الرجوع الى القاعدة التي عرفت ان مقتضاها كفاية الحج من الميقات هذا كله في صورة الإطلاق.

و اما مع التصريح من الموصى بالحج من البلد فمقتضى ما اخترناه في صورة الإطلاق لزوم الحج البلدي بطريق أولى فإن مورد الروايات و ان كان هي الوصية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 388

..........

______________________________

المطلقة الا ان لزوم الحج البلدي فيه يقتضي لزومه مع التقييد بالبلد بالأولوية القطعية كما لا يخفى.

و اما بناء على مختار المتن فمقتضى الجمع بين رعاية القاعدة المقتضية للحج من الميقات و بين ما يدل على لزوم العمل بالوصية في محدودة الثلث احتساب ما زاد على أجرة الميقاتية من الثلث فان و في بالحج من البلد فاللازم الاستيجار منه و اما أجرة الميقاتية اى الأجرة من الميقات فهي محسوبة من أصل التركة.

ثم انه على تقدير عدم وفاء التركة بالحج من البلد- بناء على المختار- و على تقدير عدم وفاء الثلث بالحج من البلد- بناء على مختار المتن- هل ينتقل الى الميقات أو الى الأقرب فالأقرب من البلد فقد احتاط في المتن بالثاني و رعاية الأقرب فالأقرب و الظاهر ان مقتضى الجمع بين الروايات المتقدمة من هذه الجهة هو الحكم به و انه مع إمكان الأقرب لا يجوز الانتقال الى الميقات سيما مثل موثقة عبد اللّٰه بن بكير المتقدمة المؤيدة برواية محمد بن عبد اللّٰه المتقدمة أيضا.

ثم انه في كلتا الصورتين من المسألة- صورة الوصية و صورة عدمها- لو لم يمكن الاستيجار الا من البلد يجب ذلك و

يخرج من أصل التركة من دون فرق بين القول بان الواجب في صورة الإمكان هو الحج من البلد و بين القول بان الواجب هو الحج من الميقات و ذلك للزوم قضاء الحج عن الميت فإذا لم يمكن الاستيجار الا من البلد فاللازم ذلك من باب المقدمة و منه يظهر انه لا يكون للبلد خصوصية فإذا لم يمكن الاستيجار الا من موضع أبعد من البلد فاللازم ذلك بل لو لم يمكن الا من أقصى نقاط العالم يجب ذلك لأجل ما ذكر.

بقي الكلام في هذه المسألة في أمر لم يقع له التعرض في المتن و هو المراد بالبلد و فيه أقوال:

الأول: ما اختاره في الجواهر من ان المراد به هو بلد الإقامة و الاستيطان حيث

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 389

..........

______________________________

قال: و كيف كان فالمراد بالبلد- على تقدير اعتباره- بلد الاستيطان لانه المنساق من النصوص و الفتوى خصوصا من الإضافة فيهما سيما خبر محمد بن عبد اللّٰه.

الثاني: ما اختاره صاحب المدارك- قده- قال: «الظاهر ان المراد من البلد الذي يجب الحج منه على القول به محل الموت حيث كان كما صرح به ابن إدريس و دل عليه دليله». و وافقه على ذلك السيد- قده- في العروة نظرا إلى إشعار خبر زكريا بن آدم- المتقدم- بذلك و الى أنه أخر مكان كان مكلفا فيه بالحج.

الثالث: ما احتمله صاحب الجواهر- قده- بل نقل عن بعض العامة القول به و هو ان المراد بالبلد بلد الاستطاعة و اليسار التي حصل وجوب الحج عليه فيها.

الرابع: ما احتمله السيد- قده- في العروة و وصفه في آخر كلامه بأنه قويّ جدا و هو التخيير بين البلدان التي

كان فيها بعد الاستطاعة، و الظاهر ان المراد من تلك البلدان هي البلدان التي سافر إليها و ليس المراد هي الإقامة فيها كما لا يخفى.

هذا و الظاهر ما أفاده في الجواهر من ان المنساق من النص و الفتوى هو بلد الإقامة خصوصا مع الإضافة إلى الشخص و مع الإتيان بصيغة الجمع المنافي مع بلد الموت في موثقة ابن بكير المتقدمة و مع التعبير بالمنزل المضاف إليه في رواية محمد بن عبد اللّٰه المتقدمة أيضا.

و اما رواية زكريا بن آدم فمضافا الى عدم صحة سندها- كما مر- يرد على الاستناد إليها انه لا اشعار فيها لان بلد الموت مذكور في كلام السائل و الجواب حيث يكون ناظرا الى عدم اعتبار البلد من رأس و ان ما كان دون الميقات فلا بأس به لا يكون تقريرا لما في ذهن السائل و لا مجال لدعوى التقرير بالإضافة إلى قضية تعليقية و هي انه لو كان البلد معتبرا لكان المراد به هو بلد الموت و هذا بخلاف التقرير في موثقة عبد اللّٰه بن بكير حيث يكون الجواب فيها دالا على تقرير ما في ذهن السائل من انه لو كان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 390

[مسألة 59- لو اوصى بالبلدية أو قلنا بوجوبها مطلقا فخولف]

مسألة 59- لو اوصى بالبلدية أو قلنا بوجوبها مطلقا فخولف و استؤجر من الميقات و اتى به، أو تبرع عنه متبرع منه برئت ذمته و سقط الوجوب من البلد، و كذا لو لم يسع المال الا من الميقات، و لو عين الاستيجار من محل غير بلده تعين و الزيادة على الميقاتية من الثلث، و لو استأجر الوصي أو الوارث من البلد مع عدم الإيصاء بتخيل عدم كفاية الميقاتية

ضمن ما زاد على الميقاتية للورثة أو لبقيتهم. (1)

______________________________

ما يحج به كافيا من بلاده لكان اللازم الحج منها ثم ان ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر- على ما تقدم- يكون أيضا ظاهرا في ان المراد بالبلد هو بلد الموت و لكنه ذكر في الجواهر ان الظاهر ارادة موته في طريق الحج بل لعل الخبر: اوصى بحجته اى بإتمام حجته، و عليه لا يكون واردا في المقام كما انه على التقدير الأول أيضا لا تكون الرواية واجدة لوصف الاعتبار و الحجية.

و اما الاستدلال بأنه آخر مكان كان مكلفا فيه بالحج فيرد عليه انه لم يكن الواجب عليه الحج من ذلك المكان الذي مات فيه بل كان الواجب على نفسه هو الحج و قطع المسافة و طي الطريق لا يكون واجبا الا من باب المقدمة بناء على وجوبها و على تقدير الوجوب عليه من ذلك المكان نقول: ما الدليل على وجوب القضاء عنه من ذلك المكان فان الدليل على وجوب القضاء عنه من البلد و ان كان على خلاف القاعدة الا انه لا دلالة له على اعتبار بلد الموت و قد عرفت ان المنساق منه هو بلد الإقامة و الاستيطان.

و مما ذكرنا يظهر بطلان القول الثالث و كذا الاحتمال الرابع فإن المنشأ لهما هو توجه التكليف بوجوب الحج إليه في ذلك البلد و لكنه لا يقتضي اللزوم عليه من ذلك البلد و على تقديره فلا دليل على وجوب القضاء عنه منه كما هو ظاهر.

(1) في هذه المسألة فروع: الأول: ما لو اوصى بالبلدية أو قلنا بوجوبها مطلقا و لو مع الوصية المطلقة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 391

..........

______________________________

أو عدم الوصية

رأسا فخولف و استؤجر من الميقات و فيه جهات من الكلام:

الجهة الاولى: في براءة ذمة الميت بالإتيان بالحج الميقاتي و سقوط الوجوب من البلد و عدمها و استشكل فيها صاحب المدارك- قده- نظرا الى عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه على هذا التقدير فلا يتحقق الامتثال.

و يدفع هذا الاشكال ان ذمة الميت مشغولة بخصوص الحج الذي هو عبارة عن الاعمال و المناسك التي يكون شروعها من الميقات و وجوب الاستنابة من البلد- على تقدير الوصية به أو مطلقا- انما هو تكليف زائد قد دل عليه الدليل على ما هو المفروض و لا يرجع ذلك الى توقف براءة ذمة الميت على الاستيجار من البلد و تحقق الحج منه بل هو تكليف مستقل يترتب على مخالفته الإثم و استحقاق العقوبة و لا يرتبط بمسألة ذمة الميت و تحقق برائتها أصلا كما لا يخفى.

و يمكن استفادة ذلك من صحيحة حريز بن عبد اللّٰه قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل اعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة قال عليه السّلام لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقدتم حجه. «1» فان موردها و ان كان صورة حياة الرجل المعطى و لا محالة تكون استنابته لأجل الهرم أو المرض الذي لا يرجى زواله- كما تقدم البحث فيه مفصلا- و المناسبة تقتضي أن تكون الكوفة بلد الرجل المعطى و لا دلالة فيه على لزوم ان تكون استنابة الحي من البلد لان وقوعها كذلك لا يكشف عن وجوبها و لأجله يمكن الإيراد على سيد المستمسك- قده- حيث أورد هذه الرواية في ضمن الروايات الواردة في المسألة السابقة مع عدم ارتباطها بها أصلا كما ان موردها صورة

مخالفة الأجير لا المخالفة في الاستيجار كما هو المفروض في المقام و الجواب و ان كان دالا على عدم البأس فيه الا ان قوله عليه السّلام إذا قضى جميع المناسك .. بمنزلة التعليل و مقتضاه ان الإتيان بالمناسك يوجب تحقق التمامية

______________________________

(1) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الحادي عشر ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 392

..........

______________________________

و براءة الذمة و لو مع المخالفة فمقتضى الرواية سقوط الوجوب من البلد في المقام أيضا ثم انه يلحق بالفرع المذكور في هذه الجهة الفرعان الآخران المذكوران في المتن.

الجهة الثانية: في ان التفاوت المالى بين الحج البلدي و الحج الميقاتي هل ينتقل الى الوارث مطلقا أو يصرف في وجوه البرّ للميت الأقرب فالأقرب في نظره و جهاته أو ان في هذه الجهة تفصيلا بين صورة الوصية و بين ما إذا لم يكن هناك وصية ففي الصورة الثانية لا بد من الحكم بالانتقال إلى الورثة لأنه بعد سقوط وجوب الحج البلدي و تحقق براءة ذمة الميت و عدم بقاء موضوع لوجوب الحج أو إتيان المقدمات و المفروض عدم ثبوت وصية في البين فلا محالة ينتقل الى الوارث و في الصورة الأولى يصرف في وجوه البر للميت بالنحو المذكور لان المتفاهم عرفا من الوصية انما هو كونها بنحو تعدد المطلوب و قد عرفت ان مقتضى رواية على بن مزيد (فرقدكا) المتقدمة الواردة في مورد عدم وفاء التركة بالحج الموصى به الذي كان هو الحج بنحو التمتع الانتقال الى حج الافراد و مع عدم وفاء التركة به الانتقال الى التصدق عن الميت و لعله يستفاد من الروايات الآخر أيضا و هذا الوجه هو الظاهر.

الجهة الثالثة: في

صحة الإجارة و بطلانها، ربما يستظهر الفساد نظرا الى ان المرخص من التصرف في مال الميت انما هو الاستيجار من البلد و اما غيره فغير مأذون فيه فالمستأجر ضامن للأجير أجرة المثل.

و يرد عليه انه لا مجال للحكم ببطلان الإجارة من دون فرق بين ما إذا كانت الأجرة كلية أو شخصية من مال الميت اما في الصورة الأولى فلانه لا موجب للبطلان بعد كون العمل صحيحا مشروعا موجبا لتحقق براءة ذمة الميت و كان الواجب على الوصي بذل المال في ذلك و لزوم البذل من البلد لا يقتضي عدم مشروعية ذلك البذل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 393

..........

______________________________

بعد كون الحج من البلد و لزوم الشروع منه تكليفا زائدا غير مرتبط بالواجب الأصلي و منه يظهر الصحة في الصورة الثانية فهي كما لو اوصى ببذل مال معين الى زيد فصرف الوصي نصفه- مثلا- و بذله الى الموصى له فإنه لا يمكن الحكم ببطلان هذا التصرف و عدم جوازه من الوصي و عدم جواز تصرف الموصى له فيه لانه خلاف مقتضى الوصية فالظاهر- ح- صحة الإجارة.

الجهة الرابعة: في انه على تقدير الحكم ببطلان الإجارة هل يكون ذلك قادحا في تحقق براءة ذمة الميت و سقوط وجوب الحج من البلد أولا؟ الظاهر هو الثاني لأن بطلان الإجارة انما يؤثر في انتقال الأجرة المسماة إلى أجرة المثل فقط و اما صحة العمل و النيابة فهي باقية بحالها فالاجير قد اتى بالحج نيابة عن الميت و الفرق بينه و بين المتبرع انما هو في استحقاق الأجرة و عدمه و الّا فهما مشتركان في وقوع العمل صحيحا بعنوان النيابة فلا مجال للإشكال في الاكتفاء به.

الفرع

الثاني: ما لو عين الاستيجار من محل غير بلده و غير الميقات و الكلام فيه تارة على تقدير القول بلزوم الحج البلدي و كونه من أصل التركة و لو مع عدم الوصية و اخرى على تقدير القول بعدم لزومه و ان ما زاد على الميقات لا بد من احتسابه من الثلث.

فعلى التقدير الأول ربما يستشكل في صحة الوصية بالحج من غير بلده بأحد وجهين:

الأول: ان هذه الوصية على خلاف السنّة و على خلاف ما هو الواجب شرعا لان اللازم في الشرع انما هو الحج من البلد على ما هو المفروض.

الثاني: انه يعتبر في صحة الوصية ان يكون متعلقها مما ثبت للموصى الولاية عليه فلا تصح في غير هذه الصورة كان يصلى زيد- مثلا- في كل يوم في مسجد الكوفة ركعتين أو يقضي شخص خاص ما على الموصى من الصلاة و الصيام فإن قضائهما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 394

..........

______________________________

لا يكون تكليفا بعد الموت بل هو تكليف للورثة و ما نحن فيه من هذا القبيل فان قضاء الحج عنه ليس تكليفا له بل تكليف للورثة فلا بد ان يحكم بعدم صحة الوصية المذكورة.

و يرد على الوجه الأول- مضافا الى عدم جريانه فيما إذا كان البلد الذي اوصى بالحج منه بنحو يكون بلد الموصى واقعا في مسيره إلى الحج لان المراد من الحج من البلد في مقابل الميقات اعتبار وقوع البلد في الارتباط بالحج لا لزوم كون الشروع منه بحيث ينافي الشروع من بلد آخر مع وقوع بلد الموصى في المسير و عليه فهذا الوجه لا يجري في جميع فروض المسألة- ان كون هذه الوصية على خلاف السنة ممنوع لأنك عرفت

ان مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الروايات الواردة في مورد الوصية انما هو الحج من الميقات لان شروع الاعمال و المناسك انما هو منه غاية الأمر ان الروايات الواردة في الوصية بضميمة الأولوية و إلغاء الخصوصية- على تقدير القول به- اقتضت لزوم الحج من البلد فيما إذا اوصى بالحج البلدي و فيما إذا لم يكن هناك وصية أصلا و عليه ففيما إذا اوصى بالحج من غير بلده لم يقم دليل على ان الواجب هو الحج من البلد حتى تكون الوصية مخالفة له.

و يرد على الوجه الثاني انه لو كان مصرف الحج من غير بلده زائدا على الحج البلدي لا مانع من الحكم بصحة وصيته لان له الولاية على الثلث و الزائد يخرج منه فبهذا اللحاظ تثبت له الولاية نعم لو لم يكن مصرفه زائدا على الحج من البلد يمكن القول بعدم صحة الوصية- ح- للزوم خروج مصرف الحج على اى حال من أصل التركة فلا ولاية له عليه الا ان يقال بخروج الزائد من الميقات من الثلث في هذه الصورة أيضا فتدبر.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 1، ص: 394

الفرع الثالث: ما هو المذكور في المتن في آخر المسألة و هو ما لو استأجر الوصي أو الوارث من البلد مع عدم الإيصاء بالحج منه بتخيل عدم كفاية الميقاتية و هو يبتنى على كفاية الميقاتية في صورة الوصية المطلقة على ما هو مختار المتن و اما على ما هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص:

395

[مسألة 60- لو لم تف التركة بالاستيجار من الميقات إلا الاضطراري منه]

مسألة 60- لو لم تف التركة بالاستيجار من الميقات إلا الاضطراري منه كمكة أو أدنى الحل وجب، و لو دار الأمر بينه و بين الاستيجار من البلد قدم الثاني و يخرج من أصل التركة، و لو لم يمكن الا من البلد وجب، و ان كان عليه دين أو خمس أو زكاة يوزع بالنسبة لو لم تكف التركة. (1)

______________________________

المختار من لزوم الحج من البلد في الوصية المطلقة فاللازم فرض هذا الفرع بالإضافة إلى الوارث فقط مع عدم الوصية رأسا.

و كيف كان فالوجه في الضمان بالإضافة الى ما زاد على الميقاتية انما هي قاعدة الإتلاف المقتضية للضمان من دون فرق بين صورة العلم و صورة الجهل فإذا أكل طعام الغير بتخيل انه طعام نفسه و ملكه يكون ضامنا لمالكه فتخيل عدم كفاية الميقاتية لا يوجب ارتفاع الضمان.

ثم ان ضمان الوصي غير الوارث انما يكون بالإضافة الى جميع ما زاد على الميقاتية و اما ضمان الوارث فإنما يكون بالنسبة إلى مقدار سهام سائر الورثة لا جميع ما زاد عليها كما لا يخفى.

(1) في هذه المسألة فروع أربعة و قد وقع التعرض للأخيرين منها في المسائل المتقدمة أيضا فلا حاجة الى البحث عنها.

و اما الفرع الأول فهو ما إذا لم تف التركة إلا بالاستيجار من الميقات الاضطراري كمكة أو أدنى الحل ففي المتن: «وجب» و وجهه عموم دليل البدلية عند الاضطرار كما في «المستمسك» و لكنه ربما يناقش فيه بان مورد النصوص الواردة في هذا الباب صورة التجاوز عن الميقات بلا إحرام جهلا أو نسيانا و يمكن إلحاق صورة العلم و الالتفات به أيضا و مقتضاها انه لو امكنه الرجوع الى الميقات وجب و لو لم يمكنه

فان لم يدخل الحرم يحرم من مكانه و ان دخل الحرم فإن أمكنه الرجوع الى أدنى الحل وجب و الا فيحرم من مكانه و بالجملة لا إطلاق لتلك النصوص

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 396

[مسألة- 61 يجب الاستيجار عن الميت في سنة الفوت]

مسألة- 61 يجب الاستيجار عن الميت في سنة الفوت و لا يجوز التأخير عنها خصوصا إذا كان الفوت عن تقصير، و لو لم يمكن الا من البلد وجب و خرج من الأصل و ان أمكن من الميقات في السنين الأخر، و كذا لو أمكن من الميقات بأزيد من الأجرة المتعارفة في سنة الفوت وجب و لا يؤخر، و لو أهمل الوصي أو الوارث فتلفت التركة ضمن، و لو لم يكن للميت تركة لم يجب على الورثة حجه و ان استحب على وليه. (2)

______________________________

يشمل المقام الذي لم يتحقق فيه التجاوز عن الميقات بلا إحرام أصلا و التحقيق موكول الى محله.

و اما الفرع الثاني و هو دوران الأمر بين الاستيجار من الميقات الاضطراري و بين الاستيجار من البلد فالحكم فيه لزوم تقديم الثاني و الإخراج من أصل التركة و الوجه فيه عدم تحقق موضوع الاضطرار مع إمكان الاستيجار من البلد الذي لازمة وقوع الحج من الميقات الاختياري كما لا يخفى فلا يكون هناك اضطرار حتى ينتقل الى الميقات الاضطراري.

(2) في هذه المسألة أحكام: الأول: لزوم الاستيجار عن الميت في سنة الفوت و عدم جواز التأخير عنها و ليس الوجه فيه ما افاده بعض الاعلام من ان مال الميت أمانة شرعية بيد الورثة أو الوصي و لا يجوز فيه التصرف أو الإبقاء إلا بدليل فالواجب صرفه في الحج في أول أزمنة الإمكان و ذلك لان مقتضاه جواز

التأخير على المبنى الأخر و هو انتقال جميع التركة إلى الوارث غاية الأمر تعلق حق الميت به كتعلق حق المرتهن بالعين المرهونة مع ان الظاهر عدم الجواز على هذا المبنى أيضا.

بل الوجه فيه ان ظاهر أدلة وجوب قضاء حجة الإسلام عن الميت وجوب قضائها عنه بالنحو الذي كان واجبا عليه و من المعلوم ان الواجب عليه هو بنحو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 397

..........

______________________________

الفور فالفور فاللازم في القضاء مراعاة ذلك من دون فرق بين المبنيين.

و اما وجه الخصوصية فيما إذا كان الفوت عن الميت بعد الاستقرار عن تقصير فإنما هو مدخلية الإتيان بالحج في رفع العقاب عنه لانه بتقصيره يكون معاقبا و بالحج ترتفع العقوبة الا ان يقال ان ارتفاع العقوبة عن الميت لا يؤثر في الإلزام على الورثة بالإضافة إلى الفورية فتدبر.

الثاني: لزوم الاستيجار من البلد لو لم يمكن الا منه و لو أمكن من الميقات في السنين الأخر و الوجه فيه انه مع فرض عدم جواز التأخير كما عرفت يكون اللازم القضاء عنه في سنة الفوت و لو كان متوقفا على الاستيجار من البلد المستلزم لصرف مقدار زائد من التركة و لا يكون ذلك مستلزما للضرر على الورثة بعد تأخر الإرث عن قضاء الحج الذي هو بمنزلة الدين الواجب غايته تفويت منفعة لهم و لا دليل على عدم جوازه و مثل ذلك وجوب الاستيجار من الميقات في سنة الفوت و لو كان بأزيد من الأجرة المتعارفة.

الثالث: ضمان الوصي أو الوارث لو أهمل فتلفت التركة و الوجه في الحكم بالضمان ان يد كل منهما على المال يد أمانة شرعية و مرجعها الى ثبوت الاذن من الشارع في إثبات

اليد عليه و من الواضح عدم ثبوت الاذن منه في الإهمال و التأخير فتكون اليد- ح- يدا عادية مستلزمة للضمان بمقتضى «على اليد ما أخذت حتى تؤدى».

ثم ان السيد- قده- في العروة عطف على التلف المترتب عليه الضمان صورة نقصان القيمة بحيث لم تف بالاستيجار لقضاء الحج و هذا انما يتم فيما لو كان النقصان مستندا الى زوال بعض التركة و تلفه أو زوال بعض الصفات الموجبة لارتفاع القيمة كالسمن و نحوه و اما لو كان مستندا الى السوق و نقصان القيمة السوقية فالحكم بالضمان فيه مشكل بعد عدم كون الواقع تحت اليد الا العين- بالذات- و الصفات المذكورة- بالتبع- و اما القيمة السوقية فلا تقع تحت اليد فلا مجال للضمان بالنسبة إليها و التحقيق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 398

..........

______________________________

موكول الى كتاب الغصب.

الرابع: عدم وجوب قضاء الحج عن الميت على الورثة لو لم يكن للميت مال و تركة و الوجه فيه ان الروايات المتقدمة الواردة في هذا الحكم تدل على وجوب القضاء من مال الميت و تركته فلا دلالة لها على الوجوب مع عدم ثبوت المال فليس الحج مثل الصلاة التي تقتضي عن الميت نعم ظاهر صحيحة ضريس عن أبي جعفر عليه السّلام المتقدمة الوجوب مطلقا قال في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق فقال ان مات في الحرم فقد أجزأت عن حجة الإسلام و ان مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام. «1» و في الجواهر: انه يشعر بالوجوب كلام ابن الجنيد، و في كشف اللثام: قد يستظهر الوجوب من كلام أبي على و ليس فيه الا ان الولي يقضى عنه ان لم يكن

ذا مال. و من المعلوم ان ظاهره الوجوب كما في الدروس.

و لكنه ذكر في «الجواهر» انه- يعنى صحيح ضريس- محمول على الندب قطعا. و ذكر صاحب «المستمسك» ان مقتضى الجمع العرفي التقييد بالتركة لا الحمل على الندب.

و يرد على الجمع الأول انه ليس هنا ما يدل على عدم الوجوب مع عدم المال حتى يكون مقتضى الجمع بينه و بين صحيحة ضريس حملها على الندب بقرينته كما انه يرد على الجمع الثاني ان التقييد بالتركة مع كون الدليلين مثبتين و عدم ثبوت منافاة في البين لا مساغ له أصلا.

و الحق في المقام ان يقال انه لا إطلاق في الصحيحة فإن موردها صورة وجود التركة فإن من يخرج حاجا لا يكون فاقدا للمال و التركة نوعا و يؤيده وجود هذا التعبير في صحيحة بريد العجلي «2» مع اضافة قوله: «و معه جمل له و نفقة و زاد» فان الظاهر

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 399

[مسألة 62- لو اختلف تقليد الميت و من كان العمل وظيفته في اعتبار البلدي و الميقاتي]

مسألة 62- لو اختلف تقليد الميت و من كان العمل وظيفته في اعتبار البلدي و الميقاتي فالمدار تقليد الثاني، و مع التعدد و الاختلاف يرجع الى الحاكم، و كذا لو اختلفا في أصل وجوب الحج و عدمه فالمدار هو الثاني، و مع التعدد و الاختلاف فالمرجع هو الحاكم، و كذا لو لم يعلم فتوى مجتهده، أو لم يعلم مجتهده، أو لم يكن مقلدا، أو لم يعلم انه كان مقلدا أم لا، أو كان مجتهدا و اختلف رأيه مع متصدى العمل، أو لم

يعلم رأيه. (1)

______________________________

كون الإضافة توضيحية كما لا يخفى.

الخامس: استحباب الحج على الولي مع عدم التركة و هو انما يتم على تقدير حمل صحيحة ضريس على الاستحباب كما فعله صاحب الجواهر و اما على ما ذكرنا من اختصاص موردها بصورة وجود التركة فيشكل بأنه لا دليل على الاستحباب- ح- الا ان يقال بان الحج عنه انما هو من مصاديق الإحسان اليه و يرد عليه- مضافا الى ان متعلق الاستحباب- ح- هو الإحسان لا الحج بعنوانه- انه لا يختص ذلك بالولي بل يعم غيره أيضا كما هو ظاهر.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين: المقام الأول: فيما لو اختلف تقليد الميت و تقليد من كان العمل وظيفته سواء كان وارثا أو وصيّا في اعتبار البلدي و الميقاتي كان يقول أحدهما بلزوم الحج من البلد و الأخر بلزومه من الميقات أو في أصل وجوب الحج و عدمه كان يقول أحدهما بعدم اعتبار الرجوع الى الكفاية في وجوب الحج و الأخر بالاعتبار فلم يكن الميت واجبا عليه الحج لعدم تحقق هذا الشرط فيه.

و قبل البحث في هذا المقام لا بد من التنبيه على أمر و هو ان السيد- قده-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 400

..........

______________________________

في «العروة» صرح بجريان حكم هذا المقام بالإضافة إلى الوصي أيضا حيث عطف الوصي على الوارث و ظاهر المتن باعتبار ذكر عنوان جامع بينهما و هو من كان العمل وظيفته عدم الاختصاص بالوارث الا انه ذكر بعض الاعلام انه لا اثر للاختلاف في باب الوصية لأنها نافذة بالإضافة إلى الثلث و يجب على الوصي تنفيذها حسب وصية الميت و نظره و لا اثر لنظر الوصي سواء كان الاختلاف بينهما

موجودا بالنسبة إلى أصل الوجوب أو المكان أم لم يكن فالواجب على الوصي تنفيذ الوصية سواء وافق رأيه رأى الميت أم خالف بل لو لم يوص بالحج و عين مصرفا خاصا للثلث يجب صرفه فيما عينه و لا يجوز له التبديل و التغيير.

و يرد عليه انه يمكن فرض المسألة في باب الوصية بالإضافة إلى المكان و ذلك كما في الوصية المطلقة بالحج من غير تعيين حيث عرفت وجود الاختلاف في هذا الفرض حيث ان مقتضى بعض الفتاوى كفاية الميقاتية كما في المتن و مقتضى البعض الأخر لزوم كونه من البلد كما اخترناه و حينئذ إذا اختلف تقليد الميت و تقليد الوصي في هذه الجهة يتحقق موضوع المقام و انه هل اللازم على الوصي مراعاة تقليد الميت أو ان اللازم مراعاة تقليد نفسه فلا مجال لإخراج الوصية- مطلقا- من هذا البحث كما لا يخفى.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه صرح السيد- قده- في العروة في كتاب الحج ان المدار على تقليد الميت و لكنه ذكر في أول فصل مباحث الوصية ان المدار على تقليد الوارث أو الوصي كما هو مختار المتن و أكثر شروح العروة و قد اختاره المحقق النائيني- قده.

و الوجه في لزوم رعاية تقليد الوارث أو الوصي ان الحكم الواقعي- على ما هو مقتضى التحقيق عندنا معاشر المخطئة- ليس الا واحدا و لا يكون الاجتهاد مغيرا له بوجه بل هو معتبر من باب الكشف و الطريقية فإن أصاب الواقع فهو و الا فهو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 401

..........

______________________________

معذور و لا موضوعية له أصلا و عليه فبعد كون التكليف الفعلي بعد تحقق الموت متوجها الى الوارث و ان كان

المنشأ هو إهمال الميت و استقرار الحج عليه أو تخلية عدم الوجوب الا انه بالفعل لا يكون متوجها الّا الى الوارث أو الوصي فاللازم مراعاة تقليد نفسه ليتحقق الفراغ عن التكليف المتوجه اليه قطعا فإذا كان مقلده- بالفتح- يرى وجوب الحج مع عدم الرجوع الى الكفاية و المفروض ان الميت كان فاقدا له و لأجله ترك الحج تقليدا لمن يقول بالاعتبار و عدم الوجوب مع عدم الرجوع فكيف يجوز للوارث ترك القضاء و عدم الإتيان بالحج مع ان مقتضى تقليده وجوب الحج على الميت و انه يجب القضاء عنه بعد الموت و هكذا بالإضافة إلى المكان.

و بالجملة لا ينبغي الإشكال في ان اللازم على الولي مراعاة تقليده لانه المكلف بالفعل دون الميت و ان فتوى مجتهده حجة بالإضافة إليه دون فتوى مجتهد الميت و كون الحج قضاءا عنه لا يقتضي رعاية تقليد الميت.

نعم لو كان الاجتهاد أو التقليد معتبرا من باب الموضوعية لكان المدار هو نظر الميت لكنه مستلزم للتصويب الباطل بلا ريب و لذا يحكم في موارد تبدل رأى المجتهد بان الملاك هو الرأي الثاني فإذا كان رأى المجتهد أوّلا اعتبار الرجوع الى الكفاية في وجوب الحج و لأجله ترك الحج لفقدان الرجوع ثم بعد مضى سنين- مثلا- تبدل رأيه و اختار عدم اعتبار الرجوع إليها لكان اللازم عليه- الحج- فعلا- و لو متسكعا لانه يرى انه كان في ذلك الزمان واجب الحج و قد تركه و ان كان في الترك معذورا.

و بالجملة لا ينبغي الإشكال في أن العبرة انما هو بنظر الوارث أو الوصي و قد عرفت ان السيد- قده- عدل في باب الوصية عما أفاده في كتاب الحج و العمدة في وجهه

ما أشرنا إليه من كون التكليف متوجها الى الوارث و اللازم عليه رعاية تقليد نفسه لأنه الحجة بالإضافة اليه و لا يرتبط ذلك بالميت و تقليده أصلا غاية الأمر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 402

..........

______________________________

كون المكلف به هو القضاء عن الميت الذي استقر عليه الحج و لم يأت به و هذا لا يوجب الارتباط بتقليد الميت أصلا كما انه لا يكون نظره في الموضوع حجة بالإضافة إلى الوارث فإذا كان نظره انه لم يكن مستطيعا و لأجله ترك الحج و لكن الوارث يعتقد بأنه كان مستطيعا فاللازم على الوارث القضاء كما في الدين فإذا لم يكن الميت معتقدا بثبوت الدين عليه و لكن الوارث كان معتقدا به فاللازم عليه أداء الدين بمقتضى قوله تعالى «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ» فان تشخيصه موكول الى الوارث كما هو ظاهر.

المقام الثاني: فيما إذا كان الاختلاف- في أصل الوجوب أو في المكان- متحققا بين الورثة فيرى بعضهم- اجتهادا أو تقليدا- عدم الوجوب و البعض الأخر- كذلك- الوجوب أو يرى بعضهم البلدية و الأخر الميقاتية، و قد ذكر السيد- قده- في العروة في الفرض الثاني انه يعمل كلّ على تقليده فمن يعتقد البلدية يؤخذ من حصته بمقدارها بالنسبة فيستأجر مع الوفاء بالبلدية بالأقرب فالأقرب إلى البلد ثم قال: و يحتمل الرجوع الى الحاكم لرفع النزاع فيحكم بمقتضى مذهبه نظير ما إذا اختلف الولد الأكبر مع الورثة في الحبوة و ظاهر المتن تعين هذا الاحتمال و لا بد قبل بيان الاحتمالين و مبناهما من بيان ان الرجوع الى الحاكم مع كون الاختلاف في الحكم دون الموضوعات انما هو لأجل كون الاختلاف فيه مؤثرا

في الحق أو المال كما في مثال الحبوة المذكور في كلام السيد- قده- فان الاختلاف في ثبوت الحبوة و عدمها انما يترتب عليه اختصاص الحبوة بالولد الأكبر و عدمه و في مثله لا يرتفع التنازع و التخاصم الذي يكون مطلوب الشارع رفعه إلا بالمراجعة إلى الحاكم و هو يحكم بمقتضى مذهبه و لا مجال في مثله للبينة و اليمين و الحصر في قوله صلّى اللّٰه عليه و آله:

«إنما أقضي بينكم بالبينات و الايمان» إضافي لا يقتضي عدم جريان القضاء في باب الاحكام في المورد المذكور.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 403

..........

______________________________

إذا ظهر لك ما ذكرنا فاعلم ان مبنى لزوم عمل كل على تقليده بالنحو المذكور هو ثبوت مصرف الحج في التركة على سبيل الإشاعة لأنه حينئذ لا يكون نزاع في البين و كل واحد من الورثة يعمل على طبق رأيه- اجتهادا أو تقليدا- فإذا كانت التركة مقدار مائة الف- مثلا- و كان مصرف الحج البلدي عشرين ألفا و الحج الميقاتي عشرة آلاف و كان الوارث منحصرا في ذكرين- مثلا- فالذي يرى الحج البلدي يعتقد بان سهم الحج هو الخمس من أصل التركة و الذي يعتقد الحج الميقاتي يرى ان نصيب الحج هو العشر فاللازم ان يدفع الأول خمس ما يتعلق به و هو خمسون ألفا و ان يدفع الثاني عشر ما يتعلق به فالأول يدفع عشرة آلاف و الثاني خمسة آلاف و المجموع خمس عشر ألفا فيستأجر من الأقرب الى البلد فالأقرب.

و مبنى الاحتمال الثاني ان الحج عن الميت واجب في أصل المال و الإرث انما هو بعد الحج و لا ينتقل المال اليه الا بعده و ثبوت الحج كالدين

انما هو كالكلي في المعين فله- اى للوارث- مطالبة الأخر بالحج لينتقل اليه المال و عليه فمرجع النزاع الى ان من يرى الحج البلدي يعتقد بأن التركة لا تنتقل الا بعد أدائه من البلد و الأخر ينكر ذلك و يقول بان عزل مقدار الحج الميقاتي يكفي في تحقق الانتقال و ثبوت الإرث و في مثله لا يرتفع التخاصم الا بالمراجعة إلى الحاكم و لو كان المتداعيان مجتهدين فإنه في هذه الصورة أيضا يتعين الرجوع الى الحاكم ليحكم على طبق نظره و فتواه.

ثم انه ذكر في ذيل المسألة موارد كثيرة يكون الحكم فيها الرجوع الى تقليد الوارث أو الوصي منها ما إذا لم يعلم فتوى مجتهد الميت و الوجه في الحكم المذكور واضح فإنه فيما لو علم فتوى مجتهده و الاختلاف بينها و بين فتوى المتصدي إذا كان المدار تقليد الثاني فهو في هذه الموارد يكون بطريق اولى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 404

[مسألة 63- لو علم استطاعته مالا و لم يعلم تحقق سائر الشرائط و لم يكن أصل محرز لها لا يجب القضاء عنه]

مسألة 63- لو علم استطاعته مالا و لم يعلم تحقق سائر الشرائط و لم يكن أصل محرز لها لا يجب القضاء عنه، و لو علم استقراره عليه و شك في إتيانه يجب القضاء عنه، و كذا لو علم بإتيانه فاسدا، و لو شك في فساده يحمل على الصحة. (1).

______________________________

نعم ذكر السيد- قده- في العروة مسألة عدم العلم بفتوى المجتهد و ذكر فيها وجهين: وجوب الاحتياط و الرجوع الى تقليد الوارث أو الوصي في هذه الصورة.

و يرد عليه انه مع جعل المدار تقليد الميت لا مجال للرجوع الى غيره مع عدم العلم بفتوى مجتهده بل يتعين الاحتياط للوصول الى فتوى مجتهده أو البراءة و بالجملة لا يجتمع ما

ذكره مع جعل المدار تقليد الميت كما لا يخفى.

(1) في هذه المسألة فروع: الأول: ما لو علم الوارث استطاعة الميت من جهة المال و لم يعلم تحقق سائر الشرائط الدخيلة في أصل التكليف و وجوب الحج كالاستطاعات الثلاثة الآخر لا يجب عليه القضاء عن الميت لعدم إحراز توجه التكليف اليه و ثبوت وجوب الحج عليه لان المفروض الشك في تحقق بعض شرائط الوجوب فتوجه التكليف اليه مشكوك و مقتضى أصالة البراءة العدم و مع عدمه لا يبقى موضوع لوجوب القضاء على الوارث نعم لو كان هناك امارة على تحقق سائر الشرائط أو أصل محرز لها كما إذا قامت البينة على وجود الاستطاعات الثلاثة في عام الاستطاعة المالية أو كان مقتضى الاستصحاب ذلك يجب القضاء على الوارث لفرض وجود الدليل على توجه التكليف الى الميت كما هو ظاهر.

الثاني: ما لو علم استقراره عليه و انه كان جميع الشرائط للوجوب متحققة و مع ذلك أهمل و لم يأت بالحج في عام الوجوب و شك في إتيانه بعد الاستقرار ففي المتن الحكم بوجوب القضاء عنه و احتمل في العروة- بعد استظهار الوجوب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 405

..........

______________________________

نظرا إلى أصالة بقائه في ذمته- عدم الوجوب عملا بظاهر حال المسلم و انه لا يترك ما وجب عليه فورا.

و الظاهر انه لا مجال لهذا الاحتمال بعد عدم حجية ظهور حال المسلم و عدم قيام الدليل على اعتباره فإن منشأ هذا الظهور إما الغلبة أو كون إسلامه مقتضيا لذلك أو أشباههما و لم يقم دليل على حجية شي ء منها نعم قد يكون في بعض الموارد قواعد اخرى قام الدليل على اعتبارها كأصالة الصحة الجارية في

فعل المسلم إذا شك في صحة العمل الصادر منه قطعا و فساده و قاعدة الشك بعد الوقت في الصلاة و قاعدتي الفراغ و التجاوز و أمثالها من القواعد المعتبرة و اما في غير هذه الموارد فلم ينهض دليل على حجية ظهور حال المسلم فهذا الاحتمال ساقط و اما استصحاب عدم الإتيان بما استقر عليه من الحج فيمكن المناقشة فيه بوجهين:

أحدهما: ان استصحاب عدم الإتيان لا يثبت عنوان «الفوت» المأخوذ في دليل وجوب القضاء لأنه أمر وجودي لا يثبت بالاستصحاب العدمي.

و الجواب انه لو سلم ذلك فإنما يكون مورده ما إذا كان هناك عنوان «القضاء» في مقابل «الأداء» كما إذا شك المكلف في انه صام في شهر رمضان الماضي أم لا فإنه يمكن ان يقال ان استصحاب عدم الإتيان لا يثبت عنوان «الفوت» و اما في باب الحج فلا يكون عنوان القضاء في مقابل الأداء سواء تحقق الحج من نفس المكلف في زمن حياته أم تحقق من الوارث فان المستطيع الذي استقر عليه الحج إذا شك في زمان في الإتيان بالحج الواجب عليه لا إشكال في لزوم الإتيان عليه نظرا الى استصحاب عدم الإتيان و هكذا الوارث و التعبير بوجوب القضاء عنه على الوارث ليس المراد به هو القضاء في مقابل الأداء بل هو الإتيان و العمل كقضاء حاجة المؤمن- مثلا- و عليه ففي صورة شك الوارث يجرى الاستصحاب بلا مناقشة لأن الواجب عليه الإتيان في صورة ترك الميت له و هو مجرى الاستصحاب فلا مجال للمناقشة من هذه الجهة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 406

..........

______________________________

ثانيهما: ما يظهر من «المستمسك» فإنه بعد ان جعل مقتضى الاستصحاب العدم قال: «لكن قد

يستفاد عدمه مما ورد في الدعوى على الميت حيث لم يكتف بالبينة في وجوب الأداء بل احتيج الى اليمين على البقاء فمع عدمه لا يجب الوفاء على الوارث فيكون ذلك على خلاف الاستصحاب».

أقول تسرية ما ورد في الدعوى على الميت من الدين الذي كان عليه قطعا و ادعى الدائن عدم الوفاء في زمان حياته الى مسألة الحج انما هي بلحاظ ان الحج بمنزلة الدين الواجب على الميت كما ورد في بعض الروايات المتقدمة الواردة في قضاء الوارث عنه التصريح به و جعله بمنزلة العلة مضافا الى التعبير باللام و على في الآية الشريفة الواردة في الحج فيجري فيه حكم الدين.

و الجواب: ان ما ورد في باب الدين روايتان:

إحديهما: مكاتبة الصفار المعتبرة الى أبي محمد العسكري- عليه السّلام- التي رواها المشايخ الثلاثة و ان كان بينها اختلاف من جهة ان المكاتب هو الصفار أو غيره و الصفار ناقل و في ذيلها: أو تقبل شهادة الوصي على الميت مع شاهد آخر عدل فوقع- عليه السّلام- نعم من بعد يمين. «1»

و ظاهر محط السؤال انه إذا كان أحد العدلين اللذين يشهدان على الميت بثبوت الدين عليه هو الوصي هل تقبل الشهادة أم لا و يمكن- على بعد- ان يكون مورد نظر السائل شهادة الوصي و ان لم يكن عادلا نظرا الى كونه عارفا بمسائل الميت و مطلعا بالإضافة إلى الدين و مثله، فان كان محط نظر السائل هو الأول كما عرفت انه الظاهر فمقتضى الرواية افتقار إثبات الدين المدعى الى البينة و اليمين و لا يكتفى بالبينة فقط و عليه فاللازم ملاحظة ان الرواية بهذا المعنى واقعة في مقابل دليل الاستصحاب و موجبة لتخصيص دليله و الحكم بعدم

حرمة نقض اليقين بالشك فيه أو انها واقعة في مقابل

______________________________

(1) ئل أبواب الشهادات الباب الثامن و العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 407

..........

______________________________

عموم دليل حجية البينة في الموضوعات أو إطلاقه و عليه فلا ارتباط لها بمسألة الاستصحاب أصلا بل تحكم بعدم كفاية البينة في موردها و لزوم ضم اليمين إليها و الظاهر انه لا ينبغي الإشكال في ان المراد هو الثاني فلا يستفاد من الرواية عدم حجية الاستصحاب في مورد الدين المدعى حتى يجرى الحكم في الحج أيضا كما هو غير خفي.

ثانيتهما: رواية ياسين الضرير عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال قلت للشيخ- عليه السّلام- و ان كان المطلوب بالحق قد مات فأقيمت عليه البينة فعلى المدعى اليمين باللّه الذي لا إله الّا هو لقد مات فلان و ان حقه لعليه فإن حلف و الّا فلا حق له لأنا لا ندري لعله قد أوفاه ببينة لا نعلم موضعها. «1»

قال بعض الاعلام بعد نقل الرواية: و يظهر من الرواية عدم الاكتفاء بالاستصحاب بل لا بد من الحلف على عدم الأداء و لكن الرواية ضعيفة السند بياسين الضرير فإنه لم يوثق.

أقول لو كانت الرواية معتبرة من حيث السند كالرواية المتقدمة لما كان يستفاد منها طرح الاستصحاب في مورد الشك في الأداء مطلقا في باب الدين فضلا عن الحج الذي هو محل البحث في المقام و ذلك لوجهين:

أحدهما: ان ظاهر هذه الرواية بقرينة قوله: «فأقيمت عليه البينة» عدم الاكتفاء بها و لزوم ضم الحلف إليها لا انه لا أثر للبينة أصلا و ان تمام الملاك هو الحلف فالظاهر ان مفادها عين مفاد المكاتبة المتقدمة و ان كان في

الظهور لا يبلغ مرتبة ظهورها.

ثانيهما: انه لو فرض دلالة الرواية على ان تمام الملاك هو الحلف و لازمة عدم الاعتناء باستصحاب عدم الأداء لكن موردها ما إذا كان هناك مدّع لعدم الأداء و بقاء الحق عليه و لازمة ادعاء الجزم و القطع بذلك فإذا كان الحلف في هذا المورد

______________________________

(1) ئل أبواب كيفية الحكم الباب الرابع ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 408

[مسألة- 64 يجب استيجار من كان أقل اجرة مع إحراز صحة عمله]

مسألة- 64 يجب استيجار من كان أقل اجرة مع إحراز صحة عمله و عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم، نعم لا يبعد عدم وجوب المبالغة في الفحص عنه و ان كان أحوط. (1)

______________________________

تمام الملاك فهل لازمة طرح الاستصحاب في مورد عدم إمكان الحلف كما إذا لم يكن في البين مدع يدعى الجزم ببقاء الحق عليه؟ الظاهر لا فإذا كان الدائن شاكّا في وفاء المديون الدين اليه و الوارث أيضا شاكّا فلا دلالة للرواية على عدم الاعتناء بالاستصحاب في هذه الصورة أيضا بل اللازم التصدي للوفاء نظرا الى الاستصحاب و يجوز للدائن الأخذ و التصرف فيه لذلك و باب الحج من هذا القبيل لانه لا معنى لوجود المدعى فيه فلا يكون في البين الا مجرد شك الوارث في إتيان الميت بالحج الذي قد استقر عليه و هو مجرى استصحاب العدم بلا دلالة على خلافه كما هو ظاهر.

الفرع الثالث: ما لو علم باستقرار الحج على الميت و علم بأنه اتى به فاسدا و الحكم فيه وجوب القضاء عنه أيضا بعد عدم صلاحية العبادة الفاسدة لتحقق الامتثال و حصول الغرض و سقوط الأمر كما هو ظاهر.

الفرع الرابع: ما لو علم باستقرار الحج عليه أيضا و علم بأنه اتى

به و شك في صحة المأتي به و فساده و الوجه فيه عدم وجوب القضاء بعد اقتضاء أصالة الصحة للحمل عليها فإذا كانت محمولة على الصحة في الشريعة فلا يبقى مجال لوجوب الإعادة و التكرار.

(1) إذا أريد الاستيجار للحج عن الميت فيما إذا استقر عليه فاللازم ملاحظة أمرين:

أحدهما: إحراز صحة عمل الأجير بمعنى الوثوق و الاطمئنان بكونه عارفا بالصحة و شرائطها و عالما بها.

ثانيهما: انه مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم كغير البالغ يجب استيجار من كان أقل اجرة مع تعدد من يمكن استيجاره لان غيره مستلزم للتصرف في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 409

[مسألة 65- من استقر عليه الحج و تمكن من أدائه ليس له ان يحج عن غيره تبرعا أو بالإجارة]

مسألة 65- من استقر عليه الحج و تمكن من أدائه ليس له ان يحج عن غيره تبرعا أو بالإجارة، و كذا ليس له ان يتطوع به فلو خالف ففي صحته اشكال بل لا يبعد البطلان من غير فرق بين علمه بوجوبه عليه و عدمه، و لو لم يتمكن منه صح عن الغير، و لو آجر نفسه مع تمكن حج نفسه بطلت الإجارة و ان كان جاهلا بوجوبه عليه. (2)

______________________________

مال الغير من دون رضاه أو عدم اعتبار رضاه و قد نفى البعد السيد- قده- في العروة عن جواز استيجار المناسب لحال الميت من حيث الفضل و الاوثقية مع عدم قبوله إلا بالأزيد و ظاهر المتن باعتبار عدم استثناء هذه الصورة منع الجواز فيها و وجه الاستثناء دعوى ان الأدلة الواردة في الحج عن الميت منصرفة إلى المتعارف مما يناسب شرفه و مقامه كنفس الميت إذا أراد الاستنابة و الاستيجار كما ان مبنى المنع منع دعوى الانصراف المذكور.

ثم انه لا تجب المبالغة في الفحص

عمن كان أقل اجرة بل اللازم الفحص بنحو يعد عند العرف كذلك و الزائد عليه غير واجب و ان كان مطابقا للاحتياط.

(2) في هذه المسألة فروض و صور متعددة لان من استقر عليه الحج تارة يتمكن من أدائه و لو متسكعا و اخرى لا يتمكن منه و لو كذلك و في كلتا الصورتين تارة يعلم بوجوب الحج عليه كذلك و اخرى لا يعلم به فالصور أربعة:

الأولى: ما إذا كان متمكنا من الأداء و عالما بوجوب الحج عليه و البحث فيها تارة في الحكم التكليفي و اخرى في الحكم الوضعي.

اما من الجهة الأولى فالحكم فيه عدم الجواز لانه بعد ما كان مكلفا بان يحج حجة الإسلام فورا ففورا فاللازم بحكم العقل إتيان الحج لنفسه بعنوان الوجوب فلا يجوز له الترك و المخالفة سواء كان في ضمن الترك المطلق أو الإتيان بحج غير حجة الإسلام لنفسه أو لغيره تبرعا أو بالإجارة.

و اما من الجهة الثانية فالحكم بالصحة أو البطلان تارة يلاحظ بالنسبة إلى نظائر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 410

..........

______________________________

المسألة كمسألة الإزالة الواجبة فورا و الصلاة و اخرى يلاحظ بالإضافة إلى الخصوصيات الموجودة في المقام غير الجارية في مثل تلك المسألة فمن الحيث الأول لا يكون للبحث هنا جهة خاصة بل يجرى فيه ما ذكر هناك من القول بالبطلان مستندا الى اقتضاء الأمر بالشي ء للنهى عن ضده و كون ترك أحد الضدين مقدمة لوجود الأخر و مقدمة الواجب واجبة شرعا أو الى عدم الأمر كما اختاره البهائي- قدس سره- أو القول بالصحة مستندا إلى كفاية الملاك في صحة العبادة و عدم الحاجة الى الأمر الفعلي أو الى ثبوت الأمر من طريق

الترتب أو غيره.

فالعمدة هو البحث من الحيث الثاني و هي الخصوصيات الموجودة في المقام فنقول هذه الخصوصيات أمور متعددة و اللازم قبل ذكرها الإشارة إلى الأقوال في المسألة فنقول نسب الى المشهور البطلان و نفى عنه البعد في المتن و ادعى صاحب الجواهر- قده- انه لا خلاف في بطلان الحج النيابي و حكى عن الشيخ في الخلاف الصحة و نفى عنها البعد السيد في العروة، و عن صاحب المدارك التردد و فصل بعضهم بين الحج النيابي و التطوعى بالقول بالبطلان في الأول و الصحة في الثاني و اللازم ملاحظة الخصوصيات و انه هل يقتضي الصحة في المقام و ان قلنا بالبطلان في مسألة الصلاة و الإزالة أو يقتضي البطلان و ان قلنا بالصحة في تلك المسألة فنقول:

الاولى: ان الزمان الذي يجب عليه ان يأتي بالحج الذي قد استقر عليه مختص بحج نفسه و ظرف له خاصة و لا يكون قابلا لغير حجة الإسلام نظير شهر رمضان الذي لا يكون قابلا لصوم غيره سواء كان تطوعا أم واجبا كما إذا تعلق النذر به في السفر فشهر رمضان لا بد اما ان يقع فيه صومه أو يكون خاليا عن صومه عصيانا أو مشروعا كما إذا كان في السفر- مثلا- و المقام أيضا من هذا القبيل.

و الجواب: انه قد قام الدليل في شهر رمضان على عدم كونه قابلا لصوم غيره و لم يقم في الحج مثل ذلك الدليل و مجرد كون الوجوب فوريا لا يستلزم عدم القابلية و عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 411

..........

______________________________

صلاحية وقوع حج آخر في هذا الزمان و الا يلزم ان يكون كذلك في مسألة الصلاة و الإزالة

لأن المفروض فيها كون وجوب الإزالة فوريا فالفورية أمر و عدم القابلية أمر آخر.

ثانيتها: الروايتان الواردتان في المقام:

إحديهما: صحيحة سعد بن أبي خلف قال: سألت أبا الحسن موسى- عليه السّلام- عن الرجل الصرورة يحج عن الميت قال نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه فان كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزى عنه حتى يحج من ماله، و هي تجزى عن الميت، ان كان للصرورة مال، و ان لم يكن له مال. «1»

و الظاهر ان السؤال انما هو عن الحكم التكليفي و ان الصرورة باعتبار انه لم يحج أصلا هل تجوز له النيابة عن الميت أم لا تجوز بل اللازم ان يكون النائب قد حج قبلا و لازمة ان يكون عارفا بالمواقف و المشاعر و المناسك و الخصوصيات الأخر فالجواب ناظر إلى انه لا مانع من نيابة الصرورة مقيدا بعدم كونه مستطيعا و مفهومه عدم الجواز في صورة تحقق الاستطاعة للنائب و هذا هو الحكم التكليفي الذي ذكرنا انه لا شبهة في ثبوته.

و اما الحكم الوضعي الذي هو محل البحث فالدلالة عليه انما هي بالجملة التي فرعها على الجملة الاولى و ظاهرها باعتبار رجوع الضمير في «عنه» إلى النائب كالضمائر في قوله «له» و قوله: «عن نفسه» و قوله: «من ماله» انه ان كان النائب مستطيعا و له ما يحج به عن نفسه لا يكون الحج النيابي مجزيا عن حجة الإسلام الواجبة على النائب و قوله- ع- في الذيل: «و هي تجزى عن الميت» تدل على صحة الحج النيابي و وقوعه عن الميت سواء كان النائب مستطيعا يجب عليه الحج أم لا، و اما احتمال رجوع الضمير في «عنه» الى

الميت المنوب عنه بحيث كان مدلولها انه مع استطاعة النائب لا يكون الحج النيابي مجزيا عن الميت فتدل على البطلان في المقام فمصافا الى عدم ملاءمته

______________________________

(1) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الخامس ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 412

..........

______________________________

مع قوله: «حتى يحج من ماله» مخالفة لقوله في الذيل «و هي تجزى عن الميت» و العجب ممن استدل بها على البطلان بل لا مجال لدعوى كون دلالتها على الصحة أولى كما ذكره السيد- قده- في العروة فإنه لا اشعار فيها بالبطلان بل دلالتها على الصحة واضحة ثانيتهما: صحيحة سعيد بن عبد اللّٰه الأعرج انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الصرورة أ يحج عن الميت؟ فقال، نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به فان كان له مال فليس له ذلك حتى يحج من ماله و هو يجزى عن الميت كان له مال أو لم يكن له مال «1» و البحث في دلالتها كالبحث في الرواية السابقة و ان كان قوله- عليه السّلام- هنا:

«فليس له ذلك» بيان للمفهوم المستفاد من الجملة الأولى المتعرضة للحكم التكليفي كما لا يخفى.

الثالثة: ما حكى عن المحقق النائيني- قده- من ان الترتب لا يجري في الحج لان الترتب انما يجرى في الواجبين المقيدين بالقدرة العقلية و اما إذا كان أحد الواجبين مقيدا بالقدرة الشرعية فلا يجرى فيه الترتب لأنه في فرض العصيان لا يبقى موضوع للواجب المقيد بالقدرة الشرعية و لا أمر له أصلا كما هو الحال في الوضوء فإنه مقيد بالقدرة الشرعية بالتمكن من استعمال الماء شرعا فلو وجب صرف الماء في واجب آخر أهمّ و عصاه و توضأ به لا

يحكم بصحة وضوئه بالأمر الترتبي لأنه في فرض العصيان لا موضوع لوجوب الوضوء أصلا و هكذا الحج فإن المأخوذ فيه القدرة الشرعية بمعنى انه أخذ في موضوعه عدم عصيان واجب آخر أهمّ فإذا عصى لا يتحقق موضوع الحج أصلا.

و الجواب عنه منع المبنى فان المأخوذ في الحج مجرد الاستطاعة المركبة من الاستطاعات الأربعة: المالية و البدنية و الزمانية و السربية و لا يعتبر فيه شي ء آخر زائد على ذلك فالقدرة الشرعية بالمعنى المذكور و هو عدم استلزامه لعصيان

______________________________

(1) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الخامس ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 413

..........

______________________________

واجب لا تكون مأخوذة فيه بوجه كما مر الكلام فيه مرارا فلا فرق بين الحج و بين الإزالة في المثال المعروف لان المفروض في هذه الصورة التمكن من حج نفسه و لو متسكعا و كونه عالما بالوجوب و الفورية.

و أجيب عنه بوجه آخر و هو انه لو سلم أخذ القدرة الشرعية في الحج فإنما هي مأخوذة في حج الإسلام لا في سائر أقسام الحج من التطوعى و النيابي و النذري فلا مانع من جريان الأمر الترتبي في غير حجة الإسلام و الحكم بصحته في صورة العصيان و عدم الإتيان بحجة الإسلام.

و يمكن المناقشة في هذا الجواب بان مدعاه- قده- عدم كون أحد الواجبين مقيدا بالقدرة الشرعية من دون فرق بين الواجب الأهم و الواجب المهم فمجرد كون حجة الإسلام مشروطة بالقدرة الشرعية يكفي على مبناه- قده- في الخروج عن الأمر الترتبي و ان كان غير حجة الإسلام كالتطوعى و النيابي غير مشروط بذلك.

و يمكن الجواب عنه بوجه آخر و هو انه على فرض اشتراط حجة الإسلام بالقدرة

الشرعية يمكن ان يقال بكون المشروط بها هي حجة الإسلام التي أريد الإتيان بها في عام الاستطاعة و اما إذا استقرت و أريد الإتيان بها في العام الثاني فلم يقم دليل على الاشتراط بالقدرة الشرعية كما انه غير مشروط ببعض الاستطاعات الأربعة كالاستطاعة المالية لوجوبه مع التسكع أيضا و كيف كان فهذه الخصوصية الثالثة أيضا غير ثابتة.

الرابعة: ان اللام في قوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ .. لما كانت ظاهرة في الملك كانت الآية دالة على كون الحج الذي هو فعل المكلف و عمله يكون مملوكا للّٰه تعالى و- ح- لا يجوز التصرف فيه بنحو لا يكون مأذونا فيه من قبل اللّٰه تعالى فإذا حج نيابة عن الغير أو عن نفسه تطوعا يكون تصرفا فيه بغير اذنه تعالى فيقع باطلا و «دعوى» انه إذا كان مفاد الآية ما ذكر فلا دلالة لها- ح- على الوجوب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 414

..........

______________________________

«مدفوعة» بأنه لا مانع من ذلك لان وجوب الحج يستفاد من الروايات الدالة على انه إحدى الدعائم الخمسة للإسلام أو الاخبار الواردة في التسويف و ان تركه ترك شريعة من شرائع الإسلام بل لا حاجة الى ذلك بعد كون وجوب الحج من ضروريات الفقه بل الإسلام.

كما ان «دعوى» انه يلزم بناء على تفسير الآية بما ذكر ان يكون الإتيان به بقصد أداء المملوك كما في وفاء الدين «مدفوعة» أيضا بأن لزوم قصد أداء الدين انما هو من جهة ان أداء المملوك يمكن ان يكون على وجه آخر مثل الهبة و الصلح و الوديعة فاللازم قصد الأداء و هذا لا يجري في الحج لأن حجة الإسلام لا يكون

الا مملوكا و لا يجرى فيها وجوه متعددة فقصدها بمجرده يكفي في كون أدائه أداء المملوك و لا يلزم قصد أداء المملوك كما لا يخفى.

و الجواب انه قد ذكر في كتاب الإجارة بعد تقسيمها إلى إجارة الأعيان و الإجارة على الأعمال ان الأجير في الإجارة على الأعمال تارة يكون أجيرا خاصا و اخرى يكون أجيرا عاما و المراد من الأول ما إذا كانت منفعته الخاصة أو جميع منافعه ملكا للمستأجر كما إذا استأجر شخصا بنحو يكون منفعته كذلك في مدة معينة ملكا له و المراد من الثاني ما إذا كان المملوك عملا في ذمة الأجير كما إذا استأجره لخياطة ثوبه- مثلا- و في هذا القسم لا مانع من العمل للغير و وقوعه أجيرا له و ان كان العمل الأول مقيدا بوقت معين لا يسع لغيره كما إذا استأجره لخياطة ثوبه في يوم خاص فصار أجيرا لعمل للآخر سواء كان هي الخياطة أو غيرها من الأعمال الأخرى في نفس ذلك اليوم فإنه لا مجال للمناقشة في صحة الإجارة الثانية بخلاف الأجير الخاص حيث ان الإجارة الثانية تحتاج إلى إذن المستأجر الأول أو إجازته و مسألة الحج من هذا القبيل اى من قبيل الأجير العام لظهور الآية في كون المملوك هو العمل و هذا هو المتحقق في الأجير العام فكونه مملوكا للّٰه تعالى بمقتضى الآية الشريفة لا يقتضي بطلان الحج غير حجة الإسلام سواء كان تطوعا أو نيابة عن الغير

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 415

..........

______________________________

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان الخصوصيات الأربعة الموجودة في مسألة الحج لا يقتضي شي ء منها البطلان لو قلنا بالصحة في مسألة الصلاة و

الإزالة و عليه فيشكل ما في المتن من نفى البعد عن البطلان مع الحكم بالصحة في تلك المسألة فإن الخصوصية المحتملة قويّا لان تكون منشأ للبطلان بنظره- قدس سره الشريف- هي الروايتان الواردتان في المقام المتقدمتان بناء على دلالتهما على البطلان كما استدل للمشهور بهما فإنه- حينئذ- و ان كان مفادهما على خلاف القاعدة المقتضية للصحة الا انه لا محيص عن الالتزام بهما مع اعتبار هما سندا و ظهورهما في البطلان على ما هو المفروض.

و لكنك عرفت ان دلالتهما على الصحة أولى من دلالتهما على البطلان بل لا مجال لهذا الاحتمال كما عرفت و على هذا التقدير يبقى الكلام في وجه التفكيك بين المسألتين بالقول بالصحة هناك و بالبطلان في المقام فهل الوجه فيه الإجماع الذي ادعاه صاحب الجواهر- قده- أو الشهرة الفتوائية المحققة على البطلان؟.

لا مجال للأول لأنه- مضافا الى ان الإجماع المنقول بخبر الواحد لا يكون واجدا لشرائط الحجية و الاعتبار- يكون معقده خصوص الحج النيابي مع ان المدعى أعم منه و من الحج التطوعى.

كما انه لا مجال للثاني أيضا لأن الشهرة الفتوائية و ان كانت مرجحة في باب التعارض بل هو أول المرجحات كما حققناه في محله و كذا تكون جابرة للضعف، و اعراض المشهور يوجب الوهن في الرواية و لو كانت في أعلى درجة الصحة الا انها بنفسها لا تكون حجة و عليه فلا يكون وجه للتفكيك المزبور بل الظاهر الحكم بالصحة في المسألتين كما هو مقتضى القاعدة و يدل عليه الرواية أيضا في المقام فتدبر جدا.

ثم انه لو قلنا بالصحة في هذه الصورة أي صورة التمكن من الحج و العلم بوجوبه عليه فورا فاللازم الحكم بالصحة في بقية الصور الخالية

عن فرض التمكن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 416

..........

______________________________

أو العلم أو كليهما بطريق اولى.

و اما لو قلنا بالبطلان في هذه الصورة كما في المتن فقد وقع فيه التفصيل بين صورة التمكن بكلا فرضيه و صورة عدم التمكن و الوجه في التعميم للجاهل بعد ظهور كون المراد هو الجاهل المقصر غير المعذور واضح بعد جريان حكم العالم عليه في جميع الموارد الا بعض الموارد النادرة.

و الوجه في الحكم بالصحة في صورة عدم التمكن انه مع عدم التمكن من حجة الإسلام و لو متسكعا لا يكون التكليف بالحج فعليا فلا مانع من الحج النيابي و التطوعى كما في مسألة الصلاة و الإزالة فإنه مع عدم التمكن من الإزالة لفقد الماء- مثلا- لا يبقى إشكال في صحة الصلاة لعدم فعلية التكليف بالأهم لكن لو كان الوجه في البطلان في المقام عدم صلاحية الزمان لغير حجة الإسلام كعدم صلاحية شهر رمضان لوقوع صوم غيره لا محيص عن الحكم بالبطلان و لو مع عدم التمكن من حجة الإسلام كما هو ظاهر.

بقي الكلام في حكم الإجارة- صحة و فسادا- في الحج النيابي الاستيجاري فنقول لاخفاء في صحة الإجارة في صورة عدم التمكن من حجة الإسلام و لو متسكعا ضرورة انه ليس في هذا الفرض شي ء ينافي الصحة و يمنع عنها لعدم ثبوت التكليف الفعلي بسبب العجز و عدم القدرة فلا يجرى فيه ما يقتضي البطلان من الوجوه الآتية إن شاء اللّٰه تعالى.

كما انه إذا قلنا بالبطلان في صورة التمكن من حجة الإسلام و ان غيرها يقع باطلا سواء كان نيابيا أو تطوعيا لا مجال للإشكال في بطلان الإجارة الواقعة عليه لعدم وقوع العمل المستأجر عليه

صحيحا و يكون أكل المال في مقابله أكلا بالباطل منهيا عنه في الآية و غيرها بالنهي الوضعي فالبطلان بناء على هذا القول واضح و المراد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 417

..........

______________________________

من المتن هذا الفرض.

و اما إذا قلنا بالصحة- كما اخترناه- فقد ذكر السيد- قده- في العروة انه على هذا التقدير أيضا تكون الإجارة فاسدة قال: «الظاهر بطلانها و ذلك لعدم قدرته شرعا على العمل المستأجر عليه لان المفروض وجوبه عن نفسه فورا، و كونه صحيحا على تقدير المخالفة لا ينفع في صحة الإجارة خصوصا على القول بان الأمر بالشي ء نهى عن ضده لان اللّٰه إذا حرم شيئا حرم ثمنه و ان كانت الحرمة تبعية».

و اللازم توضيح كلامه أولا بأن المراد من التبعية ليس ما يقابل الأصلية بل المراد الغيرية المقابلة للنفسية لان مبنى الاقتضاء المذكور هي المقدمية و وجوب المقدمة على فرض تسليمه غيري و ثانيا بان الجمع بين الاستدلال باقتضاء الأمر بالشي ء للنهى عن ضده و بين كون المفروض صحة الحج النيابي مع ان الاقتضاء المزبور من أدلة البطلان انما هو لأجل كون النهى عن الضد غيريا و هو لا ينافي المحبوبية الذاتية التي هي الملاك في صحة العبادة.

و كيف كان فكلامه يشتمل على دليلين لبطلان الإجارة:

أحدهما: عدم القدرة الشرعية على العمل المستأجر عليه لان الواجب عليه انما هو الحج عن نفسه فورا فالمقام انما هو كاستيجار الحائض لكنس المسجد فكما ان الإجارة هناك باطلة لعدم كون العمل مشروعا على الحائض بلحاظ استلزامه للمكث في المسجد فكذلك هنا.

و الجواب عنه ان فرض الصحة في المقام مع كون العمل عبادة انما يكون مقتضاه محبوبية العمل عند الشارع و رجحانه

بذاته خصوصا على تقدير الالتزام بالأمر الترتبي في مسألة الضدين الذي يكون لازمة تعلق الأمر الفعلي بالمهم غاية الأمر في طول الأمر بالأهم و مترتبا على العصيان أو البناء عليه و عليه لا مجال لدعوى كون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 418

..........

______________________________

المأمور به غير مقدور شرعا و هذا بخلاف الكنس في المثال فإنه لا يكون الا مبغوضا منهيا عنه من قبل الشارع فهذا الدليل غير تام.

ثانيهما: الرواية المعروفة التي استدل بها الشيخ الأعظم الأنصاري- قده- في كثير من موارد المكاسب المحرمة و هي ان اللّٰه إذا حرم شيئا حرم ثمنه بضميمة ان الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده.

و الجواب عنه ان الحرمة الغيرية المجتمعة مع المحبوبية الذاتية و الرجحان النفسي لا تكون مشمولة للرواية فإن المتفاهم منها ان ما يكون مبغوضا للشارع سواء كان عينا أو عملا و منفعة لا يكون المعاملة عليه ممضاة عند الشارع و المقام لا يكون كذلك فإن العبادة على ما هو المفروض محبوبة للشارع محكومة بالصحة لديه فلا تشمله الرواية ظاهرا.

ثم انه استدل بعض الاعلام في شرح العروة لبطلان الإجارة بدليل حاصله ان أدلة نفوذ المعاملات حيث انها أحكام إمضائية تابعة لما ينشؤه المنشإ: ان مطلقا فمطلق و ان مشروطا فمشروط و لا يخالفه إلا في بعض الموارد كبيع الصرف و السلم فإن المنشئ فيهما أنشأ على الإطلاق و الشارع قد قيده بلزوم القبض و كذلك في الهبة فإن التمليك فيها يحصل بعد القبض و في غير هذه الموارد النادرة أدلة النفوذ تابعة للمنشإ من حيث الإطلاق و التقييد.

و على ما ذكر، الإجارة في المقام اما تتعلق بالحج مطلقا أو تتعلق به على فرض

العصيان للحج الواجب بنفسه، اما الأول فغير قابل للإمضاء لأن المفروض عدم سقوط الأمر بالحج عن نفسه و هو لا يجتمع مع الأمر بإتيان الحج المستأجر عليه و كيف تنفذ الإجارة في عرض ذلك الواجب فإنه يستلزم الأمر بالضدين في عرض واحد و اما الثاني فهو موجب للبطلان من جهة التعليق فلا يمكن الحكم بصحة الإجارة و لو كان الحج النيابي في المقام صحيحا على ما هو المفروض.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 419

..........

______________________________

و يرد على هذا الدليل أنه يبتنى على القول بانحلال الخطابات الواقعة في الأحكام التكليفية أو الوضعية الى خطابات شخصية حسب تعدد المخاطبين و تعدد العقود و المكلف بها فإنه على هذا المبنى يكون الجمع بين الخطاب الشخصي المتضمن للأمر بالحج عن نفسه و الخطاب الشخصي المتضمن للأمر بإتيان الحج للمنوب عنه مستلزما للأمر بالضدين في عرض واحد.

و اما على القول بعدم الانحلال و عدم كون الخطابات العامة مشروطة بالشرائط المعتبرة في الخطابات الشخصية من القدرة و العلم و غيرهما بالإضافة إلى آحاد المكلفين كما اخترناه تبعا لسيدنا الأستاذ الأعظم الماتن- قدس سره الشريف- فلا مجال للإشكال في صحة الإجارة في المقام لأن الأمر بالوفاء بالعقود أو بخصوص عقد الإجارة انما يكون بنحو العموم و لا يلاحظ فيه حالات الأشخاص من جهة انه يكون مستقرا عليه الحج أم لا بل الملحوظ مجرد عنوان الإجارة و عقدها غاية الأمر مع الشرائط المعتبرة في صحتها التي منها عدم بطلان العمل المستأجر عليه إذا كان عبادة كما ان الأمر بإتيان الحج لمن استقر عليه لا يكون ملحوظا فيه حالة المكلف من جهة النيابة و غيرها و عليه فلا مانع من

الجمع بين الخطابين و لا يكون من الأمر بالضدين و تحقيق هذا الكلام في بحث الترتب من علم الأصول.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم ينهض دليل على بطلان الإجارة على فرض صحة الحج النيابي و اللازم الالتزام بالصحة.

ثم ان السيد- قده- في العروة بعد حكمه ببطلان الإجارة و لو كان الحج النيابي صحيحا بالإضافة الى من استقر عليه الحج مع التمكن و القدرة قال: «ان قلت ما الفرق بين المقام و بين المخالفة للشرط في ضمن العقد مع قولكم بالصحة هناك كما إذا باعه عبدا و شرط عليه ان يعتقه فباعه حيث تقولون بصحة البيع و يكون للبائع خيار تخلف الشرط. قلت الفرق ان في ذلك المقام المعاملة على تقدير صحتها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 420

..........

______________________________

مفوتة لوجوب العمل بالشرط فلا يكون العتق واجبا بعد البيع لعدم كونه مملوكا له بخلاف المقام حيث انا لو قلنا بصحة الإجارة لا يسقط وجوب الحج عن نفسه فورا فيلزم اجتماع أمرين متنافيين فعلا فلا يمكن ان تكون الإجارة صحيحة و ان قلنا ان النهى التبعي لا يوجب البطلان فالبطلان من جهة عدم القدرة على العمل لا لأجل النهي عن الإجارة».

و يرد: على أصل توجه الاشكال و إيراد السؤال ان المقايسة باطلة من رأس لأنه في المقام يكون هنا عناوين ثلاثة:

أحدها: حجة الإسلام الواجبة فورا ففورا و ثبوتها لمن استقر عليه الحج.

ثانيها: الحج النيابي عن الغير.

ثالثها الإجارة و الاستيجار على الحج النيابي. و في مخالفة الشرط في المثال المذكور لا يكون الا عنوانان:

أحدهما: الإعتاق الذي شرط على المشروط عليه إيجاده في ضمن البيع منه.

ثانيهما البيع الواقع من المشتري مكان الإعتاق

و هو مخالفة للشرط الذي يجب الوفاء به و من المعلوم ان البيع الثاني في هذه المسألة انما هو مثل الحج النيابي في المقام فإنه في كليهما وقع العمل مخالفة للتكليف المتوجه اليه اما لأجل كونه أهم و اما لوجوب الوفاء بالشرط و المفروض الصحة في المسألتين فلا مجال لسؤال الفرق كما انه لا مجال لمقايسة البيع في مسألة مخالفة الشرط بالاستيجار على الحج النيابي في المقام نعم لو وقع استيجار على البيع الثاني هناك و حكم بصحة الإجارة يبقى سؤال الفرق بين المسألتين فاصل إيراد السؤال في كلام السيد- قده- في غير محله.

و اما الجواب: فعلى تقدير الإغماض عن بطلان السؤال فيبتني على ملاحظة ان دليل وجوب الوفاء بالشرط و هو قوله- صلّى اللّٰه عليه و آله-: المؤمنون عند شروطهم يجرى فيه احتمالات ثلاثة:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 421

..........

______________________________

أحدها: ان يكون المراد منه مجرد افادة الحكم التكليفي من دون ان يترتب على مخالفته شي ء بل المشروط عليه محكوم بمجرد التكليف و العمل بالشرط و لا يترتب على مخالفته سوى استحقاق العقوبة الثابت في مخالفة سائر التكاليف.

ثانيها: ان يكون مفاده قصر ملكية المشروط عليه و حصر دائرتها و تحديدها بخصوص الشرط فالملكية الحاصلة للمشتري في مثال العبد المذكور ملكية محدودة و مقصورة بالإعتاق فإذا وقع الإعتاق يقع في ملكه و يصدر عن المالك و إذا وقع البيع فهو يقع عن غير المالك.

ثالثها: ان لا يكون المراد مجرد حكم تكليفي محض و لا يكون مفاده تحديد دائرة الملكية و قصر السلطنة على خصوص المشروط عليه بل أمر بين الأمرين و مرجعه الى ثبوت الخيار للشارط عند التخلف و وجوب الوفاء

بالشرط على المشروط عليه و الوجه فيه ان البيع ينحل إلى أمرين أحدهما إنشاء الملكية و ثانيهما الالتزام بهذا التمليك و ترتيب الأثر عليه و الشرط الواقع في ضمنه مرتبط بهذا الأمر الثاني دون الأمر الأول حتى يوجب محدودية دائرة الملكية و مرجعه الى كون التزامه معلقا على العمل بالشرط فإذا تحقق العمل فالالتزام بحاله و مع التخلف لا يكون هناك التزام و مرجعه الى ثبوت خيار تخلف الشرط و عدم وجود الالتزام معه و يؤيد هذا الوجه- مضافا الى ان موقعية الشرط عند العقلاء في المعاملات المشروطة تكون بهذا المقدار الذي هو برزخ بين الوجهين- معنى الشرط فإنه عبارة كما في بعض الكتب المعتبرة في اللغة عن الالتزام المرتبط بالتزام آخر و عليه لا يكون خيار التخلف مفتقرا الى دليل خاص مثل خياري المجلس و الحيوان و غيرهما من الخيارات التي لو لا الدليل الخاص على ثبوتها لم يكن وجه للالتزام بها و الوجه في عدم الافتقار في المقام نفس كون الالتزام و عدم ثبوت الخيار معلقا على الوفاء بالشرط و العمل به فإذا وقع التخلف لا يكون في البين التزام أصلا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 422

..........

______________________________

و الظاهر ان الوجه الثالث هو الأظهر في مفاد دليل الشرط و قوله صلّى اللّٰه عليه و آله المؤمنون عند شروطهم لما عرفت من موقعية الشرط عند العقلاء و عدم كون مفاده زائدا على ما هو الثابت عند العقلاء و عليه فلا مجال للوجه الثاني و ان حكى عن المحقق النائيني- قدس سره الشريف- و يرد عليه أيضا ان لازمة التفكيك في الشرائط بين مثل الخياطة و الكتابة و بين مثل البيع

كما لا يخفى كما انه لا مجال للوجه الأول.

و مما ذكرنا يظهر الجواب عن الإشكال الذي أورده في «المستمسك» على السيد في جوابه عن الإشكال الذي أورده على نفسه و حاصله ان الجمع بين صحة البيع في مثال العبد المتقدم و خيار تخلف الشرط غير ممكن نظرا الى ان القيد المذكور إذا أخذ قيدا في المملوك فقد ملك الشارط على المشروط عليه بقاء العبد على ملكه الى ان يتحقق العتق منه و مقتضى ذلك عدم سعة دائرة السلطنة للبيع لانه تصرف في حق غيره و إذا أخذ قيدا في الملك يعنى يملك عليه العتق إذا كان العبد باقيا في ملكه فهذا الملك لا يقتضي بقاء العبد في ملكه و معه يجوز للمشروط عليه البيع و لا يكون من قبيل تخلف الشرط.

وجه ظهور الجواب ما عرفت من كون القيد راجعا الى الالتزام لا إلى أصل الإنشاء كالشرط في سائر الموارد من دون فرق أصلا و عليه فيتحقق الجمع بين الصحة و بين الخيار كما افاده السيد- قده- نعم يرد عليه ما عرفت من انه لا مجال لتوجه الإشكال الذي أورده على نفسه كما مرّ هذا تمام الكلام فيما يتعلق بمباحث شرائط وجوب حجة الإسلام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 423

[القول في الحج بالنذر و العهد و اليمين]

اشارة

القول في الحج بالنذر و العهد و اليمين

[مسألة- 1 يشترط في انعقادها البلوغ و العقل و القصد و الاختيار]

مسألة- 1 يشترط في انعقادها البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، فلا تنعقد من الصبي و ان بلغ عشرا و ان صحت العبادات منه، و لا من المجنون و الغافل و الساهي و السكران و المكره، و الأقوى صحتها من الكافر المقر باللّه تعالى بل و ممن يحتمل وجوده تعالى و يقصد القربة رجاء فيما يعتبر قصدها. (1)

______________________________

(1) ينبغي قبل التعرض لشرح المسألة من التنبيه على أمر قد نبهنا عليه مرارا و هو ان الوجوب المتعلق بعنوان الحج يكون ثابتا في الكتاب و السنة بالإضافة الى حجة الإسلام فقط فهي الواجبة بأصل الشرع و اما الحج بالنذر و أخويه و كذا الحج الاستيجاري فالوجوب فيها لا يكون متعلقا بعنوان الحج بل بعنوان الوفاء بالنذر أو الوفاء بعقد الإجارة- مثلا و تحقق هذا العنوان في الخارج و ان كان في المقام بإيجاد الحج في الخارج الا انه لا يوجب سراية الحكم من عنوان الوفاء الى عنوان الحج و هذا كما في نذر صلاة الليل- مثلا- فان النذر يوجب ان يكون الوفاء به واجبا و لا يوجب سراية الوجوب الى صلاة الليل بحيث تصير صلاة الليل واجبة بعد كونها مستحبة و كان اللازم فيها قصد الوجوب بناء على اعتبار نية الوجه فتوصيف الحج بالنذر- مثلا- بالوجوب انما يكون على سبيل المسامحة و العناية.

و بعد ذلك يقع الكلام في الأمور المعتبرة في انعقاد النذر و أخويه فنقول:

الأول: البلوغ و عمم اعتباره في المتن للصبي البالغ عشرا نظرا الى وجود بعض النصوص و الفتاوى في وصية البالغ عشرا و نفوذها و الغرض من التعميم انه على تقدير القول بصحة وصيته

لا دليل على تسرية الحكم الى باب النذر و نحوه كما ان الحكم بان العبادات الصادرة من الصبي شرعية مستحبة يترتب عليها استحقاق المثوبة لا تمرينية لا يقتضي الحكم بانعقاد نذره كما هو ظاهر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 424

..........

______________________________

و قد استدل السيد- قده- في العروة لاعتبار البلوغ برفع قلم الوجوب عنه و يشير بذلك الى حديث: «رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق و عن النائم حتى يستيقظ».

و يرد على هذا الدليل ان مقتضى الحديث رفع قلم الإلزام و التكليف الوجوبي و التحريمي و مرجعه الى عدم توجه مثل أقيموا الصلاة اليه و اما المقام فالكلام فيه انما هو في السببية التي هي حكم وضعي و قد ثبت في محله عدم اختصاص الأحكام الوضعية بالبالغين و شمولها لغيرهم فإن إتلاف الصبي لمال الغير سبب لضمانه و اللازم- ح- ان يكون العقد أو الإيقاع الصادر من الصبي مؤثرا في حصول مقتضاه سواء كان المقتضي عبارة عن الحكم الوضعي كالملكية المترتبة على البيع أو الحكم التكليفي كالنذر الذي يكون سببا لوجوب الوفاء به فان النذر من الإيقاعات لأنه من الأمور الإنشائية غير المفتقرة إلى القبول كالطلاق و هكذا العهد و اما اليمين فالظاهر انه من قبيل الوعد الذي يكون مرجعه إلى الإيجاد في المستقبل لا الاخبار عنه و لا يكون تخلفه الا خلفا لا كذبا.

و بالجملة فمقتضى سببية الإيقاع النذري لوجوب الوفاء به صحة وقوعه من الصبي كالجنابة الاختيارية الحاصلة له التي تكون سببا لوجوب الغسل و لو بعد البلوغ فمثل الحديث المزبور لا يصلح للاستدلال به في المقام.

نعم قد ورد في بعض الروايات ان عمد الصبي

خطاء فلو ثبت كونه بعنوان الضابطة الكلية غير المختصة بالقتل الذي هو مورده يكون مفاده ان الاعمال الاختيارية الإرادية الصادرة عن الصبي كالأعمال الخطائية الصادرة عن غيره فاللازم- ح- الحكم بالبطلان في مثل المقام لان النذر الواقع عن غير القاصد و غير الملتفت لا يكاد يترتب عليه اثر لما سيأتي من شرطية القصد إن شاء اللّٰه تعالى و الظاهر ان العمدة في المسألة الإجماع على بطلان إنشاءات الصبي عقدا أو إيقاعا فالاتكاء- ح- عليه لا على ما افاده السيد- قده.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 425

..........

______________________________

الثاني: العقل و الكلام فيه هو الكلام في اعتبار البلوغ من دون فرق.

الثالث: القصد بمعنى التوجه و الالتفات الى مفاد الصيغة في مقابل الغافل و الساهي و السكران و النائم حيث لا يصدر منهم مع الالتفات و التوجه و الدليل على اعتبار هذا الأمر ظهور مثل دليل وجوب الوفاء بالعقود و بالنذر و أمثالهما في الإنشاءات الصادرة كذلك ضرورة عدم كون العقد أو الإيقاع الصادر من الغافل أو النائم- مثلا- مصداقا لعنوان العقد و الإيقاع عند العرف و العقلاء كما هو ظاهر، الرابع: الاختيار في مقابل الإكراه و يدل عليه حديث الرفع بعد الاستشهاد به في بعض الروايات لبطلان الطلاق إذا وقع عن إكراه و غيره من الأدلة الأخرى.

الخامس: الإسلام فالمشهور في باب النذر اعتباره بل قال صاحب الجواهر- قده- لا خلاف في عدم صحته- اى النذر من الكافر- بين أساطين الأصحاب و استظهر في محكي الرياض الإجماع لكن المحكي عن صاحبي المدارك و الكفاية التأمل فيه.

و المشهور في باب اليمين عدم الاعتبار نعم حكى عن الشيخ في الخلاف و ابن إدريس عدم الفرق بينها

و بين النذر، و المذكور في وجه الفرق بين اليمين و النذر- كما هو المشهور- ان قصد القربة لا يعتبر في اليمين و يعتبر في النذر و لا تتحقق القربة من الكافر.

قال المحقق في الشرائع: يشترط مع الصيغة قصد القربة فلو قصد منع نفسه بالنذر لا للّٰه لم ينعقد .. ثم قال بعد ذلك و اما متعلق النذر فضابطه ان يكون طاعة للّٰه مقدورا .. و قد ادعى في الجواهر الإجماع بقسميه على الحكم المذكور.

و قد وقع الاختلاف في المراد من عبارة الشرائع ففي محكي المسالك: «ان الظاهر ان المراد جعل شي ء للّٰه تعالى في مقابل جعل شي ء لغيره أو جعل شي ء من دون ذكر انه له تعالى أو لغيره».

و يبعده ان ظاهر عبارة الشرائع اعتبار قصد القربة زائدا على الصيغة المعتبرة في النذر مع ان جعل شي ء له تعالى انما هو مفاد نفس الصيغة فان الالتزام النذري انما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 426

..........

______________________________

هو في مقابل الباري تعالى و بالإضافة إليه لا بالإضافة إلى غيره و لو كان هو نفسه فظاهر العبارة اعتبار نية القربة زائدة على ذلك.

و عن الجواهر ان المراد منه رجحان المنذور و كونه عبادة في مقابل نذر المباح.

و يبعده- مضافا الى كونه خلاف ظاهر التفريع المذكور في العبارة- التعرض في الذيل لضابطة المتعلق و لزوم ان يكون طاعة للّٰه مقدورا و لو حملت العبارة على كون نفس إيقاع النذر امرا عباديا لا بد ان يؤتى به بقصد الامتثال كسائر العبادات الواجبة أو المستحبة فيبعده ما في الجواهر من دعوى الضرورة على عدم الأمر به بل ظاهر موثقة إسحاق بن عمار كراهة إيقاعه قال قلت

لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انى جعلت على نفسي شكرا للّٰه تعالى ركعتين أصليهما في السفر و الحضر أ فأصليهما في السفر بالنهار فقال نعم ثم قال انى لأكره الإيجاب ان يوجب الرجل على نفسه. قلت انى لم اجعلهما للّٰه علىّ انما جعلت ذلك على نفسي أصليهما شكرا للّٰه و لم أوجبهما على نفسي أ فأدعهما إذا شئت قال: نعم «1» هذا ما يتعلق بعبارة الشرائع.

و اما الشهيد- قده- فقد قال في مبحث النذر من الدروس: «و هل يشترط فيه القربة للصيغة و يكفى التقرب في الصيغة الأقرب الثاني».

و الظاهر ان مراده من الأول هو إيقاع النذر قربة الى اللّٰه بحيث كان الداعي إلى إيقاعه و الالتزام بثبوت الملكية له تعالى عليه هو الداعي الإلهي كما في سائر العبادات التي لا بدّ من اقترانها بقصد القربة و الداعي الإلهي، و مراده من الثاني كون الالتزام في الصيغة مضافا الى اللّٰه تعالى لا غيره من المخلوقين و لو كان من الأنبياء و المرسلين أو الملائكة المقربين و عليه فيستفاد من العبارة ان هذه الخصوصية يعبر عنها بقصد القربة و عنوان التقرب و قد استقرب نفسه هذا الاحتمال.

و قال في مبحث اليمين من الدروس: «يصح- يعنى اليمين- من الكافر و ان لم

______________________________

(1) ئل أبواب النذر الباب السادس ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 427

..........

______________________________

يصح نذره لأن القربة مرادة هناك دون هذا و لو قلنا بانعقاد نذر المباح أشكل الفرق».

و قد استظهر في «المستمسك» من هذه العبارة ان مراده بقرينة الذيل هو اعتبار القربة في المتعلق لا في نفس النذر، مع انه يحتمل قويا ان يكون المراد اعتبارها في نفس النذر

نظرا الى ان القربة الداعية إلى الإيقاع النذري و الالتزام كذلك انما تتحقق فيما إذا كان المتعلق راجحا غير مباح فان الالتزام بالإتيان بأمر مباح لا يكاد يجتمع مع الداع الإلهي كما لا يخفى فلا مجال لحمل العبارة على القربة في المتعلق نعم ظاهرها ينافي ما ذكره في مبحث النذر فان مفاده يرجع الى كون المعتبر هو التقرب في الصيغة و ظاهر هذه العبارة هو كون نفس الإيقاع و الالتزام بداع الهى.

و ذكر الشهيد الثاني في الروضة: «انه يستفاد من الصيغة أن القربة المعتبرة في النذر إجماعا لا يشترط كونها غاية للفعل كغيره من العبادات بل يكفى تضمن الصيغة لها و هو هنا موجود بقوله: للّٰه علىّ و ان لم يتبعها بعد ذلك بقوله قربة الى اللّٰه و نحوه».

و هو ظاهر بل صريح في كون المراد من نية القربة المعتبرة في النذر إجماعا- على حسب نقله- هو اشتمال الصيغة على الإضافة الى اللّٰه تعالى في مقابل الإضافة إلى غيره من المخلوقين.

و ذكر صاحب المدارك: «انه يشترط في صحة النذر قصد الناذر الى معنى قوله:

للّٰه و هو المعبر عنه بنية القربة و انما لم يذكره المصنف صريحا لان الظاهر من حال المتلفظ بقول للّٰه ان يكون قاصدا معنى الى معناه حتى لو ادعى عدم القصد لم يقبل قوله فيه ..»

و قد استظهر منه صاحب الجواهر- قده- ان مراده هو المعنى المزبور الذي هو عبارة عن اشتمال الصيغة على الالتزام للّٰه لا لغيره من المخلوقين مع ان ظاهر العبارة ان المراد من نية القربة المعتبرة هو الذي عبرنا عنه بالقصد و التوجه و الالتفات و مرجعه إلى إرادة مفاد الصيغة و قصد معناه في مقابل مثل

الغافل و النائم و كيف كان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 428

..........

______________________________

فقد ظهر من مجموع ما ذكرنا من العبارات ان الاحتمالات المتصورة في نية القربة المعتبرة في النذر على المشهور بل نفى الاشكال و وجدان الخلاف فيه صاحب الجواهر بل ادعى الإجماع عليه صاحبا الروضة و الرياض أربعة:

أحدها: ان المراد منها كون إيقاع النذر بعنوان انه عمل صادر من الناذر و فعل من أفعال المكلفين امرا عباديا لا بد و ان يكون الداعي اليه و المحرك نحوه امرا إلهيا كسائر العبادات.

ثانيها: ان المراد منها اشتمال الصيغة على اضافة اللام الظاهرة في الملكية أو الملتزم له الى اللّٰه تبارك و تعالى دون غيره.

ثالثها: ان يكون المراد اشتمال المتعلق على خصوصية و هي كونه راجحا شرعا رابعها: ان يكون المراد صدور الصيغة عن قصد و التفات و توجه الى مفادها و انه التزام للّٰه تبارك و تعالى.

و لا بد قبل ترجيح بعض الاحتمالات على البعض الأخر من ملاحظة ما استدل به على اعتبار نية القربة في النذر فنقول هي أمور:

الأول: ان صيغة النذر مشتملة على خصوصية تقتضي اعتبار نية القربة فيه و هي قول الناذر: للّٰه علىّ كذا من دون فرق بين ان تكون اللام فيه للملك و الظرف مستقرا أو تكون للغاية و الظرف لغوا متعلقا بمحذوف و هو التزمت فإنه على كلا التقديرين يكون العمل المنذور أو الالتزام مضافا الى اللّٰه تبارك و تعالى و القربة المعتبرة في العبادة لا تكون زائدة على ذلك و عليه يكون النذر من التعبديات و لازمة عدم صحته من الكافر لعدم إمكان تحقق قصد القربة منه و الى هذا الدليل أشار الشهيد الثاني-

قده- في الروضة في عبارته المتقدمة حيث ذكر انه يكفى تضمن الصيغة لها و هو هنا موجود بقوله «للّٰه علىّ» و ان لم يتبعها بعد ذلك بقوله «قربة الى اللّٰه» فان مرجعه إلى ملازمة الصيغة لثبوت القربة بالاعتبار المذكور.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 429

..........

______________________________

و فيه أولا النقض بالعهد و اليمين فإن صيغة العهد التي هي عبارة عن عاهدت اللّٰه و كذا صيغة اليمين التي يعتبر فيها ان يكون المقسم به هو اللّٰه تبارك و تعالى مشتملة على هذه الخصوصية فالتفكيك بين النذر و اليمين خصوصا بنحو يكون المشهور في الأول اعتبار نية القربة و في الثاني الشهرة على الخلاف في غير المحل.

و ثانيا ما افاده صاحب الجواهر في تنقيح مقاله في هذا المقام مما ملخصه انه ان أرادوا اعتبار نية القربة في النذر على نحو اعتبارها في العبادة فلا ريب في عدم الاكتفاء عنها بقوله للّٰه على الذي هو جزء صيغة الالتزام لعدم دلالته عليه بإحدى الدلالات بل لا بد من نية القربة مقارنة للصيغة.

و مرجع ما أفاده الى ان ما يرتبط بالناذر هو الالتزام الذي عمله و ما هو الصادر منه و البحث انما هو في عباديته و انه هل اللازم ان يكون الالتزام ناشيا عن داع إلهي أو يتحقق النذر و لو كان الداعي شيئا من الدواعي النفسانية و هذا لا يرتبط بكون الملتزم له هو اللّٰه تعالى كما لا يرتبط بكون الملتزم به امرا قربيا فالالتزام شي ء و الملتزم له أمر آخر و يدل عليه انه ربما يكون الالتزام بداع الهى مع كون الملتزم له هو المخلوق كما إذا التزم لزيد بأداء دينه و كان الداعي

إلى التزامه الإحسان المرغوب إليه في الشرع و ان الشارع قد حث عليه و على ما ذكرنا فالذهاب الى عبادية النذر من هذا الطريق لا يكاد يوصل الى المطلوب.

الثاني: صدر موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة و هو قوله: انى جعلت على نفسي شكرا للّٰه تعالى ركعتين أصليهما في السفر و الحضر أ فأصليهما في السفر بالنهار فقال نعم.

و يرد على الاستدلال به أولا انه لا دلالة له الا على الإتيان بصيغة النذر و انه جعل على نفسه للّٰه شكرا ركعتين و اما كون الجعل و الالتزام ناشيا عن داع الهى فلا يستفاد منه و لذا ذكر صاحب الجواهر ان مفاد مثله اعتبار كون النذر للّٰه لا لغيره بمعنى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 430

..........

______________________________

انه يجب في صيغته التي هي سبب الالتزام ان يقول للّٰه علىّ بمعنى عدم انعقاد النذر لو جعل الالتزام لغير اللّٰه من نبي مرسل أو ملك مقرب و هذا غير معنى نية القربة ثم قال: «و ظني و اللّٰه اعلم ان الاشتباه من هنا نشأ و ذلك لأنهم ظنوا ان هذه النصوص التي دلت على المعنى المزبور دالة على اعتبار نية القربة.

و ثانيا انه على فرض الدلالة يكون مفاده ان النذر العبادي يجب الوفاء به و اما انه يعتبر في انعقاد النذر نية القربة مطلقا فلا دلالة له عليه أصلا كما لا يخفى.

و ثالثا معارضة الصدر مع الذيل الدال على كراهة الإيجاب أي النذر و لا تجتمع الكراهة مع العبادية في المقام- و ان اجتمعتا في مثل الصلاة في الحمام- و ذلك لان المأمور به هناك هي طبيعة الصلاة و المنهي عنه انما هو إيقاعها في

الحمام مع ثبوت المندوحة و هو إيقاعها في المسجد أو في الدار و مرجع الكراهة إلى أقلية الثواب بالإضافة إلى إيقاعها في غير الحمام و اما في المقام فلا يكون في البين الا عنوان الإيجاب أي النذر و لا يعقل اجتماع العبادية و الكراهة فيه و الظاهر ان ظهور الذيل أقوى من ظهور الصدر على تقديره.

الثالث: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال إذا قال الرجل:

علىّ المشي إلى بيت اللّٰه و هو محرم بحجة، أو قال علىّ هدى كذا و كذا فليس بشي ء حتى يقول للّٰه علىّ المشي إلى بيته أو يقول للّٰه علىّ كذا و كذا ان لم افعل كذا و كذا «1» و يرد على الاستدلال بها ان غاية مفادها لزوم اشتمال صيغة النذر على كلمة «للّٰه» و عدم الاقتصار على كلمة «علىّ» و هذا لا دلالة له على اعتبار قصد القربة الذي عرفت ان لازمة كون الداعي على أصل الالتزام داعيا إلهيا و مقتضاه اضافة مثل كلمة «قربة الى اللّٰه» الى الصيغة لو أريد التلفظ بها و عدم الاكتفاء بنفس الصيغة بمجردها كما مرّ من صاحب الجواهر.

______________________________

(1) ئل أبواب النذر و العهد الباب الأول

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 431

..........

______________________________

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم يقم دليل على اعتبار نية القربة في النذر بمعنى الإيجاب و الالتزام و مجرد تحقق الشهرة بل الإجماع المدعى لا يكفي لإثبات هذا المعنى بل على تقدير كون الإجماع محصلا لا يجدي لاحتمال استناد المجمعين الى الروايات التي عرفت مفادها خصوصا بعد احتمال كون مراد المجمعين من نية القربة هو مجرد اشتمال الصيغة على كلمة

«للّٰه» لا كون الداعي على الالتزام امرا إلهيا غير نفساني.

نعم: يبقى الكلام حينئذ في الفرق بين اليمين و بين النذر حيث كانت الشهرة فيهما متخالفة على ما عرفت فإنه لو كان مراد المشهور من نية القربة المعتبرة هو الاشتمال المذكور لما كان فرق بينهما أصلا فإن اليمين أيضا مشتملة على كلمة الجلالة و يعتبر فيها ان يكون المقسم به هو اللّٰه تبارك و تعالى و اولى من اليمين العهد الذي تكون صيغته عاهدت اللّٰه فإنه لا يكون فرق بينها و بين النذر لو كانت الشهرة مختصة بالنذر و غير شاملة للعهد فإنه يحتمل ان يكون العهد واقعا في طرف النذر و يحتمل ان يكون ملحقا باليمين و اللازم المراجعة الى كتاب النذر فان كان واقعا في طرف النذر ينحصر الاشكال باليمين و ان كان ملحقا باليمين يقع الكلام في الفرق بينهما و بين النذر.

هذا و الظاهر مغايرة اليمين معهما فإنه فيهما يتحقق الالتزام و المعاهدة بالإضافة الى اللّٰه تعالى و اما اليمين فهي و ان كانت مشتملة على كلمة الجلالة الا ان القسم لا يكون التزاما في مقابله بل مفاده مجرد التأكيد و التحكيم فالفرق بينهما ظاهر.

و بعد ذلك كله نرجع إلى عبارة المتن في هذا المجال فان قوله: «و يقصد القربة رجاء» ظاهر في الرجوع الى خصوص الكافر الذي يحتمل وجوده تعالى و عليه فالمراد بقصد القربة هو اشتمال صيغة الالتزام على كلمة «للّٰه» لا كون الداعي على أصل الالتزام امرا إلهيا الا ان الالتزام بالإضافة الى اللّٰه تعالى انما يمكن تحققه من المسلم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 432

[مسألة 2- يعتبر في انعقاد يمين الزوجة و الولد اذن الزوج و الوالد]

مسألة 2- يعتبر في انعقاد يمين الزوجة و

الولد اذن الزوج و الوالد و لا تكفي الإجازة بعده، و لا يبعد عدم الفرق بين فعل واجب أو ترك حرام و غيرهما لكن لا ينبغي ترك الاحتياط فيهما بل لا يترك، و يعتبر اذن الزوج في انعقاد نذر الزوجة و اما نذر الولد فالظاهر عدم اعتبار اذن والده فيه، كما ان انعقاد العهد لا يتوقف على إذن أحد على الأقوى، و الأقوى شمول الزوجة للمنقطعة و عدم شمول الولد لولد الولد، و لا فرق في الولد بين الذكر و الأنثى، و لا تلحق الأم بالأب، و لا الكافر بالمسلم (1)

______________________________

و من الكافر المقر باللّه و اما الكافر المحتمل فذكر كلمة «للّٰه» بالنسبة إليه لا بد و ان يكون بنحو الرجاء الذي مرجعه الى التعليق و مفاده انه ان كان اللّٰه موجودا فله على كذا فلا دلالة لعبارة المتن على خلاف ما ذكره صاحب الجواهر فتدبر.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مباحث: المبحث الأول في اليمين و في اعتبار اذن الزوج و الوالد في انعقاد يمين الزوجة و الولد و كذا اذن المولى في انعقاد يمين المملوك احتمالات بل أقوال ثلاثة:

الأول: ما اختاره الماتن- قدس سره الشريف- تبعا للمحكي عن الإرشاد و المسالك و الرياض من اعتبار الاذن السابق و عدم كفاية غيره حتى الإجازة اللاحقة.

الثاني: انه يعتبر في انعقاد اليمين التي هي محل البحث الإذن الذي هو أعم من السابق و الإجازة اللاحقة.

الثالث: ما نسب إلى الأكثر بل المشهور من عدم اعتبار الاذن و الإجازة بل للزوج و الوالد حل يمين الزوجة و الولد و انه لا يجب العمل بها مع عدم رضاهما إذا لم يكن مسبوقا بنهي أو اذن فمع النهى السابق

لا ينعقد و مع الاذن يلزم و مع عدمهما تنعقد و لهما الحلّ و قد نفى البعد عن قوة هذا القول السيد- قده- في العروة.

و مستند المسألة طائفة من الروايات الواردة في المقام و الاختلاف انما نشأ من الاختلاف في مفادها و مدلولها و عمدة تلك الروايات صحيحة منصور بن حازم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 433

..........

______________________________

عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله لا يمين للولد مع والده و لا للمملوك مع مولاه و لا للمرأة مع زوجها، و لا نذر في معصية، و لا يمين في قطيعة «1».

و قد ادعى السيد- قده- في العروة تبعا لصاحب الجواهر ان المنساق من الخبر المذكور و نحوه انه ليس للجماعة المذكورة يمين مع معارضة المولى أو الأب أو الزوج و لازمة جواز حلّهم له و عدم وجوب العمل به مع عدم رضاهم به.

و أضاف إليه ما افاده الجواهر مما هذه عبارته: «انه قد يقال ان ظاهر قوله عليه السّلام مع والده نفيها مع معارضة الوالد إذ تقدير وجوده ليس اولى من تقدير معارضته بل هذا أولى للشهرة و العمومات ..»

و اللازم توضيح المراد من هذه العبارة فنقول ظاهرها انه لا بد من تقدير مضاف لكلمة «مع» و المقدر يحتمل ان يكون هو الوجود المضاف الى الوالد و يحتمل ان يكون هي المعارضة و المزاحمة المضافة إليه فإن كان المراد هو الثاني يكون مفاد الرواية نفى اليمين مع معارضة الوالد فينطبق على ما نسب الى المشهور و ان كان المراد هو الأول فحيث انه لا مجال للجمود على نفس العبارة لأن مقتضاها ان

وجود الوالد مانع عن انعقاد اليمين فاللازم ان يقال بان المتفاهم العرفي منه رعاية شأن الوالد و مقامه و هو لا يتحقق الّا مع المسبوقية بخصوص الاذن أو الأعم منها و من الملحوقية بالإجازة.

و ليس الاحتمال الأول أولى من الاحتمال الثاني بل الثاني أولى لموافقته للشهرة و العمومات و مرجعه إلى انه على تقدير الاحتمال الأول يلزم التخصيص زائدا على التخصيص في الاحتمال الثاني فإن استظهرناه منه فهو و الا يقع الإجمال و في هذه الصورة أيضا يجب الرجوع الى العموم لأنه إذا كان المخصص المنفصل مجملا مفهوما مرددا بين الأقل و الأكثر فاللازم الرجوع فيما عدي القدر المتيقن الى العموم و الحكم على طبقه.

______________________________

(1) ئل أبواب اليمين الباب العاشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 434

..........

______________________________

و كيف كان فلا ينبغي الارتياب في ان المقدر المذكور في كلام صاحب الجواهر هو المقدر بعد كلمة «مع» و انه هو الوجود أو المعارضة و هذا لا يرتبط بمسألة «لا» التي هي لنفى الجنس في قوله: «لا يمين» أصلا.

و لا يكاد ينقضي تعجبي كيف حمل بعض الاعلام كلام صاحب الجواهر المتقدم على ان المقدر ما يرتبط بلاء النافية الواردة على اليمين ثم تعرض للجواب عنه و لا بأس بذكر ملخص كلامه في هذا المقام قال:

«لا بد من تقدير كلمة الموجود أو المنع و المعارضة في الرواية كما هو الحال في نظائرها مثل لا إله إلا اللّٰه و لا رجل في الدار فقد ذكروا ان المقدر فيه هي كلمة الموجود و اما في هذه الجملات فيدور الأمر بين التقديرين فان قلنا ان المقدر هو الوجود فمعناه عدم انعقاد اليمين مع الوالد إلّا باذنه

و ان قلنا ان المقدر هو المنع و المعارضة فمعناه لا يمين مع منع الوالد و لا دلالة له الّا على جواز حل اليمين لا اعتبار اذنه فيه و ليس تقدير كلمة الوجود اولى من تقدير كلمة المعارضة.

و أورد عليه أولا بان ما ذكر من تقدير الموجود في «ولاء» النافية للجنس فيه مسامحة واضحة لأن الوجود و العدم انما يعرضان لنفس الماهية و هي بنفسها قد تكون موجودة و قد تكون معدومة من دون فرق بين الوجود و العدم من جهة الواسطة و عدمها ففي قولنا الإنسان موجود يكون معروض الوجود نفس ماهية الإنسان و في قولنا العنقاء معدوم يكون المعروض أيضا نفس ماهية العنقاء ففي مثل لا رجل في الدار يتعلق النفي بجنس الرجل و ماهيته و لا مجال لتقدير الموجود و هكذا قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: «لا يمين» في الرواية.

و ثانيا: انه على تقدير التنزل نقول بعدم دوران الأمر بين تقدير الوجود أو المنع و المعارضة فإن تقدير الوجود لا بد منه على اى حال و لو كان المراد المنع و المعارضة لأن معنى: لا يمين مع المعارضة انه لا وجود اليمين مع المعارضة و المنع بل لو فرض التصريح بكلمة المعارضة لاحتاج الى تقدير كلمة الوجود».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 435

..........

______________________________

و قد عرفت مما ذكرنا ان مراد صاحب الجواهر التقدير بعد كلمة «مع» غاية الأمر تردد المقدر بين أمرين و لا ارتباط لذلك بقوله لا يمين من جهة لا النافية لماهية اليمين مع ان المقدر في لا النافية هو الموجود لا الوجود و صريح كلام الجواهر هو الوجود مع ان تغيير محل التقدير بجعل

الوجود مقدرا بعد قوله لا يمين و المعارضة مقدرة بعد كلمة «مع» كما هو مقتضى الجواب الثاني مما لا ينبغي ان يصدر من مثله فالظاهر حينئذ ما ذكرنا من بيان عبارة الجواهر و توضيحها كما عرفت.

نعم يرد على ما افاده الجواهر من الدليل الثاني منع أولوية تقدير المعارضة لعدم كون الشهرة دخيلة في مرتبة الظهور و مقام دلالة الرواية بوجه بل منع التساوي بين التقديرين في مقام الاحتمال بل الظاهر أولوية تقدير الوجود لانه مضافا الى ان اضافة الوجود إلى الماهية أهون و أقرب من اضافة مثل عنوان المعارضة و المزاحمة نقول ان الوجود لا يحتاج الى التقدير أصلا لأنه كما ان قوله لا يمين للولد لا يحتاج الى تقدير الوجود قبل كلمة الولد مع ان مفاده في نفسه هي الماهية و الطبيعة و ذلك لان المتفاهم منه هو الوجود من دون ان يكون مقدرا، كذلك الوالد بعد قوله: «مع» فإنه أيضا لا يحتاج الى التقدير أصلا بل له ظهور عند العرف في الوجود و مما ذكرنا يظهر الجواب عن الدليل الأول فتأمل و التحقيق: في هذا المقام ان طرف احتمال تقدير المعارضة و المنع ليس هو الوجود كما في كلام صاحب الجواهر- قده- بل طرفه احتمال تقدير عدم الاذن السابق أو الأعم منه و من الإجازة اللاحقة و الوجه في عدم كونه هو الوجود مضافا الى ما أفاده في المستمسك من انه لو كان المراد ان وجود الوالد مانع كما يقتضيه الجمود على ما تحت العبارة كان قوله: «مع والده» زائدا إذ الولد لا بد ان يكون له والد و كذا الزوجة و العبد لا بدّ ان يكون لهما زوج و سيد فذكر الوالد

و الزوج و السيد شاهد على عدم كون المقدر هو الوجود و مضافا الى ما عرفت من ان المتفاهم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 436

..........

______________________________

عند العرف من الوالد بلحاظ اتصافه ما هو المتفاهم عندهم من الولد بلحاظ هذه الإضافة و ليس مرجع ذلك الى تقدير الوجود بوجه.

انه على تقدير كون المقدر هو الوجود يكون مفاد العبارة عدم صحة يمين الولد مع وجود الوالد و مرجعه الى عدم الانعقاد ما دام كونه حيا و لا مجال للحمل على هذا التقدير على كون المراد عدم الإذن لأنه بعد فرض عدم ارادة وجود الوالد من حيث هو تكون نسبة عدم الاذن و إضافته إلى الوالد متساوية مع اضافة المنع و المعارضة.

فالظاهر حينئذ ان الأمر يدور بين تقدير عدم الاذن و بين تقدير المعارضة و المنع و لا يرجع تقدير عدم الاذن الى قوله لا يمين للولد الا مع اذن والده حتى يقال كما في بعض الكلمات بأنه لا مجال لتقدير الاستثناء و ذلك لان المقدر نفس عدم الاذن من دون حاجة الى الاستثناء أصلا.

و على ما ذكرنا لو فرض إجمال الرواية من جهة ما هو المقدر فاللازم الرجوع الى أصالة العموم فيما إذا كان المخصص المنفصل مجملا مرددا بين الأقل و الأكثر كما عرفت و لكن هنا قرينة على كون المراد هو عدم الاذن و هو ان العبد لا يكفي في انعقاد يمينه مجرد منع المولى و معارضته بل يحتاج الى الاذن لأنه لا يقدر على شي ء على ما وصفه به في الكتاب العزيز فإذا كان الحكم في العبد كذلك فالظاهر عند العرف بمقتضى وحدة السياق خصوصا مع وقوع قوله صلّى اللّٰه

عليه و آله: و لا للمملوك مع مولاه بين الجملتين ان المراد في جميع الجملات الثلاثة واحد و المقدر هو عدم الاذن لا المعارضة و المنع و بما ذكرنا يظهر عدم صحة ما هو المنسوب الى المشهور على ما مرّ.

و بعد ذلك يقع الكلام في ان المراد بالاذن هل هو خصوص الاذن السابق أو الأعم منه و من الإجازة اللاحقة؟ ربما يقال بالأول نظرا إلى انه من الإيقاعات و ادعى الإجماع على عدم جريان الفضولية فيها كالطلاق و العتق و نحوهما.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 437

..........

______________________________

و لكنه أجيب عنه بأن الإجماع حيث انه دليل لبى يؤخذ بالقدر المتيقن منه و هو الإيقاع الواقع على مال الغير كعتق عبده أو ما يتعلق بالغير محضا كطلاق زوجة الغير فإن الإجازة اللاحقة لا تجدي في مثل ذلك من الأمور الأجنبية عنه بالمرة، و اما إذا كان الإيقاع متعلقا بفعل نفسه مالا كان أو غيره غاية الأمر تعلق حق الغير به كحق المرتهن و حق الغرماء أو قيام الدليل على اعتبار رضا الغير فيه كما في مثل المقام فلا دليل على عدم تأثير الإجازة اللاحقة فإذا أعتق الراهن العبد المرهون ثم لحقته اجازة المرتهن لا دليل على بطلان عتقه و كذا لو أعتق المفلس المحجور عليه عبده ثم لحقته اجازة الغرماء و الديان فإنه أيضا كذلك و كذلك إذا قام الدليل على مجرد اعتبار رضا الغير كما في العمة و الخالة حيث يعتبر رضاهما في نكاح بنت أخيها أو أختها من دون فرق بين السابق و اللاحق و المقام أيضا من هذا القبيل فإن الإجماع المذكور لا ينهض لاعتبار خصوص الاذن السابق على

ما عرفت فالاستناد اليه غير صحيح.

كما انه يمكن ان يقال بالثاني نظرا الى التعليل الوارد في الرواية الواردة في تزويج العبد و هي ما رواه في الكافي و الفقيه عن زرارة عن الباقر عليه السّلام سأله عن مملوك تزوج بغير اذن سيده فقال ذلك الى سيده ان شاء اجازه و ان شاء فرق بينهما قلت أصلحك اللّٰه تعالى ان حكم بن عتيبة و إبراهيم النخعي و أصحابهما يقولون ان أصل النكاح فاسد و لا يحلّ اجازة السيد له فقال أبو جعفر عليه السّلام انه لم يعص اللّٰه انما عصى سيده فإذا أجاز فهو له جائز.

فإن موردها و ان كان هو النكاح الذي يكون من العقود الا ان مقتضى التعليل جريان الحكم في الإيقاعات أيضا فإنه لا فرق من جهة عدم تحقق معصية اللّٰه و كذا تحقق معصية المولى بأيّ معنى فسرت المعصية به في الموردين بين العقود و الإيقاعات و لازمة كون الإجازة اللاحقة كافية كالاذن السابق.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 438

..........

______________________________

هذا و لكن ورد في مورد طلاق العبد زوجته بعض الروايات التي استدل الامام- ع- فيها بقوله تعالى عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ على افتقار طلاق العبد إلى اذن المولى نظرا الى ان الطلاق شي ء فهو لا يقدر عليه اى لا يستقل به و لكنه لا يعلم ان المراد بالاذن فيها هل هو خصوص الاذن السابق أو الأعم منه و من الإجازة اللاحقة و حيث ان الطلاق من الإيقاعات فالظاهر جريان حكمه في يمين العبد و بمقتضى وحدة السياق يجري في يمين الولد و الزوجة فاللازم ملاحظة تلك المسألة.

بقي الكلام في ان اليمين التي تحتاج الى الاذن

أو الأعم منه و من الإجازة أو يجوز حلها هل تنحصر بموارد خاصة أو تعم جميع الموارد؟ و في هذه الجهة أقوال ثلاثة:

أحدها ما ذكره في الجواهر فإنه بعد اختياره كون المقدر هو المنع و المعارضة قال: «فالمراد- ح- من نفى اليمين مع الوالد في الفعل الذي يتعلق بفعله ارادة الولد و تركه ارادة الوالد و ليس المراد مجرد نهى الوالد عن اليمين ..»

و أوضحه السيد- قده- في العروة بأن جواز الحل أو المتوقف على الاذن ليس في اليمين بما هو يمين مطلقا كما هو ظاهر كلماتهم بل انما هو فيما كان المتعلق منافيا لحق المولى أو الزوج و كان مما يجب فيه طاعة الوالد إذا أمر أو نهى، و اما ما لم يكن كذلك فلا كما إذا حلف المملوك ان يحج إذا أعتقه المولى، أو حلفت الزوجة ان تحج إذا مات زوجها أو طلقها، أو حلفا ان يصليا صلاة الليل مع عدم كونها منافية لحق المولى أو حق الاستمتاع من الزوجة أو حلف الولد ان يقرأ كل يوم جزء من القرآن أو نحو ذلك مما لا تجب طاعتهم فيها للمذكورين فلا مانع من انعقاده و هذا هو المنساق من الاخبار فلو حلف الولد ان يحج إذا استصحبه الوالد إلى مكة- مثلا- لا مانع من انعقاده و هكذا بالنسبة إلى المملوك و الزوجة فالمراد من الاخبار انه ليس لهم ان يوجبوا على أنفسهم باليمين ما يكون منافيا لحق المذكورين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 439

..........

______________________________

ثانيها ما اختاره المحقق في الشرائع حيث قال: «و لا تنعقد من الولد مع والده الا مع اذنه و كذا يمين المرأة و المملوك

الا ان يكون في فعل واجب أو ترك حرام» و مقتضاه استثناء صورة ما إذا كان في فعل الواجب أو ترك الحرام من قوله- ص- لا يمين للولد مع والده.

ثالثها ما نفى عنه البعد في المتن و استظهره السيد- قده- من الكلمات من عدم الفرق بين الموارد أصلا حتى ما إذا كان في فعل واجب أو ترك حرام و ان احتاط وجوبا في المتن بالإضافة إليهما.

و يرد على ما افاده صاحب الجواهر أولا انه لو سلم كون المقدر هي المعارضة و المنع لكن الظاهر من الرواية بلحاظ عدم وقوع التعرض فيها لمتعلق اليمين من الفعل أو الترك الذي يراد بسبب اليمين و الالتزام إيجاده في الخارج بل التعرض فيها انما هو لنفس اليمين و النفي قد تعلق بطبيعتها و عليه فالظاهر تعلق المعارضة و المنع بنفسها التي هي التزام من الولد و الزوجة فالمراد ان نفس الالتزام اليمينى إذا كان ممنوعا من قبل الوالد أو الزوج فلا ينعقد الالتزام و لا يترتب عليه آثاره و احكامه فلا مجال لجعل المنفي نفس الالتزام و اضافة المنع الى متعلقه فإنه خلاف الظاهر جدّا.

و ثانيا ان حمل الرواية على المعنى المذكور يوجب الالتزام بأمرين يكون كل واحد منهما خلاف الظاهر:

أحدهما الالتزام بكون مفادها هو مفاد قوله: لا يمين في المعصية على ما ورد في بعض الروايات فهل يكون المتفاهم عند العرف من الروايتين امرا واحدا أو انه لا ينبغي إنكار كون المستفاد من إحديهما غير ما يستفاد من الأخر مع انه على تفسير صاحب الجواهر لا بد من الالتزام بوحدة المفاد كما لا بخفي.

ثانيهما ان ظاهر الرواية كون العناوين الثلاثة المذكورة فيها و هي عنوان الوالد و المولى

و الزوج لها خصوصية ناشئة عن اهميتها و عظمتها عند الشارع بحيث

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 440

..........

______________________________

كان مراد الشارع من الرواية إثبات حرمة لها مقتضية لاعتبار اذنها و لا أقل عدم منعها و معارضتها و هذا انما يتحقق على تقدير كون عدم الاذن أو المنع راجعا الى نفس اليمين و الالتزام لانه لو كان راجعا الى المتعلق لا ينحصر الحكم بهذه العناوين بل يجري في الزوج بالإضافة إلى الزوجة فإنه لو حلف على عدم رعاية بعض حقوقها الواجبة كالنفقة و نحوها يكون الحكم أيضا كذلك لعدم الفرق بين حلف الزوجة على عدم رعاية بعض حقوقه الواجبة و بين العكس و هكذا في المولى بالإضافة الى العبد كما لو حلف المولى على ترك إنفاق العبد مع كونه واجبا عليه بل و كذا في الوالد بالإضافة إلى الولد في بعض الحقوق الواجبة على الوالد بل لا يختص بذلك فإنه يجري في جميع الموارد التي تعلق الحلف بما هو متعلق حق الغير و كان متعلقه عدم رعاية حقه كما إذا حلف الراهن على بيع العين المرهونة مع عدم المراجعة إلى المرتهن أو حلف المفلس على بيع العين التي هي متعلق حق الغرماء من دون رعاية حقهم فاللازم بمقتضى ما ذكر حمل الرواية على ظاهرها الذي هو الاختصاص بالعناوين الثلاثة المذكورة فيها و لازمة ارتباط الاذن و المنع بنفس اليمين من دون فرق بين كون متعلقها منافيا لحقهم الواجب و بين عدم كونه كذلك كما في الأمثلة المذكورة في كلام السيد- قده.

و يرد على ما افاده صاحب الشرائع انه لم يعلم وجه لاستثناء فعل الواجب و ترك الحرام من عموم دليل التوقف

على الاذن أو مانعية المنع الا دعوى انصراف الدليل المزبور عما إذا كان هناك إلزام و التزام أخر غير الالتزام اليمينى و مرجعها الى ان الظاهر من الدليل انحصار الالتزام بما يرتبط باليمين و عليه فاللازم ان لا يكون متعلقه فعل واجب أو ترك حرام.

و الظاهر عدم تمامية دعوى الانصراف فإنه حيث تكون الرواية ناظرة إلى خصوص الالتزام اليمينى الذي يترتب على مخالفته ثبوت الكفارة و من المعلوم مغايرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 441

..........

______________________________

هذا الالتزام لما يكون في فعل الواجب و ترك الحرام فلا مجال لدعوى اختصاصها بغير ما إذا كان هناك التزام آخر فالإنصاف كما هو ظاهر كلمات القوم و نفى عنه البعد في المتن شمول الرواية لجميع الموارد حتى المورد المستثنى في كلام الشرائع و لكنه حيث يكون القائل بالاستثناء هو المحقق الذي يكون علو مقامه و عظمة شأنه في الفقه قليل النظر فذلك يقتضي لزوم رعاية الاحتياط و ترتيب آثار اليمين في فعل واجب أو ترك حرام و لو مع عدم تحقق الاذن أو المنع كما هو ظاهر هذا تمام الكلام في اليمين.

المبحث الثاني في النذر و المشهور بينهم انه كاليمين في المملوك و الزوجة و حكى عن الدروس بل عن جملة من كتب العلامة إلحاق الولد أيضا و ما يمكن ان يستدل به على الإلحاق المطلق أمران:

أحدهما دعوى تنقيح المناط و يؤيدها ما عن الرياض من ان مقتضى الاستقراء و التتبع التام اشتراك النذر و اليمين في كثير من الاحكام. و الجواب عن هذا الأمر منع هذه الدعوى بعد كون النذر و اليمين عنوانين متغايرين و ان كانا مشتركين في جملة من الاحكام لكن

ذلك لا يصحح الدعوى المذكورة و منه يظهر الجواب عن الاستقراء فان الاشتراك في جملة من الاحكام بل في كثير منها لا يوجب الاطمئنان بالاشتراك في الجميع و الظن لا يغني من الحق شيئا و يدل على الفرق اختلاف التعبير في الرواية الواردة في اليمين فإنّه فيها بعد الحكم بتوقف اليمين على اذن الوالد و المولى و الزوج قال: «لا نذر في معصية و لا يمين في قطيعة» فإن اختلاف التعبير يكشف عن كون كل من اليمين و النذر موضوعا خاصا مغايرا للآخر و يترتب عليه احكامه.

ثانيهما إطلاق عنوان اليمين على النذر في جملة من الروايات بعضها في كلام الامام عليه السّلام و أكثرها في كلام الراوي بضميمة تقرير الامام عليه السّلام له و أظهرها موثقة إسحاق بن عمار: «انما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها ان يفي بها ما جعل للّٰه تعالى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 442

..........

______________________________

عليه في الشكر ان هو عافاه من مرضه، أو عافاه من أمر يخافه، أورد عليه ماله، أو رده من سفره، أو رزقه رزقا: فقال للّٰه علىّ كذا و كذا شكرا فهذا الواجب على صاحبه.» «1»

نظرا الى ان إطلاق اليمين على النذر ان كان بنحو الحقيقة و يؤيده قوله تعالى:

«ذٰلِكَ كَفّٰارَةُ أَيْمٰانِكُمْ إِذٰا حَلَفْتُمْ» نظرا الى ظهوره في كون الحلف أخص من اليمين فاللازم جريان الرواية المتقدمة في اليمين المشتملة على اعتبار إذن الثلاثة في النذر أيضا و ان كان بغير نحو الحقيقة بل بنحو المجاز و الاستعارة فمقتضى عدم ثبوت الخصوصية لشي ء من وجوه المشابهة ثبوت المشاركة في جميع الاحكام.

و الجواب عن هذا الأمر بعد ظهور كون الإطلاق و الاستعمال لا بنحو

الحقيقة ان توصيف اليمين بكونها واجبة و ينبغي لصاحبها ان يفي بها في صدر الرواية و كذا قوله في الذيل فهذا الواجب على صاحبه يدل على كون النظر في المشابهة انما هو الى وجوب الوفاء و لزوم العمل على طبقه و لا دلالة لها على المشاركة في جميع الأحكام أصلا.

نعم ورد في خصوص الزوجة رواية ظاهرة في توقف نذرها على اذن الزوج و هي ما رواه الصدوق و الشيخ بأسانيد صحيحة عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- ليس للمرأة مع زوجة أمر في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها إلا بإذن زوجها إلا في حج أو زكاة أو برّ والديها أو صلة قرابتها (رحمها). «2»

و الظاهر في هذه الرواية تقدير كلمة الوجود بعد كلمة «مع» لاستثناء صورة اذن الزوج و هو لا يلائم مع تقدير المعارضة و المنع أو عدم الاذن كما لا يخفى كما ان الحاجة الى ذكر وجود الزوج انما هو للتعبير بالمرأة لا الزوجة فلا مجال للقياس

______________________________

(1) ئل أبواب النذر الباب السابع عشر ح- 1

(2) ئل أبواب النذر الباب الأول ملحق الحديث: 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 443

..........

______________________________

بالرواية المتقدمة الواردة في اليمين و قد استشكل في الاستدلال بالرواية بالإضافة إلى الزوجة من وجهين:

الأول كونها أخص من المدعى لانه عبارة عن توقف مطلق نذر الزوجة على اذن الزوج و هي مقيدة بما إذا كان في مالها فلا دلالة لها على التوقف في النذر في الأعمال كما إذا نذرت قراءة القرآن أو صلاة الليل أو غيرهما مع فرض عدم المنافاة لحقوق الزوج بوجه

و لا مجال لدعوى إلغاء الخصوصية من المال بعد احتمال كون التصرف المالى له خصوصية من جهة ان عدم التوقف على الاذن فيه مستلزما لخروجه من يد الزوجة بالنذر مع عدم الالتفات و التوجه إلى الحاجة إليه لكونها بعيدة عن المسائل الاقتصادية المالية نوعا فلا وجه لإلغاء خصوصية المال.

الثاني ان الرواية مشتملة على التوقف في جملة من الأمور مع عدم توقفها على اذن الزوج أصلا كالعتق و الصدقة و الهبة فهو يوجب خروجها عن الحجية و عدم صلاحيتها لإثبات التوقف في النذر.

و أجاب عنه جماعة كالسيد- قده- في العروة بان اشتمالها على ما لا نقول به لا يضر و مرجعه إلى انه لو كانت الرواية مشتملة على أحكام متعددة و لم يمكن الالتزام بجملة منها فهذا لا يوجب خروجها عن الاعتبار بالإضافة الى ما يمكن الالتزام به لعدم قيام دليل على عدم إمكان الالتزام.

و لكنه أورد على هذا الجواب بعض الاعلام في شرحها بان الأمر و ان كان كذلك لكنه فيما إذا كان في الرواية جمل متعددة على اشكال فيه أيضا و اما إذا كان جميع الفقرات بيانا لصغريات لكبرى واحدة فالمتبع ظهور تلك الكبرى و في الحقيقة لا تكون الرواية مشتملة الا على جملة واحدة غاية الأمر التعرض لبعض الصغريات أيضا و هذا كما في المقام لانه لا يكون في البين إلا جملة واحدة مشتملة على الضابطة و بيان الكبرى و هو قوله: ليس للمرأة مع زوجها أمر و يؤيده بل يدل عليه استثناء الحج

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 444

..........

______________________________

و الزكاة و غيرهما بعد ظهوره في كون الاستثناء حقيقيا و متصلا فإنه يدل على كون المستثنى منه

كبرى كلية واحدة غاية الأمر استثناء الموارد المذكورة فإذا لم يجز الأخذ بالكبرى لعدم إمكان الالتزام بها فلا مجال للاستدلال بالرواية بل لا بد من حملها على كونها متعرضة للجهة الأخلاقية و التأدب بالنسبة إلى الزوج و احترام مقامه لا لحكم فقهي شرعي.

و يؤيد هذا الإيراد انه لو لم يقع فيها التعرض لكثير من الصغريات التي لا يمكن الالتزام بها لكان التمسك بالرواية ممكنا لأجل ان خروج جملة من الصغريات من الكبرى الكلية لا يلازم عدم صلاحيتها للاستدلال بها في الموارد المشكوكة و اما مع التعرض لجملة من الصغريات المزبورة مع كون مقتضى القاعدة في مثل ذلك التعرض للصغريات التي يمكن الالتزام بها فلا مجال للاستدلال أصلا.

ثم لا يخفى ان الحاجة الى الاستدلال بالرواية في مسألة نذر الزوجة إنما يبتنى على ما ذكرنا في تفسير الرواية الواردة في اليمين من كون المعارضة و المنع أو عدم الاذن راجعا الى نفس اليمين و إنشاء الالتزام و اما بناء على ما قاله صاحب الجواهر و تبعه السيد من كون المعارضة راجعة إلى متعلق اليمين و لازمة انحصار مورد الرواية بما إذا كان منافيا لحقوق الزوج و قد عرفت ان مرجعه- ح- الى ان المراد من الرواية انه لا يمين في معصية فلا حاجة في باب النذر الى تتبع دليل و دلالة رواية عليه بعد ورود قوله لا نذر في معصية في نفس تلك الرواية الواردة في اليمين فيصير النذر و اليمين من باب واحد كما هو ظاهر.

المبحث الثالث في العهد و قد قوى في المتن عدم توقف انعقاده على إذن أحد أي بالإضافة إلى الزوجة و الولد لعدم وقوع التعرض فيه للمملوك و الظاهر التوقف فيه على

اذن المولى لأنه شي ء أيضا كالطلاق فيشمله قوله تعالى عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ و اما عدم التوقف في غيرهما فلانه لم ينهض دليل في العهد في مقابل الإطلاقات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 445

..........

______________________________

الدالة على وجوب الوفاء بالعهد الشاملة لصورة عدم الاذن و مع عدم الدليل على التوقف في مقابلها لا مجال إلا للأخذ بمقتضى الأدلة المطلقة.

نعم يمكن ان يقال بما تقدم في النذر من دعوى شمول دليل اليمين له كشموله للنذر و لكن قد عرفت الجواب عنه من ان الإطلاق و الاستعمال إطلاق مجازي و الغرض التشبيه في وجوب الوفاء و لزوم العمل فالحق- ح- ما في المتن.

بقي الكلام في أصل المسألة في أمور:

الأول هل الزوجة في باب اليمين و كذا النذر على تقدير كونه كاليمين تشمل الزوجة المنقطعة أو تختص بالدائمة فالمحكي عن الرياض الثاني قال: و ينبغي القطع باختصاص الحكم في الزوجة بالدائمة دون المنقطعة لعدم تبادرها منها عند الإطلاق مضافا الى قوة احتمال كون صدقها عليها على سبيل المجاز دون الحقيقة.

و يظهر من السيد- قده- في العروة الترديد حيث اقتصر على بيان احتمالين لكن قد قوى في المتن الشمول.

أقول ان منشأ دعوى عدم الشمول اما عدم كونها زوجة حقيقة نظرا إلى أنها مستأجرة و يؤيده قوله تعالى فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ للتعبير عن صداقها بالأجرة الظاهرة في الإجارة و التعبير عنها في بعض الروايات بقوله- ع-: هن مستأجرات.

و اما الانصراف على تقدير كونها زوجة حقيقة عنها و انسباق الزوجة الدائمة من إطلاق كلمة «الزوجة».

و يدفع الأول ان إطلاق المستأجرة عليها انما هو على سبيل المجاز و العناية و يؤيده- مضافا الى

وقوع التعرض لمباحث النكاح المنقطع في كتاب النكاح في جميع الكتب الفقهية للأصحاب و الفقهاء دون كتاب الإجارة- انه لو كان بنحو الإجارة لكان اللازم صحة التعبير في صيغته بالإجارة و الاستيجار مع انه من الواضح عدم الاكتفاء به

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 446

..........

______________________________

و يدفع الثاني منع الانصراف كما في سائر الأدلة الواردة في الأحكام المترتبة على الزوجة و هذا من دون فرق بين ان نقول في الزوجية المنقطعة بما افاده صاحب الجواهر- قده- من ان الزوجية الانقطاعية عين الزوجية الدائمية غاية الأمر ان الانقطاع نشأ من قبل الشرط في ضمن العقد و لذا ذكر المشهور انه لو نسي ذكر الأجل ينعقد دائما و بين ان نقول بما عن المحقق النائيني- قده- من اختلافهما في الحقيقة و الماهية غاية الأمر ان اختلافهما انما هو بالنوع و يشتركان في الجنس و هو أصل الزوجية و يترتب على هذا الاختلاف الاختلاف في الأحكام كالعدة و النفقة و التوارث على كثير من الأقوال و بعض الآثار الآخر و ذلك لانه على التقدير الثاني يكون الحكم مترتبا على الجنس الذي يشترك فيه النوعان و لا مجال لدعوى الانصراف الى خصوص أحدهما أصلا فالحق في هذا الأمر ما افاده الماتن- قدس سره الشريف.

الثاني هل الحكم يشمل ولد الولد أم يختص بالولد من دون واسطة ظاهر العروة فيه الترديد أيضا و عن الرياض ان الشمول لا يخلو من قرب، و نسب الى الدروس الجزم به. و اختار في المتن عدم الشمول.

و الوجه فيه ان كلمة «الولد» و ان كانت تشمل ولد الولد أيضا ككلمة «الابن» غير المختص بالابن من دون واسطة و لو كانت

الواسطة هي الأنثى لقول رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- في الحسنين- عليهما السلام- هذان ابناي إمامان .. و لا اعتبار لقول الشاعر:

بنونا بنو أبنائنا و بناتنا، و بنوهن أبناء الرجال الأباعد كما ان كلمة «الأب» يشمل الجد أيضا لقوله تعالى حكاية عن جملة من الكفار مٰا سَمِعْنٰا بِهٰذٰا فِي آبٰائِنَا الْأَوَّلِينَ الا ان الظاهر ان كلمة «الوالد» المذكورة في رواية اليمين المتقدمة تختص بالأب من دون واسطة كما هو المتفاهم منها عند العرف.

الثالث ان الولد الذي يتوقف يمينه على اذن الوالد لا يختص بالولد الذكور بل يعم الأنثى أيضا لإطلاق عنوانه و شموله لها.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 447

[مسألة 3- لو نذر الحج من مكان معين فحج من غيره لم تبرأ ذمته]

مسألة 3- لو نذر الحج من مكان معين فحج من غيره لم تبرأ ذمته، و لو عينه في سنة فحج فيها من غير ما عينه وجبت عليه الكفارة، و لو نذر ان يحج حجة الإسلام من بلد كذا فحج من غيره صح و وجبت الكفارة، و لو نذر ان يحج في سنة معينة لم يجز التأخير، فلو أخر مع التمكن عصى و عليه القضاء و الكفارة، و لو لم يقيده بزمان جاز التأخير إلى ظن الموت و لو مات بعد تمكنه يقضى عنه من أصل التركة على الأقوى، و لو نذر و لم يتمكن من أدائه حتى مات لم يجب القضاء عنه، و لو نذر معلقا على أمر و لم يتحقق المعلق عليه حتى مات لم يجب القضاء عنه نعم لو نذر الإحجاج معلقا على شرط فمات قبل حصوله و حصل بعد موته مع تمكنه قبله فالظاهر وجوب القضاء عنه، كما انه لو نذر إحجاج شخص في سنة

معينة فخالف مع تمكنه وجب عليه القضاء و الكفارة و ان مات قبل إتيانهما يقضيان من أصل التركة و كذا لو نذر احجاجه مطلقا أو معلقا على شرط و قد حصل و تمكن منه و ترك حتى مات. (1)

______________________________

الرابع ان الأم لا تلحق بالأب في توقف يمين الولد على إذنها لأن الوالد لا يشملها و الحكم انما هو في مقابل إطلاقات أدلة اليمين فاللازم الاقتصار على المقدار الذي دل عليه الدليل نعم يلزم على قول السيد تبعا لصاحب الجواهر في معنى الرواية الواردة في اليمين تعميم الحكم للأم أيضا لعدم اختصاص وجوب الإطاعة بالأب و مورد الرواية عليه يختص بما ينافي وجوب الإطاعة كما تقدم.

الخامس لا يلحق الكافر الوالد بالمسلم لوضوح ان مناط الحكم رعاية احترام الوالد و حفظ شئونه و الكافر لا احترام له أصلا و لو كان والدا كما لا يخفى.

(1) في هذه المسألة فروع كثيرة: الأول ما لو نذر الحج من مكان معين كما إذا نذر الحج من بلده- مثلا- فحج من غيره و الحكم فيه عدم براءة ذمته بذلك و لكنه لا بد قبل ملاحظة الحكم من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 448

..........

______________________________

ملاحظة ان أصل انعقاد النذر بهذه الصورة مع عدم كون الشروع من بلده- مثلا- مشتملا على خصوصية راجحة و مزية زائدة و المعتبر في صحة النذر و انعقاده كون المتعلق راجحا انما هو لأجل عدم كون النذر متعلقا بالخصوصية حتى يلزم ان تكون راجحة بل النذر انما تعلق بالحج من البلد و هذا راجح في مقابل ترك الحج و هذا كما إذا نذر صلاة الليل في منزله و داره فإن خصوصية وقوعها في

داره و ان لم تكن راجحة بل مرجوحة بالإضافة إلى خصوصية وقوعها في المسجد الا انه حيث لا يكون المنذور هي الخصوصية بل صلاة الليل في داره في مقابل الترك و لا شبهة في رجحانها فلا إشكال في صحة النذر و انعقاده.

و اما الحكم فهي عدم براءة الذمة بالحج الذي اتى به لانه مغاير للمنذور و لا يتحقق الوفاء بسببه فاللازم الإتيان به من ذلك المكان بعد عدم مدخلية زمان خاص فيه و هذا كما لو نذر ان يعطى الفقير العالم مقدارا من المال فبذل ذلك المقدار الى الفقير غير العالم فإنه لا شبهة في عدم تحقق الوفاء كما انه لا شبهة في صحة أصل حجه و تمامية عمله و لكنه لا ينطبق عليه عنوان الوفاء كما لا يخفى.

الفرع الثاني ما لو عين مكانا معينا و سنة خاصة فحج في تلك السنة لكنه من غير ذلك المكان المعين و لا شبهة بملاحظة ما ذكرنا في الفرع الأول في صحة النذر و انعقاده و الفرق بينهما انه في الفرع الأول لم تكن المخالفة المتحققة بالحج من غير المكان المعين موجبة لعدم التمكن من الوفاء بالنذر لفرض عدم تعيين الزمان أصلا و اما في هذا الفرع تكون المخالفة المكانية مع وجود قيد الزمان و رعايته موجبة لعدم التمكن من العمل على طبق النذر لفرض مضى ذلك الزمان و عليه فاللازم عليه هنا الكفارة لأجل المخالفة العمدية و عدم إمكان الوفاء أصلا نعم في أصل صحة الحج المأتي به إشكال سيأتي التعرض له في الفرع الثالث.

الفرع الثالث ما لو نذر ان يحج حجة الإسلام من بلد كذا و مثله ما في العروة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الحج، ج 1، ص: 449

..........

______________________________

مما إذا كان هناك نذران أحدهما تعلق بالحج من غير تقييد بمكان ثانيهما تعلق بكون الحج المنذور بالنذر الأول من مكان معين فخالف فحج من غير ذلك المكان.

و لا يخفى اختلاف هذا الفرع مع الفرعين الأولين فإنه حيث كان متعلق أصل النذر في ما في المتن و كذا متعلق النذر الثاني في مثال العروة هي الخصوصية المكانية لا أصل الحج لانه كان واجبا بأصل الشرع كما في حجة الإسلام أو بالنذر الأول كما في النذرين فلا بد من فرض الكلام فيما إذا كانت الخصوصية راجحة و الا لا ينعقد النذر و عليه فالمثال لهذا الفرع ما إذا نذر الحج من مسجد الشجرة- مثلا- الذي هو أفضل المواقيت و مثله من الخصوصيات الراجحة و البحث في هذا الفرع تارة في حكم الحج المأتي به من غير ذلك المكان الذي عينه و اخرى في وجوب الكفارة و عدمه:

اما البحث من الجهة الأولى فقد ناقش في صحته في «المستمسك» حيث قال:

«و ان أخذ- يعني حجة الإسلام- قيدا للمنذور- كما هو ظاهر الفرض وجب تحصيله فيرجع قوله: للّٰه علىّ ان أحج حجة الإسلام من بلد كذا، الى قوله: للّٰه علىّ ان لا أحج الا من بلد كذا، لان وجوب المحافظة على حصول قيد المنذور يقتضي المنع من حصوله لئلا يعجز عن أداء المنذور المؤدي الى تركه، فإذا حج من غير البلد المعين حج الإسلام فقد فوت الموضوع و عجّز نفسه عن أداء المنذور، و هذا التعبير حرام عقلا فيكون تجريا فلا يصح التعبد به فإذا بطل لفوات التقرب بقي النذر بحاله فيجب الإتيان بالمنذور بعد ذلك و- حينئذ- لا تجب الكفارة لأن الكفارة انما

تجب بترك المنذور، لا بمجرد التجري في تركه و تفويته الحاصل بالاقدام على إفراغ الذمة عن حجة الإسلام.

و أورد عليه بعض الأعلام إيرادات:

منها: ان النذر انما يتعلق بإيقاع الطبيعة في ضمن فرد خاص و اما عدم إيقاعها في ضمن فرد آخر فهو من باب الملازمة بين وجود أحد الضدين و عدم الضد الأخر لا من جهة تعلق النذر بذلك و الا لا ينعقد النذر من أصله لأن ترك الحج من غير بلد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 450

..........

______________________________

كذا لا رجحان فيه.

و بعبارة أخرى منّى ان عدم الحج من غير بلد كذا يجتمع مع ترك الحج رأسا فإذا رجعت عبارة النذر الى ما ذكر يصير معناه حصر إيقاع حجة الإسلام في بلد كذا و عدم تحققه من غيره و هذا لا ينافي الترك رأسا و من المعلوم انه لا رجحان فيه أصلا فالارجاع المذكور مما لا وجه له أصلا.

و منها: ان التعجيز و تفويت الموضوع لا ينطبق على نفس الحج من غير البلد المعين بل هو ملازم له لما ذكر من الملازمة بين وجود أحد الضدين و عدم الضد الآخر الناشية عن عدم إمكان الجمع بين الضدين في الوجود.

و عليه فإذا كان التعجيز مبغوضا و حراما فذلك لا يستلزم كون العبادة مبغوضة حتى تصير فاسدة فإن حكم أحد المتلازمين لا يسرى الى الآخر فلا مجال لدعوى كون الحج من غير البلد المعين مبغوضا و فاسدا.

و منها: ان التعجيز لا يعقل ان يكون محكوما بالحرمة لأنه يستلزم من وجوده عدمه و ذلك لان التعجيز انما يتحقق إذا كان المأتي به صحيحا إذ لو كان باطلا و فاسدا لا يتحقق التعجيز فالتعجيز

متوقف على صحة المأتي به و إذا كان صحيحا لا يمكن ان يكون المعجز محرما بعنوان التعجيز لاستحالة ما يلزم من وجوده عدمه.

هذا و يرد عليه أيضا ان الذوق الفقهي لا يقبل الحكم ببطلان حجة الإسلام التي هي من أهم الفرائض الإلهية و اللازم الإتيان بها فورا ففورا بمجرد مخالفة النذر المتعلق بإيقاعها من بلد معين أو من مسجد الشجرة على ما مثلنا فالإنصاف في هذه الجهة الحكم بالصحة.

و اما البحث من الجهة الثانية فالظاهر لزوم الكفارة لأن وقوع حجة الإسلام من غير ذلك البلد صحيحا يوجب عدم التمكن من إيقاعها من ذلك البلد و المفروض وقوع ذلك عمدا فاللازم عليه كفارة مخالفة النذر كما في المتن.

الفرع الرابع: ما لو نذر ان يحج في سنة معينة و لا إشكال في صحة نذره

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 451

..........

______________________________

و انعقاده لكون متعلق النذر هو الحج و ان كان قد قيده بسنة معينة لكن قد عرفت انه لا بد من مقايسة ذلك مع الترك لا مع الوجود مع فقدان الخصوصية الزمانية فاصل صحة النذر مما لا شبهة فيه كما ان مقتضى وجوب الوفاء بالنذر عدم جواز التأخير و ثبوت العصيان مع التأخير و ثبوت التمكن من الإتيان كما انه لا إشكال في ثبوت الكفارة لتحقق المخالفة العمدية الموجبة لثبوتها.

انما البحث في لزوم القضاء و عدمه فنقول اما من جهة الفتاوى ففي الجواهر:

«بلا خلاف أجده فيه بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب كما اعترف به في المدارك» و اما من جهة الدليل فقد ذكر السيد- قده- في العروة ما هذه عبارته:

«التحقيق ان جميع الواجبات الإلهية ديون للّٰه تعالى سواء كانت مالا

أو عملا ماليا أو عملا غير مالي فالصلاة و الصوم أيضا ديون للّٰه و لهما جهة وضع فذمة المكلف مشغولة بهما و لذا يجب قضائهما فإن القاضي يفرغ ذمة نفسه أو ذمة الميت، و ليس القضاء من باب التوبة أو من باب الكفارة بل هو إتيان لما كانت الذمة مشغولة به و لا فرق بين كون الاشتغال بالمال أو بالعمل فان مثل قوله: للّٰه علىّ ان اعطى زيدا درهما دين الهى لا خلقي فلا يكون الناذر مديونا لزيد بل هو مديون للّٰه بدفع الدرهم لزيد و لا فرق بينه و بين ان يقول للّٰه علىّ ان أحج، أو ان أصلي ركعتين فالكل دين اللّٰه و دين اللّٰه أحق ان يقضى كما في بعض الاخبار و لازم هذا كون الجميع من الأصل نعم إذا كان الوجوب على وجه لا يقبل بقاء شغل الذمة به بعد فوته لا يجب قضائه لا بالنسبة إلى نفس من وجب عليه و لا بعد موته سواء كان مالا أو عملا مثل وجوب إعطاء الطعام لمن يموت من الجوع عام المجاعة فإنه لو لم يعطه حتى مات لا يجب عليه و لا على وارثه القضاء لان الواجب انما هو حفظ النفس المحترمة و هذا لا يقبل البقاء بعد فوته و كما في نفقة الأرحام فإنه لو ترك الإنفاق عليهم مع تمكنه لا يصير دينا عليه لان الواجب سد الخلّة و إذا فات لا يتدارك».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 452

..........

______________________________

و محصل كلامه ان القضاء ليس بفرض جديد بل هو مقتضى تحقق اشتغال الذمة بالمكلف به و كون المكلف مديونا للّٰه تعالى و القضاء يؤثر في فراغ الذمة

و ليس من باب التوبة أو الكفارة و يؤيده التعبير الواقع في الآية الشريفة الواردة في الحج المشتملة على التعبير بكلمتي «اللام و على» و كذا التعليل الوارد في بعض الروايات المشتملة على وجوب قضاء الحج عمن استقر عليه و لم يأت به حتى مات بقوله: «لأنه بمنزلة الدين الواجب» و قد ورد في رواية الخثعمية المعروفة الواردة في الحج: «ان دين اللّٰه أحق ان يقضى» و الواجبات الإلهية كلها من هذا القبيل لما عرفت من أنها بأجمعها ديون للّٰه و يجرى عليها حكم دين الناس فلا يتحقق فراغ الذمة إلا بالافراغ و القضاء و لا حاجة الى قيام دليل خاص على وجوب القضاء أصلا و يؤيده بل يدل عليه وجوب القضاء في مثل الصلاة و الصوم من الواجبات العملية المحضة غير المرتبطة بالمال و عليه فوجوب القضاء في المقام و هو نذر الحج في سنة معينة و عدم الإتيان به فيها مع التمكن و القدرة ليس على خلاف القاعدة حتى يحتاج الى دليل خاص.

هذا و لكنه أورد عليه بعض الاعلام في الشرح بما محصله مع توضيح منا:

«ان إطلاق الدين على الواجبات الإلهية ليس على نحو الحقيقة لأن الاستعمال أعم منها و الاشتغال اى اشتغال ذمة المكلف بالمكلف به و ان كان امرا مسلما بل الوجوب ليس في الحقيقة إلا اعتبار شي ء على ذمة المكلف و إبرازه بمبرز الا ان الكلام في بقاء الاشتغال بعد خروج الوقت و مجرد الحدوث و ثبوت التكليف في الوقت لا يكفى لبقاء ذلك بعد الوقت فان الحدوث كما انه يحتاج الى الدليل كذلك البقاء أيضا و ليس القضاء نفس العمل الواجب سابقا حتى يقال بعدم الحاجة الى أمر جديد

لان العمل الواجب سابقا الذي كان مقيدا بالوقت قد فات و هذا العمل الواقع خارج الوقت عمل آخر مغاير له حقيقة مشابه له صورة و لو كان عينه لكان التأخير إلى خارج الوقت جائزا عمدا مع ان أهمية الوقت في باب القيود و الشرائط بمثابة لا يزاحمها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 453

..........

______________________________

شي ء من القيود الأخرى فكيف لا يكون مغايرا مع العمل خارجه فمجرد حدوث اشتغال الذمة بذلك بمجرد الوجوب الأول لا يكفي في البقاء بعد الوقت بل لا بد من دليل مستقل كما قام في باب الصلاة و الصوم و في مسألة الحج عمن استقر عليه و لم يأت به و في باب النذر في موردين: أحدهما نذر صوم يوم معين إذا صادف ذلك اليوم العيد أو المرض أو السفر و ثانيهما نذر الإحجاج مع عروض الموت قبل الوفاء و فيما لم يرد دليل- كما في المقام- لا وجه للحكم بوجوب القضاء.

هذا و ربما يقال بان للنذر خصوصية تقتضي جريان حكم الدين عليه من دون فرق بين ما إذا كان متعلقا بالحج أو بالمال أو بالعمل المحض كصلاة الليل- مثلا- لان مفاد صيغة النذر جعل المنذور للّٰه تعالى على عهدته و تمليكه إياه شيئا في ذمته فمقتضى الصيغة ثبوت المتعلق في الذمة و اشتغالها به و لا يتحقق الفراغ في مثل المقام الا بالقضاء و لازم هذا القول القضاء في مثل صلاة الليل أيضا.

كما انه ربما يقال بان لنذر خصوص الحج حكما خاصا- كما افاده صاحب الجواهر- نظرا الى ان الحج ليس تكليفا صرفا بل للأمر به جهة وضعية فوجوبه على نحو الدينية بخلاف سائر العبادات البدنية.

و أورد

على الأول بأن النذر لا يدل الا على التزام المكلف بالمنذور و مفاد صيغته انه التزم على نفسه بكذا للّٰه تعالى و هذا لا يوجب إطلاق الدين عليه الا مسامحة و ليس مفادها ملكية الشي ء المنذور للّٰه تعالى بل لا يمكن التمليك المتعارف بالنسبة إليه تعالى لأن الملكية الاعتبارية لا معنى لها بالنسبة إليه تعالى الا ان ترجع الى الالتزام و التكليف لانه مالك لجميع الأشياء بالملكية الحقيقية الراجعة إلى كونها طرا بيده و تحت سلطانه و قدرته و مشيته من دون اعتبار اىّ جاعل و لا معنى للاعتبار في مورد الثبوت الحقيقي.

و هذا الإيراد و ان كان قابلا للمناقشة فإن الملكية الاعتبارية المبحوث عنها في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 454

..........

______________________________

الفقه و عند العقلاء لا ينافي ما ثبت في الفلسفة سيما عند الأعاظم من الفلاسفة من عدم كون الممكنات أشياء لها الربط الى الواجب بل هي عين الربط و التعلق و الإضافة و ليس وجودها شيئا غير الربط فان العلم الذي يبحث عن حقائق الأشياء و عن الواقعيات يغاير العلم الذي يدور مدار الاعتبار من دون فرق بين العبادات و المعاملات و الا فلو كان الملحوظ ذلك يلزم ان لا تتحقق الملكية الاعتبارية بالإضافة إلى المخلوق أيضا لأنه ليس بشي ء حتى يلاحظ له ذلك و يجعل مالكا و لو اعتبارا كما لا يخفى.

الا انه يمكن الإيراد عليه بأنه مبنى على القول بكون «اللام» في قوله للّٰه علىّ كذا بمعنى الملكية و كان الظرف مستقرا و اما لو فرض كون الظرف لغوا متعلقا بمحذوف و هو مثل التزمت فلا مجال للقول المزبور و قد احتمله القائل في بعض مباحثه

السابقة.

و أورد على الثاني بأمرين:

أحدهما منع كون الحج واجبا ماليا نظرا إلى أنه أفعال مخصوصة بدنية و ان كان قد يحتاج الى بذل المال في مقدماته و الهدى و ان كان أمرا ماليا الا انه حيث يكون له بذل و هو الصوم عشرة أيام فلا يوجب ذلك كونه واجبا ماليا فالمال محتاج إليه في المقدمات كما ان الصلاة أيضا قد يحتاج الى بذل المال في تحصيل الماء و الساتر و المكان و نحو ذلك و أجاب عن هذا الإيراد صاحب العروة بأن الحج في الغالب محتاج الى بذل المال بخلاف الصلاة و سائر العبادات البدنية.

و ان أورد على هذا الجواب بان ذلك لا يكفي في كونه واجبا ماليا لان صرف الطبيعة الذي هو موضوع الوجوب ليس موقوفا على المال فضلا عن أن يكون واجبا ماليا و سيأتي البحث في هذه الجهة في الفرع الآتي إن شاء اللّٰه تعالى.

ثانيهما انه على تقدير تسليم كون الحج واجبا ماليا فلا بد من التفصيل بين الحج و بين غيره من الواجبات غير المالية لا التفصيل بين نذر الحج و نذر غير الحج لانه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 455

..........

______________________________

لا خصوصية للنذر- ح- بل لو كان الحج في ضمن عقد لازم مثلا أو صار واجبا بسبب آخر غير النذر يلزم ثبوت القضاء فيه و إخراجه من أصل المال لامتياز الحج عن سائر الواجبات مع انه لم يلتزم أحد من الفقهاء بذلك و لم يتعرضوا لذلك أصلا.

و يمكن الجواب- مضافا الى انه لا يتم الجمع بين عدم الالتزام و عدم التعرض- ان الحج الواجب بسبب غير النذر و لم يكن حجة الإسلام كما هو المفروض

تارة يكون بنحو الاستنابة و الاستيجار و اخرى بنحو الاشتراط في ضمن عقد لازم ففي الصورة الأولى إذا كان الزمان المعين مأخوذا بنحو الاشتراط فغاية الأمر في صورة التخلف و عدم الإتيان به في ذلك الزمان ثبوت خيار التخلف للمستأجر و مع عدم الفسخ يجب على الأجير الإتيان به بعد ذلك الزمان و في الصورة الثانية مرجع الحج في ضمن العقد اللازم الى اشتراط النيابة في الحج عن الشارط و يترتب عليه حكم الحج النيابي كما لا يخفى هذا بالإضافة إلى مسألة القضاء و اما بالنسبة إلى الخروج من الأصل أو الثلث فسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّٰه تعالى.

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا انه لم ينهض شي ء من الوجوه المتقدمة لإثبات وجوب القضاء لا مطلقا و لا في النذر و لا في خصوص نذر الحج مع انك عرفت ان المقطوع به في كلمات الأصحاب هو الوجوب في المقام و لذا استدل له بالإجماع و ان كان يرد عليه انه على فرض كونه محصلا لا يكون واجدا للاعتبار و الحجية لعدم الأصالة له بعد احتمال كون مستندا المجمعين شيئا من الوجوه المذكورة غير الناهضة لإثبات وجوب القضاء.

نعم ربما يتمسك في ذلك بالاستصحاب لكون اشتغال الذمة متيقنا و الشك في بقائه بعد خروج الوقت فيستصحب و لكنه أورد عليه بعدم اتحاد القضية المتيقنة و المشكوكة المعتبر في جريان الاستصحاب و ذلك لان القضية المتيقنة عبارة عن اشتغال الذمة بالواجب المقيد بالوقت و القضية المشكوكة عبارة عن الاشتغال به خارج

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 456

..........

______________________________

الوقت فلا تكون القضيتان متحدتين فلا مجال لجريان الاستصحاب.

هذا و يمكن تقرير الاستصحاب بوجه لا

يرد عليه الإيراد المذكور و هو إجرائه بنحو القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي بأن يقال ان مرجع الشك في وجوب القضاء خارج الوقت الى الشك في وحدة المطلوب و تعدده فان وجوب القضاء يكشف عن تعدده كما ان عدم وجوبه يكشف عن وحدته ففي الحقيقة إذا كان الاشتغال بنحو وحدة المطلوب فعدم بقائه بعد خروج الوقت مقطوع كما انه لو كان بنحو التعدد يكون بقائه بعده مقطوعا فالأمر يدور بين مقطوع البقاء و مقطوع الزوال و بالنتيجة يصير بقاء الكلي مشكوكا و لا مانع من استصحابه ففي المقام نقول ان أصل الاشتغال المردد بين المقيد بالوقت و بين غير المقيد به معلوم و الشك في بقائه و مقتضى الاستصحاب ذلك و لازمة الإتيان بالواجب بعد الوقت ليتحقق الفراغ و الخروج عن عهدة التكليف الثابت بالاستصحاب.

الفرع الخامس: ما لو نذر ان يحج من غير ان يقيده بزمان خاص و البحث فيه يقع من جهات:

الاولى أصل جواز التأخير و عدم لزوم فورية الوفاء المناسبة للعمل ففي الحج عبارة عن الإتيان به في سنة النذر و في غيره بتناسبه و الدليل على عدم لزوم الفورية ما حقق في الأصول في مبحث عدم دلالة هيئة افعل و ما يشابهها على الفورية من ان متعلقها نفس الطبيعة و صرف الماهية و الأمر إلى إتيانها و إيجادها في الخارج بعث الى نفسها من دون دلالة على الفور أصلا كما انه لا دلالة له على التراخي نعم بناء على ما حكاه سيدنا الأستاذ الأعظم الماتن- قدس سره الشريف- عن شيخه المحقق الحائري- قده- من ذهابه في أواخر عمره الى ان العلل الشرعية كالعلل التكوينية و انه يترتب عليها ما يترتب عليها

من الآثار و الاحكام و الخصوصيات لا بد من الالتزام بالفورية لان ترتب المعلول التكويني على علته التكوينية فوري لا انفكاك بينهما أصلا فلا بد من ان يكون في العلل التشريعية التي منها الأمر و منها النذر كما في المقام ان يكون كذلك و لكنا قد حققنا في الأصول تبعا للأستاذ- قده-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 457

..........

______________________________

بطلان هذا المبنى و عليه فلا مجال للحكم بلزوم الوفاء بالنذر فورا.

نعم حكى عن التذكرة انه بعد ما قوى عدم الفورية ذكر وجوها لاحتمالها مثل انصراف المطلق إليها أو انه لو لم نقل بالفورية لم يتحقق الوجوب لجواز الترك ما دام حيا أو ان ظن الحياة هنا ضعيف لأنه إذا لم يأت به في عام لم يمكنه الإتيان به الا من عام آخر أو إطلاق بعض الاخبار الناهية عن تسويف الحج و لكن المناقشة في جميع هذه الوجوه واضحة كما لا يخفى.

الثانية غاية جواز التأخير و حدّه قال في المدارك: «قد قطع الأصحاب بان من نذر الحج مطلقا يجوز له تأخيره الى ان يتضيق الوقت بظن الوفاة» و قال في المسالك «لا خلاف في جواز تأخير المطلق الا ان يظن الوفاة سواء حصل مانع أم لا» و في الجواهر انه هو المعروف بين الأصحاب.

و ذكر بعض الاعلام بعد نقل ما هو المعروف بين الأصحاب من ان الحدّ هو ظن الموت أو الفوت في مقام الاشكال عليه ما ملخصه انه لا دليل على اعتبار الظن في المقام بل لو قلنا بجواز التأخير فاللازم الحكم بجوازه مطلقا و ان تحقق الظن بأحدهما بل الظاهر عدم جواز التأخير إلا مع الاطمئنان بإتيان الواجب في آخر الوقت

أو كون التأخير مستندا الى العذر لان مقتضى حكم العقل بعد اشتغال ذمة العبد بالواجب إفراغ ذمته عما وجب عليه و ليس له التأخير في أدائه ما لم يكن هناك مؤمّن و هو أحد أمرين و هما العذر في التأخير و حصول الاطمئنان له بالوفاء في آخر الوقت أو قيام طريق شرعي كالبينة فلو كان شاكا في إمكان الامتثال لا يجوز له التأخير و ان لم يظن الموت بل لا يجوز في صورة الظن بالبقاء ان لم يبلغ حد الاطمئنان.

و استصحاب بقاء الحياة أو التمكن لا يصلح مستندا لجواز التأخير لأنه مضافا الى جريانه في صورة الظن بالموت أيضا يكون مثبتا لانه لا يحقق الامتثال و إحرازه فيما بعد بل هو لازم عقلي لبقاء الحياة و القدرة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 458

..........

______________________________

و هذا القول هو الوسط بين القول أو احتمال الفورية و بين ما هو المعروف بين الأصحاب لأن مقتضاه عدم لزوم الفورية و جواز التأخير و عدم كون حدّ الجواز هو الظن بالموت أو الفوت بل مشروط بالاطمينان بالبقاء و القدرة.

و يندفع الاشكال عن المشهور بان الظاهر ان مرادهم من الظن بالموت هو الاطمئنان الذي يعامل معه معاملة العلم عند العرف و العقلاء فلا مجال لدعوى عدم الدليل على اعتبار الظن في المقام على ما عرفت.

و اما تعليق الحكم بجواز التأخير على الاطمئنان بالبقاء و لازمة عدم الجواز مع الظن به فضلا عن الشك و الوهم فيرد عليه ان الحاكم بجواز التأخير ليس الا العقل لانه من شئون الامتثال و الخروج عن عهدة التكليف الذي تنجز على المكلف و الظاهر ان التعليق المذكور يستلزم عدم جواز التأخير نوعا

لانه لا يتحقق الاطمئنان بالبقاء كذلك فيلزم ان لا يتحقق الجواز بحسب الغالب و منه يستكشف ان حكمه بالجواز مغيى بما هو المعروف من الاطمئنان بالموت أو الفوت لا مشروط بالاطمينان بالبقاء و مما ذكرنا انه لا وجه لدعوى كون الاستصحاب مثبتا بعد كون مورده مثل ما إذا كان الأثر الشرعي مترتبا على المستصحب بواسطة لازم عقلي أو عادى مع انك عرفت انه لا يكون هنا أثر شرعي لأن جواز التأخير انما هو حكم العقل و لا ارتباط له بالشرع.

الثالثة انه لو مات بعد تمكنه من الإتيان بالحج و الوفاء بالنذر و لم يأت به ففي وجوب القضاء على الوارث و عدمه ما مر من البحث فيه في الفرع السابق بالإضافة إلى وجوب القضاء على نفسه و لا خصوصية لهذه الجهة في هذا الفرع كما لا يخفى الرابعة انه هل القضاء عن الميت من أصل التركة أو من الثلث قولان: ذهب جماعة كالمحقق في الشرائع إلى الأول و استدل عليه بان الحج واجب مالي و الإجماع قائم على ان الواجبات المالية تخرج من الأصل و قد مرّ الإيراد عليه بالمنع من كون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 459

..........

______________________________

الحج واجبا ماليا كما في المدارك نظرا إلى انه عبارة عن المناسك المخصوصة و ليس بذل المال داخلا في ماهيته و لا من ضرورياته و توقفه عليه في بعض الصور كتوقف الصلاة عليه في بعض الوجوه كما إذا احتاج الى شراء الماء أو استيجار المكان و الساتر و نحو ذلك مع القطع بعدم وجوب قضائها من أصل التركة.

كما انه قد مرّ جواب صاحب العروة عن هذا الإيراد بأن الحج في الغالب محتاج

الى بذل المال بخلاف الصلاة و سائر العبادات البدنية فإن كان هناك إجماع أو غيره على ان الواجبات المالية من الأصل يشمل الحج قطعا.

و التحقيق انه لا مجال لدعوى كون الحج المنذور واجبا ماليا حتى يدخل في معقد الإجماع المذكور لما عرفت مرارا من ان الواجب في باب النذر ليس هو العمل المنذور و ما تعلق به النذر و ان كان مفاد الصيغة هو التمليك لأن الصيغة بمجردها لا تثبت الحكم الشرعي بل الحكم الشرعي انما ثبت بمقتضى دليل وجوب الوفاء بالنذر ضرورة انه مع قطع النظر عن الدليل المذكور لا يكون في البين وجوب و واجب فالدليل المتكفل لإثبات الحكم الشرعي هو ما يدل على وجوب الوفاء لا الصيغة بنفسها و عليه فاللازم ملاحظة الواجب في ذلك الدليل و من المعلوم انه هو عنوان الوفاء و لا يكون هذا واجبا ماليا و مجرد تحققه في الخارج فيما إذا كان المنذور امرا ماليا بإيجاد ذلك الأمر المالى لا يوجب كون عنوان الوفاء واجبا ماليا و هذا بخلاف حجة الإسلام التي تكون بنفسها معروضة للوجوب و يمكن القول بل لا يبعد الالتزام بأنه واجب مالي كالزكاة و الخمس و الدين.

و قد انقدح ان كون الحج امرا ماليا لا يستلزم ان يكون واجبا ماليا داخلا في معقد الإجماع المذكور فيما إذا صار متعلقا للنذر و شبهه و بما ذكرنا يظهر النظر فيما تقدم عن المستمسك و صاحب الجواهر في باب مطلق النذر أو خصوص نذر الحج فان نظر الأول إلى مفاد الصيغة و نظر الثاني إلى متعلق النذر مع انه لا بد ان يكون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 460

..........

______________________________

النظر الى

دليل وجوب الوفاء بالنذر و لا يكون الوفاء بعنوانه امرا ماليا كما عرفت.

هذا و ذهب جماعة إلى انه يخرج من الثلث و استدلوا عليه بروايتين واردتين في نذر الإحجاج بضميمة الأولوية.

إحديهما صحيحة ضريس الكناسي قال سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذرا في شكر ليحجن به رجلا إلى مكة فمات الذي نذر قبل ان يحج حجة الإسلام و من قبل ان يفي بنذره الذي نذر قال- ع-: ان ترك ما لا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال، و اخرج من ثلثه ما يحج به رجلا لنذره و قد و في بالنذر، و ان لم يكن ترك ما لا الا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك و يحج عنه وليه حجة النذر، انما هو مثل دين عليه. «1»

و التعليل المشتمل على التشبيه بالدين انما هو في أصل وجوب الإخراج على الولي و الا فالمشبه به الذي هو الدين يخرج من جميع التركة لا من الثلث و ان كان يرد عليه ان لزوم الإخراج على الولي انما هو فيما إذا كان للميت تركة لانه لا يجب الإخراج على الولي من مال شخصه كما لا يخفى.

ثانيتهما صحيحة ابن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- رجل نذر للّٰه ان عافى اللّٰه ابنه من وجعه ليحجنه الى بيت اللّٰه الحرام فعافى اللّٰه الابن و مات الأب فقال: الحجة على الأب يؤديها عنه بعض ولده قلت: هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه فقال: هي واجبة على الأب من ثلثه أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه. «2»

و تقريب الأولوية على ما في العروة تبعا لكشف اللثام انه إذا

كان نذر الإحجاج كذلك اى خارجا من الثلث مع كونه ماليا قطعا فنذر الحج بنفسه اولى بعدم الخروج من الأصل.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع و العشرون ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع و العشرون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 461

..........

______________________________

و أورد على هذا التقريب بعض الاعلام بمنع الأولوية نظرا الى ان الحج المنذور النفسي يمتاز عن سائر الواجبات لكونه واجبا ماليا و حاله حال الدين في الخروج من الأصل و اما نذر الإحجاج فهو مجرد تسبيب الى العمل و الى إتيان أفعال الحج و لا يصح إطلاق الدين عليه في نفسه و دعوى ان الإحجاج واجب مالي محض واضحة المنع لإمكان إحجاج الغير بدون بذل المال له أصلا كما إذا التمس من أحد ان يحج أو يلتمس من شخص آخر ان يحج الغير و نحو ذلك من التسبيبات الى حج الغير من دون بذل المال.

و الجواب عن هذا الإيراد- مضافا الى انه لو لم يكن الإحجاج واجبا ماليا كيف حكم في الروايتين بأنه يخرج من ثلث المال بنحو الإطلاق فإنه مع إمكان أداء الواجب من غير التركة لا مجال لإخراجه منها و لو من الثلث كما لا يخفى- وضوح ان المقصود عند العرف من مثل نذر الإحجاج هو بذل المال للغير لان يحج لا تحقق الحج منه بتسبيبه و لو من غير طريق بذل المال فإذا نذر ان يرسل رجلا إلى زيارة مشهد الرضا- عليه السّلام- فهل يكون المقصود منه غير بذل المال إياه لأن يسافر إليه للزيارة و هل يتحقق الوفاء بالنذر بما إذا التمس من الغير أن يبذل

مالا له لذلك و بالجملة لا ينبغي الإشكال في كون الإحجاج امرا ماليا محضا فإذا كان نذره مع كونه كذلك لا يوجب الخروج من الأصل ففي نذر الحج لنفسه مع عدم كونه ماليا كذلك للزوم الإتيان بالأعمال و المناسك على الناذر يكون ذلك بطريق اولى.

و لكن الإيراد على الروايتين انهما معرض عنهما في موردهما عند المشهور فان قلنا بأن إعراض المشهور عن الرواية يوجب سقوطها عن الاعتبار و الحجية و لو بلغ في الصحة المرتبة العليا فلا مجال- ح- للاستدلال بهما أصلا و ان لم نقل بذلك- على خلاف ما هو التحقيق عندنا- لا مانع من التمسك بهما للمقام لتمامية الأولوية بعد اعتبارهما و حجيتهما.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 462

..........

______________________________

و على التقدير الأول ذكر للروايتين محامل متعددة:

1- ما حكاه في كشف اللثام عن العلامة في المختلف من حملهما على صورة كون النذر في حال المرض بضميمة كون المنجزات الصادرة من المريض في مرض الموت من الثلث كغيرها مثل الوصية.

و يرد عليه- مضافا الى الاختلاف في منجزات المريض- انه لا إشعار في الروايتين بوقوع النذر في حال مرض الموت كما لا يخفى.

2- حملهما على صورة عدم الإتيان بصيغة النذر حتى يجب عليه الوفاء به.

و يرد عليه انه مع عدم اللزوم بسبب عدم إجراء الصيغة لا مجال للإخراج من الثلث أيضا مضافا الى ظهورهما في تحقق النذر و لزوم الوفاء به.

3- حملهما على صورة عدم التمكن من الوفاء بالنذر حتى مات.

و يرد عليه- مضافا الى انه لا اشعار فيهما بهذه الصورة و انه لم يتمكن- انّه لا مجال للإخراج من الثلث بعد عدم اشتغال ذمة الناذر لأجل عدم التمكن.

4- ما ذكره

صاحب المعالم في كتابه «منتقى الجمان» من الحمل على صورة عدم التمكن من الوفاء و كون الحكم ندبيا.

و يرد عليه- مضافا الى ما مر- ان التفكيك بين الإحجاج و بين حجة الإسلام في الرواية الاولى من جهة الإيجاب و الاستحباب لا مجال له أصلا، و يبعد الروايتين من جهة الدلالة على الثلث رواية مسمع بن عبد الملك قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- كانت لي جارية حبلى فنذرت للّٰه تعالى ان هي ولدت غلاما أن أحجه أو أحج عنه فقال: ان رجلا نذر للّٰه في ابن له ان هو أدرك ان يحجه أو يحج عنه فمات الأب و أدرك الغلام بعده فاتى رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- فسأله عن ذلك فأمر رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله أن يحج عنه مما ترك أبوه. «1» نظرا الى ظهورها في كون الإخراج من جميع التركة

______________________________

(1) ئل أبواب النذر الباب السادس عشر ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 463

..........

______________________________

و إذا كان النذر في مورد الرواية مع عدم كون المعلق عليه حاصلا في زمان حياة الناذر بل متحققا بعدها خارجا من أصل التركة ففي مورد الروايتين الذي يكون المعلق عليه حاصلا في حال الحياة يكون بطريق اولى و لكن الإشكال في ان هذه الرواية أيضا يكون معرضا عنها أم لا و سيأتي البحث فيها إن شاء اللّٰه تعالى و دعوى ان النسبة بينها و بينهما هي الإطلاق و التقييد بمعنى ان هذه الرواية مطلقة و هما تدلان على الإخراج من خصوص الثلث مدفوعة بظهورها في الإخراج من الجميع لا في مطلق الإخراج كما لا يخفى و يأتي هذه

الجهة أيضا إن شاء اللّٰه تعالى.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا في هذا المجال انه لم ينهض شي ء من الأدلة المتقدمة لإثبات الإخراج من أصل التركة و لا لإثبات الإخراج من الثلث لما مرّ من الإيراد على أدلة الطرفين.

هذا و لكن الظاهر ان الإخراج من الثلث يحتاج الى دليل خاص لعدم خصوصية له بعد كون الاشتغال ثابتا في حال الحياة و قام الدليل على لزوم الإفراغ بعد الموت على الوارث لا من ماله الشخصي بل مما تركه الميت فان مقتضى الأمرين لزوم الإفراغ من جميع أجزاء التركة لاشتراكه في الإضافة إلى الميت و الارتباط به و لزوم الإفراغ مما يتعلق به و الإخراج من الثلث يحتاج الى دليل خاص و مئونة زائدة كما قام في الوصية و في منجزات المريض بناء على خروجه من الثلث و اما مع عدم قيام الدليل على الإخراج من الثلث فالإخراج من الأصل لا يحتاج الى قيام الدليل على خصوصه بل يكفي في ذلك ما عرفت من مجرد لزوم الإخراج من التركة فالحق في المقام ما قواه في المتن للوجه الذي ذكرنا لا لكون الحج المنذور واجبا ماليا حتى يناقش في صغراه بناء على ثبوت الإجماع على الكبرى و عدم المناقشة فيها أو كونه مشتملا على جهة الدينية كما اختاره صاحب الجواهر- قدس سره.

الفرع السادس: ما لو نذر الحج و لم يتمكن من أدائه حتى مات و الظاهر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 464

..........

______________________________

- كما في المتن- عدم وجوب القضاء عنه و الوجه فيه- مضافا الى محدودية الالتزام الذي تتضمنه صيغة النذر بصورة التمكن من الأداء و الوفاء فان قوله: للّٰه علىّ ان

أحج لا يكون مفاده الالتزام بالحج و لو مع عدم التمكن منه الى آخر العمر بل المغروس في ذهن الناذر و المتفاهم عند العرف هو الالتزام المقيد بالقدرة- ان وجوب الوفاء بالنذر الذي يترتب على النذر مشروط بالقدرة كما في سائر التكاليف الإلهية من دون فرق بين التعبدية و التوصلية فمع عدم التمكن لم تشتغل ذمته بالوفاء حتى يجب القضاء عنه بعد الموت بعد كون وجوب القضاء متفرعا على وجوب الأداء كما لا يخفى.

الفرع السابع: ما لو نذر الحج معلقا على أمر و لم يتحقق المعلق عليه حتى مات كما لو نذر الحج معلقا على شفاء مريضة أو فكاك اسيره و مثلهما و لم يتحقق المعلق عليه ما دامت حياته بل مات ثم تحقق المعلق عليه فهل يجب على الوارث القضاء عنه أم لا؟ قال السيد- قده- في العروة: «المسألة مبنية على ان التعليق من باب الشرط أو من قبيل الوجوب المعلق فعلى الأول لا يجب لعدم الوجوب عليه بعد فرض موته قبل حصول الشرط و ان كان متمكنا من حيث المال و سائر الشرائط، و على الثاني يمكن ان يقال بالوجوب لكشف حصول الشرط عن كونه واجبا عليه من الأول الا ان يكون نذره منصرفا الى بقاء حياته حين حصول الشرط» و مرجع الأول إلى التعليق في أصل الالتزام النذري كالوجوب في الواجب المشروط و الثاني إلى التقييد في الملتزم به الذي هو الحج المنذور كما في الواجب المعلق و مثال كلا الأمرين الحج فان وجوبه مشروط بالاستطاعة و الواجب مقيد بالموسم و زمان خاص و عليه فلازم الأمر الأول عدم تحقق الالتزام قبل المعلق عليه و لازم الأمر الثاني تحقق الالتزام قبله غاية

الأمر لزوم كون الحج بعد تحقق المعلق عليه فيجب القضاء عنه في الثاني بعد تحققه و لا يجب في الأول.

هذا و لكنه أورد عليه بوجهين:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 465

..........

______________________________

أحدهما انه يمكن ان يقال بوجوب القضاء بناء على كونه من قبيل الأول و هو تعليق أصل الالتزام أيضا بناء على كون المعلق عليه مأخوذا بنحو الشرط المتأخر لا المقارن و عليه فوجوده بعد الموت يكشف عن تحقق المشروط في حال الالتزام أيضا ثانيهما انه لا يجب القضاء عنه و لو كان من قبيل الثاني أي كون الملتزم به معلقا لا أصل الالتزام و ذلك لانه يعتبر في كلا الوجوبين- المشروط و المعلق- ثبوت القدرة على الواجب و من المعلوم ان الناذر لا يقدر على الحج بعد تحقق المعلق عليه لفرض الموت و الميت لا يقدر على اىّ عمل و يصير هذا كالحج بعد الاستطاعة و عروض الموت قبل تحقق الموسم في العام الأول من الاستطاعة فإن وجوب الحج و ان كان بالإضافة إلى الموسم بنحو الوجوب المعلق الا انه حيث لا يقدر عليه في الموسم لفرض الموت قبله فلا مجال لدعوى ثبوت الاشتغال و لزوم القضاء عنه كما هو ظاهر الفرع الثامن نذر الإحجاج و تعرض في المتن لأربع صور فيه و أشار- بسبب اضافة بعض القيود- إلى صورة خامسة تعرض لها السيد- قده- في العروة صريحا اما الصورة الأولى فهي ما إذا نذر الإحجاج معلقا على شرط فمات قبل حصوله و حصل بعد موته مع تمكنه قبله و استظهر في المتن وجوب القضاء عنه و الظاهر ان مستند الوجوب ليس هي القاعدة لاقتضائها عدم الوجوب لما عرفت من

ان التعليق سواء كان راجعا إلى أصل الالتزام بنحو الواجب المشروط أو الى الملتزم به بنحو الواجب المعلق يستلزم عدم اشتغال ذمة الناذر بوجه لعدم القدرة بعد الموت على إتيان المنذور لفرض الموت كما مرّ.

بل المستند هي صحيحة مسمع بن عبد الملك المتقدمة في الفرع الخامس بلحاظ اشتمالها على نقل ما وقع في زمن رسول اللّٰه- ص- و حكمه بلزوم القضاء مما ترك الميت في هذه الصورة و قد عمل بها جماعة- كما في العروة- أو المشهور- كما في بعض شروحها- و على اىّ تقدير لم يتحقق اعراض المشهور عنها القادح في حجيتها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 466

..........

______________________________

فاللازم الالتزام بمفادها.

نعم ربما يقع الكلام في الصحيحة في اختصاصها من حيث الدلالة بهذه الصورة نظرا الى اختصاص ما نقله الامام- ع- بها أو عدم الاختصاص نظرا الى ان السؤال فيها عن نذر الإحجاج المعلق على ان تضع الجارية غلاما ذكرا من دون إشارة إلى وقوع المعلق عليه و عدمه و على التقدير الأول هل المراد هو الوقوع في زمان حياة الناذر أو الوقوع بعد موته ففي الفرض الأول لا بد و ان يكون محط النظر هو السؤال عن وجوب الوفاء بالنذر بعد تحقق المعلق عليه و يكون انطباق الجواب عليه انما هو بلحاظ الأولوية نظرا إلى انه إذا كان حصول المعلق عليه بعد الموت موجبا للقضاء عن الميت مما تركه فحصوله في زمان الحياة أولى بتحقق الوجوب و لزوم الوفاء بالنذر.

و في الفرض الثاني ينطبق الجواب على مورد السؤال لأنه- ح- لا بد و ان يكون محط نظر السائل لزوم القضاء عنه بعد الموت إذا تحقق المعلق عليه بعده.

كما انه

على التقدير الثاني الذي مرجعه الى عدم تحقق المعلق عليه بوجه لا بد و ان يكون محط النظر هو السؤال عن وجوب الوفاء بعد عدم تحقق المعلق عليه أصلا و عليه لا ينطبق الجواب على السؤال أصلا.

و ربما يقال بان المستفاد من الخبر صدرا و ذيلا و من تطبيق الامام- ع- ما نقله عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله على ما سأله السائل ان نذر الإحجاج مما يجب قضائه بعد الموت سواء كان مطلقا أو معلقا و سواء مما تمكن منه أم لا.

و لكن الإنصاف ان استفادة الضابطة الكلية بالنحو المذكور من الصحيحة مشكلة جدا فإنه و ان كان السؤال في نفسه مجملا و لم يقع استفصال في الجواب بل اقتصر على نقل ما قاله الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله في مورد خاص الا ان تعميم حكم النبي صلّى اللّٰه عليه و آله بوجوب القضاء لمثل صورة عدم التمكن مما لا سبيل اليه فضلا عما إذا احتمل الشمول

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 467

..........

______________________________

لصورة عدم تحقق المعلق عليه مع عدم إشعار في السؤال بوقوعه كما لا يخفى.

و كيف كان فلا شبهة في دلالة الرواية على وجوب القضاء في هذه الصورة و ظاهرها القضاء من أصل التركة كما عرفت.

و الصورة الثانية ما لو نذر إحجاج شخص في سنة معينة فخالف مع تمكنه ففي المتن: «وجب عليه القضاء و الكفارة و ان مات قبل إتيانهما يقضيان من أصل التركة» و الوجه فيه ما مرّ في نذر حج نفسه في سنة معينة غاية الأمر عدم التعرض هناك لوجوب القضاء و الكفارة على الوارث مع الترك في حال الحياة.

و الصورة الثالثة

ما لو نذر إحجاج شخص مطلقا و الحكم فيه أيضا ما مر في نذر الحج كذلك من دون فرق إلا في انه ربما يقال- كما يأتي- بأن الحج المنذور يمكن الإشكال في ماليته نظرا الى ان الحج لا يكون إلا عبارة عن الاعمال و المناسك المخصوصة و المال له دخل في مقدماته لا في حقيقته و ماهيته و اما الإحجاج الذي مرجعه الى بذل المال للغير لان يحج لنفسه فلا يكون إلا أمرا ماليا لا مجال للمناقشة في ماليته و سيأتي البحث في هذه الجهة.

الصورة الرابعة ما لو نذر الإحجاج معلقا على شرط و قد حصل و تمكن منه و ترك حتى مات و الحكم فيه وجوب القضاء و الكفارة من أصل التركة كما في مثله من نذر الحج المعلق على شرط كذلك و لا فرق بين المعلق مع حصول المعلق عليه و بين المطلق غير المعلق من رأس.

الصورة الخامسة التي أشير إليها بالتقييد بالتمكن في جميع الصور الأربعة و هو ما لو لم يتمكن منه الناذر في حياته أصلا أو الزمان الخاص الذي ذكره و قد حكم في المتن بعدم وجوب القضاء عنه في مثله من نذر الحج مع عدم التمكن حتى مات و لكن السيد- قده- في العروة بعد ان ذكر وجهين في وجوب القضاء عنه و عدمه و ان أوجههما هو الوجوب استدل عليه بما هذه عبارته: «لانه واجب مالي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 468

[مسألة- 4 لو نذر المستطيع ان يحج حجة الإسلام انعقد و يكفيه إتيانها]

مسألة- 4 لو نذر المستطيع ان يحج حجة الإسلام انعقد و يكفيه إتيانها و لو تركها حتى مات وجب القضاء عنه و الكفارة من تركته، و لو نذرها غير المستطيع

انعقد و يجب عليه تحصيل الاستطاعة الا ان يكون نذره الحج بعد الاستطاعة. (1)

______________________________

أوجبه على نفسه فصار دينا غاية الأمر انه ما لم يتمكن معذور و الفرق بينه و بين نذر الحج بنفسه انه لا يعد دينا مع عدم التمكن منه و اعتبار المباشرة بخلاف الإحجاج فإنه كنذر بذل المال كما إذا قال: للّٰه على ان اعطى الفقراء مائة درهم و مات قبل تمكنه و دعوى كشف عدم التمكن عن عدم الانعقاد ممنوعة ففرق بين إيجاب مال على نفسه أو إيجاب عمل مباشرى و ان استلزم صرف المال فإنه لا يعد دينا عليه بخلاف الأول».

و لكن أورد عليه بعدم الفرق بين النذرين إلا إذا كان النذر المتعلق بالمال على نحو نذر النتيجة كما إذا نذر ان يكون مديونا لزيد بكذا و قلنا بصحة نذر النتيجة و اما إذا كان النذر متعلقا بالفعل و عمل الناذر فلا يوجب كونه دينا كسائر الديون الموجبة لأدائها على الوارث بعد الموت و لو لم يتمكن الميت من الأداء طول الحياة و ذلك لان المنذور هو العمل و ان كان متعلقا بالمال كإعطاء الفقراء في المثال و إذا لم يتمكن منه الى آخر العمر يكشف عن عدم انعقاد النذر من رأس كما انه لو كان المنذور مقيدا بزمان خاص لا بد و ان يكون متمكنا في ذلك الزمان و مع عدمه لا محيص عن الحكم بعدم الانعقاد و كيف كان فنذر الإعطاء و الإحجاج و ان كان تحققهما بالمال فقط لا يوجب تحقق الدين و كون الناذر مديونا للفقراء أو الشخص الذي نذر احجاجه فالظاهر- ح- انه لا فرق بين نذر الحج و نذر الإحجاج في انه مع عدم التمكن

لا يجب القضاء بوجه أصلا و قد عرفت.

(1) في هذه المسألة فرعان: الأول لو نذر المستطيع الذي يجب عليه حجة الإسلام ان يحجها و يأتي بها فهل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 469

..........

______________________________

ينعقد نذره أم لا فأكثر المتأخرين- كما في الجواهر- على الأول خلافا للمرتضى و الشيخ و أبي الصلاح و ابن إدريس فيمن نذر ان يصوم أول يوم من شهر رمضان مستدلا بان صيامه مستحق بغير النذر، و بان صيامه مستحق بالأصل و لا يمكن ان يقع فيه غيره.

و أجيب عن هذا الاستدلال بان الوجوب بالأصل لا ينافي الاستحقاق بالنذر و هو لا يقتضي وقوع غير رمضان في رمضان و انما يقتضي ذلك لو نذر ان يصوم غير رمضان فيه لا ما لو نذر ان يصوم رمضان فيه و النذر يقتضي ثبوت شي ء زائد على الوجوب و هو الحق الإلهي و إذا لم نقل بذلك فلا أقل من اقتضائه تأكد الوجوب الموجب لزيادة الانبعاث و لا سيما بملاحظة ما يترتب عليه من الكفارة.

و أنت بعد ملاحظة ما عرفت منا مرارا تعرف انه لا مجال لدعوى تأكد الوجوب بوجه لان مورده ما إذا كان المتعلق للوجوبين واحدا و اما مع الاختلاف و التعدد فلا وجه للتأكد و المقام من هذا القبيل لان متعلق الوجوب في حجة الإسلام انما هو نفس عنوان الحج لانه الواجب بالأصل في الشريعة مع شرائط الوجوب و متعلق الوجوب في باب النذر انما هو عنوان الوفاء بالنذر و لا يسرى الحكم من هذا العنوان الى عنوان المتعلق للنذر بل هو باق على حكمه الاولى من الوجوب أو الاستحباب ففي المقام يثبت بالنذر حكم آخر غير

ما كان ثابتا للمتعلق فلا مجال للحكم بتأكد الوجوب بل هنا وجوبان و وظيفتان و لا معنى لتعدد الوظيفة مع التأكد و العجب من بعض الاعلام حيث انه يصرح في أول كلامه بان الواجبات الأصلية تتأكد بتعلق النذر بها و في ذيل كلامه بأنه إذا أتى بحجة الإسلام مع تعلق النذر بها فقد اتى بالوظيفتين.

فان ثبوت الوظيفتين لا يجتمع مع التأكد و لا يتحقق الا مع التعدد و هو يتم بناء على ما ذكرنا من تعدد المتعلق غاية الأمر كفاية عمل واحد في تحققهما.

ثم ان لصاحب «المستمسك» شبهة في خصوص نذر الحج أي حجة الإسلام مرجعها الى عدم انعقاده من رأس حيث انه بعد ذكر ان المملوكية للّٰه التي معناها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 470

..........

______________________________

كونه مستحقا له بالحق الوضعي لا يقبل التكرر و لا التأكد كأكثر عناوين الإيقاعات مثل الزوجية و الرقية و الحرية و نحوها فإنها جميعا لا تقبل التأكيد و التأكد و ليست من الماهيات المشككة قال: «و من ذلك يشكل الأمر في نذر حج الإسلام بناء على ما سبق من ان الظاهر من اللام في قوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ هو الملكية فإنه إذا كان حج الإسلام مملوكا بالأصل لا يكون مملوكا بالنذر أيضا و ليت المانعين ذكروا ذلك في نذر حج الإسلام و استدلوا عليه بما ذكر فإنه يكون حينئذ في محله و متين جدا».

أقول: نحن و ان كنا قد استفدنا من التعبير المذكور في آية الحج أهمية هذه الفريضة و ثبوتها على المستطيع كثبوت الدين عليه و لأجله يجب القضاء عنه بعد موته أيضا الّا انه لا يرجع ذلك الى ثبوت مثل

الملكية الاعتبارية المتداولة بين الناس له تعالى على المستطيع كما ان مفاد صيغة النذر بناء على كون اللام فيها بمعنى الملكية لا متعلقة ب- التزمت و نحوه ليست هي الملكية المعروفة كالملكية الحاصلة في البيع و نحوه حيث انها لا تقبل التكرر و لا التأكد و الا يلزم ان يكون في نذر النتيجة- بناء على صحته و انعقاده- كما إذا نذر ان يكون مديونا لزيد مائة درهم مثلا ان يكون بالإضافة إلى نفس هذا المقدار مديونا له تعالى و لزيد معا و على ما ذكرنا لا مانع من الجمع في حجة الإسلام بين الآية المشتملة على التعبير باللام و بين مفاد صيغة النذر المشتملة عليها أيضا و مقتضاه ثبوت حكمين كما ذكرنا.

الفرع الثاني: ما لو نذر غير المستطيع حجة الإسلام و فيه صورتان:

الاولى: ما إذا كان نذرها معلقا بالاستطاعة كما إذا قال للّٰه علىّ ان أحج حجة الإسلام إذا استطعت و لا اشكال بمقتضى ما ذكرنا في الفرع الأول في الانعقاد و عدم وجوب تحصيل الاستطاعة لفرض كون الالتزام معلقا على حصولها.

الثانية: ما إذا كان نذرها مطلقا خاليا عن التعليق و لا اشكال فيها أيضا في أصل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 471

[مسألة 5- لا يعتبر في الحج النذري الاستطاعة الشرعية]

مسألة 5- لا يعتبر في الحج النذري الاستطاعة الشرعية بل يجب مع القدرة العقلية إلا إذا كان حرجيا أو موجبا لضرر نفسي أو عرضي أو مالي إذا لزم منه الحرج. (1)

______________________________

الانعقاد و صحة النذر انما الكلام في ان مقتضى وجوب الوفاء بالنذر لزوم تحصيل الاستطاعة عليه أم لا بل اللازم وجوب الوفاء بعد حصولها؟ فيه قولان اختار الثاني في الروضة و المستند بل في المدارك: «و

لا يجب تحصيلها قطعا» معللا بان المنذور ليس أمرا زائدا عن حج الإسلام الا ان ينذر تحصيلها فيجب و هو الظاهر من كشف اللثام و الجواهر حيث ذكر فيهما انه إذا لم يكن مستطيعا استطاعة شرعية توقعها.

و اختار الأول الماتن- قده- و السيد في العروة و غيرهما و هو الظاهر فإنه بعد ملاحظة ان النذر مطلق غير معلق على الاستطاعة و ان حجة الإسلام هي الحج الواقع عن المستطيع و قد عرفت مغايرته من حيث الحقيقة و الماهية مع سائر أنواع الحج كالحج التطوعى- كما مر تحقيقه- لا بد له في مقام الوفاء بالنذر الواجب عليه بمجرد الصيغة لفرض ثبوت الإطلاق و عدم التعليق تحصيل الاستطاعة لتحقق حجة الإسلام و لا مجال لدعوى عدم الفرق بين هذه الصورة و بين الصورة الاولى في عدم لزوم تحصيل الاستطاعة بعد ثبوت التعليق هناك و ثبوت الإطلاق هنا فاللازم من باب المقدمة تحصيل الاستطاعة و كون وجوب حجة الإسلام مشروطا بالاستطاعة لا يستلزم ان يكون وجوب الوفاء بالنذر المتعلق بها مشروطا بها كما لا يخفى.

(1) ظاهر النص و الفتوى هو اعتبار القدرة العقلية في الحج النذري كما في غيره من الأمور المتعلقة للنذر فان دليل وجوب الوفاء بالنذر انما يكون كسائر الأدلة الدالة على الأحكام الوجوبية يكون مشروطا بالقدرة العقلية إلا في حجة الإسلام التي يكون وجوبها مشروطا بالاستطاعة الشرعية و ليس لنذر مطلق الحج خصوصية مقتضية لاعتبار الاستطاعة الشرعية فيه نعم ظاهر الشهيد في كتاب الدروس الخلاف قال فيها:

«و الظاهر ان استطاعة النذر شرعية لا عقلية فلو نذر الحج ثم استطاع صرف ذلك الى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 472

[مسألة 6- لو نذر حجا غير حجة الإسلام في عامها و هو مستطيع انعقد]

مسألة

6- لو نذر حجا غير حجة الإسلام في عامها و هو مستطيع انعقد لكن تقدم حجة الإسلام، و لو زالت الاستطاعة يجب عليه الحج النذري، و لو تركهما لا يبعد وجوب الكفارة، و لو نذر حجا في حال عدمها ثم استطاع تقدم حجة الإسلام و لو كان نذره مضيقا، و كذا لو نذر إتيانه فورا ففورا تقدم حجة الإسلام و يأتي به في العام القابل، و لو نذر حجا من غير تقييد و كان مستطيعا أو حصل الاستطاعة بعده و لم يكن انصراف فالأقرب كفاية حج واحد عنهما مع قصدهما و لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط في صورة عدم قصد التعميم لحجة الإسلام بإتيان كل واحد مستقلا مقدما لحجة الإسلام. (1)

______________________________

النذر فان أهمل و استمرت الاستطاعة إلى القابل وجبت حجة الإسلام أيضا».

و ذكر في المستمسك بعد نقل هذه العبارة: «و لا يخفى ان تفريع ما ذكره يصلح ان يكون قرينة على ارادة غير الظاهر من كلامه و لو كان مراده ظاهر الكلام كان اللازم ان يقول فلو لم يملك زادا و لا راحلة لم يجب الوفاء بالنذر» أقول: التفريع يؤكد ما هو الظاهر من الكلام لان مفاده انه بعد حصول الاستطاعة الشرعية يجب الوفاء بالنذر و يكون مقدما على حجة الإسلام التي تكون مشروطة بها و لكن يرد عليه انه لا دليل على ما ذكره ثم ان صورة استثناء كون الحج بنفسه حرجيا أو مستلزما للضرر الذي يلزم منه الحرج سواء كان نفسيا أو عرضيا أو ماليا انما هو بلحاظ تقدم قاعدة نفى الحرج على الأدلة الدالة على الأحكام الوجوبية و ان كانت مشروطة بالقدرة العقلية.

(1) في هذه المسألة فروع.

الأول: ما لو نذر حجا

غير حجة الإسلام في هذا العام و هو مستطيع و الخصوصيات المأخوذة في هذا الفرع عبارة عن كون الحج المنذور مقيدا بغير حجة الإسلام لا مطلقا و لا مقيدا بحجة الإسلام الذي مر البحث فيه و كونه مستطيعا في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 473

..........

______________________________

حال النذر في مقابل ما لو نذر ثم استطاع و كون المنذور مقيدا بهذا العام الذي يجب فيه حجة الإسلام لفرض الاستطاعة في مقابل ما لو كان مطلقا أو مقيدا بغير هذا العام كالعام القابل- مثلا- و كون النذر مطلقا غير معلق على زوال الاستطاعة في مقابل ما لو كان معلقا عليه كما لو قال ان زالت استطاعتي فللّه علىّ ان أحج غير حجة الإسلام في هذا العام فإنه في هذه الصورة لا شبهة في صحة النذر و انعقاده و وجوب الوفاء بالنذر على تقدير زوال الاستطاعة.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه صرح السيد- قده- في العروة بعدم الانعقاد و استثنى ما إذا نوى ذلك على تقدير زوال الاستطاعة فزالت و قد تبع في ذلك صاحبي المدارك و الجواهر قال في المدارك فيمن كان مستطيعا حال النذر و قد نذر حجا غير حجة الإسلام «فإن قيدها بسنة الاستطاعة و قصد الحج عن النذر مع بقاء الاستطاعة بطل النذر من أصله لأنه نذر ما لا يصح فعله و ان قصد الحج مع فقد الاستطاعة صح و لو خلا عن القصد احتمل البطلان لانه نذر في عام الاستطاعة غير حج الإسلام و الصحة حملا للنذر على الوجه المصحح و هو ما إذا فقدت الاستطاعة» و قال في العروة بعد الحكم المذكور: «و يحتمل الصحة مع الإطلاق أيضا إذا

زالت حملا لنذره على الصحة» هذا و صريح المتن الحكم بالصحة و الانعقاد من دون فرق بين صورة بقاء الاستطاعة و صورة زوالها غاية الأمر أنه في صورة البقاء يتحقق التزاحم و يحكم بتقدم حجة الإسلام لأجل اهميتها بالإضافة إلى الوفاء بالنذر الواجب شرعا و في صورة الزوال لا بد من الإتيان بالحج النذري لكشف الزوال عن عدم وجوب حجة الإسلام.

أقول لا مجال للإشكال في الصحة و الانعقاد في صورة الزوال لانه معه يعلم عدم وجوب حجة الإسلام و ان الظرف قابل لوقوع غيرها فيه و بالجملة شروط الصحة كلها موجودة في هذا الفرض غاية الأمر عدم العلم بها بل ربما كان مقتضى الاستصحاب خلافها الا انه مع تحقق الزوال يعلم بتحققها و بطلان الاستصحاب و انه لم يكن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 474

..........

______________________________

يحسب الواقع مستطيعا يجب عليه الحج فلا تنبغي المناقشة في الصحة و لا يلزم التعليق على الزوال و لو بحسب النية فإن المفروض عدم كونه معلقا و لو كذلك و لا وجه للزوم التعليق أصلا.

و اما صورة البقاء فالحكم بصحة النذر فيها و انعقاده يتوقف على ملاحظة أمور:

الأول ما ذكرناه في المسألة الأخيرة من الفصل السابق من ان فورية وجوب حجة الإسلام و لزوم الإتيان بها في أول أزمنة الإمكان ليس مرجعها الى عدم قابلية زمانها لوقوع غير حجة الإسلام فيه كعدم قابلية شهر رمضان لوقوع صيام غيره فيه فان الفورية أمر لا يستلزم عدم القابلية كما في مثال الصلاة و الإزالة فإن وجوب الإزالة و ان كان فوريا- و لأجله يكون مقدما على الصلاة و أهم بالإضافة إليها و بدونه لا مجال للأهمية فإن

مكان الصلاة لا يقاس بمكان الإزالة و موقعيتها كما هو واضح- الا انه لا يستلزم خروج الزمان اللازم للإزالة عن الظرفية لغيرها بحيث كانت الصلاة الواقعة في ذلك الزمان واقعة في غير الوقت فاللازم في عدم القابلية قيام الدليل الخاص عليه كقيامه في شهر رمضان و لم يقم في حجة الإسلام.

الثاني انه لا يعتبر في صحة النذر و انعقاده من ناحية المتعلق سوى التمكن من الإتيان به في ظرف الوفاء و العمل و كونه راجحا في نفسه في نظر الشرع و طاعة للّٰه تبارك و تعالى و لا يعتبر عدم استلزامه لترك واجب أو فعل حرام كما في الحج على القول بتوقف وجوبه زائدا على الاستطاعات الأربعة على عدم الاستلزام المذكور- على خلاف ما هو التحقيق كما مر مرارا- و لازمة كما عرفت عدم وجوب الحج إذا كان مستلزما لترك مثل جواب السلام أيضا و ان تصدى بعض القائلين بالقول المزبور لإخراج مثل الترك المزبور لكنه لم يأت بشي ء يمكن الاقتناع به على تقدير تسليم أصل المبنى و كيف كان فعدم الاستلزام المذكور لا يعتبر في النذر و ان كان يستفاد ذلك من كلام بعض الاعلام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 475

..........

______________________________

الثالث ان اللازم في باب التزاحم ملاحظة نفس التكليفين من جهة عدم إمكان امتثالهما في زمان واحد و عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما كذلك و لا مجال لملاحظة المنشأ و الموجب لثبوت التكليف ففي المقام لا بد من ملاحظة تكليف وجوب الوفاء بالنذر مع تكليف وجوب حجة الإسلام و لا وجه لملاحظة الالتزام النذري و ما هو مفاد صيغة النذر مع ذلك الدليل حتى يكون- في صورة الترتب

و القول به فيما إذا كان أحدهما أهم و الأخر مهما- مفاد الصيغة مترتبا على ترك الأمر بالأهم و عصيانه بحيث كان نذره متعلقا بحج آخر غير حجة الإسلام على تقدير تركه لها و في ظرف تركه بل اللازم ملاحظة دليل وجوب الوفاء و ان كان النذر خاليا عن التعليق المذكور كما هو المفروض.

إذا عرفت هذه الأمور يظهر لك صحة النذر و انعقاده فيما هو محل البحث و الكلام فان متعلقه يكون مقدورا في زمانه و لا ريب في رجحانه فان الحج راجح مطلقا و لو في ظرف وجوب حجة الإسلام و زمانه غاية الأمر ان دليل وجوب الوفاء بالنذر يكون مزاحما لدليل وجوب حجة الإسلام و تكون هي واجبة و أهم الوفاء بالنذر يكون واجبا مهما و اللازم تقديم الأهم.

و الجمع بين التكليفين اما بنحو الترتب كما عليه القائلون به و اما بالنحو الذي حققناه في الأصول تبعا للماتن- قدس سره الشريف.

ثم انه على تقدير رعاية الأهم و الإتيان بحجة الإسلام لا يترتب على مخالفة النذر كفارة لمشروعية المخالفة و ترك الوفاء و الإتيان بحجة الإسلام و على تقدير عدم رعايته و ترك الوفاء بالنذر تثبت عليه الكفارة كما نفى عنه البعد في المتن لانه لازم ثبوت التكليفين و تحقق الالتزامين.

ثم ان ما افاده الماتن- قده- هنا من الحكم بصحة النذر و انعقاده ينافي ما أفاده في المسألة الأخيرة من الفصل السابق من الحكم ببطلان الإجارة فيما إذا استؤجر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 476

..........

______________________________

من استقر عليه الحج مع تمكنه من الإتيان بالحج لنفسه للنيابة عن الغير فان الفرق بين المسألتين النذر و الإجارة غير ظاهر و الحق

هو الحكم بالصحة في المقامين، و مما ذكرنا يظهر بطلان ما افاده السيد- قده- في العروة من الحكم بعدم الانعقاد كما ان استثنائه صورة ما إذا كانت نيته التعليق على زوال الاستطاعة مبنى على الاكتفاء بالنية في باب النذر و ان لم يتلفظ بها و التحقيق في باب النذر.

و اما الحمل على الصحة في صورة الإطلاق الذي معناه الخلو عن التعليق- لفظا و نية- فقد أورد عليه بان مجرى أصالة الصحة انما هي الشبهات الموضوعية التي مرجعها الى الشك فيما وقع في الخارج من حيث الاتصاف بالصحة و الفساد و اما الشبهات الحكمية كما في مثل المقام حيث ان المشكوك هو حكم الشارع بالصحة أو غيرها مع وضوح ما هو الواقع في الخارج حيث انه لاخفاء فيه و لا شبهة تعتريه لظهور كون الواقع هو النذر المطلق الخالي عن التعليق في مرحلة اللفظ و في مرحلة النية كما هو المفروض فلا مجال لجريان أصالة الصحة أصلا.

الفرع الثاني مثل الفرع الأول و الفرق بينهما انما هو في تحقق الاستطاعة في حال النذر في الفرع الأول و عدم تحققها حاله في هذا الفرع بل حدوثها بعد تحقق النذر و اما كون المنذور حجا غير حجة الإسلام فمشترك في الفرعين و ان لم يصرح به في المتن في هذا الفرع لكن قوله- قده- في الفرع الآتي: و لو نذر حجا من غير تقييد قرينة على ثبوت التقييد في الفرع الثاني.

ثم ان الحكم بصحة النذر في الفرع السابق يستلزم الحكم بها في هذا الفرع بطريق أولى لأنه إذا لم يكن وجود الاستطاعة و وجوب حجة الإسلام فعلا مانعا عن الانعقاد و موجبا للحكم بعدم الصحة ففيما إذا لم تكن

الاستطاعة موجودة حال النذر يكون الحكم المذكور ثابتا بنحو الأولوية غاية الأمر ان تحقق الاستطاعة بعد النذر يوجب تكليفا آخر و يقع التزاحم بين التكليفين و من الواضح أهمية حجة الإسلام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 477

..........

______________________________

بالإضافة إلى الوفاء بالنذر و لا يلاحظ في باب التزاحم التقدم و التأخر الزمانيان و مقتضى الأهمية المذكورة لزوم الإتيان بحجة الإسلام من دون فرق بين كون النذر مضيقا اى مقيدا بالسنة الأولى- مثلا- التي وقع فيها الاستطاعة أو كونه فورا ففورا فإنه في كلا الفرضين لا بد من تقديم حجة الإسلام و الإتيان بالحج المنذور في العام القابل غاية الأمر أنه في صورة التضييق ينطبق عليه عنوان القضاء و في صورة كونه فورا ففورا لا يكون قضاء كما في حجة الإسلام الواجبة فورا ففورا.

ثم ان السيد- قده- في العروة حيث كان مبناه في مسألة وجوب حجة الإسلام تحقق الاستطاعة الشرعية التي مرجعها الى اعتبار الاستطاعات الأربعة بضميمة عدم استلزام الحج لترك واجب أو فعل حرام حكم في هذا الفرع بصحة النذر و انعقاده و عدم وجوب حجة الإسلام في هذا العام لاستلزامه ترك الواجب و هو الوفاء بالنذر فاللازم الإتيان بالحج النذري في هذا العام فان استمرت الاستطاعة إلى العام القابل يجب فيه حجة الإسلام.

و لكن قد عرفت مكررا ان هذا المبنى ضعيف و انه لا يعتبر في وجوب الحج شي ء زائد على الاستطاعات المذكورة فالحكم في المقام ما ذكرنا.

الفرع الثالث ما إذا نذر حجا من غير تقييد و كان مستطيعا أو حصل الاستطاعة بعده و لم يكن انصراف، و المراد من عدم التقييد أعم مما إذا كان المنذور مطلق الحج و

خاليا عن التقييد بغير حجة الإسلام أو التقييد بها و مما يكون راجعا الى العموم كما إذا قال للّٰه علىّ ان أحج اىّ حج كان و قد وقع التعبير عنه في كلام السيد- قده- في العروة بالتصريح بالإطلاق و الدليل على الأعمية ما في المتن من قوله في آخر الكلام:

«في صورة عدم قصد التعميم لحجة الإسلام» فإنه و ان جعل التعميم مربوطا بالقصد و النية الا ان الظاهر ثبوت الفرق في مرحلة اللفظ أيضا.

و كيف كان فقد استقرب في المتن كفاية حج واحد عنهما مع قصدهما و الكلام

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 1، ص: 478

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 478

..........

______________________________

في ذلك تارة في أصل كفاية الحج الواحد و عدمها بحيث كان اللازم التعدد و اخرى في انه بعد الكفاية هل يلزم قصد كلا العنوانين أم لا؟

اما الكلام في أصل الكفاية و عدمها فاعلم انه ذكر السيد- قده- في العروة ان في المسألة أقوالا ثلاثة: كفاية حج واحد عنهما و وجوب التعدد و كفاية نية الحج النذري عن حجة الإسلام دون العكس و القول الأول محكي عن الشيخ في النهاية و الاقتصار و التهذيب و اختاره صاحب المدارك و القول الثاني منسوب الى المشهور بل عن الناصريات الإجماع عليه و قال صاحب الجواهر: «هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده» و القول الأخير محكي عن الشيخ في النهاية و مستند القول الثالث روايتان يأتي البحث عنهما و اما الأولان فظاهر العروة- تبعا للجواهر-

ابتنائهما على مسألة التداخل المعروفة المعنونة في الأصول المختلف فيها و حيث كان المختار عنده أصالة عدم التداخل و تعدد المسبب بتعدد السبب فلذا قوى القول الثاني و استثنى في آخر كلامه صورة التصريح بالإطلاق التي أشرنا إليها و قال بكفاية حجة الإسلام عن نذره بل الحج النيابي و غيره في هذه الصورة.

و ناقش بعض الاعلام- في الشرح- في الحكم بالابتناء على مسألة التداخل نظرا الى ان التداخل انما يجرى فيما إذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء كما يقال:

إذا ظاهرت فأعتق و إذا أفطرت فأعتق فوقع فيه البحث المعروف من ان هذه الشرائط و الأمور المتعددة الموجبة للجزاء هل هي أسباب حقيقية و كل سبب يقتضي مسببا مستقلا أم هي معرفات لا تقتضي إلّا جزاء واحدا عند تعدد الشرط و اما في باب النذر فيتبع التعدد و الوحدة قصد الناذر و الشارع انما يمضى ما التزمه الناذر على نفسه فلا بد من ملاحظة متعلق نذره فان كان هو الجامع و طبيعي الحج فاللازم انطباقه على حجة الإسلام قهرا لان المفروض ان متعلق نذره مطلق و أصالة عدم التداخل لا تجري في المقام لأن المأتي به و ان كان هي حجة الإسلام الّا انه يصدق عليه متعلق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 479

..........

______________________________

النذر من دون فرق بين التصريح بالإطلاق و عدمه.

أقول منع الابتناء على مسألة التداخل و ان كان صحيحا لا ينبغي الارتياب فيه الّا ان الوجه فيه ليس ما ذكر بل الوجه هو عدم اتحاد الجزاء و كون التكليفين متعلقين بعنوانين مستقلين لان متعلق التكليف في باب النذر هو عنوان الوفاء به و في باب حجة الإسلام هو عنوان

الحج و تحقق الأمرين في الخارج بعمل واحد و فعل فأرد لا يستلزم الاتحاد في مرحلة تعلق التكليف فلا ارتباط للمقام بمسألة التداخل بل ما نحن فيه مثل ما إذا أمر المولى عبده بإكرام عالم و امره أيضا بضيافة هاشمي فأكرم العبد عالما هاشميا بالضيافة فالوجه في عدم الابتناء ما ذكرنا كما هو ظاهر.

ثم انه في المتن بعد الحكم بكفاية حج واحد في كلتا صورتي هذا الفرع نهى عن ترك الاحتياط في الصورة الاولى- و هو ما إذا لم يكن هناك قصد التعميم لحجة الإسلام- بالتعدد و إتيان كل واحد مستقلا مع تقديم حجة الإسلام على حج النذر، و بعد ملاحظة ما ذكرنا من الوجه لكفاية الوحدة و جريانه في كلتا الصورتين لا يرى وجه لهذا الاحتياط الوجوبي إلا رعاية فتوى المشهور بل المدعى عليه الإجماع كما عرفته من الجواهر بضميمة كون المتيقن من مورد فتوى المشهور هذه الصورة أي ما إذا لم يكن قصد التعميم بل كان مجرد الإطلاق كما إذا قال في الصيغة للّٰه علىّ ان أحج و لم يكن في البين انصراف الى غير حجة الإسلام- على ما هو المفروض في هذا الفرع- هذا ما يتعلق بأصل الوحدة و التعدد.

و اما الكلام بعد الاكتفاء بالوحدة في لزوم قصد كلا العنوانين كما هو ظاهر المتن أو عدم اللزوم فمحصله انه ذكر بعض الاعلام- على ما في شرح العروة- ان الظاهر هو الثاني نظرا الى عدم اعتبار قصد العنوان في إتيان المنذور و لا يلزم الإتيان به بعنوان متعلق النذر لان وجوب الوفاء بالنذر توصلي لا يعتبر في إتيانه و سقوطه قصد العنوان بخصوصه فلو نذر ان يصوم اليوم المعين و صام ذلك اليوم

و غفل عن النذر صح

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 480

..........

______________________________

صومه و كذا لو نذر ان يصلى صلاة الليل و صلاها و لكنه نسي النذر ففي الجميع لا يعتبر قصد العنوان في سقوط النذر و امتثاله قال: «و لو عكس الأمر و قصد عنوان النذر بخصوصه و لم يقصد حج الإسلام نلتزم بالاكتفاء عن حج الإسلام أيضا كما إذا حج و يزعم انه غير مستطيع ثم علم بالاستطاعة فإنه لا ريب في الاكتفاء به عن حج الإسلام و ان اتى به بقصد عنوان النذر و بتعبير آخر: الحج الصادر في أول سنة الاستطاعة من حج الإسلام سواء قصد هذا العنوان أم لا بل لو فرضنا انه لم يعلم بهذا العنوان و لم يسمع به و حج كفى عنهما».

أقول الكلام معه تارة فيما يرتبط بعنوان الوفاء بالنذر و اخرى فيما يتعلق بعنوان حجة الإسلام:

اما من الحيثية الأولى فيظهر من كلامه ان الوجه في عدم اعتبار قصد عنوان الوفاء بالنذر هو كونه واجبا توصليا مع ان التوصلية أمر و لزوم قصد العنوان أمر آخر و يمكن اجتماعهما كما في عنوان أداء الدين فإنه مع كونه واجبا توصليا لا ينطبق عنوانه على الأداء الخارجي إلّا إذا كان مقرونا بقصد عنوانه و نية أداء الدين لعدم تعينه إلا بالنيّة و لزوم قصد العنوان في مثل صلوتى الظهر و العصر و أكثر العبادات ليس لأجل كونها عبادة بل لأن عنواني الظهر و العصر من العناوين المتقومة بالقصد غير المتحققة بدونه و على ما ذكرنا فالظاهر ان عنوان الوفاء بالنذر أيضا كذلك لا ينطبق على الإتيان بالمتعلق في الخارج إلّا إذا كان مقرونا بنية الوفاء

و الأمثلة المذكورة في كلامه غاية ما رتب عليها هو الحكم بالصحة مع ان الصحة أمر و الوفاء بالنذر أمر آخر و نحن نمنع تحقق الوفاء غاية الأمر عدم ترتب الكفارة لعدم كون النذر ملتفتا اليه حال العمل و استبعاد تحقق المخالفة مع وقوع الصوم و صلاة الليل لا مجال له أصلا.

و اما من الحيثية الثانية فما هو الواجب بمقتضى الكتاب و السنة في صورة تحقق الشرائط ليس الّا عنوان الحج فقط بل قد مرّ منا مرارا ان عنوان «الحج»

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 481

..........

______________________________

لم يتعلق به الوجوب إلّا في مورد واحد و معنى حجّة الإسلام هو عنوان الحج مع اتصافه بالوجوب في أصل الشرع و عليه فما ذكره من ان الحج الصادر في أوّل سنة الاستطاعة هو حج الإسلام سواء قصد هذا العنوان أم لا في كمال الضعف لان عنوان الواجب هو عنوان الحج الذي هو واجب بأصل الشرع و لا مجال لدعوى عدم لزوم قصد عنوانه و ليس هنا شي ء أخر يجب قصده و عليه فالحكم بالاكتفاء بقصد عنوان النذر بخصوصه ان كان المراد به عدم قصد عنوان الحج المزبور أصلا فمن الواضح بطلانه و ان كان المراد قصد الوفاء بالنذر بضميمة قصد الحج المزبور فهذا يرجع الى قصد كلا العنوانين.

و اما ما ذكره من انه لا ريب في الاكتفاء بالحج فيما إذا زعم انه غير مستطيع ثم علم بالاستطاعة فيرد عليه ما تقدم منا في نفس هذه المسألة من عدم الاكتفاء لو كان على وجه التقييد نعم لو كان بنحو الاشتباه في التطبيق و أمكن ذلك لا مانع من الحكم بالاكتفاء فنفى الريب فيه في

غير محلّه. و قد انقدح من جميع ما ذكرنا قوة ما في المتن من لزوم قصد كلا العنوانين أحدهما قصد عنوان الوفاء بالنذر و ثانيهما قصد عنوان الحج الواجب.

ثمّ انه قد استدل للقول الثالث بصحيحتين:

إحديهما: صحيحة رفاعة بن موسى قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل نذر ان يمشى إلى بيت اللّٰه الحرام هل يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال: نعم، قلت و ان حج عن غيره و لم يكن له مال و قد نذر ان يحج ماشيا أ يجزى عنه ذلك من مشيه؟ قال: نعم. «1»

و يجري في السؤال الأوّل في نفسه مع قطع النظر عن السؤال الثاني احتمالات:

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع و العشرون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 482

..........

______________________________

أحدها: ما هو المناط في الاستدلال من كون المراد هو نذر الحج ماشيا بحيث كان المنذور الحجّ من غير تقييد مع كونه مستطيعا- حال النذر أو حصول الاستطاعة بعده قبل الحج- يجب عليه حجة الإسلام فمحطّ النظر في السؤال هو الاكتفاء بالإتيان بالحج المنذور بنيّة الوفاء بالنذر و عدم نية حجة الإسلام.

ثانيها: كون المراد هو نذر الحج ماشيا بالنحو المذكور في الاحتمال الأول و عدم ثبوت الاستطاعة في شي ء من الحالين و تحققها بعد الإتيان بالحج النذري فمحطّ النظر هي كفاية ذلك الحج عن حجة الإسلام مع فرض حصول الاستطاعة بعده و على هذا الاحتمال لا تكون الرواية معمولا بها أصلا.

ثالثها: هو كون المراد انّ المنذور مجرد المشي إلى بيت اللّٰه الحرام ثم أراد ان يحج حجة الإسلام و قد حمل الرواية على ذلك في محكيّ كشف اللثام و غيره.

رابعها: كون

المنذور الإتيان بحجة الإسلام ماشيا كما حمل الرواية عليه العلّامة في محكيّ المختلف و ان استبعده صاحب المدارك و غيره هذا مع قطع النظر عن السؤال الثاني و امّا بملاحظته فالظاهر ان المراد هو الاحتمال الأول و هو كون المنذور هو الحجّ ماشيا و المراد من السؤال الثاني هو كفاية الحج الاستيجاري عن الحج ماشيا المنذور و في قوله: «أ يجزى عنه ذلك من مشيه» اضطراب و الظاهر ان المراد هو الإتيان بالحج الاستيجاري ماشيا و كيف كان فليس في السؤال الأول ظهور في تحقق الاستطاعة حال النذر أو بعده قبل العمل به فلا مجال للاستدلال بها.

ثانيتهما: صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن رجل نذر أن يمشى إلى بيت اللّٰه فمشى هل يجزيه عن حجة الإسلام؟ قال: نعم «1» و مما ذكرنا في الرواية الأولى يظهر الكلام في هذه الرّواية.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع و العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 483

[مسألة 7- يجوز الإتيان بالحج المندوب قبل الحج النذري الموسع]

مسألة 7- يجوز الإتيان بالحج المندوب قبل الحج النذري الموسع و لو خالف في المضيق و اتى بالمستحب صح و عليه الكفارة. (1)

______________________________

(1) وجه الجواز عدم قيام دليل على المنع بالإضافة إلى الحج النذري و لا مجال للقياس على حجة الإسلام بناء على المنع فيها كما قام الدليل على المنع في الصوم على ما هو المشهور و قد وقع الاختلاف في باب الصلاة و انه هل يجوز التطوع في وقت الفريضة أو لمن هي عليه أو لا يجوز و كيف كان بعد عدم قيام الدليل على المنع في المقام لا وجه للحكم به و مقتضى القاعدة الجواز.

ثم

انه يرد على بعض الاعلام انه مع حكمه في المسألة السابقة بأن عنوان الوفاء بالنذر لا يحتاج الى القصد و ان من نذر ان يصلى صلاة الليل تقع صلاة ليله صحيحة و وفاء بالنذر و ان كان غافلا عن النذر بالمرة لأن نفس الإتيان بها كافية في حصوله و تحققه كيف حكم هنا بان الحج الواقع أوّلا بنية الندب يقع كذلك و لا يتحقق به الوفاء بالنذر مع ان لازم ما ذكره هناك وقوعه وفاء للنذر قهرا فان العنوان إذا لم يكن مفتقرا الى قصده و نيّته فكيف لا يقع بالحج الواقع أوّلا مع ان متعلق النذر هو الحج المستحب كما هو المفروض و الاختلاف من جهة الوجوب و الاستحباب لا يقدح لان المفروض في ذلك المثال إيقاع صلاة الليل بقصد الاستحباب مضافا الى ما عرفت منا من عدم سراية الوجوب من متعلقه الذي هو عنوان الوفاء بالنذر الى عنوان المنذور مثل الحج و صلاة الليل فالجمع بين الأمرين على ما ذكره مما لا مجال له أصلا هذا في الحج النذري الموسع و اما المضيق فلو خالفه و اتى بالمستحب يقع صحيحا بناء على صحة العبادة مع المزاحمة للأهم- كما هو التحقيق- و ان اختلفوا في وجه الحكم بالصحة فالمقام مثل ما إذا اشتغل بصلاة تحية المسجد في مثال الصلاة و الإزالة المعروف فان الحق صحتها و ان كانت مستلزمة لترك الإزالة التي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 484

[مسألة 8- لو علم ان على الميت حجا و لم يعلم انه حجة الإسلام أو حج النذر]

مسألة 8- لو علم ان على الميت حجا و لم يعلم انه حجة الإسلام أو حج النذر وجب قضائه عنه من غير تعيين و لا كفارة عليه، و لو تردد

ما عليه بين ما بالنذر أو الحلف مع الكفارة وجبت الكفارة أيضا، و يكفى الاقتصار على إطعام عشرة مساكين، و الأحوط الستون. (1)

______________________________

هي واجبة فورا نعم في المقام يترتب على مخالفة النذر العمدية القضاء و الكفارة و قد مرّ البحث عن وجوب القضاء في المضيق.

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في فرعين: الأول ما إذا علم ان على الميت حجا و لم يعلم انه حجة الإسلام أو حج النذر فبناء على وجوب قضاء حج النذر عن الميت- كما اخترناه- يكون وجوب القضاء عنه معلوما تفصيلا و ان كان مرددا بين كونه قضاء حجة الإسلام أو قضاء الحج النذري و لا يلزم من هذه الجهة الإتيان بحجين بل يكفي حجة واحدة بعنوان القضاء عنه من غير تعيين كونه قضاء للأولى أو الثانية و هذا كما إذا علم بفوت صلاة منه مرددة بين الظهر و العصر فإنه و ان كان العنوانان من العناوين القصدية و اللازم مراعاتهما الا انه يكفى الإتيان بصلاة واحدة بقصد ما في الذمة من غير تعيين.

و اما الكفارة فعلى تقدير القول بلزومها على الوارث في موردها لا تجب في المقام لان ثبوتها متفرع أولا على إحراز كون الفائت الحج النذري و ثانيا على إحراز كون مخالفة الميت للتكليف بوجوب الوفاء بالنذر مخالفة عمدية اختيارية و كلاهما مشكوكان و لو فرض العلم بأنه على تقدير كون الثابت هو الحج النذري لكانت مخالفته عن عمد و اختيار لما كانت الكفارة واجبة أيضا لعدم إحراز الأمر الأول و منه يعلم ان قوله في المتن: «و لا كفارة عليه» يشمل كلا الفرضين هذا كله بناء على القول بوجوب القضاء في الحج النذري أيضا.

و اما بناء على القول

بالعدم و اختصاص وجوب القضاء بحجة الإسلام فلا يجب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 485

..........

______________________________

القضاء كالكفارة نعم في خصوص ما إذا كانت المخالفة في الحج النذري مخالفة عمدية موجبة للكفارة على تقدير كون الثابت هو الحج النذري يكون أحد طرفي العلم الإجمالي قضاء حجة الإسلام و الطرف الآخر الكفارة لأجل مخالفة النذر العمدية على ما هو المفروض و اللازم مراعاة كلا الأمرين فيجب القضاء و الكفارة معا.

الثاني ما إذا تردد ما على الميت بين الحج النذري و بين الحج الثابت عليه باليمين مع إحراز كون الترك و المخالفة عمدية موجبة للكفارة فلا إشكال في وجوب القضاء عنه من غير تعيين بناء على ثبوته في النذر و اليمين فيأتي الوارث بحج واحد قضاء عنه مرددا بين النذر و اليمين و بعبارة أخرى يقصد ما في الذمة كما في المثال الذي عرفت.

و يجب هنا الكفارة أيضا من التركة بناء على ثبوتها بعد الموت فيها أيضا لأن المفروض كون الحنث في كلا الأمرين موجبا للكفارة كما ان المفروض تحقق المخالفة العمدية على كلا التقديرين و- حينئذ- ان قلنا بعدم مغايرة كفارة النذر لكفارة اليمين المصرح بها في الكتاب بقوله تعالى لٰا يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمٰانِكُمْ وَ لٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمٰانَ فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ ذٰلِكَ كَفّٰارَةُ أَيْمٰانِكُمْ إِذٰا حَلَفْتُمْ الى آخر الآية فاللازم كفارة واحدة من غير تعيين كالقضاء و قد اختار هذا القول جماعة من الفقهاء.

و ان قلنا بالمغايرة و ان كفارة النذر انما هي كفارة الإفطار في شهر رمضان و هي التخيير

بين الخصال الثلث عتق الرقبة و صيام ستين يوما و إطعام ستين مسكينا- كما هو المشهور ظاهرا- فان اختار العتق المشترك بين الكفارتين فيكفي تحرير رقبة واحدة من غير تعيين أيضا و اما ان اختار الإطعام فقد اختار في المتن كفاية الاقتصار على إطعام عشرة مساكين و احتاط الستين بالاحتياط الاستحبابي و لكن السيد- قده-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 486

..........

______________________________

في العروة حكم بلزوم الاحتياط و لابدّيته غاية الأمر أنه يكفى في ذلك إطعام ستين مسكينا لان فيه إطعام عشرة أيضا و مراده انه لا يلزم في الاحتياط الجمع في جميع الموارد فان مقتضاه الأخذ بما هو المتيقن و هو قد يتحقق بالجمع كما في كثير من الموارد و قد يتحقق بالأخذ بأحد طرفي العلم الإجمالي كما في دوران الأمر بين التعيين و التخيير فان مقتضى الاحتياط فيه الأخذ بخصوص ما يحتمل تعيينه لا الجمع كما هو ظاهر.

ثم ان مبنى ما في المتن من كفاية الاقتصار على إطعام العشرة انما هو كون المقام من صغريات مسألة دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين و حيث ان مختاره فيه جريان البراءة بالإضافة إلى الأكثر فاللازم الاكتفاء بإطعام العشرة و عدم لزوم ما زاد عليه.

و اما ما أفاده في العروة من الحكم بلزوم الاحتياط بإطعام الستين فالوجه فيه أحد أمرين:

الأول كون مبناه في مسألة دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين عدم جريان البراءة و لزوم الاحتياط على خلاف مبنى المتن.

الثاني عدم كون المقام من صغريات تلك المسألة بل الأمر دائر في المقام بين المتبائنين لاختلاف الكفارتين من جهتين:

إحديهما الاختلاف في الأطراف و الخصال و ان كان بينهما اشتراك في الجملة كما

في العتق و في أصل الإطعام.

ثانيتهما كون كفارة النذر مخيرة محضة و كفارة اليمين مخيرة و مرتبة كما في الآية الشريفة حيث انه تصل النوبة بعد عدم القدرة على الأمور الثلاثة إلى صيام ثلاثة أيام و عليه فالاختلاف من هاتين الجهتين يقتضي كون المقام من قبيل الدوران بين المتباينين خصوصا إذا قلنا في الواجب التخييري بتعلق الوجوب بما هو الجامع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 487

[مسألة 9- لو نذر المشي في الحج انعقد حتى في مورد أفضلية الركوب]

مسألة 9- لو نذر المشي في الحج انعقد حتى في مورد أفضلية الركوب و لو نذر الحج راكبا انعقد و وجب حتى لو نذر في مورد يكون المشي أفضل و كذا لو نذر المشي في بعض الطريق، و كذا لو نذر الحج حافيا، و يشترط في انعقاده تمكن الناذر و عدم تضرره بهما و عدم كونهما حرجيين فلا ينعقد مع أحدهما لو كان في الابتداء، و يسقط الوجوب لو عرض في الأثناء و مبدأ المشي أو الحفاء تابع للتعيين و لو انصرافا، و منتهاه رمى الجمار مع عدم التعيين. (1)

______________________________

و القدر المشترك بين الأمرين أو الأمور و انها مصاديق لذلك الجامع و افراد له فإنه- حينئذ- يكون التباين واضحا جدا فان الجامع الذي لا ينطبق على إطعام أقل من ستين و لو كان واحدا مباين للجامع الذي ينطبق على إطعام العشرة و عليه فاللازم الحكم بالاحتياط و رعاية الأكثر و هذا هو الأظهر.

(1) اعلم انه في كل واحد من العناوين الثلاثة المشي و الركوب و الحفاء تارة يكون متعلق النذر هو الحج غاية الأمر مع تقيده بأحد هذه العناوين مثل ان يقول للّٰه علىّ ان أحج ماشيا أو راكبا أو حافيا و اخرى

يكون متعلق النذر هو أحد هذه العناوين في طريق حجة الإسلام أو غيرها مثل الحج المستحب و لا يكون لأصل الحج مدخلية في المتعلق بحيث يجب عليه إيجاده و عليه فالفروض ستة قد وقع التعرض لثلاثة منها كما انه وقع التعرض في العروة لخمسة منها و اللازم ملاحظة الجميع فنقول:

إذا كان متعلق النذر هو الحج المقيد بأحد هذه العناوين فلا شبهة في انعقاده من جهة اعتبار الرجحان في متعلق النذر فان المتعلق بلحاظ كونه هو الحج لا محالة يكون مشتملا على الرجحان لانه يلاحظ ذلك بالإضافة إلى الترك و عدم الإتيان بالحج و لا يلزم ان يكون المتعلق راجحا بجميع قيوده و أوصافه فإذا نذر ان يصلى صلاة مستحبة في الدار ينعقد نذره و ان كان وصف وقوعها في الدار فاقدا للرجحان لما عرفت من ملاحظة ذلك مع الترك لا مع الصلاة الفاقدة للقيد المذكور ففي المقام لا يكون- ح- فرق بين كون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 488

..........

______________________________

المشي أفضل و عدمه لعدم الفرق من هذه الجهة على ما ذكرنا فما عن البعض من عدم انعقاد نذر الحج راكبا إلّا في مورد يكون الركوب أفضل لا وجه له كما انه لا مجال لدعوى الانعقاد في أصل الحج لا في صفة الركوب لان المفروض ان المتعلق انما هو المقيد و لا معنى لبقائه مع عدم صحة قيده و كيف كان لا تنبغي المناقشة في صحة النذر في هذه الفروض الثلاثة التي يكون المتعلق هو الحج المقيد بأحد العناوين المذكورة.

و اما إذا كان المتعلق نفس هذه العناوين في طريق الحج فالكلام يقع في كل واحد منها مستقلا فنقول:

الأول ما إذا نذر

المشي في حجه الواجب عليه أو المستحب و هو ينعقد مطلقا حتى في مورد يكون الركوب أفضل لأن المشي في حد نفسه ذات فضيلة و رجحان كما يدل عليه الروايات و ما حكى عن الامام المجتبى- عليه السّلام- من انه حج ماشيا مرارا و المحامل تساق بين يديه و لا يعتبر في متعلق النذر ان لا يكون هناك أفضل منه فنذر المشي ينعقد و ان كان الركوب قد يكون أفضل لبعض الجهات فإن الأفضلية لا توجب زوال الفضيلة عن المشي فلو نذر ان يأتي بصلاته في مسجد المحلة ينعقد نذره و ان كان مسجد السوق أفضل منه و مسجد الجامع أفضل منهما فما هو المعتبر انما هو مجرد الرجحان المتحقق في المشي بمقتضى ما ذكر من قول الامام- ع- و فعله و قد وقع التعرض في المتن لهذا الفرض.

الثاني ما إذا نذر الركوب في حجه و الظاهر انه لا ينعقد إلّا في مورد ثبوت الرجحان للركوب بلحاظ بعض الجهات و الخصوصيات و الّا فالركوب في نفسه يكون فاقدا للرجحان المعتبر في متعلق النذر و هذا كما إذا نذر ان يأتي بصلواته اليومية في الدار بحيث كان المنذور مجرد الإيقاع في الدار فإنه لا ينعقد و لم يقع التعرض لهذا الفرض في المتن كالفرض الآتي الذي لم يتعرض له في العروة أيضا.

الثالث ما إذا نذر الحفاء في حجّه و الظاهر انعقاده لانه من أظهر مصاديق المشي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 489

..........

______________________________

الذي عرفت رجحانه بل يكون ثبوت الرجحان فيه بطريق اولى هذا ما تقتضيه القاعدة في هذا الأمر و لكنه ورد فيه روايات لا بد من ملاحظتها فنقول:

منها: صحيحة أبي

عبيدة الحذاء قال سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن رجل نذر أن يمشي إلى مكة حافيا فقال ان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- خرج حاجا فنظر الى امرأة تمشي بين الإبل فقال: من هذه؟ فقالوا: أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى مكة حافيا فقال رسول الهّٰ - صلّى اللّٰه عليه و آله- يا عقبة انطلق إلى أختك فمرها فلتركب فان اللّٰه غنيّ عن مشيها و حفاها، قال فركبت. «1»

و لا شبهة في دلالة الصحيحة على بطلان نذر الحفاء و عدم انعقاده و لا مجال لدعوى كون ما وقع في زمان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- قضية في واقعة يمكن ان يكون لمانع من صحة نذرها من إيجابه كشفها أو تضررها أو غير ذلك فان هذه الدعوى لا تساعد مع اقتصار الامام عليه السّلام في مقام الجواب عن السؤال المذكور في الرواية على نقل القضية الواقعة في زمن الرسول فإنها لو كانت قضية خاصة في واقعة لما كان مجال للاقتصار عليه في مقام الجواب الظاهر في كون مورد السؤال يستفاد حكمه من تلك القضية خصوصا مع كونه سؤالا عن الرجل الذي نذر كذلك و مورد تلك القضية هي المرأة، و العجب من مثل السيد- قده- في العروة مع تبحره في الفقه و الحديث كيف حمل الرواية على ما ذكر مع انه لا يحتمله من له أدنى معرفة بهما و كيف كان فدلالة الصحيحة على بطلان نذر المشي حافيا بنحو الضابطة الكلية بلا فرق بين الرجل و المرأة واضحة لا مناقشة فيها أصلا.

و منها: ما رواه احمد بن محمد بن عيسى في «نوادره» عن سماعة و حفص قال (لا) سألنا أبا

عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل نذر ان يمشى إلى بيت اللّٰه حافيا، قال فليمش فإذا

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 490

..........

______________________________

تعب ركب. «1»

و في الرواية إشكال من حيث السند لأن أحمد بن محمد من الطبقة السابعة و سماعة و حفص من الطبقة الخامسة و لا يمكن له النقل عنهما من دون واسطة و هو مجهول فالرواية ضعيفة غير معتبرة و لكنها بعينها قد رواها رفاعة و حفص عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- «2» مع صحة سندها فاللازم- ح- البحث في مفادها لاعتبار السند بهذا الطريق.

فنقول: يجري في الجواب احتمالان: أحدهما ان يكون المراد من قوله:

«فليمش» هو مجرد المشي المتعارف المنطبق على المشي مع الحذاء و النعل و عليه فالمراد لغوية قيد الحفاء المأخوذ في متعلق النذر لانه كان هو المشي حافيا فالجواب ناظر الى لزوم الاقتصار على المشي في مورد النذر المذكور و إذا تعب تصل النوبة إلى الركوب و يؤيد هذا الاحتمال عدم ذكر مثل قوله «كذلك» بعد قوله «فليمش» و لو كان المراد هو المشي المقيد بالحفاء المذكور لكان اللازم الإشارة إلى القيد في الجواب كما ان الانتقال الى الركوب في صورة التعب يؤيد كون المراد هو التعب بالإضافة إلى المشي لا التعب بالنسبة إلى قيده الذي هو الحفاء لان المناسب- ح- الانتقال إلى المشي.

و ثانيهما كون المراد من قوله: «فليمش» هو المشي المقيد بالحفاء الذي هو متعلق النذر و هذا الاحتمال بعيد.

ثم انه على التقدير الأول ذكر العلامة المجلسي- قده- ان المستفاد من صحيح رفاعة و حفص الوارد في باب النذر بطلان

النذر بالحفاء فان قوله عليه السّلام «فليمش» معناه انه يمشى مشيا متعارفا متنعلا بلا حفاء فهذه الخصوصية ساقطة لا أصل المشي كما اختاره في الدروس و صحيحة الحذاء أيضا دالة على مرجوحية الحفاء و بطلان

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح- 10

(2) ئل كتاب النذر الباب الثامن ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 491

..........

______________________________

النذر بالنسبة إليه فالروايتان متفقتان على سقوط خصوصية الحفاء و بطلان النذر بالنسبة اليه، و اما المشي المتعارف فيقع التعارض بين صحيح الحذاء و صحيح رفاعة لأن المستفاد من صحيح الحذاء مرجوحية المشي أيضا لأمره- ص- أخت عقبة بن عامر بالركوب و قال- ص-: فان اللّٰه غنى عن مشيها و حفاها، و اما صحيح رفاعة فيدل على سقوط الحفاء فقط و بقاء المشي على رجحانه لقوله- ع-: «فليمش» و بعد التعارض لا يمكن الرجوع الى الأدلة العامة الدالة على وجوب الوفاء بالنذر لان المفروض ان النذر مقيد بالحفاء و المنذور هو المشي حافيا و العمل ببعض النذر دون البعض الأخر لا دليل عليه فلم يبق موضوع للوفاء بالنذر فالنتيجة سقوط النذر.

و على التقدير الثاني تقع المعارضة بين الصحيحتين و تتساقطان و اللازم- ح- الرجوع الى عموم دليل وجوب الوفاء بالنذر و تصير النتيجة صحة نذر المشي حافيا كما هو مقتضى القاعدة على ما عرفت و لكن هذا التقدير خلاف ظاهر الرواية و قد استبعده العلامة المجلسي- قده- ثم انه قد جمع صاحب «المستمسك» بين صحيحة الحذاء و رواية سماعة و حفص بحمل الأخيرة على الاستحباب بقرينة الصحيحة مع ان الظاهر ان الحمل على الاستحباب انما هو فيما إذا كان الاختلاف

بين الروايتين في الحكم التكليفي المحض كما في قوله: اغتسل للجمعة- مثلا- فإنه يحمل على الاستحباب بقرينة ما ظاهره نفى الوجوب، و اما في مثل المقام ممّا إذا كان في البين حكم وضعي مشكوك كانعقاد النذر و عدمه و صحته و بطلانه فلا مجال للحمل على الاستحباب فإن إحدى الروايتين ظاهرة في البطلان و الأخرى في الصحة و لا جمع بينهما و بعبارة أخرى النذر ان كان منعقدا و صحيحا فلا محيص عن وجوب الوفاء به و ان لم ينعقد فلا يكون حكمه الاستحباب من جهة تعلق النذر بل يقع المنذور على ما كان عليه قبل النذر من الحكم من دون ان يكون النذر مؤثرا في شي ء أصلا كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 492

..........

______________________________

ثم انه يغلب على الظن في أصل المسألة ان رواية سماعة و حفص التي رواها احمد بن محمد بن عيسى في نوادره هي نفس رواية رفاعة و حفص بمعنى ان سماعة ذكر اشتباها لأجل التشابه مع رفاعة فلا يكون هناك روايتان بل رواية واحدة.

و أيضا فالظاهر ان رواية رفاعة و حفص المذكورة في كتاب الوسائل في أبواب النذر هي رواية رفاعة المروية في كتاب الحج بهذه الكيفية محمد بن الحسن بإسناده عن موسى بن القاسم عن ابن أبي عمير و صفوان عن رفاعة بن موسى قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- رجل نذر ان يمشى إلى بيت اللّٰه قال: فليمش قلت: فإنه تعب قال:

فإذا تعب ركب. «1»

و يؤيد اتحاد الروايتين- مضافا الى كون الراوي عن رفاعة و حفص في كتاب النذر هو ابن أبي عمير أيضا و ان أضيف إليه صفوان هنا و

أضيف إلى المروي عنه حفص هناك الا انه لا يقدح في الاتحاد أصلا كما هو الظاهر- انه لو كان قيد الحفاء مذكورا في السؤال و لم يكن السؤال متمحضا في نذر المشي فقط كما في رواية و حفص لكان الجواب بقوله: فليمش ناقصا سواء أريد به هو المشي المقيد بالحفاء أو المشي من دون حفاء اما على الأول فلأنه كان اللازم ان يضاف اليه كلمة «الحفاء» أو «كذلك» للدلالة على لزوم مراعاة النذر بجمع خصوصياته و اما على الثاني فلأنه كان اللازم ان يضاف اليه مثل كلمة: «دون حفاء» لانه الغرض المهم لا أصل لزوم المشي و بعبارة أخرى محط نظر السائل على تقدير كون مورده هو نذر المشي حافيا هو التقييد بالحفاء و عليه فالجواب لا بد و ان يكون ناظرا اليه نفيا و إثباتا و لا يلائمه الاقتصار على قوله: فليمش، فالاقتصار عليه في الجواب قرينة على كون مورد السؤال هو نذر المشي من دون قيد و عليه يحصل الاطمئنان بأن الروايات الثلاثة متحدة و ان السؤال فيها انما هو عن مجرد نذر المشي و الجواب منطبق عليه من دون نقيصة و عليه تنحصر

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 493

..........

______________________________

الرواية الواردة في المشي حافيا بصحيحة الحذاء و لا معارض لها أصلا و المراد من قوله- ص- فيها: «فان اللّٰه غنى عن مشيها و حفاها» مع انه تعالى غنى عن العالمين و عن عبادة الخلائق أجمعين هو عدم المشروعية و عدم الرجحان و- ح- ان قلنا بأن الرواية معرض عنها كما ربما يقال و يؤيده حكاية

الفتوى بالبطلان عن الدروس فقط فاللازم طرحها بناء على كون الاعراض قادحا و ان لم نقل بصغرى الاعراض أو لم نقل بقادحيته في اعتبار الرواية و حجيتها فاللازم الأخذ بها و الحكم ببطلان نذر الحفاء و ان كان على خلاف القاعدة.

ثمّ انه بقي الكلام في أصل المسألة فيما يتعلق بنذر المشي المطلق أو المشي حافيا في أمرين:

الأوّل في الأمور المعتبرة في انعقاد النذرين و هي عدّة أشياء:

أحدها التمكن فإنه مع عدم التمكن من متعلق النذر لا يقع صحيحا كما في سائر الأمور المتعلقة للنذر و قد عرفت في بعض المسائل السّابقة ان الاستطاعة المعتبرة في نذر الحج هي الاستطاعة العقلية لا الاستطاعة الشرعية- كما اختاره في الدروس- و مرجع ما ذكرنا إلى انه لا فرق بين كون المنذور هو الحج أو غيره من الأعمال الراجحة و المعتبر في الجميع هي القدرة العقليّة.

ثانيها عدم تضرّره بالمشي أو المشي حافيا و الظاهر ان المراد هو التضرر النفسي و عليه فالظاهر عدم ارتباط هذا الأمر بقاعدة «لا ضرر» المعروفة و ان كان عطف عدم الحرج عليه يؤيد كون المراد تلك القاعدة لكن حيث انّ مبنى الماتن- قدس سرّه الشريف- في القاعدة كونها حكما ناشيا عن مقام ولاية الرسول و حكومته و زعامته و تصدّيه لإدارة نظام المسلمين لا مرتبطا بمقام رسالته و نبوته حتى يكون حكما إلهيا ناظرا إلى الأحكام الأوليّة الثابتة للموضوعات بعناوينها الواقعية فلا بد من عدم كون النظر في المتن الى هذه القاعدة مضافا الى عدم اختصاصها بالضرر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 494

..........

______________________________

النفسي كما لا يخفى.

و عليه فاللازم ان يكون محطّ النظر في المتن هي حرمة الإضرار بالنفس

بعنوانه الاولى مطلقا أو في خصوص ما إذا كان منجرّا الى الهلاك عادة و قد ادّعى قيام الإجماع و غيره على ثبوت هذه الحرمة و ان وقع الاختلاف في متعلقها من حيث السعة و الضيق كما أشرنا.

و على هذا التقدير فالوجه في اعتبار عدم الإضرار امّا خروج متعلق النذر عن الرجحان بسبب الإضرار المحرّم لانه يصير بذلك مرجوحا فيكون النذر- ح- فاقدا لشرط الصحة و هو الرجحان فيحكم بعدم انعقاده و يظهر هذا الوجه من بعض الأعاظم على ما في تقريراته في شرح العروة و امّا ما ذكره بعض الاعلام كذلك من ان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا فيصير الوجه في البطلان عدم التمكن من المنذور مع انك قد عرفت اعتباره.

أقول و في كلا الوجهين نظر:

اما الوجه الأول فلانّ متعلق الحرمة هي نفس عنوان الإضرار بالنفس- مطلقا أو في الجملة- و لا يتعدى الحكم من عنوان متعلقه إلى شي ء آخر و مجرد تحقق عنوان الإضرار في الخارج بالمشي لا يستلزم سراية الحرمة إلى المشي أصلا بل هو بعنوانه ذات رجحان و مزية و قد دلّ عليها قول المعصوم و فعله كما انّك عرفت ان تعلق النذر بالمشي لا يوجب صيرورة المشي واجبا بل هو باق على ما كان عليه قبل النذر و الواجب بالنذر انّما هو عنوان الوفاء به فالمشي لا يسري إليه الوجوب من ناحية النذر و لا الحرمة من ناحية حرمة الإضرار فلا مانع من ثبوت الوجوب و الحرمة غاية الأمر وقوع التزاحم بين التكليفين لعدم إمكان رعايتهما في مقام الامتثال و الموافقة، و اللازم الرجوع الى قاعدة التزاحم كما لا يخفى و من الواضح ان المزاحمة أمر و عدم الانعقاد الذي هو المدعى

أمر أخر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 495

..........

______________________________

و اما الوجه الثاني فمضافا إلى انه لم يقم دليل على ان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا بل كلماتهم خصوصا في كتاب الإجارة ظاهرة في ان الممنوعية أمر و الامتناع أمر أخر الا ترى ان استيجار الحائض لكنس المسجد انما يكون الوجه في بطلانه عندهم هي الممنوعية الشرعية و كون العمل محرّما لا الامتناع و الاستحالة و المعتبر في الإجارة أمران: كون العمل مقدورا و كونه محلّلا فيظهر أن الممنوعية الشرعية أمر مستقل و الامتناع أمر أخر.

نقول بما ذكرنا من عدم كون المشي الذي تعلّق به النذر ممنوعا شرعا فان الممنوع انما هو عنوان الإضرار بالنفس و هو لا يكون متعلقا للنذر فما هو المتعلق غير ما هو الممنوع.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه على تقدير كون الإضرار بالنفس محرما مطلقا أو في الجملة لا يوجب ذلك خللا في صحة النذر و انعقاده.

ثالثها عدم كون المشي المطلق أو المشي حافيا حرجيّا على الناذر لانه على تقدير الحرجية يكون مقتضى قاعدة «نفى الحرج» التي تكون حاكمة على أدلة التكاليف اللزومية- وجوبية كانت أو تحريمية- عدم لزوم الوفاء بالنذر إذا كان مستلزما للحرج كما هو المفروض.

ثم انّ السيّد- قده- في العروة قال: «لا مانع منه- اى من انعقاد النذر- إذا كان حرجا لا يبلغ حدّ الضرر لان رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة هذا إذا كان حرجيا حين النذر و كان عالما به و امّا إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر كونه مسقطا للوجوب» و لا بد قبل ملاحظة مدّعاه و دليله و انّ دليله هل ينطبق على مدّعاه أم لا؟ من التعرض

لأمرين في قاعدة الحرج:

الأول ان مقتضى قاعدة نفى الحرج التي يدل عليها مثل قوله تعالى «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» هل هو نفى الحكم اللزومي على سبيل الرخصة أو على نحو العزيمة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 496

..........

______________________________

و مرجع الأول إلى كون القاعدة ناظرة إلى رفع أصل اللزوم و اما المحبوبية و المشروعية فهي باقية بحالها لا ترتفع بالقاعدة أصلا كما ان مرجع الثاني إلى رفع الحكم بالكلية و عدم ثبوت اللزوم و لا المحبوبية و المشروعية فالوضوء أو الغسل الحرجي يقع صحيحا على الأول دون الثاني لفقد انه للمشروعية رأسا في حال الحرج و المختار عندنا هو الثاني و قد حققناه في كتابنا في القواعد الفقهية.

الثاني ان قاعدة نفى الحرج كما تكون حاكمة على أدلة التكاليف الأصلية الابتدائية التي لا مدخل للمكلف في إثباتها كأكثر الأحكام الشرعية هل تكون حاكمة على أدلة التكاليف الثانوية التي يكون للمكلف مدخل في ثبوتها كالأحكام الثابتة في موارد التزام المكلف كالنذر و مثله أم لا؟

ربما يقال بالثاني نظرا الى ان قاعدة نفى الحرج واردة في مورد الامتنان و لا امتنان في نفى الحكم في مورد التزام المكلف و التفاته الى كون الملتزم به حرجيا فإذا كان عالما بأن المشي في الحج أمر حرجي من حين الشروع فلا امتنان في رفع الحكم بوجوب الوفاء بالنذر بالإضافة اليه و بعبارة أخرى منشأ الحرج في هذا الفرض هو التزام المكلف مع التوجه و الالتفات لا حكم الشارع.

كما انه ربما يقال بالأول نظرا الى ان ما يكون موجبا للحرج في هذه الصورة أيضا هو حكم الشارع بوجوب الوفاء بالالتزام الصادر من المكلف عليه لانه

بدون هذا الحكم لا يقع المكلف في الحرج أصلا فالقاعدة حاكمة على كلتا الادلتين و رافعة لكلا التكليفين من دون فرق في البين و هذا القول هو الظاهر و هو المستند لمثل المتن من جهة الحكم باعتبار عدم الاستلزام للحرج في انعقاد النذر و صحته.

إذا عرفت هذين الأمرين فاعلم ان ما يمكن دليلا لمدعي السيد من الانعقاد في الصورة المذكورة هو الأمر الثاني الذي ذكرنا بناء على اختيار عدم كون القاعدة حاكمة على مثل دليل وجوب الوفاء بالنذر و اما الأمر الأول فلا يرتبط بمسألة انعقاد النذر ضرورة ان رفع وجوب الوفاء بالنذر مع الالتزام بالبقاء على المشروعية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 497

..........

______________________________

و المحبوبية لا معنى له أصلا لأنه- مضافا الى كونه خلاف مدعاه من الحكم بالانعقاد و لازمة وجوب الوفاء بالنذر لان المدعى ليس مجرد الاستحباب و الى ان الاستحباب كان ثابتا قبل النذر و الا لا ينعقد النذر لاعتبار الرجحان في متعلقه فالرجحان ثابت في المتعلق مع قطع النظر عن الالتزام النذري و الى ان مقتضى ذلك عدم الاختصاص بخصوص المدعى لان كون الرفع بنحو الرخصة لا العزيمة لا ينحصر بمورد المدعي فإنه في مورد الجهل و عدم العلم يجرى ذلك من دون فرق.

نقول لا يجتمع الانعقاد مع استحباب الوفاء فان مرجع الانعقاد الى وجوب الوفاء بالنذر و هذا كما في البيع و نحوه من المعاملات و العقود و الإيقاعات فإنه لا يجتمع الصحة مع عدم لزوم الوفاء فالدليل لا ينطبق على مدّعاه أصلا.

ثم ان مقتضى ما ذكرنا من حكومة القاعدة على مثل دليل وجوب النذر أيضا انه لو عرض الحرج في الأثناء يوجب ذلك سقوط

التكليف بوجوب الوفاء بالإضافة إلى الباقي و مقتضى ما ذكره السيد- قده- انه لو كان عالما من الأوّل بعروض الحرج في الأثناء عدم السقوط كما لا يخفى.

الأمر الثاني في مبدأ المشي أو المشي حفاء و منتهاه فنقول:

امّا المبدء فلم يرد فيه رواية و نص خاص و اختلفت الفتاوى و الآراء فيه على أقوال:

1- القول بكون المبدء بلد النّذر و اختاره صاحب الشرائع و حكى عن المبسوط و التحرير و الإرشاد.

2- القول بكونه بلد الناذر و هو المحكي عن ظاهر القواعد و الدروس و غيرهما و عن الحدائق الميل إليه.

3- أقرب البلدين الى الميقات و في الجواهر نسبه الى القول من دون أن يعرف قائله و في المسالك: «هو حسن ان لم يدل العرف على خلافه».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 498

..........

______________________________

4- ما في محكي كشف اللثام من انه يمكن القول بأنه من اىّ بلد يقصد فيه السفر الى الحجّ لتطابق العرف و اللغة فيه. و المراد من مساعدة اللغة ما عرفت في أوّل كتاب الحج من انه في اللغة بمعنى القصد فينطبق على اىّ بلد كذلك.

5- القول بأنه أوّل أفعال الحج و في الجواهر: «انه الأصح» و الوجه فيه- كما فيها- ان المشي في قوله للّٰه على ان أحج ماشيا حال من الحج و الحج اسم لمجموع المناسك المخصوصة فلا يجب المشي إلّا حاله.

6- ما اختاره في العروة من انه مع عدم التعيين و الانصراف ان كانت العبارة هي قوله: للّٰه على ان أحجّ ماشيا فالمبدأ أوّل أفعال الحج و ان كانت قوله:

للّٰه على ان امشى إلى بيت اللّٰه أو مثله فالمبدأ حين الشروع في السّفر.

و اما ما في المتن

من ان المبدء تابع للتعيين و لو انصرافا فهل المراد منه انه لا يمكن الخلو عن التعيين و لو انصرافا غاية الأمر انه لا بد من ملاحظة المنصرف اليه و انه أيّ شي ء و من أيّ مكان أو انه يمكن الخلو منهما و لكنه لم يقع التعرض لحكمه في المتن كما قد وقع التعرض له في عبارة السيّد و الوجه في الأوّل انه لا يتصور الإبهام و الإجمال بالإضافة إلى نفس الناذر مع ان حقيقة النذر عبارة عن التزامه، كما ان الوجه في الثاني إمكان أن يكون الالتزام مقصورا على ما هو مفاد اللفظ و مدلول الصيغة من دون زيادة و نقصان.

و كيف كان فالظاهر ان المبدء ما ذكره في كشف اللثام من دون فرق بين العبارتين اللتين وقع التفصيل بينهما في العروة فإنه لا فرق بنظر العرف بين أن يقول الناذر: للّٰه علىّ أن أزور مشهد الرّضا- عليه آلاف التحية و الثناء- ماشيا أو يقول: للّٰه على أن أمشي إلى زيارته- عليه السّلام- كذلك و المراد من كليهما هو محلّ الشروع لسفر الزيارة فهذا الوجه هو الظاهر.

و اما المنتهى فمع عدم التعيين فالمنسوب الى المشهور انه طواف النساء و اختار السيد في العروة أنه رمى الجمار و قيل- من دون أن يعرف قائله: هي الإفاضة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 499

..........

______________________________

من عرفات.

وجه الأول ان طواف النساء و ان كان خارجا من الحج و ليس من اجزائه الّا انه بنظر العرف يكون معدودا من اجزائه و لا محالة يكون مشمولا للالتزام النذري.

و وجه الثاني جملة من الروايات الصحيحة التي منها رواية إسماعيل بن همام عن أبي الحسن الرضا- عليه

السّلام- قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام-: في الذي عليه المشي في الحج إذا رمى الجمرة زار البيت راكبا و ليس عليه شي ء. «1»

و رواية جميل قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام-: إذا حججت ماشيا و رميت الجمرة فقد انقطع المشي. «2»

و رواية علي بن أبي حمزة عن أبى عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال سألته متى ينقطع مشى الماشي قال إذا رمى الجمرة العقبة و حلق رأسه فقد انقطع مشيه فليزر راكبا. «3»

و غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك.

و اما القول بان المنتهى هي الإفاضة من عرفات فمستنده هي رواية يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- متى ينقطع مشى الماشي؟ قال: إذا أفضت من عرفات. «4» قال في الوسائل بعد نقل الرواية: «أقول: ينبغي حمله على من أفاض و رمى لما مرّ و يمكن الحمل على التطوع بالمشي و عدم وجوبه بنذر و شبهه».

و على تقدير عدم صحة شي ء من الحملين تكون الرواية معرضا عنها لما مرّ من انه لم يعرف القائل بمفادها، و اما الروايات المتقدمة فحيث انه لم يثبت اعراض المشهور عنها لعدم ثبوت الشهرة فاللازم الأخذ بمفادها و الفتوى على طبقها كما في المتن.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج الباب الخامس و الثلاثون ح- 3

(2) ئل أبواب وجوب الحج الباب الخامس و الثلاثون ح- 2

(3) ئل أبواب وجوب الحج الباب الخامس و الثلاثون ح- 4

(4) ئل أبواب وجوب الحج الباب الخامس و الثلاثون ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 500

[مسألة 10- لا يجوز لمن نذره ماشيا أو المشي في حجه أن يركب البحر و نحوه]

مسألة 10- لا يجوز لمن نذره ماشيا أو المشي في حجه أن يركب البحر و نحوه، و لو اضطر اليه

لمانع في سائر الطرق سقط، و لو كان كذلك من الأول لم ينعقد، و لو كان في طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور الا بالمركب يجب أن يقوم فيه على الأقوى. (1)

______________________________

و الاشكال في دلالتها بعدم التعرض فيها لجمرة العقبة عدا الرواية الأخيرة التي لا تكون معتبرة من حيث السند مدفوع بان التعرض في كثير منها لزيارة البيت راكبا قرينة على كون المراد هي تمامية أعمال منى بسبب رمى الجمار بحيث كان المراد العود إلى مكة للطّواف فلا مناقشة فيها من حيث الدلالة و كونها مخالفة للقاعدة المقتضية للعمل بالنذر ممنوع أوّلا لأن المفروض عدم التعيين من ناحية الناذر بالإضافة إلى المنتهى و ثانيا ان المخالفة للقاعدة لا تقدح في لزوم العمل بالرواية و الفتوى على طبقها كما لا يخفى.

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لأمرين: الأوّل: انه لو نذر الحج ماشيا أو المشي في حجه كما انه لا يجوز له أن يركب السيّارة و الطيّارة و الخيل و البغال و الحمير و أشباهها كذلك لا يجوز أن يركب البحر و يسافر من طريقه لمنافاته للمشي الذي هو متعلق النذر أو قيده فان مثل السفينة و الركوب عليها يكون من أقسام الركوب المغاير للمشي و هذا ظاهر.

نعم لو اضطر الى طريق البحر لمانع في سائر الطرق سقط وجوب الوفاء بالنذر و ظاهر المتن و ان كان هو السقوط مطلقا الّا ان اللازم تقييده بما إذا كان الحج واجبا فوريا في ذلك العام كما إذا نذر المشي في طريق حجة الإسلام التي تكون واجبة عليه أو نذر الحج ماشيا مقيدا بهذه السنة و امّا إذا كان المنذور هو الحج ماشيا من غير تقييد بهذه

السنة- و قد عرفت ان الحكم فيه هو جواز التأخير إلى الاطمئنان بالموت أو الفوت فالظاهر ان وجود المانع في سائر الطرق في هذا العام لا يوجب سقوط وجوب المشي كما انه إذا نذر المشي في حج التطوع أو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 501

..........

______________________________

في حج واجب غير فوري لا يجوز السفر من طريق البحر و لو مع وجود المانع في سائر الطرق كذلك بل اللازم الانتظار و التأخير إلى زمان رفع المانع و لعلّ التعبير بالاضطرار في المتن يستفاد منه ما ذكرنا من التقييد.

و لو كان المانع موجودا من الأوّل لم ينعقد النذر و ان كان الناذر جاهلا به لاعتبار التمكن من المتعلق في انعقاد النذر و صحته و يمكن القول بعدم الانعقاد في الفرض الأوّل أيضا لأن القدرة المعتبرة إنما هي القدرة حال الوفاء لا حال النذر و الالتزام و عروض المانع يكشف عن عدم التمكن كذلك فلا ينعقد من الأول.

الثاني في النذر المذكور لو كان في طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور الّا بالمركب ففي المتن- تبعا للمشهور- وجوب القيام فيه و عدم جواز الجلوس و اختار السيد- قده- في العروة عدم الوجوب و مستند المشهور ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه- عليهم السّلام- ان عليّا- عليه السّلام- سئل عن رجل نذر أن يمشى الى البيت فعبر في المعبر، قال: فيلقم في المعبر قائما حتى يجوزه. «1» و المعبر- بكسر الميم- هي السفينة التي يركب عليها في البحر و نحوه.

و لكنه أورد عليه في العروة بضعف السند مع ان الظاهر اعتباره لوثاقة السكوني بالتوثيق الخاص و النوفلي الراوي عنه بالتوثيق العام و

على تقدير الضعف فهو منجبر باستناد المشهور اليه و الفتوى على طبقه خصوصا مع كون الحكم فيه على خلاف القاعدة سواء كان مورد السؤال فيه هو نذر المشي في جميع الطريق حتى ما فيه من الشطوط و الأنهار أو كان مورد السؤال هو نذر المشي في جميع أجزاء الطريق ما عدي الشطوط و الأنهار.

اما على الفرض الأوّل فالظاهر عدم انعقاد النذر مطلقا أو في خصوص ما ذكر من الشطوط و الأنهار لفرض عدم التمكن من العبور عنها الّا بالمعبر و المركب و لا

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج الباب السابع و الثلاثون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 502

[مسألة- 11 لو نذر الحج ماشيا فلا يكفى عنه الحج راكبا]

مسألة- 11 لو نذر الحج ماشيا فلا يكفى عنه الحج راكبا فمع كونه موسعا يأتي به، و مع كونه مضيقا تجب الكفارة لو خالف دون القضاء و لو نذر المشي في حج معين و اتى به راكبا صح و عليه الكفارة دون القضاء، و لو ركب بعضا دون بعض فبحكم ركوب الكل. (1)

______________________________

يمكن ان يتحقق المشي بالإضافة إليهما و بعد عدم الانعقاد لا يبقى وجه لوجوب القيام عليه في المعبر.

و اما على الفرض الثاني فهما خارجان عن دائرة متعلق النذر فلا مجال أيضا لوجوب القيام فيه فالرواية على كلا التقديرين مخالفة للقاعدة لكن استناد المشهور إليها يوجب الفتوى على طبقها و الحكم بلزوم القيام.

ثم انه ذكر السيد- قده- في العروة بعد الحكم بضعف الرواية ان التمسك بقاعدة «الميسور» لا وجه له و على فرضه فالميسور هو التحرك لا القيام.

و مراده ان «المشي» يشتمل على خصوصيات ثلاثة: كون الرجلين على الأرض و القيام و التحرك فإذا صار الأوّل معسورا فالميسور و

هو الأمر ان الآخران لا يسقط بسقوطه فمراده من القيام المنفي هو القيام فقط لا القيام مطلقا.

لكن المهم في عدم جريان القاعدة المزبورة- على فرض تماميتها و سعة دائرة شمولها- ان القيام و لو كان مع التحرك لا يكون ميسورا للمشي أصلا فإن القيام كذلك في السفينة مع كون التحرك الى المقصد و القرب اليه انما يتحقق بها و لا أثر للتحرك فيها قائما بوجه بالإضافة إليه فهو لا يكون ميسورا للمشي أصلا بنظر العرف و لكن بعد تمامية الاستدلال بالرواية لا حاجة الى القاعدة بوجه فالأقوى ما في المتن.

(1) الكلام في ركوب الكلّ في الفروض الثلاثة المذكورة في المتن يقع من جهتين: تارة من جهة القضاء و الكفارة و اخرى من جهة صحة الحج الذي أتى به راكبا و بطلانه.

اما الكلام من الجهة الأولى ففي الفرض الأوّل الذي يكون النذر موسعا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 503

..........

______________________________

غير مضيق لا يتحقق الوفاء بالنذر بالحجّ راكبا بل يجب عليه الإتيان به بعده من دون أن يتحقق بسببه موجب الكفارة أو القضاء.

و في الفرض الثاني الذي يكون النذر مضيقا و مقيدا بالسنة التي أتى فيها بالحج راكبا لا إشكال في ثبوت الكفارة لتحقق المخالفة العمدية للنذر و ثبوت الحنث و اما القضاء فحكم بوجوبه السيد- قده- في العروة و لكنه نفاه في المتن و في الحاشية عليها مع انه حكم بوجوب القضاء فيما لو نذر الحجّ مقيدا بسنة خاصة و لم يأت به فيها مع التمكن و القدرة و لم يعلم وجه الفرق بين المقامين فإنه في كليهما تحققت المخالفة للنذر و لذا حكم بثبوت الكفارة و مع تحقق المخالفة يكون

مقتضى الدليل ثبوت القضاء و دعوى ان الفرق هو عدم الإتيان بمتعلق النذر هناك أصلا لأن المفروض ترك الحج رأسا في الزمان الخاص الذي أراده و الإتيان بذات المقيد هنا و هو أصل الحج غاية الأمر عدم رعاية قيده و هو المشي و في الحقيقة قد روعي هنا أمران:

أصل العمل و الزمان الخاص الذي قيده به و ترك قيده الأخر و هو المشي مدفوعة بعدم اقتضاء ما ذكر لنفى وجوب القضاء بعد عدم تحقق متعلق النذر فتدبر.

و في الفرض الثالث الذي يكون متعلق النذر نفس المشي في حج معين كحجة الإسلام- مثلا- إذا أتى بالحج المزبور راكبا يتحقق مخالفة النذر عمدا و هي توجب الكفارة و اما القضاء فلا مجال لوجوبه لكون الحج خارجا عن دائرة المتعلق لأن المنذور مجرد المشي و المفروض تحقق الحج المعين فلا وجه لوجوب القضاء الّا على تقدير كون الحكم الوضعي فيما أتى به هو البطلان و سيأتي البحث فيه إنشاء تعالى اللّٰه.

و اما من الجهة الثانية فلم يقع التعرض لها في المتن إلا في خصوص الفرض الأخير و حكم فيه بالصحة و الوجه فيه ان المشي الذي تعلق به النذر تارة يكون المراد به هو خصوص المشي في الطريق و قبل الميقات كما إذا نذر ان يمشى إلى المدينة في طريق حجة الإسلام و اخرى يكون المراد به أعم منه و من المشي حال الاعمال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 504

..........

______________________________

و الإتيان بالمناسك.

ففي الصورة الاولى لا يكون اىّ ارتباط بين الركوب الذي تتحقق به مخالفة النذر و بين حجة الإسلام التي هي عبارة عن الاعمال و المناسك المخصوصة التي شروعها في الفرض المذكور

من مسجد الشجرة و لا مجال في هذه الصورة لتوهم البطلان في الحج لأن العبادة لا دخل لها في مخالفة النذر بوجه و هذا من الوضوح بمكان و قد صرّحوا بان الركوب على الدابة الغصبية لا يضر بالحج أصلا.

و في الصورة الثانية ربما يتخيل البطلان نظرا الى ان الأمر بالوفاء بالنذر يقتضي النهي عن ضده و هو يقتضي الفساد و لكن يدفعه- مضافا الى منع اقتضاء الأمر بالشي ء للنهى عن ضده- انه على تقدير الاقتضاء يكون المنهي عنه هو الركوب في حال الحج لا نفس الحج حتى يكون النهى متعلقا بالعبادة فتصير فاسدة و من الواضح ان الركوب أمر و العبادة آمر أخر و لا تسرى الحرمة منه إليها فالحكم في هذه الصورة أيضا الصحة كما هو ظاهر.

و اما الفرضان الأولان فربما يتخيل البطلان فيهما نظرا الى ان المنوي هو الحج النذري و هو لم يقع و غيره لم يقصد.

و أجاب عنه السيد- قده- في العروة بأن الحج في حد نفسه مطلوب و قد قصده في ضمن قصد النذر و هو كاف الا ترى انه لو صام أيّاما بقصد الكفارة ثم ترك التتابع لا يبطل الصيام في الأيام السابقة أصلا و انما تبطل من حيث كونها صيام كفارة، و كذا إذا بطلت صلاته لم تبطل قرائته و أذكاره التي اتى بها من حيث كونها قرآنا أو ذكرا.

أقول اما الفرض الأول فان لم يكن من نيته الوفاء بالنذر بالحج الذي اتى به راكبا بل قصده الوفاء به في بعض السنين الآتية و المفروض كونه موسعا غير مضيق فلا يجرى فيه ما ذكر من ان ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد لأنه- حينئذ- لم

ينو الوفاء بالنذر به. و ان كان قصده الوفاء بالنذر بالحج راكبا- و الظاهر انه المقصود من هذا الفرض لا الصورة الاولى و لأجله لا مجال للإشكال على السيد بان تنظير المقام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 505

..........

______________________________

بصوم الكفارة في غير محله لان المفروض انه لم يأت بالحج راكبا بداعي الوفاء بالنذر بخلاف الصوم- و كيف كان:

فان كان قصده الوفاء بالنذر بالحج راكبا يكون هنا عنوانان: أحدهما عنوان الوفاء بالنذر الذي يكون متعلقا للوجوب و واجبا توصليا غاية الأمر كونه من العناوين القصدية كما مرّ سابقا و ثانيهما عنوان الحج الذي يكون متعلقا للأمر الاستحبابي العبادي و لا يسرى حكم أحد العنوانين الى الأخر أصلا و مجرد قصد تحقق عنوان الوفاء بالحج مع كون الحج مقصودا بعنوانه و مأتيا به إتيان عبادة مستحبة لا يوجب ان يكون المقصود غير واقع و الواقع غير مقصود نعم ما هو غير الواقع عبارة عن الوفاء بالنذر الذي قد قصده لانه لا ينطبق على المأتي به و اما الحج المقصود بعنوانه و مأتيا به بعنوان انه عبادة مستحبة فلا وجه لعدم وقوعه بعد عدم خلل فيه أصلا فلا وجه للحكم بالبطلان فيه.

و اما الفرض الثاني الذي يكون النذر مقيدا بسنة خاصة فالحكم بصحة الحج راكبا فيها و عدمها يبتنى على ما مر في المسألة الأخيرة من الفصل السابق المتعرضة لحكم من اتى بالحج تطوعا أو نيابة عن الغير- تبرعا أو إجارة- مع استقرار الحج عليه و علمه بالاستقرار و بحكمه مع التمكن من الحج فان قلنا في تلك المسألة بالصحة- كما اخترناها و اخترنا صحة الاستيجار عليه- فاللازم الحكم بالصحة في المقام لعدم

الفرق بين المسألتين من هذه الجهة، و ان قلنا فيها بالبطلان- كما نفى البعد عنه سيدنا الأستاذ الماتن- قدس سره الشريف و اختار أيضا بطلان الإجارة- فاللازم الحكم بالبطلان في المقام أيضا إذا كان البطلان هناك مستندا الى اقتضاء القاعدة له و اما إذا كان مستندا الى خصوص بعض ما في الحجّ كالرواية الواردة هناك- بناء على دلالتها على البطلان- فلا يستلزم ذلك الحكم بالبطلان هنا، و ظاهر المتن هنا الصحة باعتبار نفى وجوب القضاء فإنه لو كان الحج راكبا باطلا لكان اللازم وجوب القضاء كما لا يخفى.

بقي الكلام في أصل المسألة فيما وقع التعرض له في الذيل و هو ما لو ركب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 506

..........

______________________________

بعضا دون بعض و الظاهر انه لا اشكال و لا خلاف في ترتب حكم ركوب الكل عليه من جهة لزوم القضاء و الكفارة في مورد ثبوتهما إنما الاشكال و الخلاف في كيفية القضاء و انه هل اللازم فيه المشي في جميع أجزاء الطريق كما في ركوب الكل أو يكفي المشي في موضع الركوب فقط كما عن الشيخ و جماعة من الأصحاب، و المحكي عن العلامة في «المختلف» الاستدلال له بان الواجب عليه قطع المسافة ماشيا و قد حصل بالتلفيق فيخرج عن العهدة ثم أجاب عنه بالمنع من حصوله مع التلفيق.

و الظاهر هو القول الأول لأن المنذور بحسب نظر الناذر و ما هو المتفاهم عند العرف قطعها كذلك في عام واحد.

ثم انه ورد في مشى بعض الطريق رواية معتبرة لا بد من ملاحظتها و هي رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السّلام قال سأله عباد بن عبد اللّٰه البصري

عن رجل جعل للّٰه عليه نذرا على نفسه المشي إلى بيت اللّٰه الحرام فمشى نصف الطريق أو أقل أو أكثر فقال: ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فيتصدق به. «1»

و السؤال في نفسه مجمل محتمل لان يكون المراد منه هو مشى المقدار المذكور- نصفا أو أقل أو أكثر- مع الركوب في الباقي و لان يكون المراد منه هو الموت بعد المشي بالمقدار المذكور و لا ترجيح لأحد الاحتمالين على الآخر.

و لكن ظاهر الجواب بلحاظ كون الأفعال الواقعة فيه بصورة المبني للمفعول ظاهرا و هو لا ينطبق الا على موت الناذر و بلحاظ كون ظاهره لزوم التصدق بجميع ما ينفق من ذلك الموضع الذي انقطع منه المشي- أعم مما ينفق في بقية الطريق و ما ينفق في الأعمال و المناسك- و هو لا يلائم إلا مع الموت يقتضي كون المراد من السؤال هو الاحتمال الثاني و مرجعه إلى بدلية التصدق عن الحج و يؤيده بعض الروايات المتقدمة المشتملة على لزوم صرف التركة التي اوصى بها للحج الذي

______________________________

(1) ئل أبواب النذر الباب الواحد و العشرون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 507

[مسألة- 12 لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره يجب عليه الحج راكبا مطلقا]

مسألة- 12 لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره يجب عليه الحج راكبا مطلقا، سواء كان مقيدا بسنة أم لا، مع اليأس عن بعدها أم لا، نعم لا يترك الاحتياط بالإعادة في صورة الإطلاق مع عدم اليأس من المكنة، و كون العجز قبل الشروع في الذهاب إذا حصلت المكنة بعد ذلك، و الأحوط المشي بالمقدار الميسور بل لا يخلو عن قوة، و هل الموانع الأخر كالمرض أو خوفه أو عدو أو نحو ذلك بحكم العجز أولا وجهان

و لا يبعد التفصيل بين المرض و نحو العدو باختيار الأول في الأول و الثاني في الثاني. (1)

______________________________

ظاهره حج التمتع مع عدم سعتها لها و كونها يسيرة في الصدقة مع عدم إمكان حج الافراد بها في مقابل فتوى بعض فقهاء العامة القائل بلزوم التصدق بمجرد عدم السعة للحج الموصى به و عليه فالظاهر من الرواية غير ما هو محل البحث في المقام و هو ركوب بعض الطريق و مشى البعض الأخر.

و يؤيد كون المراد من السؤال هو الموت هو ان السائل سئل عن قضية واقعة في الخارج و لا مجال لحملها على كون الرجل الناذر قد مشى المقدار المذكور و انصرف عن البقية و عن فعل الحج رأسا كما انه لا مجال لحملها على تحقق الركوب منه في الباقي و تحقق اعمال الحج منه لانه لا يناسب لزوم صرف مقدار النفقة المصروفة خارجا في بقية الطريق و الاعمال في التصدق فينحصر ان يكون المراد هو الموت بعد تحقق المشي بالمقدار المذكور.

ثم انه على الاحتمال الأخر تكون الرواية ساقطة عن الاعتبار لان مفادها معرض عنه عند الأصحاب فتخرج عن الحجية.

(1) في أصل المسألة و هو ما لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره أقوال خمسة ذكرها السيد- قده- في العروة:

الأول وجوب الحج عليه راكبا مع سياق بدنة، نسب هذا القول الى الشيخ و جماعة، و عن الخلاف دعوى الإجماع عليه.

الثاني وجوبه كذلك بلا سياق. و هو المحكي عن المفيد و ابن الجنيد و ابن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 508

..........

______________________________

سعيد و الشيخ في نذر الخلاف، و في محكي كشف اللثام انه يحتمله كلام الشيخين و القاضي و نذر النهاية و

المقنعة و المهذب.

الثالث سقوطه إذا كان الحج مقيدا بسنة معينة أو كان مطلقا مع اليأس عن التمكن بعد ذلك، و توقع المكنة مع الإطلاق و عدم اليأس، و قد حكى هذا القول عن الحلي و العلامة في الإرشاد و المحقق الثاني في حاشية الشرائع.

الرابع وجوب الركوب مع تعيين السنة أو اليأس في صورة الإطلاق، و توقع المكنة مع عدم اليأس، نسب إلى العلامة في المختلف و حكى عن ظاهر المسالك و الروضة.

الخامس وجوب الركوب إذا كان بعد الدخول في الإحرام، و إذا كان قبله فالسقوط مع التعيين، و توقع المكنة مع الإطلاق و قد اختاره في المدارك.

و ذكر السيد بعد نقل الأقوال ان مقتضى القاعدة هو القول الثالث و لكن مقتضى الجمع بين الروايات الواردة هو القول الثاني و هو الذي اختاره الماتن- قدس سره الشريف- و عليه فاللازم البحث من جهتين:

الاولى فيما تقتضيه القاعدة و في هذه الجهة ان كان النظر مقصورا على مسألة النذر و شروط انعقاده و صحته فالحق ما افاده السيد- قده- من ان مقتضى القاعدة هو القول الثالث لكن مع تبديل كلمة «السقوط» في الفرضين الأولين بعدم الانعقاد و الكشف عنه لان ما هو المعتبر في صحة النذر و انعقاده هي القدرة الواقعية على الإتيان بالمتعلق و الوفاء بالنذر في ظرف العمل و الوفاء فمع تحقق القدرة بهذه الكيفية ينعقد النذر و يصح و لو كان عاجزا حال الصيغة و الالتزام و مع عدم تحققها كذلك لا يكاد ينعقد و لو كان قادرا حال النذر كما ان المعتبر هي القدرة الواقعية و العلم بها حال النذر لا دخل له في الانعقاد كما ان الجهل بها لا يقدح فيه بعد انكشاف

الخلاف و ظهور تحقق القدرة.

و على ما ذكرنا فمقتضى القاعدة في صورة العجز عن المشي الكشف عن البطلان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 509

..........

______________________________

و عدم الانعقاد فيما إذا كان مقيدا بسنة معينة أو كان مطلقا مع اليأس عن التمكن لا السقوط بعد الانعقاد هذا لو قصرنا النظر على مسألة النذر فقط و كان المراد بالعجز ما ينافي القدرة العقلية المعتبرة في النذر لا ما يعم التعب و الحرج غير المنافي معها و الّا فلا يكون مقتضى القاعدة البطلان بالإضافة الى جميع الموارد و اما مع ملاحظة الخصوصية الموجودة في الحج و هي لزوم الإتمام بعد الشروع الثابت بقوله تعالى:

«وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» و بالإجماع عليه و لأجله يصير الحج التطوعى لازما بمجرد الشروع فاللازم ان يقال بأنه إذا كان العجز عن المشي بعد الدخول في الإحرام فاللازم- بمقتضى وجوب الإتمام- الحج راكبا و بهذه الملاحظة يصير مقتضى القاعدة هو القول الخامس مع تصحيحه بتبديل كلمة «السقوط» كما ذكرنا.

الثانية فيما تقتضيه الروايات الواردة في المقام و هي على ثلاث طوائف:

الأولى ما تدل على وجوب الحج راكبا بضميمة سياق بدنة كصحيحة ذريح المحاربي قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل حلف ليحجنّ ماشيا فعجز عن ذلك فلم يطقه قال: فليركب و ليسق الهدى. «1» بناء على عموم الحلف للنذر أو ظهور اشتراكهما في مثل هذه الاحكام.

و صحيحة الحلبي قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- رجل نذر ان يمشى إلى بيت اللّٰه و عجز عن المشي قال فليركب و ليسق بدنة فان ذلك يجزى عنه إذا عرف اللّٰه منه الجهد. «2» و التعليل يدل على ان العجز

عن المشي لا يكشف عن عدم انعقاد النذر من رأس و لا يوجب عروض البطلان له بسبب العجز بل هو باق على صحته غاية الأمر ان العجز يوجب الانتقال الى الحج راكبا مع تحقق الجهد منه بحسب الواقع و يلزم سوق بدنة أيضا و عليه فالحج راكبا يقع وفاء للنذر و موافقة لوجوبه في صورة العجز عن المشي و عليه فلا مجال لاحتمال كون مفاد الرواية بطلان النذر المستلزم لعدم وجوب

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح- 2

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 510

..........

______________________________

الوفاء به و كون وجوب الحج راكبا امرا تعبديا غير مرتبط بالنذر أصلا لأن التعبير بالاجزاء لا يلائم هذا الاحتمال بوجه الثانية ما تدل على وجوب الحج راكبا من دون تعرض لوجوب سوق بدنة مثل صحيحة رفاعة بن موسى قال قلت لأبي عبد اللّٰه- ع- رجل نذر ان يمشى إلى بيت اللّٰه قال: فليمش، قلت فإنه تعب قال فإذا تعب ركب. «1».

و ما رواه احمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن محمد بن مسلم عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته عن رجل جعل عليه مشيا الى بيت اللّٰه فلم يستطع، قال: يحج راكبا. «2» فان السكوت في مقام البيان ظاهر في عدم وجوب سياق الهدى كما لا يخفى الثالثة ما تدل على وجوب الحج راكبا و استحباب الذبح و هي ما رواه البزنطي عن عنبسة بن مصعب قال: قلت له- يعني لأبي عبد اللّٰه- ع- اشتكى ابن لي فجعلت للّٰه علىّ ان هو بري ء ان أخرج الى مكة

ماشيا، و خرجت امشى حتى انتهيت إلى العقبة فلم أستطع أن أخطو فيه فركبت تلك الليلة حتى إذا أصبحت مشيت حتى بلغت فهل علىّ شي ء؟ قال: فقال لي: اذبح فهو أحب الى قال: قلت له: أي شي ء هو الىّ لازم أم ليس لي بلازم؟ قال: من جعل للّٰه على نفسه شيئا فبلغ فيه مجهوده فلا شي ء عليه و كان اللّٰه أعذر لعبده. «3» و ظهور الرواية في الاستحباب خصوصا بملاحظة ذيلها لا يكاد يخفى. كما ان الظاهر اعتبارها من حيث السند و ان عنبسة موثق اما بالتوثيق الخاص كما يظهر من صاحب الجواهر أو بالتوثيق العام لأجل وقوعه في اسناد كتاب كامل الزيارات فلا مجال للمناقشة فيه كما عن المدارك و ان كانت عبارتها أيضا لا تدل على عدم الوثاقة.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح- 9

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 511

..........

______________________________

و عليه فهذه الرواية قرينة على حمل الأمر بسياق بدنة في الطائفة الأولى على الاستحباب و عدم كون المراد ما هو ظاهره من الوجوب، و مع قطع النظر عن هذه الرواية لا مجال للحمل المذكور بمجرد السكوت في مقام البيان في الطائفة الثانية- كما استند اليه أيضا السيد في العروة- و ذلك لان السكوت في مقام البيان و ان كان في نفسه حجة و معتبرا الا انه لا ينهض لان يصير قرينة على التصرف في الظهور اللفظي و حمله على غير ما هو ظاهر فيه و لذا اعترض عليه

أكثر الشراح و عليه فيتعين القول الثاني من الأقوال الخمسة الذي اختاره الماتن- قدس سره.

ثم ان الطائفتين الأولتين و ان كان بينهما اختلاف في أنفسهما إلّا أنهما مشتركتان فيما عرفت من عدم كون عروض العجز موجبا لانحلال النذر أو الكشف عن عدم الانعقاد كما عرفت من استفادة ذلك من التعليل الواقع في بعضها و عليه فهما متحدتان في ثبوت الحكم على خلاف القاعدة المقتضية للكشف أو الانحلال- على الأقل- و ان النذر بقوته باق غاية الأمر ان العجز يوجب التبدل الى الركوب و عليه فاللازم بملاحظة لزوم الاقتصار في الحكم المخالف للقاعدة على مقدار دلالة الدليل النظر في الروايات المذكورة من جهة المورد ضيقا أو سعة فنقول:

هنا صور أربعة: إحداها ما هو القدر المتيقن من مورد الروايات و تشمله قطعا و هو ما إذا طرأ العجز في الأثناء بعد الشروع في الوفاء بالنذر و طيّ جزء من الطريق أو الأعمال ماشيا و مقتضى الإطلاق في هذه الصورة عدم الفرق بين ما إذا كان النذر مقيدا بهذه السنة أو مطلقا غير مقيد بها كما ان مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين صورة اليأس من المكنة بعده و صورة عدم اليأس منها و كذلك لا فرق في هذه الصورة بين ما إذا كان قبل الدخول في الإحرام و ما إذا كان بعده لانه على كلا الفرضين يأتي بالحج راكبا فلا ينافي آية الإتمام التي عرفتها.

ثانيتها ما هو المتيقن في جانب النفي و لا تشمله الروايات قطعا و هو ما إذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 512

..........

______________________________

كان عالما حين النذر بعدم التمكن من الوفاء و عدم القدرة على المشي و لو في جزء

من الطريق و كان بحسب الواقع أيضا كذلك فإنه لا مجال في هذه الصورة لتوهم شمول الروايات لها و الحكم فيها بوجوب الحج راكبا و انه يجزى عما هو المنذور و لازمة صحة النذر و لزوم الوفاء به كذلك.

ثالثتها ما تكون مشمولة للروايات بمقتضى الإطلاق الواقع في بعضها و هو ما إذا كان حال النذر و الالتزام معتقدا بالتمكن من المشي و القدرة على المنذور و لكن قبل الشروع انكشف له عدم القدرة رأسا فإن مقتضى إطلاق الطائفة الاولى من الروايات المتقدمة الشمول لها فان قوله: رجل نذر ان يمشى إلى بيت اللّٰه و عجز عن المشي شامل بإطلاقه لها و لا يختص بما إذا كان العجز طارئا بعد الشروع.

رابعتها ما تكون مشكوكة من جهة الشمول و عدمه و هي الصورة التي نهى في المتن عن ترك الاحتياط فيها بالإعادة- اى بصورة المشي- و هي ما كانت مشتملة على الخصوصيات الأربعة: كون النذر مطلقا غير مقيد و لم يكن مأيوسا من المكنة في الآتية، و كون العجز قبل الشروع في الذهاب، و حصول المكنة واقعا بعدا فإنه يمكن فيها دعوى انصراف الروايات عنها كما قد ادعى، و قد علل السيد- قده- لزوم الاحتياط بالإعادة في هذه الصورة باحتمال الانصراف و الظاهر ان مراد المتن و العروة لزوم الجمع بين الحج راكبا و الإعادة ماشيا خصوصا مع ملاحظة التعليل المزبور مع ان دعوى دلالة الروايات على لزوم الشروع في الحج راكبا مع ظهور العجز قبل الشروع و كون النذر مطلقا في غاية البعد حتى فيما إذا كان مأيوسا من المكنة بعدا فضلا عن صورة عدم اليأس كما لا يخفى.

بقي الكلام في أصل المسألة في أمور:

الأول انه

مع القدرة على المشي في بعض الطريق أو بعض الاعمال هل يجب عليه رعاية النذر بالإضافة إلى المقدار الميسور أو ينتقل في الجميع الى الحج راكبا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 513

..........

______________________________

مقتضى الاحتياط اللزومي هو الأول بل قال في المتن: «انه لا يخلو عن قوة» و هو الظاهر، و لا حاجة في الاستدلال له بقاعدة «الميسور» بل يدل عليه بعض الروايات المتقدمة مثل صحيحة رفاعة التي وقع فيها السؤال عن رجل نذر ان يمشى إلى بيت اللّٰه و مقتضى الجواب لزوم المشي ما لم يقع في تعب و ان الانتقال الى الركوب انما هو بعد التعب و عليه فتدل على لزوم رعاية المشي بالمقدار الميسور و هذا من دون فرق بين ان يكون العجز في الابتداء أو في الوسط أو في الآخر و كذا بين ان يكون منشأ العجز اختلاف الطريق من جهة السهل و الجبل أو يكون منشأه عدم القدرة له و يؤيد ما ذكرنا رواية عنبسة المتقدمة الواردة في طي ما عدي العقبة الواقعة في وسط الطريق ماشيا فتدبر الثاني ان المراد من العجز المأخوذ في موضوع الحكم في الروايات و ان كان هو العجز العرفي لا العجز العقلي في مقابل القدرة العقلية المعتبرة في متعلق النذر و انعقاده و ذلك لان المرجع في العناوين المأخوذة في الموضوعات في الكتاب و السنة هو العرف الّا انه مع ذلك لا يختص الحكم به بل يشمل التعب و المشقة أيضا و ذلك لانه و ان وقع التعبير بالعجز في كثير من الروايات المتقدمة الّا انه علق الانتقال الى الركوب في صحيحة رفاعة على مجرد التعب فالمراد من العجز أعم

منه هذا بالنظر الى الروايات.

و اما بالنظر الى القاعدة التي مرّ البحث عن مقتضاها فلا إشكال في ان اقتضائها للبطلان و الكشف عنه انما هو في خصوص فقدان شرطه و هي القدرة العقلية لأن القدرة المعتبرة انما هي هذه القدرة و اما العجز العرفي- فضلا عن التعب و المشقة و الحرج- فلا يكشف عن البطلان باعتبار فقدان الشرط و- ح- يشكل الأمر بناء على حكومة قاعدة نفى الحرج على مثل دليل وجوب الوفاء بالنذر من الاحكام التي يكون لالتزام المكلف و الجعل على نفسه مدخلية في ثبوتها كحكومتها على أدلة الاحكام التي ليست كذلك كأكثر الاحكام مثل وجوب الوضوء و الغسل و نحوهما.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 514

..........

______________________________

وجه الاشكال ان عروض التعب لا يكشف عن كون النذر فاقدا للشرط المعتبر فيها فاللازم الالتزام بانعقاد النذر و صحته و الحكم بعدم وجوب الوفاء بالنذر لأجل حكومة دليل نفى الحرج مع انه لا يكاد يتحقق الجمع بين الصحة و الانعقاد و بين عدم وجوب الوفاء بالنذر كما هو ظاهر نعم لو منعنا الحكومة بالإضافة الى هذه الأدلة لا يتحقق اشكال.

الثالث انه هل يلحق بالعجز عن المشي و التعب المرض أو خوفه أو العدوّ أو نحوها أم لا؟ نفى في المتن- تبعا للسيد- قده- في العروة البعد عن التفصيل بين المرض و نحوه و بين العدو و نحوه باختيار الأول في الأول و الثاني في الثاني و أضاف السيد قوله:

«و ان كان الأحوط الإلحاق مطلقا».

اما وجه التفصيل فهو ان الموانع الراجعة إلى الناذر سواء كانت راجعة إلى الضعف في البدن أو الكسر أو الجرح أو الوجع أو المرض و حتى خوفه مما

يشملها التعبير بالعجز الواقع في كثير من الروايات لانه لا فرق في تحققه بين الأسباب المذكورة و مثلها و اما الموانع الخارجية مثل العدوّ و الثلج الموجود في الطريق فالتعبير بالعجز لا يشمله و لكن ربما يقال بشمول رواية عنبسة المتقدمة له أيضا بالنظر الى قوله- ع- فيها: «فبلغ فيه مجهوده» نظرا الى ان مفاده ان الملاك بلوغ هذا المقدار من الجهد فيشمل جميع الموانع.

و لكن الظاهر انه ليس بظاهر في الشمول خصوصا مع ملاحظة مورد الرواية فالحق- حينئذ- ما في المتن من التفصيل.

و اما ما جعله السيد مقتضى الاحتياط من الإلحاق مطلقا فقد أورد عليه الماتن- قدس سره الشريف- في التعليقة على العروة بعدم كون الإلحاق مقتضى الاحتياط الا في بعض الصور و مراده ما إذا كان النذر مقيدا بهذه السنة و اما في صورة الإطلاق فمقتضى الاحتياط توقع المكنة فيما بعد كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 515

..........

______________________________

هذا تمام الكلام فيما يتعلق بمباحث الحج بالنذر أو العهد أو اليمين و به يتم الجزء الأول من مباحث الحج من هذا الكتاب الذي هو شرح تحرير الوسيلة للإمام الخمينى- قدس سره- و قد وقع الفراغ من تحريره بيد العبد المفتاق محمد الموحدى المعروف بالفاضل اللنكراني ابن العلامة الفقيه آية اللّٰه المرحوم الفاضل اللنكراني حشره اللّٰه مع من يحبه و يتولاه من النبي و الأئمة المعصومين- صلوات اللّٰه عليه و عليهم أجمعين- و أسأل اللّٰه الكريم ان يجعله خالصا لوجهه و ان ينفعني به يوم لا ينفع مال و لا بنون و المرجو من الفضلاء و المشتغلين الإغماض عما يجدونه فيه من النقص و الاشتباه كما ان المرجو من

جميع المراجعين طلب المغفرة و الرضوان للوالد الفقيد و للوالدة العلوية التي لم يمض من ارتحالها الّا ما يقرب من خمسة عشر شهرا فانّ لهما علىّ حقا عظيما لا اقدر على أدائه و كان ذلك ليلة الاثنين ثالث عشر من شهر جمادى الآخرة من شهور سنة- 1411 من الهجرة النبوية على هاجرها آلاف الثناء و التحية و السلام على من اتبع الهدى.

(و الحمد للّٰه أولا و آخرا)

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

الجزء الثاني

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه ربّ العالمين و الصلاة و السّلام على خير خلقه و أشرف بريّته محمد (ص) و على آله الطيبين الطاهرين المعصومين، و اللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

[القول في النّيابة]

اشارة

القول في النّيابة و هي تصحّ عن الميت مطلقا، و عن الحيّ في المندوب و بعض صور الواجب (1).

______________________________

(1) لا يخفى: ان أصل النيابة الرّاجعة إلى كون عمل النائب مضافا الى المنوب عنه و معدودا عملا له، أمر يكون على خلاف القاعدة لا يصار إليه في الأمور العبادية، أعم من الواجبات و المستحبات، خصوصا مع ملاحظة ما يترتب عليها من الآثار، مثل النهي عن الفحشاء و المنكر، أو المعراجية أو المقربية في باب الصلاة، و حصول التقوى في باب الصيام، و غيرهما من الآثار المترتبة على سائر العبادات فان ترتبها انّما هو فيما إذا صدرت من المكلف نفسه، و تحقق منه الصلاة و الصيام و غيرهما، و لا مجال لحصولها من الغير و ترتب الآثار على المنوب عنه.

و عليه، فالنيابة أمر على خلاف القاعدة، تفتقر الى قيام الدليل و نهوض الحجة عليها، فنقول:

لا إشكال نصّا و فتوى في تحققها في باب الحج بالإضافة إلى المنوب عنه، الميت، من دون فرق بين الواجب و المستحب، فإذا استقر الحج على الميت و لم يأت به في زمن حياته، فإنه يجب القضاء عنه بعد الموت، و الإتيان به نيابة عنه،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 14

[مسألة 1 يشترط في النائب أمور الأوّل البلوغ]

مسألة 1- يشترط في النائب أمور: الأوّل: البلوغ- على الأحوط- من غير فرق بين الإجاري و التبرعيّ، بإذن الوليّ أولا، و في صحّتها في المندوب تأمل. الثاني العقل، فلا تصح من المجنون، و لو أدواريّا، في دور جنونه، و لا بأس بنيابة السّفينة. الثالث: الايمان.

الرابع: الوثوق بإتيانه، و امّا بعد إحراز ذلك فلا يعتبر الوثوق بإتيانه صحيحا، فلو علم بإتيانه و شك في انه يأتي به صحيحا،

صحت الاستنابة، و لو قبل العمل على الظاهر، و الأحوط: اعتبار الوثوق بالصحة في هذه الصورة. الخامس: معرفته بأفعال الحج و احكامه و لو بإرشاد معلّم، حال كل عمل. السادس: عدم اشتغال ذمّته بحج واجب عليه في ذلك العام، كما مرّ. السّابع: ان لا يكون معذورا في ترك بعض الاعمال، و الاكتفاء بتبرعه أيضا، مشكل. (1)

______________________________

و كذا الحج المنذور إذا أخلّ بإتيانه مع التمكن، حتى مات، فإنّه يجب القضاء عنه بعد الموت، كما تقدم. و امّا فيما إذا كان المنوب عنه حيّا، فلا إشكال أيضا في صحة النيابة عنه في الحج المندوب، و أما الحج الواجب، كحجة الإسلام، فلا تجري النيابة فيه الّا في بعض الموارد، مثل ما إذا استقر عليه الحج، و لكن منعه عن ذلك هرم أو مرض لا يرجى زواله، فإنه يجب عليه الاستنابة، بمقتضى النص و الفتوى، و قد تقدم البحث عنه في بعض المسائل السّابقة.

(1) لا بد قبل التعرض للأمور المعتبرة في النائب من التنبيه على أمر، و هو:

انه ليس البحث في الأمور المعتبرة في النائب بما أنه نائب و تصحّ منه النيابة، بمعنى انه لا يكون البحث فيما يعتبر في أصل صحة النيابة، ضرورة انه من جملة تلك الأمور ما لا يرتبط بهذه الجهة أصلا، مثل الوثوق بإتيانه، فإنه لا يكون معتبرا في أصل النيابة و صحتّها، بل البحث انّما هو في الأمور المعتبرة في النائب بما انه تصحّ استنابته، ففي الحقيقة، هذه الأمور معتبرة في صحة الاستنابة.

نعم، لا مجال لإنكار مدخلية صحة النيابة في صحّة الاستنابة، و لكنه لا تكون صحة الأولى مستلزمة لصحة الثانية، و لا تكون ملازمة بين الأمرين، فإنه يمكن القول: بأنّه تصحّ نيابة الصبي

المميز غير البالغ في الجملة، كما سيأتي، و لكن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 15

..........

______________________________

لا تصح استنابته، و قد وقع الخلط بين الأمرين في بعض الكلمات نعم، ذكر السيد- قده- في العروة، بعد حكمه باعتبار الوثوق في النائب: ان الظاهر كون هذا الأمر معتبرا في جواز الاستنابة لا في أصل النيابة. و هذا الكلام يدل على: ان المراد هي الشرائط و الأمور المعتبرة في النائب، مع قطع النظر عن الاستنابة، و لكن ظاهر مثل المتن، مما لم يقع فيه التعرض لما ذكره السيّد ما ذكرنا، فتدبّر.

و كيف كان، فالمعتبر في النائب على ما في المتن أمور سبعة.

الأمر الأوّل: البلوغ، فلا تصح نيابة الصبي، سواء كان غير مميز أم مميزا، امّا الأوّل فواضح، لعدم تحقق القصد و الالتفات منه بعد فرض كونه غير مميز، و امّا الثاني، فالمحكي عن المشهور: عدم صحة نيابته، و لكنه جعله في المتن تبعا للعروة، مقتضى الاحتياط اللزومي.

و استدل لاعتباره، تارة: بعدم كون عبادات الصبي شرعية صحيحة، بل هي تمرينيّة. و عليه، فلا تصح نيابته بعد عدم وقوع العبادة الصادرة منه، متصفة بالمشروعية و الصحة. و اخرى: بعدم الوثوق بصدور العبادة منه بعد عدم توجه تكليف لزومي اليه، و لو من ناحية عقد الإجارة، و ان كان بإذن الوليّ.

و الجواب عن الأوّل: ان مقتضى التحقيق- كما حققناه في كتابنا في القواعد الفقهية- صحة عبادات الصبي و شرعيتها و استحبابها، غاية الأمر! عدم تعلق اللزوم و الوجوب بها، فلا فرق بينه و بين البالغ من جهة الصحة و المشروعية.

و عن الثّاني: انه لو كان الوجه في اعتبار البلوغ عدم الوثوق بصدور العمل المنوب فيه عنه، لما

كان وجه لجعل البلوغ شرطا مستقلا في مقابل شرطية الوثوق، الذي هو الأمر الرابع، من الأمور المعتبرة في النائب، فإن الظاهر كونهما أمرين مستقلين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 16

..........

______________________________

غير مرتبطين.

مع انه على هذا التقدير يكون الدليل أخص من المدعى، لأنّه قد يتحقق الوثوق بالصدور لا من جهة التكليف، بل من بعض الجهات الروحية و الأخلاقية.

و العمدة في الاستدلال، بعد ثبوت مقدمة، و هي عدم شمول أدلة الاستنابة في الحج للصبي، و لو بالإطلاق، و عدم ثبوت الانصراف الى البالغ، على تقدير الإطلاق: ان مرجع صحة الاستنابة الى أجزاء العمل الصادر من النائب عن المنوب عنه و مدخليته في براءة ذمته بعد ثبوت الاشتغال لها، و هذا يحتاج الى نهوض دليل عليه، و بدونه- كما هو المفروض- يكون مقتضى الأصول بقاء الاشتغال، و عدم حصول الفراغ للمنوب عنه بسبب فعل النائب. و قد عرفت: انه لا ملازمة بين صحة النيابة و صحة الاستنابة، و عليه، فما في أكثر الكتب- سيّما شروح العروة- من الاستدلال بأدلة صحة النيابة، لا يثبت المطلوب، فان شمول أدلة المستحبات للصبي، بناء على القول بشرعية عبادات الصبي، و منها: أدلة استحباب النيابة، لا يقتضي جواز استنابته أيضا، بل لا بدّ في ذلك من مراعاة أدلة الاستنابة و ملاحظتها، فنقول:

منها ما ورد في استنابة الحيّ، الذي استقر عليه حجة الإسلام و لا يقدر على الإتيان به بالمباشرة، لهرم أو مرض لا يرجى زواله، من انه يجهّز رجلا ليحجّ مكانه، فان التعبير بالرجل، و ان كان يحتمل فيه إلغاء الخصوصية، مثل ما ورد في أدلة الشكوك في الصلاة، من قوله: رجل شك بين الثلاث و الأربع مثلا،

الّا انه لا مجال لدعوى إلغاء الخصوصية في المقام بعد كون أصل الحكم على خلاف القاعدة، و كذا يحتمل ان يكون في مقابل المرأة فقط، فيدل على عدم جواز استنابة المرأة في ذلك، إلّا ان الظاهر مدخلية هذا العنوان، و هو كما لا يصدق على المرأة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 17

..........

______________________________

كذلك لا يصدق على الصبي، و دعوى: انه لا فرق عند العرف بين من بلغ و بين من بقي إلى بلوغه خمس دقائق- مثلا- في صدق عنوان الرجل عليه. مدفوعة: بوجود الفرق عندهم، و ان التعبير بالرجل انّما هو في موارد تحقق البلوغ، فلا وجه لما يقال:

من أنه كيف يمكن الفرق بين من بلغ بالاحتلام- مثلا- قبل السّن و بين من هو أزيد سنّا منه، و لكنه لم يتحقق البلوغ له، لأجل كون بلوغه بالسن؟ و الظاهر عدم صدق الرجل المذكور في الدليل للصبي، و على تقدير الشك، لا مجال للاستدلال به أيضا، بل اللازم الرجوع الى مقتضى الأصل الذي ذكرنا.

و مثلها: ما ورد في الاستنابة عن الميت، مثل مرسلة أبي بصير عمّن سأله، قال:

قلت: له رجل اوصى بعشرين دينارا في حجّة؟ فقال: يحجّ له رجل من حيث يبلغه. «1»

بالجملة: لا دليل على جواز الاستنابة للصبي، و ان كان جواز نيابته في الحج ممّا يمكن الاستدلال عليه بالأدلة العامّة، الواردة في النيابة الشاملة للصبي و ببعض الأدلة الخاصّة، مثل موثقة معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام-: ما يلحق الرجل بعد موته؟ قال: .. و الولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما، و يحج و يتصدق و يعتق عنهما، و يصلي و يصوم عنهما. «2» فإن

إطلاق الولد يشمل غير البالغ أيضا، الّا ان يناقش فيه: بان عطف التصدق و العتق على الحج يمنع عن الإطلاق، الّا ان يقال بلزوم اشتمالهما على اذن الولي، فتدبّر.

هذا، و لكن الظاهر جريان المناقشة في أدلّة صحّة النيابة أيضا، لأنّها واردة في مقام بيان أصل شرعية النيابة، التي هي على خلاف القاعدة، لما عرفت.

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة الباب الثاني ح- 8.

(2) وسائل أبواب الاحتضار الباب الثامن و العشرون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 18

..........

______________________________

و عليه: لا يمكن التمسك بإطلاقها و ادّعاء شمولها للصبيّ، لعدم ثبوت الإطلاق لها و عدم تمامية مقدمات الحكمة فيها، فلا مجال للاستدلال بإطلاقها.

نعم، ذكر بعض الأعاظم- قده- على ما في تقريراته، ما ملخصه: انّه يوجد في تلك الروايات ما يكون بصدد بيان الخصوصيات، مثل ما ورد في صحة حجّ الرجل عن المرأة و بالعكس، كصحيح معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام-: الرّجل يحج عن المرأة، و المرأة تحج عن الرجل؟ قال: لا بأس. «1»

و رواية حكم بن الحكيم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: يحج الرجل عن المرأة و المرأة عن الرجل و المرأة عن المرأة. «2» و عدم التعرض للرجل عن الرجل انّما هو لوضوحه. و حديث بشير النبّال، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام-: ان والدتي توفيت و لم تحج؟ قال: يحج عنها رجل أو امرأة. قال: قلت: أيّهما أحبّ إليك؟ قال: رجل أحبّ اليّ «3».

و لكن يرد عليه: ان التعرض لبعض الخصوصيات لا يستلزم عدم اعتبار خصوصية أخرى، فغاية ما تدل عليه هذه الروايات عدم اعتبار اتّحاد النائب و المنوب عنه في الذكورة و الأنوثة،

و لا دلالة لها على عدم اعتبار شي ء أخر، مثل البلوغ و نحوه، فهل يمكن ان يستفاد منها صحة نيابة المسلم عن الكافر، أو المخالف عن المؤمن؟ فلا مجال للاستدلال بها على عدم اعتبار البلوغ بوجه.

و امّا موثقة معاوية بن عمار، التي استدل بها بعض الاعلام، على نيابة الصبي في خصوص الحج، فيرد على الاستدلال بها أيضا: انه لا إطلاق لها، لأنّها في مقام بيان أصل ما يلحق بالرجل بعد موته، و انه لا ينقطع عن كل شي ء، بل يستفيد

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة الباب الثامن ح- 2.

(2) وسائل أبواب النيابة الباب الثامن ح- 6.

(3) وسائل أبواب النيابة الباب الثامن ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 19

..........

______________________________

من الولد الطيب، فيما يرتبط بالأمور المذكورة فيها، و امّا كون عدم الانقطاع، بالإضافة إلى مطلق الولد، و لو لم يكن بالغا، فلا تكون الرواية في مقام البيان بالنسبة اليه.

و كذا استدلاله برواية يحيى الأزرق، قال- ع-: من حج عن إنسان اشتركا. «1»

نظرا الى ان قوله: من حج يشمل الصبي أيضا. مخدوش، مضافا الى ضعف السند بيحيى الأزرق، كما اعترف به بعدم ثبوت الإطلاق لها أيضا، فإن الرواية بصدد بيان أصل مشروعية النيابة، و انها توجب اشتراك النائب و المنوب عنه في الأجر و الثواب، و ان كانت النيابة على خلاف القاعدة، فلا إطلاق لها، حتى يشمل نيابة المسلم عن الكافر و المخالف عن المؤمن و مثلهما. فالإنصاف انه ليس هنا ما يشمل و يدل، و لو بالإطلاق على مشروعية نيابة الصبي، ثم انه بعد عدم قيام الدليل على المشروعية لا يبقى فرق بين كون النيابة بالإجارة أو تبرعا، كما انه لا فرق

بين كونه بإذن الولي أو بدونه. و قد عرفت: انه على تقدير المشروعية أيضا لا دليل على جواز استنابته و استيجاره.

بقي الكلام في هذا المقام في نيابة الصبي في الحج المندوب، فقد تأمل في صحتها في المتن. و لكن قوىّ صاحب العروة الصحة، إذا كانت بإذن الولي، و المنشأ ما ادعاه صاحب المدارك، من انه ينبغي القطع بجواز استنابته في الحج المندوب، كما في الفاسق. و قيل في وجه الفرق: انه لا يصح للصبي الحج الواجب عن نفسه بخلاف الحج المندوب، لصحته عن نفسه، بناء على شرعية عباداته.

هذا، و لكن ذلك لا يقتضي صحّة نيابته في الحج المندوب، كما في أكثر المستحبات غير القابلة للنيابة، كصلاة الليل- مثلا. و على تقدير صحة النيابة

______________________________

(1) وسائل أبواب مقدمة العبادات الباب الرابع ح- 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 20

..........

______________________________

لا يكون ذلك مستلزما لصحة الاستنابة، لكن دعواه القطع، مع كونه من أعاظم فقهاء الإمامية، توجب التأمل في المسألة، كما في المتن.

الأمر الثّاني: من الأمور المعتبرة في النائب: العقل، لانه بدونه لا يتحقق منه القصد و التوجه الى الأمر العبادي، و الفرق بينه و بين غيره: لا انّه لا يتحقق القصد من المجنون أصلا، ضرورة ان أفعاله الإرادية تصدر منه مع ارادة و اختيار، و لكنه لا يتوجه إلى العبادة و الخصوصية الموجودة فيها، المميزة لها عن غيرها، و لأجله لا خلاف في عدم شرعية عباداته، بخلاف الصبي المميز، الذي وقع الاختلاف فيها، هذا في المجنون المطبق، و امّا المجنون الأدواري، فلا تصح نيابته في دور جنونه فقط، و تصح في غيره، كسائر عباداته.

و امّا السّفيه، فلا إشكال في صحّة نيابته، غاية الأمر:

ان استنابته و عقد الإجارة معه من التصرفات المالية، التي هو محجور عنها، و امّا أصل النيابة، فلا مجال للإشكال في صحته أصلا.

الأمر الثالث: الايمان، على ما في المتن و العروة و جمع من الكتب الفقهيّة، و لكنه اختار جماعة عدم اعتباره، و لم يتعرض الأكثر له، بل اقتصروا على اعتبار الإسلام و الوجه في عدم التعرض يمكن ان يكون هو عدم الاعتبار عندهم، و يمكن ان يكون لأجل بطلان عبادة المخالف عندهم. من جهة فقدانها لبعض الاجزاء أو الشرائط المعتبرة عندنا، أو وجود بعض الموانع كذلك، و مع بطلانها في نفسها مع قطع النظر عن عنوان المخالفة، لا حاجة الى التعرض لوضوح اعتبار صحة عمل النائب في نفسه في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 21

..........

______________________________

صحة النيابة و تحقّقها.

و يدل على اعتبار هذا الأمر الروايات الكثيرة، التي أوردها في الوسائل، في أبواب مقدمة العبادات الظاهرة في بطلان عبادة غير المعتقد بالولاية، و ان وقع التعبير في كثير منها: بأنه شرط للقبول، لكن الظاهر أن عنوان «القبول» في الروايات لا يغاير عنوان «الصحة»، بحيث كانت الصحة راجعة إلى مجرد تمامية العمل، المؤثرة في فراغ الذمة و عدم ترتب استحقاق العقوبة و القبول، راجعا إلى مرتبة فوق مرتبة الصحة، و كان مؤثرا في حصول القرب من اللّٰه تبارك و تعالى، فان الظاهر أن هذا اصطلاح خاص لا يرتبط بالروايات، بل بالفقه. و عليه، فظاهر الرّوايات المذكورة بطلان عبادة المخالف، و ان كانت مطابقة من حيث الخصوصيات المعتبرة لفتاوى أصحابنا الإمامية، كما افتى في هذا العصر بعض أعاظمهم بجواز الرجوع في الأحكام الفرعية إلى فقهاء الشيعة، فيستفاد منها: ان من شرائط صحة

العبادة، الاعتقاد بالولاية و الإمامة.

هذا، و استشكل في الاستدلال بها في المقام في «المستمسك» بان الظاهر منها العبادات الراجعة إلى نفسه، فلا تشمل ما نحن فيه- يعني النيابة. و ذكر السيد في العروة: ان دعوى: ان ذلك في العمل لنفسه دون غيره، كما ترى. و ظاهره وضوح بطلان دعوى الفرق المذكورة. و أوضحه بعض الاعلام في الشرح. بما محصّله: ان النائب يتقرب بالأمر المتوجه الى نفسه، فهو مأمور بالعمل لأجل تفريغ ذمّة الغير، فإذا فرضنا انّ عمله غير مقبول فكيف يوجب سقوط الأمر عن الغير، فان السقوط عن ذمّته في طول الأمر المتعلق بالنائب، فلا بد ان يكون امرا قربيّا و مقبولا في نفسه، و الّا فلا يوجب فراغ ذمّة المنوب عنه، لعدم تحقق موضوعه.

أقول: الأمر المتوجه إلى النائب ليس الأمر بالوفاء بعقد الإجارة، ضرورة انه ليس هناك أمر آخر متوجّه إليه أصلا، و عليه، فالتقرب بذلك الأمر لا بد و ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 22

..........

______________________________

يكون مبتنيا على ما ذكره السيد- قده- في العروة، في مبحث صلاة الاستيجار، في الجواب عن دعوى عدم كون الوفاء بالعقد الّا واجبا توصّليا، من المنع، و انه تابع في التوصلية و التعبدية للفعل الذي استؤجر عليه، فان كان الفعل غير عبادي، كالخياطة و الكتابة، فالوفاء بعقد الإجارة لا يكون الا واجبا توصّليا، و ان كان عباديّا كالصلاة و الصوم الاستيجاريتين، فالوفاء يكون واجبا تعبّديا.

و الظاهر عدم تمامية هذا الكلام، فإنّك عرفت مرارا: ان الأمر بالوفاء بعقد الإجارة لا يكاد يسري الى عنوان العمل المستأجر عليه، و لا يوجب صيرورة ذلك العمل متصفا بالوجوب، كما ان عبادية العمل المذكور لا تسري منه

الى عنوان الوفاء بعقد الإجارة، كما في الوفاء بالنذر إذا تعلّق بصلاة الليل- مثلا-، فان الوجوب لا يسري الى عنوان صلاة الليل، كما ان العبادية لا تسري منها الى عنوان الوفاء، و إذا لم يكن الوفاء بعقد الإجارة امرا عباديا فبأيّ أمر يتقرب النائب، مع ان تقرب النائب بمثل هذا الأمر لا يجدي المنوب عنه بوجه، فان اللازم ان تقع عبادته مقرونة بنية التقرب، و صدورها كذلك.

هذا، و لو فرض كون النيابة تبرعيّة غير استيجارية، فالتقرب بها لا يكفي عن التقرب المعتبر في العمل المنوب فيه، فان الأولى مرتبطة بالنائب، و الثانية مرتبطة بالمنوب عنه.

و التحقيق: انه بعد قيام الدليل الشرعي على مشروعية النيابة الراجعة الى عدم مدخلية قيد المباشرة، يكون التقرب المنوي للنائب هو تقرب المنوب عنه، فيأتي بالصلاة مقرونة بقصد تقربه لا تقرب نفسه، من دون فرق بين ان تكون النيابة بالأجرة أو تبرعا.

و قد صرّح هو فيما سبق: بأن الأمر بالوفاء بالنذر لا يكون الّا بنحو الوجوب التوصّلي، و من الواضح: ان الوفاء بعقد الإجارة أيضا يكون كذلك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 23

..........

______________________________

و يرد على ما أفاده في ذيل كلامه، من الطوليّة: انه لم يقم دليل على ذلك، بحيث كان اللازم اتصاف عمل النائب بالصّحّة في نفسه مع قطع النظر عن النيابة، بل اللازم ان يكون عمل النائب صحيحا في ظرف النيابة و بعدها، من دون فرق بين ان يكون صحيحا قبلها أم لا يكون، فإذا فرض ان الروايات المتقدمة، الظاهرة في بطلان عمل المخالف، لا تشمل ما إذا لم يعمل لنفسه، بل يعمل نيابة عن الغير، فذلك لا يقتضي التعميم لصورة النيابة، فإنّه ما المانع

من ان يتصف العمل بالصحة بسبب النيابة و مقارنا لها، و لم يقم دليل على التقدم و الطوليّة؟

و بالجملة: بعد كون تلك الروايات على خلاف القاعدة، يكون القدر المتيقن، هو ما إذا عمل المخالف لنفسه، و لا ملازمة بين بطلانه و بطلان النيابة، لكفاية الصحة المقارنة في صحة الإجارة و الاستنابة، فالإنصاف: ان الاستدلال بهذه الروايات على بطلان نيابة المخالف، و اشتراط الايمان في النائب لا يكاد يتمّ أصلا.

و ربما يستدلّ لاعتبار الايمان في النائب بما رواه صاحب الوسائل عن كتاب «غياث سلطان الورى لسكّان الثرى» للسيّد رضي الدّين بن طاوس بإسناده عن الشيخ الطوسي- قده- بإسناده عن عمّار بن موسى، من كتاب أصله المرويّ عن الصادق- عليه السلام- في الرجل يكون عليه صلاة أو صوم، هل يجوز ان يقضيه غير عارف؟ قال: لا يقضيه الّا مسلم عارف. «1» و المناقشة في السند باعتبار ان رواية ابن طاوس عن كتب الشيخ، و طريقه اليه، و ان كان صحيحا، كما ان طريق الشيخ الى عمّار أيضا صحيح، الّا ان عدم كونه مذكورا في كتب الشيخ،

______________________________

(1) وسائل أبواب قضاء الصلوات الباب الثاني عشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 24

..........

______________________________

يوجب ضعفها. و الدليل على عدم كونه مذكورا فيها: انه لو كان مذكورا فيها لكان المناسب ان ينقل صاحب الوسائل عنها من دون واسطة. مدفوعة: بان عدم الذكر لا يوجب الخروج عن الصحة، بعد الاعتراف بصحة الإسنادين، كما لا يخفى.

و امّا الدلالة: فالاستدلال بها مبني على إلغاء الخصوصية من الصلاة و الصوم و الشمول للحج و مثله، باعتبار كون محطّ نظر السائل هو قضاء غير العارف العبادة الفائتة من العارف، و كذلك

مبني على كون المراد من العارف هو العارف بالولاية، المعتقد بالإمامة، كما هو الشائع في التعبير في الروايات في الموارد الكثيرة، فاحتمال كون المراد منه هو العارف بمسائل الصلاة و الصوم و أحكامهما، في غاية الضعف، فالاستدلال بالرواية في محله.

ثم انه لو فرض: عدم نهوض دليل على اعتبار الايمان في النائب، و بقي الاعتبار مشكوكا، مردّدا فيه، فاللّازم بمقتضى ما ذكرنا، من: ان النيابة التي ترجع إلى كفاية عمل الغير في براءة ذمة المكلف و فراغها، تكون على خلاف القاعدة، لا يصار إليها إلّا في موارد ثبوت الدليل. و قد عرفت: انه لا إطلاق في أدلة النيابة، بل هي في مقام بيان أصل المشروعية لا في مقام بيان الخصوصيات المعتبرة فيها، و لذا قلنا: بأن الصبي المميز و إن كانت عباداته شرعية صحيحة إلّا أن أدلة النيابة لا تشمله، فالمخالف الذي تكون عباداته باطلة في نفسه لا يكون مشمولا لها بطريق اولى، و بعد عدم الشمول يكون مقتضى استصحاب بقاء اشتغال ذمة المنوب عنه بعد فعل النائب و إتيانه بالعمل المنوب فيه، عدم تحقق الفراغ بذلك.

الأمر الرّابع: الوثوق بإتيانه، و هذا الأمر كما اعترف به السيّد- قده- في العروة، معتبر في جواز الاستنابة لا في أصل النيابة، ضرورة انه لا فرق في أصل النيابة بين صورتي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 25

..........

______________________________

الوثوق و عدمه، و عن جماعة، منهم صاحب المدارك اعتبار العدالة، لأنه لا يقبل خبر غير العادل، و ذكر السيّد- قده- في العروة: ان المعتبر هي العدالة أو الوثوق بصحّة عمله.

و الحق: ان الكلام، تارة: يقع في أصل إتيان النائب بالعمل و عدم الإتيان به، و اخرى: في

كون عمله صحيحا أو غير صحيح، و قد وقع الخلط بين الأمرين في بعض الكلمات.

امّا الجهة الأولى: فالظاهر فيها اعتبار الوثوق، سواء كان منشأه العدالة أو غيرها، و لا يكفي مجرد إخبار النائب بذلك و لو كان عادلا، لانه مضافا الى عدم حجية شهادة العادل الواحد في الموضوعات الخارجية، لعدم اجتماعها مع لزوم التعدد، كما في البينة التي قام الدليل على اعتبارها. نقول: بأن اخباره لا يفيد الوثوق دائما. و لكن ذكر في المستمسك: «ان الظاهر من سيرة المتشرعة قبول خبر المستناب على عمل في أداء عمله، نظير اخبار ذي اليد عمّا في يده، و نظير قاعدة «من ملك شيئا ملك الإقرار به» و لا يعتبر في جميع ذلك العدالة، بل لا يبعد عدم اعتبار الوثوق بالصدق. نعم، يعتبر أن لا تكون قرينة على اتّهامه.

و الظاهر انه لم تثبت سيرة المتشرعة على قبول خبر المستناب. نعم، قام الدليل على اعتبار اخبار ذي اليد عمّا في يده، و اخبار صاحب البيت بالقبلة- مثلا- و اخبار البائع بوزن المبيع أو كيله و أمثال ذلك.

و امّا قاعدة «من ملك» فربما يقال بعدم جريانها في مثل المقام، لأنّ موردها الإقرار بالأمور الاعتبارية، كالطلاق و العتق و البيع و نحوها لا بالأمور الخارجية التكوينية، كالاتيان بالعمل المستناب فيه.

و لكن الظاهر ان الوجه في عدم جريان القاعدة:، امّا عدم كونه بالإضافة إلى العمل مالكا، و مجرد كون العمل عمله لا يقتضي كونه ملكا له، و امّا كون المراد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 26

..........

______________________________

بالإقرار في القاعدة هو الإقرار على نفسه، لا ما يعمّه و الإقرار لنفسه. و قد ذكر في مقام الفرق بين هذه القاعدة

و بين قاعدة إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، التي تدل عليها الروايات: ان النسبة بين الموردين عموم من وجه، لاجتماعهما، فيما إذا أقر الشخص بأنه وهب ماله لزيد- مثلا- و افتراق الثانية، فيما إذا أقر بالقتل غير المجاز أو الجرح كذلك لعدم كونه ملكا له و مسلطا عليه، لان المراد بالملكية هي السلطة، كما في ملك الإقرار، و افتراق الاولى، الذي هو المهم في القاعدة، و الغرض من سوقها في موارد كثيرة، مثل ما إذا أقر الصبي بالتصرفات التي يصح منه، كالوصية بالمعروف و الصدقة، و ما إذا أقر الوكيل على الموكل، كما إذا أقر ببيع ما له، و كذلك الوليّ بالإضافة إلى المولّى عليه.

و يستفاد من ذلك اختلاف القاعدتين في الموارد فقط، من دون ان يكون هناك فرق فيما يرتبط بالإقرار من جهة كونه له أو عليه، و ان كان مثالهم لقاعدة «من ملك» بقبول إقرار الزوج المطلق بالرجوع، لأنّ له السلطنة على الرجوع، ربما يدل على عموم القاعدة بناء على ان الرجوع لا يكون عليه دائما، بل ربما يكون له، الّا ان يقال: ان الرجوع مطلقا ضرر عليه، بلحاظ لزوم ترتيب آثار الزوجية و شمولها للزوج، فتأمل.

و كيف كان، فلم يقم دليل على قبول إخبار النائب في مقام الاستنابة، بل اللازم الوثوق و الاطمئنان بالداء، و لا يعتبر العلم، لتعذره نوعا، و الاطمئنان يعامل معه عند العقلاء معاملة العلم، و لا يجوز الاكتفاء بأقلّ منه الّا مع قيام مثل البينة، التي هي حجة شرعية.

و امّا من الجهة الثانية: فبعد إحراز الأداء و الإتيان، إذا كانت الصحة مشكوكة تجري أصالة الصحة، كما في سائر الموارد. نعم، يحتمل اختصاص جريانها بما إذا كان العمل متحققا

قبلا و شك في صحته و فساده، و امّا قبل العمل فلا تجري و ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 27

..........

______________________________

كان أصل الإتيان به فيما بعد محرزا، و لكن الظاهر انه لا فرق في جريانها بين الصورتين، و ان كان مقتضى الاحتياط- كما في المتن- اعتبار الوثوق بالصحة في الصورة الثانية، و عدم الاكتفاء بأصالة الصحة.

الأمر الخامس: معرفته بأفعال الحج و مناسكه و احكامه و لو بإرشاد معلّم، حال كل عمل، و لا شبهة في الاكتفاء بالمعرفة بسبب الإرشاد كذلك في الحج لنفسه، كما هو المتداول في هذه الأزمنة، حيث يكون لكلّ قافلة مرشد و مربّي يتعلّم منه حجاج تلك القافلة حال كل عمل، و من الواضح: ان العلم بجميع الافعال و المناسك و الاحكام قبل الشروع في الحج قلّما يتّفق، كما انه لا ينبغي الإشكال في الاكتفاء بذلك في النائب عن الغير تبرّعا، لعدم الفرق بين النيابة كذلك و بين الحج لنفسه.

و امّا استنابته فربما يقال بعدم صحتها، للجهل بمتعلق الإجارة، لأن المفروض انه يؤجر نفسه للحج و هو جاهل به، فتكون الإجارة غرريّة، فلا بدّ ان يكون عارفا و عالما بمقدار يخرجه عن الغرر، كما هو الحال في إجارة سائر الأعمال و الافعال.

و يرد عليه: ان المعرفة المعتبرة في صحة الإجارة هي المعرفة حال العمل لا حال الإجارة، كما ان القدرة المعتبرة فيها أيضا هي القدرة كذلك فإذا فرض الوثوق بذلك، و لو بإرشاد معلم و مربي حال كل عمل، كما فيما عرفت من المتداول في هذه الأزمنة، فلا مجال للمناقشة في الصحة من ناحية الغرر، لعدم ثبوت الغرر بوجه، فالإنصاف صحة الاستنابة كالنّيابة.

الأمر السادس: عدم اشتغال

ذمة النائب بحج واجب عليه في ذلك العام، كحجة الإسلام أو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 28

..........

______________________________

حجّ النذر المقيد بذلك العام. و قد فصلّنا القول في ذلك في المسألة الأخيرة، من الفصل الأوّل، و قد اخترنا صحة النيابة و الاستنابة معا، خلافا للماتن- قدس سره الشريف- حيث اختار البطلان فيهما. و قد عرفت: ان السيد- قده- في العروة، حكم ببطلان الإجارة على تقدير صحة النيابة أيضا.

الأمر السّابع: ان لا يكون النّائب معذورا في ترك بعض الاعمال، كما في غير الحج مثل صلاة الاستيجار، حيث لا يجوز استيجار من لا يقدر على القيام- مثلا- و يأتي بالصلاة جالسا، و الوجه في اعتبار هذا الأمر: قصور أدلة النيابة الواردة في مشروعيتها لمثل ذلك، بعد كونها على خلاف القاعدة المقتضية لإتيان المكلف ما عليه من العبادة بالمباشرة، و عدم كفاية عمل الغير في براءة ذمة المكلف و فراغها من التكليف، و لا فرق في اعتبار هذا الأمر بين كون المنوب عنه مختارا غير معذور، و بين كونه معذورا، كالنائب، ففي مثال الصلاة لا يجوز استيجار القاعد، و لو كان الفوت من المنوب عنه في زمن لا يقدر على القيام، أصلا، لعين ما ذكرنا من الوجه.

كما انه لا فرق في المقام في عدم جواز استنابة المعذور بين ما كان العمل المعذور فيه قابلا للنيابة و بين ما لم يكن، لعدم شمول أدلة جريان النيابة، لما إذا كان المنوب عنه نائبا عن الغير، بل الظاهر الاختصاص بما إذا كان المنوب عنه في مقام الإتيان بما على نفسه من التكليف. ثم انه لا يختص عدم جواز نيابة المعذور، و عدم جواز الاكتفاء بعمله بين ما

إذا كانت النيابة استيجارية و بإزاء الأجرة، و بين ما إذا كانت تبرعيّة. فإذا كان على الميت حجّ لا بد ان يقضي من تركته لا يجوز للورثة الاكتفاء بحجّ النائب المتبرع المعذور، لعدم الدليل على فراغ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 29

[مسألة 2 يشترط في المنوب عنه الإسلام]

مسألة 2- يشترط في المنوب عنه الإسلام، فلا يصح من الكافر، نعم، لو فرض انتفاعه به بنحو إهداء الثواب، فلا يبعد جواز الاستيجار لذلك، و لو مات مستطيعا، لا يجب على وارثه المسلم الاستيجار عنه، و يشترط كونه ميّتا أو حيّا عاجزا في الحجّ الواجب، و لا يشترط فيه البلوغ و العقل، فلو استقرّ على المجنون حال إفاقته ثم مات مجنونا، يجب الاستيجار عنه، و لا المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الأنوثة، و تصح استنابة الصرورة رجلا كان أو امرأة عن رجل أو امرأة. (1)

______________________________

ذمته بعمل المعذور المتبرع، بل مقتضى استصحاب بقاء اشتغال ذمة الميت العدم. و لأجله ذكر في المتن: ان الاكتفاء بتبرع المعذور، مشكل.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:

المقام الأوّل: في اعتبار الإسلام في المنوب عنه، و فيه مباحث:

المبحث الأوّل: فيما لو مات الكافر مستطيعا، فهل يجب على وارثه المسلم الاستنابة و الاستيجار عنه كما لو مات المسلم كذلك، أولا؟ و الظاهر عدم الوجوب، سواء قلنا بعدم كون الكفار مكلفين بالفروع، و الأحكام العملية، أو قلنا بكونهم مكلفين بها، أمّا على التقدير الأوّل: فواضح، لانه بعد عدم كون الميت الكافر مكلّفا بالحج لا مجال لوجوب القضاء عنه بعد الموت، و لو كان الوارث مسلما، و امّا على التقدير الثاني: فلان الأدلة الواردة في مسألة القضاء، الدالة على وجوبه في

صورة استقرار الحج على الميت، من دون فرق بين صورة الوصية بذلك و صورة عدم الوصية، قاصرة عن الشمول للميت الكافر، لأن الأسئلة الواردة في الروايات المتضمنة لهذا الحكم منصرفة إلى المسلم الذي كان يتوقع منه الإتيان بالحجّ، لأجل تعهده بالأحكام و الالتزام، بها، فالكافر خارج عن مورد تلك السّؤالات: نعم، يبقى الكلام في التعليل الوارد في بعضها بعد الحكم بوجوب القضاء، بأنه بمنزلة الذين الواجب، فإنه بعد وضوح لزوم أداء دين الميت من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 30

..........

______________________________

تركته، و لو كان كافرا، يمكن ان يقال: بان الحج أيضا كذلك، فيجب القضاء عن الكافر أيضا، و لكن الظاهر انه لا ظهور في الرواية، لكون التنزيل مرتبطا بنفس طبيعة الحج، مع قطع النظر عن ثبوته على المسلم أو الكافر، بل يحتمل كون مورد التنزيل خصوص ما هو محط النظر في الأسئلة، التي عرفت: أنها منصرفة عن الميت الكافر. فتدبّر.

و يؤيّده جريان السّيرة على عدم الاستنابة للكافر في زمن النبي و الأئمّة- عليه و عليهم الصلاة و السلام- مع كون جماعة من المسلمين، خصوصا في صدر الإسلام و زمن النبي- ص- وارثين للكفّار كما لا يخفى، فالظاهر حينئذ عدم وجوب القضاء عن الميت الكافر.

المبحث الثّاني: في النيابة عن المشرك أو الملحد، الذي هو أعظم منه: و يدل على عدم جواز النيابة عنه قوله تعالى «مٰا كٰانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كٰانُوا أُولِي قُرْبىٰ» و قوله تعالى «وَ مٰا كٰانَ اسْتِغْفٰارُ إِبْرٰاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلّٰا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهٰا إِيّٰاهُ فَلَمّٰا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّٰهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ» و غير ذلك من الآيات الدالة على عدم جواز الاستغفار

للمشرك.

و ربما يستشكل في الاستدلال بذلك بعدم انطباق الدليل على المدعى، فان النيابة التي هي مورد البحث أمر، و الاستغفار أمر أخر. و لكن الظاهر انه مع عدم جواز الاستغفار الذي معناه مجرد طلب المغفرة الراجعة إلى العفو عن الذنب و الصفح عنه، يكون عدم جواز الاستنابة، التي مرجعها الى صدور العمل العبادي من المنوب عنه، الموجب لقربه إليه تعالى بطريق اولى، كما لا يخفى.

المبحث الثالث: في النيابة عن الكافر غير المشرك: و المشهور بين الأصحاب عدم الجواز، بل ادعى الإجماع عليه، و في محكي المدارك نفي الريب فيه.

و استدل له في الجواهر بقوله: «لما عرفت، من: عدم انتفاعه بذلك،!

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 31

..........

______________________________

و اختصاص جزائه في الآخرة بالخزي و العقاب، و النهي عن الاستغفار له، و الموادّة لمن حادّ اللّٰه تعالى، و احتمال انتفاعه بالتخفيف عنه و نحوه. يدفعه: لزوم الثواب، الذي هو دخول الجنّة و نحوه، لصحة العمل، و لو من حيث الوعد بذلك لا التخفيف و نحوه، مع إمكان منع قابليته له أيضا في عالم الآخرة» و استدل له في المدارك بمثل ما ذكر، من: «ان الكافر يستحق في الآخرة الخزي و العقاب لا الأجر و الثواب» و هما من لوازم صحة العمل، و أيّده بقوله تعالى «مٰا كٰانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا» الى أخر الآية، و قوله تعالى «وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلّٰا مٰا سَعىٰ» قال: خرج منه القضاء عن المؤمن بالنص و الإجماع، فيبقى الباقي.

و استدل له في محكي كشف اللثام: بان فعل النائب تابع لفعل المنوب في الصحة لقيامه مقامه، فكما لا يصح منه لا يصحّ من نائبه.

أقول: الظاهر ان الدليل المهمّ

على ذلك أمران:

أحدهما: ما عرفت، من: ان أصل النيابة يكون على خلاف القاعدة، لأن مقتضاها إتيان كل مكلف ما عليه من العبادة بالمباشرة، سواء كانت واجبة أو مستحبّة. فالنيابة تكون على خلافها، غاية الأمر، قيام الدليل على مشروعيتها و ثبوتها في الشريعة، و حيث ان الدليل المزبور في مقام بيان أصل المشروعية بنحو الإجمال، لا في مقام بيان الخصوصيات و الأمور المعتبرة في النائب أو المنوب عنه، فلا مجال للتمسك بإطلاقها في موارد الشك، و المقام من هذا القبيل.

ثانيهما: ما عرفت أيضا، من: ان النائب في العبادة يقصد تقرب المنوب عنه بفعله النيابي، فلا بد ان يكون للمنوب عنه قابلية التقرّب و صلاحية وقوع العبادة منه، و حيث ان الكافر لا يكون قابلا للتقرب، و لذا لا تصحّ عبادته، فلا مجال للنيابة عنه فيها، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 32

..........

______________________________

و امّا الوجوه المذكورة في كلام صاحبي المدارك و الجواهر، فكلّها مخدوشة، فان استلزام صحة العمل العبادي للأجر و الثواب في الآخرة، و الكافر غير قابل لهما أصلا. يرد عليه: انه لم يقم دليل على هذا الاستلزام، خصوصا بعد كون الأجر و الثواب لا يستحقّ بالذات و لا يحكم العقل باستحقاقه كذلك، بخلاف استحقاق العقوبة على مخالفة تكليف المولى، فإنّه ممّا يستقل به العقل، بل الأجر و الثواب منشأه التفضل و الوعد الإلهي فحينئذ لا مانع من الالتزام بان مورد التفضل و إنجاز الوعد ما إذا كان المحلّ قابلا و صالحا للثواب، و الكافر لا يكون كذلك، فالاستلزام المذكور غير ثابت.

و عليه، فالصحة تؤثر في رفع استحقاق العقوبة المترتب على المخالفة، و لا مانع من الالتزام به، و

لا ينافيه قوله تعالى «لٰا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذٰابُ» فان المراد منه عدم التخفيف بالإضافة إلى العذاب الثابت عليه، و مرجعه الى عدم شمول العفو و المغفرة له بوجه، و هذا لا ينافي كون عمله الواقع نيابة، مؤثرا في عدم ثبوت عذاب المخالفة بالنسبة اليه.

و بالجملة: فرق واضح بين الإتيان بما يوجب قلة العذاب في الآخرة و بين التخفيف بالإضافة إلى العذاب الذي يستحقّه. و عليه، فالصّحة تؤثر في ذلك و لا ينافيها شي ء. و امّا الآية الناهية عن الاستغفار فموردها المشركون، و لا تعم مطلق الكافر. و قد عرفت تمامية دلالتها في موردها.

و امّا ما ورد في الموادّة و النهي عنها، فان كان المراد بالموادة فيها هي الموادة القلبية و المحبة كذلك، فلا يرتبط بمسألة النيابة التي هي أمر عملي، و ان كان المراد بها فيها ما يشمل الموادة العملية، فيشكل الأمر من جهة ان الموادة العمليّة الحاصلة بالإحسان و الصدقة غير محرّمة ظاهرا، و على تقديرها فالنيابة لا تكون مصداقا للموادة دائما، فان النيابة الاستيجارية، التي يكون غرض النائب مجرد الوصول

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 33

..........

______________________________

إلى الأجرة و أخذ مال الإجارة، لا تكون موادة بوجه. نعم، النيابة التبرعية تكون مصداقا لها، كما لا يخفى.

و يخطر بالبال في تفسير المراد من الآية: ان المراد من الموادة، سواء كانت قلبية أو أعم منها و من العملية، هي الموادّة لأجل كونهم متصفين بأنهم ممّن يحادّون اللّٰه و رسوله، ففي هذا الفرض يحرم التصدق و الإحسان إليهم، و عليه، فلا تشمل الآية للمقام أصلا. و ممّا ذكرنا، يظهر وجه ما في المتن، من: انه لو فرض انتفاع الكافر به بنحو إهداء

الثواب. الذي مرجعه الى صدور العمل العبادي من المسلم، بعنوانه. غاية الأمر، إهداء ثواب عمله الى الكافر. لا مانع من استيجار المسلم لذلك. نعم، انتفاعه به مجرد فرض، فان ظاهر الكتاب انه لا خلاق لهم في الآخرة و لا نصيب. و قد عرفت استناد صاحبي المدارك و الجواهر للبطلان، الى عدم ثبوت لازم الصحة، و هو الأجر و الثواب، و ان ناقشنا في الملازمة.

هذا، و امّا ما ذكره كاشف اللثام، فان رجع الى ما ذكرنا، من: ان النائب يقصد تقرب المنوب عنه. و هو غير صالح للتقرب في المقام، فهو. و الّا فلا دليل على ما افاده.

ثمّ انه يظهر من اعتبار مجرد الإسلام في المنوب عنه- كما في المتن-: عدم اعتبار الايمان فيه خصوصا مع تفريع خصوص عدم صحة النيابة من الكافر عليه، و مع اعتبار الايمان في النائب لا الإسلام فقط. و عليه، فيظهر من المتن صحة نيابة المؤمن عن المخالف و المسألة اختلافية، و فيها أقوال أربعة.

1- عدم الجواز مطلقا، من دون فرق بين الناصب و غيره، و بين الأب و غيره، و بين المستضعف و غيره. اختاره صاحب الجواهر- قده- و عن ابني إدريس و براج، دعوى الإجماع عليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 34

..........

______________________________

2- الجواز مطلقا عن غير الناصب، حكى عن المعتبر و المنتهي و المختلف و الدروس و الجامع.

3- عدم الجواز مطلقا الّا ان يكون أب النائب، اختاره الشيخ، و الفاضلان في بعض كتبهما.

4- الجواز للمستضعف، اختاره الشهيد في محكيّ حواشي القواعد.

و الكلام في هذه الجهة، تارة من جهة ما هو مقتضى القاعدة، مع قطع النظر عن الروايات الخاصّة، و اخرى مع ملاحظتها، فنقول:

امّا من

الجهة الأولى: فالظاهر ان مقتضى القاعدة فيه عدم الجواز، لان الوجهين اللذين ذكرناهما في عدم صحة النيابة عن الكافر يجريان في المخالف أيضا، ضرورة ان عدم ثبوت الإطلاق في أدلة مشروعية النيابة، و كونها بصدد بيان أصلها بنحو الإجمال، بضميمة كون أصل النيابة أمرا على خلاف القاعدة، يقتضي عدم الصّحة في المقام أيضا بعد كون المشروعية فيه مشكوكة، كما ان مقتضى قصد النائب تقرب المنوب عنه، بضميمة عدم كون المنوب عنه صالحا للتقرب، لاعتبار الولاية في صحة العبادة، على ما عرفت، يقتضي عدم صحة النيابة عن المخالف، فلا فرق من جهة القاعدة بينه و بين الكافر.

و امّا من الجهة الثانية: فقد وردت في المقام روايات:

منها: صحيحة وهب بن عبد ربّه، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام-:

أ يحجّ الرجل عن الناصب؟ فقال: لا، قلت: فان كان أبي؟ قال: ان كان أباك، فنعم. «1» و فيما رواه الصدوق بإسناده عنه، قال: ان كان أباك فحجّ عنه.

و السؤال الأوّل ظاهر بلحاظ التعبير ب «عن» في النيابة التي هي محل البحث

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 35

..........

______________________________

في المقام، و محصّل الجوابين: التفصيل في المنوب عنه الناصب، بين الأب و بين غيره، بالحكم بالجواز في الأول و بالعدم في الثاني.

و منها: موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم- عليه السلام- قال: سألته عن الرجل يحجّ، فيجعل حجّته و عمرته أو بعض طوافه لبعض اهله، و هو عنه غائب ببلد أخر، قال: فقلت: فينقص ذلك من اجره؟ قال: لا، هي له و لصاحبه، و له سوى ذلك بما وصل. قلت: و هو ميّت، هل يدخل

ذلك عليه؟ قال: نعم، حتى يكون مسخوطا عليه فيغفر له، أو يكون مضيّقا عليه فيوسّع عليه. فقلت: فيعلم هو في مكانه ان عمل ذلك لحقه؟ قال: نعم. قلت: و ان كان ناصبا ينفعه ذلك؟

قال: نعم، يخفف عنه. «1»

و الجمع بينهما امّا بحمل الثانية على صورة عدم النيابة،! بل كان هناك مجرد إهداء الثواب، و كان العمل مقرونا بقصد تقرّب النائب بنفسه لا تقرب المنوب عنه خصوصا، مع ملاحظة عدم ظهور السؤال الأوّل فيها بنفسه في النيابة، و ظهور الصحيحة فيها على ما عرفت. و امّا بجعل الصحيحة مخصصة للموثقة و مقيدة لها، بحمل الناصب فيها على الناصب، غير الأب، و إخراج الأب الناصب عنها. و بهذا الوجه الثاني يجمع بين الصحيحة و بين رواية علي بن حمزة، قال: سألته عن الرجل يحج و يعتمر و يصلي و يصوم و يتصدق عن والديه و ذوي قرابته. قال: لا بأس به، يؤجر فيما يصنع، و له أجر أخر لصلة قرابته، قلت: ان كان لا يرى ما ارى و هو ناصب؟ قال: يخفّف عنه بعض ما هو فيه. «2» فان مورد السؤال فيها هي النيابة لا إهداء الثواب، فوجه الجمع يتعين ان يكون هو التقييد، و حمل الرواية على

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الخامس و العشرون ح- 5.

(2) وسائل أبواب قضاء الصلاة الباب الثاني عشر ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 36

..........

______________________________

الناصب، غير الأب، لكن الرواية ضعيفة السّند.

و بالجملة: فملاحظة مجموع الروايات تقتضي الحكم بالتفصيل في الناصب بين الأب و غيره، و امّا غير الناصب من سائر المخالفين، فالظاهر ان مفاد الروايات هو جواز النيابة عنه، على خلاف القاعدة

المقتضية لعدم الجواز، و ذلك لان مدلول الصحيحة هو المنع في الناصب مع التفصيل المذكور، و مفاد الموثقة و الرواية الأخيرة، الجواز في الجميع. غاية الأمر، لزوم تقييدهما في الناصب بغير الأب، فمقتضاهما هو الجواز في غير الناصب مطلقا.

اللّٰهم الّا ان يقال: إن الموثقة و ان كانت ظاهرة في الجواز الّا انه ليس لها ظهور في مسألة النيابة، التي هي محل البحث. و الرواية الأخيرة، و ان كانت ظاهرة في النيابة، الّا أنها فاقدة لوصف الاعتبار و الحجيّة، فلم تثبت حجة على الجواز في مقابل القاعدة، كما لا يخفى.

ثم انه لو لم نقل بدلالة الروايات على الجواز في غير الناصب، فيما هو محل البحث، و هي النيابة، و قلنا بدلالتها على الجواز في خصوص الأب الناصب، فهل تسرية الحكم إلى الأب المخالف غير الناصب، تكون من باب التعدي عن مورد الحكم المخالف للقاعدة الى غير مورده؟ فلا يجوز أصلا، أو ان استفادة الحكم بالإضافة الى ما ذكر، انما يكون بطريق الأولوية عند العرف، فان الناصب الذي يكون أنجس من الكلب، و شرا من اليهود و النصارى، و محكوما بالكفر، و ان كان منتحلا للإسلام، إذا جازت النيابة عنه، فيما إذا كان أبا، فغير الناصب يكون بطريق اولى، مع انه محكوم بالإسلام، و يجري عليه اثاره، و هذا هو الظّاهر.

المقام الثاني: يشترط في المنوب عنه، فيما إذا كان الحج واجبا، سواء كان بأصل الشرع أو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 37

..........

______________________________

بسبب النذر و مثله، ان يكون المنوب عنه ميّتا أو حيّا، عاجزا عن الإتيان به.

و الوجه فيه، قيام الدليل على القضاء عن الميت في حجة الإسلام، التي استقر وجوبها عليه.

و في مثل حج النذر على ما عرفت البحث فيهما مفصّلا، و كذا قيام الدليل على لزوم استنابة الحيّ العاجز عن الحجّ، مع استقراره عليه، سواء كان عجزه لأجل الهرم أو مرض لا يرجي زواله أو مثلهما، و قد تقدم البحث فيه أيضا كذلك، و امّا الحيّ القادر، فلم يقم دليل على مشروعية النيابة عنه في الحج الواجب، و امّا الحج المندوب فتجوز النيابة فيه عن الميت و الحيّ مطلقا، من دون فرق بين ان تكون النيابة استيجارية أو تبرعية.

المقام الثالث: انه لا يشترط في المنوب عنه البلوغ و العقل، فيجوز النيابة عن الصبي و المجنون، فلو فرض استقرار الحج عليه في حال إفاقته و لم يأت به فصار مجنونا ثمّ مات، يجب القضاء عنه، كما في العاقل.

أقول: الظاهر انّ الوجه في صحة النيابة عن الصبي كون عباداته شرعية، و شمول أدلة المستحبات كلّها له. و عليه، فتجوز النيابة عنه في الحج التّطوعي، لكنّه يختص مورد النيابة بالصبي المميّز، و يحتاج الى دعوى ثبوت الإطلاق في أدلة النيابة بالإضافة إلى المنوب عنه، و عدم الانصراف الى البالغ. مع انّك عرفت في بحث اعتبار البلوغ في النائب: أنّ أدلّة النيابة كلّها واردة في مقام بيان أصل مشروعية النيابة، التي هي على خلاف القاعدة، فكما انه لا إطلاق لها بالإضافة إلى النائب من جهة اعتبار عدم البلوغ، كذلك لا إطلاق لها بالنسبة إلى المنوب عنه من هذه الجهة، خصوصا مع ملاحظة ان عدم اعتبار البلوغ في المنوب عنه يجتمع مع كونه صبيّا غير مميز، بخلاف النائب الذي لا يجتمع مع ذلك،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 38

..........

______________________________

و يؤيد شمول المقام للصبي غير

المميز، ما ورد في إحجاج الوليّ للصّبي و نيابته عنه في بعض ما لا يمكن له التصدّي له، كما مرّ البحث فيه مفصّلا.

و كيف كان، يرد على المتن سؤال الفرق في مسألة اعتبار البلوغ بين النائب و المنوب عنه، حيث تأمل في صحتها في الحج المندوب من النائب غير البالغ، الذي عرفت: انه لا بد و ان يكون صبيّا مميّزا، و لا يشمل غير المميز، و لم يتأمل في صحتها من المنوب عنه غير البالغ، الذي يكون مورده الحج المندوب لا محالة، و ظاهره الشمول لغير المميز أيضا، فإنه مع ثبوت الإطلاق لأدلة النيابة لا يبقى فرق بين النائب و المنوب عنه أصلا.

و امّا عدم اعتبار العقل، فلا مجال له لو كان الوجه في عدم اعتبار البلوغ هي شرعية عبادات الصبيّ، لأن شرعية عبادات الصبي المميز لا تقتضي شرعية عبادات المجنون، بعد عدم ثبوت التميز و التوجه و الالتفات له، الّا ان يقال بعدم اختصاص الشرعية بالمميز أصلا، و شمول أدلة المستحبات للجميع مؤيّدا بما عرفت من إحجاج الوليّ للصغير.

و كيف كان، فيحتمل في مثل المتن، ممّا فرع فيه على عدم اعتبار العقل صورة الاستقرار المذكورة، ان يكون المراد عدم اعتباره في الجملة، لتصحيح النيابة في خصوص ذلك الفرع، لا ان يكون المراد عدم الاعتبار مطلقا.

فان كان المراد هو الثاني، كما هو الظاهر من العبارة، فيرد عليه عدم شمول أدلة النيابة له بعد عدم ثبوت الإطلاق لها، لعدم كونها في مقام بيان الخصوصيات المعتبرة في النائب و المنوب عنه، بل في مقام بيان أصل مشروعية النيابة، كما عرفت.

و ان كان المراد هو الأوّل، فالمسألة، و ان كانت من جهة الفتوى موردا لاتفاق الأصحاب، كما ادّعي،

و لم يتعرض أحد للخلاف فيها، الّا انّها مشكلة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 39

..........

______________________________

من جهة الدليل لان الدليل على ذلك ما ورد من الروايات الكثيرة المتقدمة، الدالة على وجوب قضاء الحج عن الميت الذي استقر عليه، مع انّ شمولها للميت المجنون حال موته، محل تأمل و إشكال، لأن مورد الأسئلة الواقعة فيها هو الميت العاقل، و لا إطلاق له يشمل المجنون، مع ان لازم ما ذكر لزوم الاستنابة عنه في حال الحيات، مع العلم ببقاء الجنون إلى أخر العمر، كما في الهرم و المريض الذي لا يرجى زوال مرضه، و الظاهر عدم التزامهم بذلك.

كما ان الظاهر ان الالتزام بعدم لزوم القضاء عنه بمجرد الجنون في أواخر عمره أيّاما قليلة- مثلا- مشكل أيضا جدّا، و العجب عدم تنقيح المسألة في الكلمات مع افتقارها اليه، كما لا يخفى.

المقام الرابع: انه لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الأنوثة، فتصحّ نيابة كلّ من الرجل و المرأة عن الآخر، و في الجواهر: انه المشهور شهرة عظيمة و نحوه، المحكي عن الحدائق و المسالك، و يدل عليه أخبار صحيحة متعدّدة:

منها: صحيحة أبي أيّوب، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام-: المرأة من أهلنا، مات أخوها فأوصى بحجّة، و قد حجّت المرأة، فقالت: ان كان يصلح حججت انا عن أخي، و كنت أنا أحق بها من غيري؟ فقال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام-: لا بأس بان تحج عن أخيها، و ان كان لها مال فلتحج من مالها، فإنه أعظم لأجرها. «1» و المراد من قوله- ع- في الذيل: فلتحج من مالها، هو الحج التطوعي، لان المفروض في السؤال تحقق الحج

منها قبلا، و ظاهره هي

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الثامن ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 40

..........

______________________________

حجة الإسلام. و عليه، فالمراد ان الحج التطوعي أعظم اجرا من الحج النيابي.

و منها: صحيحة رفاعة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- انه قال: تحج المرأة عن أختها و عن أخيها، و قال: تحج المرأة عن أبيها (ابنها خ د). «1»

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام-:

الرجل يحج عن المرأة، و المرأة تحج عن الرّجل؟ قال لا بأس. «2» و بهذه الرواية يندفع احتمال كون الجواز في الروايتين الأوّلتين لأجل النسبة و القرابة، المتحققة بين النائبة و المنوب عنه، و ذلك لإطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب، كما لا يخفى.

و منها: صحيحة حكم بن حكيم، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- عليه السلام- قال: يحج الرجل عن المرأة و المرأة عن الرجل، و المرأة عن المرأة «3» و الظاهر ان عدم التعرض لنيابة الرجل عن الرجل انّما هو لوضوح الجواز فيها.

و في مقابلها موثقة عبيد بن زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام.

الرجل الصرورة يوصي أن يحجّ عنه، هل يجزي عنه امرأة؟ قال: لا، كيف تجزي امرأة و شهادته شهادتان؟ قال: إنّما ينبغي ان تحج المرأة عن المرأة و الرجل عن الرجل، و قال: لا بأس ان يحج الرجل عن المرأة. «4» فإن صدرها ظاهر في عدم جواز حجّ المرأة عن الرّجل، و لكن الدّقة في الذيل تعطي أنّ المماثلة في الذكورة و الأنوثة هي التي ينبغي ان تراعى، و مرجعها إلى أنّها أولى، كما في كلام السيّد- قده- في العروة، التصريح

بها. و قوله- ع- بعد ذلك: لا بأس .. مرجعه الى الجواز من دون

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الثامن ح- 5.

(2) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الثامن ح- 2.

(3) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الثامن ح- 6.

(4) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب التاسع ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 41

..........

______________________________

كونه اولى، و عليه، فيصير المجموع قرينة، على ان المراد من قوله: لا، في صدر الرواية، هو مجرد ثبوت البأس غير المنافي مع الجواز، خصوصا مع عدم وضوح العلة المذكورة، لعدم ارتباط النيابة بمقام الشهادة، فلا تنافي الروايات الصحيحة المتقدمة، الدالة على جواز نيابة المرأة عن الرجل، و لو فرض ثبوت التنافي و عدم إمكان الجمع، فالترجيح مع تلك الروايات، لموافقتها للشهرة الفتوائية المحققة على ما عرفت من الجواهر، فلا محيص عن الأخذ بما هو المشهور.

ثم انه تنافي الأولوية المذكورة رواية بشير النبال، قال: انّ والدتي توفيت و لم تحجّ. قال: يحجّ عنها رجل أو امرأة. قال: قلت: أيّهما أحبّ إليك؟ قال: رجل أحبّ اليّ. «1» و في الجواهر حملها على ما إذا كان الرجل خيرا من المرأة تأدية.

و عليه، فلا مانع من الجمع بين كون المماثلة في نفسها اولى، و إذا كان الرجل خيرا من المرأة تأدية فهو أحبّ، لثبوت جهتين و عدم منافاة في البين.

المقام الخامس: في جواز استنابة الصرورة مطلقا. و فيه أقوال متعددة، ترجع الى الجواز مطلقا كما في المتن، و هو قول معظم الأصحاب، كما في محكيّ المدارك، و عدم جواز حج المرأة الصرورة عن غيرها، رجلا كان أو امرأة، كما عن النهاية و التهذيب و صريح المبسوط و

المهذب، و عدم جواز حجّها عن الرجال فقط، كما عن الاستبصار.

و يدلّ على قول المعظم أمران:

أحدهما: إطلاق بعض الروايات المتقدمة في المقام الرابع، الدالّ على جواز نيابة الرجل عن المرأة و المرأة عن الرّجل، كصحيحتي معاوية بن عمّار و حكم بن

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الثامن ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 42

..........

______________________________

حكيم، فان مقتضى إطلاقهما: عدم الفرق بين كون المرأة صرورة أو غيرها.

و لكنه يمكن المناقشة في ذلك بان محطّ السّؤال في الاولى، و ما هو بصدد بيانه في الثانية، انّما هو مجرّد اعتبار المماثلة في الذكورة و الأنوثة و عدمها، و لا دلالة لهما على عدم اعتبار خصوصية أخرى، فلا مجال للتمسك بإطلاقهما، كما لا يخفى.

ثانيهما: صحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السلام- قال: لا بأس ان يحج الصرورة عن الصّرورة. «1» فإن الرواية بضميمة عدم اعتبار المماثلة الثابت بالروايات المتقدمة، تعطي جواز نيابة المرأة الصرورة عن غيرها مطلقا.

و امّا القول الثاني: فمستنده، ما رواه على بن احمد بن أشيم عن سليمان بن جعفر، قال: سألت الرّضا- عليه السلام- عن امرأة صرورة، حجّت عن امرأة صرورة.

فقال: لا ينبغي. «2» بناء على كون كلمة «لا ينبغي» ظاهرة في عدم الجواز، و إذا لم تجز نيابتها عن المرأة، فعدم جواز نيابتها عن الرجل بطريق اولى.

و لكن لو سلّمنا ظهور الكلمة المذكورة في عدم الجواز، لكن سند الرواية ضعيف بعلي بن احمد بن أشيم، فلا تصلح للاستناد إليها أصلا.

و امّا القول الثالث: فالوجه فيه روايات متعددة ظاهرة من حيث الدلالة، ضعيفة من حيث السند، و لأجله لا يصحّ الاعتماد عليها بوجه.

منها: رواية مصادف عن أبي عبد

اللّٰه- ع- في المرأة تحج عن الرجل الضرورة- فقال: ان كانت قد حجّت و كانت مسلمة فقهية، فربّ امرأة أفقه من رجل. «3»

و هي ضعيفة بسهل بن زياد و مصادف.

و منها: رواية أخرى لمصادف، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- ع-: أ تحجّ المرأة عن

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب السادس ح- 1.

(2) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب التاسع ح- 3.

(3) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الثامن ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 43

[مسألة 3 يشترط في صحة الحج النيابي قصد النيابة و تعيين المنوب عنه]

مسألة 3- يشترط في صحة الحج النيابي قصد النيابة و تعيين المنوب عنه في النيّة، و لو إجمالا، لا ذكر اسمه، و ان كان مستحبّا في جميع المواطن و المواقف، و تصحّ النيابة بالجعالة، كما تصحّ بالإجارة و التبرّع. (1)

______________________________

الرّجل؟ قال: نعم، إذا كانت فقهية مسلمة، و كانت قد حجّت، رب امرأة خير من رجل. «1» و الظاهر، كما عرفت في نظائره اتحاد الروايتين، خصوصا مع كون الراوي عن مصادف هو الحسن بن محبوب بوساطة ابن رئاب كما في الأولى، أو بدونها كما في الثانية، و هي ضعيفة، مضافا الى مصادف بالحسن اللؤلؤي الراوي عن الحسن بن محبوب.

و منها: رواية مفضل عن زيد الشحام عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال: سمعته يقول:

يحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة، و لا تحج المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة. «2» و هي أيضا ضعيفة بمفضل، أبي جميلة الكذاب. و قد انقدح من جميع ما ذكرنا صحة ما ذهب اليه المشهور.

(1) المذكور في هذه المسألة أمور:

الأوّل: اعتبار قصد النيابة و تعيين المنوب عنه في النيّة، في صحة الحج النّيابي، و الوجه فيه، كون النيابة من العناوين القصدية

التي لا ينصرف الفعل المشترك، الذي يمكن وقوعه على وجهين من النفس أو الغير الى خصوص وجه خاص، إلّا بالنيّة، كسائر العناوين القصدية المتقومة بالقصد، فوقوعه عن الغير يفتقر الى قصده و إيقاعه نيابة عنه، بل مقتضى، ما ذكرنا، من ان النائب يقصد تقرب المنوب عنه لا تقرب نفسه، لعدم توجه الأمر القربي اليه بوجه، و عدم كونه بصدد تقرب نفسه، حتى فيما لو لم تكن النيابة استيجارية، بل تبرعية واقعة بعنوان

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الثامن ح- 8.

(2) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب التاسع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 44

..........

______________________________

الاستحباب، ضرورة ان التقرب بالنيابة غير التقرب بالفعل المنوب فيه، تقوم ماهية النيابة بقصد الغير، الذي يقصد تقرّبه، و لا تتحقق بدونه، فلا اشكال من هذه الجهة.

و امّا تعيين المنوب عنه في النية و لو إجمالا، ففيما إذا كان المنوب عنه متعددا، كما فيما إذا استؤجر للصلاة لأشخاص متعددين، فلا شبهة في اعتباره لعدم تعين المنوب عنه الّا بالتعيين كذلك، و امّا إذا كان المنوب عنه واحدا، فحيث ان النيابة التبرعية لا تختص بشخص خاص، فاللازم تعيين المنوب عنه أيضا لعدم التعيين بدون التعيين، مضافا الى ان قصد امتثال الأمر المتوجه الى المنوب عنه لا يكاد يتحقق بدون تعيينه بعد ما عرفت، من ان النائب يقصد تقرب المنوب عنه.

الثّاني: انه لا يلزم ذكر اسمه، كما في سائر موارد النيابة في العبادات، بل هو مستحب في خصوص الحج لا عند الشروع فقط، بل في جميع المواطن و المواقف، و يدل عليه الجمع بين الروايات المتعددة المختلفة، الواردة في هذه الجهة:

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن

أبي جعفر- عليه السلام-، قال: قلت له:

ما يجب على الذي يحج عن الرجل؟ قال يسمّيه في المواطن و المواقف «1».

و ظاهرها وجوب التّسمية.

و في مقابلها رواية مثنى بن عبد السلام عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام-، في الرجل يحج عن الإنسان، يذكره في جميع المواطن كلها؟ قال: ان شاء فعل، و ان شاء لم يفعل، اللّٰه يعلم انه قد حج عنه، و لكن يذكره عند الأضحية إذا ذبحها. «2»

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب السادس عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب السادس عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 45

[مسألة 4 لا تفرغ ذمة المنوب عنه الّا بإتيان النائب صحيحا]

المسألة 4- لا تفرغ ذمة المنوب عنه الّا بإتيان النائب صحيحا، نعم، لو مات النائب بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأ عنه، و الّا فلا، و ان مات بعد الإحرام، و في إجراء الحكم في الحج التبرعي، إشكال، بل في غير حجة الإسلام لا يخلو من اشكال. (1)

______________________________

و صحيحة البزنطي، انه قال: سأل رجل أبا الحسن الأوّل- عليه السلام- عن الرجل يحج عن الرجل يسمّيه باسمه؟ قال: (انّ) اللّٰه لا يخفى عليه خافية «1».

الثالث: انه تصحّ النيابة بالجعالة، كما تصح بالإجارة و التبرّع. و الوجه فيه:

إطلاقات أدلة الجعالة، كأدلة الإجارة، و لم ينقل فيه خلاف منّا، بل نسب الى بعض العامة، حيث ذهب الى الفساد.

ثم انه قد حقق في محلّه من كتاب الإجارة: انه لا منافاة بين أخذ الأجرة من الأجير و بين صحة عمله العبادي و وقوعه عبادة، خصوصا بعد كون المنوي هو تقرب المنوب عنه لا تقرب نفس النائب، فإنه لا منافاة أصلا بين أخذ الأجرة و بين تقرب المنوب عنه بوجه، كما

ان قصد التقرب في النيابة التبرعية الاستحبابية لا ينافي قصد تقرّب المنوب عنه، لان تقرب النائب انّما هو بنفس النيابة، و تقرب المنوب عنه بفعل المنوب فيه، فالمقرب متعدّد، كما لا يخفى.

(1) في هذه المسألة أحكام و فروع:

الأوّل: انه لا تفرغ ذمّة المنوب عنه الّا بإتيان النائب صحيحا، و قد ادّعي صاحب الجواهر- قده- الضرورة على عدم الفراغ بمجرّد الاستيجار، و حكى الخلاف عن صاحب الحدائق: و الكلام في ذلك، تارة فيما هو مقتضى القاعدة، و اخرى فيما تقتضيه الأخبار الواردة. فنقول: امّا من الجهة الاولى: فلا شبهة في ان مقتضى

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب السادس عشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 46

..........

______________________________

القاعدة عدم الفراغ بمجرد الاستيجار، لأن الإجارة و ان كانت مؤثرة في حصول ملكية الأجير للأجرة و ملكية المستأجر للعمل على الأجير، الّا ان الملكية لا تقتضي انتقال التكليف بالحج المتوجه الى المنوب عنه إلى النائب، بل التكليف باق بحاله و لا يسقط إلّا بالإتيان بمتعلقه من المنوب عنه أو النائب، و الوصية و الاستيجار لا يوجبان الانتقال، أصلا. و صاحب الحدائق، و ان استند فيما ذهب إليه الى الأخبار الواردة، الّا انه يظهر من بعض كلماته الانتقال، حيث يقول: انه لما اوصى بما ذمته من الحج، انتقل الخطاب إلى الوصي، و الوصي لمّا نفّذ الوصية و استأجر فقد قضى ما عليه، و بقي الخطاب على المستأجر، و حيث انه لا مال له سقط الاستيجار مرّة أخرى.

مع انّك عرفت: ان الانتقال مما لا سبيل إليه أصلا، لا إلى الوصي و لا إلى الأجير، بل الواجب على الوصيّ العمل بالوصية و على الأجير العمل

بعقد الإجارة، و امّا التكليف فهو متوجه الى المنوب عنه و باق بحاله، لا يسقط إلّا بالإتيان أو بما جعله الشارع مقام الإتيان بمجموع العبادة، كالموت بعد الإحرام إلّا بالإتيان أو بما جعله الشارع مقام الإتيان بمجموع العبادة، كالموت بعد الإحرام و دخول الحرم، كما في نفس المكلف، على ما تقدم بحثه من أجزاء الإحرام و دخول الحرم، عمن استقر عليه الحج و مات بعدهم، فمقتضى القاعدة هو ما عليه غير الحدائق.

و امّا من الجهة الثانية: فقد وردت روايات، لا بد من ملاحظتها سندا و دلالة:

منها: مرسلة ابن أبي عمير عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام-، في رجل أخذ من رجل مالا و لم يحج عنه، و مات و لم يخلف شيئا. فقال: ان كان حجّ الأجير، أخذت حجّته و دفعت الى صاحب المال، و ان لم يكن حجّ، كتب لصاحب المال ثواب الحجّ. «1» لكنها ضعيفة من حيث السند، و كون مراسيل ابن

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الثالث و العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 47

..........

______________________________

أبي عمير كمسانيده، لانه لا يروي و لا يرسل الّا عن ثقة، ممّا لم يثبت، و كون الرجل من أصحاب الإجماع، لا يرجع الّا الى مجرّد الإجماع على وثاقته لا وثاقة من يروي عنه أيضا.

و امّا الدلالة، فظاهرها إجزاء حجة النائب التي اتى بها قبل النيابة لنفسه عن المنوب عنه، و كفايتها في فراغ ذمّته، و امّا في صورة عدم تحقق الحج منه قبلا، فمجرد كتابة ثواب الحج لصاحب المال، اي المنوب عنه، لا دلالة له على الاجزاء، فان ثبوت الثواب أمر و فراغ الذمة أمر

أخر. و امّا الاستشكال في دلالتها، كما عن بعض الأعلام، بأن ظاهرها كون المنوب عنه رجلا حيّا، و هو لا يجتمع مع كون الحج حجة الإسلام، لأنه لا يجوز للحيّ الاستنابة فيها الّا مع الهرم أو المرض الذي لا يرجى زواله. فيدفعه: ان ثبوت مورد للجواز لاستنابة الحيّ يكفي في عدم اختصاص الرواية بغير حجة الإسلام، كما هو ظاهر.

و منها: مرسلة الصدوق، قال: قيل لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام-: الرجل يأخذ الحجة من الرجل فيموت فلا يترك شيئا. فقال: أجزأت عن الميت، و ان كان له عند اللّٰه حجّة أثبتت لصاحبه. «1» و قد مرّ غير مرّة ان هذا النحو من الإرسال، الذي يسند القول الى الامام- عليه السلام- دون الرواية بمثل «روى» يكون حجة، بل لعلّه يكون اولى من الرواية المسندة التي تكون رواتها ثقة، لأن الإسناد الى الامام- ع- مع ثبوت الواسطة، بل الوسائط لا يقع الّا مع الاطمئنان و الوثوق الكامل بالصدور، كما نراه في تعابيرنا و استعمالاتنا. و امّا الدلالة: فالظاهر تماميتها و ثبوت الاجزاء عن المنوب عنه مطلقا، من دون فرق بين ما إذا اتى النائب بحجة لنفسه قبل النيابة، و ما إذا لم يأت بها، غاية الأمر، أنه في صورة

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الثالث و العشرون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 48

..........

______________________________

الإتيان أثبتت تلك الحجة للمنوب عنه، صاحب المال.

و منها: موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام-، عن رجل أخذ دراهم رجل (ليحج عنه- في التهذيب المطبوع) فأنفقها، فلمّا حضر أوان الحج لم يقدر الرجل على شي ء. قال: يحتال و يحج عن صاحبه كما ضمن،

سئل ان لم يقدر؟ قال: ان كانت له عند اللّٰه حجة أخذها عنه فجعلها للذي أخذ منه الحجة. «1» و دلالتها على الاجزاء في صورة ما كان له عند اللّٰه حجة ظاهرة، و لم يقع فيها التعرض لغير هذه الصورة، بل يمكن ان يقال بدلالتها على عدم الاجزاء، كما لا يخفى.

هذا، و لكن في مقابلها روايات ظاهرة في عدم الاجزاء قبل شروع النائب في الحج، و لو بقطع بعض الطريق، مثل:

موثقة إسحاق بن عمّار، قال: سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة، فيعطي رجل دراهم يحجّ بها عنه فيموت قبل ان يحج، ثم اعطى الدراهم غيره. فقال: ان مات في الطريق أو بمكة قبل ان يقضي مناسكه فإنه يجزي عن الأوّل، قلت: فان ابتلي بشي ء يفسد عليه حجّه حتى يصير عليه الحج من قابل، أ يجزي عن الأوّل؟

قال: نعم. قلت: لأن الأجير ضامن للحج، قال: نعم. «2»

فان تعليق الاجزاء عن الميت على موت النائب في الطريق أو بمكة، ظاهر في عدم الاجزاء بمجرد الاستنابة و لو مع أخذ مال الإجارة أو الجعالة. و امّا قول السائل: لأن الأجير ضامن للحج الذي قرّره الامام- ع-، فيحتمل فيه في نفسه وجوه ثلاثة:

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الثالث و العشرون ح- 3.

(2) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الخامس عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 49

..........

______________________________

أحدها: ان يكون المراد من ضمان الأجير انتقال ذمة المنوب عنه إلى النائب، و ثبوت الحج في ذمته بعد ما كان في ذمة المنوب عنه.

ثانيها: ان يكون المراد هو الضمان الحاصل بمقتضى عقد الإجارة، و مرجعه الى اشتغال ذمة الأجير بالعمل من دون ان يكون

هناك انتقال، كما في الضمان في الموثقة المتقدمة.

ثالثها: ان يكون المراد هو الضمان للحج من قابل، لأجل إفساده للحج في العام الأوّل، كثبوت الكفارة عليه إذا اتى بموجبها. و حمله على الوجه الأوّل ينافي صدر الرواية الظاهر في التعليق المذكور، فلا بد ان يكون المراد أحد الأخيرين، و الظاهر هو الوجه الأخير، كما لا يخفى.

و مرسلة الحسين بن عثمان، عمن ذكره عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في رجل اعطى رجلا ما يحجّه فحدث بالرجل حدث، فقال: ان كان خرج فأصابه في بعض الطريق فقد أجزأت عن الأوّل، و الّا فلا. «1»

و مرسلة الحسين بن يحيى (عثمان) عمّن ذكره عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام-، في رجل اعطى رجلا مالا يحج عنه فمات. قال: فان مات في منزله قبل ان يخرج فلا يجزي عنه، و ان مات في الطريق فقد أجزأ عنه. «2» و لو كان الراوي هو الحسين بن عثمان، لا تكون هذه رواية أخرى، بل تكون متحدة مع الرواية السابقة، و ان جعلهما في الوسائل متعددا.

هذا، و مقتضى القاعدة بعد تعارض الطائفتين و تمامية دلالتهما و سندهما في الجملة ترجيح الطائفة الثانية، لموافقتها للشهرة الفتوائية المحقّقة، و هي أوّل

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الخامس عشر ح- 3.

(2) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الخامس عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 50

..........

______________________________

المرجحات، كما حققناه في محلّه.

و على ما ذكرنا لا تصل النوبة الى ما قيل، من: انّ اعراض المشهور عن الطائفة الأولى يوجب القدح فيها و سقوطها عن الحجيّة و الاعتبار، كما لا يخفى.

الثاني: موت النائب بعد الشروع في السّفر و طيّ بعض الطريق،

و فيه صور:

الاولى: موته بعد الإحرام و دخول الحرم، و الحكم فيه: الاجزاء عن المنوب عنه إجماعا، كما في الجواهر و المستند، و قد عرفت: ثبوت الاجزاء في الحاجّ عن نفسه إذا استقر عليه الحج و مات بعد الإحرام و دخول الحرم، لدلالة الروايات المعتبرة عليه، و لكن الوجه في المقام ليس هو اقتضاء النيابة لجريان حكم المنوب عنه في النائب، بحيث كان مقتضى أدلة مشروعية النيابة بضميمة تلك الروايات ثبوت ذلك الحكم في النائب، و ان كان المستفاد من المدارك و الجواهر ذلك، حيث ذكرا: ان فعله كفعل المنوب عنه، و ذكر الثاني أيضا: ان الظاهر و لو بمعونة فهم الأصحاب كون ذلك كيفية خاصّة في الحج نفسه، سواء كان عن نفسه أو عن الغير، و سواء كان واجبا بالنذر أو غيره.

و ذلك- اي عدم كون الوجه ما ذكر-: ان النيابة لا تقتضي أزيد من اشتراكهما في الافعال و المناسك و الاجزاء و الشرائط و نحوهما، و مما هو داخل في المنوب فيه، و لا تقتضي الاشتراك في الأحكام أصلا، فنفس النيابة لا تقتضي ذلك، بل لا بدّ من اقامة الدليل في النائب مستقلا. و عمدة الدليل عليه موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة المشتملة على قوله: ان مات في الطريق أو بمكة قبل ان يقضي مناسكه، فإنّه يجزي عن الأوّل، فإن القدر المتيقن من الموت في الطريق أو بمكّة هي هذه الصورة، التي مات النائب بعد الإحرام و دخول الحرم، و تؤيدها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 51

..........

______________________________

المرسلتان المتقدمتان.

و امّا ما افاده السيد- قده- في العروة، مما ظاهره: ان الاستدلال بالموثقة إنّما يتوقف على ملاحظة تقييدها بمرسلة المفيد-

قده- في المقنعة. قال: قال الصادق- عليه السلام-: من خرج حاجّا فمات في الطريق فإنّه ان كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجّة، فان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج، و ليقض عنه وليّه «1». نظرا الى ان إطلاقها يشمل الحاج عن غيره أيضا، و ضعفها منجبر بالشهرة و الإجماعات المنقولة، فيرد عليه:

أوّلا: ان هذه المرسلة من قبيل المراسيل المعتبرة، كمرسلة الصدوق المتقدمة في الفرع الأول، فلا تحتاج الى الانجبار بوجه.

و ثانيا: ان المرسلة لا إطلاق لها تشمل النائب الذي يحجّ عن غيره، بقرينة قوله- ع- في الذيل: و ليقض عنه وليه. الظاهر في الحاج لنفسه، لأنه الذي يقضي عنه وليّه، كما عرفت، و لا يجب القضاء عن النائب.

و ثالثا: و هو العمدة: ان الاستدلال بالموثقة للاجزاء في هذه الصورة لا يتوقف على تقييدها بالمرسلة، لما عرفت، من: ان الموثّقة تدل على الاجزاء في المقام، لانه القدر المتيقن من الموت في الطريق أو بمكة، فلا حاجة في هذه الجهة إلى التقييد بوجه، كما لا يخفى، و بعبارة أخرى: الاجزاء في هذه الصورة لا يحتاج في جهة الإثبات إلى شي ء أخر غير الموثقة. و امّا في جهة النفي الراجعة الى غير هذه الصورة، فاللازم ملاحظة المقيّد، كما هو ظاهر.

نعم، اللازم في المقام ملاحظة ما يمكن ان يكون معارضا للموثقة، و هي موثقة عمار السّاباطي عن أبي عبد اللّٰه- ع-، في رجل حجّ عن أخر و مات في الطريق.

______________________________

(1) وسائل أبواب وجوب الحج الباب السادس و العشرون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 52

..........

______________________________

قال: و قد وقع اجره على اللّٰه، و لكن يوصي، فإن قدر على رجل يركب

في رحله و يأكل زاده، فعل. «1»

وجه المعارضة: ظهور هذه الرواية في وجوب الإيصاء و تفويض الزاد و الراحلة إلى الغير، ليأتي بالحجّ و يتم المناسك، و هذا يلازم عدم الاجزاء، لانه لا مجال مع الاجزاء لوجوب الإيصاء، كما لا يخفى.

و اللازم بعد عدم ارتباط المرسلة بالمقام ملاحظة هاتين الموثقين اللتين هما العمدة، لا في خصوص موت النائب بعد الإحرام و دخول الحرم، بل في جميع صور المسألة، مثل موت النائب بعد الإحرام و قبل دخول الحرم، و موت النائب في الطريق قبلهما، فنقول:

ذكر بعض الاعلام في مقام الجمع بينهما: ان قوله- ع- في موثقة إسحاق بن عمّار: قبل ان يقضي مناسكه. ظاهر في الرجوع الى أمرين: و هما الموت في الطريق أو بمكة و بعد الدخول في الحرم، نظير ما إذا قيل: جئني بزيد أو عمر و يوم الجمعة، حيث ان القيد يرجع الى الأمرين معا، و لا يختص بالرجوع إلى الأخيرة فقط، كما ان معنى القيد بملاحظة كلمة «القضاء» قبل الانتهاء من مناسكه و إتمام أعماله، فإنّ القضاء بمعنى الإتمام و الانتهاء، و منه إطلاق «القاضي» على من يحكم بين المتخاصمين لانهائه النزاع بينهما.

و من الظاهر ان هذا التعبير انّما هو في خصوص ما إذا تحقق الشروع في العمل، فإنه قبل الشروع لا يصدق قبل الانتهاء و قبل الإتمام. و عليه، فالرواية تختص بما إذا تحقق موت النائب بعد الشروع في الحج، سواء كان في الطريق أو بمكة، و الشروع في الحج انما يتحقق بالإحرام. فالرواية تدل على الاجزاء فيما إذا

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الخامس عشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 53

..........

______________________________

عرض

الموت بعد تحقق الإحرام، سواء دخل في الحرم أم لم يدخل، و النسبة- حينئذ- بينها و بين موثقة عمّار، الظاهرة في عدم الاجزاء مطلقا، هي الإطلاق و التقييد، لأن إطلاق موثقة عمار يقيّد بمورد ثبوت الاجزاء، الذي تدل عليه موثقة إسحاق، فيكون الحكم في النائب- حينئذ- أوسع من الحكم في الحاجّ عن نفسه مع استقرار الحج عليه، حيث انه يختص الحكم بالاجزاء فيه بخصوص ما إذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم، و لا يشمل الموت بعد الإحرام و قبل دخول الحرم.

هذا، و يرد عليه منع كلا الأمرين، فإن الظاهر ان المراد بقضاء المناسك هو الإتيان بها و إيجادها في الخارج، و المراد بقبله هو قبل الإتيان بها، و لا فرق فيه بين صورتي الشروع و عدمه، فإنه كما يصدق على من مات بعد الإحرام، انه مات قبل ان يقضي مناسكه، كذلك يصدق على من مات في المدينة- مثلا- قبل ان يحرم من مسجد الشجرة، انه مات قبل ان يقضي مناسكه، و لو فرض عدم كونه كذلك بحسب اللغة، لكنه بحسب ما هو المتفاهم عند العرف لا يكون كذلك، بل يعمّ الصورة المذكورة، و يؤيده ان الجمع بين حمل القيد على المعنى المذكور و بين إرجاعه إلى الموت في الطريق، الظاهر في نفسه في الموت قبل الشروع في الأعمال، و لا أقل من كونه الفرد الظاهر منه، لا يكاد يستقيم لعدم ملاءمة الموت في الطريق، مع كونه قبل إتمام المناسك و انتهاء الاعمال.

و عليه، فالظاهر ان المراد بقضاء المناسك مجرد إتيانها و إيجادها في الخارج لا خصوص إتمامها و انتهائها، و منه يظهر رجوع القيد الى خصوص ما إذا مات بمكّة لا إلى الأمرين، و

الغرض من التقييد إخراج ما إذا تحقق الموت بمكة بعد تمامية الأعمال و الإتيان بالمناسك، فإنّ الاجزاء فيه أمر واضح لا يحتاج الى البيان، لوضوح عدم مدخلية عود النائب إلى الوطن في تحقق الاجزاء، فالجمع بالكيفية المذكورة خلاف الظاهر جدّا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 54

..........

______________________________

ثم انه قد جمع بين الموثقين بوجوه اخرى:

منها: حمل موثقة عمار، الظاهرة في وجوب الإيصاء و عدم الاجزاء عن المنوب عنه، على الاستحباب، و ان كانت الجملة خبرية و دلالتها على الوجوب أظهر من دلالة مثل هيئة افعل. وجه الحمل: صراحة موثقة إسحاق في الاجزاء و عدم وجوب الإيصاء، فيحمل الظاهر على النّص. ذكره السّيد- في العروة- و يبعّده، مضافا الى ما ذكر، من: ان الجملة الخبرية أظهر في الدلالة على الوجوب من هيئة افعل، ان تكرار الجملة المزبورة تارة بصيغة المضارع، و اخرى بصيغة الماضي، يمنع عن الحمل المذكور و لا يلائمه.

و منها: انه لا منافاة بين الموثقين، لان إحديهما تدل على الاجزاء عن المنوب عنه، و الأخرى على وجوب الإيصاء على النائب، و لا منافاة بين الأمرين، فإن الاجزاء عن المنوب عنه انّما يكون مرتبطا به و راجعا اليه، و معناه فراغ ذمته عن الحج بعد الاشتغال به، و وجوب الإيصاء أمر يرتبط بالنائب و يكون وظيفة له، و لا ينافي الأجزاء فهو نظير ما إذا اتى النائب بالحج و لكنّه اتى بشي ء يوجب فساده و لزوم الإتيان به في العام القابل، فمات قبل العام الثاني، فإنه يجب على ورثة النائب القضاء عنه في ذلك العام.

و يدفعه: ان وجوب الإتيان بالحج على النائب في العالم القابل انّما هو لأجل إفساده له في العام

الأوّل، و امّا في المقام فلا مجال لوجوب الإيصاء على النائب بعد تحقق الإجزاء بالنسبة إلى المنوب عنه، كما هو المفروض، و احتمال كون الوجه في الاجزاء هو انتقال اشتغال ذمّة المنوب عنه إلى النائب بمجرد حدوث أمارات الموت و شواهده، مما لا سبيل إليه أصلا. فهذا الوجه أيضا غير تامّ.

و منها: ان مورد موثّقة عمّار مطلق يشمل النيابة بالأجرة و النيابة بالتبرع، و مورد موثقة إسحاق خصوص النيابة بالأجرة، فيحمل المطلق على المقيد، و يقال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 55

..........

______________________________

بالتفصيل بين صورتي النيابة.

و يدفعه: ان لازم التفصيل المزبور الالتزام بالاجزاء فيما إذا كانت النيابة بالأجرة، و بوجوب الإيصاء إذا كانت النيابة بالتبرع، مع انه على فرض التفصيل يكون مقتضى القاعدة عكس ذلك، فإنه إذا كانت النيابة بالأجرة موجبة للاجزاء في صورة الموت، مع فرض أخذ الأجرة، ففيما إذا كانت تبرعية يكون الاجزاء و عدم وجوب الإيصاء بطريق اولى نعم، لو كان مقتضى التفصيل العكس، لكان للالتزام به وجه، كما لا يخفى.

و الحقّ في المقام، ان يقال: انه لو كان للإجماع المدّعى في صورتي المسألة: أحدهما:

الإجماع على الاجزاء، فيما إذا مات النائب بعد الإحرام و دخول الحرم. و ثانيهما:

الإجماع على عدم الاجزاء، فيما إذا مات قبل الإحرام و قبل دخول الحرم أصالة، و لم يكن مستندا إلى الرواية، لا مانع من طرح الرّوايتين، لتعارضهما و عدم إمكان الجمع بينهما، لما عرفت، من: عدم تمامية شي ء من وجوه الجمع و الرجوع في الفرض الثالث، و هو الموت بعد الإحرام و قبل دخول الحرم، إلى القاعدة التي مقتضاها عدم الاجزاء لعدم تحقق الحج من النائب، خلافا لما عن الشيخ و

ابن إدريس و بعض أخر، من القول بالاجزاء في هذه الصورة أيضا.

و امّا إذا لم يكن للإجماع أصالة، كما هو الظاهر، فاللازم الأخذ بكلتا الموثقتين، بالإضافة إلى القدر المتيقن من كل منهما، فان القدر المتيقن من دليل الاجزاء هو الموت بعد الإحرام و دخول الحرم، و من دليل عدم الاجزاء هو الموت قبل الإحرام و قبل دخول الحرم، و الرجوع في مورد الشك من كل منهما، و هي الصورة الثالثة المذكورة، إلى القاعدة، و هي تقتضي عدم الاجزاء كما عرفت. و مما ذكرنا يظهر الوجه في الحكم الماتن- قدس سرّه الشريف- بعدم الاجزاء في هذه الصّورة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 56

[مسألة 5 لو مات الأجير بعد الإحرام و دخول الحرم]

مسألة 5- لو مات الأجير بعد الإحرام و دخول الحرم، يستحقّ تمام الأجرة ان كان أجيرا على تفريغ الذّمة، كيف كان، و بالنسبة الى ما اتى به من الأعمال إذا كان أجيرا على نفس الأعمال المخصوصة، و لم تكن المقدمات داخلة في الإجارة، و لم يستحقّ شيئا حينئذ إذا مات قبل الإحرام، و امّا الإحرام فمع عدم الاستثناء داخل في العمل المستأجر عليه، و الذهاب إلى مكّة بعد الإحرام و الى منى و عرفات غير داخل فيه و لا يستحقّ به شيئا، و لو كان المشي و المقدمات داخلا في الإجارة فيستحق بالنسبة إليه مطلقا و لو كان مطلوبا من باب المقدّمة، هذا مع التصريح بكيفيّة الإجارة، و مع الإطلاق كذلك أيضا، كما انه معه يستحقّ تمام الأجرة لو اتى بالمصداق الصحيح العرفي و لو كان فيه نقض ممّا لا يضرّ بالاسم، نعم، لو كان النقض شيئا يجب قضائه، فالظاهر انه عليه لا على المستأجر. (1)

______________________________

ثمّ ان شمول

الحكم بالاجزاء لصورة التبرع بالنيابة مع كون أصل الحكم على خلاف القاعدة، محلّ اشكال، سواء كان المستند هو الإجماع أو موثقة إسحاق، لان القدر المتيقّن من الإجماع و مورد الموثقة هي النيابة بالأجرة، و لا دليل على الشمول لغيرها، و ما ذكرناه من الأولوية انّما هو بالإضافة الى عدم وجوب الإيصاء لا بالنسبة إلى أصل الأجزاء. فتدبّر.

و كذا شمول الحكم لغير حجة الإسلام لا يخلو عن الاشكال، و ان كان يمكن الاستناد له بإطلاق قوله في الموثقة: فيوصي بحجّة. الّا ان الظاهر انصرافها الى حجة الإسلام، و يؤيده الاختصاص بها في الحاجّ عن نفسه، كما مرّ بحثه.

(1) هذه المسألة ناظرة إلى صورة استحقاق النائب الذي عرض له الموت للأجرة- كلّا أو بعضا- و عدمه، كما ان المسألة السابقة كانت متعرضة لصور الاجزاء عن المنوب عنه و عدمه، و لا بد في المقام قبل التعرض لبيان احكام الصور من بيان: انّ متعلق الإجارة في النيابة في الحج يتصور فيه صور:

إحداها: ان يكون المتعلق هو تفريغ ذمة المنوب عنه و رفع اشتغالها، و لا مجال للإشكال في صحّة هذا النحو من الإجارة بعد كون المتعلق مقدورا للنائب و لو بالواسطة، كما إذا كان المتعلق هو التطهير و نحوه من الأفعال التوليديّة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 57

..........

______________________________

ثانيتها: ان يكون المتعلق خصوص اعمال الحج و مناسكه، بحيث كانت المقدمات خارجة عن الإجارة غير داخلة فيها أصلا، و لم يكن عنوان التفريغ مأخوذا في المتعلق، بل كان عبارة عن مجرد الاعمال و المناسك المخصوصية.

ثالثتها: ان يكون المتعلق الاعمال و المناسك بضميمة المقدمات، بحيث كانت المقدمات داخلة في المتعلق، و دخولها فيه، تارة: بنحو الجزئية،

بأن تكون المقدمات جزء للمتعلّق، كجزئية الاعمال و المناسك، و لم يكن بينهما فرق من جهة الإجارة، و ان كان بينهما الفرق فيما يرتبط الى المطلوبية الشرعية، حيث ان الاعمال و المناسك مطلوبة نفسية و المقدمات غيريّة، على تقدير وجوب المقدمة، و اخرى: بنحو المقدمية، كأصل المطلوبيّة. و عليه، يكون دخولها في المتعلق انّما هو بالتبع لا في عرض الاعمال و المناسك.

إذا عرفت ذلك، فاعلم: انه لو كان النائب أجيرا على تفريغ ذمّة المنوب عنه و مات بعد الإحرام و دخول الحرم، يستحقّ تمام الأجرة، لتحقق متعلق الإجارة، و هو التفريغ لما عرفت، من: تحقّق الاجزاء، و ثبوته في هذه الصورة بلا شبهة، فيستحق تمام الأجرة كذلك. و لو كان النائب في هذا الفرض أجيرا على نفس الاعمال و المناسك دون عنوان التفريغ، فالظاهر بمقتضى القاعدة، كما في المتن و غيره، استحقاق الأجرة بالنسبة الى ما اتى به من الاعمال، بمعنى توزيعها على الاعمال، و استحقاقه ما يقابل ما اتى به، و لكن في محكيّ المسالك: «مقتضى الأصل ان لا يستحقّ إلا بالنسبة، لكن وردت النصوص باجزاء الحج عن المنوب و براءة ذمة الأجير، و اتفق الأصحاب على استحقاقه جميع الأجرة، فهذا الحكم ثبت على خلاف الأصل».

و في محكي كشف اللثام: «لا يستعاد من تركته- يعني النائب- شي ء، بلا خلاف عندنا، على ما في الغنية، و في الخلاف إجماع الأصحاب على انه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 58

..........

______________________________

منصوص لا يختلفون فيه، و في المعتبر أنه المشهور بينهم. فان ثبت عليه إجماع أو نص و الّا اتجهت استعادة ما بإزاء الباقي».

أقول: امّا نصوص الاجزاء فلا دلالة لها الّا على مجرد

الاجزاء و حصول الفراغ للمنوب عنه، و هذا لا يستلزم استحقاق تمام الأجرة بعد كون المفروض: ان متعلق الإجارة ليس هو التفريغ، بل الاعمال و المناسك، بل ربما يحتمل عدم استحقاق شي ء من الأجرة، لعدم تحقق متعلق الإجارة، الذي هو مجموع الاعمال و المناسك، فلا توزع الأجرة على الأبعاض. و امّا الإجماع، فالظاهر عدم ثبوت الإطلاق له يشمل هذه الصورة، و القدر المتيقن منه ما إذا كان المتعلق هو التفريغ، و ان صرح الحدائق بثبوت الإجماع في هذا الصورة أيضا، لكنه لا شاهد له.

ثمّ انه في هذين الفرضين- اي كون المتعلق هو التفريغ أو مجرد الاعمال و المناسك و خروج المقدمات عن المتعلق مطلقا، لو فرض موت النائب قبل الإحرام و دخول الحرم لا يستحق من الأجرة شيئا. و الوجه فيه واضح، و امّا لو فرض موت النائب بعد الإحرام و قبل دخول الحرم، فالظاهر عدم استحقاق شي ء من الأجرة أيضا، امّا على تقدير كون المتعلق هو التفريغ، فلعدم حصوله بعد عدم الاجزاء في هذا الفرض، كما اخترناه، و امّا على تقدير كون المتعلق هي الأعمال و المناسك، فمقتضى قوله- قده- في المتن: و امّا الإحرام فمع عدم الاستثناء داخل في العمل المستأجر عليه. وقوع شي ء من الأجرة في مقابل مجرد الإحرام و ان لم يتحقق الدخول في الحرم بعده، لإطلاق العبارة و عدم اختصاصها بما إذا تحقق الدخول في الحرم أيضا، و لكنّه صرّح السيّد- قده- في العروة بعدم استحقاق شي ء، في هذه الصورة، مستدلا له بأنه لم يأت بالعمل المستأجر عليه لا كلا و لا بعضا، بعد فرض عدم اجزائه، و ذكر في ذيل كلامه في مقام الجواب عما ذكره

تفصيل الشريعة في

شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 59

..........

______________________________

بعضهم، من التوزيع على ما أتي به من الاعمال بعد الإحرام: أنه نظير ما إذا استؤجر للصلاة فاتى بركعة أو أزيد، ثم أبطلت صلاته، فإنه لا إشكال في انه لا يستحقّ الأجرة على ما أتى به، ثم قال: و دعوى انه و ان كان لا يستحق من المسمّى بالنسبة، لكن يستحقّ اجرة المثل لما اتى به، حيث ان عمله محترم.

مدفوعة، بأنّه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه، و المفروض انه لم يكن مغرورا من قبله.

و كيف كان، فالوجه في عدم استحقاق شي ء من الأجرة المسماة في قبال الإحرام فقط، كما هو المفروض من الموت بعده، امّا بطلان الإحرام، كما يظهر من تنظيره بالصلاة، و من قوله: انه لم يأت بالعمل المستأجر عليه لا كلا و لا بعضا. و عليه، فالموت بعد الإحرام بناء على عدم الاجزاء يكشف عن بطلانه، فلا مجال لوقوع شي ء من الأجرة عليه.

و امّا عدم نفع للمستأجر فيه بعد عدم تحقق الاجزاء به، و يظهر هذا من ذيل كلام السيد- قده- على ما عرفت.

و امّا عدم كونه عملا يبذل بإزائه المال و يقع المال في مقابله، لأن الإحرام ليس الّا مجرد نيّة الحج أو العمرة بضميمة التلبية، و لبس الثوبين ليس هما دخل في حقيقته، بل هو من واجباته، كما سيأتي ان شاء اللّٰه تعالى.

و يدفع الوجه الأخير منع عدم صلاحيته لبذل المال بإزائه، و ان كان هو عبارة عن مجرد النية و التلبية، لأنه يجوز استيجار الشخص على مجرد الوكالة في إنشاء عقد النكاح- مثلا- و بذل المال بإزائه، فكيف لا يقع في مقابل الإحرام! و ربما يناقش في الوجه الثاني:

بان عدم ثبوت نفع فيه للمستأجر، لفرض عدم الاجزاء، لا يستلزم عدم وقوع شي ء من الأجرة في مقابله، لأنّ مجرّد وقوع العمل بأمره و مضافا إليه يكفي في ذلك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 60

..........

______________________________

و امّا الوجه الأوّل: فإن ثبت كون الموت كاشفا عن بطلان الإحرام مع فرض عدم الاجزاء، فاللازم عدم وقوع شي ء من الأجرة في مقابله، لانه لا يبقى مجال لصحة الإجارة مع فرض بطلان العمل، و لكنه لا يقتضي عدم وقوع اجرة المثل في مقابله بعد شمول قاعدة ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده له. نعم، هذه القاعدة لا تقتضي الاستحقاق في مقابل المقدمات إذا كانت خارجة عن دائرة متعلق الإجارة، لعدم تحقق الضمان في صحيح الإجارة بالإضافة إليها بعد فرض الخروج، فلا يتحقق الضمان في فاسدها، كما لا يخفى. هذا كله مع التّصريح بخروج المقدمات عن دائرة متعلق الإجارة، و المراد بها أعمّ مما يتحقق قبل الإحرام و قبل الشروع في الأعمال، و مما يتحقق بعده، كالمشي من مسجد الشجرة- مثلا- إلى مكة و من مكة إلى منى و عرفات.

و امّا لو صرّح بدخولها في متعلق الإجارة، فالمذكور في العروة: أن دخولها فيه، تارة: يكون بنحو الجزئية و النفسية و في عرض الاعمال و المناسك، و اخرى: بنحو الغيرية و التبعيّة، كأصل المطلوبية بناء على مطلوبية المقدمة، فإنها لا تكون الّا غيريّة.

و قد فصلّ بينهما في العروة باستحقاق ما يقابلها من الأجرة في صورة الجزئية و عدمه في صورة التبعية، و صرّح في المتن: بعدم الفرق بين الصورتين، و ثبوت الاستحقاق في كلا الفرضين.

و لكن الظاهر في هذه الجهة ما افاده بعض الأعاظم في شرح العروة، من:

ان دخول المقدمات في الإجارة يتصور على أنحاء ثلاثة:

لأنه تارة: يكون دخولها في المتعلق على نحو الجزئية، مثل ما إذا قال المستأجر:

استأجرتك للحج و المقدمات، بحيث كان كل واحد منهما بعضها للمتعلق و جزءا له. و اخرى: يكون على نحو الشرطية، مثل ما إذا قال: استأجرتك للحج

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 61

..........

______________________________

و اشترطت عليك أن تحج من طريق بلدك إلى المدينة. و ثالثة: يكون على نحو القيدية، مثل ما إذا قال عملا بوصية الميت: استأجرتك للحج البلدي.

و لا إشكال في توزيع الأجرة على المقدمات في صورة الجزئية، لأنها بعض المتعلّق، فإذا مات في الطريق يستحق من الأجرة بنسبة ما مشى منه.

و امّا في صورة الشرطية، فالظاهر انه لا مجال للإشكال في عدم تقسيط الأجرة على الشرط، فانّ وجوده، و ان كان دخيلا في ازدياد الأجرة الّا انه لا يقع بإزائه شي ء منها، و لذا لا يترتب على مخالفته الّا ثبوت الخيار.

كما انه في صورة القيدية لا إشكال في عدم التوزيع و التقسيط، بل لو حجّ في المثال من غير البلد، لا يستحق شيئا، لعدم حصول متعلق الإجارة و هو الحج البلدي، ففيما إذا مات النائب في الطريق قبل الإحرام، و لو في المدينة، لا يستحقّ شيئا من الأجرة.

ثم ان الظاهر انه كما لا يستحق من الأجرة المسماة في الفرضين الأخيرين، كذلك لا يستحق اجرة المثل، لعدم اقتضاء قاعدة ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده له، بعد عدم تحقق الضمان المعاوضي إلّا بالإضافة إلى المشروط و المقيد فقط، و خروج الشرط و القيد عن العوضين. و مما ذكرنا، يظهر الاشكال على المتن، تارة: من جهة تعميم الحكم بدخول المقدمات، و

ثانية: من جهة تصوير فرضين للدخول، مع ان الفروض ثلاثة، كما عرفت، و ثالثة: من جهة التعبير بالمطلوبية من باب المقدمة، مع ان المطلوبية إنما تستعمل في باب الأحكام الوجوبية و الاستحبابية لا في باب المعاملات، و مراد المتن هي المطلوبية في باب الإجارة بالنظر الى المستأجر، لا المطلوبية الغيرية الثابتة للمقدمة، بناء على القول بوجوبها، على خلاف ما هو التحقيق، لعدم صلاحية وقوع المطلوبية بهذا المعنى، تفسيرا لقوله: مطلقا، كما لا يخفى. فالمراد هي المطلوبية الغيرية في مقابل الجزئية،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 62

..........

______________________________

هذا كله مع التصريح بدخول المقدمات أو خروجها عن متعلق الإجارة.

و امّا مع الإطلاق فالمسألة خلافية، كما في الجواهر، فاختار جماعة الدخول معه كما في المتن، و لازمة استحقاقه الأجرة بالنسبة، و اختار جماعة أحرى العدم، و قد اختاره صاحب الجواهر- قده.

و عمدة ما يمكن ان يستدلّ به للأوّل هو انصراف الإطلاق إلى دخول المقدمات بنحو الجزئية، و عدم الفرق في نظر العرف- اي عرف المتشرعة- بين صورة الإطلاق و بين صورة التصريح بالدخول كذلك، فإذا مات النائب في المدينة- مثلا- قبل الشروع في الأعمال يستحق من الأجرة بالنسبة، بل يمكن ان يقال: بأن العمدة فيما يقابل الأجرة هي المقدمات، لاقتضائها تحمل المشقة و بذل المئونة. و لكن ربما يستدل له بوجهين آخرين غير خاليين عن المناقشة:

أحدهما: انا نرى بالوجدان مدخلية قرب الطريق و بعده في زيادة القيمة و نقصانها، فنرى اختلاف الحج البلدي مع الحج الميقاتي اختلافا فاحشا، و هذا يكشف عن وقوع مقدار معتد به من الأجرة في مقابل المقدمات، و الا فالأعمال في كليهما واحدة.

و يرد عليه: عدم انطباق الدليل على المدعى،

لانه، يمكن ان يكون الوجه في الاختلاف ما افاده صاحب الجواهر من: ان المقدمات ملحوظة، لكن في زيادة قيمة العمل بنحو ملاحظة الأوصاف في المبيع، كالكتابة في العبد، لا على جهة التوزيع في الأجرة و الثمن في الإجارة و البيع.

ثانيهما: ان حج البيت الواقع في آية الحج، معناه قصده و التوجه اليه و السّعي و الحركة نحوه فطيّ الطريق داخل في مفهوم متعلق الإجارة.

و يرد عليه: وضوح كون المراد من الحج المتعلق للإجارة، ما هو المراد منه عند المتشرعة، الذي هي عبارة عن الاعمال و المناسك لا الحج بالمعنى اللغوي.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 63

..........

______________________________

و ربّما يستدلّ للعدم، تارة: بأن المقدمة بمنزلة أوصاف المبيع في زيادة القيمة و الأجرة لأجلها، و عدم توزيع الثمن و الأجرة عليها، كما في وصف الكتابة في المثال المذكور. و اخرى: بأنّ طيّ الطريق الى الميقات و الوصول اليه ليس له نفع عائد إلى المستأجر، فلا يقع بإزائه شي ء من الأجرة. و ثالثة: بأنه لو انصرف النائب عن الرجوع الى وطنه و اختار مجاورة مكة- مثلا-، لا يرجع من الأجرة شي ء إلى المستأجر، مع ان مدخليته في ازدياد الأجرة لا شبهة فيها، فيدل ذلك على ان زيادة الأجرة أمر و وقوع شي ء في مقابل المقدمات أمر أخر. و رابعة: بالمقايسة بين مقدمات الحج و بين مقدمات سائر العبادات الاستيجارية، كالصلاة و الصوم فكما انه لا يقع شي ء من الأجرة في مقابل مقدماتها، كالوضوء و شراء الماء لأجله و التسحر، كذلك لا يقع في مقابل مقدمات الحج.

و يدفع الأوّل: وجود الفرق بين أوصاف المبيع و بين المقدمات في المقام، لعدم كون الأوصاف لها وجود مستقل

في عرض الموصوف بخلاف المقدمات خصوصا، مع ما عرفت، من: انّ مدخليتها في زيادة القيمة أشد من مدخلية أصل الأعمال.

و الثاني: بثبوت النفع له بعد ترتب الثواب عليه، مع انّ لزوم العمل بمقتضى الوصية بالحج البلدي يستدعي الاستيجار كذلك، بمعنى وقوع شي ء من الأجرة في مقابل المقدمات التي لها دخل في الوصية.

و الثالث: وضوح الفرق بين المقدمات و بين الرجوع بعد تحقق المناسك و الاعمال، فعدم وقوع شي ء من الأجرة في مقابل الرجوع لا يقتضي عدم وقوعه بإزاء المقدمات.

و الرابع: بطلان المقايسة، و الفارق عرف المتشرعة، حيث يفرقون بين الحج و سائر العبادات من جهة المقدمات، و ان كان للجميع دخل في ازدياد القيمة.

فالإنصاف، ما أفاده في المتن، من: انه في صورة الإطلاق يكون الحكم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 64

[مسألة 6 لو مات قبل الإحرام تنفسخ الإجارة]

مسألة 6- لو مات قبل الإحرام تنفسخ الإجارة ان كانت للحج في سنة معينة مباشرة أو الأعمّ، مع عدم إمكان إتيانه في هذه السّنة، و لو كانت مطلقة أو الأعم من المباشرة في هذه السنة، و يمكن الإحجاج فيها، يجب الإحجاج من تركته، و ليس هو مستحقا لشي ء، على التقديرين، لو كانت الإجارة على نفس الاعمال فيما فعل. (1)

______________________________

كصورة التصريح بالدخول للانصراف، الذي ذكرنا. بقي الكلام في هذه المسألة فيما وقع التعرض له في ذيلها، و هو انه في صورة الإطلاق و عدم التّصريح بالأعمال و المناسك في الإجارة، مثل ان يقول المستأجر للأجير: استأجرتك للحج عن فلان، يكون اللازم على الأجير الإتيان، بما ينطبق عليه اسم الحج الصّحيح، و يكفي ذلك في استحقاق تمام الأجرة لتحقق متعلق الإجارة، و هو عنوان الحج، و عليه: فالإخلال ببعض ما

لا يقدح الإخلال به في تحقق الاسم، و ثبوت الصحة لا يوجب توزيع الأجرة و عدم استحقاق تمامها، فنسيان بعض الاجزاء أو تركه عمدا مع عدم إيجابه للبطلان لا يمنع عن استحقاق جميع الأجرة، بل لو كان النقص شيئا يجب قضائه، مثل الطواف، يكون الواجب على الأجير القضاء و لا يجب على المستأجر، و هذا كما في غير الحج، مثل الصّلاة، فإنه لو استؤجر لعنوانها ثم أخلّ بالسورة- مثلا- نسيانا أو بسجدة واحدة أو التشهد، كذلك لا يقدح ذلك في استحقاق جميع الأجرة، غاية الأمر وجوب القضاء على الأجير في الأخيرين دون مثل الأوّل، كما لا يخفى.

(1) الإجارة قد تكون للحج في سنة معينة، و اخرى مطلقة غير مقيدة بسنة خاصّة، و على التقديرين قد تكون مقيدة بالمباشرة و اخرى مطلقة غير مقيدة بها، كما انّها قد تكون على نفس الاعمال و المناسك، و اخرى على ما يعمّها و المقدمات.

فان كانت مقيدة بالمباشرة، فالظاهر انفساخ الإجارة بموت الأجير قبل الإحرام مطلقا، من دون فرق بين ان تكون مقيدة بسنة معينة أو غير مقيدة بها، و يظهر من المتن عدم الانفساخ في الصورة الثانية، و لكن الظاهر عدم كونه مرادا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 65

..........

______________________________

للماتن- قده-، لانه مع قيد المباشرة لا يبقى مجال لإمكان تحقق متعلق الإجارة بعد عروض الموت للأجير، كما هو المفروض.

كما ان الظاهر انفساخ الإجارة فيما إذا كانت مقيدة بسنة خاصّة و لم تكن مقيدة بالمباشرة، لكنه لم يكن الإتيان به فيها لعدم إمكان الإحجاج فيها، فإنه في هذه الصورة أيضا لا يمكن تحقق المتعلق المقيد بهذه السنّة.

و في غير هاتين الصّورتين لا مجال للانفساخ، لانه

مع عدم التقيد بالمباشرة و إمكان الإحجاج من التركة يجب على ورثة الأجير الإحجاج كذلك، لثبوت العمل على ذمّته، و لزوم تفريغها على الوارث من التركة، و المفروض إمكانه، فاللازم الإحجاج و تجهيز رجل أخر مكان الأجير.

ثم ان تقييد عدم الاستحقاق في الذيل، بما لو كانت الإجارة على نفس الاعمال، يدل على ان الحكم بانفساخ الإجارة في الصدر مطلق شامل لهذه الصورة، و لما إذا كانت الإجارة على الاعمال و المقدمات معا أيضا مع ان الانفساخ المطلق انّما يتمّ في خصوص الصورة الاولى، و امّا في الصورة الثانية فالانفساخ انّما يتمّ بالإضافة إلى الأعمال، حيث انه لم يشرع فيها، و امّا بالإضافة الى ما اتى به من المقدمات، فالظاهر عدم الانفساخ، كما فيما لو استأجر أجيرا يعمل له طول اليوم فمات في أثناء النهار. فتدبّر.

ثمّ ان الحكم بعدم استحقاق النائب لشي ء فيما إذا مات قبل الإحرام، و كانت الإجارة على خصوص الاعمال و المناسك و خروج المقدمات عن متعلّقها، ظاهر في عدم استحقاقه شيئا من الأجرة المسماة و اجرة المثل، و قد تبع في ذلك السيّد- قده- في العروة و خالف صاحبي كشف اللثام و الجواهر. قال في الثاني:

«قد يتّجه استحقاق اجرة المثل فيها لأصالة احترام عمل المسلم الذي لم يقصد التبرع به، بل وقع مقدمة للوفاء بالعمل المستأجر عليه، فلم يتيسر له ذلك بمانع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 66

..........

______________________________

قهريّ، و عدم فائدة المستأجر به مع إمكان منعه بأن فائدته الاستيجار ثانيا من محل موته لا من البلد الذي تختلف الأجرة باختلافه، غير قادح في استحقاق الأجرة عليه، نحو بعض العمل المستأجر عليه، الذي لا استقلال له في

نفسه، كبعض الصلاة و نحوه. نعم، قد يحتمل في الفرض: ان المستحقّ أكثر الأمرين من اجرة المثل و ما يقتضيه التقسيط أو أقلّهما، و لكن الأقوى أجرة المثل، لعدم صحة التقسيط من أصله بعد فرض عدم اندراجها في عقد الإجارة على وجه تقابل بالأجرة، كما هو واضح».

و قد ذكر الأوّل في ذيل كلامه: انه و ان لم يفعل شيئا مما استؤجر له لكنه فعل فعلا له اجرة بإذن المستأجر و لمصلحته، فيستحق اجرة مثله، كمن استأجر رجلا لبناء، فنقل الإله ثم مات قبل الشروع فيه، فإنه يستحق اجرة مثل النقل قطعا.

أقول: ما يمكن ان يتوهم اقتضاؤه لضمان المستأجر أجرة المثل، بالإضافة إلى المقدمات الخارجة عن متعلق الإجارة، غير المندرجة في عقدها، أحد أمور:

الأوّل: ما في كلام صاحب الجواهر، من أصالة احترام عمل المسلم مثل ماله.

و لا يخفى ان هذه القاعدة مستندها مثل قوله- ع-: «لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفسه». و ظاهر ان مفاده مجرد الحكم التكليفي، و عدم جواز التصرف في مال المسلم بدون رضاه و طيب نفسه به، و امّا كون التصرف مستلزما للضمان، الذي هو حكم وضعي، فلا دلالة له على ذلك، فمقتضى القاعدة لزوم الالتزام بالحريم لمال المسلم و عمله، و امّا الضمان فلا بد من استفادته من دليل أخر، مثل قوله- ص-: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي».

و بالجملة: فقاعدة الاحترام لا تنطبق على المدّعى بوجه.

الثّاني: ما أشار إليه كاشف اللثام في كلامه المتقدم، من وقوع العمل بإذن المستأجر و امره و لمصلحته، لأنه مقدمة للوفاء بالعمل المستأجر عليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 67

..........

______________________________

و لا اشكال، بحسب ارتكاز المتشرعة

و ما هو الثابت عند العقلاء، بل لعلّه لا خلاف بين الأصحاب في انّ استيفاء عمل الغير إذا صدر عن امره و كان العمل محلّلا له اجرة و مالية، و لم يكن مقرونا بقصد التبرّع يوجب، الضمان و ثبوت اجرة المثل، إذا لم يكن هناك أجرة معينة ممضاة عند الشارع، كما إذا أمر الغير ان يحمل متاعه الى مكان فحمله غير قاصد للتبرع بعمله، فإنه لا شبهة في ضمان الأمر أجرة مثل عمله.

و لكن الكلام في المقام في أمرين:

أحدهما: انه هل تكون المقدمات في المقام مأمورا بها من ناحية المستأجر، مع كون المفروض التصريح بخروجها عن متعلق الإجارة، و مرجعه الى عدم التزام المستأجر بشي ء في مقابلها، فهل تكون مع ذلك مأمورا بها من قبله؟ الظاهر العدم.

ثانيهما: أنه على تقدير كون المقدمات مأمورا بها من ناحيته، فمن المعلوم ان الأمر المتعلق بها ليس نفسيّا، بل غيريّا، يكون الغرض منها تحقق الاعمال و المناسك و شمول دليل الضمان، الذي هو دليل لبيّ- على ما عرفت- له، لو لم يكن معلوم العدم يكون مشكوكا، فان القدر المتيقن منه ما إذا كان مأمورا بها بالأمر النفسي، كنفس الاعمال و المناسك، إذا اتى بها النائب و انكشف بطلان عقد الإجارة بسبب فقدان بعض ما يعتبر في صحته، فإنه لا شبهة في ضمان المستأجر لأجرة مثلها، بمقتضى دليل الضمان المذكور، لأنّها مأمورا بها بالأمر النفسي، و هذا بخلاف المقدمات، خصوصا مع التصريح بخروجها عن دائرة المتعلق، على ما عرفت.

الثالث: قاعدة الغرور المقتضية لضمان الغارّ بالنسبة إلى المغرور، و الظاهر كما افاده السيد- قده- في العروة، عدم صحة الاستدلال بها للمقام، لعدم تحقق عنوان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحج، ج 2، ص: 68

..........

______________________________

الغرور، الذي يعتبر في صدقه وجود الجهل في المغرور و تحقق الخدعة، بالإضافة إليه في المقام، لانه ليس في الإجارة و لا فيما يرتبط بها جهل أصلا، لأن المفروض كون المتعلق خصوص الاعمال و التصريح بخروج المقدمات، فتحقق صغرى القاعدة هنا ممنوع.

و قد انقدح مما ذكرنا: انه لم ينهض دليل على ضمان المستأجر لأجرة مثل المقدمات إذا مات النائب بعد الإتيان بها- بعضا أو كلا.

و يؤيد بل يدل على عدم الضمان في المقام، ما نفى وجدان الخلاف فيه- في الجواهر- من: ان العامل في باب الجعالة انما يستحق الجعل بالتسليم، فلو جعل لمن سلّم اليه عبده جعلا، فجاء العامل بالعبد الى البلد، ففرّ العبد قبل التسليم لم يستحق العامل شيئا، و ان تحمل مشاقا في ذلك، بل و صرف مئونة كثيرة.

نعم، لو صرّح بما لا يقتضي التسليم، كالايصال الى البلد استحق الجعل.

فان الظاهر انه لا فرق بينه و بين المقام، لو لم نقل بكون المقام اولى بعدم الضمان، للتصريح بخروج المقدمات على ما هو المفروض. و بعد ذلك يقع الكلام في التنظيرين اللذين وقع أحدهما في كلام صاحب الجواهر و الأخر في كشف اللثام فنقول:

امّا ما وقع في الأوّل فهو التنظير بالأبعاض التي لا استقلال لها، كبعض الصلاة، و مقصوده انه كما ان البعض مع عدم استقلال له و عدم ثبوت نفع عائد إلى المستأجر يستحق الأجير في مقابله الأجرة، و ظاهره شي ء من الأجرة المسمّاة، كذلك المقدمات لا يجوز ان تكون خالية عن اجرة المثل و ان لم يكن فيها نفع عائد إلى المستأجر أصلا.

و يدفعه: عدم ثبوت الحكم في المقيس عليه، فان البعض الذي يقع بإزائه شي ء من الأجرة

هو البعض الذي له قيمة و مالية، كما إذا استأجر أجيرا للعمل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 69

[مسألة 7 يجب في الإجارة تعيين نوع الحج]

مسألة 7- يجب في الإجارة تعيين نوع الحج فيما إذا كان التخيير بين الأنواع، كالمستحبّي و المنذور المطلق- مثلا- و لا يجوز على الأحوط العدول الى غيره، و ان كان أفضل إلّا إذا اذن المستأجر، و لو كان ما عليه نوع خاص لا ينفع الاذن بالعدول، و لو عدل مع الاذن يستحق الأجرة المسمّاة في الصورة الاولى و اجره مثل عمله في الثانية، ان كان العدول بامره، و لو عدل في الصورة الأولى بدون الرّضا صحّ عن المنوب عنه، و الأحوط التخلص بالتصالح في وجه الإجارة إذا كان التعيين على وجه القيدية، و لو كان على وجه الشرطية، فيستحق، إلّا إذا فسخ المستأجر الإجارة، فيستحق اجرة المثل لا المسمّاة. (1)

______________________________

طول النهار فعمل نصفه ثم مات، و كان ذلك النّصف مؤثرا في حصول غرض المستأجر في الجملة، و امّا في مثل الصلاة من الأمور الارتباطية، التي لا قيمة لأبعاضها إلّا في صورة الانضمام و الاجتماع، فالظاهر عدم توزيع الأجرة على أبعاضها، بل انّما هي في مقابل المجموع، كما لا يخفى.

و امّا ما وقع في الثاني، من الاستيجار للبناء و حمل البنّاء الأدوات و الآلات الى محلّ العمل و موته قبل الشروع فيه، و انه يستحق اجرة المثل قطعا. فيرد عليه:

انه لا دليل على الاستحقاق فيه. و لا قطع لنا بذلك، بل مقتضى ما ذكرنا: عدم ثبوت الضمان فيه كنظائره و إلا لكان اللازم الالتزام بالضمان لأجرة إرجاع الآلات الى المحل الأوّل أيضا، مع انه لا مجال له، كما لا يخفى. فالحق- حينئذ-

ما افاده الماتن- قده-، من: عدم استحقاق النائب في المقام شيئا، لا من الأجرة المسماة و لا اجرة المثل أصلا.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:

المقام الأوّل: انه إذا كانت النيابة بالإجارة، فهل يجب تعيين نوع الحج، من التمتع و القران و الافراد، أم لا؟ قال في الجواهر: ظاهرهم الاتفاق عليه. اي على لزوم التعيين، معللا له بلزوم الغرر، و قال في المدارك: مقتضى قواعد الإجارة انه يعتبر في صحة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 70

..........

______________________________

الإجارة على الحج تعيين النوع الذي يريده المستأجر، لاختلافها في الكيفية و الاحكام.

و لكنه أورد على ذلك: بان اختلاف أنواع الحج في الكيفية و الاحكام إذا لم يوجب اختلاف الماليّة لم يجب معرفتها، لأنّ الصفات التي يجب العلم بها، لئلا يلزم الغرر، هي الصفات التي تختلف بها المالية، و امّا ما لا تختلف به المالية فلا تجب معرفته، لعدم لزوم الغرر مع الجهل بها، بل ربما يقال بعدم قدح اختلاف الصفات في المال أيضا إذا كان الغرض متعلّقا بالطبيعة، التي هي الجنس و مع عقد الإجارة عليه، فإنه مع ذلك لا يقدح اختلاف الأنواع في المالية أيضا، نعم، إذا كان المنوب عنه مما يتعين عليه نوع خاص، يلزم التعيين لأجل ذلك لا لأجل المدخلية في صحة الإجارة.

ثم انّ في المتن تشويشا من جهة ظهوره في كون لزوم تعيين النوع انّما هو فيما إذا كان التخيير بين الأنواع، كالفرضين المذكورين فيه، و كما إذا كان له منزلان في مكة و خارجها، مع ان لزوم التعيين في غير صورة التّخيير انّما هو من جهتين: جهة الإجارة و جهة التعيين على المنوب عنه، فاللزوم فيه انما

يكون بطريق اولى.

المقام الثاني: في جواز العدول الى غير ما عيّن للأجير في الإجارة: لا شبهة في عدم الجواز إذا لم يكن المعدول إليه أفضل، و امّا إذا كان كذلك فالمسئلة خلافية، فالمحكيّ عن أبي علي و الشيخ و القاضي: انه يجوز العدول إلى الأفضل مطلقا. و يظهر من الشرائع و قواعد العلّامة: جواز العدول في الجملة، و هو فيما ما لو علم تعلق غرض المستأجر بالأفضل. و المحكيّ عن النافع و الجامع و التخليص: عدم جواز العدول مطلقا. و صرّح السيد- قده- في العروة بعدم جواز العدول في صورة تعيّن ما على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 71

..........

______________________________

المنوب عنه مطلقا و لو مع الرضا، و جوازه في صورة التخيير مع رضا المستأجر، و ظاهر المتن أيضا ذلك، مع الفرق بجعل الحكم بعدم جواز العدول في صورة التخيير، مقتضى الاحتياط اللزومي، و تبديل الرضا بالاذن.

و كيف كان، فمقتضى قاعدة الإجارة عدم جواز العدول عمّا عيّن على الأجير مطلقا، و لو كان أفضل، إلّا انه قد ورد في المقام روايتان لا بد من ملاحظتهما:

إحداهما: ما رواه المشايخ الثلاثة بأسانيدهم، عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي بصير عن أحدهما- عليهما السّلام- في رجل اعطى رجلا دراهم يحج بها عنه حجة مفردة، فيجوز له ان يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال: نعم، انّما خالف الى الفضل «1». و في رواية الكليني: أ يجوز له؟ و قال: انّما خالفه، و في رواية الصدوق: انّما خالفه الى الفضل، و الخير كما في إحدى روايتي الشيخ. و قد ناقش صاحب المدارك في صحة سد الرواية، نظرا الى اشتراك أبي بصير بين الثقة

و الضعيف، و لم يقم دليل على كون المراد به هو أبا بصير، الذي هو ثقة بالاتفاق، و هو ليث بن البختري المرادي، و ان فسّره صاحب الوسائل بذلك، و قال بعد أبي بصير: يعني المرادي، لاحتمال كون المراد به هو يحيى بن القاسم، الذي وقع الخلاف في وثاقته.

و لكن الظاهر بطلان المناقشة، لانصراف إطلاق أبي بصير الى ليث المرادي، مع ان الظاهر وثاقة الآخر أيضا.

و امّا الدلالة: فلو كان الجواب بقوله: نعم. خاليا عن التعليل، لكان ظاهر الرواية ثبوت حكم تعبدي شرعي على خلاف ما تقتضيه القاعدة في الإجارة، و هو عدم جواز العدول، كما عرفت، و كان اللازم الأخذ به مع قطع النظر عن

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الثاني عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 72

..........

______________________________

الرواية الآتية، الظاهرة في عدم الجواز، و امّا مع ملاحظة التعليل بقوله: انّما خالف الى الفضل، فيجري فيه احتمالات ثلاثة:

أحدها: حيث ان التعليل ظاهر في كونه تعليلا ارتكازيا غير تعبدي، فاللازم ان يكون المراد: انه لو استأجر أحد شخصا على عمل فيه الفضل، و كان غرضه وصول الثواب اليه، فالمراد انه يجوز اختيار الأفضل، لان ثوابه أكثر، و مقتضى ذلك وجود خصوصيتين: إحديهما عدم تعين المعدول عنه على المستأجر و ثبوت التخيير بينه و بين المعدول اليه، و ثانيتهما العلم برضا المستأجر بذلك.

ثانيها: انه مع تسليم الظهور المذكور، و هو ظهور التعليل في كون ارتكازيّا غير تعبدي، لكن حيث انه مع العلم بالرّضا يكونه الحكم بالجواز واضحا، لا مجال معه للسؤال لعدم الحاجة إليه، فاللازم ان يكون المراد: ان التمتع لما كان أفضل من غيره كان العدول اليه

إحسانا للمستأجر، و ان لم يرض به، ففي الحقيقة يكون حكم الشارع بالجواز انّما هو لأجل كون العدول إحسانا و فضلا زائدا على مورد الإجارة، فيكون جوازه امرا ارتكازيّا عقلائيّا.

ثالثها: منع ظهور كون التعليل امرا ارتكازيا غير تعبدي، فإنه نرى في روايات كثيرة تعليل الحكم في موردها بكونه صغرى للكبرى، التي تكون شرعية محضة و لا دخل فيها للارتكاز، فنرى في روايات حجية الاستصحاب تعليل الحكم ببقاء الوضوء مع الشك في انتقاضة، بأنه على يقين من وضوئه، و لا ينبغي له ان ينقض اليقين بالشّك، و كذا تعليل الحكم ببقاء طهارة الثوب مع الشك في إصابة النجاسة إليه، بعد سؤال زرارة عن العلة: «بأنّك كنت على يقين من طهارتك، فشككت، و ليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا» مع ان حجيّة الاستصحاب لا تكون امرا ارتكازيّا عقلائيا، بل مقتضى التحقيق انه أصل شرعي تعبدي و غير ذلك من الموارد الأخرى. و عليه، فيحتمل ان يكون المراد في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 73

..........

______________________________

المقام: ان الجواز في هذا المورد انما هو لكونه مصداقا للقاعدة الكلية الشرعية، و هو جواز المخالفة إلى الأفضل. و هذه القاعدة و ان لم تكن معمولا بها في كثير من الموارد، كما إذا استؤجر شخص لزيارة عبد العظيم- ع- فعدل إلى زيارة قبر مولانا الرضا عليه آلاف التحية و الثناء، الّا انه لا يقتضي منع جريان هذا الاحتمال في الرواية، كما لا يخفى و مقتضى هذا الاحتمال جواز العدول إلى الأفضل و لو مع العلم بعدم رضا المستأجر، بل و مع تعين غيره على المستأجر.

هذا، و لكن حيث انّه تكون الرواية على خلاف قاعدة الإجارة،

فالقدر المتيقن منها صورة التخيير و العلم برضا المستأجر، كما هو ظاهر.

ثانيتهما: ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن الهيثم النهدي عن الحسن بن محبوب عن عليّ- عليه السلام- في رجل اعطى رجلا دراهم يحج بها عنه حجة مفردة. قال: ليس له ان يتمتع بالعمرة إلى الحج لا يخالف صاحب الدراهم. «1»

و هيثم النهدي لم يصرّح بتوثيقه بالخصوص، بل هو من رجال كتاب كامل الزيارات، و الحسن بن محبوب من أصحاب الرضا- عليه السلام- و من الطبقة السّادسة، و عليه، فلا يمكن له النقل عن عليّ أمير المؤمنين- ع- من دون وسائط متعددة، و إطلاق كلمة «عليّ» ينصرف اليه خصوصا مع ذكر «عليه السلام» بعده، كما في الطبعة الجديدة من الوسائل و المحكي عن الطبعة الجديدة من الاستبصار، و حمله على علي بن موسى الرضا- ع- ينافي عدم معهودية الإطلاق في هذا الاسم المبارك بالإضافة اليه، مع ان راوي الحديث و هو الشيخ- قده- قد صرح: بان هذا الحديث موقوف غير مسند الى أحد من الأئمة- عليهم السّلام.

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الثاني عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 74

..........

______________________________

فالظاهر ان المراد به هو علي بن رئاب، كما صرّح به في المدارك، و تؤيّده كثرة روايات الحسن بن محبوب عنه، و كذا اسناد مضمون الرواية في الجواهر الى عليّ بن رئاب.

و من جميع ما ذكر يظهر: انه لم يثبت كونه رواية حاكية لقول الامام- عليه السلام- حتى تعارض الرواية المتقدمة الظاهرة في الجواز مطلقا أو في الجملة، فلا مجال لملاحظة الجمع أو اعمال قواعد باب التعارض بين الخبرين، بل اللازم الأخذ بمقتضى

الرواية المتقدمة، و الحكم بما ذكرنا. ثم انه لو فرض كونها رواية حاكية لقول الامام- ع- و معتبرة من حيث السّند، فقد ذكر السيّد- قده- في العروة: ان مقتضى الجمع بين الخبرين، حمل رواية أبي بصير على صورة العلم برضا المستأجر بالعدول إلى الأفضل، مع كونه مخيّرا بين النوعين، و حمل هذه الرواية على غير هذه الصّورة.

و ذكر في «المستمسك»: ان الاولى الجمع بين الخبرين بتقييد الثاني بالأوّل، لأن الأوّل ظاهر في صورة التخيير، الذي يكون التمتع فيها أفضل، و الثاني مطلق، فيحمل على غير هذه الصورة، و منه صورة الجهل بالحال.

أقول: لم يظهر لي وجه ظهور الأوّل في التخيير و ظهور الثاني في الإطلاق، بعد كون العبارة في كليهما واحدة، و اشتمال الأوّل على السؤال عن جواز العدول الى التمتع لا يوجب ظهوره في خصوص صورة التخيير، كما ان اشتمال الجواب على التعليل بقوله: لأنّه إنّما خالف الى الفضل، لا يوجب الظهور المذكور، فإن الأفضلية لا تنافي التعين.

نعم، يمكن ان يقال: بان القدر المتيقن منه بلحاظ الحكم بالجواز هي صورة التخيير، كما ان القدر المتيقن من الثاني بلحاظ الحكم بعدم الجواز، هي صورة التعين. و عليه، فمقتضى حمل كل منهما على القدر المتيقن، هو التفصيل بين صورة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 75

..........

______________________________

التخيير و صورة عدمه.

ثمّ انك عرفت: انه بعد عدم كون الخبر الثاني رواية حاكية لقول الامام- ع- يكون القدر المتيقن من الخبر الأوّل: جواز العدول إلى الأفضل، فيما إذا هناك خصوصيتان: إحداهما عدم تعين المعدول عنه على المستأجر، و ثانيتهما العلم برضا المستأجر، بل اذنه بالعدول و حينئذ يقع الكلام في ان الحكم بالجواز مع هاتين

الخصوصيتين، هل يكون على خلاف القاعدة، فنحتاج في إثباته الى الخبر الأوّل، بحيث لولاه لما جاز الحكم بالجواز، أو انه على وفق القاعدة، فلا حاجة في إثباته الى الخبر المزبور؟ يظهر الثاني من السيد- قده- في العروة، حيث قال: «في صورة جواز الرّضا- يعني صورة التخيير- يكون رضاه من باب إسقاط حق الشرط، ان كان التعيين بعنوان الشرطية، و من باب الرّضا بالوفاء بغير الجنس، ان كان بعنوان القيدية، و على ايّ تقدير يستحق، الأجرة المسماة و ان لم يأت بالعمل المستأجر عليه، على التقدير الثاني، لأن المستأجر إذا رضي بغير النوع الذي عيّنه فقد وصل اليه ماله على المؤجر، كما في الوفاء بغير الجنس في سائر الديون، فكأنّه قد اتى بالعمل المستأجر عليه، و لا فرق- فيما ذكرنا- بين العدول إلى الأفضل أو الى المفضول».

و يظهر منه و من المتن في ذيل هذه المسألة: ان التعيين المعتبر في الإجارة في المقام يمكن ان يكون بعنوان الشرطية و يمكن ان يكون بعنوان القيدية، مع ان مقتضى الضابطة المذكورة في الفرق بين القيد و الشرط، الذي يظهر أثره في: ان تخلف الأول يوجب البطلان، و تخلف الثاني لا يوجب الّا الخيار، خلاف ذلك.

و اللازم الإشارة إلى الضابطة المذكورة، فنقول: أن الوصف المأخوذ في العقد ان كان من الأمور الذّاتية، التي توجب الاختلاف في الماهية و الحقيقة، كما إذا قال: بعتك هذا الحيوان على انه فرس، فهو من قبيل القيد، الذي يوجب تخلفه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 76

..........

______________________________

البطلان و ان كان في التعبير بصورة الشرط، لان عنوان الفرسيّة مقوم للمبيع، و مع تخلفه يبطل البيع.

و ان كان من الاعراض و

الصفات الخارجية غير الداخلية في الحقيقة و فردية الفرد للطبيعي، كما إذا قال: بعتك هذا العبد على انّه كاتب، فهو من قبيل الشرط، و ان كان في التعبير بصورة القيد، لان الفرد الخارجي غير قابل للتقييد و التضييق. هذا في المبيع الشخصي، و امّا المبيع الكلّي، فالحكم فيه أيضا كذلك، من: ان الوصف ان كان موجبا للاختلاف في الذات و الماهية فيرجع الى التقييد، كما إذا قال: بعتك منّا من الطعام على ان يكون حنطة، و يلحق به ما إذا كان الوصف من الصفات المصنّفة الموجبة لوقوع البيع على صنف خاص، كما إذا قال: بعتك منّا من الطعام على ان يكون من بلد كذا، فهو أيضا تقييد، لانه يوجب تضييق دائرة المبيع بخصوص الصنف الخاص المذكور في العقد.

و امّا إذا لم يكن كذلك، بل كان امرا خارجيّا غير دخيل في الحقيقة، و لم يكن من الصفات المصنفة، كاشتراط الخياطة في بيع الحنطة، فلا محالة يكون ذلك من قبيل الشرط، و لا يترتب على تخلفه الّا الخيار.

هذا، و الظاهر انّ اختلاف أنواع الحج من التمتع و القران و الافراد انما يكون من قبيل اختلاف الماهية و الحقيقة، لا لأجل اختلافها في الكيفية و الاحكام، من تقدم العمرة على الحج و تأخرها عنه و بعض الأحكام الأخر، بل لأجل كون عناوينها من العناوين القصدية المتقومة بالقصد، و هذا يوجب الاختلاف في الحقيقة، و ان كانت الكيفية متحدة من جميع الجهات، كصلاتي الظهر و العصر، فإنّهما و ان كانتا متحدتين من حيث الصورة الّا انه لا شبهة في اختلافهما في الحقيقة، و لذا لو نسى الظهر و صلى العصر ثمّ تذكر، لا يجوز له ان يحتسب ما اتى

به ظهرا، و ان كان يدل عليه رواية صحيحة، الّا انها غير معمول بها عند الأصحاب.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 77

..........

______________________________

نعم، افتى على طبقها السيد- قده- في العروة، و لكنه اعترض عليه المحشون، بما ذكرنا.

و بالجملة: كون العناوين الثلاثة من العناوين القصدية، يوجب الاختلاف في الحقيقة، و عليه، فالتعيين لا محالة يرجع الى التقييد و ان كان بصورة الاشتراط.

و يؤيد ما ذكرنا ان الحكم باعتبار تعيين النوع في الإجارة، الذي لازمة البطلان مع العدم، لا يكاد يجتمع مع كونه بطريق الشرط، الذي يكون وجوده و عدمه بالإضافة إلى العقد سواء، فتدبّر. هذا كله فيما إذا كان المستأجر مخيّرا بين الأنواع الثلاثة أو النوعين.

و امّا مع التعين، كما إذا كان المتعين عليه بسبب النذر هو حجّ الافراد مثلا، فاستأجر أجيرا لحج الافراد، فهل يجوز للأجير العدول الى حجّ التمتع- مثلا- مع رضا المستأجر و اذنه أم لا؟ و قد ذكر في المتن تبعا للعروة: انه لا ينفع رضاه و اذنه بالعدول.

و يرد عليهما: انه ان كان المراد من عدم النفع عدم وقوع المعدول اليه مبرئ لذمة المستأجر، و وفاء بالنذر المتعلق بخصوص حج الافراد، لعدم كون التمتع وفاء بهذا النذر و ان كان أفضل، كما إذا نذر ان يأتي بصلاته في مسجد المحلّة، فإنه لا يتحقق الوفاء به بالإتيان بها في المسجد الجامع، و ان كان ثوابه أكثر، فهو و ان كان صحيحا الّا انه ليس الكلام في فراغ ذمة المستأجر، لعدم وقوع الإجارة على تفريغ الذمة، بل على حج الافراد، بل الكلام انّما هو في جواز العدول للأجير مع التوجه الى عقد الإجارة و رضا المستأجر، و امّا التفريغ

فهو أمر آخر خارج عن محطّ البحث.

و ان كان المراد من عدم النفع عدم جواز العدول للأجير، و لو كان هناك رضا المستأجر بل اذنه، فيرد عليه: انه لا دليل على عدم الجواز مع فرض رضا المستأجر،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 78

..........

______________________________

بل هو من قبيل ما تقدم من السيّد- قده-، من: ان المستأجر إذا رضي بغير النوع الذي عيّنه فقد وصل اليه ماله على المؤجر، كما في الوفاء بغير الجنس في سائر الديون، فكأنه قد اتى بالعمل المستأجر عليه، و لذا يرد عليه: انه لا يجتمع هذا الكلام مع الحكم بعدم النفع المذكور، كما لا يخفى. و ان أورد عليه الماتن- قده- في التعليقة على العروة: بأنّ تطبيق الوفاء بغير الجنس في مثل الحج من التعبديات مشكل، و انّ اجازة العدول يمكن ان يكون رفع اليد عن المعدول عنه و إيقاع إجارة على المعدول اليه بالمسمّى أو أمر بإتيانه كذلك.

المقام الثالث: في استحقاق الأجير للأجرة مع العدول، و قد فصلّ في المتن بين صورة التخيير و صورة التعيين، و ان الأجير يستحق الأجرة المسماة في الصورة الاولى مع اذن المستأجر، و اجرة المثل في الصورة الثانية كذلك.

امّا استحقاق الأجرة المسماة في الأولى، فهو لأجل كون إذن المستأجر مؤثرا في جواز العدول فيها، و معه يكون اللازم استحقاق الأجرة المذكورة.

و امّا استحقاق اجرة المثل في الثانية دون المسماة، فهو لأجل عدم كون الاذن عند الماتن- قده- مؤثرا في جواز العدول، فهو لم يأت بمتعلق الإجارة، بل اتى بما أمر به المستأجر، فاللازم عليه اجرة المثل، و على ما ذكرنا من جواز العدول في هذه الصورة أيضا يكون حكمها حكم الصورة

الاولى من استحقاق الأجرة المسمّاة.

ثم ان الجمع في المتن بين جعل الفرض هو العدول مع الاذن في كلتا الصورتين و بين تقييد استحقاق اجرة المثل في الصورة الثانية بما إذا كان العدول بامره ممّا لا وجه له لعدم كون المراد بالأمر أمرا زائدا على الاذن المفروض في أصل المسألة، فهو تأكيد موهم للخلاف، كما هو ظاهر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 79

..........

______________________________

بقي الكلام فيما تعرض له في ذيل المسألة، و هو ما لو عدل في الصورة الأولى، التي يكون المستأجر مخيّرا فيها بين الأنواع مع عدم رضا المستأجر بالعدول. و البحث فيه يقع تارة: في كفاية الحج، الذي اتى به الأجير في براءة ذمة المنوب عنه و فراغها، و اخرى: في استحقاق الأجير للأجرة، بعد كون عدو له مع عدم رضا المستأجر به.

امّا من الجهة الأولى: فالظاهر انّه لا مجال للمناقشة في صحة حجّة عن المنوب عنه و فراغ ذمّته، و ذلك لأنّ صحة عمل الأجير و وقوعه نيابة عن المنوب عنه يوجب ذلك بعد فرض عدم تعين نوع خاصّ عليه، و عدم استحقاقه للأجرة في بعض فروض المسألة كما يأتي، لا يقدح في الصّحة خصوصا فيما لو كان ملتفتا اليه، و انه لا يكون مع العدول مستحقا لها، و ذلك لانه مع عدم الالتفات، و ان كان إتيانه للحج بداعي الأجرة و بغرض الوصول إليها، الّا ان تخلفه لا يوجب الخلل في صحة العمل و وقوع الحج عن المنوب عنه.

و امّا من الجهة الثانية: فقد فصلّ في المتن بين ما إذا كان تعيين النوع بعنوان القيدية، و بين ما إذا كان بعنوان الشرطية، فإن كان بعنوان القيدية، فالأحوط التخلص

بالتصالح في وجه الإجارة، و في العروة: انه لا يستحق شيئا. يعني لا الأجرة المسماة و لا اجرة المثل، و منشأ الاختلاف، الاختلاف في أصل مسألة جواز العدول، فان كان الحكم بعدم الجواز مع عدم رضا المستأجر بصورة الفتوى، كما اختاره السيد- قده- و هو الحق، نظرا الى عدم نهوض رواية أبي بصير لإثبات الجواز مطلقا، على خلاف القاعدة، لا جمال التعليل الوارد فيها، على ما عرفت، و القدر المتيقن صورة الرّضا، التي يكون الجواز فيها مقتضى القاعدة، فاللازم الحكم بعدم الاستحقاق في صورة عدم الرّضا، إذا كان التعيين بعنوان القيدية، لأن ما وقع عليه الاستيجار لم يتحقق من الأجير، و ما وقع من الأجير لم يقع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 80

..........

______________________________

الاستيجار عليه، فلا يستحقّ شيئا.

و ان كان الحكم بعدم الجواز مع عدم رضا المستأجر بنحو الاحتياط اللزومي، كما عليه المتن، نظرا الى ان رواية أبي بصير تدل على الجواز مطلقا، غاية الأمر: انه حيث تكون على خلاف القاعدة المقتضية لعدم الجواز، يشكل الأخذ بها، كما افاده الماتن- قدس سره الشريف- في التعليقة على العروة، فاللازم الرجوع في هذه الصورة إلى الاحتياط، و التخلص بالتصالح في وجه الإجارة و التوافق بالإضافة إليه، فمنشأ الاختلاف بين المتن و العروة ما ذكرنا. هذا كله إذا كان بعنوان القيدية.

و امّا إذا كان بعنوان الشرطيّة، فتارة: يختار المستأجر فسخ الإجارة لأجل تخلف الشرط من ناحية الأجير، و اخرى: لا يختار الفسخ و تكون الإجارة باقية على حالها، غاية الأمر: ثبوت مخالفة حكم تكليفي من جانب الأجير و استحقاقه للعقوبة لأجلها.

فمع عدم اختيار الفسخ يكون الأجير مستحقا للأجرة المسماة، لفرض بقاء الإجارة و

عدم فسخها، و ان كان مستحقا للعقوبة أيضا، لما عرفت. و مع اختيار الفسخ يستحق اجرة المثل، لأن المفروض تحقق متعلق الإجارة و هو أصل طبيعة الحج، و وقوع التخلف بالإضافة إلى الشرط فقط، فمع عدم استحقاقه للأجرة المسماة يستحق اجرة المثل لا محالة، كما لا يخفى.

هذا، و لكن قد عرفت مما ذكرنا في ضابطة القيد و الشرط، و ما ذكرنا في أنواع الحج، من: ان الاختلاف بينها انما يرجع الى الحقيقة و الى الماهية، لكونها من العناوين القصدية المتقومة بالقصد، ان التعيين في المقام انما يكون طريقه منحصرا بعنوان القيدية، و ان كان في اللفظ و التعبير بصورة الشرطية، فلا يتحقق فرضان في المقام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 81

[مسألة 8 لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق]

مسألة 8- لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق، و ان كان في الحج البلدي، لكن لو عيّن لا يجوز العدول عنه الّا مع إحراز انه لا غرض له في الخصوصية، و انّما ذكرها على المتعارف و هو راض به، فحينئذ لو عدل يستحق تمام الأجرة، و كذا لو أسقط حق التعيين بعد العقد، و لو كان الطريق المعين معتبرا في الإجارة فعدل عنه، صحّ الحج عن المنوب عنه و برئت ذمّته، إذا لم يكن ما عليه مقيّدا بخصوصية الطريق المعين، و لا يستحق الأجير شيئا لو كان اعتباره على وجه القيدية، بمعنى ان الحج المقيّد بالطريق الخاص كان موردا للإجارة، و يستحق من المسمّى بالنسبة و يسقط منه بمقدار المخالفة، إذا كان الطريق معتبرا في الإجارة على وجه الجزئية. (1)

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة أيضا من جهات:

الجهة الاولى: انه لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق، لا من جهة

الجوّ و البحر و البرّ، و لا تعيين الخصوصية إذا كانت لها طرق متعددة، و ذلك لعدم مدخلية الطريق في غرض المستأجر للحج نوعا، لان غرضه كذلك انما يتعلق بأصل المناسك و الاعمال، و هذا بخلاف أنواع الحج المتقدمة في المسألة السّابقة، و لا فرق في عدم الاشتراط بين كون المتعلق للإجارة، الحج الميقاتي، و بين كونه هو الحج البلدي، و ذلك لان مرجع الحج البلدي إلى لزوم كون الشروع من البلد، و هو لا يستلزم تعيين طريق خاص، كما هو ظاهر.

الجهة الثانية: انه مع عدم الاشتراط لو فرض التعيين من ناحية المستأجر، فهل يجوز للأجير العدول عنه الى طريق أخر أم لا؟ في المسألة أقوال متعددة:

أحدها: القول بجواز العدول مطلقا، حكي ذلك عن الشيخ في المبسوط و النهاية، و عن المهذب و السرائر و الجامع، و حكاه في الحدائق عن ظاهر الصدوق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 82

..........

______________________________

فيمن لا يحضر.

ثانيها: ما يظهر من عبارة الشرائع حيث قال: و لو شرط الحج على طريق معين لم يجز العدول ان تعلق بذلك غرض. فانّ ظاهره انحصار عدم جواز العدول بما إذا أحرز تعلق غرض المستأجر بخصوص ذلك الطريق، و لازمة جواز العدول في صورة الشك و عدم الإحراز، و قال في الجواهر بعد العبارة المذكورة: وفاقا للمشهور.

ثالثها: ما يظهر من المتن- تبعا للعروة- من انحصار جواز العدول بما إذا أحرز عدم تعلق غرض المستأجر بالخصوصية، و ان ذكرها، كان على المتعارف، و في الحقيقة كان ذكر الخصوصية انما هو في اللفظ و العبارة من دون ان يكون الغرض متعلقا بها. هذا، و مقتضى القاعدة انّما هو القول الثالث، و لكن

مستند القائل بجواز العدول هي صحيحة حريز بن عبد اللّٰه. قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل اعطى رجلا حجّة يحج عنه من الكوفة، فحجّ عنه من البصرة.

فقال: لا بأس، إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّة. «1»

و يرد على الاستدلال بها: لجواز العدول بانّ الظاهر ان قوله- ع-: إذا قضى .. انّما يكون مرتبطا بقوله: لا بأس. و لا يكون حكما مستقلا غير مرتبط بذلك القول. و عليه، فمفاد الصحيحة تمامية حجّ الأجير إذا قضى جميع المناسك، و وقوعه عن المنوب عنه و مبرئا لذمّته، و لكن البحث فعلا ليس في ذلك، بل في أصل جواز العدول و عدمه من حيث الحكم التكليفي، فلا ينطبق الدليل على المدعي. نعم، لو كان الجواب مشتملا على حكمين غير مرتبطين، أحدهما نفي البأس الظاهر في الحكم التكليفي، و ثانيهما صحة الحج مع التخلف و العدول عن

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة الباب الحادي عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 83

..........

______________________________

الطريق المعين، لكان للاستدلال بها على المقام مجال، لكن حمل الرواية على ذلك، و ان كان يساعده ظهور نفي البأس في الحكم التكليفي، الّا انه يستلزم ان يكون محطّ السؤال و مورد نظر السائل أيضا أمرين، و هو خلاف ظاهر السؤال.

و بالجملة: حيث يكون جواز العدول مع تعيين الطريق و عدم العلم بأنه لا غرض للمستأجر إلى الخصوصية، على خلاف القاعدة، فلا بد في إثبات حكم مخالف لها من تمامية الرواية سندا و دلالة، و إثبات ظهورها في ذلك الحكم، و لم يثبت هذا الظهور بالإضافة إلى الصحيحة في المقام، فلا مجال للعدول عمّا تقتضيه القاعدة.

ثم انه ذكر للرواية محامل،

كلها خلاف الظاهر، بل لا مجال لحمل السّؤال على بعضها أصلا، مثل ما عن ذخيرة الفاضل السبزواري، من ان قوله: من الكوفة، متعلق بقوله: اعطى. و ما عن المدارك، من: انه صفة لقوله: رجلا. و ما عن السيد الجزائري، من حملها على الشرط الخارج عن العقد، و هو لا يجب الوفاء به عند الفقهاء. و ما عن المنتقى، من حملها تارة: على ما إذا علم عدم تعلق الغرض بالخصوصية، و اخرى: على ان الإعطاء المفروض في السؤال لا يكون من باب الإجارة، بل من قبيل البذل و الرزق.

و يجري في السؤال احتمال أخر، و هو ان يكون السؤال عن التخلف بالإضافة إلى المبدإ، الذي يكون الغرض متعلقا به في الحج البلدي و يؤيده التعبير بكلمة «من» و على هذا الاحتمال تخرج الرواية عمّا هو مورد البحث في المقام، و الظاهر انه لم يقل أحد بجواز العدول بالإضافة اليه، و كيف كان، لا تنهض الرواية لإثبات حكم على مخالف القاعدة، فيما نحن فيه، فاللازم الأخذ بها، و هو موافق لما في المتن.

ثم انه الحق في المتن صورة إسقاط التعيين، بصورة العلم بعدم تعلق الغرض

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 84

..........

______________________________

بالخصوصية في الحكم بجواز العدول، الذي لازمة استحقاق الأجرة أيضا، و الظاهر ان المراد من إسقاط الحق المذكور هو ما لو كان الحقّ ناشئا عن اشتراط الطريق المعين الذي يوجب ثبوت الحق للشارط، فمرجعه إلى انه في صورة الشرط يجوز للمستأجر إسقاط الحقّ الثابت له بسبب الشرط، فيجوز للأجير بعد الاسقاط العدول، و يستحق الأجرة أيضا.

و الدليل على كون المراد هو الاشتراط، عدم التعرض له في الفرع اللاحق، الذي تعرض فيه

لحكم استحقاق الأجير، بل وقع التعرض لصورتي القيدية و الجزئية.

توضيح ذلك: انه قد مرّ في المسألة السابقة: ان تعيين النوع من النواع الحج، تارة: يكون بعنوان القيدية، و اخرى: بعنوان الشرطية، و يجري في المقام صورة ثالثة، و هي ان يكون تعيين الطريق بنحو الجزئية، و الوجه في الاختلاف: انّ عنوان النوع من الأوصاف، و لا يكون بحسب نظر العقلاء و العرف قابلا لأن يؤخذ بنحو الجزئية، التي مرجعها الى وقوع بعض من مال الإجارة في مقابله، بخلاف المقام، فانّ سلوك الطريق، حيث انه عمل له وجود مستقل و يبذل بإزائه المال، يمكن ان يؤخذ في الإجارة بنحو الجزئية، فهذه المسألة تغاير المسألة السابقة، و عليه، فحيث انه لم يقع التعرض في ذيل هذه المسألة إلّا لصورتي القيدية و الجزئية، فاللازم حمل قوله: لو أسقط حق التعيين. على صورة الشرط.

فتدبّر. و كان المناسب التصريح بالشرطيّة خصوصا مع ملاحظة ما مرّ منا في ضابطة القيدية و الشرطية، فإن مقتضاها كون هذه المسألة بصورة الشرطية، لخروج الطريق عن ماهية الحج، و حقيقته، بخلاف المسألة المتقدمة، التي يكون مقتضى الضابطة المذكورة وقوعها بنحو القيدية، كما عرفت.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 85

..........

______________________________

الجهة الثالثة: في انه مع العدول يقع الحج صحيحا و تتحقق براءة ذمة المنوب عنه، لوقوعه نيابة عنه، كما هو المفروض، و لا فرق في هذا الحكم بين القول بجواز العدول و بين القول بعدمه.

امّا على الأوّل: فالحكم بالصحة و البراءة واضح، لانه لا مجال للمناقشة في الصحّة بعد حكم الشارع بجواز العدول و مشروعيّته للأجير.

و امّا على الثاني: فلان حرمة العدول و استحقاق العقوبة عليه لا تكاد تسري من متعلقها، الذي

هو العدول عن الطريق المعين و السلوك من طريق آخر إلى الحج، الذي هو عبارة عن مجرد الاعمال و المناسك، لعدم الارتباط بينهما، فالحج عبادة واقعة مع جميع شرائط الصحة، فاللازم الحكم بها و وقوعها مبرأة لذمّة المنوب عنه، و عدم استحقاق الأجرة في بعض صور المسألة لا يقدح في الصحة و الإبراء، بل اللازم الحكم بوقوعه بنحو التبرع، خصوصا مع العلم بعدم الاستحقاق مع العدول فيه، لانه لا يكاد ينفك ذلك عن قصد التبرع و وقوعه بلا أجرة، كما لا يخفى.

نعم، يستثنى من الحكم ببراءة ذمة المنوب عنه ما إذا كان ما عليه مقيّدا بخصوصية الطريق المعين في عقد الإجارة، كما إذا نذر الحج المقيد بها. و قد عرفت في فصل الحج بالنذر: انه إذا تعلق النذر بأصل الحج مقيدا بخصوصية، لا يلزم ان تكون تك الخصوصية راجحة شرعا، بل اللازم ان يكون المتعلق راجحا، و في مثل ذلك يكون الحج الكذائي راجحا بالإضافة الى تركه، كما إذا نذر ان يصلّي صلاة الليل في داره.

و الوجه في عدم البراءة في الصورة المذكورة واضح، لانه لم يتحقق من الأجير في الخارج ما تكون ذمّة المنوب عنه مشتغلة به، فلا مجال للبراءة، و ان كان ما هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 86

..........

______________________________

الواقع منه صحيحا و واقعا عن المنوب عنه، لاقترانه بقصد النيابة، الّا انه لا يكفي مع ذلك في حصول البراءة فيما هو المفروض، ثم ان الحكم بالصحة و البراءة مع فرض عدم جواز العدول لا فرق فيه بين أنواع تعيين الطريق من الشرطية و القيدية و الجزئية، كما هو ظاهر.

الجهة الرّابعة: في استحقاق الأجير للأجرة و عدمه، و

التفصيل: انّ تعيين الطريق، كما عرفت: قد يكون بنحو الشرطية و قد يكون بنحو القيدية و قد يكون بنحو الجزئية.

امّا إذا كان بنحو الشرطية، فالحكم فيه ما مرّ في المسألة السابقة، من: ان التخلف عن الشرط و العدول يوجب ثبوت الخيار للمستأجر، فإن اختار الإبقاء و عدم الفسخ، فاللازم استحقاق الأجير للأجرة المسماة لبقاء الإجارة بحالها، و تحقق المتعلق من الأجير، غاية الأمر تخلفه عن الشرط و مخالفته للحكم التكليفي بوجوب الوفاء بالشرط المقتضية لاستحقاق العقوبة، و كذا ثبوت الخيار للمستأجر.

و ان اختار الفسخ، فاللازم الحكم باستحقاق الأجير لأجرة المثل، لانه قد اتى بمتعلق الإجارة، لفرض كون خصوصية الطريق مأخوذة بنحو الشرطية، فالمتعلق واقع بأمر المستأجر مع عدم اقترانه بقصد التبرع. و قد أشار الى الفرض الأوّل في المتن بقوله: و كذا لو أسقط حق التعيين بعد العقد، على ما عرفت.

و امّا إذا كان بنحو القيدية، فاللازم الحكم بعدم استحقاق الأجير شيئا من الأجرة المسماة و اجرة المثل، لعدم تحقق متعلق الإجارة منه في الخارج، و هذا كما في التكاليف، فإنه إذا كان المكلف به مقيّدا، مثل عتق الرقبة المؤمنة، لا يكفي في تحقق موافقة التكليف- و لو في الجملة- الإتيان بذات المقيد، كعتق الرقبة غير المؤمنة، و لا فرق باب التكاليف و بين باب العقود بعد وقوع التقييد في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 87

..........

______________________________

متعلقها، كما هو المفروض. و عليه، فكما لا يستحق الأجرة المسماة كذلك لا يستحق أجرة المثل، لعدم كون ذات المقيد بدون القيد واقعا بامره و اذنه.

هذا، و لكن ذهب صاحب الجواهر الى استحقاق ما يقابل العمل من الأجرة في هذا الصورة أيضا، حيث قال

فيها: «و ان كان المراد الجزئية من العمل المستأجر عليه على وجه التشخيص به، فقد يتخيل في بادي النظر: عدم استحقاق شي ء- كما سمعته من سيد المدارك- لعدم الإتيان بالعمل المستأجر عليه، فهو متبرع به حينئذ، لكن الأصحّ خلافه، ضرورة كونه بعض العمل المستأجر عليه و ليس هو صنفا آخر، و ليس الاستيجار على خياطة تمام الثوب فخاط بعضه- مثلا- بأولى منه بذلك».

و يرد عليه، ما عرفت من: انّه مع التقييد لا مجال لدعوي كون ما اتى به بعض العمل المستأجر عليه، و انه ليس صنفا أخرى فإنّ المغايرة بين البشرط شي ء و اللّابشرط القسمي واضحة لا ريب فيها، و قد مرّ: انه لا فرق بين باب التكاليف و باب العقود في هذه الجهة أصلا، و التنظير بمسألة الخياطة في غير محلّه، فالإنصاف انه لا وجه لما افاده- قدّس سره.

و امّا إذا كان بنحو الجزئية، و المقصود منه ما إذا كان المتعلق مركّبا من جزءين و يكون المجموع متعلقا واحدا للإجارة، أحدهما الأعمال و المناسك، و ثانيهما الطريق المعين فيها، و امّا إذا كان كل واحد من الجزءين متعلقا مستقلا للإجارة قد تعلق به الغرض كذلك غاية الأمر، اجتماعهما في عبارة واحدة و إنشاء واحد، فهو خارج عن فرض الجزئية، و ان جعله بعض الاعلام أحد فرضي الجزئية، فهو خارج عن فرض الجزئية، و ان جعله بعض الاعلام أحد فرضي الجزئية، لكنه في غير محله. و كيف كان، ففي فرض الجزئية إذا تخلف و لم يأت بالجزء الذي هو الطريق المعين في الإجارة، يستحق من الأجرة المسماة ما يقابل الجزء المأتي به، و هو الحج، و لكن الظاهر ثبوت خيار تبعض الصفقة للمستأجر،

تفصيل الشريعة في

شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 88

[مسألة 9 لو آجر نفسه للحج المباشري عن شخص في سنة معينة]

مسألة 9- لو آجر نفسه للحج المباشري عن شخص في سنة معينة ثم آجر عن آخر فيه مباشرة بطلت الثانية، و لو لم يشترط فيها أو في إحديهما المباشرة صحّتا، و كذا مع توسعتهما أو توسعة إحديهما أو إطلاقهما أو إطلاق إحديهما لو لم يكن انصراف منهما الى التعجيل. و لو اقترنت الإجارتان في وقت واحد بطلتا مع التقييد بزمان واحد و مع قيد المباشرة فيهما. (1)

______________________________

فان اختار الفسخ يستحق الأجير أجرة مثل ما عمله لا من الأجرة المسماة، فالفرق بين صورة الشرط و صورة الجزئية انّما هو في: ان الاستحقاق في الصورة الأولى انّما هو بالنسبة إلى الجميع، و في الصورة الثانية انّما هو بالإضافة إلى البعض من دون فرق بين صورتي الفسخ و عدمه، كما لا يخفى.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأوّل: فيما لو تعاقبت الإجارتان المشتملتان على قيد المباشرة، المتحقق بالاشتراط و التصريح به- على ما يظهر من العبارة و ان كان سيأتي ما يخالفه- و قيد الزمان الواحد المتحقق بالاشتراط أو الإطلاق المنصرف الى التعجيل، و الظاهر تسالم كل من تعرض للمسألة على بطلان الإجارة الثانية و عدم وقوعها صحيحة، إنما الكلام في وجه البطلان، فنقول:

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 2، ص: 88

قد استدلّ السيّد- قده- في العروة تبعا لصاحب الجواهر بعدم القدرة على العمل بالإجارة الثانية بعد وجوب العمل بالإجارة الاولى، و قد ارتضاه أكثر شراح العروة، مع انه يرد عليه:

انه ان كان المراد بعدم القدرة عليه هو عدم القدرة تكوينا، بحيث تصير الإجارة الثانية فاقدة لشرط القدرة التكوينية المعتبرة في مطلق الإجارة، فمن الواضح: ان مجرد وجوب العمل بالإجارة الاولى و الوفاء بها لا يكون سالبا للقدرة و موجبا لانتفائها، ضرورة بقاء القدرة التكوينية و تحقق القدرة لها بالإضافة إلى الحج عن آخر، كما هو واضح. و ان كان المراد بعدم القدرة عليه هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 89

..........

______________________________

عدم القدرة شرعا، و مرجعه إلى حرمة العمل بالاجارة الثانية، نظرا الى كون مشروعية العمل و إباحته معتبرة في الإجارة مطلقا، و وجوب العمل بالإجارة الاولى يقتضي كون العمل بالإجارة الثانية محرما غير مشروع. فيرد عليه: ان الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن الضد العام فضلا عن الضدّ الخاص- كما حققناه في محلّه في الأصول- فمجرد ثبوت الوجوب لا يقتضي حرمة الترك فضلا عن الضد الخاص للواجب، فان الوجوب أمر اعتباري بسيط و لا يكون المنع من الترك جزء من معناه و دخيلا في مفهومه. و عليه، فالثابت بمقتضى الإجارة الأولى انّما هو مجرد وجوب الوفاء بها و لزوم الحج عن الشخص الأول و اما حرمة الحج عن آخر فلا يكون هنا شي ء يقتضي ثبوتها، حتى يقال: ان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا، فإنه ليس في البين ممنوعية شرعية بوجه. و قد ذكرنا في مسألة من استقر عليه الحج: انه لا دليل على بطلان استنابته و استيجاره، و انه إذا حج نيابة عن الغير يقع حجّه صحيحا. و عليه، فالدليل المذكور في العروة محلّ نظر بل منع.

و قد ذكر في كتاب الإجارة ضابطة كلية لنظائر المسألة، و هي: انّه لو

آجر نفسه لعمل مخصوص بالمباشرة في وقت معين ثم آجر نفسه لمثل ذلك العمل كذلك، اي مع قيد المباشرة و في ذلك الوقت المعين، كما إذا آجر نفسه للخياطة لزيد في يوم معين ثم آجر نفسه للخياطة لعمرو في ذلك اليوم، يكون المستأجر في الإجارة الأولى مخيّرا بين فسخ الإجارة و استرجاع تمام الأجرة إذا لم يعمل له شيئا، أو بعضها إذا عمل شيئا و بين ان يبقيها و يطالبه أجرة مثل العمل، و بين فسخ الإجارة الثانية و أخذ الأجرة المسماة فيها.

و عليه، فمقتضى ذلك صيرورة الإجارة الثانية فضولية، و أمر إمضائها و ردّها بيد المستأجر الأوّل. و الوجه فيه: ان التقييد بالمباشرة مع التوقيت يوجب انتقال منفعته الخاصة في الزمان الخاص إلى المستأجر، فكما أن إجارة الدّار سنة- مثلا-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 90

..........

______________________________

يوجب انتقال منفعتها فيها إلى المستأجر، و لازمته انه إذا أجرها في تلك السنة من آخر تصير الإجارة الثانية فضولية، لعدم كون مالك الدار مالكا للمنفعة بعد الإجارة الاولى، بل المالك لها هو المستأجر، فالإجارة الثانية فضولية و أمرها بيد المستأجر الأوّل، كذلك منفعة الشخص إذا أضيفت إليه بالتقييد بالمباشرة تنقل إلى المستأجر الأوّل، فنقلها إلى المستأجر الثاني فضولي، يتوقف على الإجارة، و ليس ذلك مثل ما إذا تقبل عملا في الذّمة، فإنه لا ينافي تقبل مثله فيها بالإضافة إلى شخص آخر، و لذا تبطل الإجارة في مثل المقام بموت الأجير و لا تبطل بموته في صورة التقبل في الذمة، بل تجب على الوارث إبراء ذمّة الميت، بان يخيط ثوب المستأجر بنفسه أو بغيره، لان المفروض عدم مدخلية المباشرة، التي لا يمكن ان تتحقق

بعد الموت.

هذا و مقتضى هذه الضابطة كون الإجارة الثانية في المقام فضولية، مع ان ظاهر العبارات بطلانها بالمرّة، كالبطلان في المقام الثاني، و هي صورة اقتران الاجارتين المحكومة ببطلانهما، مع ان مقتضى الدليل المتقدم أيضا على تقدير صحته هو البطلان بالمرة.

و بالجملة: لا يجتمع الحكم بالبطلان بالمرة في المقام مع الضابطة المتقدمة المذكورة في كتاب الإجارة، التي مقتضاها كون الإجارة الثانية فضوليّة، و لا محيص عن الأخذ بتلك الضابطة و عدم الحكم بالبطلان بالمرّة، كما لا يخفى.

ثم انه يقع الكلام في هذا المقام في أمور:

الأوّل: انه لا إشكال في صحة الإجارة الثانية إذا لم تشترط المباشرة في شي ء من الاجارتين، و كذا فيما إذا لم تشترط في خصوص الإجارة الاولى، و امّا فيما إذا اشترطت في الإجارة الأولى دون الثانية، فربما يقال، كما في الجواهر ببطلان الثانية، نظرا إلى انّه يعتبر في صحة الإجارة تمكن الأجير من العمل بنفسه،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 91

..........

______________________________

فلا تجوز، إجارة الأعمى على قراءة القرآن، و ان لم تشترط فيها المباشرة، و كذا إجارة الحائض لكنس المسجد، كذلك.

و لكن الظاهر بطلان هذا القول المعتبر في صحة الإجارة هي القدرة على متعلق الإجارة، فإذا كان المتعلق غير مقيد بالمباشرة، بل كان هو الجامع بين المباشرة و التسبيب، فلا يعتبر حينئذ تمكن الأجير من العمل بنفسه، بل المعتبر هو تمكنه من العمل بنفسه أو بغيره و عليه، لا مجال للحكم ببطلان الإجارة في المثالين و في مفروض هذا الأمر.

الثاني: انه لا إشكال في صحة الإجارة الثانية مع التصريح في الاجارتين أو في إحديهما، سواء كانت هي الأولى أو الثانية بالتوسعة و عدم التقييد بزمان معين، فإنه

لا منافاة بينهما حينئذ بوجه أصلا و قدرة الأجير على العمل بكلتيهما، و لو كان قيد المباشرة مأخوذا في إحديهما أو فيهما، و لا يجري فيه الضابطة المتقدمة، التي عرفت: ان مقتضاها الفضولية، كما هو ظاهر.

الثالث: ما إذا كانت الإجارتان أو إحداهما مطلقة من حيث الزمان، من دون التقييد بزمان معين و من دون التصريح بالتوسعة و اختلفت الفتاوي فيه على قولين: فالمحكي عن الشيخ و غيره: الحكم ببطلان الإجارة الثانية، و قد اختاره المحقق في الشرائع، بل يظهر من كلامه التوقف في صحة الثانية إذا كانت معينة في غير السنة الاولى. و حكى في الجواهر، عن العلامة، في المنتهى الجزم بعدم البطلان.

و الظاهر انه لو لم يكن مراد الشيخ و من تبعه خصوص صورة الانصراف الى التعجيل، التي هي بحكم التصريح بالتقييد بزمان معين، لما كان وجه للحكم ببطلان الإجارة الثانية، لأنه مع الإطلاق و عدم الانصراف لا منافاة بين الاجارتين، و لو كان قيد المباشرة مأخوذا في البين فلا يجري فيها دليل البطلان، و لا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 92

..........

______________________________

دليل الفضولية أصلا.

ثم ان الحكم بعدم البطلان انّما هو مع عدم انصراف الإطلاق إلى التعجيل.

و قد حكي عن الشهيد- قده- في بعض تحقيقاته انه حكم باقتضاء الإطلاق في كل الإجارات، التعجيل. و حكي في الجواهر عن جماعة، التصريح باقتضاء الإطلاق في الحج، التعجيل. و لكن عن المدارك بعد نقل قول الشهيد، انه قال:

و مستنده غير واضح. نعم، لو كان الحج المستأجر عليه حج الإسلام، أو صرّح المستأجر بإرادة الفورية و وقعت الإجارة على هذا الوجه، اتجه ما ذكر.

و قال صاحب الجواهر بعد نقل ما أفاده في المدارك:

و هو كذلك بناء على الأصحّ، من عدم اقتضاء الأمر الفور، و الفرض عدم ظهور في الإجارة بكون قصد المستأجر ذلك.

أقول: الظاهر عدم ارتباط المقام بمسألة دلالة الأمر على الفوريّة، التي هي مختلف فيها، و قد اختار المحققون عدم دلالته لا على الفور و لا على التراخي، و ذلك.

لان الفورية على تقدير دلالة الأمر عليها، انّما تكون متعلقة للتكليف الوجوبي و لا تكون دخيلة في المتعلق بنحو القيدية، بل و لا بنحو الشرطية، و لذا يجب على المكلف مع الإخلال بها الإتيان بالمأمور به في الزمان الثاني و هكذا، فهي على التقدير المذكور قد تعلق بها حكم وجوبي بالنحو المذكور، اي فورا، ففورا بخلاف المقام.

و بعد ذلك يكون التعجيل مرتبطا بالانصراف، و الظاهر ان دعوى الانصراف في كل الإجارات ممنوعة، فإنه لا ينصرف الاستيجار للخياطة إلى التعجيل قطعا، و كذلك الاستيجار للعبادات مثل الصلاة و الصيام، و امّا في باب الحج فلا تبعد دعوى الانصراف فيه، و لكن مع ذلك ادّعائه في كل زمان و مكان مشكل، و لعلّ اختلافهما كان دخيلا في ثبوته و عدمه. ثم ان مرجع الانصراف على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 93

[لو آجر نفسه للحج في سنة معينة]

10- لو آجر نفسه للحج في سنة معينة، لا يجوز له التأخير و التقديم الّا برضا المستأجر. و لو أخّر، فلا يبعد تخير المستأجر بين الفسخ و مطالبة الأجرة المسماة و بين عدمه و مطالبة اجرة المثل، من غير فرق بين كون التأخير لعذر أولا، هذا إذا كان على وجه التقييد، و ان كان على وجه الاشتراط: فللمستأجر خيار الفسخ، فان فسخ يرجع الى الأجرة المسمّاة، و الّا فعلى المؤجر أن يأتي

به في سنة أخرى و يستحق الأجرة المسماة، و لو اتى به مؤخرا لا يستحق

______________________________

تقدير ثبوته الى التصريح بالفورية، الذي لا يخلو عن كون أوّل الأزمنة دخيلا بنحو القيدية أو الشرطية، كما سيأتي تصويرهما في المسألة الآتية، هذا تمام الكلام في المقام الأوّل.

المقام الثاني: في اقتران الاجارتين مع الخصوصيتين المذكورتين في تعاقب الاجارتين.

و الظاهر ان الحكم فيهما هو البطلان من رأس، كما في المتن و غيره. و الوجه فيه:

ليس هو عدم إمكان الجمع بين الاجارتين من جهة الحكم التكليفي بوجوب الوفاء، فإنه لا يقتضي البطلان، كما في المتزاحمين، بل الوجه: هو عدم إمكان اعتبار مالكين مستقلين بالإضافة إلى شي ء واحد في وقت واحد، عينا كان، كما في البيع، أو منفعة، كما في منفعة الدار أو منفعة الأجير في المقام و مثله، و كذلك لا يمكن اعتبار زوجين بالإضافة إلى زوجة واحدة في زمان واحد، و عليه، فاللازم لحكم ببطلان كليهما، لعدم إمكان اجتماعهما و الحكم بصحة أحدهما دون الآخر، ترجيح من غير مرجح، و لا مجال للرجوع إلى القرعة بعد عدم ثبوت واقع مجهول، كما لا يخفى.

ثم ان فرض أصل اقتران الاجارتين و مثلهما، امّا فيما إذا كان الايجابان واقعين بنحو التعاقب أو الاقتران، و لكن تحقق القبول من الأجير بلفظ واحد بالإضافة إلى كليهما، و امّا فيما إذا تحقق أحدهما من الموكل و الآخر من الوكيل مع اقترانهما، أو تحقق من الوكيلين كذلك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 94

الأجرة على الأوّل و ان برئت ذمة المنوب عنه به، و يستحق المسمّاة على الثاني الّا إذا فسخ المستأجر فيرجع الى أجرة المثل، و ان أطلق و قلنا بوجوب التعجيل لا

يبطل مع الإهمال، و في ثبوت الخيار للمستأجر و عدمه تفصيل. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الجهة الاولى: عدم جواز التأخير و كذا التقديم من جهة مجرد الحكم التكليفي، إلّا برضا المستأجر، و لا اشكال فيه بعد كون الزمان المعين، مأخوذا بنحو القيدية أو الشرطية، كما هو المفروض. نعم، في خصوص صورة التقديم ربما يقال بالجواز، لانه زاد خيرا، و لكن الظاهر خروج مثل هذا الفرض عن محلّ الكلام، لان مرجعه الى كون الغرض متعلقا بعدم التأخير لا به و بعدم التقديم معا، ففي مفروض الكلام: كما لا يجوز التأخير كذلك لا يجوز التقديم أيضا.

الجهة الثانية: لو تخلف المستأجر و أخّر عن السّنة المعينة، سواء كان لعذر أو لغيره، فتارة:

يكون اعتبار تلك السنة بنحو التقييد، كأن يقول: استأجرتك للحج في هذه السنة، و أخرى يكون بنحو الاشتراط، كأن يقول: استأجرتك للحج و اشترطت عليك الإتيان به فيها امّا الأولى فهل الحكم فيها هو انفساخ عقد الإجارة قهرا كما اختاره السيّد- قده- في العروة، أو التخيير المذكور في المتن؟ فيه وجهان: و الظاهر هو الوجه الثاني، لأنّ التخلف المذكور لا يكون أسوء حالا من تعذر التسليم الطاري على العقد، و كما ان التعذر المذكور لا يوجب الانفساخ، كذلك التخلف في المقام، فهو لا يوجب الّا الخيار، فان اختار المستأجر الفسخ فله مطالبة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 95

..........

______________________________

الأجرة المسماة و استردادها، و ان اختار الإمضاء فله مطالبة أجرة المثل من الأجير، لتفويته المنفعة المقيدة المملوكة للمستأجر عليه، فيكون ضامنا لأجرة المثل. و الظاهر ان مستند السيد- قده- في الحكم بالانفساخ، هو: ان التخلف من حيث الزمان مع كونه مأخوذا

بنحو القيدية، مثل موت الأجير قبل العمل مع التقييد بالمباشرة، فكما انه يوجب البطلان، كذلك التخلف من حيث الوقت في الفرض المذكور. و لكن المقايسة في غير محلّها، لان قيد المباشرة له دخل في صيرورة الأجير أجيرا خاصّا، بخلاف قيد الزمان، الذي يجتمع مع تقبل العمل في الذمة.

و امّا الثانية: فالحكم فيها هو ثبوت خيار تخلف الشرط، فان اختار المشروط له الفسخ، فاللازم استرداد الأجرة المسماة، و ان اختار الإمضاء فمرجعه إلى إسقاط حق الشرط، و عليه، فاللازم على الاجيران يأتي به في الزمان اللّاحق، و ليس للمستأجر الرجوع الى أجرة المثل في هذه الصورة، لعدم وقوع شي ء من الأجرة في مقابل الزمان المعين، و عدم تحقق تفويت العمل المستأجر عليه على المستأجر، بخلاف الصورة المتقدمة، فمرجع الإمضاء في هذه الصورة إلى إسقاط حق الشرط، و فرض المعاملة كأن لم تكن مشتملة عليه، و من الواضح: ان الحكم فيه لزوم الإتيان بالعمل فيما بعد تلك السنّة.

الجهة الثالثة: في استحقاق الأجير للأجرة و عدمه، لو تخلف و اتى بالحج مؤخّرا عن السنة المعيّنة، و الحكم فيها أيضا التفصيل بين صورتي التقييد و الاشتراط.

فان كان اعتبار الزمان المعين بنحو التقييد، فالظاهر انه لا يستحق اجرة مطلقا، لا الأجرة المسماة و لا اجرة المثل، امّا عدم استحقاق الأجرة المسماة،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 96

..........

______________________________

فلعدم الإتيان بالعمل المستأجر عليه المقيد بذلك الزّمان، لانتفاء المقيد بانتفاء قيده، فلا مجال لاستحقاق تلك الأجرة. و امّا عدم استحقاق اجرة المثل، فلعدم وقوع العمل بأمر المستأجر و اذنه، و مجرد عود نفعه اليه لحصول براءة ذمة المنوب عنه بعمل الأجير لا يستلزم الاستحقاق بوجه، و امّا حصول

البراءة، المتوقف على صحة الحج الواقع نيابة عن المنوب عنه، فلأجل انه لا وجه للمناقشة في الصّحة و مجرّد كون الداعي إلى إتيانه أخذ الأجرة، لا يوجب البطلان عند التخلف و عدم تحقق الداعي.

و ان كان الاعتبار بنحو الاشتراط و وقع العمل من الأجير مؤخرا، فان لم يفسخ المستأجر الإجارة و أسقط حق الشرط يستحق الأجير الأجرة المسمّاة، لوقوع العمل المستأجر عليه و صدوره من الأجير، و الفرض إسقاط المشروط له حق الشرط، فيستحق تلك الأجرة. و ان فسخ المستأجر الإجارة و لم يسقط حق الشرط يستحق الأجير اجرة المثل، لوقوع العمل المستأجر عليه. غاية الأمر، تأثير الفسخ في استحقاق اجرة المثل دون المسماة.

و ينبغي التعرض بعد البحث في مسائل التأخير من البحث عن حكم التقديم، و ان لم يقع البحث عنه الّا بالإضافة إلى الحكم التكليفي في صدر المسألة و هو عدم جواز التقديم. فنقول:

اعتبار التقديم ان كان بمعنى تعلق الغرض بعدم التأخير عن الزمان المعين، فقد عرفت: انه خارج عن محل الكلام، لان مرجعه الى اعتبار عدم التأخير عنه، فلا فرق بين إيقاعه فيه و بين إيقاعه قبله أصلا، كما هو ظاهر.

و ان كان بمعنى تعلق الغرض بعدم التقديم كتعلقه بعدم التأخير، كما إذا كان غرضه متعلقا بأن يأتي بالحج عنه في كل عام أجير، و قد استأجر أجيرا لهذه السّنة قبلا، و استأجر هذا الأجير للسنّة الآتية، فإذا قدمه عليها و اتى به في هذه السنة،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 97

..........

______________________________

فلم يتحقق غرضه أصلا، فهو داخل في محلّ البحث.

و قد ذكر صاحب الجواهر- قده- في مورد التقديم: «لو قدّمه عن السنة المعيّنة، فعن التذكرة: الأقرب الجواز،

لأنّه زاد خيرا، و هو المحكي عن الشافعي، و في المدارك: في الصحة وجهان، أقربهما ذلك، مع العلم بانتفاء الغرض في التعيين، و فيه، انه يرجع الى عدم ارادة التعيين من الذكر في العقد و حينئذ لا إشكال في الاجزاء، انما الكلام فيما اعتبر فيه التعيين و لا ريب في عدم الاجتزاء به عن الإجارة، إلّا إذا كان بعنوان الشرطية لا لتشخيص العمل».

أقول: الفرق بين التقديم و التأخير مع اشتراكهما في تعلق الغرض بعدمهما، هو عدم جريان احتمال الانفساخ في التقديم، لانه لا يوجب تفويت العمل المستأجر عليه، لعدم منافاته مع الإتيان به في زمانه المعين، بخلاف التأخير، و كذا لا يجري الخيار أيضا، لما ذكر، فان مجرّد التقديم و الإتيان بالحج في السنة المتقدمة لا ينافي الإتيان به في السنة المعيّنة سواء كان اعتبارها بنحو التقييد أو الاشتراط، نعم، في صورة الاشتراط و عدم الإتيان به فيها، إذا فسخ المستأجر يرجع الأجير إلى أجرة المثل، لما اتى به في السنة المتقدمة، و إذا لم يفسخ يرجع الى الأجرة المسمّاة.

و بالجملة: فالخيار ليس لأجل التقديم، بل لأجل عدم الإتيان به في السنة المعينة.

و من هنا يمكن ان يناقش في أصل عدم جواز التقديم من جهة الحكم التكليفي أيضا، فإن التقديم من حيث هو لا وجه لان يكون محرّما، و انما المحرّم هو عدم الإتيان بالعمل المستأجر عليه في زمانه، الذي له دخل فيه بنحو التقييد أو الاشتراط، كما لا يخفى. و لعله لما ذكرنا، من: عدم ثبوت حكم تكليفي بالإضافة إلى التقديم بعنوانه، و لا ترتب اثر عليه من الانفساخ أو الخيار، لم يقع التعرض لصورة التقديم في المتن، و كذا في العروة. فتدبّر.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 98

..........

______________________________

الجهة الرابعة: في حكم صورة الإطلاق و عدم التعرض للزمان المعين- تقييدا أو اشتراطا- فان قلنا بعدم وجوب التعجيل فيها، فهي خارجة عن مفروض المسألة، الذي هو تخلف الأجير من حيث الزمان، لعدم إمكان التخلف مع الإطلاق، و ان قلنا بوجوب التعجيل، فقد ذكر في العروة: انها لا تبطل مع الإهمال. و في ثبوت الخيار للمستأجر حينئذ و عدمه وجهان، من ان الفورية ليست توقيتا، و من كونه بمنزلة الاشتراط.

و يرد عليه: انه على تقدير كون الفورية توقيتا، فما الوجه في كونها بمنزلة الاشتراط؟ بل الظاهر كونها بمنزلة التقييد، و قد حكم في صدر المسألة: بأن الحكم في صورة التقييد هو الانفساخ و البطلان.

و التحقيق في هذه الجهة، ما أشار إليه في المتن و فصلّه في التعليقة على العروة، بقوله: «ان قلنا: بان وجوب التعجيل لأجل انصراف العقد الى ذلك، ففي بطلان العقد و عدمه و ثبوت الخيار وجهان، و ان قلنا: بان الوجوب حكم شرعي، فالظاهر عدم البطلان و عدم ثبوت الخيار».

و توضيحه: انّ منشأ وجوب التعجيل، ان كان هو انصراف الإطلاق فلا محالة يرجع الى التقييد، لان الانصراف يحوّل الأمر الى ما يقابل الإطلاق، و هو التقييد، و لا معنى لتحويله الى الاشتراط. و عليه، فيجري حينئذ ما تقدم في التقييد، من الحكم بالانفساخ، كما اختاره في العروة، أو الخيار بالنحو المذكور فيه، كما اختاره في المتن.

و امّا لو لم يكن منشأ وجوب التعجيل هو الانصراف، الذي مرجعه الى التقييد، بل كان منشأه دلالة الأمر على الفور- على خلاف ما هو الحق المحقق في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص:

99

[مسألة 11 لو صدّ الأجير أو أحصر كان حكمه كالحاجّ عن نفسه]

مسألة 11- لو صدّ الأجير أو أحصر، كان حكمه كالحاجّ عن نفسه، فيما عليه من الاعمال، و تنفسخ الإجارة مع كونها مقيدة بتلك السنة و يبقى الحج على ذمّته مع الإطلاق، و للمستأجر خيار التخلف إذا كان اعتبارها على وجه الاشتراط في ضمن العقد، و لا يجزي عن المنوب عنه، و لو كان ذلك بعد الإحرام و دخول الحرم، و لو ضمّن المؤجر الحج في المستقبل في صورة التقييد لم تجب إجابته، و يستحق الأجرة بالنسبة الى ما اتى به من الاعمال، على التفصيل المتقدم. (1)

______________________________

محلّه- أو شيئا أخر، مثل لزوم رفع اشتغال الذمة فورا أو وجوب ردّ الامانة كذلك، فلا يكون في البين الّا مجرد حكم تكليفي، و هو وجوب التعجيل على الأجير و من الواضح: انّ مجرد مخالفة الحكم التكليفي لا يوجب تأثيرا في الإجارة انفساخا أو خيارا، و عليه، فلا يؤثر الإهمال و عدم رعاية التعجيل فيها أصلا، كما لا يخفى.

(1) المصدود: هو الممنوع عن الحج لمانع، مثل العدوّ، و حكمه في الحاجّ عن نفسه: ذبح الهدي في مكان الصد و التحللّ به عن الإحرام، و المحصور: هو الممنوع عن الحج لمانع، مثل المرض، و حكمه: ان يبعث هديا و يتحلل بعد الذبح الا من النساء. و مورد كليهما هو بعد التلبس بالإحرام. و يأتي تفصيل حكمهما، و بعد ذلك يقع الكلام في الأجير المصدود أو المحصور من جهات:

الجهة الاولى: انه هل وظيفة الأجير كذلك وظيفة الحاج عن نفسه، أم لا؟ الظاهر هو الأوّل، لإطلاق أدلة حكمهما و عدم الاختصاص بالحاجّ عن نفسه.

الجهة الثانية: عدم أجزاء ما على الأجير المصدود أو المحصور من الأعمال المأتي بها عن المنوب عنه، و

لو كان ذلك بعد الإحرام و دخول الحرم، لان الاجزاء في هذه الصورة، أي بعد الإحرام و دخول الحرم، انما ثبت على خلاف القاعدة، بالنص في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 100

..........

______________________________

مورد الموت، و لا دليل على التعدي إلى غيره، و ان كان المحكي عن الشيخ- قده- في الخلاف: ان الإحصار بعد الإحرام، كالموت بعده، في خروج الأجير عن العهدة، مستدلا عليه بإجماع الفرقة، و ان الحكم منصوص لهم لا يختلفون فيه، و لكن ضعفه ظاهر، لما عرفت: من ورود النص في الموت، و القياس عليه لا وجه له.

الجهة الثالثة: في حكم الإجارة، و قد وقع فيه التفصيل في المتن بين صور التقييد و الاشتراط و الإطلاق، بالحكم: بالانفساخ في الاولى، و ثبوت الخيار للمستأجر في الثانية، و بقاء الحج على ذمته في الثالثة، و الوجه في ذلك:

امّا في صورة التقييد، التي حكم فيها بالانفساخ بخلاف التقييد في مسألة التأخير المتقدمة، التي حكم فيه في العروة بالانفساخ، و قد خالفه في المتن، فحكم بثبوت الخيار للمستأجر، بالنحو المتقدم، فهو ثبوت الفرق بين المقام و بين تلك المسألة، لأن الموجب للانفساخ في المقام، هو كشف الصّد و الإحصار عن عدم القدرة على التسليم، المعتبرة في صحة الإجارة، فإن ثبوت أحدهما الموجب لعدم القدرة على إتمام الحج و إكماله، كاشف عن عدم القدرة للأجير واقعا، غاية الأمر، عدم اطلاعه عليها و كذا عدم اطلاع المستأجر، و من المعلوم اعتبارها في صحة الإجارة، و هذا بخلاف مسألة التأخير، فإنه لا يكشف عن عدم القدرة، و لو كان لعذر، فان الظاهر انه ليس المراد من العذر ما يوجب سلب القدرة، بل ما يوجب

الجواز و عدم الحرمة بالإضافة إلى التأخير، فمرجعه الى عدم تحقق التسليم من الأجير لا عدم القدرة. و عليه، فيظهر وجه ثبوت الخيار هناك و تحقق الانفساخ هنا، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 101

..........

______________________________

و امّا في صورة الاشتراط، فوجه ثبوت الخيار للمستأجر واضح، لانه لا فرق في ثبوت خيار تخلف الشرط بين ما إذا كان التخلف اختياريا و بين ما إذا لم يكن كذلك، و ان كان بين الصورتين فرق من جهة الحكم الشرعي، و وجوب الوفاء بالشرط و عدمه، لكن لا فرق بينهما من جهة اقتضاء التخلف للخيار.

و امّا في صورة الإطلاق: فبقاء الإجارة على ذمّته يبتني على أمرين: أحدهما:

عدم انصراف الإطلاق إلى الفورية، لأنه على تقدير الانصراف يرجع الى التقييد بها، و قد مرّ ان حكمه الانفساخ، ثانيهما: عدم كون التعجيل، الذي هو مقتضى الإطلاق بمعنى الفورية، بل بمعنى الحلول في مقابل الأجل. و سيأتي البحث عنه في المسألة الثالثة عشرة ان شاء اللّٰه تعالى.

الرّابعة: انه في صورة التقييد، لو ضمّن الأجير الإتيان بالحج في المستقبل، لا تجب على المستأجر إجابته، لأنه بالانفساخ تصير الإجارة كان لم تكن، و لا توجب الإجارة حقّا للأجير و أولوية له بالإضافة إلى الإجارة الثانية، بل هي عقد جديد و للمستأجر ان يختار من يشاء، فيجوز له عقد الإجارة مع غير الأجير الأوّل، كما هو ظاهر.

الخامسة: انه هل يستحق الأجير كذلك الأجرة بالنسبة الى ما اتى به من الاعمال، و ان لم يكن مجزيا عن المنوب عنه، كما مرّ، أو لا يستحقّ؟ ذكر السيّد- قده- في العروة و تبعه بعض الاعلام في الشرح: انه لا يستحقّ، و لكن مختار

المتن هو الاستحقاق، على التفصيل المتقدم، و هو انه لو كان المستأجر عليه تفريغ ذمة المنوب عنه و تحصيل براءتها، لا يستحق الأجير بالنسبة الى ما اتى به من الأعمال شيئا من الأجرة، و امّا لو كان المستأجر عليه نفس الأعمال بضميمة المقدمات أو بدونها، فيستحق بالنسبة الى ما اتى به، كمن استؤجر على خياطة الثوب فخاط نصف الثوب ثم مات، فإنه يستحق نصف الأجرة مع اعتبار قيد المباشرة،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 102

[مسألة 12 ثوبا الإحرام و ثمن الهدى على الأجير إلّا مع الشرط]

مسألة 12- ثوبا الإحرام، و ثمن الهدى على الأجير إلّا مع الشرط، و كذا لو اتى بموجب كفارة فهو من ماله. (1)

[مسألة 13 إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل بمعنى الحلول]

مسألة 13- إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل بمعنى الحلول في مقابل الأجل لا بمعنى الفورية بشرط عدم انصراف إليها فحينئذ حالها حال البيع فيجوز للمستأجر المطالبة و تجب المبادرة معها، كما ان إطلاقها يقتضي المباشرة فلا يجوز للأجير أن يستأجر غيره الّا مع الاذن. (2)

______________________________

و لا مجال حينئذ لتنظير المقام بالصلاة أو الصوم إذا مات الأجير قبل إتمامهما، لان أبعاضهما خارج عن العمل المستأجر عليه و عن دائرة الإجارة، بخلاف الصورة المفروضة و العجب من السيد و من تبعه، انه مع ذهابهما الى التفصيل المتقدم، كيف ذهبا الى عدم الاستحقاق في المقام بنحو الإطلاق!

(1) و الوجه في ثبوت ثوبي الإحرام، و كذا ثمن الهدي على الأجير: ان الواجب عليه هو الإتيان بالعمل المستأجر عليه، الذي من واجباته لبس ثوبي الإحرام، المتوقف على تحصيلهما، و كذا مثل ذبح الهدي، المتوقف على تحصيله، فهما كتحصيل الساتر و تطهيره في باب الصلاة إذا استؤجر عليها، فإنه لا يجب على المستأجر تحصيل الساتر للأجير أو تطهيره إذا كان غير طاهر، فمجرد الإجارة لا يقتضي ذلك نعم، مع الاشتراط على المستأجر يثبت عليه لعموم دليل الشرط.

و أوضح منهما الكفارة، فإنه لو اتى الأجير بموجبها فهي من ماله، لانه الآتي بالموجب، فلا وجه لثبوتها على المستأجر، و يظهر من المتن باعتبار عدم الاستثناء عدم جواز الاشتراط في هذه الصورة، و الوجه فيه، جهالته من حيث أصل التحقق، و من حيث التعدد و عدمه و مقدار التعدد، كما لا يخفى.

(2) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأوّل: في أنّ الإطلاق

يقتضي التعجيل، لكنّه ليس التعجيل بمعنى الفورية، التي معناها وجوب العمل على الأجير فورا و ان لم يطالب المستأجر، بل هو بمعنى الحلول في مقابل الأجل، كالدين الحالّ، حيث ان معناه لزوم الدفع و الأداء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 103

..........

______________________________

على المديون، لكن مع مطالبة الدائن، بخلاف الدين المؤجل، حيث انه لا يجب الأداء قبل الأجل و لو مع مطالبة المستأجر و القدرة على أدائه، فالتعجيل الذي هو مقتضى الإطلاق في باب الإجارة، معناه ما هو مقتضى الإطلاق في باب البيع و لكن ربما يقال بالتعجيل، بمعنى الفورية، نظرا الى ان العمل المستأجر عليه الثابت في ذمته مال الغير، و لا يجوز التصرف فيه الّا بإذن المالك و رضاه، و إبقائه في ذمته نوع من التصرف، كإبقاء الأعيان الخارجية المملوكة للغير، كالعين المستعارة، حيث انه لا يجوز للمستعير إبقائها عنده بعد الانتفاع بها في المدة المقررة، التي جوّز صاحبها الانتفاع بها فيها، فكما لا يجوز الإبقاء في الأعيان كذلك لا يجوز الإبقاء، في الذمة، لعدم الفرق.

و يرد عليه: مضافا الى الجواز في الأعيان أيضا في مثل البيع، الذي عرفت: ان حال الإجارة حاله، فإذا كان الثمن أو الثمن أو كلاهما شخصيّا و عينا خارجيّا، يكون وجوب تسليمه بعد مطالبة المالك الجديد لا مطلقا، وضوح الفرق بين العين و الدين، فإبقاء العين يعدّ تصرّفا فيها، فيتوقف على اذن مالكها و رضاه، و امّا إبقاء الدين فلا يعد تصرفا في ملك الغير حتى يتوقف على الاذن و الرّضا.

المقام الثاني: في أن الإطلاق يقتضي المباشرة، فلا يجوز للأجير ان يستأجر غيره الّا مع الاذن. و الوجه فيه: ان التسبيب لم يعلم تعلق

رضا المستأجر به، بل ظاهر الإطلاق تعلق الرضا بالمباشرة.

و ليعلم: ان هذا لا يجتمع مع ما تقدّم في المسألة التاسعة المتقدمة، من: انه مع الإطلاق و عدم اشتراط المباشرة في شي ء من الاجارتين أو إحديهما تصح كلتاهما، فإنه مع اقتضاء الإطلاق للمباشرة لا يبقى مجال لصحة الإجارة الثانية، كما لا يخفى.

ثم انه ورد في المقام رواية لا بد من التعرض لها و ملاحظة سندها و دلالتها،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 104

..........

______________________________

و هي ما رواه في الوسائل عن الشيخ- قده- بإسناده عن محمد بن محمد بن احمد بن يحيى عن أبي سعيد عن يعقوب بن يزيد عن أبي جعفر الأحول عن عثمان بن عيسى قال:

قلت لأبي الحسن الرّضا- عليه السلام-: ما تقول في الرجل يعطي الحجّة فيدفعها الى غيره؟ قال: لا بأس. «1» و الكلام فيها تارة من حيث السند، و اخرى من حيث الدلالة.

امّا من حيث السّند، فقد عرفت: انه في الوسائل أبو جعفر الأحول و هو محمد بن علي بن النعمان، المعروف بمؤمن الطاق، و هو ثقة، و من أصحاب الباقر و الصادق عليهما السلام، اي من الطبقة الخامسة، و لكن الشيخ نفسه رواها في التهذيب في موضعين، و ذكرها في أحدهما جعفر الأحول و في الأخر الأحول و عليه، فيظهر: ان ذكر أبي جعفر الأحول. استنباط من صاحب الوسائل مع انه لم يقم دليل عليه، بل الدليل قام على عدمه، فإنه من المستبعد جدّا ان يروي عن عثمان بن عيسى، الذي هو من أصحاب الرّضا- عليه السلام-، كما انه من البعيد كذلك ان يروي عنه يعقوب بن يزيد، الذي هو من الطبقة السابعة، و من أصحاب الإمام

الهادي- عليه السلام.

هذا، و جعفر الأحول و كذا الأحول مجهولان، و كذا عثمان بن عيسى مختلف فيه، و ان قال بعضهم: انه من أصحاب الإجماع، و امّا أبو سعيد، الرّاوي عن يعقوب بن يزيد، فيمكن ان يكون المراد به أبا سعيد القماط، و هو مشترك بين رجلين: أحدهما ثقة و من الطبقة الخامسة، الذي لا يمكن له النقل عن يعقوب بن يزيد، و ثانيهما مجهول.

و يمكن ان يكون المراد به أبا سعيد المكاري، و هو من أصحاب الصادق- ع-،

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة الباب الرابع عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 105

مسألة 14- لو قصرت الأجرة لا يجب على المستأجر إتمامها

، كما انّها لو زادت ليس له الاسترداد. (1)

______________________________

و لم تثبت وثاقته أيضا، كما انه يمكن ان يكون المراد به، هو سهل بن زياد، حيث ان كنيته أبو سعيد، و يؤيده رواية محمد بن احمد بن يحيى عنه كثيرا، و الأمر في سهل ظاهر. و من جميع ما ذكرنا ظهر: عدم جواز الاعتماد على الرواية من حيث السّند.

و امّا من حيث الدلالة، فقد حملها السيد- قده- في العروة تبعا لصاحب الوسائل على صورة إذن المستأجر مع، انه ليس له شاهد. و الظاهر كما افاده الماتن- قده- في حاشية العروة و بعض الاعلام في الشرح، ان يقال: انه لم يرد في الرواية ذكر من الاستيجار و الاستنابة، فيحتمل ان يكون المراد من الحجة التي أعطيت للرجل، هي الحجة الاستحبابية الواقعة لنفس الرّجل، فبذل مالا له للحج الاستحبابي، فأراد الرجل ان يعطيه غيره لأن يحج وجوبا أو استحبابا، فأجاب- ع-: بأنه لا بأس. و عليه، فالرواية أجنبية عن المقام. فتدبر.

(1) الوجه في عدم وجوب إتمام الأجرة على المستأجر فيما

لو قصرت، و كذا عدم ثبوت حق الاسترداد له فيما لو زادت، واضح بعد تحقق الإجارة الصحيحة، التي مقتضاها تحقق المعاوضة بين العمل و الأجرة، و لزوم إيقاع العمل في مقابلها، سواء زادت أو قصرت، أو لم تكن زيادة و لا قصور.

و لكنه قيل باستحباب الإتمام في الصورة الاولى، بل باستحباب ردّ الزائد على الأجير في الصورة الثانية، و لكنه لا دليل على الاستحباب على شي ء من القولين بشي ء من العنوانين. نعم، ربما يستدل على الأوّل بأنه معاونة على البرّ و التّقوى، و على الثاني بكونه موجبا للإخلاص في العبادة، و لكنه يتمّ على تقدير كون النية من الأوّل ذلك، فكانت نيّة المستأجر كذلك الإتمام مع القصور، و ذيّة الأجير كذلك الرّد مع الزيادة، و امّا بعد الفراغ فلا يتحقق المعاونة بوجه، و لا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 106

مسألة 15- يملك الأجير الأجرة بالعقد

لكن لا يجب تسليمها الّا بعد العمل لو لم يشترط التعجيل، و لم تكن قرينة على إرادته من انصراف أو غيره، كشاهد حال و نحوه، و لا فرق في عدم وجوبه بين ان تكون عينا أو دينا، و لو كانت عينا فنماؤها للأجير، و لا يجوز للوصيّ و الوكيل التسليم قبله الّا بإذن من الموصي أو الموكّل، و لو فعلا كانا ضامنين على تقدير عدم العمل من المؤجر أو كون عمله باطله، و لا يجوز للوكيل اشتراط التعجيل بدون اذن الموكّل، و للوصيّ اشتراطه إذا تعذر بغير ذلك، و لا ضمان عليه مع التسليم إذا تعذّر، و لو لم يقدر الأجير على العمل كان للمستأجر خيار الفسخ، و لو بقي على هذا الحال حتى انقضى الوقت، فالظاهر انفساخ العقد،

و لو كان المتعارف تسليمها أو تسليم مقدار منها قبل الخروج يستحق الأجير مطالبتها على المتعارف في صورة الإطلاق، و يجوز للوكيل و الوصي دفع ذلك من غير ضمان. (1)

______________________________

تأثير للنية بعده في زيادة الإخلاص أصلا. نعم، ينطبق عليه الإحسان إلى أخيه المؤمن و لو كان غنيّا، كما في إطعامه.

(1) لا إشكال في تحقق الملكية في باب الإجارة كالبيع، إلّا في بعض موارده، بمجرد تمامية العقد و حصول الإيجاب و القبول مع الشرائط، لكن لا يجب تسليم الأجرة إلّا بعد العمل، لاقتضاء المعاوضة ذلك، كما ان الأمر يكون كذلك في باب البيع أيضا، نعم، في صورة اشتراط التعجيل في متن العقد أو وجود قرينة على إرادته، كانصراف أو شاهد حال أو نحوهما، يجب التسليم و لو لم يشرع في العمل بعد، كما لا تبعد دعوى وجودها في مثل الاستيجار للحجّ.

و بدون الاشتراط أو وجود القرينة لا يجب تسليم الأجرة، سواء كانت عينا شخصية أو دينا في الذّمة، و ان كان نماؤها في الصورة الأولى للأجير من باب التبعية، لكن الملكية أمر و وجوب التسليم أمر أخر.

ثمّ انه ما ذكرنا، من: عدم وجوب تسليم الأجرة قبل العمل، لا يجوز للوكيل أو الوصي مع عدم الاذن التسليم قبله، و على تقدير المخالفة يتحقق الضمان، لكن ظاهر عبارة المتن كعبارة السيد- قده- في العروة: تعليق الحكم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 107

..........

______________________________

بالضمان على عدم تحقق العمل من الأجير أو كون عمله باطلا. و هو يناسب مع كون المنشأ للحكم بالضمان هي قاعدة الإتلاف، لتوقف عنوان الإتلاف على عدم تحقق العمل رأسا، أو كون العمل الصادر باطلا، لانه بدونه لا يتحقق هذا العنوان،

و امّا لو كان المنشأ هي قاعدة على اليد، المقتضية للضمان مع عدم الاذن من الشارع أو المالك، فالضمان يتحقق بمجرد الدّفع إلى الأجير من غير تعليق، كما لا يخفى.

و من ذلك يظهر: انه لا يجوز للوكيل قبول اشتراط التعجيل بدون اذن الموكّل، و امّا الوصيّ فقد علّق الجواز فيه- في العروة- على اذن الوارث، و لكنه ذكر في المتن: انه يثبت الجواز في خصوص صورة تعذّر وجدان الأجير من دون الاشتراط.

و الوجه فيه، انه مع التعذر لا محيص عن قبوله، فاللازم الحكم بالجواز، و يستلزم ذلك عدم تحقق الضمان مع عدم العمل أو صدوره باطلا، و ثبوت الضمان في بعض صور الجواز كضمان مال الغير، الذي يجوز أكله في صورة الضرورة، هو لأجل كون الجواز مقيّدا بثبوت الضمان، بخلاف سائر الموارد، حيث ان الجواز الشرعي يلازم عدم الضمان.

و امّا ما ذكره السيد- قده-، من: الجواز في صورة اذن الوارث، فقد أورد عليه:

بأنه لا دخل لإذن الوارث في الجواز أصلا. و الوجه فيه، امّا في صورة عدم زيادة التركة على اجرة الحج الاستئجاري الموصى به، فلاختصاص التركة بذلك و تعينها للصرف في الحج، و لا ارتباط لها بالوارث، فلا أثر لإذنه في جواز قبول اشتراط التعجيل، الذي قد لا يتحقق معه الحج أصلا، لجواز أن يأخذها الأجير و لا يأتي بالحج أو يأتي به باطلا، و امّا في صورة زياد التركة بمقدار يمكن الحج الاستئجاري مرّة أخرى: فإن كان مرجع اذن الوارث الى صرف سهمه في الحج عن المورث، على تقدير عدم تحقق الحج من الأجير بعد أخذه للأجرة، فلا مانع منه، و لكنه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 108

..........

______________________________

ليس بمعنى مدخلية الاذن في الجواز، بل بمعنى الالتزام بالإتيان بالحج عنه، على تقدير عدم تحققه من الأجير، و ان كان مرجعه الى صرف ذلك المقدار المخصوص، فلا دخل لإذنه فيه، لعدم ارتباطه به بوجه، كما لا يخفى.

ثمّ انه وقع التعرض في ذيل المسألة لما إذا لم يقدر الأجير على العمل، و الظاهر ان المراد به ما إذا كان عدم القدرة لأجل عدم تسليم الأجرة إليه قبل العمل، و قد وقع التعرض له بهذا النحو في العروة، تبعا للفقهاء الذين تعرّضوا له، قال في المدارك: «و لو توقف عمل الأجير على دفع الأجرة اليه و لم يدفعها الوصي، فقد استقرب الشهيد في الدروس جواز فسخه، للضرر اللازم من اشتغال ذمّته بما استؤجر عليه مع عدم تمكنه منه، و يحتمل عدمه، فينتظر وقت الإمكان، لأن التسلط على فسخ العقد اللازم يتوقف على الدليل، و مثل هذا الضرر لم يثبت كونه مسوّغا. نعم، لو علم عدم التمكن مطلقا، تعين القول بجواز الفسخ».

و قال في الجواهر بعد نقل كلام الشهيد- قده-: «و هو كما ترى: إذا كان مراده المفروض، الذي لا ريب في كون المتجه فيه انتظار وقت الإمكان. نعم، لو علم عدم التمكن مطلقا، اتجه القول بجواز الفسخ لهما، للضرر».

و يمكن ان يقال: بان مراد المتن أيضا ذلك، بقرينة التعرض له في ذيل مسألة الأجرة، و كيف كان، فالمذكور في كلام الشهيد هو ثبوت الخيار للأجير مستندا إلى قاعدة لا ضرر، و في كلام صاحب الجواهر هو ثبوت الخيار له و للمستأجر نظرا إلى القاعدة المذكورة، و تبعه السيّد في العروة، مع ان القاعدة المزبورة على تقدير ارتباطها بالأحكام، و عدم كونه حكما ناشيا عن مقام حكومة

النبي- ص- و ولايته و زعامته و تصديه لا دارة أمور المسلمين، لا تثبت الخيار، كما قرر في خيار الغبن في كتاب الخيارات، و على تقديره: فكون اشتغال الذمة كذلك ضررا، محل اشكال، بل منع. و الحق كما يظهر من المتن: عدم ثبوت الخيار للأجير بوجه، و امّا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 109

مسألة 16- لا يجوز استيجار من ضاق وقته عن إتمام تمتعا

و كانت وظيفته العدول الى الافراد عمن عليه حج التمتّع، و لو استأجره في سعة الوقت ثم اتفق الضّيق فالأقوى وجوب العدول، و الأحوط عدم اجزائه عن المنوب عنه. (1)

______________________________

المستأجر، الذي حكم في الجواهر و في العروة بثبوت الخيار له أيضا، فقد استشكل فيه في بعض شروح العروة: بعدم ظهور وجهه، لان عدم القدرة على العمل يوجب بطلان العقد، لاعتبار القدرة على التسليم في متعلق الإجارة، فلو فرض انه غير قادر على العمل، و لو لأجل عدم إعطاء الأجرة له، ينفسخ العقد، لكشف العجز و عدم القدرة من الأوّل عن البطلان.

و قد فصل في المتن بثبوت الخيار للمستأجر ابتداء، و انه لو استدام عدم التمكن حتى انقضى الوقت، فالظاهر الانفساخ.

أقول: امّا الانفساخ في صورة الاستدامة، فالوجه فيه ظاهر، لكشفه عن عدم القدرة من الأوّل، و لو كان منشأه عدم تسليم الأجرة اليه، و امّا الخيار في الصورة الأولى فمنشؤه تعذر التسليم، و لو في برهة من الزّمان، و هو يوجب الخيار.

ثم انه لو كان المتعارف تسليم الأجرة- كلّا أو بعضا- قبل الإتيان بالعمل، فالإطلاق ينطبق عليه، فيجوز للأجير مطالبة المقدار المتعارف، كما انه يجوز للوصي و الوكيل تسليمه من دون حاجة الى إذن خاص، و لازمة عدم الضمان، على تقدير عدم تحقق العمل المستأجر عليه

من الأجير، صحيحا، و الوجه فيه واضح.

(1) في هذه المسألة فرعان:

الفرع الأوّل: استيجار من ضاق وقته عن إتمام الحج متمتعا، و الظاهر ان كلمة الإتمام، بعد ملاحظة عدم إمكان الاستيجار بعد الشروع في عمل الحجّ، انّما هو اقتباس

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 110

..........

______________________________

من الكتاب العزيز، حيث استعمل فيه هذه الكلمة بالإضافة إلى الحج و العمرة، كاستعمال كلمتي الإقامة و الإيتاء في الصلاة و الزكاة، و ليس المراد من كلمة الإقامة في الصّلاة إلّا مجرد فعلها و الإتيان بها، كما ان المراد من كلمة الإيتاء هو الدفع و الأداء. و عليه، فالمراد من إتمام الحج هو فعل مناسكه.

و الظاهر: انّ الحاج عن نفسه إذا أحرم بقصد عمرة التمتع ثمّ عرض لها الحيض المانع عن إدراك الحج، أو ضاق الوقت عن إتمامها، و إدراكه. يجب عليه العدول الى حج الافراد و الإتيان بالحج قبل العمرة، كما ان الظاهر ان من استقر عليه الحج إذا ضاق وقته عن الحج تمتعا ينتقل فرضه الى الافراد خلاف من لم يستقر عليه، فان الظاهر سقوط الوجوب و عنه في سنة الاستطاعة، لفقد الاستطاعة الزمانية، و سيأتي تفصيل هذا البحث ان شاء اللّٰه تعالى.

و امّا الأجير فإذا كان الواجب على المنوب عنه حج التمتع، و كان الوقت ضيقا من أوّل الأمر و غير قابل للإتيان به، فلا يجوز استيجاره، لان العمل المستأجر عليه ان كان هو حج الافراد فالمفروض ان وظيفة المنوب عنه هو حج التمتع، و ان كان هو حج التمتع فهو ليس بمقدور للأجير، لفرض ضيق الوقت عن الإتيان به، فلا يجوز استيجاره أصلا.

الفرع الثاني: استيجار من كان في سعة الوقت ثم اتفق

له الضيق، كما إذا عرض لمركبه ما يمنعه عن حج التمتع، الذي لازمة تقديم العمرة على الحج، و فيه جهات من الكلام:

الاولى: في أن الأجير الكذائي، الذي لا شبهة في صحة استيجاره لفرض سعة الوقت، هل يجب عليه بعد اتفاق الضيق العدول الى حج الافراد، كالحاجّ عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 111

..........

______________________________

نفسه، أو لا يجوز له العدول، فإذا كان قبل الشروع في العمل فلا يجوز له الشروع، و ان كان بعده فاللازم التحلّل بعمرة مفردة؟ ذكر السيّد- قده- في العروة: ان فيه وجهين: من إطلاق أخبار العدول و من انصرافها الى الحاج عن نفسه، ثم جعل الأقوى عدم جواز العدول، و لكن اختار الماتن- قده- تبعا للمحقق النائيني، وجوب العدول و لازمة عدم ثبوت الانصراف المزبور و لازمة دعوى ثبوت الإطلاق، و لو في بعض اخبار العدول، و حيث ان اللازم ملاحظة تلك الاخبار.

و سيأتي البحث عنها ان شاء اللّٰه تعالى. فالمناسب «الإيكال إلى محلّه».

الثانية: في الاجزاء عن المنوب عنه، على تقدير جواز العدول و عدمه، و قد ذكر السيّد- قده- في العروة: انه على هذا التقدير أيضا لا يجزي عن الميت، لأنه غير ما على الميت، و قد جعله في المتن مقتضى الاحتياط الوجوبي، و الظاهر انه على تقدير جواز العدول الذي لازمة الالتزام بثبوت الإطلاق في اخبار العدول، و عدم تحقق الانصراف يكون مقتضاه الاجزاء، كما في الحاجّ عن نفسه، و لا مجال للتفكيك بينهما من جهة الاجزاء و عدمه، فكما انه لا شبهة ظاهرا في ثبوت الاجزاء في الحاج عن نفسه، كذلك لا ينبغي المناقشة في ثبوته في الأجير. نعم، الاحتياط الاستحبابي في محلّه، كما

لا يخفى.

الثالثة: في ثبوت الأجرة للأجير و عدمه، و لم يتعرض لهذه الجهة في المتن، و قد تعرض له في العروة، و حكم بعدم ثبوت الأجرة، لأنه غير العمل المستأجر عليه و الحقّ، ان يقال: انه ان كان العمل المستأجر عليه هو تفريغ ذمة المنوب عنه، فعلى تقدير القول بجواز العدول و الاجزاء عن المنوب عنه يستحق الأجير تمام الأجرة، لتحقق العمل المستأجر عليه.

و ان كان هو مناسك حج التمتع و عمرته، فالظاهر عدم استحقاقه شيئا من الأجرة، لمغايرة المأتي به مع ما هو المستأجر عليه. و ان قلنا بالاجزاء، فإنه لا ينافي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 112

مسألة 17- يجوز التبرع عن الميت في الحج الواجب مطلقا

، و المندوب، بل يجوز التبرع عنه بالمندوب و ان كان عليه الواجب حتى قبل الاستيجار له، و كذا يجوز الاستيجار عنه في المندوب مطلقا. و قد مرّ حكم الحيّ في الواجب، و امّا المندوب فيجوز التبرع عنه، كما يجوز الاستيجار له حتى إذا كان عليه حج واجب لا يتمكن من أدائه فعلا، بل مع تمكنه أيضا، فجواز الاستيجار للمندوب قبل أداء الواجب إذا لم يخل بالواجب لا يخلو من قوة، كما ان الأقوى صحة التبرع عنه. (1)

______________________________

المغايرة بوجه، فما وقع عليه العقد لم يتحقق في الخارج، و ما تحقق فيه لم يقع عليه العقد و لم يكن بأمر من المستأجر، و هذا كما في استيجار الخياط لان يخيط الثوب قباء فخاطه قميصا فإن الأمرين و ان كانا مشتركين في أصل الخياطة، الّا ان الخياطة بنحو القباء تغاير الخياطة بكيفية القميص. نعم، لو كانت المقدمات داخلة في متعلق الإجارة أيضا يستحق ما يقابلها، مع اشتراكها بين النوعين: التمتع و الافراد،

و الوجه فيه واضح.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأوّل: في النيابة التبرعية عن الميت أو الاستنابة كذلك عنه، و فيه مباحث:

الأوّل: في التبرع عن الميت في الحج الواجب مطلقا، سواء كان حجة الإسلام أو الحج المنذور، بل و الحج الاستيجاري مع عدم أخذ قيد المباشرة في الأجير، الموجب لبطلان الإجارة بالموت، فإنه مع عدم إتيان الأجير به الى ان مات يكون من مصاديق هذا المبحث، و يمكن ان يكون المراد بالإطلاق هو الأعم ممّا إذا كان الميت معسرا أم موسرا، و كذا أعم مما إذا كان اوصى بأن يحج عنه أم لم يوص بذلك، و كذا أعم في صورة اليسار و الوصية من ان يكون الوصي أو الوارث بانيا على الاستيجار عنه و ما إذا لم يكن كذلك، و لا خلاف ظاهرا في الجواز، بل عن التذكرة: انه لا يعرف فيه خلاف، و في الجواهر: ان الإجماع بقسميه عليه. و يدلّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 113

..........

______________________________

عليه ما رواه في الوسائل، عن الكليني عن أبي عليّ الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى عن ابن مسكان عن عامر بن عميرة، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام-: بلغني عنك انّك قلت: لو انّ رجلا مات و لم يحج حجة الإسلام فحجّ عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه، فقال: نعم، اشهد بها على أبي أنه حدثني: ان رسول اللّٰه- ص- أتاه رجل فقال: يا رسول اللّٰه انّ أبي مات و لم يحج. فقال له رسول اللّٰه- ص- حجّ عنه، فان ذلك يجزي عنه. «1» قال في الوسائل بعد نقل الرّواية: و رواه الشيخ بإسناده

عن موسى بن القاسم عن صفوان بن يحيى عن عبد اللّٰه بن مسكان عن عمّار بن عمير.

و الظاهر عدم وجود عمار بن عمير بين الرواة، و لم يذكره الشيخ في رجاله، مع عنايته بضبط الجميع، و الصحيح ما في الكافي، خصوصا مع كونه أضبط، بلحاظ كونه متمحضا في فنّ الحديث و الرواية، و عامر بن عميرة و ان لم يكن موثقا بالخصوص، الّا انه مضافا الى انه واقع في بعض أسانيد كتاب كامل الزيارات، يكون استناد المشهور بل المجمعين إلى الرواية موجبا لانجبار ضعفها على تقديره، و الحكم انما يكون على خلاف القاعدة، لما عرفت سابقا، من: كون أصل النيابة و اجزائها على خلافها. فلا محالة تكون الرواية مستندا إليها، و هو جابر للضعف، فلا مجال للمناقشة فيها من حيث السّند.

و امّا الدلالة: فظاهر قول رسول اللّٰه- ص- مخاطبا للابن: حجّ عنه. و ان كان هو وجوب حجّة عن أبيه في مفروض السؤال الّا ان تعليله- ص- بقوله: فان ذلك يجزي عنه. شاهد على انّ الأمر بالحج انّما هو للإرشاد، و بيان إمكان رفع اشتغال ذمّة أبيه الميت، الذي استقر عليه حجة الإسلام، كما ان مورده و ان كان

______________________________

(1) وسائل أبواب وجوب الحج الباب الواحد و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 114

..........

______________________________

هو الولد، الذي يجري فيه احتمال الاختصاص، لاختصاص الولد بأحكام خاصة، الّا ان استشهاد الامام بهذه القصة الواردة في الولد، مع ان ما هو الشائع عنه، الذي بلغ عامر بن عميرة، هو حجّ بعض أهل الميّت عنه، دليل على انه لا خصوصية للولد، و لا مجال لتوهم كون الذيل قرينة على ان المراد ببعض الأهل

هو الولد، لان ما هو الشائع لم يكن مذيّلا بهذا الذيل، كما انه لا مجال لاحتمال الاختصاص بالأهل و عدم الشمول للأجنبي، فتدبر. فالإنصاف تمامية دلالة الرواية أيضا.

و من جملة ما يدل على الحكم أيضا صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل مات و لم يكن له مال، و لم يحج حجة الإسلام، فأحج (فحج) عنه، بعض إخوانه، هل يجزي ذلك عنه، أو هل هي ناقصة؟ قال:

بل هي حجة تامة. «1» و لا ريب في ان مورده صورة وجوب حجة الإسلام و استقراره عليه، بحيث لو كان له مال لكان اللازم على الورثة الاستيجار له من ماله و تركته، كما انه لا مجال للمناقشة بعد وقوع المقابلة في كلام السائل بين الاجزاء و الناقص، في ان المراد بالتمامية في جواب الامام- ع- هو الاجزاء عن الميت، لا مجرد الصّحة في مقابل البطلان.

و عليه، فان كان المفروض في السؤال هو الحج عنه، تكون الرواية واردة في نفس المقام، و ان كان هو الإحجاج عنه، تدل الرّواية على حكم الحج بطريق أولى، لأن الظاهر: انّ المراد بالاحجاج هو الإحجاج من مال نفسه لا من مال الميت، فإذا كان الحج الناشئ عن الإحجاج الكذائي مجزيا عن الميت، فالحج عنه تبرعا يكون مجزيا بطريق اولى، لخلوه عن شائبة الأمر الماديّ.

______________________________

(1) وسائل أبواب وجوب الحج الباب الواحد و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 115

..........

______________________________

نعم، في مقابل ما ذكر، موثقة سماعة بن مهران، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها، و هو موسر. فقال:

يحج عنه

من صلب ماله، لا يجوز غير ذلك. «1» نظرا الى ظهورها في انحصار طريق براءة ذمّة الميت في الحج عنه من صلب ماله، فلا يجوز غير ذلك، سواء كان لأجل عدم الحج عنه أصلا، أو لأجل الحج عنه من الثلث لا من الأصل، أو لأجل النيابة عنه تبرّعا، أو الاستنابة عنه كذلك. و من الواضح: ان المراد من عدم الجواز هو عدم الإجزاء، غاية الأمر، ان مورد الرواية صورة اليسار، فلا يشمل صورة عدمه. نعم، لا مجال لاحتمال مدخلية عدم الإيصاء في ذلك، كما هو ظاهر.

و ذكر بعض الاعلام: ان الرواية محمولة على عدم جواز التصرف في تركة الميت قبل أداء الحج من ماله، و لا تدل على عدم جواز الحج عنه من مال أخر.

و أنت خبير، بان هذا الحمل في كمال الاستبعاد. و الظاهر ان المراد منه هو عدم الجواز من الثلث في مقابل الأصل شبيه الحصر الإضافي.

و يدلّ على الجواز في نفس مورد الرواية، صحيحة حكم بن حكيم، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- ع-: إنسان هلك و لم يحج و لم يوص بالحج، فأحجّ عنه بعض اهله رجلا أو امرأة، هل يجزي ذلك، و يكون قضاء عنه، و يكون الحج لمن حجّ، و يؤجر من الحجّ عنه؟ فقال: ان كان الحاج غير صرورة أجزأ عنهما جميعا، و أجر الذي أحجه. «2» فإن الظاهر ثبوت المال للميت، لان ظاهرها مدخلية الوصية على تقديرها، و هي انما تتم في صورة وجود المال، لانه مع عدمه لا فرق بين صورة

______________________________

(1) وسائل أبواب وجوب الحج الباب الثامن و العشرون ح- 4.

(2) وسائل أبواب وجوب الحج الباب الثامن و العشرون ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الحج، ج 2، ص: 116

..........

______________________________

الوصية و عدمها، كما لا يخفى.

و المراد من الاجزاء عنهما، بقرينة كون الحاج غير صرورة، بمعنى صدور حجة الإسلام منه قبلا، هو الاجزاء عن المنوب عنه و براءة ذمّته و ثبوت الأجر للنائب، و ان كان قوله- ع- بعده: و أجر الذي أحجّه، يبعّد ذلك، الا ان يحمل التعبير بالاجزاء على التغليب، فتدبّر. و كيف كان، فلا ينبغي الإشكال في أصل الحكم.

الثّاني: في التبرع عن الميت في المندوب في الجملة، و لا شبهة في جوازه و مشروعيته، و قد عقد في الوسائل بابا لذلك، عنوانه: باب استحباب التطوع بالحج و العمرة و العتق عن المؤمنين، و خصوصا الأقارب، احياء و أمواتا، و عن المعصومين، احياء و أمواتا. «1» و أورد فيه روايات كثيرة دالة على عنوان الباب، فلا اشكال، كما انه لا خلاف في ذلك.

الثالث: في جواز التبرع عن الميت في المندوب و لو كانت ذمته مشغولة بالواجب، و لو قبل الاستيجار عنه للواجب، و ربما يشكل الجواز مع اشتغال الذمة بالواجب، نظرا إلى أنه مأمور بالواجب و متمكن منه بالاستيجار، على ما هو المفروض، فكيف يصح الحج المندوب عنه! و لكن الجواب، أوّلا: انه من مصاديق مسألة الترتب، كالصلاة و الإزالة، فإنه على تقدير القول بصحة الصلاة بالترتب أو غيره من الطرق الآخر، لا فرق بين الصلاة الواجبة و الصلاة المستحبة، كصلاة تحيّة المسجد مكان إزالة النجاسة عنه. و عليه، فاشتغال الذّمة بالواجب لا يمنع من التبرع عنه في المندوب، كما هو مقتضى إطلاق النصوص الواردة في ذلك الباب.

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة الباب الخامس و العشرون.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 117

..........

______________________________

و ثانيا: انه

لو قلنا بالبطلان في تلك المسألة فلا يلازم القول بالبطلان في المقام، لأنّ الآتي بالمندوب غير من تكون ذمته مشغولة بالواجب، و هو الميت. و لم يدل دليل على: ان كل مورد لا تصح فيه المباشرة لا تصحّ فيه النيابة و التسبيب، لصحة النيابة عن الحائض مع عدم قدرتها على المباشرة، و كذا في أصل المسألة تصح النيابة عن الميت، مع انه غير قادر على المباشرة، بسبب الفوت. و على ما ذكرنا، فجواز التبرع عن الميت في المندوب انما يكون ثابتا بنحو الإطلاق.

الرّابع: في جواز الاستيجار عنه في المندوب، و وجهه: انه بعد صحة النيابة عنه فيه و مشروعيتها يكون لازمها صحة الاستيجار، كما هو ظاهر.

المقام الثاني: في النيابة عن الحيّ، و فيه مباحث أيضا:

الأوّل: في النيابة عنه في الحج الواجب مع عدم كونه معذورا، لأجل المرض أو الهرم و غيرهما، و لا شبهة في عدم جوازها، لظهور أدلّة التشريع في لزوم المباشرة، كما عرفت.

الثاني: في النيابة عنه فيه مع كونه معذورا، و قد مرّ البحث عنه في السابق، و انه يجب عليه الاستنابة و لا يجوز التبرع، و لا يكفي في رفع اشتغال ذمّته.

الثالث: في النيابة عنه في الحجّ المندوب تبرّعا، و مقتضى إطلاق الروايات المذكورة في الباب المتقدم، الذي عقده في الوسائل، جواز التبرع عن الاحياء، بل مورد بعضها الحيّ، و من جملة وظائف المؤمنين في عصر الغيبة النيابة عن صاحبها وليّ العصر و الزمان روحي و أرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء، في الحج و الإتيان بالحج الاستحبابي عنه، بل كان من عادات الشّيعة، على ما يظهر من بعض الروايات، و لكن المحكيّ عن الشافعي و احمد في إحدى الروايتين، الخلاف

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 118

مسألة 18- لا يجوز ان ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد

في الحج الواجب، إلّا إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة، كما إذا نذر كل منهما ان يشترك مع الأخر في تحصيل الحج، و يجوز في المندوب، كما يجوز بعنوان إهداء الثواب. (1)

______________________________

في ذلك، و عن المنتهى، التصريح بعدم جواز الحج ندبا عن الحيّ إلّا باذنه. و في الجواهر: «لعلّه حمل النصوص على إهداء الثواب لا على وجه النيابة، الّا انه واضح الضعف».

الرّابع: في انه يجوز للحيّ أن يستأجر من يأتي عنه بالحج المندوب، فإن صحة النيابة التبرعية تقتضي صحة الاستيجار له، و هو في الجملة لا اشكال فيه.

و الظاهر جريان الحكم فيما إذا كان على الحيّ حج واجب لا يتمكن من أدائه فعلا، بل و لو تمكن منه و لكنه لم يأت به. نعم، قيده في المتن بما إذا لم يخل بالواجب، و الظاهر عدم تمامية القيد، لأنه في صورة الإخلال بالواجب يكون عدم جواز الاستيجار بنحو الحكم التكليفي، و هو لا يستلزم البطلان، و عدم وقوع الحج المندوب. عنه، و مما ذكرنا يظهر جواز الجمع في عام واحد بين الإتيان بالحج الواجب مباشرة و الاستيجار للحج المندوب و قد عرفت فيما مضى: ان الأقوى صحة ان يؤجر المكلف بحجة الإسلام- مع القدرة عليها- نفسه، لإتيان الحج عن الغير، و المقام اولى، ثم ان قوله في الذيل: كما ان الأقوى صحة التبرع عنه. تكرار، و ان كان يمكن توجيهه: بان المراد هو التبرع عنه في صورة اشتغال ذمته بالواجب، كالاستيجار، لكنه يحتاج إلى إضافة مثل كلمة: «كذلك»، كما لا يخفى.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة أيضا في مقامين:

المقام الأوّل: في نيابة الواحد عن اثنين

أو أزيد في عام واحد في الحج الواجب، و حكمها عدم الجواز، لأنّ الواجب على كل واحد من المنوب عنه هو الإتيان بالحج

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 119

..........

______________________________

مستقلا، من دون فرق بين حجة الإسلام و غيرها، كحج النذر و الاستيجار، فان اللازم في جميع هذه الموارد هو الإتيان بنحو الاستقلال، و لا مجال لوقوع عمل واحد عنهما أو عنهم، كما في سائر العبادات، كالصلاة و الصوم الاستيجاريين، و يمكن ان يقال باظهرية الحج منها، لأنه بمنزلة الدين الواجب، بمقتضى الآية و الرواية، فكما لا يكفي أداء دين واحد بنية مديونين أو أزيد فكذلك الحج، بل لو كان الواجب على منوب عنه، إذا كان واحدا، حجّتان أو أزيد، لا يجوز له استنابة واحد لهما أولها، بل يلزم تعدّد الاستنابة حسب تعدّد الواجب، فلا إشكال في الحكم.

نعم، قد استثنى في المتن و مثله صورة واحدة، و هي ما إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة، كما إذا نذر كل منهما ان يشترك مع الآخر في إحجاج الثالث و إيقاعه الحج عنهما.

و لكنه ربما يمكن المناقشة في أصل صحة النذر في الصورة المفروضة، لأن نذر الاشتراك، مع تقومه بفعل الغير، ان كان مرجعه الى كون المنذور هو الاشتراك من دون تعليق على فعل الغير، فلا مجال له بعد ارتباطه بالغير و خروجه عن دائرة اختيار الناذر، و ان كان مرجعه الى التعليق، فلا يعلم عدم قدح مثل هذا التعليق في النذر، و ان كان التعليق الشكري و الزجري لا مانع منه فيه، الّا ان المقام لا يكون مصداقا لشي ء منهما.

و يمكن فرضها فيما إذا و كلّ اثنان واحدا للنذر كذلك فتدبّر.

المقام

الثاني: في نيابته عن اثنين أو أزيد في الحج المندوب، و الظاهر هو الجواز، كما قد نص عليه في الجواهر و غيره، و قد عقد في الوسائل باب لذلك، عنوانه: جواز التشريك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 120

..........

______________________________

بين اثنين، بل جماعة كثيرة في الحجة المندوبة. «1» و أورد فيه روايات كثيرة:

منها: صحيحة محمد بن إسماعيل، قال: سألت أبا الحسن- عليه السلام- كم أشرك في حجتي؟ قال: كم شئت. «2» و الظاهر انّ المراد من السؤال، بقرينة التعبير بالاشراك الظاهر في كون الشريك شريكا في نفس العمل، و صدوره من حين وقوعه بهذا العنوان. و هذا لا يلائم مع إهداء الثواب، الذي مرجعه الى مجرد عود الثواب الى الشريك، و لا مدخلية له في صدور العمل و استناده اليه، و بقرينة إضافة الحجة إلى الفاعل، الظاهرة في وقوعها عنه لا مجرد صدورها، و لو كان بعنوان النيابة، كما ربما يقال، انّ مورد السؤال هو وقوع الحجة المضافة إلى الفاعل و الى الشريك معا، و لا محالة وقعت أصالة و نيابة معا، فبالاضافة الى الفاعل تتصف بالأصالة، و بالإضافة إلى الشريك تتصف بالنيابة، فهي جامعة لكلتا الصفتين.

و يؤيد كون المراد بالاشراك، هو الإشراك في نفس العمل لا إهداء الثواب، المتحقق بعد العمل للنفس نوعا، و رواية معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام-: انّ أبي قد حج، و والدتي قد حجت و ان أخويّ قد حجّا و قد أردت أن أدخلهم في حجتي كأني قد أحببت ان يكونوا معي، فقال: اجعلهم معك، فان اللّٰه جاعل لهم حجا و لك حجّا، و لك اجرا بصلتك إيّاهم. «3»

و هذه الرواية

و بعض الروايات الأخر شاهدة على عدم وقوع الحج نيابة عن الغير، بحيث لم يكن للفاعل اضافة اليه الّا مجرّد الصدور منه، فان ثبوت الحج له لا يناسب مع النيابة المحضة خصوصا مع إضافة أجر صلة القرابة اليه.

و عليه، فمورد هذه الروايات يغاير ما هو المبحوث عنه في المقام، و هو إيجاد

______________________________

(1) وسائل الباب الثامن و العشرون من أبواب النيابة.

(2) وسائل الباب الثامن و العشرون من أبواب النيابة ح- 1.

(3) وسائل الباب الثامن و العشرون من أبواب النيابة ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 121

مسألة 19- يجوز ان ينوب جماعة عن الميت أو الحيّ في عام واحد في الحج المندوب

تبرّعا أو بالإجارة، بل يجوز ذلك في الحج الواجب أيضا، كما إذا كان على الميت حجّان مختلفان نوعا، كحجة الإسلام و النذر، أو متحدان نوعا كحجتين للنذر، و امّا استنابة الحج النذري للحيّ المعذور، فمحل اشكال كما مرّ، و كذا يجوز ان كان أحدهما واجبا و الآخر مستحبّا، بل يجوز استيجار أجيرين لحج واجب واحد. كحجة الإسلام في عام واحد، فيصح قصد الوجوب من كلّ منهما، و لو كان أحدهما أسبق شروعا، لكنهما يراعيان التقارن في الختم. (1)

______________________________

الحجة نيابة عن أزيد من واحد بدون اضافة الى النائب. و لكن الظاهر ان المتفاهم عند العرف منها ثبوت الحكم، امّا بنحو الأولوية، نظرا إلى انه إذا جاز العمل المركب من الأصالة و النيابة، فجوازه نيابة عن الزائد على الواحد انما هو بطريق اولى، و امّا بإلغاء الخصوصية و عدم احتمال العرف، الاختصاص بالموارد أصلا، كما لا يخفى. فلا مجال للمناقشة في أصل الحكم.

(1) في هذه المسألة مباحث:

المبحث الأوّل: انه يجوز ان ينوب جماعة عن واحد- حيّا كان أو ميّتا- في عام واحد في الحج المندوب

مطلقا- اي سواء كانت تبرعية أو بالإجارة- و يدل عليه مضافا الى إطلاقات أدلة النيابة، بعض الروايات، و هي رواية محمد بن عيسى اليقطيني، قال: بعث اليّ أبو الحسن الرّضا- ع- رزم ثياب و غلمانا و حجة لي و حجة لأخي موسى بن عبيد و حجة ليونس بن عبد الرحمن، و أمرنا أن نحج عنه، فكانت بيننا مائة دينار، أثلاثا فيما بيننا. «1» و لا مجال لاحتمال الاختصاص بما إذا كان المنوب عنه اماما معصوما كما لا يخفى.

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة الباب الرّابع و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 122

..........

______________________________

المبحث الثاني: انه يجوز ذلك في الحج الواجب أيضا، كما إذا كان على الميت حجتان مختلفتان بالنوع أو متحدان، لعدم الدليل على لزوم الترتيب و عدم قدرة المنوب عنه للجمع في عام واحد، لا يمنع من تحققه من النائبين أو أزيد.

المبحث الثالث: استنابة الحج النذري للحيّ المعذور، و قد عرفت لزومها في حجة الإسلام بالنسبة إلى الحيّ المذكور، و ان التبرع عنه محل اشكال، و امّا في الحج النذري فلم يتقدم البحث عن الاستنابة فيه، على ما تفحّصت، و لكن الظاهر ان الاشكال فيها يستلزم التأخير الى ما بعد الموت، و لزوم الاستنابة بعده، و هذا في غاية البعد، فان القول بعدم جواز استنابته مع عذره، و لزوم الانتظار الى ان تتحقق بعده، مما لا يقبله ذوق الفقاهة.

المبحث الرّابع: انه يجوز ان يكون أحد الحجين واجبا و الآخر مستحبا، كما انه يجوز أن يأتي المنوب عنه بالحج الواجب مباشرة، و يأتي النائب الحج المندوب عنه في نفس ذلك العام، و كذلك يجوز أن يأتي المنوب عنه بالحج المندوب

مباشرة، و يأتي النائب عنه بحجّ أخر كذلك، كما يتفق في الحجّ عن مولانا صاحب العصر و الزمان صلوات اللّٰه عليه و على آبائه الطاهرين.

بل يجوز ان يستأجر أجيرين لحج واجب واحد، كحجة الإسلام، نظرا الى تحقق الوثوق بصدور حج صحيح، لاحتمال بطلان حج أحدهما، بل مقتضى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 123

..........

______________________________

إطلاق المتن و صريح العروة جواز ذلك، مع العلم بصدور الحج من كل منهما صحيحا، و يصح قصد الوجوب من كل منهما، و ان كان إحرام أحدهما قبل إحرام الآخر، لانه ما دام لم يتمّ العمل تكون الذمة مشغولة، و لكنه ذكر في المتن: انهما يراعيان التقارن في الختم، لأنه إذا كان أحدهما أسبق من هذه الجهة يصح فعل السابق و يبطل فعل اللاحق، لانطباق الواجب على الأوّل، فلا يبقى مجال لانطباقه على الآخر.

و منه يظهر: انه لو علم أحدهما من الأوّل بحصول الختم من الأخر قبله لا يبقى مجال لصحة إحرامه بقصد الوجوب، و عليه، فيكشف ذلك عن بطلان الإجارة، لعدم قدرة الأجير على العمل المستأجر عليه، و هو الحج الواجب.

بل يمكن ان يقال: بأنه مع الشك في إمكان التقارن و عدمه تبطل كلتا الاجارتين، لاعتبار القدرة في متعلق الإجارة، و هي مشكوكة على الفرض. فتدبّر.

هذا إتمام الكلام في مباحث النيابة في الحج.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 127

القول في الوصيّة بالحجّ

مسألة 1- لو اوصى بالحج، اخرج من الأصل لو كان واجبا

، الّا ان يصرّح بخروجه من الثلث، فاخرج منه، فان لم يف أخرج الزائد من الأصل، و لا فرق في الخروج من الأصل بين حجة الإسلام و الحج النذري و الافسادي، و اخرج من الثلث لو كان ندبيّا، و لو لم يعلم

كونه واجبا أو مندوبا، فمع قيام قرينة أو تحقق انصراف فهو، و الا فيخرج من الثلث، الّا ان يعلم وجوبه عليه سابقا و شك في أدائه، فمن الأصل. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة فروض:

الفرض الأوّل: انه يعلم بكون الحج الذي اوصى به واجبا عليه في حال الحياة، سواء كان حجة الإسلام أو الحج النذري أو الافسادي، من دون فرق بين القولين فيه.

و يمكن فرض الوجوب بسبب الاستيجار، فيما إذا صرّح فيه بعدم مدخلية المباشرة، فلم يتحقق من الأجير، بل أوصى بأن يؤتى به بعد الموت، و في هذا الفرض، تارة:

يوصي بالحج، و لا يصرح بخروجه من الأصل أو الثلث، و اخرى: يصرح بخروجه من الأصل، و ثالثة يصرح بخروجه من الثلث. ففي الصورتين الأولتين يخرج من الأصل، امّا لما ذكره السيد- قده- و قد ناقشنا فيه سابقا، من: ان الحج واجب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 128

..........

______________________________

مالي، و الإجماع قائم على ان الواجبات المالية تخرج من الأصل، و أضاف إليه قوله: مع انّ في بعض الاخبار: ان الحج بمنزلة الدين، و من المعلوم خروجه من الأصل، مع ان الرواية وردت في خصوص حجة الإسلام لا مطلق الحج الواجب، و امّا لما ذكرنا سابقا، من: ان الإخراج من الأصل لا يحتاج الى التصريح به، و هذا بخلاف الإخراج من الثلث، فإنه يفتقر إلى مئونة زائدة. و بيان التقييد، فكل مورد لم يقم فيه دليل على ان الإخراج من الثلث، يكون اللازم هو الإخراج من الأصل.

و امّا الصورة الثالثة: فإن كان الثلث كافيا للاستيجار للحج فلا كلام، و ان لم يكن، فمقتضى العبارة لزوم الإخراج من الثلث و إخراج الزائد من الأصل،

و تظهر الثمرة بينه و بين إخراج الجميع ابتداء من الأصل فيما إذا عيّن الثلث في مال خاص، فان اللازم صرفه و التكميل من الأصل، و فيما إذا كان مع الوصية بالحج الواجب، الوصية بالحج المستحب أيضا- مثلا-، فان مقتضى الإخراج من الثلث انه لا يبقى موضوع للوصية الأخر، بخلاف ما إذا قلنا بلزوم إخراج الحج الواجب من الأصل، فإنه يبقى موضوع للآخر، لبقاء الثلث بحاله.

الفرض الثاني: ما إذا كان الحج الموصى به حجّا ندبيا، و لا إشكال في انّه كسائر الوصايا، التي لا تجوز بأكثر من الثلث إلّا بإجازة الورثة، و قد وردت فيها نصوص ادّعي تواترها معنى، و من المعلوم: انه لا خصوصية للحج الندبي من هذه الجهة.

الفرض الثالث:

ما لو لم يعلم كون الحج الموصى به واجبا أو مندوبا، فان قامت قرينة على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 129

..........

______________________________

أحد الأمرين أو كان انصراف في البين، فلا إشكال في ترتب حكمه من الخروج من الأصل في الأوّل و من الثلث في الثاني، و ان لم تقم قرينة و لم يكن انصراف، فقد ذكر السّيد- قده- في العروة: ان فيه وجهين. و اختار في ذيل كلامه الخروج من الثلث إلّا في مورد واحد، يأتي التعرض له ان شاء الهّٰي تعالى. و تبعه الماتن في ذلك، و استظهر فيها من سيّد الرياض، خروجه من الأصل، حيث انّه وجّه كلام الصدوق- يعني والده- الظاهر في كون جميع الوصايا من الأصل، بأن مراده ما إذا لم يعلم كون الموصى به واجبا أولا.

و لا بأس بنقل كلامه لتظهر كيفية استدلاله، حتى يلاحظ تماميته و عدمها.

فنقول: انه بعد ما ذكر في مبحث عدم جواز

الوصية بما زاد على الثلث، ما عن والد الصدوق، من: جواز الوصية بالمال كلّه، و استدلاله بالرضوي: فإن أوصى بماله كلّه، فهو اعلم بما فعله، و يلزم الوصي إنفاذ وصيّته على ما اوصى به، و برواية عمار الآتية و غيرهما، تصدى لردّه بالمناقشة في دلالة الاخبار و بمعارضتها بغيرها، ثم قال: «و يحتمل عبارة المخالف، كالرضوي، لما يلتئم مع فتاوى العلماء، بأن يكون المراد به: يجب على الوصيّ صرف المال الموصى به بجميعه على ما اوصى به، من حيث وجوب العمل بالوصية و حرمة تبديلها، بنص الكتاب و السنّة، و انما جاز تغييرها إذا علم ان فيها جورا، و لو بالوصية بزيادة عن الثلث، و هو بمجرد الاحتمال، غير كاف، فلعلّ الزيادة منه وقعت الوصية بها من دون حيف، كأن وجبت عليه في ماله بأحد الأسباب الموجبة له، و الموصي أعلم، و هذا غير جواز الوصية بالزيادة تبرّعا، فلا يمضي منها الّا الثلث، كما عليه العلماء، و هذا التوجيه ان لم يكن ظاهرا من عبارته، فلا أقل من تساوي احتماله لما فهموه منها، فنسبتهم المخالفة إليه ليس في محلّه، و عليه، نبّه في التذكرة: و عليه فلا خلاف من أحد يظهر منّا».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 130

..........

______________________________

و عبارته من جهة الاستدلال تحتمل وجهين:

أحدهما: ما فهمه السيّد- في العروة- منها، من ان مقتضى عمومات وجوب العمل بالوصية و حرمة التبديل- الثابتين بالكتاب و السّنة- خروجها من الأصل، و قد خرج عن هذه العمومات صورة العلم بكونها ندبا، و عليه، فصورة الشّك المفروضة في المقام داخلة في العموم، و يؤيد هذا الاحتمال قوله: و انما جاز تغييرها إذا علم ان فيها

جورا ..

و جوابه واضح، فان الخارج عن العمومات صورة كون الوصية ندبا، و انها في هذه الصورة إذا كانت زائدة على الثلث تردّ اليه مع عدم اجازة الورثة، و ليس في شي ء من أدلة التخصيص إشارة إلى كون العلم دخيلا في عنوان المخصص، و عليه، فالخارج هو المندوب الواقعي، و عليه، فالرجوع الى العمومات في المقام يكون من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص، و هو غير جائز عند المحققين.

ثانيهما: ما يحتمله قوله: فلعلّ الزيادة منه وقعت الوصية بها من دون حيف، من التمسك بأصالة الصحة، و انه مع الشّك، يحمل تصرف الموصى على الصحة، لان الموصي أعلم، فيبني على ان وصيته في الواجب لا في المندوب. و عليه فلا يكون من التمسك بالعالم في الشبهة المصداقية، و لا مخالفة لأدلة عدم نفوذ الوصية فيما زاد على الثلث، فهو كما قيل نظير ما لو باع زيد مالا على عمرو و شك في انه ماله أو مال غيره، أو علم انه مال غيره، و شك في انه مأذون فيه أولا، فإنه يبني على صحة البيع، و ليس فيه مخالفة، لما دلّ على عدم صحة بيع مال الغير إلّا باذنه، و استظهر بعض شراح العروة هذا الاحتمال من كلام الرياض و من عبارة التذكرة، التي هي قريبة مما ذكره في الرياض، على ما حكى.

و أورد على هذا الوجه سيّد المستمسك- قده- بقوله: «نعم، الاشكال يقع في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 131

..........

______________________________

جريان أصالة الصحة في الفرض، لاختصاصها بما يكون صحيحا و فاسدا، و وجوب العمل لا يكفي أثرا للصّحة. نعم، لو اوصى بعين لشخص و شك في أنّها للموصي أو

لغيره، يبني على صحّة الوصية حتى يثبت الخلاف، لا في مثل المقام، مما لا يكون للوصية أثر غير وجوب العمل، فان عموم وجوب العمل بالوصية لما كان مخصّصا، بما دلّ على عدم لزوم الوصية بما زاد على الثلث، فمع الشك في الشبهة المصداقية يرجع الى أصالة البراءة لا الى عموم وجوب العمل بالوصية».

و يرد عليه: مضافا الى منافاة صدر كلامه مع ذيله، فان مقتضى الصّدر ثبوت وجوب العمل بالوصية، غاية الأمر، عدم كفايته أثرا للصحة، و مقتضى الذيل:

عدم ثبوت الوجوب لعدم جواز التمسك بالعموم، منع عدم كون الوجوب كافيا، أثرا للصّحة، فإنّ وجوب العمل تكليف ثابت في خصوص الوصية الصّحيحة، و هذا المقدار كاف للفرق بينها و بين الوصية الباطلة.

كما انه أورد على أصل الوجه بعض الاعلام، بقوله: «و يندفع: بان خروج الحج الواجب من الأصل ليس لأجل الوصية، فإنها صحت أو لم تصحّ يخرج الحج الواجب من الأصل، فهو أجنبي عن الوصية، و انّما تؤثر في المندوب، فإنه لو كان زائدا على الثلث، فلا اثر لها، و تصحّ إذا كان بمقداره».

و الظاهر ان مراده: انّ الوصية بالحج الواجب لا تتصف بالصّحة، لعدم الفرق بين وجودها و عدمها، و امّا الوصية بالمندوب فتتصف بها، و حيث انه لم يحرز موضوعها، فلا مجال لإجرائها، مضافا الى ان المفروض صورة الزيادة على الثلث و عدم اجازة الورثة.

و يرد عليه: انّ الوصية بالحج الواجب تتصف بالصحة و الفساد أيضا، فإنه ربما يكون الوصي غير الوارث، فيتحقق وجوب العمل بالإضافة إلى الوصي، مع ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 132

..........

______________________________

وجوب العمل بالوصية إنّما يترتب على مخالفته العقاب، كترتبه على مخالفة الواجب الموصى به،

ففي صورة المخالفة يستحق عقوبتين، كنذر الواجب إذا خالفه و لم يأت بالمنذور، غاية الأمر، ثبوت الكفارة في مخالفة النذر أيضا دون مخالفة الوصية، و عليه، فصحة الوصية ليست باعتبار اثر الخروج من الأصل فقط، بل لها أثار، و حيث ان المفروض البطلان في المندوب لفرض الزيادة على الثلث، فمقتضى أصالة الصحة الحمل على كون الموصى به هو الحج الواجب، و هو يخرج من الأصل.

و العمدة في الجواب عن أصل الوجه: ان مستند أصالة الصحة- سواء كانت جارية في عمل نفسه أو عمل الغير- هي السيرة لا الدليل اللفظي، ليتمسك بإطلاقه، بل لا بد من الاقتصار على القدر المتيقن، و هو ما إذا كان الشك، راجعا الى نفس العمل لا العامل. و بعبارة أخرى: ما إذا أحرز سلطنة المباشر و ولايته و شك في صحة عمله، من جهة وجدانه للشرائط و عدمه، امّا لو شك في أصل ولايته و سلطنة، فلا يمكن إثباتها بأصالة الصحة، كما إذا باع رجل ملك أحد و شككنا في انه هل له الولاية على ذلك بالاذن من الشارع أو من المالك، أو لا يكون له هذا الشأن لعدم كونه مأذونا؟ فإنه لا مجال لإجراء أصالة الصحة و الحكم بثبوت الولاية، و المقام من هذا القبيل، فإنه على تقدير كون الموصى به هو الحج المندوب، ليس للموصى الولاية على الوصية بعد فرض زيادتها على الثلث و عدم اجازة الورثة بخلاف ما إذا كان الموصى به هو الحج الواجب، فان له الولاية في هذه الصورة، فالشك انّما هو في وجود الولاية و عدمها، فلا تجري أصالة الصحة.

ثمّ انه ربما يستدلّ للقول المذكور، و هو الإخراج من الأصل ببعض الروايات، مثل ما رواه

الشيخ عن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال: الرجل أحقّ بماله- ما دام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 133

..........

______________________________

فيه الروح إذا اوصى به- كلّه، فهو جائز. «1»

و قد حملها الشيخ- قده- على ما إذا لم يكن للميت وارث أصلا- لا من قريب و لا بعيد فإنه يجوز له حينئذ ان يوصي بماله كيف شاء، كما انه قد حملها صاحب الوسائل و قد تبعه السيّد- قده- في العروة، على خصوص الثلث الذي أمره بيده، و الظاهر عليه ان قوله: «بما له» يكون معناه بما للموصي لا بمال الموصي، و كلا الحملين في غاية البعد، و لا شاهد على شي ء منهما.

و لكن الظاهر- مضافا الى ضعف سند الرواية، لأن الراوي عن عمّار في التهذيب، هو أبو الحسن عمر بن شدّاد الأزدي، و في الاستبصار، هو عمرو بن شداد الأزدي، و في بعض الاسناد، أبو الحسين، و ذكر في السند أيضا أبو الحسن الساباطي عن عمار، و لم يوثق الرجل بشي ء من العناوين- انّها معارضة و مخصصة بالروايات الكثيرة، الدالة على خروج المندوب من الثلث، فلا وجه لملاحظة الرواية من دون ملاحظة مخصّصها.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا: انه لم ينهض دليل على الخروج من الأصل في محلّ البحث، و هو ما إذا كان الحج الموصى به مردّدا بين الواجب و المستحبّ، و لكن الظاهر ان مجرد ذلك لا يكفي في الحكم بالخروج من الثلث، لانه كما لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص لا يجوز التمسك بالخاص في شبهته المصداقية، بل عدم الجواز فيه أوضح، لوجود القول بالجواز في الأوّل و عدمه في الثاني. و عليه، فلا يجوز

التمسّك بشي ء من الدّليلين، فكما انه لا دليل على الخروج من الأصل لا دليل على الخروج من الثلث.

و الحقّ: ان الوجه في الخروج من الثلث هو استصحاب عدم وجوب الحج على

______________________________

(1) وسائل أحكام الوصايا الباب الحادي عشر ح- 19.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 134

..........

______________________________

الموصي، لأن المفروض بقرينة الاستثناء- الذي يأتي البحث عنه ان شاء اللّٰه تعالى- صورة عدم كون وجوب الحج عليه معلوما في الزمان السابق. و عليه، فالجاري هو استصحاب عدم وجوب الحج.

و هذا يكفي في عدم لزوم الإخراج من الأصل و لزوم الإخراج من الثلث، و لا يلزم إثبات كون الحج ندبا في الإخراج من الثلث، فان لزوم إثباته انّما هو على تقدير كون المرجع في ذلك هي أدلة الخروج من الثلث في المندوب، مع انه على هذا التقدير يكون المرجع هو استصحاب عدم الوجوب، المخرج للفرض عن دليل لزوم الإخراج من الأصل، بضميمة لزوم العمل بالوصية و حرمة تبديلها.

فالنتيجة: هي الخروج من الثلث، فتدبر.

و هذا كما في الشبهات المصداقية للمخصص في سائر الموارد، كما إذا قال المولى: أكرم العلماء. و قام الدليل المخصص على عدم وجوب إكرام الفساق من العلماء، و شك في فسق زيد العالم، فإنه لا يجوز استكشاف حكمه من شي ء من الدليلين، فيصير وجوب إكرامه مشكوكا، و يجري استصحاب عدم الوجوب أو أصالة البراءة عن الوجوب، فينطبق حكمه على حكم المخصص، و هو عدم الوجوب، لا انه صار مرجعا في حكمه، كما هو ظاهر.

بقي الكلام: في المورد الذي استثناه من الحكم، بالإخراج من الثلث، و هو: ما لو علم بوجوب الحج عليه سابقا و شك في بقاء الوجوب في حال الوصية. فإن

مقتضى استصحاب بقاء الوجوب و عدم الإتيان بما وجب عليه و عدم براءة ذمته، كون التكليف باقيا بحاله، فيلزم الإخراج من الأصل، و لكن يجري في هذا الاستصحاب مناقشتان، لا بد من التعرض لهما، و الجواب عنهما:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 135

..........

______________________________

الاولى: ان الوجوب كان ثابتا على الموصي و لم يعلم حاله حال الوصية، و انه هل كان شاكّا في بقاء الوجوب أو عالما بأحد الأمرين، من الفعل أو الترك، و شك الوصي أو الوارث لا يكفي في جريان الاستصحاب، فان المتيقن هو الوجوب الثابت على الموصي، و الشاك هو الوصي أو الوارث.

و يدفع هذه المناقشة: انه لو كان بقاء المتيقن في زمان الشك موضوعا للأثر بالإضافة إلى الشاك، لا مانع من جريان الاستصحاب، كما في المقام، فان بقاء الوجوب يترتب عليه لزوم الإخراج من الأصل على الوصي أو الوارث، و ليس.

ذلك. مثل ما إذا شككنا في بقاء دين زيد على عمرو، مع عدم ترتب اثر على البقاء بالنسبة إلينا، فلا مجال لهذه المناقشة.

الثانية: ان استصحاب بقاء الوجوب لا يثبت كون الحج الموصى به هو الحج الواجب، لانه لازم عقلي، لبقاء الوجوب حال الوصية.

و يدفعها أن الأثر لا يكون مترتّبا على الوصية الحج الواجب حتى لا يثبت ذلك باستصحاب بقاء الوجوب، بل نفس بقاء الوجوب يكفي في لزوم الإخراج من الأصل، من دون فرق بين صورة الوصية و صورة عدمها، فلا حاجة الى إثبات كون الحج الموصى به هو الحج الواجب.

ثم ان السّيد- قده- في العروة، بعد الحكم بلزوم الإخراج في مورد الاستثناء المذكور، قال: «و لكنه يشكل ذلك في كثير من الموارد، لحصول العلم غالبا بان الميت كان

مشغول الذّمة بدين أو خمس أو زكاة أو حج أو نحو ذلك، الّا ان يدفع بالحمل على الصّحة، فإن ظاهر حال المسلم الإتيان بما وجب عليه، لكنه مشكل في الواجبات الموسّعة، بل في غيرها أيضا في غير الموقتة، فالأحوط في هذه الصورة الإخراج من الأصل».

و مراده من الواجبات غير الموسعة و غير الموقّتة، هي الواجبات التي لا تكون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 136

..........

______________________________

موقتة بوقت خاص، و لكن قام الدليل على لزوم الإتيان بها فورا، كحجة الإسلام، حيث انه يجب الإتيان بها فورا، و لا تكون موقتة بحيث تصير قضاء بعد خروج وقتها. و يرد عليه حينئذ: انه لو كان ظاهر حال المسلم من جهة الإتيان بما وجب عليه، و عدم مخالفة التكليف معتبرا، لما كان فرق بين الواجبات الموقتة و بين مثل حجة الإسلام، التي يجب الإتيان بها فورا، لعدم الفرق في رعاية التكليف بين أصل الواجب و بين الفورية، التي تجب رعايتها فيه.

و لكن البحث في اعتبار ظاهر حال المسلم، فإنه لم ينهض دليل عليه و لم يقم ما يدل على حجيّته، فلا مجال للاعتماد عليه. نعم، في خصوص الواجبات الموقتة تجري قاعدة الشك بعد الوقت، التي يكون دليلها مخصّصا لعموم دليل الاستصحاب. و الظاهر عدم اختصاص جريانها بخصوص المكلف، بل تجري بالإضافة الى من كانت وظيفته الإتيان بما وجب عليه قضاء عند فوته في الوقت، كالولد الأكبر أو مطلق الوارث أو الوصيّ. و عليه، ففي خصوص الواجبات الموقتة تجري هذه القاعدة، فلا يجب قضائها على الغير، كما لا يجب قضائها على المكلف نفسه في صورة الشك، و امّا في غيرها فالإشكال المذكور في كلام السيّد- قده-

بحاله.

ثمّ ان بعض الاعلام فصّل في شرح العروة في موارد الحقوق الماليّة تفصيلا، لا يكون ذكره بنحو الإجمال خاليا عن الفائدة، و ظاهره تسليم ما افاده السيّد- قده- في غير هذه الموارد، مع انّك عرفت ما فيه، فنقول: قد ذكر: ان موارد الاشتغال بالحقوق المالية على ثلاثة أقسام:

الأوّل: ما إذا تعلّق الحق، كالخمس و الزكاة، بعين المال الشخصي، و المال موجود بعينه، و يشك في ان المالك ادّي ما عليه من الحق أم لا.

الثاني: ما إذا تعلق بالعين، و لكن المال غير موجود بعينه، و يشك في ان المالك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 137

..........

______________________________

هل ادى خمسة أو زكاته قبل تلف المال، أو انه تلف قبل أداء الحق، و اشتغلت ذمته به؟

الثالث: ما لو علم بان المالك أتلف المال قبل أداء الحق و انتقل الى ذمته، و يشك في انه هل ادى ما على ذمته أم لا؟

امّا الأوّل: فلا ينبغي الريب في جريان الاستصحاب فيه، لان هذا المال بعينه قد تعلق به الخمس و شك الوصي أو الوارث في الأداء، و الأصل العدم، و لا يكفي إجراء أصالة الصحة في إثبات أداء الميت، لأن أصالة الصحة تقتضي عدم ارتكاب المالك الحرام، و لا يترتب عليه أيّ اثر أخر، و لذا لا يترتب عليه الآثار الشرعية في العقود و الإيقاعات، فلو شك في انه باع داره أو كان كلامه باطلا محرّما، لا يحكم عليه بيع داره لحمل فعله على الصّحة، بل غايته انه لم يرتكب محرّما، و من ذلك ما ذكره الشيخ الأنصاري- قده- من: انه لو تردد الأمر بين ان سلّم أو سبّ، لا يجب علينا ردّ السلام، لحمل

فعله على الصّحة، و انما يحكم بأنه لم يصدر منه السبّ، فاستصحاب عدم الأداء محكّم.

و امّا الثاني: فالظاهر ان استصحاب عدم أداء الخمس لا يؤثر في الضمان، لان المفروض ان المال تلف حينما كان المالك وليّا عليه، و كان جائزا له ان يتلف الخمس و يبدله من مال أخر، و الضمان انما يترتب على التفريط، و هو غير محرز، و استصحاب عدم الأداء لا يثبته.

و امّا الثالث: فالحكم ببقاء اشتغال ذمة الميت و عدمه يبتني بعد انّ إثبات الدين على الميت يحتاج الى ضم اليمين إلى البينة، كما انه لا خلاف فيه ظاهرا، على ان اليمين هل تكون جزء متمما للبينة في أصل إثبات الدعوى على الميت، أو ان البينة انما تؤثر في الإثبات، و البقاء يحتاج الى ضم اليمين، و مرجعه حينئذ إلى إلغاء الاستصحاب في البقاء، بل لا بد من اليمين؟ فان قلنا: بأنها جزء متمّم،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 138

[مسألة 2 يكفي الميقاتي]

مسألة 2- يكفي الميقاتي، سواء كان الموصى به واجبا أو مندوبا، لكن الأوّل من الأصل و الثاني من الثلث، و لو اوصي بالبلدية، فالزائد على أجرة الميقاتية من الثلث في الأوّل، و تمامها منه في الثاني. (1)

[مسألة 3 لو لم يعين الأجرة]

مسألة 3- لو لم يعين الأجرة، فاللازم على الوصي- مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم- الاقتصار على اجرة المثل. نعم، لغير القاصران يؤدّي لها من سهمه بما شاء، و لو كان هناك من يرضى بالأقل منها وجب على الوصيّ استيجاره مع الشرط المذكور، و يجب الفحص عنه- على الأحوط- مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم، بل وجوبه لا يخلو من قوة، خصوصا مع الظن بوجوده. نعم، الظاهر عدم وجوب الفحص البليغ.

و لو وجد متبرع عنه يجوز الاكتفاء به، بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى الاستيجار، بل هو الأحوط مع وجود قاصر في الورثة، فان اتى به صحيحا كفى، و الّا وجب الاستيجار.

و لو لم يوجد من يرضى بأجرة المثل، فالظاهر وجوب دفع الأزيد، لو كان الحج واجبا، و لا يجوز التأخير إلى العام القابل، و لو مع العلم بوجود من يرضى بأجرة المثل أو الأقل،

______________________________

فاللازم التمسك في البقاء بالاستصحاب، و امّا ان قلنا: بان الاحتياج الى اليمين انّما هو في البقاء، فاللازم هو الالتزام بعدم جريان الاستصحاب و إلغائه في هذا المورد. و المسألة محررة في كتاب القضاء.

أقول: قد وقع البحث في محلّه أيضا، في: ان الاحتياج الى اليمين هل يختص بمورد تحقق الدعوى على الميت و ثبوت المدّعى، أو يعم صورة عدم المدعى؟ بل كان الوارث عالما بثبوت الدين على مورّثه و شاكّا في بقائه، أو قامت بينة على ذلك من دون ان يكون

هناك مدع أصلا.

و قد ظهر مما ذكرنا: ان الاولى في بيان المورد الثالث، ان يقال: هو عبارة عن صورة اشتغال ذمة الميت، سواء كان منشأه هو الدين أو انتقال الحق من العين إلى الذمّة، و لا وجه لتخصيص العبارة بالثاني.

(1) تقدم البحث في هذه المسألة في المباحث السّابقة، خصوصا في المسألة الخامسة و الخمسين من فصل شرائط وجوب حجة الإسلام، فراجع.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 139

و كذا لو اوصى بالمبادرة في الحج الواجب.

و لو عيّن الموصي مقدارا للأجرة، تعيّن، و خرج من الأصل في الواجب ان لم يزد على اجرة المثل، و الّا فالزيادة من الثلث، و في المندوب كله من الثلث، فلو لم يكف ما عيّنه للحج، فالواجب التتميم من الأصل في الحج الواجب، و في المندوب تفصيل. (1)

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:

المقام الأوّل: ما إذا لم يتعرض الموصي بالحج للأجرة، و لم يعيّنها بوجه، و فيه فروع:

الأوّل: ما إذا دار الأمر بين الاستيجار بأجرة المثل و بين الاستيجار بالأكثر، بمعنى انه لم يوجد من يرضى بالأقل منها، و لا إشكال في تعين الاستيجار بأجرة المثل في هذه الصورة، و الاقتصار عليها، امّا للانصراف إليها، كما استدل بها السيّد- قده- في العروة و امّا للزوم رعاية المصلحة في الوصي كالوكيل، بل تجري الوكالة في باب الحج أيضا، كما إذا و كلّ الحيّ، الذي لا يستطيع ان يحج- لهرم أو مرض لا يرجى زواله- من يستأجر له أجيرا ليحج عنه.

الثاني: ما إذا وجد من يرضى بالأقلّ من الأجرة، و اللازم على الوصي استيجاره مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم، و الانصراف الذي ذكرنا انّما

هو في مقابل الزائد على اجرة المثل، لا في مقابل الزائد و الأقل كليهما، فلا مجال للإشكال المحكيّ عن مستند النراقي، و هو: انه كيف يجمع بين دعوى الانصراف إلى أجرة المثل و بين الحكم بلزوم استيجار من يرضى بالأقل منها، كما لا يخفى.

ثمّ انه، هل يجب الفحص عن وجوده مع احتماله، فيما كان يتعين استيجاره مع وجوده؟ و هي صورة عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم. احتاط الماتن- قده- وجوبا، تبعا للسيد- قده- في العروة، رعايته، و لكن قال السيّد بعده: و ان كان في وجوبه اشكال، خصوصا مع الظن بالعدم. و قال في المتن بعده: بل وجوبه لا يخلو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 140

..........

______________________________

من قوة، خصوصا مع الظن بوجوده. و قد استدل بعض الاعلام على عدم وجوبه بأصالة عدم وجدانه خارجا. و الظاهر عدم جريان مثل هذا الاستصحاب، مما كانت القضية المتيقنة قضية سالبة صادقة مع انتفاء الموضوع، و القضية المشكوكة قضية سالبة مع وجود الموضوع، لعدم الاتحاد بين القضيتين. و هذا كاستصحاب عدم قرشية المرأة و عدم قابلية الحيوان للتذكية، بناء على كون القابلية أمرا وجوديّا متحققا في الحيوانات القابلة للتذكية. و قد حققناه في مباحثنا الأصولية، تبعا للماتن- قده- و المقام من هذا القبيل. و عليه، فالظاهر وجوب الفحص لتوقف رعاية المصلحة عليه، كما هو ظاهر، ثم الظاهر ان الفحص اللازم هو الفحص بالمقدار المتعارف لا الفحص البليغ، المستلزم لتعطيل الحج، أو الوقوع في المشقة و الحرج.

الثالث: ما لو وجد متبرع عنه، و فيه فرضان:

أحدهما: ما إذا اتى المتبرع بالحج خارجا، و الظاهر عدم شمول عبارة المتن له، و لكن حكمه: انه إذا

كان الموصى به هو الحج الواجب كحجة الإسلام، و فرض إتيان المتبرع به صحيحا، و لو بمعونة أصالة الصحة الجارية في فعل المسلم، فلا يبقى مجال حينئذ للاستيجار، و لا يجوز ان يصدر من الوصي، لأنّ ذمة الميت لا تكون مشغولة بعد إتيان المتبرع بالحج نيابة عنه، فالاستئجار لحجة الإسلام لا موضوع له، و لغيرها لا يكون موصى به، فالظاهر عدم جواز الاستيجار في هذه الصورة.

و امّا إذا كان الحج الموصى به هو الحج غير الواجب، فالظاهر أن إتيان المتبرع به لا يسقط تكليف الوصي و لا يرفع لزوم العمل بالوصية عليه، لعدم المنافاة و عدم كون عمل المتبرع موجبا لزوال موضوع العمل بالوصية، فاللازم على الوصي الاستيجار حينئذ.

ثانيهما: ما إذا وجد من يريد ان يتبرع. و الظاهر- كما في المتن- جواز الاكتفاء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 141

..........

______________________________

به، بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى الاستيجار، و مقتضى ما ذكرنا في الفرض الأوّل: ان مورد هذا الفرض هو الحج الواجب، لعدم كون إتيان المتبرع بالحج غير الواجب مسقطا للزوم العمل بالوصية، فضلا عما إذا كان مريدا للتبرع.

و عليه، ففي الحج الواجب إذا كان مراد المتبرع الإتيان في عام الاستيجار لا التأخير، يجوز للوصي ترك الاستيجار و الاكتفاء به بل هو مقتضى الاحتياط اللزومي إذا كان في الورثة قاصر، فان اتى به صحيحا، و لو بمعونة أصالة الصحة، كفي، و الّا وجب الاستيجار. و امّا احتمال لزوم ترك الاستيجار و الاكتفاء بالتبرع توفيرا على الورثة، كما افتى به السيد- قده- في العروة، فلا مجال له بعد عدم لزوم التوفير على الوصيّ، بل اللازم عليه عدم التفويت و تضييع حق الورثة، كما

لا يخفى.

الرابع: ما لو لم يوجد من يرضى إلّا بالزائد على اجرة المثل، فان كان الحج الموصى به واجبا كحجة الإسلام، فحيث انه واجب و اللازم الإتيان به فورا، و هو يتوقف على استيجار من لا يرضى إلا بالزائد، فاللازم استيجاره، و لو مع العلم بوجدان من يرضى بها أو بأقل منها في العام القابل، لان المفروض لزوم رعاية الفورية و عدم جواز التأخير إلى القابل، فاللازم الاستيجار في هذا العام و لو بالزائد، و لا يكون ذلك إضرارا بالورثة، بعد عدم انتقال مقدار اجرة الحج إليهم، أو تعلق حق الميت كذلك.

و ان كان الحج الموصى به غير واجب، فقد ذكر في العروة: ان اللازم فيه- أيضا- الاستيجار بالزائد، للزوم العمل بمقتضى الوصية، فالموصى به و ان لم يكن واجبا الّا ان لزوم العمل بالوصية يقتضي ذلك، بعد كون المفروض عدم الزيادة على الثلث. هذا، و لكن قيده في المتن بما إذا كانت المبادرة- أيضا- موصى بها، فإذا كان الموصى به مجرد الحج، و لم تكن المبادرة مأخوذة فيها، لا يلزم العمل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 142

..........

______________________________

بالوصية في هذا العام، خصوصا مع العلم بوجود من يرضى بأجرة المثل أو بالأقل في العام القابل، لان لزوم العمل بالوصية انّما هو في مقابل ترك العمل بها أو المسامحة فيه، و امّا إذا كان التأخير لأجل ما ذكر، فلا يكون ذلك مخالفا للزوم العمل بالوصية.

المقام الثاني: فيما لو عين الموصي أجرة الحج، و فيه فرضان:

أحدهما: ما إذا كان ما عيّنه كافيا للحج الموصي به. و في هذا الفرض: ان كان الموصي به هو الحج الواجب، فان لم يكن ما عيّنه زائدا

على اجرة المثل يخرج من أصل التركة، و ان كان زائدا عليها يخرج مقدارها من أصل التركة و بحسب الزائد من الثلث، و ان كان الموصى به هو الحج غير الواجب، يخرج المجموع من الثلث.

ثانيهما: ما إذا لم يكن ما عيّنه كذلك، و في هذا الفرض: ان كان الموصي به هو الحج الواجب، فاللازم التتميم من أصل التركة، كما إذا لم يكن هناك وصية أصلا، حيث ان اللازم إخراج جميع الأجرة من الأصل، و لا مجال هنا للتفكيك بين الأصل و الثلث، كما في الصورة الاولى من الفرض الأوّل، كما لا يخفى.

و ان كان الموصي به هو الحج المندوب، فقد ذكر في المتن: ان فيه تفصيلا.

و الظاهر: ان المراد به هو التفصيل الذي ذكره في ذيل المسألة الخامسة الآتية، و هو: انّه ان كانت وصيته بنحو وحدة المطلوب، فاللازم الحكم ببطلانها، لعدم إمكان العمل بمقتضاها، و ان كان بنحو تعدّد المطلوب، بحيث كان أصل الحج مطلوبا أوّليا في الوصية، وقوعه بيد الأجير الذي يرضى بالأجرة المعينة مطلوبا ثانويا، فعدم إمكان تحقق المطلوب الثانوي لا يمنع من لزوم إيجاد المطلوب الأولي،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 143

[مسألة 4 يجب الاقتصار على استيجار أقلّ الناس اجرة مع عدم رضا الورثة]

مسألة 4- يجب الاقتصار على استيجار أقلّ الناس اجرة مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم، و الأحوط لكبار الورثة ان يستأجروا ما (من ظ) يناسب حال الميت شرفا. (1)

______________________________

و هو أصل الحج، فاللازم الاستيجار بأجرة المثل. غاية الأمر، ملاحظة عدم الزيادة على الثلث، كما في صورة عدم تعيين الأجرة في الوصية بالحج المندوب.

(1) كان البحث في المسألة السابقة في لزوم الاقتصار على اجرة المثل و عدم جواز الاستيجار بالزيادة، مع وجود من

يرضى بها، و امّا في هذه المسألة فالبحث انّما هو في: ان المعيار في تعيين اجرة المثل، هل هو أقل الناس اجرة أو من يناسب حال الميت شرفا و ضعة؟ و بعبارة أخرى: بعد وضوح اختلاف طبقات الناس في الأجرة في باب الحج، حيث ان الطبقة الدانية ترضى بما لا ترضى به المتوسطة، و المتوسطة ترضى بما لا ترضى به العالية، هل الملاك في تعيين اجرة المثل هي الطبقة الدانية، أو ان الملاك الطبقة المناسبة للموصي؟ لم يستبعد في العروة أوّلا الثاني، ثم قال: و الأحوط، الأظهر الأوّل، و في المتن افتى بلزوم الاقتصار على استيجار أقل الناس اجرة. غاية الأمر، مع التقييد بصورة عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم، ثم احتاط استحبابا لخصوص الكبار استيجار المناسب.

و الظاهر ان الوجه في جواز استيجار المناسب، بل لزومه: ان كلّ أحد لا يناسب ان يكون أجيرا لذي الشرف و العز، لانه يكون هتكا له، و السيرة قائمة على ذلك، كما هو الحال في الكفن، و يمكن استظهاره من مثل قوله- ع-: يحج عنه من صلب ماله، لظهوره في الحج من ماله، بما يناسب شأنه و اعتباره، و بعبارة أخرى: أدلة إخراج مصارف الحج من التركة ناظرة إلى التعارف الخارجي، و هو يختلف حسب اختلاف الناس.

هذا، و لكن لزوم العمل بالوصية مع عدم تعيين الأجرة لا يقتضي الّا لزوم إيجاد الطبيعة بأجرة المثل، و يمكن تحققها كذلك باستئجار أقل الناس اجرة،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 144

[مسألة 5 لو اوصى و عيّن المرّة أو التكرار بعدد معيّن تعيّن]

مسألة 5- لو اوصى و عيّن المرّة أو التكرار بعدد معيّن، تعيّن، و لو لم يعيّن كفى حج واحد الّا مع قيام قرينة على إرادته

التكرار، و لو اوصى بالثلث و لو لم يعيّن الّا الحج، لا يبعد لزوم صرفه في الحج، و لو اوصى بتكرار الحج كفى مرّتان، الّا ان تقوم قرينة على الأزيد، و لو اوصى في الحج الواجب و عيّن أجيرا معيّنا، تعيّن، فان كان لا يقبل إلّا بأزيد من اجرة المثل، خرجت الزيادة من الثلث ان أمكن، و الّا بطلت الوصية و استؤجر غيره بأجرة، المثل، الّا ان يأذن الورثة، و كذا في نظائر المسألة و لو اوصى في المستحب، خرج من الثلث، فان لم يقبل إلّا بالزيادة منه بطلت، فحينئذ ان كانت وصيّته بنحو تعدّد المطلوب يستأجر غيره منه، و الّا بطلت. (1)

______________________________

و لا مجال لدعوى الهتك، و الاستظهار المذكور ممنوع، لأن غاية مفاد الرواية لزوم الحج عنه من أصل المال، و امّا لزوم رعاية المناسب فلا دلالة لها عليه. نعيم، الاحتياط الاستحبابي بالنسبة إلى خصوص الكبار من خصوص سهامهم، لا مناقشة فيه أصلا، كما هو ظاهر.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في أمرين:

الأمر الأوّل: تعيين المرة أو التكرار في الوصية و عدمه، فنقول: تارة: يعين الموصي في الوصية المرّة، امّا بالصراحة و امّا بغيرها، كما إذا اوصى بحجة الإسلام، التي لا تنطبق الّا على المرة، و اخرى: يصرّح بالتكرار، و في هذه الصورة قد يقع التصريح بالتكرار بعدد معين، كالاثنين، و الثلاث، و قد يقع التصريح بمجرد التكرار من دون تعيين عدد معين، و ثالثة لا يكون في الوصية تعرض للمرة، أو التكرار أصلا.

ففيما إذا عيّن المرّة أو التكرار بعدد معين لا شبهة في تعينه و لزوم العمل على طبقه، و امّا مع عدم التعيين أصلا، فمقتضى القاعدة كفاية حج واحد، لصدق الطبيعة و

انطباقها بالواحد، لانه تمام الطبيعة، فزيد تمام الإنسان و عمرو كذلك، و هما انسانان، لكنه نسب الى الشيخ- قده- وجوب التكرار ما دام الثلث

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 145

..........

______________________________

باقيا، و تبعه جماعة، منهم صاحبا الحدائق و المستند، و يظهر من الحدائق انه موافق للقاعدة لاستدلاله بأصالة الاشتغال، مع انه من الواضح: ان الشك في محدودة اشتغال الوصي، و هي مرددة بين الأقل المتيقّن، و هو الحج الواحد، و الأكثر المشكوك، و هو الزائد، و من المعلوم انه مجرى أصالة البراءة لا الاشتغال. و كيف كان، مستندا لشيخ ثلاث روايات، بعد حمل بعضها على بعض:

الاولى: ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن محمد بن الحسن (الحسين) انه قال لأبي جعفر (ع): جعلت فداك! قد اضطررت إلى مسألتك. فقال: هات. فقلت: سعد بن سعد اوصى: حجّوا عنّي، مبهما و لم يسمّ شيئا، و لا يدرى كيف ذلك. فقال: يحج عنه ما دام له مال. «1»

الثانية: ما قال في الوسائل بعد نقل الرواية الاولى: و بإسناده- يعني الشيخ- عن علي بن الحسن بن فضال عن محمد بن أورمة عن محمد بن الحسن الأشعري مثله، الّا انه قال: ما دام له مال يحمله. «2»

و الظاهر وجود اضافة في السؤال في هذا الطريق، لعلّه لها مدخلية في فهم المراد من الرواية، لأنّ كيفيته عبارة عن قوله: قلت لأبي الحسن (ع) جعلت فداك! إني سألت أصحابنا عمّا أريد أن أسألك عنه، فلم أجد عندهم جوابا، و قد اضطررت إلى مسألتك، و ان سعد بن سعد اوصى اليّ، فاوصى في وصيته:

حجّوا عنّي، مبهما و لم يفسر، فكيف

اصنع؟ قال: يأتي جوابي في كتابك. فكتب الجواب المذكور «3»

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الرابع ح- 1.

(2) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الرابع ملحق ح- 1.

(3) الإستبصار أبواب الوصية الباب الرابع و الثمانون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 146

..........

______________________________

الثالثة: ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن على بن محبوب عن العبّاس عن محمد بن الحسين بن أبي خالد، قال: سألت أبا جعفر (ع) عن رجل اوصى ان يحج عنه مبهما. فقال: يحج عنه ما بقي من ثلثه شي ء. «1»

و قد جمع الشيخ بينها بحمل المال في الأولين على الثلث، فلا تنافي في البين.

و الظاهر ان الراوي في الجميع هو محمد بن الحسن الأشعري، و التعبير بالحسين كما في الأولى احتمالا، و في الأخيرة كما في الاستبصار غير صحيح، كما ان الظاهر ان أبا خالد جدّ محمّد المذكور، و ربما يعبر بمحمد بن الحسن أبي خالد الأشعري، و قد يضاف إليه القمي، كما انه قد يعبّر عنه بشنبولة. و كيف كان، فالراوي في الجميع رجل واحد، و هو يكشف عن عدم تعدّد الرواية، بل وحدتها، بمعنى كون السؤال وقع مرّة و أجيب بجواب واحد، و الاختلاف انما نشأ من تعدّد نقل الراوي بالنسبة الى من يروي عنه و يأخذ الرواية منه، و العجب من بعض الاعلام، حيث انه مع تصريحه يكون الرّاوي في الجميع واحدا، قد جعل الروايات متعددة كغيره، ممّن لم يتنبّه لوحدة الرّاوي أصلا.

ثم انّ السيد- قده- في العروة وافق الشيخ- قده- في حمل الأولين على الأخير، من ارادة الثلث من لفظ «المال»، و لكنه حمل الروايات على صورة العلم بإرادة الموصي التكرار، ثم

قال: «مع انه يمكن ان يكون المراد من الاخبار: انه يجب الحج، ما دام يمكن الإتيان به ببقاء شي ء من الثلث بعد العمل بوصايا أخر، و على فرض ظهورها في إرادة التكرار و لو مع عدم العلم بإرادته، لا بدّ من طرحها لإعراض المشهور عنها، فلا ينبغي الإشكال في كفاية حج واحد مع عدم العلم بإرادة التكرار» و الاحتمال المذكور محكيّ عن كشف اللثام.

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الرابع ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 147

..........

______________________________

أقول: الكلام في الروايات يقع تارة من حيث السند، و اخرى من حيث الدلالة، و من هذه الجهة، تارة يقع مع فرض التعدد، و اخرى مع فرض الوحدة، كما استظهرناه:

امّا من حيث السند فهو ضعيف بمحمد بن الحسن الأشعري، حيث لم تثبت وثاقته و لم يصرح بتوثيقه، غاية الأمر، انه ادعى كونه وصيّا لسعد بن سعد الأشعري، الذي حكم أصحاب الرجال بوثاقته. و هذه الدعوى مضافا الى عدم ثبوتها و عدم كون التقرير حجة في مثلها، لا دلالة لها على وثاقته في نقل الحديث، بل كونه موثوقا به في العمل بالوصية، كما لا يخفى. و كذا رواية أحمد بن محمد بن عيسى عنه، مع كونه مخرجا للرواة عن الضعفاء من قم، لا دلالة لها على توثيقه.

و كذا محمد بن أورمة، الراوي عن محمد بن الحسن في بعض الطرق، لم تثبت وثاقته، بل مرميّ بالغلو أيضا، و ان كان فيه اشكال. و كيف كان، فالرواية ضعيفة من حيث السّند، سواء كانت واحدة أم متعددة.

ثمّ ان في الرواية اشكالا مهمّا، و هو: ان الظاهر من إطلاق كلمة «أبي جعفر- ع-» هو أبو جعفر الباقر

عليه السلام، مع ان سعد بن سعد، الذي كان محمد بن الحسن وصيّا له، و سأل عن حكم وصيته المبهمة بعد موته، انّما هو من أصحاب الرّضا و الجواد- عليهما السلام-، فكيف يمكن لمحمد بن الحسن السؤال عن حكم وصيته من الباقر- عليه السلام-؟! و هكذا إطلاق كلمة «أبي الحسن» الذي هو المروي عنه- على ما في الاستبصار- و ان كان ظاهر الوسائل: ان المروي عنه في الجميع واحد، و هو أبو جعفر- ع-، يراد به أبو الحسن الأوّل، الذي هو الامام موسى بن جعفر- ع- و لا يمكن السؤال منه عن حكم وصية سعد بن سعد، الّا ان يجعل ذلك كلّه قرينة على ان المراد من أبي جعفر هو أبو جعفر الثاني، و من أبي الحسن هو أبو الحسن الثالث، و على هذا التقدير يتحقق اشكال أخر، و هو: انه مع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 148

..........

______________________________

سؤال محمد بن الحسن حكم وصية سعد بن سعد من الامام السّابق، لا يبقى مجال لسؤاله عن الامام اللاحق أيضا، و ليست القضية متعددة حتى يسوغ لأجلها تعدّد السؤال. نعم، يمكن تصحيح الرواية الثالثة، التي لم يقع فيها التعرض لوصية سعد بن سعد، بناء على كون محمد بن الحسين- الراوي فيها- غير محمّد بن الحسن الأشعري، لعدم إمكان نقله عن الامام الباقر- عليه السلام.

و امّا الأولتان: فلا يمكن الالتزام بتعدد الراوي فيهما بعد ظهور كونه وصيا لسعد بن سعد و مضطرا إلى السؤال من الامام عليه السلام. و لو لا هذه الإشكالات- و كان الاشكال منحصرا بعدم توثيق محمد بن الحسن الأشعري- لا مكن الحكم باعتبار الرواية من جهة استناد المشهور من

القدماء إليها، كما قال به النراقي في المستند، حيث قال: انه لا يظهر رادّ لهما من المتقدمين عدا شاذ، و على ذلك لا يبقى مجال لما ذكره في العروة في أخر كلامه، من: ان اعراض المشهور عنها يوجب طرحها و سقوطها عن الحجية، فان المعرضين هم المشهور من المتأخرين، و قد ثبت في محلّه: انّه لا اعتبار بهذه الشهرة، وهنا و جبرا، بل الملاك هي الشهرة بين القدماء، لكن الإشكالات المذكورة لا تبقي مجالا للاعتماد و الوثوق أصلا، هذا كلّه من جهة السّند.

و امّا من جهة الدّلالة: فالإبهام الذي وصف به الراوي وصية سعد بن سعد مجمل في نفسه، فإنه يحتمل ان يكون المراد به هو الإبهام من جهة المرة و التكرار، و يحتمل ان يكون هو الإبهام من جهة تعيين الأجرة، و يحتمل ان يكون هو الإبهام من جهة تعيين الأجير و كذلك غير ذلك من الإبهامات. و حينئذ فجواب الامام- ع- بلزوم الحج عنه ما دام له مال أو ما بقي من ثلثه شي ء، و ان كان ظاهرا في الجهة الاولى، و هي المرة و التكرار، الّا ان الاشكال انّما هو من جهة ان الامام- ع- هل اعتمد في ذلك على مثل علم الغيب؟ و من المعلوم عدم الاتكال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 149

..........

______________________________

عليه في مثل هذه الموارد، التي كان الغرض فيها بيان الأحكام الفرعية و القوانين العملية، أو فهم ان مراد السائل هو الإبهام من هذه الجهة، و ليس في الرواية ما يدل عليه.

و يمكن ان يكون الجواب ناظرا الى نفس الوصية و تخطئته للوصي في توصيفها بالإبهام، و يكون مرجعه الى ظهور الوصية في

نفسها في التكرار، و يؤيد- حينئذ- حمل الرواية على ارادة التكرار، كما في أوّل كلام العروة.

و لكن يبعّده عدم ظهور نفس العبارة المذكورة في الرواية، و هي قوله: حجّوا عني، في إرادة التكرار، و على تقديره لم تكن المسألة مشكلة عند الأصحاب حتى عجزوا عن حكمها، كما في الرواية الثانية، كما انه على تقدير كون المراد بالإبهام، هو الإبهام من جهة المرة و التكرار، يتحقق هذا الإشكال أيضا، فإن مقتضى القاعدة، و هو تحقق الطبيعة بمصداق واحد، لم يكن يخفى على الجميع.

و كيف كان، فالاستدلال بالرواية فيما يخالف القاعدة يبتني على ظهور كلمة «الإبهام» فيها، في الإبهام من جهة المرة و التكرار، و كون الجواب تقريرا بالإضافة الى هذه الجهة و تبيينا لحكم الوصية المبهمة كذلك، و لم يثبت ظهور الرواية في ذلك، حتى يتكل عليه في الحكم المخالف للقاعدة، كما هو ظاهر.

بقي في هذا الأمر فرعان: الأوّل: ما لو اوصى بالثلث و لم يعين الّا الحج، و بعبارة أخرى الوصية ظاهرة من جهة: في صرف مجموع الثلث للميت، و من جهة أخرى: لم يقع فيها التعرض الّا للحج من دون تعرض للمرة و التكرار، و من دون تعرض لصرف جميع الثلث في خصوص الحج. و قد نفى البعد في المتن عن لزوم صرف جميع الثلث في الحج مرة أو مكرّرا، و ظاهر العروة ترجيح هذا الاحتمال.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 150

..........

______________________________

و يظهر من الجواهر: لزوم الصرف في الحج، و ان لم يقع التعرض للثلث في الوصية، حيث قال بعد القول: بأنه لعلّ ظاهر الوصية بالثلث مع الاقتصار على المصرف المخصوص، يقتضي إرادة صرف الجميع فيه «بل قد يدعى

ظهور الاقتصار في الوصية بالحج عنه، في إرادة الوصية بالثلث، و انه يصرف في ذلك، و ان لم يوص بالثلث بغير اللفظ المزبور، نحو ما لو قال: «اخرجوا ردّ المظالم أو تصدقوا عني، و نحو ذلك» و لعلّ مراد الشيخ و من تبعه ذلك لا الحمل على التكرار تعبّدا، و ان كان ظاهر اللفظ خلافه، ضرورة استبعاد مثل ذلك في مثله».

و يرد عليه: منع الظهور في إرادة صرف الجميع من الثلث في الحج و مثله بعد عدم التعرض للثلث في الوصية أصلا، فإذا أوصى ببناء مسجد، فهل يكون ظاهره صرف جميع الثلث في بناء المسجد، و لو مكررا؟ لا ينبغي المناقشة في العدم، فان مقتضى مثل هذه الوصية لزوم إيجاد الطبيعة الموصى بها، المتحققة بمصداق واحد، غاية الأمر، لزوم الإخراج من الثلث لا لزوم صرف جميعه.

و أبعد من ذلك، حمل كلام الشيخ و من تبعه عليه و استبعاد صدوره من مثله، فإنه لو كان مستندهم هي القاعدة، لكان الاستبعاد في محلّه، و لكنك عرفت: ان مستندهم هي الروايات الواردة في الباب، و ان ناقشنا في الاستدلال بها سندا و دلالة، كما عرفت.

هذا، و أورد بعض الاعلام على كلام السيّد- قده- في العروة: بأنه لا يتم على إطلاقه، بل انما يتمّ فيما إذا كان للكلام ظهور في صرف جميع الثلث في الحج و نحوه و امّا إذا كان ظاهرا في أمرين مستقلين فلا وجه لصرف الجميع في الحج، بل يصرف مقدار منه فيه و تصرف البقية في سائر الأمور الخيرية.

و يرد عليه: ان مفروض الكلام، كما ذكرنا: ما إذا اوصى بالثلث، و كانت الوصية ظاهرة في صرف الجميع، و لم يقع التعرض الّا للحجّ من دون

قيام قرينة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 151

..........

______________________________

على عدم الارتباط بين الأمرين و ثبوت الاستقلال في البين. و في هذه الصورة لا مجال لإنكار الظهور في صرف الجميع في الحجّ، كما هو مختار المتن و العروة، و امّا مع قيام القرينة على عدم الارتباط، فهو خارج عن محل الكلام.

الثاني: ما لو اوصى بالحج مع التصريح بقيد التكرار، و الظاهر تحققه بمرتين، لان التكرار في مقابل المرة، فلا تجب الزيادة على مرتين، كما هو ظاهر.

الأمر الثاني: ما لو اوصي في الحج. و عيّن أجيرا معيّنا، و الحج الموصى به تارة يكون واجبا، و اخرى مستحبا.

ففي الصورة الأولى: إذا قبل الأجير النيابة بأجرة المثل، فلا إشكال في تعيّنه، و لزوم إخراج الأجرة من أصل التركة. و امّا إذا لم يقبل إلّا بالزائد عن اجرة المثل، فان كانت الزيادة بمقدار الثلث أو انقص منه، فلا إشكال أيضا في تعينه و لزوم العمل بالوصية. غاية الأمر، إخراج أجرة المثل من أصل التركة و الزّيادة من الثلث.

و امّا إذا كانت الزيادة زائدة على الثلث، ففي المتن، تبعا للعروة: بطلان الوصية من هذه الجهة، و لزوم استيجار شخص أخر بأجرة المثل. و الوجه في البطلان، عدم إمكان العمل بمقتضى الوصية، لأن المفروض عدم قبول الأجير إلّا بالزيادة، و كونها زائدة على الثلث، و عدم اجازة الورثة، فلا يمكن العمل بالوصية، فاللازم الحكم ببطلانها.

و امّا لزوم الاستيجار بأجرة المثل لا بالزائد عليها بمقدار الثلث، فلانه بعد بطلان الوصية من جهة تعيين الأجير، يصير الحكم مثل ما إذا لم يكن هناك تعيين للأجير من الأوّل. و قد عرفت في المسائل السابقة: ان الحكم لزوم الاستيجار

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 152

..........

______________________________

بأجرة المثل، الّا مع وجود من يأخذ أقل منها أو عدم من يأخذ إلّا بالزائد منها، و على التقادير الثلاثة، يخرج من أصل التركة.

نعم، في مشابه المسألة، و هو ما إذا عين الموصي الأجرة دون الأجير، و كانت الأجرة زائدة عن اجرة المثل، و لم يبلغ الثلث الزيادة، فكانت الزيادة زائدة على الثلث أيضا، يمكن ان يقال بلزوم اضافة مقدار الثلث فقط إلى أجرة المثل، نظرا الى لزوم العمل بالوصية بالمقدار الممكن، و ان لم يبلغ المقدار الذي عيّنه، و لكن هذا الاحتمال لا يجري في المقام، و هو تعيين الأجير، فإنه مع بطلان الوصية بالإضافة إليه، لفرض مطالبته الزائد عن اجرة المثل و الثلث معا، لا يبقى إلّا الوصية بالحج فقط، و اللازم فيها الاستيجار بأجرة المثل، هذا كله إذا كان الحج الموصى به واجبا.

و امّا إذا كان مستحبّا و عين أجيرا معيّنا، فحيث انّ الأجرة في هذه الصورة بلحاظ كون الحج الموصى به مستحبّا، تخرج من الثلث، فان قبل الأجير المعين بما لا يكون زائدا على الثلث، سواء كان زائدا على اجرة المثل أم لم يكن كذلك، فمقتضى لزوم العمل بالوصية، استيجاره بذلك المقدار.

و ان لم يقبل إلّا بالزائد على الثلث، و المفروض عدم اجازة الورثة للزائد، فلا إشكال في بطلان الوصية حينئذ بالإضافة إلى الأجير، لعدم تمكن الوصي من العمل بالوصية في هذه الصورة، و امّا بالإضافة إلى أصل الحج، الذي فرض كونه مندوبا، فصحة الوصية بلحاظها و عدمها تبتني على وحدة المطلوب و تعدّده، فان كان مطلوب الموصي واحدا، بمعنى تعلق غرضه بتحقق الحج الاستحبابي من الأجير الذي عيّنه بنحو التقييد، بحيث

لا يكون أصل الحج من دون القيد مطلوبا له أصلا، فاللازم الحكم ببطلان الوصية بالحج أيضا. و ان كان مطلوب الموصي متعدّدا، بمعنى ثبوت غرضين للموصي تعلق الأوّل بأصل الحج، و الثاني بوقوعه من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 153

[مسألة 6 لو اوصى بصرف مقدار معين في الحجّ سنين معيّنة]

مسألة 6- لو اوصى بصرف مقدار معين في الحجّ سنين معيّنة، و عين لكلّ سنة مقدارا معيّنا، و اتفق عدم كفاية ذلك المقدار لكلّ سنّة، صرف نصيب سنتين في سنة أو ثلاث سنين في سنتين مثلا و هكذا. و لو فضل من السنين فضلة لا تقي بحجّة و لو من الميقات، فالأوجه صرفها في وجوه البرّ، و لو كان الموصى به الحج من البلد و دار الأمر بين جعل اجرة سنتين مثلا لسنة و بين الاستيجار بذلك المقدار من الميقات لكلّ سنة، يتعين الأوّل. هذا كلّه إذا لم يعلم من الموصي إرادة الحج بذلك المقدار على وجه التقييد، و الا فتبطل الوصية إذا لم يرج إمكان ذلك بالتأخير أو كانت مقيدة بسنين معيّنة. (1)

______________________________

الأجير الذي عينه، فبطلان الوصية بلحاظ الغرض الثاني لعدم إمكان العمل بها، لا يستلزم بطلانها بالإضافة إلى الغرض الأوّل، كما لا يخفى. نعم، قد يقع الترديد و الشك من جهة كون المطلوب واحدا أم متعددا و سيأتي حكمه في بعض المسائل الآتية، ان شاء اللّٰه تعالى.

(1) في هذه المسألة فروع، و ليعلم ان محلّها- كما يستفاد من ذيل المسألة- صورتان:

إحداهما: ما إذا علم من الموصي انه لم يرد الحج بذلك المقدار على وجه التقييد، الذي مرجعه الى وحدة مطلوب الموصي، بل أراد على وجه تعدد المطلوب، و معناه تعلّق أصل طلبه بنفس الحج، و طلبه الأخر

بالخصوصيات، من التعدد و مثله.

ثانيتهما: صورة الشك في ذلك، و انه هل يكون تعلق طلبه بنحو وحدة المطلوب أو بنحو تعدّده، و امّا صورة العلم بالتقييد و الوحدة فحكمها شي ء أخر، إذا عرفت ذلك، فنقول:

الفرع الأوّل: ما لو اوصى بصرف مقدار معين في الحج سنين معيّنة، و عيّن لكل سنة مقدارا معيّنا، سواء كان التعيين بنحو التفصيل، كما إذا عين خمسين الف تومانا لكل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 154

..........

______________________________

سنة، أو بنحو الإجمال، كما إذا عين غلة مزرعته- مثلا- و اتفق عدم كفاية ذلك المقدار لكلّ سنة، و الحكم فيه صرف نصيب سنتين في سنة أو ثلاث سنين في سنتين مثلا و هكذا. و في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، و عن الحدائق: من غير خلاف يعرف، و في المدارك: انه مقطوع به في كلام الأصحاب.

و قد استدل له بأمور:

أحدها: قاعدة الميسور، و قد استدل بها في الرياض، و استظهر من كشف اللثام، بل من الحدائق نسبة الاستدلال بها الى الأصحاب، و لكنّه أورد عليه السيّد- قده- في العروة بعدم جريانها في غير مجعولات الشارع، و أوضحه سيد المستمسك- قده- في الشرح، بما هذه عبارته: «ان مفاد القاعدة كون الطلب بنحو تعدّد المطلوب، و ذلك انّما يصح بالنسبة إلى الطلب الشرعي، الذي يمكن فيه الكشف عن ذلك، الذي هو خلاف التقييد، امّا الطلب الصادر من غير الشارع فلا يمكن فيه الكشف المذكور، و وجوب العمل بالوصية و ان كان شرعيّا، لكنه يتوقف على صدق الوصية على البعض، فإذا فرض انتفاؤه لانتفاء القيد انتفى صدق الميسور، ضرورة انه لا يصدق مع انتفاء الوصية. و ان شئت قلت: ضرورة عدم وجوب

ما لم يوص به الميت».

و مرجعه الى ان القاعدة كاشفة عن تعدّد مطلوب الشارع لا مطلوب غيره، كالموصي، إذ لا مجال فيه لكشفها عنه. نعم، يبقى مطلوبية العمل بالوصية، و هي مرتبطة إلى الشارع و راجعة اليه، و حيث انّ المطلوب هو عنوان العمل بالوصية بالنحو الكلي، فبقاء الطلب يتوقف على صدق الوصية على البعض، و هو منتف لانتفاء القيد، فلا يبقى عنوان الميسور.

و يرد عليه: مضافا الى خروج الصورة الاولى من الصورتين اللتين ذكرنا انهما محلّ البحث، ضرورة انه مع العلم بعدم التقييد، لا مجال لهذا الكلام. انه في صورة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 155

..........

______________________________

الشك أيضا لا وجه لدعوى عدم صدق الوصية على البعض بالضرورة، فإن عدم صدقها يتوقف على إحراز كونه بنحو التقييد، و المفروض الشك فيه، الّا ان يقال:

انّ مجرّد الشك يكفي في عدم صحة الاستناد إلى القاعدة، و لكنه انما يتم على تقدير عدم كون الظاهر هو عدم التقييد. و سيأتي الكلام فيه في الأمر الثاني.

الثاني: ان الظاهر من حال الموصي إرادة صرف ذلك المقدار في الحج، و كون تعيين مقدار كل سنة انّما هو بتخيل كفايته. و قد استدل به السيد- قده- في العروة. و يرد عليه: انه لا مجال لإنكار كون الظاهر من حاله في بعض الموارد ذلك، و امّا كونه كذلك في جميع الموارد، فلا دليل عليه. و عليه، فلا يمكن الاستدلال به للمدّعى.

الثالث: ما ذكره في المدارك، من: انّهم استدلوا عليه بان القدر المعيّن قد انتقل بالوصية عن ملك الورثة، و وجب صرفه فيما عيّنه الموصي بقدر الإمكان، و لا طريق إلى إخراجه إلّا بجمعه على هذا الوجه، فيتعيّن.

و أورد

عليه بقوله: بعد نفي البأس عنه: «و ان أمكن المناقشة فيه، بان انتقال القدر المعين بالوصية انما يتحقق مع إمكان صرفه فيها، و لهذا وقع الخلاف في: انه إذا قصر المال الموصي به عن الحج، هل يصرف في وجوه البرّ أو يعود ميراثا، فيمكن اجراء مثل ذلك هنا، لتعذر صرف القدر الموصى به في الوصيّة؟

و يرد عليه: بطلان المقايسة، فإنه في صورة قصور المال عن الحج الواحد لا مجال لاحتمال تعدّد المطلوب، بالإضافة إلى أبعاض أعمال الحج و مناسكه، فان المطلوب واحد لا محالة، و يتعذر صرف الموصى به من المقدار فيه، و امّا في المقام يجري احتمال تعدد المطلوب، بل قد عرفت من البعض: ان الظاهر من حال الموصي هو التعدد، فالمقايسة في غير محلّها. نعم، يمكن ان يقال: ان مجرد الاحتمال مع قطع النظر عن الظهور، لا يكفي في الحكم بتحقق انتقال المال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 156

..........

______________________________

بالوصية عن ملك الورثة، و الدليل يبتني على ثبوت الانتقال.

الرّابع: روايتان لإبراهيم بن مهزيار:

الاولى: ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن إبراهيم بن مهزيار، قال: كتب اليه علي بن محمد الحصيني (الحضيني خ ل): ان ابن عمي اوصى ان يحج عنه بخمسة عشر دينارا في كل سنة، و ليس يكفي، ما تأمرني في ذلك؟ فكتب- عليه السلام-: يجعل حجتين في حجّة، فان اللّٰه تعالى عالم بذلك. «1» و رواه الكليني عن محمد بن يحيى عمّن حدثه عن إبراهيم بن مهزيار مثله. و المراد من قوله- ع-: فان اللّٰه تعالى عالم بذلك، الذي هو بمنزلة التعليل للحكم، هو ان اللّٰه تعالى عالم بانّ جعل حجتين في

حجة، الذي مرجعه الى عدم العمل بتمام الوصية، لا يكون مستندا الى تقصير من الوصي في العمل بالوصية، و يمكن ان يكون المراد: انّ اللّٰه تعالى كان عالما من الأوّل بعدم وفاء المقدار المعين بما اوصى به من الحج متعددا.

الثانية: ما رواه الكليني بالإسناد المتقدم، المشتمل على الإرسال عن إبراهيم بن مهزيار، قال: و كتبت اليه- ع-: ان مولاك علي بن مهزيار اوصى ان يحج عنه من ضيعة صيّر ربعها لك في كلّ سنة حجة الى عشرين دينارا، و انه قد انقطع طريق البصرة فتضاعف المؤن على الناس، فليس يكتفون بعشرين دينارا، و كذلك اوصى عدة من مواليك في حجّهم. فكتب- ع-:

يجعل ثلاث حجج حجتين ان شاء اللّٰه. «2» و رواه الشيخ بالإسناد السابق، و رواه الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن مهزيار نحوه، و كذا الّذي قبله،

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة الباب الثالث ح- 1.

(2) وسائل أبواب النيابة الباب الثالث ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 157

..........

______________________________

فالروايتان قد رواهما المشايخ الثلاثة. غاية الأمر، ان الشيخ و الصدوق مسندا، و الكليني مرسلا. و الكلام في الرّوايتين تارة من حيث السّند و اخرى من حيث الدلالة:

امّا من الجهة الأولى: فقد عرفت: ان الكليني و ان رواهما مرسلا لكن الصدوق و الشيخ رواهما مسندا و طريقهما إلى إبراهيم بن مهزيار صحيح، انّما الكلام في إبراهيم نفسه، حيث لم يصرّح بوثاقته في كتب الرجال، و لأجله ذكر سيد المدارك: ان فيهما ضعفا. و لكنّه وثقه العلامة في الوجيزة، و الفاضل المجلسي و جمع أخر، كصاحب الحدائق، و استدل على وثاقته بوجوه، عمدتها ما عن السيد ابن طاوس في ربيع الشيعة: انه من سفراء الصاحب

عجل اللّٰه تعالى فرجه الشريف، و الأبواب المعروفين الذين لا تختلف الاثنا عشرية فيهم.

و أورد على هذا الاستدلال: بان هذا اجتهاد منه استنبطه من بعض الرّوايات، و لو كان سفيرا لذكره الشيخ في كتاب الغيبة، الذي تصدى فيه لذكر السفراء، و كذلك النجاشي و غيرهما، ممن تقدم علي ابن طاوس، مع شدة اهتمامهم بذكر السفراء و الأبواب.

و الجواب عن هذا الإيراد، مضافا الى ظهور مكاتبته معه من دون واسطة، كما في الرواية الثانية في ذلك: انه ذكر الكشي في رجاله و روى عن احمد بن علي بن كلثوم السرخسي، و كان من القوم الفقهاء (خ ل) و كان مأمونا على الحديث، قال: حدثني إسحاق بن محمد البصري، قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن مهزيار، و قال: انّ أبي لما حضرته الوفاة دفع اليّ مالا و أعطاني علامة، و لم يعلم بتلك العلامة أحد إلّا اللّٰه عزّ و جل، و قال: فمن أتاك بهذه العلامة فادفع اليه المال.

قال: فخرجت الى بغداد و نزلت في خان، فلما كان اليوم الثاني إذ جاء شيخ و دقّ الباب، فقلت للغلام: انظر من هذا؟ فقال: شيخ. فقلت: ادخل. فدخل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 158

..........

______________________________

و جلس، و قال: انا العمرى، هات المال الذي عندك، و هو كذا و كذا، و معه العلامة قال: فدفعت المال اليه.

و يؤيده الحديث الذي أورده الصدوق في كتاب إكمال الدين، مما يدل على تشرفه بخدمة الصاحب (عج) و جلالة قدره و عظمة شأنه و علوّ مقامه، و لكن نوقش فيه بوجهين:

أحدهما: كون الراوي و الناقل هو إبراهيم نفسه، و لا مجال لإثبات وثاقة شخص بقول نفسه.

و لكن يدفعه: انه

لا ترديد في كون الرجل إماميّا غير مذموم، و لا يعقل من مثله ان يباهت الامام (عج) بما لم يصدر منه، و لا يقاس ذلك بمجرد دعوى الرؤية و التشرف، كما لا يخفى.

ثانيهما: اشتماله على وجود أخ للصاحب (ع) مسمّى بموسى، و ان إبراهيم قد رآه، مع انه من الواضح انحصار ولد العسكري (ع) بالصاحب، و هذه المناقشة لا مجال لدفعها أصلا.

هذا، و لكن إبراهيم، مضافا الى انه ثقة، يكون في المقام استناد المشهور، بل الجميع، الى الرّوايتين جابرة للضعف على تقديره. و قد عرفت: ضعف الوجوه المتقدمة و عدم صلاحيتها للاستدلال بها في جميع موارد المدعى و فرضي البحث، فالإشكال من حيث السّند غير تام، و امّا الإضمار فلا يخل بالاعتبار، لوضوح كون مرجع الضمير هو الصاحب (ع). غاية الأمر، ان الكاتب في الأولى علي بن محمد و في الثانية هو إبراهيم.

و امّا من حيث الدلالة: فبعد وضوح عدم شمول الروايتين، لما إذا علم بالتقييد و وحدة المطلوب، يكون شمولهما لصورتي الآخرتين، و هما صورة العلم بالتعدد و صورة الشك في الوحدة و التعدد، خاليا عن الاشكال، بل يمكن ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 159

..........

______________________________

يقال: بانّ القدر المتيقن صورة الشك، التي هي العمدة في البحث، لعدم حاجة صورة العلم بالتعدد إلى إقامة الدليل، فالاستدلال بها لصورة الشك خال عن الاشكال.

و امّا الحكم في إحديهما: يجعل حجتين في حجة، و في أخرى: بجعل ثلاث بحج في حجة واحدة، فلا خفاء في عدم ثبوت التعارض بينهما بعد وضوح كون المراد الإتيان بالحج بالمقدار الذي يسعه المال الموصى به، و لذا يستفاد من كلتيهما لزوم جعل الأربع في واحدة، و

هكذا، فالإنصاف تمامية هذا الدليل.

الفرع الثاني: لو فضل من السنين فضلة: فان كانت وافية بحجة، و لو من الميقات، فالظاهر بمقتضى ما ذكرنا في الفرع الأوّل: لزوم صرفها فيها، و إتيان الحج زائدا على السنين.

و ان لم تكن وافية بها كذلك، ففي العروة: فهل ترجع ميراثا أو في وجوه البرّ، أو تزاد على اجرة بعض السنين، وجوه. و لم يرجح شيئا منها، و في المتن جعل الأوجه الثاني. و يظهر من الجواهر: انّ الوجه الثالث لا يكون في عرض الوجهين الأوّلين، بل له مدخلية في ثبوت عنوان الفضلة و عدمه، حيث قال: «و لو فضل من الجميع- ان حصر السنين في عدد، كعشرة و نحوها- فضلة، لا تفي بالحج، ففي كشف اللثام: عاد ميراثا أو صرف في غيره من المبرّات، قلت: قد يقال بوجوب دفعها اجرة في بعض السنين، و ان زادت عن اجرة المثل مع فرض الوصية، فلا فضلة حينئذ. نعم، لو أمكن فرضها، جرى فيها الوجهان، بل يتعين الثاني منهما مع فرض الوصية بها، و انه ذكر ذلك مصرفا لها، فاتفق تعذّره، كما انّها يتعين الأوّل، إذا فرض إخراجها عن الوارث بالوصية المزبورة، التي قد فرض تعذّرها، فتأمل».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 160

..........

______________________________

و عليه، فما في المستمسك، من: ان صاحب الجواهر اقتصر على الوجهين الأوّلين، تبعا لكشف اللثام، ليس في محلّه، فإنه تعرض للوجه الأخير، و جعله في رتبة متقدمة على الوجهين، و الحقّ معه. فإنه لو فرض صرف الفضلة الزائدة عن اجرة المثل في السنة الأخيرة من الحج لا يبقى موضوع الفضلة، و لا مانع من الصرف فيه، بل مقتضى الوصية لزوم صرف المقدار الموصى به

في الحج و ليست الزيادة كالنقيصة، فإنه لا مجال لاجبار الأجير على الحج بأقلّ من اجرة المثل، و امّا الزيادة فهي مطلوبة نوعا، فيعطى الأجير زائدا على اجرة المثل، و يتحقق العمل بالوصية، كما هو ظاهر.

و كيف كان، فعلى تقدير تحقق الفضلة بعدم الصرف في بعض السنين، و فرض جوازه مع كونه مغايرا للعمل بالوصية، فاحتمال عودها ميراثا و التقسيم بين الورثة، يدفعه: ان الإرث بمقتضى الكتاب و السنّة متأخر عن الوصية، فالانتقال اليه انما هو في مورد العجز عن العمل بالوصية و عدم إمكانه، فاللازم أوّلا ملاحظة ذلك، فنقول:

لا خفاء في إمكان العمل بالوصية على تقدير إحراز كونها بنحو تعدّد المطلوب، بان كان مطلوب الموصى، أوّلا صرف المقدار الموصي به في ما يرجع نفعه اليه يكون مصلحة له، و كان غرضه إفراز ذلك المقدار من التركة و جعله لنفسه، و كان مطلوبه الثانوي هو الصرف في الحج و تخصيص ما يرجع نفعه اليه به، فإذا تعذر المطلوب الثاني بالإضافة إلى الفضلة، لفرض عدم وفائها بالحج فيبقى المطلوب الأوّل بحاله، فاللازم حينئذ صرفه في وجوه البرّ، و لا يبقى مجال للرجوع إلى الورثة و العود ميراثا.

و امّا في صورة الشك في الوحدة و التعدد، التي هي العمدة في محل البحث في تمام فروع هذه المسألة، فربما يقال، كما ذكره بعض الأعلام: بأن ظهور حال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 161

..........

______________________________

الموصي في كون الوصية بنحو تعدّد المطلوب يقتضي تعين الصرف في وجوه البرّ.

و لكن يرد عليه، ما أورده على السّيد- قده- في الفرع الأوّل، من: عدم ثبوته في جميع الموارد، و لا يصح الاستدلال به على المدّعى.

و الذي يمكن ان

يقال: انّ المستفاد من الروايتين الواردتين في الفرع الأوّل، بعد كون القدر المتيقن من موردهما صورة الشك في الوحدة و التعدّد: ان حكم الشارع في صورة الشك هو البناء على التعدّد و إجراء حكمه عليه، و مورد الروايتين و ان كان صورة النقيصة، الّا ان الظاهر انه لا خصوصية لها، بل العمدة في محط السّؤال هو الشك المزبور لا مع انضمام النقص. و عليه، فحكم هذا الفرع أيضا يستفاد من الرّوايتين، و لعلّه لذلك جعل في المتن: الصرف في وجوه البرّ هو الأوجه، فتدبر.

الفرع الثالث: لو كان الموصى به الحج من البلد، امّا للتصريح بذلك، و امّا لظهور كلامه فيه ظهور معتبرا عند العرف و العقلاء، و دار الأمر بين جعل اجرة سنتين- مثلا- لسنة و الحج من البلد، و بين الاستيجار بذلك المقدار من الميقات و رعاية العدد المعين، لعدم إمكان صرف المقدار في الحج البلدي مع مراعاة العدد. و بعبارة أخرى:

لم يمكن الجمع بين الخصوصيتين، البلد و التعدد، و دار الأمر بين إلغاء الأولى أو إلغاء الثانية، فقد قال في العروة: «في تعيين الأوّل أو الثاني وجهان، و لا يبعد التخيير، بل أولوية الثاني، الّا ان مقتضى إطلاق الخبرين الأوّل».

و الكلام فيه، تارة: من جهة مقتضى القاعدة، و اخرى: من جهة مفاد الخبرين. امّا من الجهة الأولى: فظاهر كشف اللثام باعتبار اختياره الثاني: انه هو مقتضى القاعدة، بل تصدّى بعد ذكر ان الجز الأخير، يوهم الخلاف، لتنزيله

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 162

..........

______________________________

على عدم إمكانه من الميقات، و لعلّ الوجه فيه: ان الطريق باعتبار كونه مقدمة خارجة عن حقيقة العبادة و اعمال الحج و مناسكه، لا ينهض

في مقابل نفس العبادة، التي شروعها من الميقات.

و يدفعه: أنّ الوصي انّما يكون مسئولا في مقابل الوصية، و اللازم عليه العمل بها، و بالنظر الى الوصية لا تكون احدى الخصوصيتين اولى من الأخرى، و لذا ذكر صاحب الجواهر في مقام الاعتراض على كشف اللثام: ان المحافظة على كونه في كلّ سنة، و ان خالف في انّها من البلد ليس بأولى من المحافظة على الأخير، و ان خالف الوصية في الأوّل. و بالجملة: فالظاهر ان الحكم بمقتضى القاعدة هو التخيير.

و امّا من الجهة الثانية: فمن الواضح: دلالة الخبر الثاني، باعتبار فرض كون تضاعف المؤمن ناشيا عن انقطاع طريق البصرة، و امره- عليه السلام- بجعل حجتين مكان ثلاث حجج، على لزوم رعاية خصوصية البلد و إلغاء التعدد في كلّ سنة. و امّا الخبر الأوّل فمقتضى إطلاقه هو إتيان الحج البلدي مرة واحدة، سواء لم يتمكن من حجتين ميقاتيتين أو تمكن منهما، و عليه، فمفاد الروايتين تقديم خصوصية البلد.

و لكن في مقابله أمران:

أحدهما: ما ذكره كاشف اللثام، من: إمكان حملهما على صورة عدم التمكن من الحج الميقاتي.

و لكنه أجاب عنه صاحب الجواهر: بأنه لا داعي الى هذا الاجتهاد في مقابل النص المعمول به بين الأصحاب و مرجعه الى ان الحمل لا بد و ان يكون لعلّة موجبة له و لا موجب في المقام، خصوصا بعد ما عرفت، من: كون مقتضى القاعدة ليس هو الثاني.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 163

..........

______________________________

ثانيهما: الروايات الدالة على ان من اوصى بحجة الإسلام يجب ان يقضى عنه من بلده، فان لم تسع التركة للحج من البلد فمن حيث بلغت، و لو من الميقات.

و تدفع المقابلة اختلاف مورد الطائفتين،

فإن مورد تلك الروايات: ان الانتقال الى الميقات انّما هو مع عدم التمكن من البلد و ما دون الميقات، و مورد الخبرين في المقام ليست صورة عدم التمكن، ضرورة انه يمكن الحج من البلد، غاية الأمر، لزوم الإخلال بالعدد المذكور في الوصية، فموردهما دوران الأمر بين إلغاء خصوصية البلد و إلغاء خصوصية العدد، فلا ارتباط لأحدهما بالآخر، فاللازم تقديم الحج البلدي، كما اختاره الماتن- قدس سرّه الشريف.

بقي الكلام: فيما وقع التعرض له في ذيل المسألة بقوله: هذا كلّه إذا لم يعلم من الموصي ..

و يظهر منه ان لكل من الفروع الثلاثة صورا متعددة: صورة العلم بتعدد المطلوب، و صورة العلم بوحدة المطلوب، و صورة الشك في الواحدة و التعدد.

امّا صورة العلم بالتعدد: فالحكم فيها ما تقدم في الفروع، و امّا صورة العلم بالوحدة: فالظاهر خروجها من الخبرين، لانصرافهما عنها، و حكمها بطلان الوصية، لعدم إمكان العمل بها، و لا يجوز التفكيك بين الخصوصيتين بعد تقيد إحديهما بالأخرى بنحو وحدة المطلوب. نعم، مع عدم كون الوصية مقيدة بسنين معينة كالسنين المتصلة بالموت، و رجاء إمكان ذلك بالتأخير، لا تبطل الوصية، بل يؤخر لاحتمال إمكان العمل، و كيف كان، فمع عدم الإمكان تبطل.

و امّا صورة الشك في الوحدة و التعدد، فلا إشكال في شمول الخبرين لها، لأنّها القدر المتيقن من موردهما، بل يمكن ان يقال باختصاص المورد بها لعدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 164

..........

______________________________

حاجة صورة العلم بالتعدد إلى السؤال، لوضوح حكمها، و كيف كان، فالكلام في صورة الشك، تارة من جهة مقتضى القاعدة، مع قطع النظر عن الخبرين، و اخرى مع ملاحظتهما.

امّا من الجهة الأولى: فالمستفاد من «المستمسك» ان حكمها

البطلان و عدم لزوم العمل بالوصية أصلا، حيث قال: «ان المرجع في صورة الشك أصالة عدم الوصية».

و الظاهر ان مراده: انّه مع احتمال الوحدة لا يبقى للوصية مجال، فالشك فيها شك في الوصية و عدمها، و مقتضى الاستصحاب العدم.

و يدفعه: أنّه لا شبهة في تعلق الوصية بكلا الأمرين: المقدار المعين و العدد كذلك، انما الشك في الارتباط و التقييد، و مقتضى الاستصحاب العدم، فاللازم العمل بما تمكن منهما، و لا يكون هذا الأصل مثبتا بوجه، لان مجرد عدم التقييد الثابت بالاستصحاب يكفي في اللزوم المذكور، فانقدح: انه لو لا الخبرين لكان مقتضى القاعدة اللزوم، كما هو مفادهما.

و امّا من الجهة الثانية: فالظاهر ان مفاد الخبرين حكم ظاهري مجعول في صورة الشك، و هو لزوم البناء على التعدد في مورد الشك فيه، كالحكم بلزوم البناء على الأكثر في الشّك في ركعات الصلاة، و لا مجال لملاحظة منشأ الحكم حتى يقتصر على خصوص مورده. و عليه، فما في «المستمسك» من انهما في مقام الحكم الظاهري، اعتمادا على القرائن العامّة، و انه لو اتّفق حصول بعض ما يمنع من القرائن العامة يشكل جواز الأخذ بهما، بل الا وجه العدم لا مجال له، لأنّ اللازم ملاحظة مفاد نفس الخبرين، و مقتضاهما لزوم البناء على التعدد مع الشك فيه، سواء كانت تلك القرائن موجودة أم لا، فالإنصاف انه مع ملاحظة الخبرين يكون الحكم هو البناء على التعدد مطلقا. فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 165

[مسألة 7 لو اوصى و عيّن الأجرة في مقدار فإن كان واجبا]

مسألة 7- لو اوصى و عيّن الأجرة في مقدار، فإن كان واجبا و لم يزد على اجرة المثل، أو زاد و كفى ثلاثة بالزيادة، أو أجاز الورثة تعيّن و الّا

بطلت، و يرجع الى أجرة المثل، و ان كان مندوبا فكذلك مع وفاء الثلث به، و الّا فبقدر وفائه إذا كان التعيين لا على وجه التقييد، و ان لم يف به حتى من الميقات، و لم يأذن الورثة أو كان على وجه التقييد بطلت. (1)

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة، تارة: في الحج الواجب على الموصي، كحجة الإسلام، و اخرى: في الحج المندوب.

امّا الأوّل: فلا إشكال في صحة الوصية و لزوم العمل بها، بصرف الأجرة المعينة، إذا لم تكن زائدة على اجرة المثل، و كذا لو كانت زائدة و لكنه كفى ثلثه بالزيادة، لخروج اجرة المثل عن أصل التركة في الحج الواجب أو لم يكف، و لكنه أجاز الورثة الزائد على الثلث.

و امّا في صورة عدم كفاية الثلث بالزيادة و عدم اجازة الورثة للزائد على الثلث: ففي المتن تبعا للعروة: بطلان الوصية و الرجوع الى أجرة المثل، مع ان الظاهر عدم بطلانها بالإضافة إلى مقدار الثلث غير البالغ الأجرة المعينة الموصى بها، فإذا فرض ان المقدار المعين خمسون الف تومان و كانت اجرة المثل ثلاثين الف تومان، و فرض بلوغ الثلث عشرة آلاف تومان فالظاهر لزوم ضم هذه العشرة إلى أجرة المثل، و عدم بطلان الوصية بالإضافة إليها، كما لا يخفى.

و امّا الثاني: فالحكم فيه كالأوّل، الّا ان الفرق بينهما من جهتين:

الاولى: انّ الأجرة المعينة لا بد و ان تلاحظ بالإضافة الى جميع مصارف الحج، لعدم خروج اجرة المثل من الأصل هنا، كما في الحج الواجب، فاللازم ملاحظة الثلث مع جميع اجرة الحج لا الزائد على اجرة المثل.

الثانية: جريان فرض التقييد في التعيين هنا دون الحج الواجب، لانه لا مجال للتقييد هناك بعد لزوم الاستنابة

مطلقا، سواء كانت الأجرة مساوية لأجرة المثل أو مختلفة معها، و امّا في الحج المندوب فيمكن ان يكون التقييد بنحو التعيين، كما هو ظاهر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 166

[مسألة 8 لو عين للحجّ اجرة لا يرغب فيها أحد]

مسألة 8- لو عين للحجّ اجرة لا يرغب فيها أحد، و لو للميقاتي و كان الحجّ مستحبّا، بطلت الوصية ان لم يرج وجود راغب فيها، و تصرف في وجوه البرّ، إلّا إذا علم كونه على وجه التقييد، فترجع الى الوارث، من غير فرق في الصورتين بين التعذر الطّارئ و غيره، و من غير فرق بين ما لو اوصى بالثلث و عين له مصارف و غيره. (1)

______________________________

(1) لا إشكال في بطلان الوصية، بمعنى عدم لزوم الاستيجار للحج عن الموصي، و لو من الميقات، في مفروض المسألة مع عدم رجاء وجود راغب فيها، و لو في المستقبل، و الوجه فيه: عدم إمكان العمل بالوصية، فلا يبقى مجال لصحّته.

و امّا الأجرة الموصى بها، فان كانت الوصية بها للحج بنحو وحدة المطلوب و التقييد، و علم بذلك، فلا شبهة في رجوع الأجرة إلى الوارث، و عدم جواز صرفها في وجوه البرّ بنفع الموصي، كما انه لو علم تعدّد المطلوب و عدم التقييد، لا ريب في عدم رجوع الأجرة إلى الوارث، و لزوم صرفها في مصلحة الموصي و ما ينتفع به.

انّما الكلام في صورة الشك في الوحدة و التعدد، و المسألة مختلف فيها، و فيها أقوال ثلاثة:

أحدها: الصرف في وجوه البرّ، و قد نسبه في المدارك الى المشهور، و اختاره الفاضلان في الشرائع و المنتهى، و السيّد في العروة، و الماتن- قدّس اللّٰه أسرارهم.

ثانيها: الرجوع الى الوارث، و اختاره الشيخ في أجوبة المسائل الحائريّات، و

ابن إدريس، و تبعهما صاحب المدارك.

ثالثها: ما اختاره المحقق الكركي و الشهيد الثاني في المسالك، من التفصيل بين ما إذا كان التعذر طارئا فتصرف في وجوه البرّ، و بين ما إذا كان من الأوّل و حين الوصيّة، فترجع الى الوارث.

و قد استدل في العروة لما هو المشهور بعد نفي كون قاعدة الميسور، دليلا لما مرّ منه سابقا، و مضى البحث عنه في المسألة السّادسة المتقدمة، بأمرين:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 167

..........

______________________________

أحدهما: ان الظاهر من حال الموصي- في أمثال المقام- ارادة عمل ينفعه، و انما عين عملا خاصّا لكونه أنفع في نظره من غيره، فيكون تعيينه لمثل الحج على وجه تعدد المطلوب، و ان لم يكن متذكرا لذلك حين الوصية.

و يرد عليه: انه لم يثبت كون الظهور في جميع الموارد. نعم، الظاهر ثبوته في أكثرها، فلا مجال للاستدلال به، لعموم المدّعى.

ثانيهما: رواية علي بن سويد- التي رواها المشايخ الثلاثة- قال: اوصى اليّ رجل بتركته، و أمرني أن أحجّ بها عنه، فنظرت في ذلك، فإذا شي ء يسير لا يكفي للحج فسألت أبا حنيفة و فقهاء الكوفة، فقالوا: تصدق بها عنه. فلما حججت لقيت عبد اللّٰه بن الحسن في الطواف فسألته، و قلت له: ان رجلا من مواليكم من أهل الكوفة مات فاوصى بتركته اليّ، و أمرني أن أحجّ بها عنه، فنظرت في ذلك فلم تكلف في الحج، فسألت من قبلنا من الفقهاء، فقالوا: تصدق بها، فتصدقت بها، فما تقول؟ فقال لي: هذا جعفر بن محمد فاته و اسأله، قال: فدخلت الحجر فإذا أبو عبد اللّٰه- ع- تحت الميزاب مقبل بوجهه على البيت يدعو، ثم التفت فرآني، فقال:

ما حاجتك؟ فقلت: جعلت فداك!

اني رجل من أهل الكوفة من مواليكم، فقال: دع هذا عنك، حاجتك، قلت: رجل مات فاوصى بتركته ان أحجّ بها عنه، فنظرت في ذلك فلم يكف للحج فسألت من عندنا من الفقهاء، فقالوا:

تصدق بها، فقال: ما صنعت؟ قلت: تصدقت بها، فقال: ضمنت، الّا ان لا يبلغ ان يحج به من مكّة، فإن كان لا يبلغ ان يحج به من مكة فليس عليك ضمان، و ان كان يبلغ ان يحج به من مكّة فأنت ضامن. «1»

و دلالتها على لزوم مثل التصدق مع عدم بلوغها، ان يحج بها من مكة، ظاهرة،

______________________________

(1) وسائل كتاب الوصايا الباب السابع و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 168

..........

______________________________

كما ان الظاهر ان موردها صورة الشك في الوحدة و التعدّد، لكن الكلام في سند الرواية، فإن الظاهر ان الراوي- كما في المصادر الأصلية للرواية- علي بن فرقد أو علي بن مزيد، و كلاهما مجهولان.

و لكن مقتضى ما ذكرنا في المسألة السادسة، من: ان القاعدة تقتضي البناء على التعدد في صورة الشك، عدم الحاجة الى الرواية في إثبات الحكم المذكور.

و عليه، فتكون الرواية مؤيدة للقاعدة، كما أنه يؤيدها روايتا إبراهيم بن مهزيار المتقدمتان في تلك المسألة بناء على استفادة الضابطة الكلية منهما، و هو لزوم البناء على التعدد في موارد الشك. و هنا روايات أخرى تؤيّد ما ذكر، مثل ما ورد في الوصي الذي نسي الوصيّة إلّا بابا واحدا، مما يدل على ان الأبواب الباقية تجعل في وجوه البرّ، و ما ورد فيمن اوصى ان تشترى رقبة بثمن معين و تعتق، فوجدت بأقل من ذلك الثمن، مما يدل على انه تشترى بالأقل و تعتق، و يدفع إليها

الباقي، و غيرهما من الرّوايات.

هذا، و لكن يرد على الاستدلال بالرواية ما عرفت من ضعف سندها، و مضمونها، و ان كان موافقا لنظر المشهور، الا انه لم يحرز استناد المشهور إلى الرواية حتى يكون جابرا لضعفها، لانه من المحتمل ان يكون مستندهم غيرها، فترى ان العلامة، في المنتهى يستدل بان هذا القدر من المال قد خرج عن ملك الورثة بالوصية النافذة، و لا يمكن صرفها في الطاعة التي عيّنها الموصي فتصرف الى غيرها من الطّاعات، لدخولها في الوصية ضمنا. و مرجع دليله الى الدليل الأوّل المذكور في العروة، و ليس في كلامه اشعار بالاستدلال بالرواية. و عليه، فلا جابر لضعفها، و استفادة الضابطة الكلية من روايتي إبراهيم بن مهزيار المتقدمتين لا شاهد لها، و المؤيّدات المذكورة لا تنهض للدلالة و لا تتصف بالحجية. و عليه، فيشكل الأمر بعد كون مقتضى القاعدة الخلاف، كما هو المفروض.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 169

[مسألة 9 لو اوصى بأن يحجّ عنه ماشيا أو حافيا أو مع مركوب خاص]

مسألة 9- لو اوصى بأن يحجّ عنه ماشيا أو حافيا أو مع مركوب خاص، صحّ، و اعتبر خروجه من الثلث ان كان ندبيّا و خروج الزائد عن اجرة الحج الميقاتي، و كذا التفاوت بين المذكورات و الحج المتعارف ان كان واجبا. و لو كان عليه حج نذري ماشيا و نحوه، خرج من أصل التركة، اوصى به أم لا، و لو كان نذره مقيدا بالمباشرة، فالظاهر عدم وجوب الاستيجار الّا إذا أحرز تعدّد المطلوب. (1)

______________________________

ثم على تقدير اعتبار الرواية، لا شبهة في ان موردها، أو القدر المتيقن منه صورة الشك، في وحدة المطلوب و تعدده. و الظاهر خروج صورة العلم بالوحدة عن الإطلاق، للانصراف الظّاهر.

كما انه في صورة الشك، يلزم

الأخذ بمفادها مطلقا، من دون فرق بين ما إذا لم يكن في مقابل القرائن العامة بعض القرائن الخاصة على الخلاف، و ما إذا كان و دعوى انّ منصرفها ان ذلك عمل بالوصية، فلا تشمل الصورة الثانية. مدفوعة بعدم الشاهد عليها، بل ظاهرها الإطلاق، كما في البناء على الأكثر في الشك في عدد ركعات الصلاة على ما عرفت، و لا مجال لادعاء الفرق بين الصلاة و بين الوصية، لكون الاولى حق اللّٰه المحض و الثانية مرتبطة بالموصي، و ذلك لان البحث في الحكم الشرعي، و هو لزوم العلم بالوصية الثابت في الشرع. و ظاهر الرواية ثبوته بنحو الإطلاق، من دون فرق بين الصورتين.

كما انه على تقدير الأخذ بالرواية، لا يبقى مجال للتفصيل، الذي هو القول الثالث، بل ظاهر الرواية كون المورد صورة التعذر من الأصل، ففي صورة التعذر الطارئ يجري الحكم بطريق اولى، و على هذا التقدير- أيضا- لا فرق بين ما إذا كانت الوصية بصورة إخراج الثلث أوّلا ثم تعيين مصارف له، أو كانت الوصية بصورة الوحدة، و ان كان الحكم في الصورة الأولى أوضح، و التعليل المذكور في كلام السّيد للصورة الأولى مخدوش. و الاولى التعليل بوضوح تعدد المطلوب فيها دون الصورة الثانية، فتدبر.

(1) في هذه المسألة فرعان:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 170

..........

______________________________

الفرع الأوّل: ما لو اوصى بأن يحج عنه ماشيا أو حافيا أو مع مركوب خاص، و في هذه الصورة الحكم كما في المتن، من: انه تصحّ الوصية بلا اشكال، لعدم اعتبار الرجحان في الموصى به بخلاف النّذر، غاية الأمر، انه ان كان الحج ندبيّا يعتبر خروج أصل الحج و خصوصياته بأجمعها من الثلث، و ان كان

الحج واجبا يخرج اجرة الحج الميقاتي بالكيفية المتعارفة من أصل التركة و البقية من الأصل، فيخرج التفاوت بين البلدي و الميقاتي، و كذا التفاوت بين الميقاتي بالكيفية المتعارفة، كالسير مع السيارة، و بينه بالكيفية الموصى بها من الثلث، كما هو ظاهر.

الفرع الثاني: ما لو كان عليه حجّ نذري ماشيا و نحوه، و قد عرفت في فصل نذر الحج صحة نذر ماشيا و نحوه، كما انّك عرفت لزوم القضاء عن النار إذا لم يأت به في حال الحياة مع التمكن منه، و كونه خارجا من أصل التركة، كحجة الإسلام، مع استقرارها على الميت، انّما الكلام فيما لو كان عليه حج نذري ماشيا و نحوه، فهل يجب ان يقضى عنه بعد الموت كذلك، أو انّ اللازم قضاء أصل الحج؟ و الظاهر انّ هذا البحث لا يرتبط بالبحث في الإخراج من الأصل أو الثلث، فإنهما بحثان مستقلان. نعم، يظهر من مثل المتن مفروغية قضاء الحج بالكيفية المنذورة. و قد ناقش فيه بعض الاعلام، و ان وقع في كلامه الخلط بين البحثين.

و محصل كلامه يرجع الى ان النص قام على لزوم قضاء حجة الإسلام، و امّا الحج النذري فقد ادعى الإجماع على الإلحاق، و حيث ان الإجماع دليل لبّي يقتصر فيه على القدر المتيقن، و هو قضاء أصل الحج لا الخصوصيات، نظير الصوم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 171

..........

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 2، ص: 171

______________________________

المنذور في يوم معيّن، كأوّل جمعة من شهر رجب هذه السنّة،

فإذا لم يتمكن من الصّوم فيه لمرض و نحوه، فالقاعدة، و ان كانت تقتضي بطلان نذره لعدم التمكن من متعلقه، لكن النص دل على وجوب القضاء، و مقتضاه وجوب قضاء أصل الصوم لا مع الخصوصية المنذورة.

و يرد عليه: مضافا الى ان الإجماع انّما يكون معقده لزوم القضاء، و من الواضح:

ان لا مغايرة بين الأداء و القضاء من جهة الخصوصيات، فإذا كان الواجب على الناذر هو الحج ماشيا، فالقضاء الواجب لا بد و ان يكون مع الخصوصية المذكورة، وضوح الفرق بين المقام و بين مثال الصوم، فان القضاء مع الخصوصية ممتنع في الصوم، لعدم تعدد ذلك اليوم، بخلاف المقام الذي لامتناع فيه بوجوه، كما هو المفروض. فالظاهر بمقتضى ما ذكرنا، لزوم القضاء مع الخصوصية، و قد تقدم في فضل نذر الحج لزوم الإخراج من الأصل، كما انه لا فرق بين صورتي الوصية و عدمها، كما لا يخفى.

بقي الكلام في ما استدركه بقوله: و لو كان نذره مقيّدا بالمباشرة .. و مراده: انه لو كان قيد المباشرة مأخوذا في متعلق النذر بنحو وحدة المطلوب، بحيث كان الغرض متعلّقا بصدور الحج ماشيا من نفسه، لا صدوره بنحو الأعم من المباشرة و التسبيب و بعبارة أخرى: كانت المباشرة قيدا في المأمور به دون المورد، كما ذكره السيد- قده- في العروة. فالظاهر عدم وجوب الاستنابة عنه، لعدم صدق القضاء على ما اتى به الأجير من الحج ماشيا بعد تعلق الغرض بالمباشرة، و صدور الحج كذلك من شخصه لا الأعم منه و من غيره، بالاستنابة، و على تقدير صدق القضاء. فدليل لزومه قاصر عن الشمول لهذه الصورة، خصوصا لو كان الدليل هو الإجماع، الذي يقتصر فيه على القدر المتيقن.

و العجب من

بعض الاعلام، حيث اعترض على الفرق بان نذره إذا تعلق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 172

[مسألة 10 لو اوصى بحجتين أو أزيد و قال انها واجبة عليه، صدّق]

مسألة 10- لو اوصى بحجتين أو أزيد، و قال: انها واجبة عليه، صدّق، و تخرج من أصل التركة، الّا ان يكون إقراره في مرض الموت، و كان متّهما فيه، فتخرج من الثلث. (1)

______________________________

بالحج ماشيا، فلا محالة كان الواجب عليه هو المشي ببدنه، لاستحالة المشي ببدن غيره، فالتقييد و عدمه سيّان من هذه الجهة، فإذا وجب القضاء مع عدم التقييد وجب مع التقييد أيضا.

و ذلك لوضوح الفرق بين كون المباشرة مأخوذة قيدا في متعلق النذر، و بين كونها معتبرة في مقام الوفاء بالنذر الذي يكون واجبا، و من الواضح: ان لزوم الوفاء، بالنذر تابع لكيفية النذر و ملاحظة غرض الناذر، و ليس ذلك مثل حجة الإسلام، فالإنصاف: وضوح الفرق و ثبوت التفصيل في وجوب القضاء.

و يبقى الكلام بعد ذلك في الاستثناء المذكور في المتن، بقوله: إلّا إذا أحرز تعدد المطلوب، فإن صورة التعدد مغايرة للتقييد المساوق لوحدة المطلوب. و عليه، فيكون الاستثناء منقطعا، و هو خلاف الظاهر في المتون الفقهية، مع ان حكم هذه الصورة كان مذكورا بنحو العموم قبل استدراك صورة التقييد، و هو وجوب القضاء و الإخراج من أصل التركة، مع ان التقييد بالاحراز يدل على ان حكم صورة الشك في الواحدة و التعدد حكم صورة إحراز الوحدة، مع انه قد عرفت في المسائل السابقة جريان حكم صورة إحراز التعدد في صورة الشك. و من الظاهر انه لا خصوصية للمقام تقتضي العكس، و لعلّه لذا لم يتحقق هذا الاستثناء، و لم يتعرض له في العروة.

(1) الأصل في هذه المسألة هي النصوص و

الرّوايات الواردة في الوصية بالدين و الإقرار به، المشتملة على التفصيل بين ما إذا لم يكن في مرض الموت أو كان فيه، و لكنه لم يكن متّهما، و بين صورة الاتهام في مرض الموت، و انه يخرج من الأصل في الأوّل، و من الثلث في الثاني، بضميمة ان الحج الواجب، سواء كان حجة الإسلام أو حج النذر، أو الحج الاستيجاري، دين أو بمنزلة الدين،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 173

[مسألة 11 لو اوصى بما عنده من المال للحجّ ندبا و لم يعلم انه يخرج من الثلث أم لا]

مسألة 11- لو اوصى بما عنده من المال للحجّ ندبا، و لم يعلم انه يخرج من الثلث أم لا، لم يجز صرف جميعه، و لو ادّعى ان عند الورثة ضعف هذا، أو انه اوصى بذلك و أجازوا (أجاز ظ) الورثة، يسمع دعواه بالمعنى المعهود في باب الدّعاوي، لا بمعنى إنفاذ قوله مطلقا. (1)

______________________________

فيجري عليه حكمه.

و العجب كل العجب من بعض الاعلام، حيث جعل البحث في صحة الإقرار و نفوذه، و سعى في إثبات ذلك بعد وجود المناقشة السندية، في مثل إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، مع ان البحث ليس في الإقرار الذي يؤخذ به المقر، بل في الإيصاء، الذي يترتب عليه التصرف في التركة، و الخروج من الأصل على تقدير ثبوته، و هذا لا يرتبط بمسألة إقرار العقلاء، و أعجب من ذلك انه جعل الدين أجرة حجة الإسلام و اجرة الحج الاستيجاري، مع ان البحث في نفس الحج، الذي هو الموصى به، فان الواجب في الحج الاستيجاري هو نفس الحج، الذي استؤجر عليه، و الأجرة لا ربط لها بذلك، كما لا يخفى.

(1) فرض المسألة ما لو اوصى بما عنده من المال لا بعنوان جميع ماله، للحج ندبا، و لم يعلم

ان ذلك المقدار ثلث ماله، حتى تكون الوصية نافذة بالإضافة إلى جميعه، أو زائدا على الثلث، بان كان نصف المال- مثلا- أو مجموع المال، حتى لا تكون الوصية نافذة إلّا بالإضافة إلى الثلث. ففي المتن- تبعا للعروة-: انه لا يجوز صرف جميعه، بل بمقدار ثلاثة، إذا احتمل ان يكون جميع المال، و ثلثه، إذا احتمل يكون نصف المال، و هكذا.

لكن في المستمسك: حمل التصرف على الصحة يقتضي انه تصرف في الثلث. و أورد على التمسك بأصالة الصحة بعض الاعلام، بما ملخّصه: ان أصالة الصحة بمعنى ترتيب الأثر على العقد أو الإيقاع (لا بمعنى عدم ارتكاب الحرام)، مستندها السيرة، القطعية، و موردها ما إذا أحرزنا ولاية العامل على الفعل، و شك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 174

..........

______________________________

في وقوعه منه صحيحا أم باطلا، و امّا إذا شك في أصل الولاية، فلا يمكن إثبات الصحة بالأصل، و قد مثل له مثالين، و لكن الأولى ان يجعل مثاله ما إذا باع زيد دار عمرو من بكر، و شك في انه هل كان وكيلا من ناحية عمرو، حتى يكون له الولاية على بيع داره، أو كان فضوليّا، لا تكون له الولاية؟ فإنه لا يجري أصالة الصحّة فيه، و المقام من هذا القبيل، فان التصرف في جميع ما عنده بالوصيّة، مع احتمال كونه زائدا على الثلث، و معه لا ولاية له على الوصيّة، بالإضافة إلى الزائد، لا يحرز ثبوت الولاية له، بالإضافة إليه، فلا مجال لجريان أصالة الصحة.

و عليه، فالحكم كما في المتن.

ثمّ انه لو ادعي في هذا الفرض: انه عند الورثة ضعف هذا، و مرجعه الى ادّعاء كون ما عنده- الذي تعلق به الوصية-

ثلث المال، فلا تكون زائدة عليه، أو ادعى:

ان ما عنده زائد على الثلث، و لكن الورثة أجازوا الزائد، فالوصية نافذة بالنسبة إلى الجميع، ففي العروة: ان في سماع دعواه و عدمه وجهين. و الوجه في عدم السّماع: ان دعواه انما تكون على الغير، و لا بد له من إثباتها، فإنّ ادعاءه كون ثلثي ماله عند الورثة، أو انهم أجازوا الزائد على الثلث، يكون ادّعاء على الورثة و محتاجا إلى الإثبات، و لا يكفي فيه مجرد الدّعوى.

و الوجه في السّماع، كما في المستمسك: أنه إخبار عما في يده و تحت اختياره، لأنه أخبر بكون ما عنده ثلثا من ماله، كما انه أخبر بكون الوصية المتعلقة به مجازة بإجازة الورثة و تنفيذهم.

و لكنه أورد عليه: بأنه لم تثبت حجية اخبار ذي اليد بجميع ما يرجع الى تحت يده. نعم، لو رجع اخباره عنه إلى الإقرار على نفسه يسمع، كما إذا أخبر: بان ما في يده مغصوب، و امّا الاخبار ببقية الجهات فلا دليل على السّماع منه، و لذا لو أخبر بكرية الماء، الذي في يده، لا يسمع منه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 175

[مسألة 12 لو مات الوصيّ بعد قبض اجرة الاستيجار من التركة]

مسألة 12- لو مات الوصيّ بعد قبض اجرة الاستيجار من التركة، و شك في استيجاره له قبل موته، فان كان الحجّ موسّعا يجب الاستيجار من بقية التركة، ان كان واجبا و كذا ان لم تمض مدة يمكن الاستيجار فيها، بل الظاهر وجوبه، لو كان الوجوب فوريّا و مضت مدة يمكن الاستيجار فيها، و من بقية ثلثها، ان كان مندوبا، و الأقوى عدم ضمانه لما قبض. و لو كان المال المقبوض موجودا عنده أخذ منه، نعم، لو عامل معه

معاملة الملكية في حال حياته، أو عامل ورثته كذلك، لا يبعد عدم جواز أخذه على اشكال، خصوصا في الأوّل. (1)

______________________________

ثم انّ ظاهر عبارة العروة: ان المراد من سماع دعوى الموصي، قبول دعواه بمجردها من دون حاجة الى بيّنة و نحوها، كما ان المراد من عدم السّماع عدم القبول بمجردها، بل يحتاج إلى الإثبات و اقامة الدليل، و لكن فسر في المتن السّماع بما يرجع الى ما ذكر في كتاب القضاء في بحث شروط سماع الدعوى، و معناه ان المراد بالسماع هي قابليّة العرض على الحاكم، و لزوم نظر الحاكم فيه، و فصل الخصومة فيه، فإنه ليس كل دعوى قابلة للطرح و العرض، فالمقصود بالسماع صلاحية دعوى الموصى للطرح عند الحاكم، و امّا قبولها من دون حاجة الى الإثبات فلا، بل تقبل على تقدير إقامة البينة و الدليل، هذا، و لكن الظاهر ان هذا التفسير مضافا الى انه خلاف الظاهر، فان المراد منه: ما يستفاد من العروة و شروحها، يكون غير منطبق على الواقع، فإنه على هذا التقدير لا مجال لاحتمال عدم السّماع بوجه، فإنه لا نقص في دعواه من جهة الشروط المعتبرة في السّماع أصلا، كما لا يخفى.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في فرضين:

الفرض الأوّل: ما إذا لم يكن المال المقبوض موجودا عنده- اي عند ورثته- في حال الشك في الاستيجار للموصي، و قد حكم في المتن بوجوب الاستيجار على الورثة من بقية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 176

..........

______________________________

التركة، ان كان الحج الموصى به واجبا موسّعا، من دون فرق بين ما ذا مضت مدة يمكن الاستيجار فيها و بين غيره، و كذا في الحج الواجب الفوري، مع عدم

مضي تلك المدة، و امّا مع مضيّها فقد استظهر وجوب الاستيجار المذكور، مشعرا بثبوت احتمال الخلاف، و هكذا في الحج الندبي. غاية الأمر، بالإضافة إلى بقية الثلث.

و منشأ ذلك جريان استصحاب. عدم تحقق الاستيجار من الوصيّ، مع الشك فيه، و استصحاب بقاء اشتغال ذمة الميت في الحج الواجب، بعد ملاحظة عدم جريان أصالة الصّحة، لأنه على تقدير جريانها لا يبقى مجال لجريان الاستصحاب، و لكن استظهر السيّد- قده- في العروة: عدم وجوب الاستيجار في الواجب الفوري مع مضي المدة المذكورة، نظرا إلى انه يحمل امره على الصّحة، و استشكل في الواجب الموسع كذلك.

و ربما يقال في توضيح كلام السيد: انه إذا كان الواجب فوريا لا يجوز تأخيره، كحجة الإسلام- مثلا-، يكون مقتضى أصالة الصحة صدور الاستيجار منه و المبادرة إليه، لأن تركه لا يكاد يجتمع مع ايمانه، خصوصا إذا كان متورّعا أيضا، و امّا في الواجب الموسّع، فلا يكون ترك الاستيجار فيه منافيا للإيمان و التورّع.

و أورد على هذا التوضيح: بأن غاية ما تقتضيه أصالة الصحة بهذا المعنى عدم ارتكاب المؤمن المعصية، و امّا وقوع الاستيجار منه فلا يثبت بأصالة الصحة، نظير ما إذا كان المؤمن مديونا و مطالبا و قادرا على الأداء، فإنه لا يمكن الحكم بالأداء، بالحمل على الصحة بالمعنى المذكور، و يؤيده استشكاله في الواجب الموسع، فإنه لو كان مراد السيد- قده- من أصالة الصحة ما ذكر، لم يكن وجه للاستشكال المذكور بعد عدم الحرمة في التأخير في الواجب الموسع، و عدم وجوب المبادرة إليه أصلا.

و استظهر المورد ان كلامه ناظر إلى صورة صرف المال و تصرف الوصي فيه، و عدم كونه موجودا عنده، بقرينة التصريح في أخر كلامه بقوله: «نعم، لو

كان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 177

..........

______________________________

المال المقبوض موجودا أخذ» و كذا استشكاله في إجراء أصالة الصحة في الواجب الموسع، قرينة أخرى على ان كلامه ناظر الى عدم وجود المال و تصرف الوصي فيه، و شك في انه هل صرفه في الاستيجار للحج أم لا؟ فان كان الواجب فوريا يحمل فعله على الصحة، و يحكم بأنه صرف المال في الاستيجار، و ان كان الواجب موسّعا يجوز له صرفه في الاستيجار، كما يجوز له صرفه في غيره، مما يرى فيه المصلحة، ففي جريان أصالة الصحة إشكال.

و أنت خبير: بأن قرينة المقابلة مع الذيل لا تقتضي إلّا عدم كون المال موجودا عند الوصي لا تصرّفه فيه، و تردد أمر تصرّفه بين الصحة و غيرها، و من المعلوم ان عدم المال يجتمع مع تلفه عند الوصي، امّا حقيقة أو حكما، كما في الغصب و السّرقة، فلم يعلم حينئذ بوجود التصرف حتى يحمل على الصّحة، فإنه يحتمل تعلق السرقة به، كما يحتمل وقوع التصرف فيه: و العجب ان السيد- قده- يصرّح قبل قوله المتقدم في الذيل: بان الوجه في عدم ضمان الوصي لما قبضه، احتمال تلفه عنده بلا ضمان. و عليه، فكيف يجعل ذلك قرينة على وقوع التّصرف، فلم يحرز هنا أصله حتى يحمل على الصحة؟ ضرورة ان مورد أصالة الصحة صورة إحراز الموصوف، و الشك في وصف الصحة، و امّا مع عدم إحرازه فلا مجال لها، و لذا تقدم في فصل النيابة: انه يعتبر في النائب الوثوق و الاطمئنان بأصل صدور العمل المنوب فيه عنه، و بعده تجري أصالة الصحة لإثباتها عند الشك فيها، كما لا يخفى.

و كيف كان، فقد ظهر مما

ذكرنا الوجه في حكم المتن: بلزوم الاستيجار في جميع صور هذا الفرض، لعدم جريان أصالة الصّحة، لعدم إحراز موضوع التصرف بوجه، فالمورد مجرى استصحاب العدم.

كما انّ الوجه في عدم ضمان الوصيّ لما قبضه، كون يده على المال و استيلاؤه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 178

..........

______________________________

عليه يدا امانيّة لا ضمان فيها، و احتمال التعدي و التفريط الموجبين للضّمان في اليد الأمانيّة لا يقتضي الضمان، لعدم ثبوتهما، و عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص، و ان كان يوجب عدم جواز الاستناد، لعدم الضمان، بالأدلة الواردة في الأمين، الّا انه لا حاجة إليه بعد اقتضاء أصالة البراءة، لعدم الضّمان، و منه يظهر بطلان الحكم بالضمان، و ان احتمله السيد- قده- في العروة.

الفرض الثاني: ما إذا كان المال المقبوض موجودا، و قد حكم في المتن بجواز أخذه منه- اي من الورثة- لأنه و ان كان يحتمل ان يكون الوصيّ استأجر من مال نفسه، إذا كان مما يحتاج الى بيعه و صرفه، و تملك ذلك المال بدلا عما جعله اجرة في الاستيجار، الّا ان هذا الاحتمال لا يمنع عن جريان استصحاب بقاء هذا المال على ملك الميت الموصي و عدم خروجه عنه، فيجوز لورثته أخذه. و ظاهره انه لا فرق في الحكم بين الصّور الموجودة في هذا الفرض أيضا، فلا فرق بين كون الواجب موسّعا أو فوريّا، و كذا الصّور الأخرى.

و استدرك في المتن ما إذا كان الوصيّ يعامل معه معاملة الملكية في حال حياته أو عامل ورثته كذلك، و قال: لا يبعد عدم جوازه على اشكال، و الظاهر ان الوجه في عدم الجواز: ان الوصي و كذا الورثة، انما يكون ذا

اليد بالإضافة إلى المال، فإذا عامل معه معاملة الملكية يصير كسائر موارد ثبوت اليد، و معاملة الملكية مع ما في اليد من الحكم بالملكية، و كون اليد امارة عليها، فإنّها بمجردها، و ان لم تكن أمارة، الّا انها مع تلك المعاملة تكون أمارة معتبرة عليها، و كون حدوثها بنحو اليد الأمانية لا يمنع عن ثبوت الملكية و تحقق الامارة عليها، فإن أكثر موارد اليد مسبوق بالعلم بعدم ملكية ذي اليد.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 179

[مسألة 13 لو قبض الوصي الأجرة و تلفت في يده بلا تقصير لم يكن ضامنا]

مسألة 13- لو قبض الوصي الأجرة و تلفت في يده بلا تقصير، لم يكن ضامنا، و وجب الاستيجار من بقية التركة أو بقية الثلث، و ان اقتسمت استرجعت، و لو شك في ان تلفها كان عن تقصير أولا لم يضمن. و لو مات الأجير قبل العمل و لم يكن له تركة أو لم يكن أخذها من ورثته يستأجر من البقية أو بقية الثلث. (1)

______________________________

و امّا الوجه في الاستشكال، فهو: ان اليد و ان كانت امارة على الملكية، مع الشرط المذكور، الّا انها حيث تكون أمارة معتبرة عند العقلاء، و قد قامت السيرة المستمرة العقلائية على المعاملة مع ما في اليد معاملة الملكية، و الشارع قد امضى هذه الطريقة، فلا بد من ملاحظة ان العقلاء هل يعتبرونها امارة، فيما إذا كان حدوثها بنحو غير الملكية و أحرز ذلك، أم لا؟ فإذا أحرز كون حدوثها بنحو الغصب و الاستيلاء العدواني، ثم احتمل تبدلها بالملكية بقاء، و عامل الغاصب معه معاملة الملكية، فهل يحكم باماريتها في هذه الصورة؟ الظاهر انه لم يحرز ثبوت بناء العقلاء فيها، و المقام من هذا القبيل، لاشتراك اليد الأمانية مع يد الغاصب

في كون كل منهما يدا غير ملكية، و ان اختلفا في الضمان و عدمه.

و امّا الخصوصية للصورة الأولى- أي صورة معاملة نفس الوصيّ- بناء على كونها راجعة إلى الاستشكال لا الى نفي البعد عن عدم الجواز، كما ربما يحتمل.

فالوجه فيه ما ذكرنا، من: كون حدوث يد الوصي بنحو غير الملكية- لأنه المفروض في محل البحث- فبالنسبة إلى الوصي تكون هذه الجهة محرزة، و امّا يد الورثة فلم يحرز كون حدوثها كذلك، لاحتمال كونهم قد تلقّوه عن الوصي تلقّي الملك و الإرث، لاحتمال كون الوصي قد تملكه في حال حياته، و اعطى ثمنه اجرة للأجير في الحج، فالحدوث في الورثة يغاير الحدوث في المورث.

(1) امّا عدم الضمان مع تلف الأجرة في يد الوصي بلا تقصير، فلانه لا يكون الأمين ضامنا على ما هو مقتضى النصوص و الروايات الكثيرة، و عليه، فاللازم الاستيجار من بقية التركة في الحج الواجب، و من بقية الثلث في الحج

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 180

[مسألة 14 تجوز النيابة عن الميت في الطواف الاستحبابي]

مسألة 14- تجوز النيابة عن الميت في الطواف الاستحبابي. و كذا عن الحيّ إذا كان غائبا عن مكة أو حاضرا و معذورا عنه، و امّا مع حضوره و عدم عذره فلا تجوز، و امّا سائر الأفعال فاستحبابها مستقلا و جواز النّيابة فيها غير معلوم حتى السّعي، و ان يظهر من بعض الروايات استحبابه. (1)

______________________________

المندوب، و لو فرض اقتسام البقية بين ورثة الموصي، فاللازم الاسترجاع بالمقدار اللازم في الحج بالنحو المذكور.

و امّا عدم الضمان في صورة الشك في كون تلفها عن تقصير أم لا، فلجريان أصالة البراءة عن الضمان، لعدم الفرق في جريانها بين الحكم التكليفي و الحكم الوضعي، بعد عدم

جواز الاستناد لا إلى الأدلة الدالة على الضمان مع التعدي و التفريط، لكونه شبهة مصداقية لها، و لا إلى الأدلة الدالة على عدم ضمان الأمين، لكونه شبهة مصداقية لمخصّصها، هذا بالإضافة إلى الوصي، و امّا الأجير الذي يكون المتعارف في باب الحج- خصوصا في هذه الأزمنة- أخذه الأجرة قبل العمل، و الإتيان بالحج بعده، لو مات قبله و لم يكن له تركة أو لم يمكن أخذها من ورثته، يجب الاستيجار من بقية التركة أو بقية الثلث، كما في المتن.

و لكن لا بد بمقتضى ما تقدم في فصل النيابة و ما هو المذكور في كتاب الإجارة، من التفصيل بين ما إذا كان الأجير قد استؤجر بقيد المباشرة، و بين ما إذا تقبل الحج في الذمة و تعهد إيجاده، في الخارج مباشرة أو تسبيبا: في الصورة الأولى تبطل الإجارة بموت الأجير، و يجب على ورثة الموصي الاستيجار المذكور، و في الصورة الثانية يجب على ورثة الأجير الإتيان بالحج أو الاستيجار من تركته.

نعم، لو لم يقع منهم ذلك يجب على ورثة الموصي، كما هو ظاهر، فالفرق انه في الصورة الاولى يكون الأجير ضامنا للأجرة، و في الصورة الثانية تكون ذمته مشغولة بالإتيان بالحج بنفسه أو بغيره.

(1) كان المناسب التعرض لهذه المسألة في فصل النيابة في الحج، الذي تقدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 181

..........

______________________________

البحث فيه، لعدم مناسبته مع فصل الوصية بالحج، الذي نحن فيه، و يقع الكلام فيها من جهات:

الجهة الاولى: ان كون عمل جزء من العبادة الواجبة أو المستحبة، لا يستلزم اتصافه بالاستحباب مستقلا الّا فيما إذا قام الدليل على كونه كذلك، فنرى ان الركوع الذي هو جزء من الصلاة لا

دليل على استحبابه مستقلا، بخلاف السجود، الذي قام الدليل فيه.

و امّا الحج، فالقدر المتيقن فيه: ان الطواف، الذي هو جزء ركني منه و من العمرة، مستحب في نفسه، و قد عقد في الوسائل بابا بل أزيد لذلك، و ذكر في عنوان الباب الرابع من أبواب الطواف باب استحباب التطوع بالطواف و تكراره، و اختياره على العتق المندوب، و أورد فيه روايات متعدّدة:

منها: رواية أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام في حديث، انه قال:

يا ابان هل تدري ما ثواب من طاف بهذا البيت أسبوعا؟ فقلت: لا، و اللّٰه ما ادري. قال: يكتب له ستّة آلاف حسنة، و يمحى عنه ستة آلاف سيئة، و يرفع له ستّة آلاف درجة. «1» قال الشيخ الراوي للحديث: و روي استحق بن عمّار:

و يقتضي له ستّة آلاف حاجة. «2».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبيد اللّٰه- عليه السلام- قال: ان اللّٰه جعل حول الكعبة عشرين و مائة رحمة، منها ستون للطائفين ..، الحديث «3».

______________________________

(1) وسائل أبواب الطواف الباب الرابع ح- 1.

(2) وسائل أبواب الطواف الباب الرابع ح- 2.

(3) وسائل أبواب الطواف الباب الرابع ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 182

..........

______________________________

و منها: غير ذلك من الروايات التي أوردها في هذا الباب، و ذكر في عنوان الباب السابع، باب انه يستحب للحاج ان يطوف ثلاثمائة و ستين أسبوعا .. و في عنوان الباب التاسع، باب ان من اقام بمكة سنة استحب له اختيار الطواف المندوب على الصلاة المندوبة. و يظهر مما هو المعروف، من: ان الطواف بالبيت صلاة، ان الطواف تحية البيت، كما ان الصلاة تحية المساجد.

الجهة الثانية: قد مرّ في فصل

النيابة: ان النيابة أمر على خلاف القاعدة، لا يصار إليها إلّا في موارد قام الدليل على مشروعيتها فيها، و قد قام الدليل على جريانها في الطواف.

و في كشف اللثام: «كأنه لا خلاف فيه، حيّا كان أو ميّتا، و الاخبار به متظافرة ..».

و قد وردت روايات في الطواف عن المعصومين احياء و أمواتا، و عقد في الوسائل بابا في ذلك، و هو الباب السادس و العشرون من أبواب النيابة، كما انه قد وردت روايات كثيرة في الطواف عن الأقارب و أهل البلد، ففي رواية يحيى الأزرق، قال: قلت لأبي الحسن- عليه السلام-: الرجل يحج عن الرجل يصلح له ان يطوف عن أقاربه؟ فقال: إذا قضى مناسك الحج فليصنع ما شاء «1». و الظاهر انه ليس المراد تعليق الجواز على قضاء المناسك كلها، كما لا يخفى.

و في رواية أبي بصير: قال: أبو عبد اللّٰه- ع-: من وصل أبا أو ذا قرابة له، فطاف عنه، كان له اجره كاملا، و للذي طاف عنه مثل اجره، و يفضل هو بصلته إياه بطواف أخر. «2»

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة الباب الواحد و العشرون ح- 1.

(2) وسائل أبواب النيابة الباب الثامن عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 183

..........

______________________________

ثم ان الكلام في النيابة في الطواف يقع في مقامين، و قد وقع بينهما الخلط في الكلمات، كما يظهر بمراجعتها:

المقام الأوّل: في الطواف المستحب، الذي هو محلّ البحث في هذه المسألة، و قد قام الدليل على مشروعية النيابة عن الغائب عن مكة، فيه كما عرفت في الروايات السّابقة، و امّا الحاضر، ففي المتن، تبعا لغيره: التفصيل بين المعذور و غيره بالجواز في الأوّل دون الثاني و العمدة إقامة

الدليل على الجواز في الصورة الأولى، لأنه لا حاجة في إثبات العدم في الصورة الثانية إلى الدليل، بعد كون مقتضى القاعدة- على ما عرفت- عدم مشروعية النيابة في غير ما قام الدليل عليها.

و الظاهر ان ما يمكن ان يستدل به على ذلك، أمران:

أحدهما: صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق، قال: كنت الى جنب أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- و عنده ابنه عبد اللّٰه و ابنه الذي يليه، فقال له رجل: أصلحك اللّٰه، يطوف الرجل عن الرجل و هو مقيم بمكة ليس به علّة؟ فقال: لا، لو كان ذلك يجوز لأمرت ابني فلانا فطاف عني، سمّى الأصغر و هما يسمعون. «1» و المراد من الذيل كما في مرآة العقول للعلامة المجلسي: انه سمّى الولد الأصغر مع حضور الأكبر أيضا، و هما يسمعان، للدلالة على ان عبد اللّٰه لا يكون صالحا للنيابة في الطواف، فكيف يكون اماما، كما ادّعاه لنفسه بعد أبيه؟ فغرض الراوي من نقل الذيل حطّ مرتبة عبد اللّٰه بالنحو المذكور. و كيف كان، فدلالة الرواية على عدم الجواز في.

صورة الحضور و عدم العلّة، واضحة، و امّا الجواز مع العلّة، فلا دلالة لها عليه، غاية

______________________________

(1) وسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الخمسون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 184

..........

______________________________

الأمر، إشعارها به من جهة ظهور السؤال في مفروغية عدم الجواز مع عدم العلّة، و لم يقع في الجواب تعرض له بوجه. و من الواضح: ان مجرد الاشعار لا يكفي في مقابل القاعدة المذكورة.

ثانيهما: الروايات المتعددة الواردة في المريض المغلوب و المغمى عليه و الكسير و المبطون، الدالة على انه يطاف عنهم، مثل: صحيحة حريز بن عبد اللّٰه عن أبي عبد

اللّٰه- عليه السلام- في المريض المغلوب و المغمى عليه، يرمى عنه و يطاف عنه. «1» و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- ع- انه قال: المبطون و الكسير يطاف عنهما و يرمى عنهما. «2» و صحيحة حبيب بن الخثعمي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: أمر رسول اللّٰه- ص- ان يطاف عن المبطون و الكسير. «3» بتقريب عمومها و شمولها للطواف المستحب أيضا، أو بدعوى: انه لا خصوصية للطواف الواجب في مسألة النيابة، بل تجري في الطواف المستحب أيضا.

و لكن يدفع الأوّل: ظهور الروايات في الطواف الواجب، لأجل عطف الرمي على الطواف في بعضها، و دلالة الجميع على لزوم الطواف عنهم، و وجوبه امّا بالهيئة أو بمادة الأمر، كما في الرواية الأخيرة. و عليه، لا مجال للإشكال في كون المراد منها هو الطواف الواجب.

و يدفع الثاني: منع دعوى عدم الخصوصية بعد كون الطواف الواجب لا بد من وقوعه و تحققه في الخارج، فإذا صار المكلف معذورا بالأعذار المذكورة ينتقل إلى النيابة، التي مرجعها الى تحققه من النائب و إضافته إلى المنوب عنه، بمقتضى النيابة، و امّا الطواف المستحب الذي لا يلزم ان يتحقق في الخارج، فمن الممكن

______________________________

(1) وسائل أبواب الطواف الباب التاسع و الأربعون ح- 1.

(2) وسائل أبواب الطواف الباب التاسع و الأربعون ح- 3.

(3) وسائل أبواب الطواف الباب التاسع و الأربعون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 185

..........

______________________________

عدم مشروعية النيابة فيه حتى عن المعذور.

و بالجملة: جريان النيابة في الطواف الواجب لا يستلزم جريانها في الطواف المستحب بوجه. و على ما ذكرنا لم ينهض دليل على مشروعية النيابة في الطواف المستحب للحاضر بمكة، و لو

كان معذورا بهذه الاعذار، فضلا عن غيرها، كما لا يخفى.

ثم ان المعيار و الملاك في الحضور و الغيبة هو حكم العرف، و لعله يختلف باختلاف الأزمنة، و لا يبعد ان يكون في مثل زماننا- مع وجود الوسائل النقلية المتنوعة و إمكان طي الطريق بين مكة و المدينة بأقلّ من خمس ساعات مع السيارة، و بأقل من ساعة مع الطائرة- يكون الحضور في المدينة حضورا في مكة أيضا، و كيف كان، فالحاكم هو العرف، و لا عبرة بما في مرسل عبد الرحمن بن أبي نجران، عمّن حدثه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: قلت له: الرجل يطوف عن الرجل و هما مقيمان بمكة. قال: لا، و لكن يطوف عن الرجل و هو غائب عن مكة، قال: قلت: و كم مقدار الغيبة؟ قال: عشرة أميال. «1» لأن إرسالها مانع عن حجيتها، فالمعيار ما ذكرنا.

المقام الثاني: في النيابة في الطواف الواجب، و لا خلاف و لا اشكال نصّا و فتوى في جريان النيابة في الطواف الواجب، في الاعذار الأربعة المتقدمة المذكورة في النصوص، انّما الاشكال و الخلاف في الحيض:

قال في المسالك: «و يدخل في عموم العبارة- يعني قول المحقق في الشرائع:

______________________________

(1) وسائل أبواب الطواف الباب الثامن عشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 186

..........

______________________________

و لا تجوز النيابة في الطواف الواجب للحاضر الّا مع العذر، الحائض لأن عذرها مانع شرعي من دخول المسجد، و انما يتصور لحوقها مع ضيق الوقت بالحج بالنسبة إلى طواف العمرة، أو خروج القافلة بالنسبة إلى طواف الحج، و في جواز استنابتها حينئذ، نظر لانتفاء النص الدال على ذلك، بل قد حكم الأكثر بعدولها الى حج الافراد عند

ضيق الوقت عن الطواف و إتمام عمرة التمتع، و رواه جميل بن دراج في الصحيح، و هو يقتضي عدم جواز النيابة، و لو قيل بجواز الاستنابة مع الضرورة الشديدة اللازمة بانقطاعها عن أهلها في البلاد البعيدة، كان قويّا ..»

و قال في المدارك، بعد ان حكى عن جدّه ما ذكر: «و هو غير بعيد. و يقوى الجواز في طواف النساء، بل مقتضى صحيحة أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز، جواز تركه و الحال هذه ..».

و في كشف اللثام: «من أصحاب الأعذار أو الغيبة: الحائض إذا ضاق الوقت، أو لم يمكنها المقام حتى تطهر ..» و في الدروس: «في استنابة الحائض عندي تردد ..»

و في الجواهر، في توضيح كلام الدروس: «لعلّه من ذلك، و من عدم قابليّتها لوقوع الطواف، الذي هو كالصلاة منها، فكذا نائبها، و من بطلان متعتها، و عدولها الى حج الافراد لو قدمت إلى مكة حائضا و قد تضيق وقت الوقوف، إذ لو كانت النيابة مشروعة لصحّت متعتها ..»

أقول: الكلام في معذورية الحيض يقع في فروض ثلاثة: الحيض مع تضيق الوقت عن إتمام عمرة التمتع و الإحرام بالحج و إدراك الوقوفين، و الحيض مع تضيق الوقت عن البقاء حتى تطهر و تطوف طواف الحج، و الحيض مع تضيق الوقت عن طواف النساء، لأجل خروج القافلة في الأخيرين.

أمّا الصورة الأولى: فقد وردت فيها رواية صحيحة، و افتى الأكثر على طبقها،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 187

..........

______________________________

و هي رواية جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن المرأة الحائض إذا قدمت إلى مكّة يوم التروية. قال: تمضي كما هي الى عرفات، فتجعلها حجة، ثم تقيم حتى

تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة. قال ابن أبي عمير- الرّاوي عن جميل-: كما صنعت عائشة. «1»

و مقتضى الرواية، و ان كان عدم جريان النيابة في هذا الفرض و انتقال الفرض الى حجّ الإفراد، الذي تكون عمرته واقعة بعد الحج، الّا انه لا محيص عن الأخذ بها، لكونها رواية صحيحة و قد عمل بها الأكثر، و لكن لا دلالة لها على عدم جريان النيابة في جميع الفروض الثلاثة، كما يستفاد من الجواهر في توضيح كلام الدروس، على ما عرفت أنفا، لعدم الملازمة مع وضوح الفرق، لانه مع عدم الجريان في الأخيرين يلزم اما فقدان الحج للطواف مطلقا أو خصوص طواف النساء، و امّا المشقة الشديدة غير القابلة للتحمل بانقطاعها عن أهلها، كما لا يخفى.

فالرواية دالة على حكم موردها فقط، و عدم جريان النيابة فيه.

و امّا الصورة الأخيرة: فقد وردت فيها أيضا رواية صحيحة، و هي رواية أبي أيوب الخزاز، قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه- ع- فدخل عليه رجل ليلا فقال له:

أصلحك اللّٰه، امرأة معنا حاضت و لم تطف طواف النساء. فقال: لقد سألت عن المسألة اليوم. فقال: أصلحك اللّٰه انا زوجها، و قد أحببت أن أسمع ذلك منك، فأطرق كأنه يناجي نفسه و هو يقول: لا يقيم عليها جمّالها، و لا تستطيع ان تتخلف عن أصحابها، تمضي و قد تم حجّها. «2»

و تقدم استدلال صاحب المدارك بها، لكنها أجاب عنه صاحب الجواهر بما

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الواحد و العشرون ح- 2.

(2) وسائل أبواب الطواف الباب التاسع و الخمسون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 188

..........

______________________________

لفظه: «قلت: و هو كذلك، الّا انه بقرينة عدم القائل

به يجب حمله على الاستنابة، و لعلّه لا بأس به إذا فعلت ذلك بعد غيبتها و طهارتها، لا انه يطاف عنها مع حضورها، حال حيضها، بل جعل المدار على ذلك في صحة الاستنابة عنها في الطواف متّجه».

أقول: الظاهر انه على تقدير عدم القائل بالرواية و اعراض الأصحاب عنها، يكون اللازم طرحها، لكون الاعراض قادحا في الاعتبار، و لو كانت الرواية في أعلى درجة الصحّة. و عليه، فتصير هذه الصورة كالصورة الثانية الآتية، مما لم يرد فيه نص خاص، و اللازم استفادة حكم الصورتين من طريق أخر.

ثم انه لو بنينا على الأخذ بالرّواية، غاية الأمر، توجيهها بعدم كون المراد منها سقوط طواف النساء، و عدم وجوبه عليها في تلك الحال، كما يؤيّده التمهيد الذي وقع في مناجاة الإمام مع نفسه، و انه لا يقيم عليها جمالها من ناحية، و لا تستطيع ان تتخلف عن أصحابها من ناحية أخرى، فإن مقتضى هذا التمهيد، الذي مرجعه الى ثبوت المشقة و الحرج، الرافع للحكم، عدم سقوط الطواف بالمرة، بل رفع لزوم قيد المباشرة المعتبر في حال عدم العذر، فإنه موجب للحرج لا أصل الطواف، بالأعم من المباشرة و التسبيب، و كيف كان، فعلى تقدير التوجيه تحمل الرواية على الاستنابة من دون تقييد بالطهارة و الغيبة، لأن الوجه في التقييد بالطهارة ما أفاده في كلامه المتقدم، من عدم: قابلية الحائض لوقوع الطواف نيابة عنها، لعدم صحتها من نفسها، مع ان اعتبار ذلك في النيابة ممنوع، فإنه لا يعتبر فيها الّا مجرد صحة وقوع العمل من النائب، و امّا صحّة وقوعه من المنوب عنه في حال النيابة، فلم يدل دليل على اعتبارها، و الّا يلزم عدم صحة النيابة من المغمى عليه،

الذي هو أحد الأعذار الأربعة المذكورة في الرواية، لأن المغمى عليه بوصف كونه كذلك لا يمكن ان تتحقق منه العبادة الصحيحة، و اولى منه النيابة عن الميت،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 189

..........

______________________________

التي هي منصوص عليها في الروايات الكثيرة في الصلاة و الصوم و الحج و غيرها، فإذا كانت النيابة عن الميت صحيحة، فكيف لا تصح النيابة عن الحائض؟! و امّا الوجه في التقييد بالغيبة: ورود بعض الروايات في اعتبارها، مع ان مورده الطواف الاستحبابي، و الكلام في الطواف الواجب، مضافا الى ان الحضور مع ثبوت العلة و العذر لا يمنع من الاستنابة بوجه.

و امّا ما ذكره في الذيل مما يرجع الى التعميم لطواف الحج أيضا، بمعنى انه تصح استنابة الحائض فيه مع القيدين، فيرد عليه، مضافا الى ما ذكر في طواف النساء: انه حيث يكون هنا التكليف بالسعي بين الطوافين، فما ذا تفعل الحائض به مع الاستنابة المذكورة، لأنه لا يجوز تركه رأسا و لا يجوز تقديمه على طواف الحج، و لا مجال للاستنابة فيه، أيضا بعد عدم شرطية الطهارة فيه فالإنصاف: ان ما افاده صاحب الجواهر في هذا المقام، مما لا يمكن الأخذ به بوجه.

و امّا الصورة الثانية: فقد عرفت ورود الروايات في الاعذار الأربعة، و الظاهر ان المتفاهم منها- خصوصا مع الالتفات الى تعددها، و عدم وجود قادر جامع بينها الّا الاشتراك في ثبوت العذر و تحققه- عدم الاختصاص بهذه الاعذار، و ثبوت الحكم في الحيض أيضا، و يؤيّده الرواية الواردة في الصورة الأخيرة، على تقدير حملها على الاستنابة، فان الحرج المتحقق في موردها متحقق في هذه الصورة أيضا.

و عليه، فمقتضى الروايات بإلغاء الخصوصية أو بالاشتراك في

العلة، ثبوت الاستنابة في هذه الصورة. و لعله يأتي تتميم البحث في باب الطواف ان شاء اللّٰه تعالى.

الجهة الثالثة: في أن سائر أفعال الحج، كالوقوفين و رمي الجمار و المبيت بمنى و حلق الرأس، لم يقم دليل على استحبابها مستقلة، مع قطع النظر عن الحجّ، بل يمكن دعوى: انه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 190

..........

______________________________

لا ريب في العدم. نعم، وقع الإشكال في خصوص السّعي، و انه هل يكون مستحبا مستقلا كالطواف أو يكون كسائر أعمال الحجّ؟

و قد استدل في «المستمسك» على استحبابه ببعض الرّوايات، مثل ما رواه في الوسائل عن احمد بن محمد بن خالد البرقي في المحاسن، عن ابن محبوب عن عليّ بن رئاب عن محمد بن قيس عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: قال رسول اللّٰه- ص- لرجل من الأنصار: إذا سعيت بين الصفا و المروة كان لك عند اللّٰه أجر من حجّ ماشيا من بلاده، و مثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة. «1»

و ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن أسلم عن يونس عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه- ع- يقول: ما من بقعة أحبّ الى اللّٰه من المسعى، لانه يذلّ فيها كل جبّار. «2»

و الظاهر عدم تمامية الاستدلال بشي ء من الروايتين:

امّا الاولى: فلان قول رسول اللّٰه- ص- لرجل من الأنصار، على ما حكاه أبو جعفر- ع- لو كان مقصورا على ما ذكر، من غير ان يكون له صدر و ذيل، لكان استفادة الاستحباب منه بمكان من الإمكان، و لكن الظاهر انه جزء من الرواية المفصلة، التي وردت في ثواب اعمال الحج و مناسكه، و قد

قطعها صاحب الوسائل، و نقل هذا الجزء الوارد في السعي في بابه- كما هو دأبه في موارد كثيرة- مع ان قرينية الصدر أو الذيل تبطل بالتقطيع، و هذه احدى النقائص الموجودة في كتاب الوسائل، التي دعت سيدنا المحقق الأستاذ البروجردي «قدس سره الشريف» الى تشكيل لجنة لجمع أحاديث الشيعة، خاليا عن نقائص الوسائل،

______________________________

(1) وسائل أبواب السعي باب وجوبه ح- 15.

(2) وسائل أبواب السعي باب وجوبه ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 191

..........

______________________________

سمّاه ب «جامع أحاديث الشيعة» و قد خرج من اجزائه و مجلداته المطبوعة ما يقرب من عشرين جزء. و كيف كان، فقد روى بنفسه في موضع أخر عن الصدوق و الشيخ و المحاسن بأسانيدهم، عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن محمد بن قيس، قال: سمعت أبا جعفر- ع- يحدث الناس بمكة، فقال: ان رجلا من الأنصار جاء إلى النبي- ص- يسأله، فقال له رسول اللّٰه- ص-: ان شئت فاسأل، و ان شئت أخبرك عمّا جئت تسألني عنه، فقال: أخبرني يا رسول اللّٰه، فقال: جئت تسألني مالك في حجتك و عمرتك؟ و انّ لك إذا توجّهت الى سبيل الحجّ ثم ركبت راحلتك ثم قلت: بسم اللّٰه و الحمد اللّٰه ثم مضت راحلتك، لم تضع خفّا و لم ترفع خفا الّا كتب اللّٰه لك حسنة و محي عنك سيئة، فإذا أحرمت و لبيت كان لك بكلّ تلبية لبّيتها عشر حسنات، و محي عنك عشر سيّئات، فإذا طفت بالبيت الحرام أسبوعا كان لك بذلك عند اللّٰه عهد و ذخر يستحي أن يعذبك بعده أبدا، فإذا صليت الركعتين خلف (عنده) المقام كان لك بهما ألفا حجة متقبلة، فإذا سعيت

بين الصفا و المروة سبعة أشواط كان لك مثل أجر من حجّ ماشيا من بلاده، و مثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة .. إلخ «1».

و من الواضح: دلالة الرواية على ترتب الثواب على السّعي في ضمن الحجّ أو العمرة لا السعي مطلقا، و الا يلزم الالتزام بترتب الثواب على سائر الأعمال، حتى مثل حلق الرّأس.

و امّا الثانية: فلأن محبوبية المسعى و شدّتها بنحو لا تكون بقعة أحبّ منه، لا تستلزم استحباب السعي مطلقا، خصوصا مع التعليل المذكور فيها، و هي مذلة كل جبّار.

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 192

[مسألة 15 لو كان عند شخص وديعة و مات صاحبها و كان عليه حجة الإسلام]

مسألة 15- لو كان عند شخص وديعة و مات صاحبها و كان عليه حجة الإسلام، و علم أو ظنّ ان الورثة لا يؤدّون عنه ان ردّها إليهم، وجب عليه ان يحج بها عنه، و ان زادت عن اجرة الحجّ ردّ الزيادة إليهم، و الأحوط الاستيذان من الحاكم مع الإمكان، و الظاهر عدم الاختصاص بما إذا لم يكن للورثة شي ء، و كذا عدم الاختصاص بحج الودعي بنفسه، و في إلحاق غير حجة الإسلام بها من أقسام الحج الواجب أو سائر الواجبات، مثل الزكاة و نحوها اشكال، و كذا في إلحاق غر الوديعة، كالعين المستأجرة و العارية و نحوها، فالأحوط إرجاع الأمر إلى الحاكم و عدم استبداده به، و كذا الحال لو كان الوارث منكرا أو ممتنعا، و أمكن إثباته عند الحاكم أو أمكن إجباره، فيرجع في الجميع الى الحاكم، و لا يستبدّ به. (1)

______________________________

و قد ظهر انه لم ينهض دليل على استحباب السعي، و لا يظهر ذلك من الروايات، و بذلك يظهر الإشكال

في المتن من جهة دلالته على ظهور بعض الروايات فيه، مع انه يرد عليه إشكال أخر، و هو: انه مع الظهور المذكور، كيف لا يحكم بالاستحباب؟ الّا ان يقال بعدم القائل به، فتأمل.

(1) لا اشكال و لا خلاف في أصل المسألة و الحكم فيها، بنحو الإجمال، و الأصل فيها ورود الرواية فيها، و لأجله كان موردا لتعرض الأصحاب- رضوان اللّٰه تعالى عليهم- قديما و حديثا في كتبهم الفقهية لها، أعم من الكتب التفريعية و الكتب المعدّة لنقل مفاد الروايات بعين الألفاظ الصادرة عنهم- عليهم السلام- كنهاية الشيخ- قده.

و الرواية هي صحيحة بريد العجلي، التي رواها المشايخ الثلاثة بالأسانيد الصحيحة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: سألته عن رجل استودعني مالا و هلك و ليس لولده شي ء، و لم يحج حجة الإسلام. قال: حجّ عنه و ما فضل فأعطهم. «1» و في رواية الشيخ بدل «ما فضل»: ان فضل منه شي ء. و لو فرض

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة الباب الثالث عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 193

..........

______________________________

ضعف في الرواية، يكون استناد المشهور إليها و الفتوى على طبقها، مع كونها مخالفة للقاعدة، لعدم كون من عنده الوديعة وصيا للميت و لا وارثا له، بل أجنبي عنه، و لا يناسبه الحكم بجواز صرف الوديعة في الحج، بل بوجوبه- كما سيأتي البحث عنه ان شاء اللّٰه تعالى-، جابرة لضعفها، و كيف كان، فلا إشكال في أصل الحكم نصا و فتوى، و بعد ذلك يقع الكلام في جهات:

الجهة الاولى: ان صريح المتن: وجوب صرف الوديعة في الحج، فهي وظيفة شرعية و حكم لزومي على الودعيّ. و لكنه في العروة عبّر أوّلا بالجواز

ثم اتى بكلمة «بل» للترقي و حكم بالوجوب، و منشأ الترديد: أن هيئة افعل، و ان كانت ظاهرة في الوجوب، الّا ان وقوعها عقيب الحظر أو في مقام توهمه ربما يمنع عن الظهور المذكور، و المقام من قبيل الثاني، لكن الظاهر خصوصا بلحاظ وحدة السياق مع قوله- ع-: و ما فضل فأعطهم، حيث ان ظهوره في الوجوب لا مجال للترديد فيه، ان المراد منه هو الوجوب أيضا، كما في المسالك و غيرها.

الجهة الثانية: ان الرواية و ان كانت مطلقة، الّا ان الأصحاب قيدوها بما إذا علم أو ظنّ بعدم تأديتهم لو دفع الوديعة إليهم. و لا اشكال فيه عندهم، و لم يحك فيه شبهة و لا اشكال، و ان اقتصر في محكي الشرائع و القواعد و اللمعة و الإرشاد و غيرها، على خصوص صورة العلم، و عن النهاية و المبسوط و المهذّب و السرائر: إلحاق الظن الغالب به.

و القدر المتيقن من مورد الرواية، صورة العلم بعدم التأدية على تقدير الدفع،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 194

..........

______________________________

و يلحق به الظن المتاخم للعلم، الذي يعبّر عنه بالاطمينان، لأنه حجة عقلائية، و لا يبعد ان يكون المراد من الظن الغالب هو الاطمئنان لا مطلق الظن، كما في ظاهر المتن و العروة، كما ان الظاهر خروج صورة العلم بالتأدية أو الاطمئنان بها، عن الرواية، للانصراف الناشئ عن ملاحظة مناسبة الحكم و الموضوع، فان ترجيح الأجنبي على الوارث، خصوصا مع كونه ولدا، ليس الّا للاهتمام بأمر الحج و فريضته، و بخروج الميت عن دين اللّٰه و الاشتغال به، و مع العلم بالتادية من الوارث، و كذا الاطمئنان، لا مجال للإيجاب على الأجنبي بوجه، و يؤيّده

تقييد مورد السؤال بما لم يكن لولده شي ء، فان الظاهر منه- كما سيأتي- ان المراد هو وجود احتمال عدم الصرف في الحج، لأجل الفقر الموجود فيهم فلا يشمل صورة العلم بالصرف فيه. انما الإشكال في الصور الأخرى، و لا بد للوصول الى حكمها من ملاحظة الدليل على التقييد و منشأه، و يحتمل فيه أمران:

أحدهما: انه حيث يكون الحكم في الرواية على خلاف القاعدة- كما عرفت- فلا بد من الاقتصار فيه على القدر المتيقن، و الرجوع في غيره الى مقتضى القاعدة.

و عليه، فالحكم في هذه الصور هي التأدية التي الوارث.

و يدفعه: ان الرواية حيث تكون دليلا لفظيا، تكون حجة بمقدار ظهورها اللفظي، و مقتضى إطلاق السؤال و ترك الاستفصال الشمول، خصوصا مع ان قوله في السؤال: ليس لولده شي ء. مع ان ظاهره انه لا مدخل له فيه، لا بد و ان يكون المراد منه ان حاجة الوارث، تورث احتمال عدم التأدية و صرف الوديعة في حوائجهم و رفع فقرهم، و لا توجب الحاجة العلم أو الاطمئنان بالعدم و عليه، فلا مجال لرفع اليد عن الإطلاق و التقييد المذكور نعم، قد عرفت خروج صورة العلم بالتأدية أو الاطمئنان بها عنه، للانصراف المؤيّد بهذا القول في السؤال، كما مرّ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 195

..........

______________________________

ثانيهما: الإجماع على التقييد المذكور و جعله في «المستمسك» هو الأظهر في المنشئية للتقييد، و لكن لم يقع التصريح به أو بمثله في الكلمات، بل نسب في مثل العروة إلى الأصحاب، و هو ليس بظاهر في الإجماع، و لذا لم يعتن به جماعة من المتأخرين، بل أفتوا بمقتضى إطلاق الرواية، مع انّك عرفت اختلاف كلماتهم في التقييد- سعة و

ضيقا- فلا بد من الأخذ بالقدر المتيقن من معقده، و الظاهر انه هو الأخذ بالسعة، لضيق دائرة الخروج عن مقتضى الإطلاق، بخلاف الأخذ بالضيق، و هو العلم فقط، لانه تصير دائرة الخروج موسعة، كما لا يخفى.

و كيف كان، فان ثبت إجماع فالحكم كما ذكر، و الّا فمجرد الشهرة الفتوائية لا تكون حجة صالحة للنهوض في مقابل الإطلاق، كما قرّر في محلّه.

الجهة الثالثة: هل يشترط في جواز تصرف الودعي الاستيذان من الحاكم؟ احتاطه في المتن وجوبا في صورة الإمكان، التي يكون المراد منها وجود الحاكم و التمكن من الرجوع اليه، و إمكان إثبات الحق، و هي استقرار حجة الإسلام على المستودع عنده. و عن التذكرة، الفتوى بوجوب الاستيذان منه. و عن الروضة: «و هل يتوقف تصرفهم على اذن الحاكم؟ الأقوى ذلك، مع القدرة على إثبات الحقّ عنده، لأن ولاية إخراج ذلك قهرا على الوارث اليه، و لو لم يمكن، فالعدم أقوى، حذرا من تعطيل الحق، الذي يعلم من بيده المال ثبوته و إطلاق النص اذن له ..» و حكي في اللمعة قولا بالافتقار إلى اذن الحاكم مطلقا، حتى مع عدم إمكانه. و عليه، و لو لم يمكن، يبقى الحق معطّلا، و في اللمعة: انه بعيد. هذا: و مقتضى إطلاق الصحيحة عدم الحاجة الى الاستيدان، و لكن في المدارك: «ان الرواية إنما تضمنت أمر الصادق- ع- لبريد في الحج عمن له الوديعة، و هو اذن و زيادة ..» و في الجواهر:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 196

..........

______________________________

احتمال ان الأمر لبريد اذن له فيه، فلا إطلاق فيه حينئذ يدل على خلافها.

أقول: لا مجال لاستفادة الاذن من الرواية، بل الظاهر انّها في مقام بيان

الحكم الشرعي، و هو وجوب الصرف في الحج على الودعي، لأنه مضافا الى ان كلام الامام- ع- انّما وقع جوابا عن سؤال بريد، و من المعلوم: ان السؤال و الاستفهام عن الحكم الشرعي يغاير الاستيذان المتفرع على وضوح الحكم عند المستأذن، و تعلق غرضه بالاستيذان، كما هو ظاهر. يكون قوله: حج عنه، باعتبار ظهوره في الوجوب و هو لا يجتمع مع الاذن، بيانا لنفس الحكم الشرعي، و الجمع بين الأمرين. لو لم يكن مستحيلا، خصوصا باعتبار كونهما مترتبين غير واقعين في عرض واحد، لا يكون متفاهما لدى العرف قطعا، و يؤيد ما ذكر: انه لا إشكال في كون الأمر بالإعطاء، في قوله: و ما فضل فأعطهم، ليس الّا لبيان الحكم الشرعي، لأنه لا يجري فيه احتمال اشتراط الاستيذان، و الظاهر وحدة السّياق، فالإنصاف: انه لم ينهض دليل لاعتباره، و لا وجه لجعله مقتضى الاحتياط اللزومي، نعم، الاحتياط حسن، على كل حال.

الجهة الرابعة: هل يختص الحكم، و هو وجوب الحج عن المستودع على الودعي، بما إذا لم يكن للوارث شي ء، أم لا؟ استظهر في المتن، الثاني. و منشأ احتمال الاختصاص اشتمال السؤال على قوله: و ليس لولده شي ء. و قد نقله صاحب الجواهر هكذا، و ليس لولده علم بشي ء. لكنه بهذه الصورة لم توجد في شي ء من منابع الحديث و الجوامع الرّوائية، و المراد على هذا التقدير: انه لم يكن لولده علم بثبوت وديعة للميت عند الودعيّ، و بثبوت حجة الإسلام عليه. و من المعلوم: انه على هذا التقدير لا اختصاص للحكم بصورة جهل الوارث، بل يعمّ صورة العلم،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 197

..........

______________________________

و لو بكلا الأمرين.

و امّا على النقل

الأوّل: فالظاهر ان المراد عدم ثبوت شي ء من المال للورّاث و تحقق الفقر لهم ذاتا، لا عدم وجود تركة زائدة على الوديعة، بحيث كانت التركة منحصرة بها. و الوجه في التعرض له في السؤال: امّا ما أشرنا إليه أنفا من كون الفقر موجبا لاحتمال صرفهم الوديعة- على تقدير الرّد إليهم- في حوائجهم الشخصية، و رفع فقرهم و حاجتهم، و امّا احتمال كون الفقر موجبا لرفع الشارع التكليف بحجة الإسلام، و حكمه بجواز صرف الوديعة إلى الورّاث للصرف في أنفسهم، و هذا الاحتمال بعيد، خصوصا من مثل بريد، الذي هو من أجلّاء الرّواة و أعيانهم.

و كيف كان، فالظاهر انه لا خصوصية لهذه الجهة في الحكم، و ان كان أصله على خلاف القاعدة، بل الملاك على ما هو المتفاهم منه عند العرف، هو العلم أو الظن على ما هو مقتضى التقييد بالإجمال أو أعم منهما، و من مجرد احتمال عدم صرف الوديعة في الحج، على تقدير الرّد إليهم، كمّا هو مقتضى الإطلاق، و لا مدخل للفقر في ذلك، بل ربما يكون الغني اولى بعدم الصرف، لأجل عدم مبالاته بالتكليف الشرعي و الوظيفة الإلهية. فالإنصاف: عدم خصوصية لهذا القيد أصلا.

الجهة الخامسة: ان الظاهر ان مقتضى الرواية ثبوت وظيفة على الودعيّ، و هي صرف الوديعة في الحج- بمعنى إيجاد الحج عن الميت- سواء كان بالمباشرة أو بالاستنابة، و لا مجال لاحتمال الاختصاص بالأوّل، و ان كان هو المخاطب بقوله- ع- حجّ عنه. لعدم استفادة العرف الاختصاص بوجه، و عدم كون تكليفه أضيق من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 198

..........

______________________________

الوارث، الذي كان بصدد الحج عن المورث، حيث انه ليست وظيفته المباشرة، بل يجوز له

الاستنابة، كما تقدّم.

الجهة السادسة: هل للوديعة خصوصية أم لا، بل الملاك هو وجود مال الميت عند الأجنبي، سواء كان بنحو الوديعة أو العارية أو الدين أو الإجارة، بعد تمامية وقتها أو قبلها بالبيع مسلوب المنفعة في مدة الإجارة أو الغصب و ما شابهها؟ استشكل في المتن في التعميم، و لكن الظاهر عدم تمامية الإشكال، لأنه لا يرى العرف خصوصية للوديعة، بل ربما يكون ثبوت الحكم في مثل العارية بطريق اولى، لانتفاع المستعير بها أيضا، بخلاف الودعي، الذي لا يجوز له الانتفاع بالوديعة أصلا، و مجرد كون الحكم على خلاف القاعدة لا يقتضي الاقتصار على جميع الخصوصيات المذكورة في السؤال، و لو لم ير العرف لها خصوصية و لم يمكن لها دخل بنظرهم في الحكم، فالظاهر ان هذه الخصوصية المستفادة من قوله: استودعني، لا يكون لها مدخلية، بل الملاك، ما عرفت من وجود المال عند الأجنبي بأية كيفيّة وقعت في يده، أو اشتغلت ذمته به.

الجهة السابعة: هل الحكم يختص بما إذا كان على الميت حجة الإسلام أو يعم غيرها، سواء كان من أقسام الحج، كالحج الواجب بمثل النذر و الحج النيابي، الثابت على عهدة الميت، مع عدم اعتبار قيد المباشرة فيه، أم كان من الواجبات المالية، كالزكاة و الخمس و نحوهما، كالدّين؟ فيه وجهان، بل قولان: حكى القول الأوّل في المستند عن جماعة، كما حكى الثاني عن آخرين، و حكاه في كشف اللثام عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 199

..........

______________________________

الدروس، و استدل للثاني بأمور:

الأوّل: إلغاء الخصوصية من حجة الإسلام المذكورة في السؤال، و حملها على ان ذكرها من باب المثال، كالغاء الخصوصية من الوديعة و من عدم ثبوت شي ء من

المال للوارث، و قد استدل به السيّد- قده- في العروة.

و يرد عليه: انه لا مجال لإلغاء هذه الخصوصية بعد كون حجة الإسلام لها موقعية خاصة و شأن مخصوص في الشريعة، حتى يقال لتاركه عند الموت: مت يهوديّا أو نصرانيّا. و عبّر عن تركه بالكفر في الآية الشريفة، بناء على كون المراد منها الكفر بمجرد الترك. فإن إطلاق الكفر عليه، و ان لم يكن بنحو الحقيقة، بل بنحو المجاز و المسامحة، الّا ان الإطلاق كذلك يكشف عن الأهميّة و الشأن الخاص. و عليه، فلا مجال لدعوى إلغاء الخصوصية من هذه الجهة، و يكفي مجرد الشك و عدم الإحراز في ذلك، كما هو ظاهر.

الثاني: تنقيح المناط، كما استدل به السيد- قده- في العروة أيضا، تبعا لصاحبي المسالك و المدارك.

و يرد عليه: ان تشخيص المناط القطعي، ممّا لا سبيل اليه، و المناط الظني، ليس بحجة حتى ينقّح.

الثالث: ما حكاه في العروة عن المستند، و حكم بفساده جدّا، و هو ان وفاء ما على الميت من الدين أو نحوه واجب كفائي على كل من قدر على ذلك، و أولوية الورثة بالتركة انّما هي ما دامت موجودة، و امّا إذا بادر أحد إلى صرف المال، فيما عليه لا يبقى مال، حتى تكون الورثة أولى به.

هذا، و لكن المذكور في المستند لا يكون مذيّلا بالذيل المذكور في العروة، قال فيه: «مقتضى الأخبار المتواترة معنى، المصرحة بوجوب قضاء الحج عن الميت من أصل ماله من غير خطاب الى شخص معين، وجوبه على كل مكلف، و هو يجعل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 200

..........

______________________________

الوجوب الكفائي للمستودع أصلا ثانيا، فالتوقف على الاذن يحتاج الى دليل ..».

و يدفعه: ان

تلك الاخبار انما وردت في مقام أصل التشريع، فلا ينافي ولاية الوارث، و الا يلزم جواز حج الأجنبي و أخذ العوض قهرا من الوارث، مع انه ورد في باب الدين روايات ظاهرة في كون التكليف متوجها الى الوارث، و لا مجال لمداخلة الحاكم الشرعي فيه أصلا فضلا عن غيره.

الرّابع: ما استدل به السيد- قده- في العروة أيضا في خصوص صورة العلم أو الظن القوى بعدم صرف الورثة، على تقدير الدفع إليهم، من انّ المال إذا كان بحكم مال الميت فيجب صرفه عليه، و لا يجوز دفعه الى من لا يصرفه عليه، بل و كذا على القول بالانتقال إلى الورثة، حيث انه يجب صرفه في دينه، فمن باب الحسبة يجب على من عنده صرفه عليه، و يضمن لو دفعه الى الوارث لتفويته على الميت.

نعم، يجب الاستيذان من الحاكم، لأنه وليّ من لا وليّ له، و يكفي الإذن الإجمالي، فلا يحتاج إلى إثبات وجوب ذلك الواجب عليه، كما قد يتخيل. نعم، لو لم يعلم و لم يظن عدم تأدية الوارث، يجب الدفع اليه، بل لو كان الوارث منكرا أو ممتنعا، و أمكن إثبات ذلك عند الحاكم، أو أمكن إجباره عليه، لم يجز لمن عنده ان يصرفه بنفسه.

أقول: لو قلنا بالقول الأوّل، و انه في صورة ثبوت مثل الدين على الميّت لا ينتقل من التركة بمقدار الدين الى الوارث، بل يبقى على ملك الميت، و اللازم صرفه فيه و رفع اشتغال ذمته به، ففيه صور ثلاثة:

الأولى: ما إذا كانت التركة منحصرة في الوديعة، و لم يكن للميت شي ء سواها، و كان الدين مستغرقا لها، سواء كان بمقدارها أو كان الدين زائدا عليها.

و في هذه الصورة لا تكون الوديعة

ملكا الّا للميت، و ليس للورثة منها شي ء بعنوان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 201

..........

______________________________

الملكية و الإرث فمع علم الودعي أو اطمينانه بأنه على تقدير دفع الوديعة إلى الوارث، لا يصرفه في دين الميت، يحتمل بدوا ان يقال بلزوم صرف الودعي ما عنده في الدين من غير لزوم المراجعة إلى الوارث و لا الى الحاكم، و يحتمل ان يقال بلزوم المراجعة إلى الوارث و الاستئذان منه، و يحتمل ان يقال بلزوم المراجعة إلى الحاكم و اعمال نظره.

لا مجال للاحتمال الأوّل بعد عدم جواز إلغاء الخصوصية من الصحيحة المتقدمة، الواردة في حجة الإسلام، بناء على إطلاقها و عدم لزوم الاستئذان في موردها، كما عرفت.

و الاحتمال الثاني يبتنى على ثبوت الولاية للوارث في مثل هذه الموارد، مع انه لم يقم دليل عليه، فان مورد النصوص و القدر المتيقن من الإجماع الوارد في هذه الجهة: شئون تجهيز الميت، مثل تغسيله و تكفينه و الصلاة عليه و دفنه و نحوها، و الزائد عليها، فاقد للدّليل.

فيبقى الاحتمال الثالث، و هو لزوم المراجعة إلى الحاكم، الذي هو ولي من لا ولي عنه، على ما نسبت روايته عن النبي «ص» الى الخاصة و العامة.

الثانية: عدم كون التركة منحصرة بالوديعة، و لكن لم يكن ما عند الوارث بمقدار الدين، كما إذا كان الدين الف دينار و كانت الوديعة أيضا بهذا المقدار، و كان عند الورثة نصف مقدار الدّين. و الظاهر ان الحكم فيها هو الحكم في الصورة الأولى.

الثالثة: عدم الانحصار، و كون ما عند الوارث بمقدار الدين، كما إذا كان في المثال الف دينار عند الوارث أيضا. و قد تقرر: انه بناء على عدم انتقال مقدار الدين

الى الوارث، يكون ملك الميت ثابتا في التركة بنحو الكلي في المعين لا بنحو الشركة، التي مقتضاها في صورة تلف بعض التركة بالتلف القهري، نقصان ملك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 202

..........

______________________________

الميت أيضا، ضرورة انه لو كان مجموع الألفين عند الوارث و تلف النصف عند لكان اللازم عليه صرف البقيّة في الدين، و لا يتوجه نقص بالإضافة إلى ملك الميت، الذي لا بد من صرفه في الدين، و هو لازم الكلي في المعين، كبيع الصاع من الصبرة.

و كيف كان، فهل الحكم في هذه الصورة لزوم المراجعة إلى الوارث أو الى الحاكم، كما في الصورتين الأولتين؟ الظاهر هو الأوّل، كما في سائر موارد الكلي في المعين، المشابهة للمقام، فإذا سرق نصف الصبرة التي باع مالكها صاعا منها، بنحو الكلي المذكور، و لم يسلّمه إلى المشتري، ثم أراد السّارق ان يردّه الى صاحبه، لأجل الندامة عن السرقة و التوبة عنها، فإذا علم بأنه على تقدير الرّد لا يسلم صاحبها مال المشتري اليه، و يبقى الصاع بحاله من دون تسليم، فهل وظيفته في هذه الصورة تسليم صاع المشتري إليه أم اللازم تسليم جميع ما سرقة الى صاحب الصبرة؟ الظاهر هو الثاني، و المقام من هذا القبيل، فالحكم في هذه الصورة المراجعة إلى الوارث و الرد اليه، و لو مع العلم بعدم الصرف في الدين و عدم التأدية من غيره و لا وجه للرجوع الى الحاكم أصلا، هذا كله على تقدير القول بعدم الانتقال بمقدار الدين.

و امّا على تقدير القول بالانتقال الى الوارث ففيه أيضا الصور الثلاثة المذكورة، و لكن لو كان الحكم في الصورة الاولى هو لزوم الرّد الى الوارث، لكان الحكم

في الأخيرتين أيضا ذلك بطريق اولى بخلاف العكس، و كيف كان، فقد عرفت في عبارة السيّد- قده- المتقدمة: لزوم الصرف فيما على الميت من باب الحسبة، بل حكم بثبوت الضمان على تقدير الدفع الى الوارث، لتفويته على الميت.

مع انّه يرد عليه: انّه بعد كون المال، الذي بيد الودعيّ، ملكا للوارث و مرتبطا اليه، و كون التكليف بأداء الدين متوجّها الى الوارث لعدم كونه على نحو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 203

..........

______________________________

الوجوب الكفائي، كما عرفت عن صاحب المستند، لا يبقى مجال لكون الودعي مكلّفا بالأداء، و لو كان عالما بعدم تأدية الوارث، و مجرّد كون المال بيده لا يقتضي ذلك، و الّا لكان الواجب على من كان عنده مال الوارث من طريق البيع و غيره، ان يصرفه في أداء دين الميت مع العلم المذكور، و وجود التركة بمقداره، لاشتراكه مع المقام في ثبوت مال الوارث بيد الغير، بل لو كان لزوم الصرف من باب الحسبة- مقتضيا لذلك- لكان اللازم على غير من بيده المال أيضا الأخذ من مال الوارث و الصرف في دين الميت، لأن الأمور الحسبية عبارة عن الأمور التي يعلم تعلّق غرض الشارع بتحققها في الخارج و وقوعه فيه، كحفظ مال الصغير و الغائب. و هذا لا فرق فيه بين مثل الودعي، ممن يكون بيده المال، و غيره ممّن لا يكون كذلك. فالإنصاف: انه على هذا التقدير يجب الدفع الى الوارث، و لا مجال معه للحكم بالضمان أصلا. كما انه على تقدير عدم العلم و الظن بعدم تأدية الوارث، لا محيص عن الدفع إليه.

بقي الكلام فيما هو المذكور في المتن في ذيل المسألة، و هو قوله: و كذا

الحال لو كان الوارث منكرا .. فان ظاهر السياق يقتضي ان يكون متعلقا بأصل المسألة، و هو الوديعة مع ثبوت حجة الإسلام على الميت، الذي وردت فيه رواية صحيحة. و عليه، يبقى سؤال الفرق بينه و بينه، فان عدم تأدية الوارث المذكور في الصدر تارة: يكون لأجل إنكاره لثبوت حجة الإسلام على الميت، و اخرى: لأجل امتناعه مع الاعتراف به، و كلمة «الإمكان» التي قيد الاستيذان من الحاكم به، تشمل الإثبات في الأوّل و الإجبار في الثاني. و عليه، فما الفرق بين الصّدر و الذيل؟

و الذي يمكن ان يقال في حلّ الاشكال و الجواب عن السؤال: وجود الاختلاف بينهما، من حيث المورد، و من حيث الحكم: امّا من جهة المورد، فهو:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 204

[سألة 16 يجوز للنائب بعد الفراغ عن الاعمال للمنوب عنه ان يطوف عن نفسه]

مسألة 16- يجوز للنائب بعد الفراغ عن الاعمال للمنوب عنه ان يطوف عن نفسه و عن غيره، و كذا يجوز ان يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه و عن غيره. (1)

[مسألة 17 يجوز لمن أعطاه رجل مالا لاستئجار الحج ان يحج بنفسه]

مسألة 17- يجوز لمن أعطاه رجل مالا لاستئجار الحج ان يحج بنفسه ما لم يعلم انه أراد الاستيجار من الغير، و لو بظهور لفظه في ذلك، و مع الظهور لا يجوز التخلف الا مع الاطمئنان بالخلاف، بل الأحوط عدم مباشرته الّا مع العلم، بان مراد المعطي حصول الحج في الخارج. و إذا عيّن شخصا تعيّن، إلا إذا علم عدم أهليته، و ان المعطي مشتبه في ذلك، أو ان ذكره من باب أحد الافراد. (2)

______________________________

ان الصدر و لو بقرينة الذيل انّما هو: فيما إذا لم يكن الودعي قادرا على إثبات حجة الإسلام على عهدة الميت مع إنكار الوارث، أو لم يكن إجباره ممكنا على تقدير الاعتراف و الامتناع من الاستيجار، و الذيل وارد في صورة إمكان الإثبات أو الإجبار، فبين الموردين اختلاف.

و امّا من جهة الحكم، فهو: ان الحكم في الصدر انّما هو مجرد الاستيذان، و هو يتحقق بالاذن الإجمالي، الذي مرجعه إلى اذن الحاكم، لصرف الودعي الوديعة في حجة الإسلام، على فرض ثبوتها عنده أو بالنحو الكلي، و عليه، فالمراد من الإمكان مجرد وجود الحاكم و إمكان الاستيذان و لو بنحو ما ذكر. و امّا الحكم في الذيل فلا يرجع الى مجرد الاستيذان، بل هو إرجاع الأمر إلى الحاكم، و عدم استقلال الودعي و عدم استبداده، فمن الممكن ان يكون نظر الحاكم الرد الى الوارث و إجباره على الصرف في حجة الإسلام.

(1) الوجه في جواز الطواف عن نفسه أو عن غيره، و كذا جواز العمرة

المفردة كذلك، عدم منافاته مع العمل المستأجر عليه، و هو الحج عن المنوب عنه، و ليس المراد بقوله: بعد الفراغ. عدم الجواز بين مثل عمرة التمتع و الحج، بل المراد ما ذكرنا، نعم، سيأتي في بحث العمرة إن شاء اللّٰه تعالى، اعتبار الفصل بين العمرتين إذا كانتا مفردتين و لنفسه.

(2) لو اعطى رجل مالا لاستئجار الحجّ، ففيه صورتان:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 205

..........

______________________________

الصورة الأولى: ما إذا لم يعيّن شخصا معيّنا، و فيه فروض ثلاثة:

الأوّل: ما إذا علم، من ايّ طريق: ان غرض المعطي إيجاد الحج في الخارج و تحققه من النائب، و لو كان ظهور اللفظ في غير من اعطى للاستيجار. و لا إشكال في ان الحكم في هذا الفرض: جواز ان يحج بنفسه، و لا يلزم ان يكون النائب غيره.

الثاني: ما إذا علم كذلك: ان غرض المعطي تعلق باستئجار الغير، و ان يتحقق الحج النيابي من غيره. و لا إشكال أيضا في ان الحكم في هذا الفرض:

عدم جواز الحج بنفسه.

الثالث: صورة عدم العلم: و في هذا الفرض، تارة: يكون اللفظ ظاهرا في غيره، و اخرى: لا يكون كذلك. ففي الصورة الاولى لا يجوز التخطي عمّا يقتضيه ظاهر اللفظ. نعم، استثنى في المتن، أوّلا صورة الاطمئنان بالخلاف، مع انه مشكل، لأن الاطمئنان يكون كأصالة الظهور حجة عقلائية، و لا دليل على ترجيحه عليها، و لعلّه، لذا احتاط بعدم التخلف عن الظاهر إلا في صورة العلم بالخلاف، التي لا يبقى معه مجال لأصالة الظهور.

و في الصورة الثانية: لا يجوز ان يحجّ بنفسه، لعدم إحراز رضا المالك و اذنه.

نعم، مع الاطمئنان لا مانع من ذلك، لأنه حجة عقلائية بلا معارض.

الصورة الثانية:

ما إذا عين شخصا معينا، فان كانت صلاحيته للنيابة و الاستيجار محرزة عند من اعطى المال اليه، أو كانت مشكوكة: لا يجوز له التخطي عمن عين، بل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 206

..........

______________________________

اللازم استيجاره لان يحج.

و ان كانت صلاحية محرز العدم عنده، و هو يعتقد أن المعطي مشتبه في ذلك، فالمذكور في المتن: انه لا يتعين. و لازمة جواز ان يحج بنفسه، مع ان مجرد ذلك لا يقتضي الجواز المذكور، بعد عدم تعلق غرض المالك بصدوره منه أصلا، فاللازم في هذه الصورة المراجعة إلى المالك أو الى الحاكم مع فقده، و امّا استثناء صورة كون ذكره من باب انه أحد الافراد، فهو استثناء منقطع، لان مرجعه الى عدم التعيين. كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 207

في الحج المندوب

اشارة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 209

القول في الحج المندوب

[مسألة 1 يستحب لفاقد الشرائط أن يحج مهما أمكن]

مسألة 1- يستحب لفاقد الشرائط، من البلوغ و الاستطاعة و غيرهما، أن يحج مهما أمكن، و كذا من اتى بحجة الواجب، و يستحب تكراره، بل في كل سنة، بل يكره تركه خمس سنين متوالية، و يستحب نية العود اليه عند الخروج من مكة، و يكره نيّة عدمه. (1)

______________________________

(1) يد على على الاستحباب للفاقد، مضافا الى اتفاق جميع الأصحاب عليه، الإطلاقات الدالة على رجحان الحج في نفسه المرغبة فيه، و على استحباب التكرار، مضافا الى الإطلاقات الروايات الحاكية، عن: ان النبي (ص) حج عشرين سنة و الحسن (ع) خمسا و عشرين و السجاد أربعين و غيرهم عليهم السلام، و على استحباب تكراره في كل سنة، مثل رواية عيسى بن أبي منصور، قال: قال لي جعفر بن محمّد (ع): يا عيسى! ان استطعت أن تأكل الخبز و الملح و تحج في كل سنة، فافعل. «1» و على كراهة تركه خمس سنين متوالية، مثل رواية ذريح عن أبي عبد اللّٰه- ع-: من مضت له خمس سنين فلم يفد الى ربه و هو موسر، انه

______________________________

(1) وسائل أبواب وجوب الحج الباب السادس و الأربعون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 210

[مسألة 2 يستحب التبرع بالحج عن الأقارب و غيرهم]

مسألة 2- يستحب التبرع بالحج عن الأقارب و غيرهم- احياء و أمواتا- و كذا عن المعصومين عليهم السّلام- احياء و أمواتا- و الطواف عنهم- عليهم السلام- و عن غيرهم أمواتا- مع عدم حضورهم في مكة أو كونهم معذورين، و يستحب إحجاج الغير استطاع أم لا، و يجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحج ليحج بها. (1)

[مسألة 3 يستحب لمن ليس له زاد و راحلة أن يستقرض و يحج إذا كان واثقا بالوفاء]

مسألة 3- يستحب لمن ليس له زاد و راحلة أن يستقرض و يحج إذا كان واثقا بالوفاء. (2)

______________________________

محروم. «1» و على استحباب نية العود، مثل رواية عبد اللّٰه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه- ع- يقول: من رجع من مكة و هو ينوي الحج من قابل زيد في عمره. «2»

و على كراهة نية العدم، مثل مرسل الفقيه: و من خرج من مكة و هو لا ينوي العود إليها، فقد قرب اجله و دنا عذابه. «3»

(1) يدل على الاستحباب المذكور الروايات الكثيرة المتعددة الواردة في الحج، و في خصوص الطواف، و قد تقدم بحث الطواف، و تقدم أيضا: أنّه لا دليل على استحباب النيابة عن الحاضر، و ان كان معذورا. و يدل على استحباب إحجاج الغير مثل رواية الحسن بن علي الديلمي، قال: سمعت الرضا- ع- يقول:

من حج بثلاثة من المؤمنين، فقد اشترى نفسه من اللّٰه عز و جل بالثمن «4». و امّا جواز إعطاء الزكاة، فلان الحج سبيل اللّٰه.

(2) و يدل عليه، مثل رواية موسى بن بكر الواسطي، قال: سألت أبا الحسن- ع- عن الرجل يستقرض و يحج. فقال: ان كان خلف ظهره مال، فان حدث به حدث ادّى عنه، فلا بأس. «5»

______________________________

(1) وسائل أبواب وجوب الحج الباب التاسع و الأربعون ح- 1.

(2) وسائل أبواب وجوب الحج الباب

السابع و الخمسون ح- 1.

(3) وسائل أبواب وجوب الحج الباب السابع و الخمسون ح- 3.

(4) وسائل أبواب وجوب الحج الباب التاسع و الثلاثون ح- 1.

(5) وسائل أبواب وجوب الحج الباب الخمسون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 211

[يستحب كثرة الإنفاق في الحج]

مسألة 4- يستحب كثرة الإنفاق في الحج، و الحج أفضل من الصدقة بنفقته. (1)

[مسألة 5 لا يجوز الحج بالمال الحرام]

مسألة 5- لا يجوز الحج بالمال الحرام، و يجوز بالمشتبه كجوائز الظلمة مع عدم العلم بحرمتها. (2)

[مسألة 6 يجوز إهداء ثواب الحج الى الغير بعد الفراغ منه]

مسألة 6- يجوز إهداء ثواب الحج الى الغير بعد الفراغ منه كما يجوز ان يكون ذلك من نيّته قبل الشروع فيه. (3)

[مسألة 7 يستحب لمن لا مال له يحج به ان يأتي به]

مسألة 7- يستحب لمن لا مال له يحج به ان يأتي به، و لو بإجارة نفسه عن غيره. (4)

______________________________

(1) اما استحباب كثرة الإنفاق، فلما في بعض الاخبار، من: ان اللّٰه يبغض الإسراف إلّا في الحج و العمرة. «1» و امّا كون الحج أفضل من الصدقة، بنفقته، فلمثل صحيحة معاوية، و فيها: «فالتفت رسول اللّٰه- ص- الى أبي قبيس فقال: لو ان أبا قبيس لك زنة ذهبة حمراء أنفقته في سبيل اللّٰه، ما بلغت به ما بلغ الحاج» «2»

(2) الوجه في كلا الحكمين واضح.

(3) تقدم في بعض المباحث السابقة.

(4) الوجه في الاستحباب: دلالة الروايات، و في بعضها: ان للأجير من الثواب تسعا و للمنوب عنه واحد.

______________________________

(1) وسائل أبواب وجوب الحج الباب الخامس و الخمسون ح- 1.

(2) وسائل أبواب وجوب الحج الباب الثاني و الأربعون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 213

في أقسام العمرة

اشارة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 215

القول في أقسام العمرة

[مسألة 1 تنقسم العمرة كالحج إلى واجب أصلي و عرضي و مندوب]

مسألة 1- تنقسم العمرة كالحج: الى واجب أصلي و عرضي و مندوب، فتجب بأصل الشرع على كل مكلف بالشرائط المعتبرة في الحج مرّة في العمر، و هي واجبة فورا كالحج، و لا يشترط في وجوبها استطاعة الحج، بل تكفي استطاعتها فيه، و ان لم تتحقق استطاعته، كما ان العكس كذلك، فلو استطاع للحج دونها وجب دونها. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الجهة الاولى: في انقسام العمرة كالحج: الى واجب أصلي و عرضي و مندوب، و المراد من الواجب الأصلي، كونها واجبة كحجة الإسلام و فريضة مثلها، و يأتي في الجهة الثانية ان شاء اللّٰه تعالى الدليل على وجوبها، و المراد من الواجب العرضي ما يكون واجبا بسبب، مثل النذر و الاستيجار، لكن قد عرفت غير مرّة: ان تعلّق النذر بشي ء لا يوجب صيرورة المنذور واجبا، بل الواجب فيه هو عنوان الوفاء بالنذر، و لا يتعدى الحكم من هذا العنوان الى غيره، و ان كان لا يتحقق الوفاء الّا به، كما ان الاستيجار لا يستتبع الّا وجوب العمل بعقد الإجارة و لزوم الوفاء به، و امّا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 216

..........

______________________________

العمل المستأجر عليه، فهو باق على حكمه الاولي، من الإباحة و الاستحباب و غيرهما، و لا يتعدى الحكم اليه.

و تمتاز العمرة عن الحج في هذه الجهة، في: ان الحج لا يتصور فيه فرض عدم المشروعية، بخلاف العمرة، فإنّها ربما لا تكون مشروعة، كما فيما إذا لم يراع الفصل المعتبر بين العمرتين المفردتين لنفسه، فإن العمرة الثانية لا تكون مشروعة، و كما في العمرة

المفردة الواقعة بين عمرة التمتع و حجّه، كما سيأتي.

الجهة الثانية: في وجوب العمرة بأصل الشرع على كل مكلف بالشرائط المعتبرة في الحج، من البلوغ و العقل و الحرية و الاستطاعات الأربعة. نعم، حيث انه لا تكون مقيدة بزمان خاص و لا تكون مثل الحج في هذه الجهة، لا تكون الاستطاعة الزمانية معتبرة فيها، الّا ان يلاحظ في هذه الجهة خروج الرفقة، و سيأتي البحث فيه ان شاء اللّٰه تعالى.

و يدلّ على الوجوب: مع انه لا خلاف فيه، بل ادّعى عليه الإجماع، ففي الجواهر: ان الإجماع بقسميه عليه. و في المستند: بالإجماع المحقق و المنقول مستفيضا، و عن غيرهما أيضا، مثله الآيات الشريفة و الروايات المستفيضة.

أمّا الآيات: فالعمدة هي الآية المعروفة في الحج، و هي قوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ .. فان المراد من الحج كما عرفت في أوّل كتاب الحج: امّا القصد الى ما يراد تعظيمه و امّا مناسكه، و على كلا التقديرين يشمل العمرة، و قد استدل به كاشف اللثام. و قد ورد في تفسيرها صحيحة عمر بن أذينة، قال:

سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن قول اللّٰه عزّ و جل وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، يعني به الحج دون العمرة؟ قال: لا، و لكنّه يعني الحج

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 217

..........

______________________________

و العمرة جميعا، لأنهما مفروضان. «1»

و منها: قوله تعالى «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذٰا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ

بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ». «2».

و قد نوقش في الاستدلال بها، كما في «المستمسك» بان الظاهر منها وجوب الإتمام لا الشروع. و لكن الظاهر انّ المراد من قوله تعالى «وَ أَتِمُّوا» هو الأداء و الإتيان، كما في قوله تعالى «أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ» الذي ليس المراد منه الّا مجرد الإتيان بالصّلاة، و ما اشتهر، من: ان المراد بالإقامة أمر زائد على أصل الإتيان بالصلاة، و هو التشويق و التحريص و التحريك، إلى إتيان الغير بالصلاة، لا يكون مستندا الى دليل. و كيف كان، فيدل على ان المراد من الإتمام في المقام، هو الإتيان و الأداء، التعبير به في قوله تعالى «أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ» لانه لا ريب في كون المراد به، بعد تجويز الأكل و الشرب حتى طلوع الفجر و تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، هو الشروع في الصوم و الإتيان به.

و كذا قوله تعالى «وَ إِذِ ابْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ» و قد نقل في تفسير «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي ذلك عن جماعة من المفسّرين.

و يدل على ذلك استشهاد الامام- عليه السلام- و استدلاله بهذه الآية على وجوب العمرة، في بعض الروايات، فإنه لو لم تكن الآية ظاهرة بنفسها في وجوب العمرة لما كان للاستشهاد بها مجال، ضرورة ان مقام الاستدلال يغاير مقام

______________________________

(1) وسائل أبواب العمرة الباب الأوّل ح- 7.

(2) البقرة 196.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 218

..........

______________________________

التفسير، ضرورة ان قول الامام- ع- و ان كان معتبرا في باب التفسير و كشف المراد، و الرواية الصحيحة الحاكية لهذا القول تكون واجدة لشرائط الحجية و مقدمة على ظاهر الكتاب، الّا ان مبنى الاستدلال لا بد و

ان يكون هو الظاهر، لانه لا معنى للتمسك بغير الظاهر الذي لا يعرفه إلّا الإمام العارف بمقاصد الكتاب، فالاستدلال بآية على أمر، دليل على ظهور الآية في ذلك الأمر، و قد وقع في المقام ذلك: ففيما رواه زرارة بن أعين في الصحيح، عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج، لان اللّٰه تعالى يقول:

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ، و انّما نزلت العمرة بالمدينة «1».

و في صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع اليه سبيلا، لأنّ اللّٰه عز و جل يقول:

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ. «2»

و على ما ذكرنا لا يبقى إشكال في: انه لا بدّ من الاعتراف بظهور الآية في نفسها في وجوب العمرة.

منها: قوله تعالى فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ .. و المناقشة في الاستدلال بها على أصل الوجوب، ظاهرة.

ثمّ ان هنا روايات تدل على ان مقابل الحج الأكبر- الوارد في القرآن- هو الحج الأصغر، و هي العمرة، و مقتضاها هي كون العمرة حجّا، غاية الأمر، اتصافه بكونه أصغر في مقابل الحج، الذي يتصف بكونه أكبر. و عليه، فيدل على وجوب العمرة كل ما يدل على وجوب الحجّ، مثل ما رواه الصدوق بإسناده عن

______________________________

(1) وسائل أبواب العمرة الباب الأوّل ح- 2.

(2) وسائل أبواب العمرة الباب الأوّل ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 219

..........

______________________________

معاوية بن عمّار، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن يوم الحج الأكبر.

فقال: هو يوم النحر، و الأصغر هو العمرة. «1»

و ما رواه العياشي في تفسيره عن عبد الرحمن عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام-

قال: يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يوم النحر، و الحج الأصغر العمرة. «2»

و عن عمر بن أذينة عن زرارة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: الحج الأكبر الوقوف بعرفة و بجمع و رمي الجمار بمنى، و الحج الأصغر العمرة «3» و بعض الروايات الأخر. هذا ما يتعلق بالكتاب.

و امّا السنة: فمضافا الى الروايات المتقدمة المشتملة على الاستشهاد بالاية أو تفسيرها، يدل على الوجوب ما رواه الصّدوق بإسناده عن المفضل بن صالح عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: العمرة مفروضة مثل الحج ..

(الحديث). «4»

و قال الصدوق: قال أمير المؤمنين- عليه السلام. أمرتم بالحج و العمرة، فلا تبالوا بأيّهما بدأ، ثم قال الصدوق: يعني العمرة المفردة دون عمرة التمتع، فلا يجوز ان يبدأ بالحج قبلها. «5» و قد ذكرنا مرارا حجية هذا النحو من الإرسال، بخلاف مثل «روى و نقل».

______________________________

(1) وسائل أبواب العمرة الباب الأوّل ح- 1.

(2) وسائل أبواب العمرة الباب الأوّل ح- 10.

(3) وسائل أبواب العمرة الباب الأوّل ح- 11.

(4) وسائل أبواب العمرة الباب الأوّل ح- 5.

(5) وسائل أبواب العمرة الباب الأوّل ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 220

..........

______________________________

الجهة الثالثة: في ان وجوب العمرة كوجوب الحج، انما يكون مرّة في العمر، لتحقق الطبيعة المأمور بها بمصداق واحد، و لا دليل على لزوم التعدد و التكثر.

الجهة الرابعة: في ان وجوبها فوري كالحج. و في الجواهر نفى وجدان الخلاف فيه، و في السرائر نفى الخلاف، و عن التذكرة الإجماع عليه، لكن في محكي كشف اللثام بعد حكاية القول بالوجوب، كذلك عن المبسوط و السرائر قال: «لم أظفر بموافق لهم، و لا دليل الّا على القول بظهور الأمر فيه ..».

و

قد مرّ في باب الحج الاستدلال لفورية وجوبه، بالوجوه الثمانية، و عرفت عدم تمامية بعضها. و في المقام أيضا لا دليل على الوجوب، الّا ان ملاحظة أمور متعددة توجب الاطمئنان للنفس بلزوم الفورية، و ان كان كل منها منفردا لا ينهض لإثباته، و تلك الأمور، عبارة عن: الإجماع، الذي ادّعاه جماعة من أعاظم الفقهاء، كما عرفت، و ان كان لا أصالة له، بعد احتمال كون مستند المجمعين بعض الوجوه الآتية، و تنزيل العمرة منزلة الحج في بعض الروايات المتقدمة، بدعوى كون التنزيل لا يختص بخصوص الوجوب، بل يشمل الفورية، و اشتراط الاستطاعة و نظائرهما، و التعبير في الآية الشريفة المعروفة ب «اللام، و على» الظاهر في كونه دينا للّٰه على العبد، و بضميمة ما عرفت من ظهور الآية و دلالة الرواية على الشمول للعمرة أيضا، فإن مقتضى كونه دينا، فورية الوجوب، و كذا كون العمرة عبارة عن الحج الأصغر، فيشملها ما يدل على فورية وجوب الحج. فان هذه الأمور، و ان كان كل منها لا يستقلّ في إثبات ذلك، الّا ان مجموعها يوجب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 221

..........

______________________________

الاطمئنان، كما عرفت.

ثم انّ الاشكال على تقديره انما يكون في العمرة المفردة، و امّا عمرة التمتع، التي يجب الإتيان بها قبل الحجّ، فيدل على فورية وجوبها ما يدل على فورية وجوبه، كما لا يخفى.

الجهة الخامسة: انّه لا إشكال في ارتباط عمرة التمتع بحجه و عدم استقلال كل منهما، و عليه، فالاستطاعة المعتبرة فيها لا بد و ان تكون متحققة بالإضافة الى كل منهما، فمن كان وظيفته حج التمتع يشترط في تعلق التكليف و توجهه اليه، ثبوت الاستطاعتين.

و امّا العمرة المفردة فهي

مستقلة بنفسها، كالحج غير التمتع، فإنه أيضا يكون كذلك، و لا ارتباط بينهما، و عليه، فاللازم في وجوب كلّ واحد منهما حصول الاستطاعة بالإضافة اليه، و تحقق الشرائط بالنسبة إلى نفسه، فلو استطاع للعمرة دون الحج تجب دونه، و كذا العكس. و الدليل عليه: ظهور الأدلة المتقدمة من الآيات و الروايات في أنهما فرضان و واجبان، و لم يدلّ شي ء منها على الارتباط بين الأمرين، فإن قوله تعالى «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» يدل على وجوب الإتيان بكلا الأمرين، و كذا قوله- ع- في بعض الروايات المتقدمة: هما مفروضان. و عليه، فدعوى الارتباط و لزوم تحقق الاستطاعتين في وجوب كلا الأمرين و عدم جواز التفكيك، ممنوعة و ان نسب الى البعض، لكن ذكر صاحب الجواهر: انه لم يعرف قائله.

نعم، هنا قول محكي عن الشهيد في الدروس، و هو كفاية استطاعة الحج لوجوبه و لزوم الإتيان به مستقلا، و عدم كفاية استطاعة العمرة لوجوبها كذلك، و استدلّ له في كشف اللثام بوجوه:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 222

..........

______________________________

1- الأصل: و من المعلوم انه لا مجال له بعد قيام الأدلة المتقدمة من الكتاب و السنّة، على الوجوب.

2- ظهور حج البيت في الآية المعروفة في الحج، في خصوصه و عدم شموله للعمرة. و قد عرفت ظهوره في نفسه في العموم و دلالة الرواية الصحيحة عليه.

3- عدم ظهور قوله تعالى «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» في وجوب إنشائهما و الشروع، و قد مرّ منعه في نفسه و الاستدلال به على الوجوب بحسب الشروع، في الرواية الصّحيحة.

4- انّها لو وجبت لكان من استكمل الاستطاعة لها فمات قبل أدائها و قبل ذي الحجّة، يجب

استيجارها عنه من التركة، و لم يذكر ذلك في كتاب و لا خبر. و التزم صاحب الجواهر بذلك، و انه ينوي بذلك عمرة الإسلام. قال: نعم، لو أمكن القول بعدم وجوبها على النائي، الذي فرضه حج التمتع، اتجه حينئذ سقوطها بالموت قبل أشهر الحج، فلا تخرج من التركة، و اتجه عدم نية عمرة الإسلام بها.

5- ان المستطيع لها و للحج إذا اتى الحرم قبل أشهر الحج نوى بعمرته عمرة الإسلام، لاحتمال ان يموت أو لا تبقى استطاعته للحج الى وقته.

و أجاب عنه كشف اللثام: بان المستطيع لهما فرضه عمرة التمتع أو قسيميه، و ليس له الإتيان بعمرة الإسلام إلّا عند الحج، فما قبله، كالنافلة قبل فريضة الصبح مثلا، و احتمال الموت أو فوت الاستطاعة غير ملتفت اليه.

و أنت خبير: بأنه لا يجتمع مع القول بالوجوب و الفورية، كما مرّ، و لا ينفى احتمال تجدد الاستطاعة للحج وجوب المبادرة إليها قبل أيّام الحج، كما لا يخفى.

فاللازم الالتزام بهذا الوجه أيضا، على تقدير وجوب العمرة على النائي، الذي فرضه حجّ التمتع، و سيأتي البحث عنه في المسألة الثانية ان شاء اللّٰه تعالى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 223

[مسألة 2 تجزئ العمرة المتمتع بها عن العمرة المفردة]

مسألة 2- تجزئ العمرة المتمتع بها عن العمرة المفردة، و هل تجب على من وظيفته حج التمتع إذا استطاع لها، و لم يكن مستطيعا للحج؟ المشهور عدمه، و هو الأقوى، و على هذا لا تجب على الأجير بعد فراغه عن عمل النيابة و ان كان مستطيعا، و كذا لا تجب على من تمكن منها و لم يتمكن من الحج المانع، لكن الأحوط الإتيان لها. (1)

______________________________

(1) تشتمل هذه المسألة على حكمين:

الحكم الأوّل: أجزاء العمرة المتمتع

بها عن العمرة المفردة، و عدم لزوم الإتيان بها على من اتى بالأولى، و ان تحققت الاستطاعة لها بعدها أو قبلها، و يدلّ عليه قبل الإجماع الروايات الكثيرة المستفيضة:

كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة. «1»

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث، قال:

قلت: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ا يجزي عنه ذلك؟ قال: نعم. «2»

و رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن العمرة أ واجبة هي؟ قال: نعم، قلت: فمن تمتع يجزي عنه؟ قال: نعم. «3»

و صحيحة يعقوب بن شعيب، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام-: قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ، يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج مكان تلك العمرة المفردة؟ قال: كذلك أمر رسول اللّٰه- ص- أصحابه «4».

______________________________

(1) وسائل أبواب العمرة الباب الخامس ح- 1.

(2) وسائل أبواب العمرة الباب الخامس ح- 2.

(3) وسائل أبواب العمرة الباب الخامس ح- 3.

(4) وسائل أبواب العمرة الباب الخامس ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 224

..........

______________________________

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: العمرة مفروضة مثل الحج، فإذا أدى المتعة فقد أدى العمرة المفروضة. «1»

الحكم الثاني: انه هل تجب العمرة المفردة على من وظيفته حج التمتع إذا استطاع لها فقط، أم لا؟ المشهور هو الثاني، بل ذكر صاحب الجواهر: انه لم يعرف خلاف بينهم، فإنها قسمان: متمتع بها و مفردة، و ان الاولى فرض النائي، و الثانية فرض حاضري مكة، و حكم بضرورة ظهوره في اختصاص

وجوب المفردة بغير النائي، كظهور كلامهم في غير المقام: في عدم وجوب غير حج التمتع على النائي. و الظاهر وجود التشويش في كلامهم، فقد قال المحقق في الشرائع- الذي لا يماثله شي ء من المتون الفقهية، و قد اعترف بعض أعاظم الفقهاء من المعاصرين بعدم قدرته على كتابة صفحة مثل الشرائع، فضلا عن جميعه- ما لفظه: «و تنقسم الى متمتع بها و مفردة، فالأولى تجب على من ليس من حاضري المسجد الحرام، و لا تصح إلا في أشهر الحج، و تسقط المفردة معها. و المفردة تلزم حاضري المسجد الحرام ..» و الظاهر وجود التهافت بدوا في كلامه، كما اعترف به صاحب المسالك، قال: «يفهم من لفظ السقوط ان العمرة المفردة واجبة بأصل الشرع على كل مكلف، كما ان الحج مطلقا يجب عليه، و انّها انما تسقط عن المتمتع إذا اعتمر عمرته، تخفيفا، و من قوله: و العمرة المفردة تلزم حاضري المسجد الحرام إلى أخره، عدم وجوبها على النائي من رأس، و بين المفهومين، تدافع ظاهر، و كان الموجب لذلك كون عمرة التمتع أخف من المفردة، فكانت المفردة بسبب ذلك أكمل، و هي المشروعة

______________________________

(1) وسائل أبواب العمرة الباب الخامس ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 225

..........

______________________________

بالأصالة المفروضة قبل نزول أية التمتع، و كانت عمرة التمتع قائمة مقام الأصلية مجزئة عنها، و هي منها بمنزلة الرخصة من العزيمة، و يكون قوله: و المفردة تلزم إلى أخره، إشارة الى ما استقر عليه الحال، و صار هو الحكم الثابت الان بأصل الشرع، ففي الأوّل إشارة إلى ابتدائه، و الثاني إلى استقراره.» و هذا التوجيه و ان كان يرفع التهافت الّا انه لا يوجب

خروج العبارة عن التشويش، الذي ذكرنا.

و قد ذكر صاحب الجواهر بعد نقل توجيه المسالك: و هو كالصريح في المفروغية من عدم وجوب عمرة مفردة على النائي.

إذا عرفت ذلك، فاعلم: ان الحقّ ما هو المشهور، و خالفهم في ذلك بعض الأعاظم من شراح العروة، و يتضح ما ذكرنا بعد ملاحظة أمور:

الأوّل: انه ليس في شي ء من الأدلة المتقدمة، الواردة في أصل وجوب العمرة، ما يدل على ان الواجب هي العمرة بوصف كونها مفردة، لا في الآيات و لا في الرّوايات، بل قوله تعالى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ في ذيل أية «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» ظاهر في انّ المراد من العمرة المأمور بإتمامها و الإتيان بها في الصدر:

ليس خصوص العمرة المفردة، لظهوره في كونه قسما ممّا أمر به في أوّل الآية و نوعا منه، و التعبير في صحيحة ابن أذينة: بأنّهما مفروضان. لا دلالة له على كون المراد هي العمرة المفردة، لان العمرة التي يتمتع بها أيضا مفروضة، و ارتباطها بالحج و عدم استقلالها لا ينافي المفروضية، كما ان حج التمتع أيضا كذلك.

و كيف كان، فلا دلالة لشي ء من أدلة الوجوب على ان الواجب هي العمرة المفردة، بل الواجب هو طبيعي العمرة، الصادق على عمرة التمتع أيضا.

الثاني: دلالة بعض الروايات على دخول العمرة في الحج الى يوم القيامة: ففي صحيحية الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة، لأنّ اللّٰه تعالى يقول «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ..»

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 226

..........

______________________________

فليس لأحد الا ان يتمتّع، لأنّ اللّٰه انزل ذلك في كتابه و جرت به

السنّة من رسول اللّٰه- ص. «1»

و قد استدلّ بها صاحب المستند، بتقريب: انه خرج منه ما خرج فيبقى الباقي. و الظاهر ان الرواية واردة في خصوص المقام و لا تشمل غيره أصلا، فإن قوله- ع-: دخلت العمرة في الحج. و ان كان بنفسه مطلقا شاملا للعمرة المفردة الواجبة أو المستحبّة، و مرجعه حينئذ الى عدم مشروعية العمرة بدون الحج أصلا، الّا ان التعليل بقوله تعالى «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ» يوجب قصر الحكم على العمرة. الواجبة، كما انه بملاحظة ذيل الآية، و هو قوله تعالى «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» يختص بمن كان مكلفا بحج التمتع على تقدير الاستطاعة للحج، فيصير حاصل المعنى: دخول العمرة الواجبة بالإضافة الى الافراد المذكورة في الحج، و عدم استقلالها في نفسها، فلا يجب عليهم غير عمرة التمتع، التي لا بد في تحقق الاستطاعة لها من تحققها للحج أيضا، و لو كانت العمرة المفردة واجبة عليهم في فرض الاستطاعة لها لما كانت العمرة الواجبة داخلة في الحج مطلقا، بل الداخلة خصوص عمرة التمتع.

و الظاهر ان المراد من قوله- ع- الى يوم القيامة، هي الإشارة الى عدم محدودية الدخول بزمان خاص، كما صنعه الثاني، مصرّحا بذلك، و معناه: ان ما اتى به الكتاب و جرت به السنّة من رسول الهّٰم- ص- ثابت الى يوم القيامة، و لا مساغ لتحديده بزمان خاص.

و بالجملة: لا شبهة في دلالة الرواية، بالتقريب الذي ذكرنا: في عدم وجوب العمرة المفردة على النائي، و كون العمرة الواجبة على داخلة في الحج. و مثلها في

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثالث ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 227

..........

______________________________

الدلالة-

لكن لا بهذه المرتبة من الظهور- صحيحته الأخرى، عن أبي عبد اللّٰه- ع- في حديث، قال: و قال: إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة المتعة. و قال ابن عباس: دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة. «1»

و من العجب بعد ذلك، الاستدلال على الوجوب بصحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة، المشتملة على قول السائل: قلت لأبي عبد اللّٰه- ع-: قول اللّٰه- عزّ و جل-:

«وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» يكفى الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج مكان تلك العمرة المفردة؟ و قوله- ع- في الجواب: كذلك أمر رسول اللّٰه- ص- أصحابه.

مع ان التعبير ب «مكان تلك العمرة المفردة» يحتمل ان يكون لأجل ما افاده الشهيد الثاني- قده- في توجيه عبارة الشرائع المتقدمة، من: ان الواجب بأصل الشرع، و في الابتداء كانت هي العمرة المفردة، و أية التمتع قد نزلت بعدها فصار الحكم بحسب الاستمرار هي عمرة التمتع، و هي أخف منها، لعدم اشتمالها على طواف النساء و ركعتيه. كما انه يحتمل ان يكون لأجل شيوع كون المفروض هي العمرة المفردة، لأجل التحريم، الذي وقع من الثاني، و لا محالة صار موجبا لعدم الإتيان بعمرة التمتع، و يؤيد الثاني جواب الامام- ع- الذي فيه إشارة إلى كون التحريم المذكور مخالفا لما أمر به رسول اللّٰه- ص- أصحابه.

مع انه لو فرض كون المرتكز في ذهن السّائل ما اراده المستدلّ، و فرض وجود تقرير الامام- عليه السلام- بالنسبة الى ذلك، مع انه محلّ منع، فهل يصلح ذلك للنهوض في مقابل صحيحة الحلبي المتقدمة، الظاهرة في عدم وجوب العمرة المفردة، غير الداخلة في الحج على النائي، الذي تكون وظيفته حج التمتع مع الاستطاعة.

______________________________

(1) وسائل أبواب العمرة

الباب الخامس ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 228

[مسألة 3 قد تجب العمرة بالنذر]

مسألة 3- قد تجب العمرة بالنذر و الحلف و العهد و الشرط في ضمن العقد و الإجارة و الإفساد، و ان كان إطلاق الوجوب عليها في غير الأخير مسامحة، على ما هو التحقيق، و تجب أيضا لدخول مكّة- بمعنى حرمته بدونها- فإنه لا يجوز دخولها الّا محرما، إلّا في بعض الموارد: منها: من يكون مقتضى شغله الدخول و الخروج كرارا، كالحطّاب و الحشّاش، و امّا استثناء مطلق من يتكرر منه فمشكل. و منها: غير ذلك، كالمريض و المبطون، مما ذكر في محلّه. و ما عدا ذلك مندوب، و يستحب تكرارها كالحج، و اختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين، و الأحوط فيما دون الشهر، الإتيان بها رجاء. (1)

______________________________

الثالث: انه مع كون العمرة المفردة مبتلى بها، و الاستطاعة بالإضافة إليها كثيرة جدّا، خصوصا مع عدم تقيدها بوقت خاص، فلو كانت واجبة على النائي المستطيع لها لكان اللازم بلوغه من الوضوح و الظهور مثل ظهور وجوب الحج، خصوصا مع شمول أية الحج، التي وقع فيها التعبير بالكفر للعمرة أيضا، كما عرفت، فالشك في الوجوب دليل على عدمه، كما هو ظاهر. و قد انقدح من جميع ذلك: ان الأقوى ما عليه المشهور، لكن الاحتياط حسن في كلّ حال.

(1) هذه المسألة ناظرة إلى العمرة الواجبة بالعرض و العمرة المستحبة، كما ان المسألتين المتقدمتين ناظرتان إلى العمرة الواجبة بالأصل، و البحث فيها من جهات:

الجهة الاولى: في وجوب العمرة بالنذر و شبهه من العناوين المذكورة في صدر المسألة، و الظاهر كما في المتن ان إطلاق الوجوب على العمرة و توصيفها بكونها واجبة بعنوانها، انما يكون في غير

صورة الإفساد، على نحو المجاز و المسامحة دون الحقيقة، لأن الواجب في النذر و أخويه انّما هو عناوين الوفاء بالنذر و العهد و اليمين، لا ما يتحقق به هذه العناوين في الخارج و يتّحد معه في الوجود، لأنّ مقام تعلق التكليف هي مرحلة العناوين و عالم المفاهيم، و الخارج، الذي هو ظرف الاتّحاد، انّما هو ظرف سقوط التكليف، موافقة أو مخالفة، و من الواضح: ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 229

..........

______________________________

الحكم لا يكاد يمكن ان يتعدى من العنوان، الذي تعلق به الى عنوان أخر، و لو وقع بينهما الاتحاد في الوجود، فالحكم الجائي من قبل النذر انما تعلق بعنوان الوفاء به و لا يسرى الى العنوان الذي تعلق به النذر، بل هو محكوم بحكم نفسه، فصلاة الليل مستحبة، و ان تعلق بها النذر، و لا يجوز في فرض النذر إذا أراد قصد الوجه، ان يصليها لوجوبها، أو بوصف كونها واجبة، بل يأتي بها بوصف الاستحباب، مثل صورة عدم النذر.

و هكذا في الشرط في ضمن العقد اللازم، كالبيع و نحوه، و في الاستيجار للعمرة، فإن متعلق الوجوب هو الوفاء بالشرط في الأوّل و بعقد الإجارة في الثاني. هذا كلّه في غير عنوان الإفساد.

و امّا فيما إذا أفسد المعتمر عمرته، فالذي يترتب على إفساده أمران: أحدهما الكفارة، ثانيهما وجوب العمرة ثانيا. و من الظاهر تعلق الوجوب بنفس عنوان العمرة، غاية الأمر، بسبب الإفساد لا بأصل الشرع. و حينئذ ان قلنا بلزوم الفصل بين العمرتين شهرا أو عشرة أيام على الاختلاف، فاللازم رعايته بالإضافة إلى العمرة الثانية، على تقدير اعتبار الفصل بينهما مطلقا، و لو كانت العمرة الأولى فاسدة، و ان لم

نقل باعتبار الفصل أصلا أو باعتباره مطلقا، يجوز له الإتيان بالثانية بلا فصل. هذا مع قطع النظر عن الرواية الواردة فيه، و اما مع ملاحظتها، فسيأتي البحث فيه في محلّه ان شاء اللّٰه تعالى.

الجهة الثانية: في وجوبها لدخول مكّة، لأنه لا يجوز دخولها بلا إحرام، قال في محكي المدارك: أجمع الأصحاب على انه لا يجوز لأحد دخول مكة بلا إحرام عدا ما استثنى ..

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 230

..........

______________________________

و يدل عليه من النصوص: صحيحة عاصم بن حميد، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام-: يدخل الحرم أحد إلّا محرما؟ قال لا، الّا مريض أو مبطون. «1»

و صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام-: هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام؟ قال: لا، الّا ان يكون مريضا أو به بطن. «2» و غير ذلك من الروايات الدالة عليه، و من الظاهر انّ الإحرام، الذي لا يجوز الدخول بدونه، لا يتحقّق بدون العمرة، لأنه لا استقلال للإحرام، بل لا بد ان يتحقق في ضمن الحج أو العمرة.

ثمّ انه قال في المدارك: «و لا يخفى ان الإحرام إنما يوصف بالوجوب مع وجوب الدخول، و الا كان شرطا غير واجب، كوضوء النافلة» و ظاهره الوجوب الشرعي في الصورة الاولى، من باب المقدمية، و قد صرّح بهذا الظهور النراقي في المستند. و ظاهر عبارة جماعة الوجوب الشرعي مطلقا من دون فرق بين الصّورتين، و صرّح بعض الاعلام أيضا بالوجوب الشرطي مع عدم وجوب الدخول، مع انّ الظاهر ان مرجع الوجوب الشرطي إلى شرطية الواجب به للمشروط، كشرطية الوضوء للصلاة النافلة، الراجعة الى عدم صحتها بدونه، و لو اتى بها بدونه لا يترتب

عليه الّا مجرد البطلان، و المقام ليس من هذا القبيل، بل من قبيل مدخلية الوضوء في جواز مسّ المصحف، و مرجعها الى انحصار التخلص عن حرمة المس بالوضوء و مثله.

و مما ذكرنا يظهر ان مقتضى التحقيق: انه ليس في البين و مثله الّا مجرد حرمة

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الخمسون ح- 1.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الخمسون ح- 2 و لا يخفى ان صاحب الوسائل أورد هذه الرواية في هذا الباب مكررا مع ان الراوي في كليهما هو محمد بن مسلم و الراوي عنه هو عاصم بن حميد و الامام الذي سئل هو أبو جعفر الباقر- ع- و لا اختلاف بين الألفاظ إلا يسيرا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 231

..........

______________________________

الدخول بمكة بغير إحرام، و حرمة مس المصحف، و لا يكون حكم وجوبي أصلا، و الحكم التحريمي انما يكون مرتبطا بالورود في مكة و بمسّ المصحف. غاية الأمر، ارتفاعه بالإحرام و بالطهارة، فالحكم بلزوم الإتيان به يرجع الى اللّابدية العقلية، التي منشأها انحصار التخلص عن الحرام بذلك، فلا يكون بالإضافة إلى الإحرام و الطهارة حكم شرعي وجوبي، سواء قلنا بوجوب مقدمة الواجب شرعا أم لم نقل بذلك.

الجهة الثالثة: في الموارد المستثناة من حرمة الدخول، و هي عبارة عن:

1- الحطاب و الحشاش: و الأصل في استثنائه صحيحة رفاعة بن موسى، قال:

سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل به بطن و وجع شديد يدخل مكّة حلالا؟ قال: لا يدخلها الّا محرما. قال: و قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام-: ان الحطابة و المجتلبة أتوا النبي- ص- فسألوه فأذن لهم ان يدخلوا حلالا. «1»

و المراد بالمجتلبة هي الطائفة التي تجلب ما يحتاج

اليه الناس من خارج البلد اليه، من الأرزاق و الأطعمة و الألبسة و الموادّ المحتاج إليها للبناء و نحوه. و لا يخفى كثرة هذه الطائفة، بالإضافة إلى مكّة، لفقدانها لأكثر ما يحتاج إليه أهلها، و لكنه يجبى إليها ثمرات كل شي ء، كما قال اللّٰه تعالى، فلها معنى وسيع يشمل أكثر التّجار و الكسبة، بخلاف الحطابة التي لا تشمل الّا خصوص من كان شغله ذلك. ثم انه هل الحكم يختص بخصوص هذين العنوانين- بلحاظ هذه الصحيحة- أو يتعدى عنهما الى غيرهما، و على تقدير التعدّي، فاللازم ملاحظة

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام أورد صدره في الباب الخمسون ح- 3 و ذيله في الباب الواحد و الخمسين ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 232

..........

______________________________

حدوده؟ صرّح بعض الأعلام بالأوّل، نظرا الى انحصار الدليل بالصحيحة و عدم القرينة على التعدي عن موردها، مع انه غير خفي: ان أهل العرف- مع رعاية التناسب بين الحكم و الموضوع و وضوح الملاك لهم في الجملة- لا يرون للعنوانين خصوصية، فالسائق الذي ينقل الناس من البلد الى خارجه و بالعكس و يتكرر منه ذلك، بل يكون شغلا له، هل لا يستفاد حكمه من الصحيحة؟ الظاهر هي الاستفادة، كما لا يخفى.

و على تقدير التعدي، كما هو الحق، فهل يتعدى الى كل من يتكرر منه الدخول و الخروج، و لو لم يكن التكرر شغلا و مهنة له، كما إذا تكرر منه ذلك لعلاج مرضه، أو كان طالبا في مكة و يتكرر منه الخروج و الدخول للتبليغ و الإرشاد، أو لزيارة قرابته- مثلا- و غير ذلك من الموارد، كما مثّلوا بما إذا كان له ضيعة خارج البلد و يتكرر منه ذلك

لإتيانها، أو يختص بما إذا كان التكرر شغلا له، كالسائق، في المثال، الذي ذكرنا؟ المنسوب الى المشهور هو الأوّل، و الظاهر هو الثاني، لأنه بعد البناء على التعدي لا دليل على سعة دائرته و شمولها لكل متكرر، بل القدر المتيقن هو التكرر المشابه للعنوانين المذكورين في الرواية، فلا دليل في مقابل العموم، المقتضي لعدم جواز الورود بمكة من دون إحرام، على أزيد من ذلك القدر المتيقن، لو لم نقل: بان العرف في نفسه يقتصر في التعدي على ذلك المقدار، و ان الخصوصية الملغاة عندهم هي خصوصية العنوانين لا خصوصية كون التكرر شغلا.

و بالجملة: ففي صورة الشك أيضا لا بد من الرجوع الى العموم، و الحكم بعدم الجواز، كما في جميع موارد دوران أمر المخصص بين الأقل و الأكثر، مفهوما. و لعلّة لذا اختار في المتن ما ذكرنا، و حكم بالإشكال في سعة دائرة التعدي، كما هو المشهور.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 233

..........

______________________________

ثم انه ذكر كاشف اللثام في مقام الاستثناء: الّا المتكرر دخوله كل شهر، بحيث يدخل في الشهر الذي خرج كالحطاب و الحشاش و الراعي و ناقل الميرة، و من كان له ضيعة يتكرر لها دخوله و خروجه للحرج، و قول الصادق- عليه السلام- في صحيح رفاعة ..، ثم ذكر الروايات المتضمنة للتحديد بالشهر.

و يرد على الاستدلال، بقاعدة نفي الحرج: انه على تقدير عدم الاستثناء أيضا لا يجب في الشهر الواحد أزيد من عمرة واحدة، و ليس بحيث يجب عليه ذلك في كل مرّة يدخل، مع ان المراد من الحرج في القاعدة هو الحرج الشخصي لا النوعي، و تعليل الحكم الكلي بالحرج الشخصي ممّا لا يستقيم.

و امّا الاستدلال بالصحيحة،

فيرد عليه: انه لا اشعار فيها بما اعتبره من الدخول في الشهر الذي خرج، في كل شهر، بل استظهر في الجواهر عدم اعتبار تكرر دخولهم قبل انقضاء شهر، فلو فرض ان بعض المجتلبة يحتاج الى فصل أزيد من شهر، دخل حلالا و لا شي ء عليه.

و قال بعد نقل كلام كاشف اللثام: و لم أجده لغيره، بل لعلّ ذكر الأصحاب ذلك مستثنى بخصوصه، كالصريح في خلافه، اللّٰهم الا ان يكون من جهة اعتبار سبق الإحرام في السّابق دونهم.

و مراده مما جعله الأصحاب مستثنى بخصوصه، هو: من اتى بعمرة و خرج ثم رجع قبل انقضاء الشهر، فإنه لا يجب عليه الإتيان بالعمرة، و يجوز له الدخول بدونها. و عليه، فاستثناء المتكرر لا بد و ان يكون المراد منه المتكرر و لو مع فصل أزيد من شهر، الّا ان يكون الفرق من الجهة المذكورة في ذيل كلامه- قده.

و ما أبعد ما بين ما افاده صاحب الجواهر و بين ما ذكره في المستمسك في مقام الاشكال على كاشف اللثام، من: ان الظاهر من التكرار لمثل المجتلبة و الحطابة، الوقوع في الشهر مرّات، و لا يكفي التكرار في الشهر مرّة، لأن الظاهر ان التكرار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 234

..........

______________________________

على النحو المتعارف من أهل تلك المهنة، فلو كان التكرار بطيئا أشكل التعدي اليه، و ان كان في الشهر مرّة.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا: انه يتعدى الى من كان التكرر شغلا له، و ان التكرر لا يلزم ان يكون في الشهرة مرّة فضلا عن المرّات، كما ان الاشكال، الذي أورد في المستمسك على صاحب الجواهر، هو ما ذكره نفسه بقوله: اللّٰهم الا ان

يكون ..

كما انه ظهر ان مثل الحطابة و المجتلبة لا يجب عليه الإحرام لأوّل الدخول بعد الخروج، بخلاف الصورة المذكورة، و هو من اتى بعمرة و خرج ثم رجع، فان المفروض فيه صورة وجوب الإحرام للدخول الأوّل.

2- المريض و المبطون: و قد دلّ على استثنائهما كثير من الروايات الواردة في أصل المسألة، و هو عدم جواز الدخول بمكة بغير إحرام، لكن صدر رواية رفاعة ظاهر في عدم الجواز بالإضافة إليهما أيضا، و لكن بقرينة سائر الروايات، لا بد من حمله على الاستحباب، كما صنعه الشيخ- قده.

3- من اتى بعمرة و خرج ثم رجع قبل انقضاء الشهر، فإنه يجوز له الدخول بدون الإحرام، و سيأتي البحث فيه ان شاء اللّٰه تعالى.

الجهة الرّابعة: في استحباب العمرة في موارد عدم الوجوب، و النص و الفتوى متطابقان عليه. ففي مرسلة الصدوق المعتبرة، قال: اعتمر رسول اللّٰه- ص- تسع عمر. «1» و في بعض الروايات اربع عمر، و في بعضها ثلاث عمر، و يدل عليه الروايات الآتية

______________________________

(1) وسائل أبواب العمرة الباب الثاني ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 235

..........

______________________________

في الجهة الخامسة، الدالة على ان لكل شهر عمرة و نظائرها.

الجهة الخامسة: في الفصل بين العمرتين، و قد وقع فيه الاختلاف قديما و حديثا، على أقوال أربعة:

1- القول باعتبار الشهر: و اختاره في محكي التهذيب و الوسيلة و الكافي و النافع و المختلف و الدروس، بل نسب الى المشهور، لكن في صحة النسبة تأمل.

2- القول باعتبار عشرة أيام: حكي عن الأحمدي و المهذب و الشرائع و الجامع و الإصباح و سائر كتب الشيخ، و كثير من كتب العلامة.

3- القول باعتبار السنة: نسب ذلك الى العماني،

لكن العبارة المحكية غير ظاهرة في ذلك، حيث قال: «قد تأوّل بعض الشيعة هذا الخبر و هو صحيح زرارة الآتي في أدلة القول بالسنة) على معنى مخصوص، فزعمت: انها في المتمتع خاصة، فأمّا غيره فله ان يعتمر في أيّ الشهور شاء، و كم شاء من العمرة، فإن يكن ما تأولوه موجودا في التوقيف عن السّادة آل الرسول- ص- فمأخوذ به، و ان كان غير ذلك، من جهة الاجتهاد و الظن في ذلك، مردود عليهم، و ارجع في ذلك كلّه الى ما قالته الأئمة- ع-».

4- عدم اعتبار الفصل بين العمرتين: و هو محكي عن الناصريّات و السرائر و المراسم و التلخيص و اللمعة، و جعله في الشرائع أشبه، و في كشف اللثام أقرب، و في الجواهر و المستند: نسب الى كثير من المتأخرين.

و يظهر من المتن: انه نفى القول الثالث و لم يرجح شيئا من سائر الأقوال، حيث انه بعد الإشارة إلى الاختلاف اقتصر على ان الأحوط مع الفصل بأقل من الشهر، الإتيان بها رجاء لا بقصد الورود و الاستحباب.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 236

..........

______________________________

و كيف كان، فمنشأ الاختلاف: الطوائف المختلفة من الروايات الواردة في هذا المجال، و وجه الجمع بينها.

فامّا ما يدل على القول الأوّل، فروايات مستفيضة، بل ربما يدعى تواترها إجمالا:

منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: في كتاب عليّ- ع- في كل شهر عمرة. «1»

و منها: صحيحة يونس بن يعقوب، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه- ع-: انّ عليّا- ع- كان يقول: في كل شهر عمرة. «2» و هي مشعرة بتكرر هذا القول منه- ع.

و مثلها: صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي

عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: كان عليّ- عليه السلام- يقول: لكلّ شهر عمرة. «3»

و منها: موثقة إسحاق بن عمّار، قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- السنة اثنى عشر شهرا، يعتمر لكل شهر عمرة. «4»

و منها: ما رواه في قرب الاسناد، عن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن الرّضا- عليه السلام- انه قال: لكل شهر عمرة. «5»

و منها: غير ذلك من الروايات الدالة على هذا القول.

و امّا ما يدل على القول الثاني: فرواية واحدة قد رواها المشايخ الثلاثة، لكن الشيخ رواها عن الكليني و هو يروي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن

______________________________

(1) وسائل أبواب العمرة الباب السادس ح- 1.

(2) وسائل أبواب العمرة الباب السادس ح- 2.

(3) وسائل أبواب العمرة الباب السادس ح- 4.

(4) وسائل أبواب العمرة الباب السادس ح- 9.

(5) وسائل أبواب العمرة الباب السادس- ح- 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 237

..........

______________________________

مرار عن يونس عن علي بن أبي حمزة، قال: سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن الرجل يدخل مكّة في السنّة المرة و المرتين و الأربعة، كيف يصنع؟ قال: إذا دخل فليدخل ملبيّا و إذا خرج فليخرج محلا. قال: و لكل شهر عمرة. فقلت: يكون أقلّ؟ فقال: في كل عشرة أيام عمرة، ثم قال: و حقّك لقد كان في عامي هذه السنّة، ست عمر. قلت: و لم ذاك؟ قال: كنت مع محمد بن إبراهيم بالطائف، و كان كلّما دخل دخلت معه. «1» و رواه الصدوق بإسناده عن القاسم بن محمد عن على بن أبي حمزة. و الاشكال في علي بن أبي حمزة، و انه هل هو الثمالي الثقة،

أو البطائني الكذاب؟ و لكنه ربما يقال باعتبار السند، نظرا إلى انه على التقدير الثاني يكون رواية مثل يونس، الذي هو من أصحاب الإجماع عنه، دليلا على وثاقته، مع انك عرفت مرارا: ان كون الراوي من أصحاب الإجماع لا يكون له مزية، زائدة على كونه مجمعا على وثاقته فقط، و لا دلالة له على انه لا يروي إلّا عن الثقة.

ثم انه يظهر من الجواهر وجود رواية أخرى على هذا القول، و انّها موثقة حاكية لقول الصادق- عليه السلام-: السنّة اثنا عشر شهرا، يعتمر لكل شهر عمرة، قال: قلت له: أيكون أقلّ من ذلك؟ قال: لكلّ عشرة أيام عمرة.

و الظاهر، كما اعترف به شراح العروة: عدم وجود رواية بهذه الصورة، لا في الوسائل و لا في غيرها من الجوامع.

و الظاهر ان منشأ الاشتباه، ان صاحب الوسائل بعد نقل موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة، نقل جزء من رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة، المشتملة على قوله- ع-: و لكل شهر عمرة .. فاشتبه صاحب الجواهر و أورد جزء هذه الرواية،

______________________________

(1) وسائل أبواب العمرة الباب السادس ج- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 238

..........

______________________________

ذيلا للموثقة، ففي الحقيقة وقع التلفيق بين الرّوايتين المتعاقبتين.

فانقدح: انه لا يدل على هذا القول إلا رواية واحدة، غير قابلة للاعتماد سندا، بل و لا دلالة أيضا، لوجود مثل التهافت فيها، فان المراد من قوله- ع-: و لكل شهر عمرة. هل هو ان أهمية العمرة و استحبابها، بمثابة: لا ينبغي ان لا يؤتى بها في شهر، فالمراد: ان كل شهر لا ينبغي ان يكون خاليا عن العمرة. و عليه فلا ينافي الإتيان بها في كل يوم فضلا عن عشرة أيام،

أو ان المراد، بيان الضابطة، و انّ مشروعية العمرة منحصرة بصورة فصل الشهر، و لا تكون بدونه مشروعة، فالنظر الى بيان الشرط للمشروعية، و اعتبار الفصل بين العمرتين بوقوعهما في شهرين.

و على كلا التقديرين، لا مجال لسؤال الراوي بعده، بقوله: فقلت: هل يكون أقل؟ لأنه على التقدير الأوّل: لا منافاة بين ما قاله الامام- ع- و بين الأقل من الشهر أصلا، لأنّ التحريص على عدم ترك العمرة في الشهر لا ينافي الاستحباب في كل يوم، بل في يوم واحد، متعددة، فلا معنى للسؤال المذكور، و على التقدير الثاني: يلزم التهافت، لان الحكم باعتبار تحقق الفصل بالشهر لا يجتمع مع تجويز الفصل بالأقل، و الا تلزم لغوية الضابطة الاولى، و نظير ذلك ما ذكرناه في مسألة عدم اعتبار شهادة العادل الواحد في الموضوعات الخارجية، من ان الحكم بالاعتبار يوجب لغوية جعل الحجية للبينة، التي لا بد فيها من التعدّد، لأنه إذا كانت شهادة الواحد كافية، فاعتبار التعدد لا مجال له أصلا، فمن ذلك يستفاد عدم اعتبار الواحد، كما هو ظاهر.

ثم انه ربما يتوهم: انّ رواية علي بن أبي حمزة، و ان كانت ضعيفة من حيث السّند، الّا انها لأجل ورودها في العمرة المفردة المستحبّة، يكون مقتضى قاعدة التسامح في أدلة السّنن، الأخذ بها.

و لكن يدفعه: ان الرواية لا دلالة لها على حكم استحبابي، بل مفادها الوجوب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 239

..........

______________________________

الشرطي، الراجع إلى مدخلية الفصل المذكور فيها في مشروعية العمرة الثانية و صحّتها، كالدليل الدال على شرطية الوضوء لصلاة النافلة، فإن مثله لا بد و ان يكون واجدا لشرائط الحجية، و لا يكون مشمولا لقاعدة التسامح بوجه.

و امّا ما

يدل على القول المنسوب إلى العماني، فصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: العمرة في كل سنة مرّة. «1» و صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: لا يكون عمرتان في سنة «2». و مثلها صحيحة زرارة بن أعين عن أبي جعفر- عليه السلام. «3» و هذه الروايات، و ان كان لا مجال للمناقشة فيها سندا و لا دلالة، لكنّه حيث يكون النص و الفتوى على خلافها، بل السيرة العملية المستمرة بين المسلمين عليه، لا محيص عن طرحها أو توجيهها بعمرة التمتع، كما حملها الشيخ على ذلك. و قد عرفت: ان الروايات الدالة على اعتبار الشهر، قد ادعى تواترها إجمالا، مضافا الى وجود روايات اخرى على خلافها، كما سيأتي بعضها في المتمتع الجاهل، الذي خرج من مكة بعد العمرة قبل الحج، و انه ان كان خروجه في شهر و دخوله في شهر أخر يجب عليه العمرة- أيضا- ثانية، و غير ذلك من الموارد المتعددة. و قد عرفت: ان كلام العماني ناظر الى بطلان التوجيه المذكور، لعدم وروده عن الامام- ع- و لا دلالة له على اختياره هذا القول، فالفتاوى حينئذ متطابقة على خلاف هذه الروايات، فلا مجال للأخذ بها أصلا.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا: انّ الأقوى بحسب المستند هو القول بالشهر، لانحصار الحجية و الاعتبار في رواياته. نعم، ربما يناقش في دلالتها بمثل ما ذكرنا في رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة، من انه يجري في عبارة: لكل شهر عمرة، أو في

______________________________

(1) وسائل أبواب العمرة الباب السادس ح- 6.

(2) وسائل أبواب العمرة الباب السادس ح- 7.

(3) وسائل أبواب العمرة الباب السادس ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الحج، ج 2، ص: 240

..........

______________________________

كل شهر عمرة، الواردة في كتاب عليّ- عليه السلام-، أو انه كان يقول بها، و هو مشعر بالتكرر كما مرّ، احتمالان:

أحدهما: انه لا ينبغي خلوّ كل شهر من عمرة، فهي مؤكدة في كل شهر، و هذا لا ينافي الاستحباب في كل يوم، فضلا عن عشرة أيام، بل في كل يوم مكرّرا بمقدار يمكن. و ثانيهما: اعتبار وقوع الواحدة في الشهر و شرطية عدم وقوع المتعدد منها في شهر واحد، كما يقول به القائل باعتبار الشهر.

و على تقدير جريان الاحتمالين و عدم وجود مرجح للاحتمال الثاني في البين، لا مجال للاستدلال بها، بل ربما يستظهر منها الأوّل، كما في المستمسك، حيث قال: «بل ظاهر قولهم: لكل شهر عمرة، كما في جملة منها، ان ذلك من وظائف الشهر.

هذا و لكن الظاهر ان المتفاهم عند العرف من هذه العبارة هو المعنى الثاني، الراجع الى بيان الشرطية، و عدم صلاحية شهر واحد، لوقوع أزيد من عمرة واحدة فيه.

و يؤيّده فهم علي بن أبي حمزة- في روايته المتقدمة- هذا المعنى من تعبير الامام- ع- و سؤاله: انه هل يكون أقل من ذلك؟ فان هذا السؤال لا يلتئم إلّا مع كون المراد منه ذلك، و الجواب أيضا تقرير له على هذا الفهم. غاية الأمر، انّ التنزل الى العشر لا يجتمع مع الضابطة الأوّلية، كما ناقشنا في دلالتها، و لكن البحث فعلا ليس في الأخذ بمفادها، بل في استفادة السائل منه ما ذكرنا و تقرير الامام له، و هو يدلّ على كون المتفاهم العرفي ذلك.

و يدل على ما ذكرنا، من تعين الاحتمال الثاني: انه قد وقع في روايات السنّة.

المتقدمة تعبيران: أحدهما: ان العمرة في كل سنة مرّة،

و ثانيهما: لا يكون عمرتان في سنة. و من الواضح: ان العبارة الثانية انّما هي عبارة أخرى عن العبارة الأولى،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 241

..........

______________________________

فيدل على ان مثل التعبير الأوّل مفاده انّما هو عدم اجتماع عمرتين في سنة، و عدم صلاحية السنة الواحدة لوقوع عمرتين فيها. و من المعلوم: ان قوله: في كل شهر عمرة أو لكل شهر عمرة، مثل العبارة الأولى، لأن تنوين التنكير في «عمرة» يدل على الوحدة، التي قد صرّح بها في رواية السنّة. فبملاحظة ما ذكر لا يبقى إشكال في كون الظاهر من مثل هذه العبارة هو بيان الاعتبار و الشرطيّة، و أقوى من هذه العبارة، الرواية المتقدمة، الدالة على ان السنّة اثنا عشر شهرا، و يعتمر في كل منها، كما لا يخفى.

ثم انه يؤكد ما ذكرنا و يؤيد ما اخترنا ما ورد في موردين.

أحدهما: ما ورد فيمن أفسد عمرته المفردة، من مثل صحيحة بريد بن معاوية العجلي، قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل اعتمر عمرة مفردة، فغشي أهله قبل ان يفرغ من طوافه و سعيه. قال: عليه بدنة، لفساد عمرته، و عليه ان يقيم الى الشهر الأخر فيخرج الى بعض المواقيت، فيحرم بين عمرة. «1» و يمكن ان يقال بأولوية المقام من مورد الرواية، لأنه إذا لم يمكن الجمع بين عمرتين كانت الاولى منهما فاسدة في شهر واحد، فعدم إمكان الجمع بين الصحيحتين انّما هو بطريق اولى، فتدبّر.

ثانيهما: ما ورد في المتمتع، الذي خرج من مكة بعد إتمام عمرة التمتع، جاهلا غير محرم، من مثل صحيحة حمّاد بن عيسى عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال:

من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج،

لم يكن له ان يخرج حتى يقضي الحج، فان عرضت له حاجة الى عسفان أو الى الطائف أو الى ذات عرق خرج محرما و دخل ملبيّا بالحج، فلا يزال على إحرامه، فإن رجع الى مكة رجع محرما و لم يقرب البيت

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثاني عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 242

..........

______________________________

حتى يخرج مع الناس الى منى على إحرامه، و ان شاء وجهه ذلك الى منى، قلت:

فان جهل فخرج الى المدينة أو نحوها بغير إحرام، ثم رجع في ابّان الحج في أشهر الحج يريد الحج، فيدخلها محرما أو بغير إحرام؟ قال: ان رجع في شهره دخل بغير إحرام، و ان دخل في غير الشهر دخل محرما، قلت: فأيّ الإحرامين و المتعتين، متعة الأولى أو الأخيرة؟ قال: الأخيرة هي عمرته، و هي المحتبس بها، التي وصلت بحجته .. الحديث. «1»

فانّ المستفاد منه جريان ما ذكر في العمرة المفردة، في عمرة التمتع، و انه مع كون الدخول في غير شهر الخروج لا بد من الإتيان بها ثانية، و مع اتحادهما في الشهر لا يلزم التكرار.

ثم ان المستفاد من روايات الشهر ليس هو اعتبار فصل مقدار الشهر بين العمرتين، بل مفادها عدم صلاحية كل شهر الّا لوقوع عمرة واحدة فيه، فشهر رجب لا يكون صالحا الّا للواحدة، و كذا شهر شعبان و سائر الشهور، و عليه، فلو اتى بالعمرة الرجبيّة في آخر شهر رجب، يجوز له ان يأتي بالعمرة الثانية في أوّل شعبان، لوقوع كل منهما في شهر غير شهر لآخر، و هذا كما لو نذر الإطعام- مثلا- في كل شهر، فان اللازم ان لا يخلو الشهر من

الإطعام، من دون فرق بين اوّله و وسطه و أخره. و الروايتان الواردتان فيمن أفسد العمرة، أو في المتمتع، الذي خرج من مكة جاهلا، ظاهرتان في هذا المعنى أيضا. و عليه، فما يخطر بالبال في بادي النظر من القائلين باعتبار الشهر من كون الفصل بين العمرتين، لا بد و ان يكون بمقدار شهر، ليس بمستند، بل الفصل هو عنوان الشهر، من الرجب و الشعبان و غيرهما.

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني و العشرون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 243

..........

______________________________

و قد ظهر مما ذكرنا: انه لا مجال لحمل الروايات المتقدمة، المختلفة على اختلاف مراتب الفضل، بحيث كانت العمرة في كل يوم، بل في يوم واحد مرارا، بمقدار الإمكان، مستحبّة ذات فضيلة، و كانت العمرة في كل عشرة أكده، و في كل شهر أكد من العشرة، و في كل سنة أكد من الشّهر، فان هذا الحمل يبتني، أوّلا: على وجود الإطلاق لأدلة استحباب العمرة، و شمولها لكل زمان ممكن. و ثانيا: على اعتبار رواية العشر. و ثالثا: على كون المراد من ثبوت العمرة في مثل العشر أو الشهر، هو الاحتمال الأوّل من الاحتمالين، اللذين ذكرنا. و رابعا: على صلاحية جميع الروايات لهذا الحمل، مع ان المباني الأربعة كلها محل نظر، بل منع، لعدم ثبوت الإطلاق لتلك الأدلة، لأنها في مقام بيان أصل المشروعية و الاستحباب، و لا إطلاق لها يشمل كل زمان ممكن، و عدم اعتبار رواية العشر- كما عرفت- و عدم كون المراد هو الاحتمال الأوّل، بل الاحتمال الثاني- كما مرّ- و عدم صلاحية جميع الروايات للحمل المزبور، لان قول الإمامين- عليهما السلام-:

لا يكون عمرتان في سنة. كيف

يجري فيه هذا الحمل، مع ظهوره في عدم مشروعية الزائدة على الواحدة في السنّة؟ فلا مجال له، و ان أصرّ عليه صاحب المستمسك.

و بما ذكر أخيرا يظهر ان مقتضى الاحتياط- بعد الاعراض عن روايات السنّة أو توجيهها و الاتكاء على روايات الشهر- عدم الإتيان بها مكررة في شهر واحد لا الإتيان بها رجاء و بقصد احتمال المطلوبية، كما يظهر من المتن و غيره، فإنه بعد قيام الدليل المعتبر على عدم المشروعية لا يشرع الإتيان بها أصلا، لا أنه يؤتى بها رجاء.

بقي الكلام في هذا المقام في أمرين: الأوّل: انه غير خفي: انّ النظر في جميع الروايات المتقدمة انّما هو الى العمرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 244

..........

______________________________

المفردة فقط، و امّا العمرة المتمتع بها، التي يجب ان تكون في أشهر الحج، و مع اعمال الحج و مناسكه، فهي خارجة عن الروايات، لأنّها تبعا لأصل الحج لا يؤتي بها في السنّة إلّا مرة واحدة. و عليه، فلا مانع من الجمع بينها و بين العمرة المفردة في شهر واحد، سواء وقعت قبلها أم بعدها و بعد الحج. نعم، قام الدليل على عدم جواز تخلل العمرة بين عمرة التمتّع و حجه، و سيأتي الكلام فيه ان شاء اللّٰه تعالى.

الثاني: ان ظاهر الروايات عدم جواز وقوع عمرتين في شهر واحد بالإضافة إلى مكلف واحد، لا بالإضافة إلى مجموع المكلفين. و هذا مما لا ينبغي الارتياب فيه، كما ان الظاهر الذي منشأه الانصراف، عدم جوازه من شخص واحد إذا أراد إيقاعهما لنفسه، و امّا إذا كانت واحدة منهما لنفسه و الأخرى لغيره نيابة، بالتبرع أو الاستيجار، فلا دلالة للروايات على المنع عنه في شهر واحد.

و عليه، فيجوز ان ينوب عن غيره و الإتيان بها في كل يوم، فضلا عن الشهر، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 245

في أقسام الحجّ

اشارة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 247

القول في أقسام الحج و هي ثلاثة: تمتع و قران و افراد:

و الأوّل فرض من كان بعيدا عن مكّة، و الآخران فرض من كان حاضرا، اي غير بعيد، و حدّ البعد ثمانية و أربعون ميلا من كل جانب- على الأقوى- من مكّة، و من كان على نفس الحدّ، فالظاهر انّ وظيفته التمتع، و لو شك في ان منزله في الحدّ أو الخارج وجب عليه الفحص، و مع عدم تمكنه يراعى الاحتياط. ثم انّ ما مرّ انّما هو بالنسبة الى حجة الإسلام، و امّا الحج النذري و شبهه، فله نذر أيّ قسم شاء، و كذا حال شقيقيه، و امّا الافسادي فتابع لما أفسده. (1)

______________________________

(1) يقع الكلام في المتن في مقامات:

المقام الأوّل: في أصل انقسام الحج إلى ثلاثة، و كون التمتع أحد الأقسام: قال في الجواهر:

بلا خلاف أجده فيه بين علماء الإسلام، بل إجماعهم بقسميه عليه، مضافا الى النصوص المتواترة فيه أو القطعية، بل قيل: انه من الضروريات.

و من المناسب نقل شطر من الرواية المفصلة، الواردة في هذا الباب، الدالة على كيفية تشريع التمتع و زمانه، و من اعترض عليه و دوام التشريع، ففي الحقيقة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 248

..........

______________________________

يكون دليلا على حكم فقهي أصلي، و بيانا لقصة تاريخية، و مشتملا على مسألة مهمة كلامية:

و هي صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام-: انّ رسول اللّٰه-

ص- أقام بالمدينة عشر سنين لم يحجّ، ثم انزل اللّٰه عليه «وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجٰالًا وَ عَلىٰ كُلِّ ضٰامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» فأمر المؤذنين أن يؤذّنوا بأعلى صوتهم: بان رسول اللّٰه- ص- يحج من عامه هذا. فعلم به من حضر المدينة و أهل العوالي و الاعراب، فاجتمعوا، فحج رسول اللّٰه- ص-، و انما كانوا تابعين ينتظرون ما يؤمرون به فيتبعونه، أو يصنع شيئا فيصنعونه، فخرج رسول اللّٰه- ص- في أربع بقين من ذي القعدة، فلما انتهى الى ذي الحليفة، فزالت الشمس، اغتسل، ثم خرج حتى اتى المسجد، الذي عند الشجرة، فصلى فيه الظهر و عزم (أحرم) بالحج مفردا، و خرج حتى انتهى الى البيداء، عند الميل الأوّل، فصف الناس له سماطين، فلبى بالحج مفردا، و ساق الهدي ستّا و ستين بدنة أو أربعا و ستين، حتى انتهى الى مكة في سلخ اربع من ذي الحجة، فطاف بالبيت سبعة أشواط و صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم، ثم عاد الى الحجر فاستلمه، و قد كان استلمه في أوّل طوافه، ثم قال: إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ فابدؤا بما بدأ اللّٰه به. و ان المسلمين كانوا يظنّون ان السعي بين الصفا و المروة شي ء صنعه المشركون، فانزل اللّٰه تعالى «إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا» ثم اتى الصفا فصعد عليه، فاستقبل الركن اليماني، فحمد اللّٰه و اثنى عليه، و دعا مقدار ما تقرأ سورة البقرة مترسّلا، ثم انحدر إلى المروة فوقف عليها، كما وقف على الصّفا، ثم انحدر و عاد الى الصفا فوقف عليها، ثم انحدر إلى المروة، حتى

فرغ من سعيه، ثم اتى جبرئيل و هو على المروة، فأمره أن يأمر الناس ان يحلّوا إلّا سائق هدي، فقال رجل: أ نحلّ و لم نفرغ من مناسكنا؟

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 249

..........

______________________________

فقال: نعم. فلما وقف رسول اللّٰه- ص- بالمروة بعد فراغه من السّعي اقبل على الناس بوجه، فحمد اللّٰه و اثنى عليه، ثم قال: ان هذا جبرئيل- و أومأ بيده الى خلفه- يأمرني ان أمر من لم يسق هديا ان يحلّ، و لو استقبلت من امري مثل الذي استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم «1»، و لكني سقت الهدي و لا ينبغي لسائق الهدي ان يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه. قال: فقال له رجل «2» من القوم: لنخرجن حجّاجا و شعورنا تقطر؟ فقال له رسول اللّٰه- ص-: اما انّك لن تؤمن بعدها ابدا. فقال له سراقة بن مالك بن خثعم الكناني: يا رسول اللّٰه علمنا ديننا، كأنما خلقنا اليوم، فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لما يستقبل؟ فقال له رسول اللّٰه- ص-: بل هو للأبد إلى يوم القيامة. ثم شبّك أصابعه بعضها الى بعض و قال: دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة، و قدم عليّ- ع- من اليمن على رسول اللّٰه- ص- و هو بمكة، فدخل على فاطمة- ع- و هي قد أحلّت، فوجد ريحا طيبة، و وجد عليها ثيابا مصبوغة، فقال: ما هذا يا فاطمة؟ فقالت: أمرنا رسول اللّٰه- ص-، فخرج عليّ- ع- الى رسول اللّٰه- ص- مستفتيا و محرشا على فاطمة- ع-، فقال: يا رسول اللّٰه- ص-:

انّي رأيت فاطمة قد أحلّت، عليها ثياب مصبوغة، فقال رسول اللّٰه- ص-: انا أمرت الناس بذلك، و أنت يا

عليّ بما أهللت، قال: قلت: يا رسول اللّٰه: إهلالا

______________________________

(1) قال ابن أثير في نهايته في معنى هذه العبارة: «أي لو عنّ لي هذا الرأي الذي رأيته آخرا و أمرتكم به في أوّل امري، لما سقت الهدي معي و قلّدته و أشعرته، فإنه إذا فعل ذلك لا يحلّ حتى ينحر، و لا ينحر الا يوم النحر، فلا يصح له فسخ الحج بعمرة، و من لم يكن معه هدي، فلا يلتزم هذا، و يجوز له فسخ الحج، و انما أراد بهذا القول تطييب قلوب أصحابه، لأنه كان يشقّ عليهم ان يحلّوا و هو محرم، فقال لهم ذلك، لئلا يجدوا في أنفسهم، و ليعلموا ان الأفضل لهم قبول ما دعاهم اليه، و انه لو لا الهدي لفعله».

(2) قال العلامة المجلسي في مرآة العقول: انه قد تواتر كون الرجل هو عمر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 250

..........

______________________________

كإهلال النبي- ص-، فقال له رسول اللّٰه- ص-: كن على إحرامك مثلي، و أنت شريكي في هديتي .. الحديث. «1»

المقام الثاني: في ان التمتع فرض من كان بعيدا عن مكة، و الآخران فرض من كان حاضرا، اى غير بعيد، و سيأتي حدّ البعد ان شاء اللّٰه تعالى، و قد حكى الإجماع على الأوّل من جملة كثيرة من الكتب الفقهيّة، كما في محكي كشف اللثام و المستند، و لم يحك الخلاف في الثاني الّا عن الشيخ، في أحد قوليه، و يحيى بن سعيد.

و يدل على كليهما الكتاب و السنّة: امّا الكتاب: فقوله تعالى «فَإِذٰا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ

كٰامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَ اتَّقُوا اللّٰهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ شَدِيدُ الْعِقٰابِ».

فان الظاهر ان المشار اليه بقوله «ذٰلِكَ» الذي، هو للإشارة إلى البعيد، هو التمتع بالعمرة إلى الحج، و ليس المراد من الحاضر ما يقابل المسافر أو الغائب، لأن الملاك في الحاضر، الذي يقابل الأمرين، هو نفس المكلف و اتصافه بذلك، فالحاضر يجب عليه الإتمام و الصيام، كما ان المسافر يجب عليه القصر و الإفطار، و كذلك في الحاضر الذي يقابل الغائب، فإن الملاك حضور الشخص و غيابه، و لم يعهد في شي ء من الأمرين مدخلية حضور الأهل. و عليه، فتوصيف الأهل بالحضور في الآية دليل على ان المراد غير الأمرين، و ليس الّا البعد في مقابل القرب، و البعيد في مقابل القريب. نعم، ربما يشكل في الاستدلال بالآية، لما

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 251

..........

______________________________

ذكر: بانّ ظاهر الآية بلحاظ التعبير باللام الظاهر في النّفع، ان البعيد يجوز له الإتيان بالتمتع في مقابل القريب، الذي لا يسوغ له ذلك، و لا دلالة لها على تعين التمتع للنائي، و لذا قال في المستمسك: ان ظاهر الآية الشريفة حصر التمتع بالنائي لا حصر النائي به، كما هو المدّعي.

هذا، و لكن الظاهر ان المتفاهم من الآية، بضميمة صدرها الدال، على وجوب إتمام الحج و العمرة للّٰه، بالمعنى الذي تقدم للإتمام، هو التقسيم و تعيين وظيفة المكلف المستطيع، و انّه ان كان نائيا بعيدا يجب عليه التمتع، و ان كان قريبا يجب عليه أحد القسمين الآخرين: القران و الافراد، و التعبير باللام لعلّه من جهد أن ماهية حج التمتع

فيها سعة، لا توجد في غيره، فإن الإحلال قبل الحج بعد الورود بمكة و الفراغ من العمرة يختص بالتمتع، لان غيره لا يتحقق له الإحلال بعد الورود بها الّا بعد الفراغ عن اعمال الحج، المتوقف على مضيّ وقته و زمانه الخاص، و هذا أحد وجوه التسمية بالتمتع، مع انه يمكن ان يكون اللام للاختصاص.

و بالجملة: لا تنبغي المناقشة في دلالة الآية على تعين وظيفة النائي في التمتع، و بالدلالة الالتزامية تدل على تعين وظيفة غير النائي، في غيره، بنحو التخيير بين القسمين.

و امّا السنّة: فطائفة منها ظاهرة، بل صريحة في تعين وظيفة النائي في التمتع، و طائفة أخرى دالة على عدم مشروعية التمتع، بالإضافة إلى القريب.

أمّا الطائفة الأولى: فمنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة، لأنّ اللّٰه تعالى يقول «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 252

..........

______________________________

فليس لأحد الّا ان يتمتع، لأنّ اللّٰه انزل ذلك في كتابه، و جرت به السنّة من رسول اللّٰه- ص. «1»

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 2، ص: 252

و هذه الرواية أدلّ روايات هذه الطائفة، لأنّها مضافا الى دلالتها على حصر مشروعية الحج في التمتع، اي بالإضافة إلى النائي، للتفريع على قوله تعالى «فَمَنْ تَمَتَّعَ ..» الوارد فيمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، وقع فيها الاستشهاد بالاية، و قد مرّ مرارا: ان مرجع الاستشهاد و الاستدلال بالكتاب الى ظهور الكتاب في

نفسه في ذلك. غاية الأمر، توقف ذلك على ملاحظته و النظر فيه، و الّا فلو كان الحكم الذي استدل له بالكتاب، غير متفاهم من ظاهر الآية عرفا، بل كان امرا مخالفا للظاهر، قد بيّنه الامام عليه السلام. فتفسيره و ان كان حجة في هذا الحال الّا انه لا يبقى معه مجال للاستدلال بالكتاب، خصوصا إذا كان الناس و مراجعهم مخالفين، فهذه الرواية شاهدة على ما ذكرنا من تمامية دلالة الكتاب، و انه لا وجه للخدشة في دلالته بعدم كون مفادها حصر النائي بالتمتع، بل حصر الثاني بالأوّل.

و منها: صحيحة أخرى للحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن الحج. فقال: تمتع، ثم قال: انّا إذا وقفنا بين يدي اللّٰه تعالى قلنا: يا ربّنا أخذنا بكتابك، و قال النّاس: رأينا رأينا، و يفعل اللّٰه بنا و بهم ما أراد. «2»

و لكنه يمكن المناقشة في دلالتها على التعين: بان قوله- ع-: تمتع. و ان كان ظاهرا في نفسه في تعين التمتع، الّا انه بلحاظ وقوعه في مقام توهم الحظة، لكونه على خلاف معتقد الناس، لا يبقى مجال للاستدلال به على التعين، كما لا يخفى.

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثالث ح- 2.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثالث ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 253

..........

______________________________

نعم، لا تجري هذه المناقشة في رواية ليث المرادي، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: ما نعلم حجّا للّٰه غير المتعة، انا إذا لقينا ربّنا قلنا: يا ربّنا عملنا بكتابك و سنّة نبيّك، و يقول القوم: عملنا برأينا، فيجعلنا اللّٰه و إياهم حيث يشاء. «1» و ذلك لظهورها في عدم مشروعية غير المتعة، و عدم

العلم بثبوت حج غيرها.

و مثلها: رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام-: ما نعلم حجّا للّٰه غير المتعة، انّا إذا لقينا ربّنا قلنا: ربّنا عملنا بكتابك و سنّة نبيك، و يقول القوم: عملنا برأينا، فيجعلنا اللّٰه و إياهم حيث يشاء «2».

و منها: رواية أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام-: يا با محمّد! كان عندي رهط من أهل البصرة فسألوني عن الحج، فأخبرتهم بما صنع رسول اللّٰه- ص- و بما أمر به، فقالوا لي: ان عمر قد أفرد الحج، فقلت لهم: ان هذا رأي رآه عمر، و ليس رأي عمر كما صنع رسول اللّٰه- ص. «3»

و منها: غير ذلك من الروايات التي يأتي بعضها في المباحث الآتية ان شاء اللّٰه تعالى.

و اما الطائفة الثانية: فمنها: صحيحة الفضلاء: عبيد اللّٰه الحلبي و سليمان بن خالد و أبي بصير، كلّهم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: ليس لأهل مكّة و لا لأهل مرّ و لا لأهل سرف متعة، و ذلك لقول اللّٰه- عزّ و جلّ:

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثالث ح- 7.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثالث ح- 13.

(3) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثالث ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 254

..........

______________________________

«ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» «1».

قال في القاموس: بطن مرّ، و يقال له مرّ الظهران، موضع على مرحلة من مكّة، و عن المصباح المنير: المرحلة: المسافة التي يقطعها المسافر في نحو يوم، و الجمع مراحل. و في القاموس أيضا: ان سرف ككتف: موضع قريب للتنعيم، و عن النهاية، في حديث تزويج ميمونة بسرف: هو بكسر الرّاء: موضع من

مكة على عشرة أميال، و قيل أقل أو أكثر.

و مثلها: رواية سعيد الأعرج، قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام-: ليس لأهل سرف و لا لأهل مرّ و لا لأهل مكّة متعة، يقول اللّٰه تعالى «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ». «2»

هذا، و امّا ما حكى عن الشيخ في أحد قوليه، و ابن سعيد، من جواز التمتع للقريب، فربما يستدل له بان التمتع لا ينقص عن القرآن و الافراد، بل المتمتع يأتي بصورة الافراد و زيادة، و لا تنافيه زيادة العمرة قبله.

و بطلان هذا الاستدلال واضح، بعد مغايرة التمتع مع غيره، و ان كانا مشتركين في جملة من الاحكام، و لا دليل على اجزائه عنه، بل قام الدليل على الخلاف، كما عرفت في الطائفة الثانية.

نعم، يمكن الاستدلال له بالصحيحتين الواردتين في المكيّ، إذا خرج الى بعض الأمصار، و انه يجوز له التمتع في الرجوع.

إحديهما: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث، قال: سألته عن رجل من أهل مكّة يخرج الى بعض الأمصار ثم يرجع الى

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب السادس ح- 1.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب السادس ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 255

..........

______________________________

مكّة، فيمرّ ببعض المواقيت، أ له أن يتمتّع؟ قال: ما أزعم: ان ذلك ليس له لو فعل، و كان الإهلال أحبّ الىّ. «1»

ثانيتهما: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و عبد الرحمن بن أعين، قالا: سألنا أبا الحسن- عليه السلام- عن رجل من أهل مكّة خرج الى بعض الأمصار، ثم رجع فمرّ ببعض المواقيت التي وقت رسول اللّٰه- ص-، له ان يتمتع؟ فقال: ما أزعم: ان

ذلك ليس له، و الإهلال بالحج أحبّ اليّ .. الحديث. «2»

و لكن يرد على الاستدلال بهما للمقام، مضافا الى ما سيأتي، من: ان الحكم بجواز التمتع في مورد الروايتين، و ان نسب الى المشهور، لكنّه غير ثابت، بل لعل خلافه لا يخلو عن قوة، كما اختاره الماتن- قدس سره الشريف- نظرا إلى إمكان حملهما على الحج المندوب، بل في إحديهما قرينة على ذلك: انه على تقدير الحكم بالجواز في موردهما، لا دلالة له على ان الحكم الاولي و الوظيفة الأصلية في المكي، و من هو مثله جواز التمتع، و البحث فعلا انّما هو في ذلك، و الّا فالمتمتع أيضا قد تتبدل وظيفته الى الافراد، كما إذا ضاق الوقت عن إتمام العمرة.

و قد انقدح مما ذكرنا: انه ليس لمن كان أهله حاضري المسجد الحرام التمتع، بحسب الوظيفة الأصليّة.

المقام الثالث: في حدّ البعد: و قد وقع فيه الاختلاف على قولين، ذهب الى كل منهما جماعة كثيرة، و ان نسب القول بما في المتن الى المشهور و بغيره إلى الندرة، لكن الحق،

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب السابع ح 2.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب السابع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 256

..........

______________________________

كما في الجواهر: عدم صحة النسبة.

و كيف كان، فذهب الى القول بانّ حدّ البعد ثمانية و أربعون ميلا: القمي في تفسيره، و الصدوقان و المحقق في المعتبر و النافع، و العلامة في كثير من كتبه، و الشهيدان و الكركي و غيرهم. و الى القول: بان الحدّ هو اثنا عشر ميلا: المبسوط و الاقتصاد و التبيان و مجمع البيان و فقه القران و روض الجنان و الجمل و العقود و الغنية

و الكافي و الوسيلة و السرائر و الجامع و الإصباح و الإشارة، و المحقق في الشرائع، و صاحب الجواهر و غيرهم.

و امّا الروايات الواردة في هذا المجال، فلم يرد شي ء منها في التحديد باثني عشر ميلا، بل هي على ثلاث طوائف:

الأولى: ما يدل على التحديد بثمانية و أربعين ميلا: و هي صحيحة زرارة عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: قلت لأبي جعفر- ع-: قول اللّٰه عزّ و جلّ في كتابه:

«ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ»؟ قال: يعني أهل مكة ليس عليهم متعة، كل من كان اهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق و عسفان، كما يدور حول مكة، فهو ممّن دخل في هذه الآية، و كل من كان اهله وراء ذلك فعليهم المتعة. «1»

و عن القاموس: عسفان كعثمان: موضع على راحلتين من مكّة، و ذات عرق:

بالبادية ميقات أهل العراق. و عن التذكرة ذات عرق على مرحلتين من مكّة، و يظهر من تاريخ البلدان لليعقوبي أيضا ذلك، و ان عسفان واقع في طريق مكة إلى المدينة في المرحلة الثانية، و ذات عرق واقع في طريق مكة إلى العراق كذلك، و ان المرحلة الاولى في الثاني هو بستان ابن عامر، و في الأوّل هو بطن مرّ، الذي قد

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب السّادس ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 257

..........

______________________________

ذكر في الرواية المتقدمة.

و مع ذلك يكون في الصحيحة تشويش و اضطراب، من جهة احتمال كون قوله- ع- ذات عرق .. مثالا للثمانية و الأربعين من بعض الجوانب، و عليه، فيقع مضافا إليه لكلمة «دون» المضافة إلى الثمانية و الأربعين. فتدل على اعتبار كون الحدّ دون الأمرين،

و يحتمل ان يكون مرتبطا بنفس هذه الكلمة، و يكون مثالا لدون الثمانية و الأربعين و الوجه في التمثيل بهما، مع سعة دائرة الكلمة، كونهما واقعين في أخر الحد، و كذا في الرواية تشويش من جهة قوله- ع-: كما يدور حول مكة، لعدم وضوح ارتباطه بما قبله، كما لا يخفى.

ثم انه أورد في الوسائل رواية بعنوان انّها رواية أخرى لزرارة، و تبعه في ذلك الكتب الفقهية، و هي ما رواه الشيخ بإسناده عن علي بن السندي عن حمّاد عن حريز عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: سألته عن قول اللّٰه «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» قال: ذلك أهل مكة، ليس لهم متعة، و لا عليهم عمرة، قال: قلت: فما حدّ ذلك؟ قال: ثمانية و أربعين ميلا من جميع نواحي مكّة، دون عسفان و دون ذات عرق. «1»

و قبل البحث في سنده و دلالته، نقول: انه لا ينبغي الإشكال في عدم كونها رواية أخرى غير روايته الأولى، لأن مرجع المغايرة إلى سؤال زرارة عن أبي جعفر- ع- شيئا واحدا مرّتين، و هو لا يناسب مقام زرارة، خصوصا بعد كون البناء على ضبط السؤال و الجواب و كتابة الرّوايات، حفظا لكلماتهم- عليهم السّلام- للأخلاف الآتية و الأزمنة المستقبلة، للاجتهاد و الاستنباط، فإنه حينئذ لا يبقى وجه لتعدد السّؤال. و يؤيد وحدة الروايتين كون الراوي عن زرارة في كليهما هو

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب السّادس ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 258

..........

______________________________

حريز، و عن حريز هو حمّاد، فيدل ذلك على ان تعدد النقل انما نشأ من قبل حمّاد، و هذا لا يوجب التعدّد بوجه، و

كم لذلك نظير في كتاب الوسائل.

و امّا سنده فقد نوقش فيه، تارة: من جهة عدم توثيق معتبر لعليّ بن السندي، لأنه ذكر الكشي. ان نصر بن الصباح قد وثّقه، مع انه بنفسه لم يوثق و لم يتعرض له غيره، لا النجاشي و لا الشيخ في فهرسته و رجاله، و لا في المشيخة.

و اخرى: من جهة جهالة طريق الشيخ الى علي بن السندي، فإنه و ان روى عنه كثيرا في التهذيب، لكنه مع ذلك لم يتعرض لذكر الوسائط، مع كون البناء على التعرض له في أخر الكتاب. و عليه، فطريق الشيخ اليه مجهول.

هذا، و لكن جماعة من المحققين من الرجاليين، كالوحيد البهبهاني و الأردبيلي صاحب جامع الرّواة قد وثقوه بدعوى اتحاده مع علي بن إسماعيل الميثمي الثقة، و ان السندي لقب إسماعيل، و قد صرح بالاتحاد سيّدنا العلامة الأستاذ البروجردي في كتابه: «ترتيب أسانيد الكافي» المطبوع أخيرا، و هذه الدعوى و ان كان قد نوقش فيها، الّا انه يؤيّدها عدم التعرض لعنوان الرجل بهذا النحو في الكتب المذكورة، فإنه كيف يمكن ان يصير مغفولا عنه، خصوصا بعد كثرة رواياته، و حذف الوسائط بينه و بين الشيخ، المستلزم للتعرض له في المشيخة؟! و لكن الأمر عندنا سهل،- لما عرفت- من: عدم كونها رواية أخرى لزرارة، و اتحادها مع الاولى، و ان كان بينهما اختلاف يسير من جهة اشتمال الاولى على اضافة كلمة «دون» إلى الثمانية و الأربعين دون الثانية، و ان كان يجري فيها احتمال السقط، خصوصا مع ذكر الثمانين بنحو المضاف إليه، لأنه كان اللازم- مع عدم السقط- ذكره بصورة الرّفع.

و من جهة التصريح في الثانية، بإضافة تلك الكلمة إلى عسفان و ذات عرق، الظاهرة في

خروجهما عن الحدّ، و لزوم التمتع عليهما بخلاف الأولى، التي عرفت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 259

..........

______________________________

جريان الاحتمالين فيها.

هذا، و امّا قوله- ع-: من جميع نواحي مكة. و مثله في الرواية الاولى، فلا ينبغي الارتياب في عدم كون المراد منه هو التوزيع على النواحي الأربعة، بحيث كان كل ناحية اثنا عشر ميلا، لانه مضافا الى كونه خلاف ظاهر العبارة، لا وجه للتعبير بالمجموع، مع بداهة كون المبتلى به لكل مكلف، سواء كان داخلا في الحدّ أو خارجا، عنه، هي ناحية واحدة فقط، فضم النواحي الأخر لا يترتب عليه فائدة أصلا.

و كيف كان، لا ينبغي الإشكال، في: أن رواية زرارة ظاهرة في التحديد بالثمانية و الأربعين، في مقابل القول الأخر، و امّا الاختلاف في عسفان و ذات عرق على أحد الاحتمالين، فهو أمر أخر لا ارتباط له بأصل البحث.

و من هذه الطائفة: صحيحة الفضلاء، و رواية سعيد الأعرج، المتقدمتان في المقام الثاني، الدالتان على انه ليس لأهل مرّ و لا لأهل سرف متعة، بناء على كون مرّ واقعة في المرحلة الاولى المطابقة لأربع و عشرين ميلا، كما ذكره القاموس و اليعقوبي في تاريخه، و يؤيده ما في محكي المعتبر، من: انه معلوم كون هذه المواضع أكثر من اثني عشر ميلا، لكن عن الواقدي: بين مكة و مرّ خمسة أميال، و قد عرفت عن النهاية: انّ سرف بكسر الراء: موضع من مكة على عشرة أميال، و قيل: أقل أو أكثر. و على هذين القولين لا دلالة للروايتين على نفي اثني عشر ميلا، أصلا.

و يؤيد هذه الطائفة رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال:

قلت: لأهل مكة متعة؟ قال: لا،

و لا لأهل بستان و لا لأهل ذات عرق و لا لأهل عسفان و نحوها. «1» و دلالتها على نفي ذلك القول واضحة لمعلومية كون الفصل

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب السّادس ح- 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 260

..........

______________________________

بين الأخيرين زائدا على المقدار المذكور و قريبا إلى الثمانية و الأربعين، لو لم يكن بالغا إليها، لكن المناقشة في السند من جهة كون الرّاوي عن أبي بصير هو علي بن أبي حمزة.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على التحديد بما دون المواقيت: مثل صحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حاضري المسجد الحرام، قال: ما دون الأوقات إلى مكة. «1»

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: في حاضري المسجد الحرام، قال: ما دون المواقيت إلى مكة، فهو حاضري المسجد الحرام، و ليس لهم متعة. «2»

و ظاهر هذه الطائفة: و ان كان التحديد بما دون كل ميقات. و عليه، فيختلف الحدّ بالإضافة إلى المواقيت، لكن لا يبعد، خصوصا بلحاظ التعبير بالجمع، نظرا إلى انه لو كان المراد ما ذكر: لكان الأنسب التعبير بما دون الميقات. ان يكون المراد هو ما دون المواقيت كلها، فإنّها على هذا الحدّ ظاهرا، فإن أقرب المواقيت إلى مكّة هو يلملم، ميقات أهل اليمن- و هو جبل على مرحلتين من مكة- و المرحلة الأولى، كما في تاريخ اليعقوبي هو الملكان. و عليه، فلا تعارض الطائفة الأولى بوجه.

الطائفة الثالثة: ما يدل على التحديد بثمانية عشر ميلا: و هي صحيحة حريز، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في قول اللّٰه عزّ و جلّ «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» قال: من

كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها،

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب السادس ح- 5.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب السادس ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 261

..........

______________________________

و ثمانية عشر ميلا من خلفها، و ثمانية عشر ميلا عن يمينها، و ثمانية عشر ميلا عن يسارها، فلا متعة له، مثل مرّ و أشباهه. «1»

قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية: هذا غير صريح في حكم ما زاد عن ثمانية عشر ميلا، فهو موافق لغيره فيها و فيما دونها، فيبقى تصريح حديث زرارة و غيره بالتفصيل سالما عن المعارض. هذا، و لكن وقوع الرواية تفسيرا للاية التي هي في مقام التحديد و التقسيم يأبى عن الحمل المذكور.

و قد جمع بينها و بين صحيحة زرارة المتقدمة، صاحب المدارك بالحمل على التخيير، و كون من بعد بثمانية عشر ميلا مخيرا بين التمتع و غيره، و من بعد بثمانية و أربعين متعيّنا عليه التمتع، و لكنه ذكر بعد ذلك: انه كما ترى شاهد له، و أضيف إليه وجود الشاهد على خلافه، و هو عدم كونه مفتى به لأحد من الأصحاب، مضافا الى مخالفته للآية الشريفة الظاهرة في عدم التخيير بين التمتع و غيره.

فالظاهر ان يقال: بأن إعراض الأصحاب بأجمعهم عن هذه الرواية يسقطها عن الحجية، لو لم يكن لها معارض، فضلا عما إذا كان كما في المقام.

ثم انه استدل للقول الآخر و هو اثنا عشر ميلا، الذي أصرّ عليه صاحب الجواهر- قده- بوجوه.

الأوّل: ما ذكره في أوّل كلامه و في أخره أيضا، من: انه هنا إطلاقات تدل على وجوب التمتع، و انه وظيفة كل من يجب عليه الحج، و يكون أمر الخارج منه

دائرا بين الأقل و الأكثر، و اللازم الاقتصار على القدر المتيقن، و هو من الاثنى عشر ميلا فما دون.

و الجواب عنه: أوّلا: انه لا يوجد في شي ء من الكتاب و السّنة ما يدلّ بعمومه أو

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب السادس ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 262

..........

______________________________

إطلاقه على ذلك، امّا الكتاب فواضح، و امّا السنة فما ربما يتوهم فيه ذلك انّما هو صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة، لأنّ اللّٰه تعالى يقول «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»، فليس لأحد الّا ان يتمتع، لان اللّٰه انزل ذلك في كتابه و جرت به السّنة من رسول اللّٰه- ص. «1» نظرا إلى إطلاق قوله: دخلت العمرة .. و عموم قوله: فليس لأحد .. مع انه من الواضح، كما مرّ: ان التعليل للدخول المذكور بالآية الشريفة، الظاهرة في التقسيم و التنويع و اختصاص التمتع بخصوص من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، يقيّد الإطلاق، كما هو شأن التعليل، و كذا التفريع و التعليل في العموم يوجبان الاختصاص، كما هو واضح. و هذه الصحيحة تفسّر صحيحة أخرى للحلبي رواها الصدوق بإسناده عنه، عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال: قال ابن عباس: دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة. «2» و تدل على ان المراد بالعمرة الداخلة هو خصوص عمرة التمتع، بالإضافة الى حجّه لا مطلقا، و كذا صحيحته الأخرى، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن الحج. فقال:

تمتّع، ثم قال: انّا إذا وقفنا بين يدي اللّٰه تعالى قلنا: يا ربّنا أخذنا بكتابك، و قال الناس: رأينا، رأينا،

و يفعل اللّٰه بنا و بهم ما أراد. «3» نظرا الى ظهور الجواب في تعين التمتّع، و من الواضح: انه لا خصوصية للرّاوي.

و لكن قوله: انّا .. الذي هو بمنزلة التعليل للحكم المذكور، أوّلا: يدل على ان المراد خصوص من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام. و مثلها في الاستدلال و الجواب رواية ليث المرادي، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: ما نعلم حجّا للّٰه

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثالث ح- 2.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثالث ح- 12.

(3) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثالث ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 263

..........

______________________________

غير المتعة، انّا إذا لقينا ربّنا قلنا: يا ربّنا عملنا بكتابك و سنّة نبيّك، و يقول القوم: عملنا برأينا، فيجعلنا اللّٰه و إياهم حيث يشاء. «1» و رواية معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: من حجّ فليتمتع، انا لا نعدل بكتاب اللّٰه و سنة نبيّه- ص. «2»

و بالجملة: لا توجد رواية و لو واحدة تدل بالإطلاق أو العموم على خلاف ما يدل عليه الكتاب، من الفرق بين من كان أهله حاضري المسجد الحرام، و من لم يكن اهله كذلك.

و ثانيا: انه على فرض وجود الإطلاق أو العموم، كان الدليل المخصص غير مردّد بين الأقل و الأكثر، لأن صحيحة زرارة المتقدمة و مثلها ظاهرتان في التحديد بالثمانية و الأربعين من دون معارض، لما عرفت، من: انه لا يوجد في شي ء من الروايات ما يدل على الاثني عشر، و رواية الثمانية عشر معرض عنها عند الكلّ، فلا محيص عن الأخذ بمقتضى الصحيحة.

الثاني: ما استدلّ به أيضا في أوّل كلامه من نص الآية،

على انه فرض من لم يكن حاضري المسجد الحرام، و مقابل الحاضر هو المسافر، و حدّ السفر أربعة فراسخ، فينطبق على اثني عشر، لان كل فرسخ يكون ثلاثة أميال.

و يرد عليه: انه لم تجعل الآية الحضور وصفا للمكلّف بالحج، بل جعلته وصفا لأهل المكلّف، حيث قال «لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ»، و من المعلوم: ان الحضور مقابل السفر وصف لنفس المكلّف في موارد تعليق الحكم على العنوانين، كما في الصلاة و الصوم، فالمكلّف الحاضر بنفسه يجب عليه الإتمام

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثالث ح- 7.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثالث ح- 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 264

..........

______________________________

و الصيام، و المسافر كذلك يجب عليه القصر و الإفطار.

و عليه، فاللازم في الآية- مع تفسير الحاضر بما يقابل المسافر- ان المعيار في ثبوت حج التمتع على المكلف كون اهله مسافرا عن المسجد الحرام، و ثبوت غيره على من لم يكن اهله مسافرا كذلك، من دون اعتبار خصوصية في نفس المكلف، و هذا مما لا يقبله أحد و لا يرتضي به.

هذا، مع انه لم يستعمل في الكتاب «الحاضر» في مقابل «المسافر» في الصلاة و الصّيام أصلا، لأن التعبير في الصلاة انّما هو بعنوان الضرب في الأرض، و في الصوم هو شهود الشهر، الشامل للصحة، و عدم السفر بقرينة المقابلة، فلا مجال لحمل آية الحج على الحاضر المقابل للمسافر، مع ان الحدّ في السفر هو ثمانية فراسخ، غاية الأمر، قيام الدليل على كفاية التلفيق.

الثالث: ما استدل به أيضا، مما يرجع توضيحه إلى انه لا مجال لدعوى كون كلمة «الحاضر» لها حقيقة شرعية مثل الصلاة و الصوم و غيرهما، على

القول بثبوت الحقيقة الشرعية لها، لانه لم تتحقق هذه الدعوى من أحد، و لم تكن هذه الكلمة داخلة في ذلك البحث، فاللازم ان يقال ببقائها على المعنى اللغوي و العرفي، و حينئذ بعد عدم كون المراد منها معناها الحقيقي، لاختصاصه بخصوص الحاضر في المسجد أو في مكة، لا بد ان يحمل على المعنى الجازي. و من الواضح ان اثني عشر ميلا بلحاظ قربه الى المعنى الحقيقي، يجري فيه الاستعمال المجازي، و امّا الحدّ الأخر فلا يناسب الاستعمال المجازي أيضا، فلا بد من حمل الآية على الأقرب.

و التحقيق في الجواب عن هذا الاستدلال، ان يقال: انه ليس البحث في كلمة «الحاضر» من جهة ثبوت الحقيقة الشرعية و عدمه، و الحمل على المعنى الحقيقي أو المجازي، بل البحث في معنى كون الأهل حاضرا، و من المعلوم: انه بعد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 265

..........

______________________________

عدم كون المراد معناه الحقيقي، يكون استعماله في المراد انّما هو بنحو الكناية، التي حقيقتها عبارة عن ذكر اللازم و ارادة الملزوم، كما في مثل قوله: زيد كثير الرماد و عمرو مهزول الفصيل. غاية الأمران، المعنى الكنائي في المقام انّما تبين من طريق الرواية، و بيان الامام- عليه السلام-، و هو ما دلت عليه صحيحة زرارة، من كون الحدّ دون ثمانية و أربعين ميلا. فالمراد: ان حضور الأهل كناية عن الإقامة و السكونة في هذه الفاصلة، سواء كانت بمكة أو بغيرها، فلا يبقى حينئذ إشكال.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا: ان الأقوى ما اختاره في المتن، و انه لا وجه للجمع بين كلمات الأصحاب بتقسيط الثمانية و الأربعين على الجوانب الأربعة، كل جانب اثنا عشر ميلا، كما

حكي عن ابن إدريس، كما انه ظهر ان لا وجه لهذا القول الّا حمل الرواية على ما ذكر، مع انّك عرفت ظهورها في خلافه.

بقي الكلام: في هذا المقام في: ان مبدأ الحدّ هل هو المسجد الحرام أو مكة؟ فيه وجهان، بل قولان: فعن الشيخ في المبسوط و الاقتصاد و الجمل هو الأوّل، و كذا العلامة في التحرير، لكنه في القواعد عبّر بمكة.

و الدليل على الأوّل: ظاهر الآية الشريفة، التي أضيف فيها الحضور الى المسجد الحرام، و لا موجب لرفع اليد عن هذا الظهور، فإنه و ان كان يحتمل ان يكون ذكره- مكان مكة- تعظيما له و إجلالا، كما في أية الإسراء، مع كون مبدئه من بيت أمّ هاني- أخت أمير المؤمنين- ع- لا من المسجد الحرام، كما انه يحتمل ان يكون لمناسبته مع الحج، لوقوع مثل الطواف فيه، الّا انه لا يمنع من العمل بالظاهر بعد عدم ثبوت الدليل على خلافه.

كما ان الدّليل على الثّاني: انّه بعد كون حضور الأهل كناية عن الإقامة و السكونة، و من الواضح: ان المسجد الحرام لا يكون محلا للإقامة و التوطن بوجه، فإنه محلّ العبادة لا السكونة، فلا محالة يكون المراد منه هي مكة، التي تكون محلا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 266

..........

______________________________

للإقامة، فنفس الإضافة كاشفة عن كون المراد به هو بلد مكة.

هذا مضافا الى انّ صحيحة زرارة المتقدمة واردة في تفسير الآية، و هي كما تكون مبيّنة للمراد من المعنى الكنائي، و ان الحدّ هو ثمانية و أربعون، كذلك تدل على انّ المبدأ هي مكة، و ان الحدّ المزبور انما يلاحظ بالإضافة الى جميع نواحي مكّة أو ما يدور حول مكة، و

دعوى: ان مكة أخذت موضوعا للنواحي لا مبدأ للتقدير، كما في «المستمسك». مدفوعة: بكونها خلاف الظاهر جدّا، خصوصا مع ما عرفت في الدليل الأوّل.

نعم، سلك بعض الاعلام لترجيح القول الأوّل طريقا، و هو مع كونه غير صحيح في نفسه مناف لما صرّح به قبله. قال: بعد بيان أن الرّواية حيث تكون في مقام تفسير الآية، فلا محالة يكون ظاهرها التحديد بالنسبة الى المسجد، ما ملخّصه: انه لو احتمل كون التحديد بالإضافة إلى البلد باعتبار وجود المسجد فيه، تكون الآية مجملة، فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن في الخروج عن العمومات، التي لا ريب في ان مقتضاها وجوب التمتع على جميع المكلّفين، كصحيحة الحلبي المتقدمة المشتملة على قوله- ع-: فليس لأحد الّا ان يتمتع.

و قد دلت الآية على اختصاص ذلك بغير سكنة مكّة، فكلّما دل الدليل على الإلحاق بساكن مكة، فهو، و الا يكون حكمه وجوب التمتع، و من المعلوم: ان الاقتصار على القدر المتيقن في المقام يقتضي الحمل على كون المبدأ هو المسجد، لأنه أقلّ بالإضافة إلى غيره.

و يرد عليه، أوّلا: ما عرفت، من: انه ليس في شي ء من الروايات ما يدلّ بعمومه على وجوب التمتع على جميع المكلفين، و عرفت: ان صحيحة الحلبي مشتملة على الاستدلال بالاية و التفريع عليها، و الآية ظاهرة في وجوب التمتع على جماعة خاصّة، و العجب: انه بنفسه صرّح بذلك قبلا، و قال: ان العمومات ناظرة إلى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 267

..........

______________________________

حكم النائي في قبال العامّة، القائلين بجواز الافراد أو القران للنائي. و هذه الروايات انما تكون في مقام الرّد عليهم، و ان النائي لا يجوز له الّا التمتع.

و ثانيا: لو

فرض ثبوت العموم المذكور و دلالة مثل صحيحة الحلبي عليه: فبعد دلالة صحيحة زرارة على بيان المراد من حضور الأهل، و انه عبارة عن دون ثمانية و أربعين ميلا، و انه يلاحظ ذلك بالإضافة الى جميع نواحي مكة، لا يبقى مجال لدعوى: كون المراد من الآية سكنة مكّة، و ان الدليل دلّ على إلحاق جماعة أخرى بهم، كما انه لا مجال لدعوى: انه حيث تكون صحيحة زرارة في مقام تفسير الآية، فلا محالة يكون ظاهرها التحديد بالإضافة إلى نفس المسجد، فإن الرواية تكون مفسرة لكلتا الجهتين، خصوصا مع ما عرفت منّا، من: عدم كون المسجد صالحا للإقامة و السكونة، و العجب! انه يفسر الآية، تارة: بغير سكنة مكة، مع ان المذكور فيها، حاضري المسجد الحرام، و اخرى: يقول: بأن المبدأ هو المسجد لا البلد، فكيف يجمع بين الأمرين! و قد ظهر مما ذكرنا انّ الأقوى هو القول الثاني، وفقا للمتن.

ثم انه بعد كون المبدأ هو بلد مكّة، وقع الكلام في ان المبدأ هل هو سور مكة، الذي كان موجودا في زمان صدور الرّواية، و لم تكن عبرة بالتوسعة الحاصلة لها بعد ذلك، أو ان المبدأ هو البلد، و لو مع تغيره و توسّعه، كما في هذه الأزمنة التي وقعت فيها التوسعة العجيبة؟ فيه وجهان، بل قولان: اختار أوّلهما بعض الأعاظم- قده-، على ما في تقريراته في شرح العروة، من دون ان يقيم دليلا على ما قواه، و لكن الظاهر هنا و في نظائره، كإحرام حج التمتع، الذي يجب ان يكون من مكّة، هو الثاني. فإنه بعد ان جعل المدار هو بلد مكّة- على ما استظهرناه من الآية و الرّواية- يكون الملاك هو هذا العنوان، كما

في نفس عنوان المسجد الحرام، حيث انه أيضا قد توسّع في الأزمنة المتأخرة، و لا مجال لدعوى اختصاص ما يترتب عليه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 268

..........

______________________________

من الآثار بخصوص المحدودة الأولية، الموجودة في زمان صدور الرّوايات، و لا فرق بين العنوانين. و يؤيد ما ذكرنا عدم بقاء سور مكة بحسب العادة، و استلزام التحديد به للجهالة، خصوصا مع عدم اعتبار قول المؤرخ و العلائم الحاكية، مع عدم إفادة الاطمئنان.

هذا بالنظر الى المبدأ، و امّا بالإضافة إلى المنتهى: فالظاهر انه- أيضا- عبارة عن بلد المستطيع لا خصوص منزله و مسكنه، فان موطنه و مقره، الذي يلاحظ الحضور و عدمه بالنسبة اليه، انّما هو البلد لا خصوص المنزل، فالفاصلة لا بد و ان تكون ملحوظة بالنسبة إلى البلدين: مكّة و بلده.

المقام الرّابع: في حكم من كان على نفس الحدّ: و استظهر في المتن ان فرضه التمتع، و لكنه وقع الاشكال من البعض، المذكور أنفا في أصل تصوير كون الشخص، لا في خارج الحدّ و لا في داخله، بل على نفس الحدّ، نظرا الى ان نفس الحدّ خط موهوم بين داخل الحدّ و خارجه، و ليس له مكان خارجي كي يكون محل الشخص على رأس الحدّ. قال: نعم، يمكن تصوير كون نصف الدار في خارج الحدّ و نصفه في داخله، و حكمه حكم من كان له وطنان: أحدهما خارج الحدّ و الأخر داخله، و كانت إقامته فيهما على حدّ سواء، و لا يمكن التصحيح من طريق مسامحة العرف، بعد كون مرجعية العرف منحصرة بالمفاهيم غير المعينة من جانب الشارع، و لا يعمّ تطبيق المفاهيم على المصاديق.

و يرد عليه: انّ مرجعية العرف في

المقام أيضا ترتبط بالمفاهيم دون التطبيق، فإنه لا يفهم العرف من التحديد بما دون الثمانية و الأربعين ميلا: ان المراد ما يكون دونه، و لو بمثل متر أو مترين، بل ما يراه بنفسه معنونا بهذا العنوان. و من الواضح:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 269

..........

______________________________

ان المكلّف عند العرف له حالات ثلاث: تارة: يكون فيما دون الحدّ المذكور، و اخرى: في خارجه، و ثالثة: في رأسه، من دون ان يكون داخلا أو خارجا، و يمكن ان يقال، و لعلّه هو الظاهر: انه حيث وقع الاختلاف في تعبير الروايات، من جهة: انّ من كان أهله حاضري المسجد الحرام، هو عبارة عمن كان دون الثمانية و الأربعين ميلا، أو عبارة عمن كان بينه و بين مكة نفس العدد المذكور لا دونه، وقع الإشكال في حكم من وقع في رأس العدد المذكور. ففي الحقيقة:

يكون مرجع الخلاف في ذلك الى الخلاف، في: ان منتهى الحدّ هل هو عبارة عن نفس العدد المذكور أو عمّا دونه؟ و عليه، فلا يبقى مجال للإشكال في تصوير الفرض، كما هو واضح.

ثم ان الظاهر، بلحاظ التصريح في صحيحة زرارة: بأنّ المراد من الآية:

عبارة عما دون الثمانية و الأربعين ميلا، ان من كان على رأس العدد المذكور، فرضه التمتع، كالزائد عليه، و حمل كلمة «دون» على معنى «عند»، كما في مثل قتل الرجل دون ماله، فيرتفع الاختلاف حينئذ في كمال البعد، و مخالف للظاهر جدّا. و لكن عرفت اتحادها مع روايته الأخرى، التي مرّ أنها معتبرة أيضا، و هي تشتمل على العدد من دون اضافة كلمة «دون» اليه، و حينئذ يصير ما هو الصادر من الامام- ع- مردّدا بين أمرين، و

لكنه مضافا الى ان ذكر الأربعين بصورة الجرّ مع الياء دون الرفع مع الواو يؤيّد حذف هذه الكلمة، و الّا لكان اللازم الإتيان بها مع الواو، و يؤيده قوله: دون عسفان و دون ذات عرق، فإنه ليس العدد المذكور دون المكانين، بل هما امّا ان يكونا على رأس العدد أو دونه، كما يدل عليه الصحيحة الاولى.

لا يمكن جعل العدد حدّا الّا بالحمل على كون المراد هو المنتهى، و الّا فلو كان المعيار نفس العدد لا يكاد يصدق على ما دونه، لعدم كونه هو العدد، و لا دلالة في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 270

..........

______________________________

الرواية على كون المراد بيان نهاية الحدّ، بل المراد ما يقع في دائرة المحدود، الذي فرضه غير التمتع.

فالإنصاف: ان مقتضى الرواية شمول التكليف بالتمتع لكل من لم يكن مسكنه و مقره دون العدد، سواء كان فوقه أو واقعا في رأسه. و مما ذكرنا يظهر ان الجمع بين التعبير بكون الحدّ هو العدد المذكور، و بين الحكم بان من كان على رأس العدد فرضه التمتع، كما في المتن و غيره، مما لا ينبغي أصلا، كما لا يخفى.

المقام الخامس: في حكم من شك في ان منزله في الحد حتى يجب عليه غير التمتع، أو في خارجه حتى يجب عليه التمتع. و الكلام فيه، تارة: في صورة التمكن من الفحص، و اخرى: مع عدم التمكن منه:

امّا الصورة الأولى: فقد أوجب فيها في المتن الفحص، مع انه قد نوقش فيه بوجوه:

أحدها: ما يظهر من بعض الاعلام، من: عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية، و المقام من مواردها.

و الجواب عنه: ان الشبهة الموضوعية، التي لا يجب الفحص فيها بمقتضى الإجماع و

الرواية، هي ما كان الأمر فيها دائرا بين ثبوت التكليف و عدمه، كالمايع المردد بين الخمر و الخلّ، و الثوب الذي شك في اصابة الدم اليه، و امّا في مثل المقام، مما كان أصل التكليف معلوما و لكن وقع الشك في المكلّف به، فلم يقم دليل على عدم وجوب الفحص فيه، و هذا من الوضوح بمكان.

ثانيها: جريان الأصل المشخص لأحد الطرفين، لانه مع جريانه لا مجال للحكم بوجوب الفحص، و قد احتمله السيد في العروة بعد الحكم بالوجوب، و نفى عنه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 271

..........

______________________________

البعد، قال: «و ان كان لا يبعد القول: بأنه يجري عليه حكم الخارج، فيجب عليه التمتّع، لان غيره معلق على عنوان «الحاضر» و هو مشكوك، فيكون كما لو شك في ان المسافة ثمانية فراسخ أولا، فإنه يصلي تماما، لان القصر معلق على عنوان «السفر» و هو مشكوك».

و الظاهر، ان مراده: انه حيث يكون العنوان المعلق عليه أحد الحكمين امرا وجوديّا، و الأخر الذي علّق عليه الحكم الأخر أمرا عدميّا، يكون مقتضى الأصل- و هو الاستصحاب- ثبوت الأمر العدمي، فيترتب عليه الحكم المعلق عليه، فيجري في المقام استصحاب عدم كونه حاضرا، كما انه يجري في المثال المذكور استصحاب عدم كونه مسافرا، فيترتب عليه حكم الصلاة تماما، كما انه يترتب عليه في المقام وجوب حج التمتّع. و يحتمل ان يكون مراده: التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص، و لكنه يرد عليه حينئذ المنع من جهة الكبرى و الصغرى معا، لعدم ثبوت العام المقتضي لوجوب التمتع على عموم المكلفين، أوّلا، و قد مرّ البحث عنه، و عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص، ثانيا، كما

حقق في محلّه، ثم ان جريان استصحاب عدم كونه حاضرا، يمكن ان يكون بأحد وجهين:

الأوّل: استصحاب العدم الأزلي، كاستصحاب عدم قرشية المرأة.

و التحقيق، كما حقق في محلّه: عدم جريان هذا الاستصحاب، و ان ذهب اليه المحقق الخراساني- قده- في الكفاية، و جمع من المحققين، و الوجه في عدم الجريان: اختلاف القضيتين: المتيقنة و المشكوكة، فإن القضية الأولى سالبة بانتفاء الموضوع، و القضية الثانية سالبة بانتفاء المحمول، و لا مجال لدعوى اتحادهما.

الثاني: الاستصحاب النّعتي: نظرا الى ان صفة الحضور و الوطنية قد تتحقق باتخاذ نفسه بلدا بعنوان الوطن، و قد تتحقق بمرور زمان على سكناه في بلد، كما إذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 272

..........

______________________________

سكن فيه مدة خمسين سنة، و قد تتحقق باتخاذ متبوعه التوطن في البلد الفلاني، فليست الوطنية من الصفات الذاتية، كالقرشيّة، و انّما هي من الصفات العرضية، فالشي ء يوجد أوّلا ثم يعرض عليه صفة الوطنية، بخلاف القرشية التي لا تكون عارضية. و عليه، فمقتضى الاستصحاب بلحاظ كون الحالة السابقة المتيقنة، عدم كون الحدّ وطنا له أو لمتبوعه، لانه كان كذلك قبل الاتخاذ و مرور الزمان المذكور و التبعية، و الان كما كان، و هذا يناسب التنظير الواقع في كلام العروة، لكون السفر امرا حادثا.

هذا فيما إذا لم يتحقق هناك هجرة من الحدّ الى غيره و بالعكس، و الّا فمقتضى الاستصحاب بقاء ما كان عليه قبل الهجرة، من الحضور و عدمه، كما لا يخفى.

ثالثها: عدم إمكان الاحتياط أو عدم جواز الاكتفاء بالامتثال العلمي الإجمالي، مع التمكن من الامتثال التفصيلي المتحقق بالفحص:

امّا الأوّل: و هو عدم إمكان الاحتياط في المقام: فربما يقال في وجهه: ان الاحتياط المتصور هنا انما

يتحقق بالإتيان بالتمتع في أحد العامين، و الإتيان بغيره من القران أو الافراد في العام الأخر، لعدم إمكان الجمع بين النوعين في عام واحد، و ليس مثل صلاة الظهر و الجمعة في يوم الجمعة، حيث يمكن الجمع بينهما في يوم واحد، فلا بد من الإتيان بنوع في عام و بغيره في عام أخر، و هذا لا يتحقق به الاحتياط، لأن حجة الإسلام وجوبها فوري- كما تقدم- و الجمع بالنحو المذكور يوجب الإخلال بالفورية، على تقدير كون فرضه عبارة عن النوع الذي اتى به في العام الثاني، فالاحتياط، بنحو قد روعي فيه الفورية، أيضا غير ممكن.

هذا، و لكن ذكر بعض الاعلام طرقا للاحتياط المشتمل على رعاية الفورية و الجمع بين النوعين في عام واحد، قال على ما في تقريراته في شرح العروة:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 273

..........

______________________________

الأوّل: ان يحرم من الميقات قاصدا للجامع بين العمرة و الحج، فيدخل مكّة و يأتي بأعمال العمرة ثم يحرم للحج احتياطا، فان كان حجه التمتع فقد اتى بأعماله، و ان كان حجه الأفراد فقد اتى بالإحرام الأوّل، و يكون الإحرام الثاني للحج ملغى، ثم يأتي بعمرة مفردة بعد الحج فحينئذ تفرغ ذمّته، سواء كان عليه التمتع أو الافراد.

و يبقى الكلام في التقصير، لعدم جوازه له، بناء على الافراد، و وجوبه عليه، بناء على التمتع. فالتقصير أمره دائر بين المحذورين، لانه امّا واجب أو حرام، و الحكم فيه التخيير، و لكن لأجل الاحتياط في المقام يختار التقصير، فلو كان حجّه تمتعا فقد اتى بما وجب عليه، و ان كان افرادا فلا يترتب على تقصيره سوى الكفارة، لإفساد الحج و بطلانه.

و يمكن الإيراد عليه: بان أصالة

التخيير الجارية فيما إذا دار الأمر بين المحذورين، الحاكمة بعدم ترتب استحقاق العقوبة، على تقدير تحقق مخالفة التكليف المعلوم بالإجمال، انما يكون مجراها ما إذا لم يتحقق الدوران بينهما بيد المكلف و باختياره، و امّا إذا كان كذلك، فلا مجال للقول بعدم ترتب الاستحقاق في الفرض المذكور.

و بعبارة أخرى: في موارد دوران الأمر بين المحذورين، يكون الحكم الاوّلي، بلحاظ تعلق العلم الإجمالي بالتكليف المردد بين الوجوب و الحرمة، هو الاحتياط، و رعاية كلا الطرفين، كما إذا علم بوجوب هذا العمل أو حرمة العمل الأخر.

غاية الأمر، ان عدم إمكان الاحتياط بالجمع بين الفعل و الترك في فعل واحد أوجب الذهاب الى التخيير، المستلزم للمخالفة الاحتمالية للعلم الإجمالي، و هذه المخالفة لا تكون قادحة إذا لم يتحقق الدوران باختيار المكلف و بيده، و امّا في غير هذه الصورة فلم يعلم عدم قدحها بوجه، و المقام من هذا القبيل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 274

..........

______________________________

الثاني: ان ينوي بإحرامه من الميقات عمرة التمتع، التي تتقدّم على الحج، فيأتي باعمال العمرة، و بعد الفراغ يحرم لحج التمتع من مكة، ثم يخرج من مكّة الى أحد المواقيت، فان الخروج من مكّة، و ان لم يكن جائزا، لأنه محتبس و مرتهن بالحج، لكن يجوز له الخروج لحاجة، و لا ريب ان الخروج لأجل تحصيل الجزم بالإتيان و تفريغ الذمة على وجه اليقين، من أوضح الحاجات، فيحرم ثانيا للحج، فان كانت وظيفته، التمتع، فقد اتى بجميع ما يعتبر فيه، و يكون الإحرام الثاني للحج ملغى، و ان كانت الافراد، فقد اتى بالإحرام الثاني للحج، و تكون عمرته للتمتع لغوا، ثم يأتي بعمرة مفردة، و بذلك يحصل الجزم بالفراغ.

قال: و هذا الوجه أوجه من الأوّل، و لعله متعين.

أقول: هذا الطريق- أيضا- انما يجدي مع عدم التمكن من الفحص، لأنه حينئذ يكون الخروج من مكّة بعد عمرة التمتع من أوضح الحاجات، و امّا مع التمكن من الفحص فلا ملزم لرعاية هذا الطريق حتى تتحقق الحاجة، و يكون الخروج من أوضحها، لأنه مع الفحص تصير وظيفته مشخصة معلومة، فيأتي بالتمتع أو بغيره من القران أو الافراد، كما انه مع جريان الأصل المشخص على ما مرّ، لا يبقى مجال لهذا الطريق.

الثالث: انه بناء على جواز تقديم العمرة على الحج، حتى في الحج الأفرادي يمكن الاحتياط بأن يأتي بالعمرة أوّلا، بقصد الجامع بين عمرة التمتع و الافراد، و يأتي بطواف النساء بعد اعمال العمرة، لاحتمال كون عمرته عمرة مفردة، ثم يأتي بإحرام الحج، فان كانت وظيفته التمتع فقد اتى باعماله، من العمرة و الحج، و ان كانت وظيفته الافراد فقد اتى بعمرة مفردة و طواف النساء و باعمال الحج، لان المفروض جواز تقديم العمرة على الحج الأفرادي، فلا حاجة الى إتيان العمرة المفردة بعد الفراغ عن اعمال الحجّ. ثم ان الظاهر بلحاظ الاحتياط لزوم الإتيان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 275

..........

______________________________

بالهدي في الحجّ أيضا، لأنه على تقدير كون الوظيفة هي حج التمتع، لكان اللازم رعاية الهدي في جميع الطرق الثلاثة، و ان لم يقع التصريح به فيما ذكر.

و يرد على هذا الوجه الأخير: ابتناؤه على جواز تقديم العمرة على الحج حتى في الحج الأفرادي، و هو غير ثابت. و سيأتي البحث عنه ان شاء اللّٰه تعالى. و قد ظهر من جميع ما ذكرنا انه مع التمكن من الفحص لا يمكن الاحتياط

بوجه، و على تقدير إمكانه لا مجال لدعوى كون رتبة الامتثال العلمي الإجمالي متأخرة عن رتبة الامتثال العلمي التفصيلي، و ان اختاره بعض المحققين، و التحقيق في محلّه من علم الأصول. كما انه قد ظهر عدم وجوب الفحص مع التمكن، لوجود الأصل المحرز، و عدم وجوب الاحتياط مع عدم التمكن، و ان كان ممكنا لعين الدليل.

المقام السادس: في ان تقسيم المكلف الى قسمين، بمقتضى الكتاب و السنّة: قسم يتعين عليه التمتع، و قسم يتعين عليه غيره. انّما هو بالإضافة الى حجة الإسلام، و هو الحج الواجب بأصل الشرع، و امّا غيرها، سواء كان واجبا بلحاظ تعلق النذر و أخويه، أو تعلق عقد الإجارة، أم مستحبّا، فلا يجري فيه التقسيم المذكور، بل مع إطلاق مثل النذر و عقد الإجارة على تقدير عدم كون الإطلاق قادحا في صحته، يكون مخيّرا بين الأقسام الثلاثة، كما انه يكون مخيّرا في أصل النذر و شبهه، و كذا في عقد الإجارة بين الأقسام، بالتخصيص بخصوص قسم خاص، فيجوز للنائي نذر حج الافراد و كذا العكس، و هكذا في الحج الاستحبابي، سواء وقع قبله حجة الإسلام أم لا، فإنه أيضا لا يتعين فيه نوع خاص. نعم، دلت الروايات المستفيضة، بل المتواترة معنى، على ان الأفضل في موارد التخيير حج التمتع، و لا اختصاص لها بخصوص الحج الاستحبابي. و قد عقد في الوسائل بابا لذلك في أبواب أقسام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 276

[مسألة 1 من كان له وطنان أحدهما دون الحدّ و الأخر خارجه أو فيه]

مسألة 1- من كان له وطنان أحدهما دون الحدّ و الأخر خارجه أو فيه، لزمه فرض أغلبهما، لكن بشرط عدم اقامة سنتين بمكّة، فإن تساويا فان كان مستطيعا من كل منهما تخير بين

الوظيفتين، و ان كان الأفضل اختيار التمتع، و ان كان مستطيعا من أحدهما دون الأخر، لزمه فرض وطن الاستطاعة. (1)

______________________________

الحج، فراجع.

بقي الكلام في الحج الواجب بالإفساد: فإن الظاهر كونه تابعا لما أفسده، و انه يلزم ان يكون مطابقا له، و لا يبعد لزوم المطابقة حتى في القران و الافراد. فتدبّر.

(1) في هذه المسألة صورتان:

الصورة الأولى: ما إذا كان أحد الموطنين أغلب عليه من الأخر، بمعنى كون الإقامة فيه أكثر و السّكونة فيه أغلب: و قد نفى في الجواهر وجدان الخلاف في لزوم فرض الأغلب، فإن كانت إقامته فيما دون الحدّ أغلب يجب عليه القران أو الافراد، و ان كانت إقامته في خارج الحدّ أو في نفس الحدّ، بناء على لزوم التمتع فيه- أيضا- أكثر، ففرضه التمتع.

و الأصل في المسألة ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمن عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن زرارة، عن أبي جعفر- ع- قال: من اقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة، لا متعة له، فقلت لأبي جعفر- ع-: أ رأيت ان كان له أهل بالعراق و أهل بمكة؟ قال: فلينظر أيّهما الغالب عليه، فهو من اهله.

و رواها الشيخ بإسناده عن زرارة مثله. «1»

و الظاهر ان ضمير التثنية في الجواب يرجع الى البلدين لا إلى الأهلين، بقرينة

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب التاسع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 277

..........

______________________________

قوله: فهو من اهله، لوضوح رجوع ضميره الى الغالب، و العدول في الجواب عما هو المذكور في السؤال من وجود الأهلين ببلدين، لعله لأجل عدم مدخلية الأهل في ذلك، فلو لم يكن للرجل أهل أصلا لكن كان توطّنه في بلدين،

يكون أحدهما الغالب عليه، يجري فيه الحكم المذكور في الرواية، و ليس التعبير بالأهل في السؤال مشابها للتعبير به في قوله تعالى «لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ». فإنّك عرفت كون حضور الأهل كناية عن الإقامة و السّكونة، و هذا بخلاف التعبير: بان له أهلا ببلد كذا، كما لا يخفى.

فالملاك هو توطن الرجل في البلدين المذكورين.

و قد احتمل في الجواهر: ان يكون المراد بالجواب ترجيح أحدهما على الأخر بالغلبة منه، و ان يكون المراد: الغلبة التي يكون معها وطنه عرفا الغالب عليه.

قال: و من الأخير ينقدح احتمال عدم اختصاص الحكم بالحج، بل يجري في القصر و التمام، و ان كان لم أجد من احتمله هنا.

ثم ان الرواية باعتبار اشتمال صدرها على ضابطة كليّة، و هي: ان من اقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة و لا متعة له. و سيأتي البحث في هذه الضابطة في المسألة الثالثة الآتية- و اشتمال ذيلها على الحكم المذكور، و هو: لزوم فرض الغالب بالإضافة إلى الوطنين يقع الاشكال فيها، فيمن كان له وطنان: مكّة و مدينة- مثلا- و كانت إقامته في الأولى ثلاث سنوات- مثلا- و في الثانية أربع سنوات، و كان بناؤه على التكرار بهذه الكيفية، فإن مقتضى الصدر: انه لا متعة له، لأنه أقام بمكة سنتين، و مقتضى الذيل: ثبوت التمتع، لأن إقامته في الثانية أغلب و أكثر.

و لذا قال في محكي الحدائق: «و لقائل أن يقول: ان هاهنا عمومين قد تعارضا، أحدهما: ما دلّ على ان ذا المنزلين متى غلب عليه الإقامة في أحدهما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 278

..........

______________________________

وجب عليه الأخذ بفرضه، أعم من ان يكون أقام بمكة

سنتين أو لم يقم، فلو فرضنا: انه يقيم في كل مرّة في المنزل الافاقي خمس سنين و في المنزل المكي سنتين أو ثلاثا، فإنه يجب عليه فرض الافاقي، بمقتضى الخبر المذكور، و ان كان قد أقام بمكة سنتين، و ثانيهما: ما دل على ان المقيم بمكّة سنتين ينتقل فرضه الى أهل مكّة، أعم من ان يكون له منزل ثان أم لا، زادت إقامته فيه أم لا، و تخصيص أحد العمومين بالآخر يحتاج الى دليل، و ما ادّعاه هذا القائل من الأولوية في خير المنع».

هذا، و لكن فرض التعارض في الرواية الواحدة باعتبار اشتمالها على كلا الحكمين، اولى.

و التحقيق في الجواب: انه لا منافاة بين الحكمين و لا تعارض بين الأمرين بوجه، فان ذيل الرواية الوارد فيمن له وطنان، ناظر إلى الوظيفة الأصلية و الفريضة الأوّلية لمن يكون كذلك، بمعنى انه كما ان النائي فرضه التمتع و القريب فرضه النوعان الآخران على سبيل التخيير، كذلك من يكون له وطنان حكمه ما هو الغالب عليه منهما، ففي الحقيقة يرجع مفاد الذيل إلى انه لا يختص عنوان الحكم بحسب الفريضة الأصلية بخصوص عنوانين، بل هنا عنوان ثالث، و هو ذو وطنين و حكمه هو التمتع إذا كان الوطن الغالب خارجا عن الحدّ و القران أو الافراد، إذا كان داخلا فيه.

و امّا صدر الرواية فهو متعرض لحكم انتقال الفرض و تبدل الواجب الاوّلى، و مورده من كان يجب عليه التمتع بحسب الفريضة الأصلية، فإنه إذا أقام بمكة سنتين تتبدل فريضته و تنتقل الى القران و الافراد فيكون الصدر ناظرا الى موارد وجوب التمتع و ثبوت فرضه، من دون فرق بين ما إذا كان ذلك لأجل كونه خارجا عن الحدّ،

كما في النائي، أو لأجل كونه ذا وطنين، يكون الغالب عليه هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 279

..........

______________________________

الوطن الخارج.

ففي الحقيقة يكون صدر الرواية مخصّصا لدليل وجوب التمتع و مخرجا لمورده- و هو من اقام بمكة سنتين- عن عمومه. غاية الأمر، ان التخصيص المذكور يكون بلسان الحكومة، حيث وقع التعبير بكونه من أهل مكة، و هو يرجع الى التوسعة في عنوان أهل مكة و التضييق في عنوان غير أهلها، كما لا يخفى. و حيث ان الصدر دالّ على الانتقال صار ذلك موجبا لانتقال زرارة إلى السؤال عن ذي وطنين، و فرّع بقوله: فقلت، سؤاله على الضابطة الكلية المذكورة في الصدر، كما لا يخفى.

فقد ظهر انه لا منافة بين الحكمين، كما في جميع موارد الحكومة و التخصيص، كما انه قد ظهر وجه تقييد المتن، لزوم فرض الأغلب بصورة عدم الإقامة بمكة، المدّة المذكورة.

الصورة الثانية: ما إذا تساوت إقامته في الوطنين: و قد فصلّ فيها في المتن، كغيره: بين ما إذا كان مستطيعا من كل منهما و ما إذا كان مستطيعا من أحدهما، بالحكم بالتخيير في الأوّل، و ان التمتع أفضل، و بتعين فرض الوطن الذي استطاع منه في الثاني.

أقول: امّا التخيير في الفرض الأوّل: فقد استدل له بوجهين مذكورين في كلام صاحب الجواهر- قده-:

الأوّل: عدم شمول الأدلة الواردة في تعيين أنواع الحج من الكتاب و السنّة- التي تقدمت- لذي وطنين، و انصرافها عنه لدلالتها على بيان حكم النائي و القريب، و لا تشمل من كان جامعا بين العنوانين. و عليه، فاللازم الرجوع في حكمه إلى الإطلاقات الواردة في أصل وجوب الحج، غير المتعرضة للتعيين، مثل قوله تعالى «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ

حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» و مقتضاها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 280

..........

______________________________

التخيير عقلا بين الأنواع الثلاثة.

و لكنه قد أورد عليه: بأنه لا يكون هنا إطلاق يرجع إليه، فإنّ مثل الآية انما يكون في مقام بيان أصل الوجوب، و كون الحج من الفرائض الإلهية، مثل قوله تعالى «أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ» و قوله تعالى «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ» فلا مجال للتمسك بإطلاقه، لعدم تعيين نوع خاص.

الثاني: شمول الأدلة الواردة في الطرفين للمقام و عدم ثبوت انصرافها عنه، لصدق كلا العنوانين على ذي وطنين، و لو لا العلم بعدم وجوب حجين على مستطيع واحد لكان مقتضى القاعدة الجمع بين الأمرين، و امّا مع ملاحظة العلم المزبور و عدم وجوب مرجح في البين، لكان اللازم الحكم بالتخيير و عدم ترجيح أحد الطرفين.

ان قلت: ما الفرق بين المقام و بين ما تقدم، و هي صورة الشك في كون المنزل داخل الحدّ و خارجه، حيث حكم فيها بلزوم الاحتياط مع عدم التمكن من الفحص، امّا مطلقا أو بشرط عدم وجود الأصل المحرز لأحد العنوانين، و يحكم في المقام بالتخيير، و من المعلوم: عدم جريان الأصل هنا، مع اشترك المقامين في ثبوت العلم الإجمالي و عدم وجود مرجح في البين؟

قلت: قد أجاب عن هذا الاشكال بعض الأعاظم في شرح العروة، على ما في تقريراته: بان العنوان هناك كان مجهولا مردّدا بين العنوانين، لعدم علمه بكونه في داخل الحدّ أو خارجه، فوجب الاحتياط للعلم الإجمالي بكونه مكلّفا بإحدى الوظيفتين، و هذا بخلافه هنا، لصدق كلا العنوانين عليه، الموجب لشمول أدلّتها له، و حيث نعلم بعدم وجوب حجين عليه، كان مخيّرا بينهما، فلا احتياط هنا،

لعدم موضوعه.

و أنت خبير: بان هذا الجواب لا يزيد على بيان الفرق بين موضوع المسألتين،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 281

..........

______________________________

فإن العلم الإجمالي موجود في كلتيهما، و العلم بعدم وجوب حجّين عليه انّما هو بالإضافة الى الفريضة الأوّلية و الحكم الواقعي، و امّا بلحاظ الاحتياط تحصيلا لما هو الواجب في الواقع، فلم يقم دليل على عدم وجوبه، كما في تلك المسألة.

و الحقّ في الجواب، ان يقال: انه بناء على شمول أدلة كلا الطرفين للمقام، كما هو المفروض في هذا الدليل، نقول: ان لكل من أدلة الطرفين مدلولين و مفادين:

أحدهما: وجوب النوع الخاص الذي يدل عليه، و هو التمتع أو القران و الافراد.

ثانيهما: أجزاء ذلك عمّا هو الواجب عليه و اقتضائه للاجزاء و سقوط التكليف، و من المعلوم: ان المعارضة بين الدليلين، بلحاظ العلم الإجمالي بعدم وجوب حجين، و هو يوجب التعارض بالعرض بين الحجتين، انّما هو بلحاظ المفاد الأوّل، حيث انه لا يجتمع الوجوبان، و امّا بلحاظ المفاد الثاني فلا تعارض بينهما أصلا، لعدم العلم بعدم الاجزاء و لو إجمالا. و حينئذ فالجمع بين الدليلين، المقتضي لاجزاء كلا العنوانين بضميمة العلم الإجمالي بلزوم الإتيان بحج واحد، يقتضي التخيير، و هذا هو الفارق بين المسألتين، حيث انه لا يكون هناك دليل على أجزاء كلا النوعين، كما لا يخفى.

فانقدح مما ذكرنا: ان مقتضى القاعدة هو التخيير، و لكن أورد بعض الاعلام شبهة لجريان التخيير في المقام، و هو: انه إذا كان موضوع كل واحد من الواجبين امرا إيجابيا، و كان المورد مجمعا بين العنوانين، لا مكن التخيير بينهما، و امّا إذا كان موضوع أحدهما إيجابيّا و موضوع الأخر سلبيّا، و لازمة انه

لا يمكن الجمع بينهما، لاستحالة الجمع بين النقيضين، فلا مورد للتخيير بين الأمرين. و المفروض ان موضوع حج التمتع من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، و هو العنوان السلبي، و موضوع القران أو الافراد من كان حاضرا، و هو العنوان الإيجابي، و كل من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 282

..........

______________________________

الدليلين مطلق من حيث اتخاذ وطن أخر و عدمه، فمن كان من أهالي مكّة و صدق عليه الحاضر، لا يصدق عليه العنوان السلبي، للاستحالة المذكورة، فلا يتحقق موضوع حج التمتع، و حيث يصدق عليه العنوان الإيجابي يتعين عليه القران أو الافراد، و لا أقلّ من ان الإتيان بأحدهما أحوط بالنسبة إليه. هذا كله فيما إذا كان مستطيعا من كل من الوطنين.

و امّا إذا كان مستطيعا من أحدهما: ففي المتن تبعا للعروة لزوم فرض وطن الاستطاعة، فإن كان وطنها مكة يجب عليه القران أو الافراد، و ان كان وطنها المدينة- مثلا- يجب عليه التمتع.

و لكن وقعت هذه الفتوى موردا للاستشكال لأكثر شراح العروة و بعض المحققين من المحشّين، نظرا الى جريان الدليلين المتقدمين للتخيير في الفرض السابق في هذا الفرض أيضا، لأنه لا فرق في الرجوع الى الإطلاق بعد انصراف الأدلة الدالة على التقسيم- و ان من كان داخل الحدّ يجب عليه القرآن أو الافراد، و من كان فيه أو في خارجه يجب عليه التمتع- عما نحن فيه من ذي وطنين، بين ما إذا استطاع من كل منهما و بين ما إذا استطاع من خصوص أحدهما، كما انه لا فرق بعد شمول تلك الأدلة للمقام أو الحكم بالتخيير بالنحو الذي قربناه بين الصورتين.

و لا فرق فيما ذكرنا: بين ما إذا

كان المراد من الاستطاعة من أحدهما، هي الاستطاعة فيه، بان كان ظرفا مكانيّا لحصول الاستطاعة و تحقق الوصف، سواء كان منشأها هو الكون فيه و الإقامة و التجارة، أم كان منشأها شيئا أخر، كالإرث و نحوه، و هذا الاحتمال هو الذي يظهر من الجواهر، لانه وقع التعبير فيها تارة بكلمة «من»، و اخرى بكلمة «في».

أو كان المراد من الاستطاعة من أحدهما، هي الاستطاعة الناشئة عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 283

[مسألة 2 من كان من أهل مكة و خرج الى بعض الأمصار ثم رجع إليها فالأحوط أن يأتي بفرض المكي]

مسألة 2- من كان من أهل مكة و خرج الى بعض الأمصار ثم رجع إليها، فالأحوط أن يأتي بفرض المكي، بل لا يخلو عن قوّة. (1)

______________________________

التوطن فيه، و الكسب و التجارة- مثلا- فيه، أو كان المراد منها هي الاستطاعة لخصوص أحد النوعين من التمتع أو غيره، نظرا إلى انه يمكن ان يستطيع لحج الافراد لخلوّه عن الهدي، و لم يكن مستطيعا لحج التمتع.

ففي جميع هذه الاحتمالات لا مانع من جريان دليلي التخيير، حتى الاحتمال الأخير، فإن الاستطاعة بمقدار حج الافراد فقط يوجب صدق عنوان المستطيع، فيجري فيه إطلاق مثل الآية الدال على التخيير بين الأنواع، و لا منافاة بين الأمرين بوجه أصلا، و كذا الدليل الأخر التخيير فالظاهر حينئذ انه لا مجال للتفصيل المذكور في المتن و العروة.

(1) نسب في الجواهر الى المشهور: جواز حج التمتع له، و كونه مخيّرا بين الوظيفتين. و نسبه في المدارك إلى الأكثر، و المحكي عن ابن أبي عقيل عدم جواز ذلك، و انه يتعين عليه فرض المكي. و تبعه جماعة، منهم صاحب الرياض، و جعله في المتن أوّلا مقتضى الاحتياط الوجوبي، ثم نفى خلوه عن القوة.

و مستند المشهور صحيحتان، واردتان في فرض

المسألة:

إحديهما: ما رواه الكليني عن أبي عليّ الأشعري عن محمد بن عبد الجبّار عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّٰه- ع- في حديث، قال: سألته عن رجل من أهل مكّة يخرج الى بعض الأمصار ثم يرجع الى مكّة، فيمرّ ببعض المواقيت إله أن يتمتع؟ قال: ما أزعم ان ذلك ليس له لو فعل، و كان الإهلال أحبّ اليّ «1». و المراد بالإهلال هو الإهلال بالحج، الذي هو بمعنى الشروع في الحج، و هو كناية عن حج القران أو الافراد، لان حجهما انما يكون قبل العمرة

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب السابع ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 284

..........

______________________________

بخلاف التمتع.

ثانيتهما: ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن صفوان بن يحيى عن عبد الرحمن بن الحجاج و عبد الرحمن بن أعين، قالا: سألنا أبا الحسن- عليه السلام- عن رجل من أهل مكّة خرج الى بعض الأمصار ثم رجع، فمرّ ببعض المواقيت الذي وقت رسول اللّٰه- ص- له ان يتمتع؟ فقال: ما أزعم ان ذلك ليس له، و الإهلال بالحج أحبّ اليّ، و رأيت من سأل أبا جعفر- ع- و ذلك أوّل ليلة من شهر رمضان، فقال له: جعلت فداك! انّي قد نويت ان أصوم بالمدينة. قال:

تصوم ان شاء اللّٰه تعالى، قال له: و أرجو ان يكون خروجي في عشر من شوّال، فقال: تخرج ان شاء اللّٰه، فقال له: قد نويت ان أحج عنك أو عن أبيك، فكيف اصنع؟ فقال له: تمتّع، فقال له: انّ اللّٰه ربما منّ عليّ بزيارة رسوله- ص- و زيارتك و السّلام عليك، و ربما حججت عنك و ربما حججت عن

أبيك، و ربما حججت عن بعض إخواني أو عن نفسي، فكيف اصنع؟ فقال له: تمتع، فردّ عليه القول ثلاث مرّات، يقول: اني مقيم بمكّة و أهلي بها. فيقول: تمتّع. فسأله بعد ذلك رجل من أصحابنا، فقال: اني أريد ان أفرد عمرة هذا الشهر- يعني شوّال- فقال له: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: انّ أهلي و منزلي بالمدينة، ولي بمكّة أهل و منزل و بينهما أهل و منازل. فقال له: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: فإن لي ضياعا حول مكّة، و أريد ان اخرج حلالا، فإذا كان ابّان الحجّ حججت «1». و الظاهر ان المراد بقوله: أنت مرتهن بالحج: انه اعتمر عمرة التمتع، فتكون مرتهنا بحجّها، لا يجوز لك الخروج من مكّة.

ثم انه ربما يجعل ذيل هذه الرواية، و هو قوله: رأيت من سأل أبا جعفر- ع ..

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب السابع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 285

..........

______________________________

الظاهر في ان مورده الحج المندوب، قرينة على انّ مورد الصدر هو الحج المندوب أيضا، و انّ ذكر الذيل انّما هو للاستشهاد من الامام أبي الحسن- عليه السلام- بما سمع من السائل، عن أبي جعفر الباقر- عليه السلام. و عليه، فلا يصح الاستدلال بالرّوايتين، لما ذهب اليه المشهور، بعد كون مورد كلامهم هي حجة الإسلام.

و لكنه أورد عليه: بان هذا الكلام، و هو قوله: و رأيت من سأل أبا جعفر- ع-، لا يمكن ان يكون من كلام أبي الحسن موسى- عليه السلام- فإنه ولد بعد أربعة عشر عاما من وفاة أبي جعفر الباقر- عليه السلام-، و استظهر أن قائله هو الراوي، و هو عبد الرحمن، فيكون خبرا مستقلا

مرويّا عن أبي جعفر- ع- واردا في الندب، اندمج أحدهما بالآخر.

و الجواب عن هذا الإيراد: انه بعد فرض كون الراوي رجلين، و هما عبد الرحمن بن الحجاج و عبد الرحمن بن أعين، و لذا ذكرا في صدر الرواية سألنا ..

لا مجال للإتيان بفعل الرؤية بصيغة المتكلم وحده، من دون تعيين أحدهما، و كون ولادته- ع- في الزمان المذكور لا يمنع عن رؤيته السائل عن أبي جعفر الباقر- ع- الا على فرض كون الرؤية حين السؤال، و لا دلالة للعبارة عليه.

نعم، استظهر المولى العلّامة محمد باقر المجلسي- قده- في شرح التهذيب- المسمّى بملاذ الأخيار- ان قوله: رأيت من كلام موسى بن القاسم، الذي روى عنه الشيخ بإسناده، و ان المراد بابي جعفر- ع- هو أبو جعفر الجواد عليه السلام. و عليه، فلا يرتبط الذيل بالصدر، لكونه رواية مستقلة مروية عن الجواد- ع- من دون واسطة، و الصدر مروي عن جدّه- ع- مع الواسطة، و يدل على هذا الاستظهار ما رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن احمد بن محمد عن موسى بن القاسم البجلّي، قال: قلت لأبي جعفر الثاني- ع-: اني أرجو أن أصوم بالمدينة شهر رمضان، فقال: تصوم بها ان شاء اللّٰه تعالى، فقال: و أرجو ان يكون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 286

..........

______________________________

خروجنا في عشر من شوال، و قد عوّد اللّٰه زيارة رسول اللّٰه- ص- و زيارتك، فربما حججت عن أبيك و ربما حججت عن أبي و ربما حججت عن الرجل من إخواني و ربما حججت عن نفسي، فكيف اصنع؟ فقال: تمتع «1» .. الحديث. و على ما ذكر من عدم الارتباط أو عدم ثبوته، نقول: يجري في

الصدر في نفسه احتمالان:

أحدهما: ان يكون مورده خصوص حجة الإسلام، التي هو الحج الواجب بالأصل، و يؤيّده: ان جواز التمتع في الحج الندبي أمر مسلم لا يكاد يخفى على مثل الراوي، و هو عبد الرحمن، الذي هو من أكابر الرّواة، كما ان العبارتين الواقعتين في الجواب لا تلائمان الحج المندوب، لانه لا ريب في جواز التمتع فيه، فلا يناسبه قوله: ما أزعم .. كما ان العبارة الثانية الدالة على احبيّة غير التمتع لا تكاد تجتمع مع الحج الندبي، لأنه لا ريب في أفضلية التمتع فيه لا الإهلال بالحج و الافراد به.

و هذه المؤيدات و ان كانت قابلة للمناقشة، لأن وضوح جواز التمتع في الحج الندبي انّما هو- بالإضافة إلينا- بلحاظ الروايات المتعددة الواردة فيه، التي وقع في أكثرها السؤال عن ذلك، و وقع في الجواب ما يدل على أفضلية التمتع.

كما ان التعبير بقوله: ما أزعم .. لعلّه كان بلحاظ عدم مشروعية التمتع لدى الناس مطلقا، فلم يرد الامام- ع- التصريح بخلافهم، و الحكم القطعي عليهم.

و امّا قوله: و كان الإهلال أحبّ اليّ. فمضافا الى ان أدلة أفضلية التمتع لا تختص بالحج المندوب، بل هي جارية في جميع موارد التخيير، و لو كان الحج واجبا، كما في النذر المطلق، يمكن ان يقال بتخصيص تلك الأدلة في المقام، لانه لم ينهض دليل على عدم قابليتها للتخصيص، أو على عدم وقوعه خارجا، كما لا يخفى.

الّا انه على تقدير عدم المناقشة، يصح الاستدلال بالروايتين للمشهور،

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة باب 25 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 287

..........

______________________________

و الحكم بجواز التمتع للمكيّ، و ان كان يبعد ذلك: ان المكّي الخارج الى بعض الأمصار قد

اتى بحجة الإسلام، نوعا، و من البعيد عدم الإتيان به.

ثانيهما: ان يكون موردهما غير مختص بالحج الندبي و لا بالحج الوجوبي، الذي هو حجة الإسلام، بل يعمّ كليهما. و عليه، فتقع المعارضة بينهما و بين ما يدل على انه لا متعة لأهل مكّة، و انه يتعين عليهم غير التمتع، من الآية و الرواية، و التعارض انما هو بالعموم و الخصوص، من وجه يجتمعان في المقام و يفترقان في الحج الاستحبابي، الذي هو مشمول للصحيحتين، و غير مشمول للأدلّة الدالة على انه لا متعة لأهل مكة، و كذا في المكي غير الخارج الى بعض الأمصار، الذي هو خارج عنهما و مشمول لها، فالتعارض انما هو بالنحو المذكور. و ذكر صاحب الرياض: انه بعد التعارض يكون الترجيح للأدلّة المانعة، بموافقة الكتاب و الكثرة، و انه على تقدير التساوي يجب الرجوع الى الأصل، و مقتضاه وجوب تحصيل البراءة اليقينية، التي لا تتحقق الّا بغير التمتع، للاتفاق على جوازه فتوى و رواية دونه، فتركه هنا اولى، و قد صرحت به الرواية أيضا، كما مضى.

و يرد عليه: مضافا الى ان مرجعية الكتاب، و كذا مرجحيّته في التعارض بالعموم و الخصوص من وجه، محلّ اشكال، كما هو المذكور في محلّه ان الكتاب هنا واقع في أحد طرفي المعارضة، لأنّ المراد بموافقة الكتاب، هي الموافقة لما يدلّ على حصر التمتع بمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام. و من الواضح: انه طرف المعارضة، كالرّوايات الدالة على انه لا متعة لأهل مكّة فاللازم على هذا الفرض- اي التعارض- هو الحكم بالتساقط و الرجوع الى إطلاق ما دلّ على وجوب الحج، المقتضي للتخيير بين الأنواع الثلاثة. و على تقدير المناقشة فيه نظرا إلى انه

في مقام بيان أصل التشريع، و لا مجال للتمسك بإطلاقه بالإضافة إلى الأنواع، لعدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة، تصل النوبة الى الأصل العملي.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 288

..........

______________________________

هذا، و لكن التحقيق: انه لا معارضة بين الطائفتين، و لا تصل النوبة إلى إعمال قواعد التعارض، و ذلك لحكومة الصحيحتين على الأدلة المانعة، لأن نفس السؤال الواقع فيهما إنما يبتنى على تلك الأدلة، ضرورة ان السؤال عن حكم المكيّ الخاص الخارج الى بعض الأمصار، و انه هل يجوز له ان يتمتع؟ انّما هو بعد ملاحظة أن المكيّ لا متعة له، و يتعين عليه القران أو الافراد، و مرجع السّؤال إلى انه هل الخصوصية المذكورة توجب تغير حكم المكي و تبدل فرضه عن التعيين الى التخيير أم لا؟ فالسؤال بنفسه ناظر إلى الأدلة المانعة. و عليه، فالجواب بالجواز أيضا ناظر إليها و مفسّر لها و شارح لمفادها، و ان المراد منها هو المكي غير الواجد للخصوصية المذكورة. فالروايتان ناظرتان إليها موجبتان للتضييق في موردها. و عليه، فالعنوان الحاكم في المقام هي الحكومة لا التعارض و مقتضاها تقدم الدليل الحاكم و لزوم المشي على طبقه.

ثمّ انه لو وصلت النوبة الى الأصل العملي، فهل مقتضاه جواز التمتع أو عدمه؟ فيه وجهان، بل قولان، اختار ثانيهما صاحب الرياض في عبارته المتقدمة و تبعه السيد- قده- في العروة، و لكنه أجاب في الجواهر عن الرياض بقوله: «بان التخيير على تقدير التساوي- يعني تساوى الدليلين المتعارضين و عدم وجود مرجح في البين- هو الموافق للأصل و لإطلاق أدلة وجوب الحج ..».

و هو يبتني على مسألة الدوران بين التعيين و التخيير، و ان الأصل فيها:

هل هو الاشتغال أو البراءة؟ و المقام و ان لم يكن من مصاديق تلك المسألة، لأن طرفي الاحتمال هنا هو التخيير. غاية الأمر، ان التخيير على أحد الاحتمالين هو التخيير بين النوعين، و على الاحتمال الأخر هو التخيير بين الأنواع الثلاثة، الّا انه لا فرق بينهما في الملاك و المناط.

و مختار المتن، و ان كان هو الاشتغال بلحاظ جعل الإتيان بفرض المكي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 289

..........

______________________________

مقتضى الاحتياط اللزومي، الّا ان الظاهر هو جريان البراءة، لأنّه كما ان أصل التكليف و ثبوته يحتاج الى البيان و قيام الحجة من قبل المولي، لقبح العقاب من دون بيان، كذلك الخصوصيات المستلزمة للتضييق على المكلف، و إيقاعه في مشقة زائدة على أصل التكليف المعلوم بالإجمال. فإنه مع عدم قيام الحجة عليها من قبل المولى يكون مقتضى حكم العقل هو البراءة، و لذا نقول بجريانها في الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطي، فإذا علم بوجوب صلاة الجمعة في يومها و لكن شك في ان وجوبها هل يكون بنحو التعيين أو التخيير بينها و بين صلاة الظهر؟ تجري البراءة، لأن خصوصية الجمعة و تعينها أمر زائد على أصل التكليف المعلوم بالإجمال، و مع عدم قيام الحجة عليها تجري البراءة عقلا.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا: ان مقتضى التحقيق في المسألة ما ذهب اليه المشهور، من دون فرق بين ما كان المستند هي الأدلة اللفظية، أو الأصول العمليّة.

ثم انّ السيد- قده- في العروة، بعد ان اختار خلاف المشهور ذكر في ذيل كلامه: «بل يمكن ان يقال: ان محلّ كلامهم صورة حصول الاستطاعة بعد الخروج عنها- اي عن مكّة- و امّا إذا كان مستطيعا

فيها قبل خروجه منها فيتعين عليه فرض أهلها».

أقول: لو كان مراده هو التفصيل بين الصورتين بلحاظ الصحيحتين المتقدمتين، فمن الواضح شمولهما لكلا الفرضين، بل كون الفرض الثاني، و هي الاستطاعة في مكة قبل خروجه منها، هو الفرض الظاهر منهما، خصوصا مع ملاحظة ان تحقق الاستطاعة في السفر و بعد الخروج في غاية البعد، سيّما في تلك الأزمنة.

و بالجملة: لا ينبغي الإشكال في إطلاق السؤال في الروايتين و ترك الاستفصال في الجواب، فلا يبقى مجال للتفصيل أصلا، و ان كان مراده هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 290

[مسألة 3 الافاقي إذا صار مقيما في مكّة]

مسألة 3- الافاقي إذا صار مقيما في مكّة: فإن كان ذلك بعد استطاعته و وجوب التمتع عليه، فلا إشكال في بقاء حكمه، سواء كانت إقامته بقصد التوطن أو المجاورة، و لو بأزيد من سنتين. و امّا لو لم يكن مستطيعا ثم استطاع بعد إقامته في مكّة، فينقلب فرضه الى فرض المكيّ بعد الدخول في السنة الثالثة، لكن بشرط ان تكون الإقامة بقصد المجاورة، و امّا لو كان بقصد التوطن فينقلب بعد قصده من الأوّل. و في صورة الانقلاب يلحقه حكم المكي بالنسبة إلى الاستطاعة أيضا، فتكفي في وجوبه استطاعته منها، و لا يشترط فيه حصولها من بلده. و لو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة في مكّة، قبل مضي السّنتين، لكن

______________________________

التفصيل بلحاظ الأصل العملي، نظرا إلى انه في صورة الاستطاعة في مكّة، كان الواجب عليه غير التمتع، لانه صار مستطيعا و هو من أهل مكة غير خارج منها، و مقتضى الاستصحاب بقاء هذا الوجوب بخلاف ما إذا استطاع في خارجها، فإنه يشك من الأوّل في ان الواجب هل هو ما يشمل التمتع أو ما

لا يشمله؟ فتجري البراءة أو الاشتغال على الخلاف، و لا مجال للاستصحاب، و قد صرّح بهذا الفرق بعض الاعلام، بناء على جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية، على خلاف مبناه.

فيمكن الإيراد عليه حينئذ أيضا: بعدم وضوح كون الحالة السابقة المتيقنة في صورة الاستطاعة في مكة، هو وجوب غير التمتع، لاحتمال كون هذا الوجوب مشروطا ببقائه فيها و عدم خروجه عنها الى بعض الأمصار، بالنحو المذكور في سؤال الرّواية. غاية الأمر، تخيله كون الواجب هو غير التمتع.

و بعبارة أخرى: لو كان الحكم في صورة الاستطاعة في مكة و الخروج الى بعض الأمصار، هو تبدل الواجب احتمالا بعد كونه هو غير التمتع، لكان للاستصحاب المذكور مجال. و امّا لو كان الحكم هو التخيير بين الأنواع، احتمالا من أول الأمر، بحيث كان الخروج كاشفا عن التخيير من أوّل الأمر، فلا مجال للاستصحاب، كما لا يخفى. و يجري مثل ذلك في تبدل التمتع الى غيره كالحائض في بعض الموارد.

فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 291

بشرط وقوع الحج على فرض المبادرة إليه قبل تجاوز السنتين. فالظاهر انه كما لو حصلت في بلده، فيجب عليه التمتع، و لو بقيت إلى السنة الثالثة أو أزيد. و امّا المكيّ إذا خرج الى سائر الأمصار مجاورا لها، فلا يلحقه حكمها في تعين التمتع عليه، الّا إذا توطن و حصلت الاستطاعة بعده، فيتعين عليه التمتع، و لو في السنة الأولى. (1)

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين.

المقام الأوّل: في الافاقي إذا صار مقيما في مكة، و فيه فرضان:

الأوّل: ما إذا كان ذلك بعد الاستطاعة في وطنه و وجوب التمتع عليه، و نفى في المتن الاشكال- تبعا للسيّد في العروة- في

بقاء حكمه، سواء كانت إقامته بقصد التوطن أو المجاورة، و لو بأزيد من سنتين. و قال في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه نصّا و فتوى، بل لعلّه إجماعي، بل قيل: انه كذلك للأصل و غيره. فما في المدارك من التأمل فيه في غيره محلّه».

أقول: لا إشكال في عدم انتقال فرضه عن التمتع الى غيره بمجرد الإقامة مع عدم قصد التوطن، و عدم تحقق مجاورة سنتين، كاملتين، لعدم ثبوت ما يوجب الانتقال بوجه، لانه لم يخرج عن عنوان: من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، و لا يشمله النصوص الآتية، التي موردها اقامة سنتين، و المفروض تحقق الاستطاعة في وطنه، فالواجب عليه هو التمتع.

و امّا مع قصد التوطن أو المجاورة بالمدة المذكورة، فمقتضى تبدل العنوان و انقلابه في الأوّل، هو تبدل فرضه الى غير التمتع، لانه بذلك صار أهله حاضري المسجد الحرام، و لا و دلالة في الآية على انّ الملاك هو زمان الاستطاعة، فإنها شرط لأصل وجوب الحج و توجه التكليف، و امّا الخصوصية النوعية، فهي مرتبطة بزمان الامتثال و وقت العمل، فمقتضى الآية حينئذ هو التبدل مع قصد التوطن، كما ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 292

..........

______________________________

مقتضى إطلاق الروايات إطلاق الآتية الواردة في إقامة سنتين، و كونها موجبة لصيرورة المقيم من أهل مكة، و انه لا متعة له، عدم الفرق بين حصول الاستطاعة قبل زمن الإقامة، أو في زمانها على ما ذكره صاحب الحدائق.

نعم، في مقابل ما ذكر من الآية و إطلاق الرواية، أمران:

أحدهما: الإجماع، الذي احتمله صاحب الجواهر، بل حكاه عن غيره، و من المعلوم: ان أصله محل اشكال، و الإجماع المنقول ليس بحجة، و على تقديره

تكون أصالته مخدوشة، لاحتمال كون المدارك للمجمعين هو الأصل أو غيره.

ثانيهما: الأصل، الذي يكون المراد به هو الاستصحاب. و يرد عليه، ما ذكرناه في ذيل المسألة السابقة، من: عدم ثبوت الحالة السابقة المتيقنة، و بما ذكرنا ينقدح:

ان تأمل صاحب المدارك يكون في محله.

الفرض الثاني: ما إذا لم يكن مستطيعا ثم استطاع بعد إقامته في مكّة: و لا اشكال و لا خلاف في عدم تحقق الانقلاب بسبب الإقامة بمجرّدها، كما انه لا اشكال و لا خلاف في ناحية الإثبات، و هو تحقق الانقلاب و الانتقال بسببها في الجملة، و انما الخلاف في الحدّ الذي يتحقق به ذلك. و الأقوال في هذه الجهة لا تتجاوز عن ثلاثة:

الأوّل: ما نسبه غير واحد الى المشهور، و ربما عزى إلى علمائنا، عدا الشيخ، كما في الجواهر، و هو: انّ الحدّ انما هو بعد الدخول في السنة الثالثة و المجاوزة عن السنتين.

الثاني: انه بعد الدخول في السنة الثانية، و هو محكي عن ظاهر الدروس، قال فيها: «و لو أقام النائي بمكة سنتين فرضه إليها في الثالثة كما في المبسوط و النهاية، و يظهر من أكثر الروايات: انه في الثانية» فإن ظاهرها ترجيح روايات السنّة. و اختاره كاشف اللثام و حمل الصحيحتين عليها، و تبعهما صاحب الجواهر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 293

..........

______________________________

و حكى عن الصدوق في المقنع: العمل ببعض هذه الروايات.

الثالث: انه بعد تمام ثلاث سنين و الدخول في الرابعة، و قد نسب هذا القول الى الشيخ في المبسوط و النهاية. و حكى هذا القول عن السرائر أيضا، و سيأتي ما هو التحقيق في النسبة إلى الشيخ- قده.

هذا، و يدلّ على القول المشهور صحيحة زرارة،

عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: من اقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له، فقلت لأبي جعفر- ع-:

أ رأيت ان كان له أهل بالعراق و أهل بمكة؟ قال: فلينظر أيّهما الغالب عليه، فهو من اهله. «1» و صحيحة عمر بن يزيد، قال: قال أبو عبد اللّٰه- ع-: المجاور بمكّة يتمتّع بالعمرة إلى الحج الى سنتين، فإذا جاوز سنتين كان قاطنا و ليس له ان يتمتّع. «2»

و دلالتهما على لزوم إكمال سنتين و الدخول في السنّة الثالثة، خصوصا الصحيحة الثانية واضحة. نعم، يظهر من الجواهر اختلاف النسخة في قوله: فإذا جاوز، و ان في بعض النسخ: الراء مكان الزاء، و يؤيده عنوان المجاور في صدر الرّواية. و عليه، فلا تكون لها خصوصية من جهة الدلالة على لزوم إكمال سنتين، كما ان ظهور كلمة «سنتين» في سنتين كاملتين معهودتين، لا ينبغي الارتياب فيه، خصوصا مع ملاحظة عنوان الإقامة و المجاورة، و أخذه موضوعا قبل الحكم بأنه لا متعة له.

و امّا ما يدلّ على القول الثاني، فعدّة روايات:

منها: صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام-: لأهل مكّة ان يتمتّعوا؟ قال: لا، قلت: فالقاطنين بها؟ قال: إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب التاسع ح- 1.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب التاسع ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 294

..........

______________________________

يصنع أهل مكّة، فإذا أقاموا شهرا فان لهم ان يتمتعوا، قلت: من اين؟ قال:

يخرجون من الحرم. قلت: من اين يهلّون بالحج؟ فقال: من مكّة، نحوا ممّن يقول الناس. «1»

و منها: رواية حمّاد، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن أهل مكّة، أ يتمتعون؟

قال ليس

لهم متعة، قلت: فالقاطن بها؟ قال: إذا أقام بها سنة أو سنتين صنع صنع أهل مكّة. قلت: فان مكث الشهر. قال: يتمتع، قلت: من اين يحرم؟

قال: يخرج من الحرم. قلت: من اين يهلّ بالحج؟ قال: من مكّة، نحوا مما يقول النّاس. «2»

و نوقش في سندها باشتراك داود، الذي روى عنه ابن أبي عمير، بين الثقة و غيره. و هي تبتني على عدم ثبوت ما اشتهر، من: انّ ابن أبي عمير لا يروي و لا يرسل الّا عن الثقة، كما هو مقتضى التحقيق.

و منها: رواية عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: المجاور بمكة سنة يعمل عمل أهل مكّة، يعني يفرد الحج مع أهل مكّة، و ما كان دون السنّة فله ان يتمتّع. «3»

و منها: مرسلة حريز، عمن أخبره، عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: من دخل مكّة بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو مكّي، فإذا أراد ان يحج عن نفسه أو أراد ان يعتمر بعد ما انصرف من عرفة، فليس له ان يحرم من مكّة، و لكن يخرج الى الوقت، و كلّما حول رجع الى الوقت. «4» و حكى عن الصدوق في المقنع، انه أفتى

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب التاسع ح- 3.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب التاسع ح- 7.

(3) وسائل أبواب أقسام الحج الباب التاسع ح- 8.

(4) وسائل أبواب أقسام الحج الباب التاسع ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 295

..........

______________________________

على طبق هذه الرواية، و لكنه يحتمل ان يكون لمورد الرواية- و هو دخولها بحجة عن غيره- خصوصية عنده.

و منها: رواية محمد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: من اقام بمكة

سنة فهو بمنزلة أهل مكة. «1»

إذا عرفت ما ذكرنا، فاعلم: انه ذكر صاحب الجواهر بعد الحكم بأنه يتّجه الاستدلال بالروايات المذكورة للقول الثاني، الذي استظهره الشهيد من أكثر الروايات: «بل يمكن تنزيل الصحيحين المزبورين- يعني ما يدل على القول الأوّل- عليه، و لو بقرينة هذه النصوص، التي تصلح مرجحة لإحدى النسختين في أحدهما على الأخرى أيضا، التي قيل انها لا تقبل التنزيل المزبور، بل في كشف اللثام احتمالهما أيضا لسنتي الحج، بمضيّ زمان يسع حجتين، و هو سنة، كما ان شهر الحيض ثلاثة عشر يوما، و على كل حال، فتجتمع نصوص السنة و السنتين و السنة أو السنتين على معنى واحد» و أشار بالذيل الى ما ذكره من صحة الاستدلال للقول الثاني بخبري الحلبي و حمّاد السابقين، المشتملين على مجاورة السنة أو السنتين، بناء على انه لا معنى لذلك الّا على ارادة الدخول في الثانية.

و الوجه في انه لا معنى له الّا ما ذكره: عدم ملاءمة التخيير مع مقام التحديد و الضابطة، لإفادة الحدّ، و ليس مثل التخيير في سائر الموارد. هذا، و يرد على ما افاده من حمل الصحيحتين على الدخول في السنة الثانية. ان هذا لا يوجب تحقق الجمع الدلالي، الذي يخرج الطائفتين عن عنوان المتعارضين و المختلفين، الذي هو الموضوع للاخبار العلاجيّة، و ذلك لان الجمع الدلالي إذا كان مقبولا عند العرف و العقلاء، بحيث لا يكون الخبران مختلفين عندهم و متعارضين بنظرهم، يوجب

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثامن ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 296

..........

______________________________

الخروج عن مورد تلك الاخبار، و المقام ليس كذلك، ضرورة ان جعل الموضوع إقامة السنّة، كما في رواية محمد

بن مسلم- مثلا-، كيف يجتمع مع جعل الموضوع اقامة سنتين و المجاورة كذلك، فهل هذا الا التعارض عند العرف و العقلاء.

و حينئذ لا بد من اعمال قواعد التعارض، و حيث ان أوّل المرجحات هي الشهرة الفتوائية، على ما يستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة، و قد حققناه في محلّه، فاللازم الأخذ بالصحيحتين و الفتوى على طبقهما، كما هو المشهور.

و ممّا ذكرنا: ظهر ان المقام ليس من موارد اعراض المشهور عن الرواية الصحيحة، الذي وقع البحث في كونه هل يوجب سقوط الرواية عن الحجية أم لا يوجب؟ بل المقام من موارد الترجيح بالشهرة الفتوائية، بعد فرض التعارض، و بين الموردين فرق، كما لا يخفى. ثم انّ هنا روايات تدل على كفاية الإقامة أقل من سنة، مثل:

صحيحة حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في المجاور بمكة يخرج إلى أهله ثم يرجع الى مكّة، بأيّ شي ء يدخل؟ فقال: ان كان مقامه بمكة أكثر من ستة أشهر فلا يتمتع، و ان كان أقل من ستة أشهر فله ان يتمتع. «1»

و مرسلة حسين بن عثمان و غيره، عمن ذكره عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: من اقام بمكّة خمسة أشهر فليس له ان يتمتع. «2» و قال في الجواهر بعد نقل هذه الطائفة: «و يمكن حملها على التقية، بناء على اكتفاء العامة في صيرورته من حاضري المسجد الحرام، بالاستيطان ستة أشهر أو الدخول في الشهر السادس، أو على اعتبار مضي ذلك في إجراء حكم الوطن لمن قصد التوطن، و في كشف اللثام: أو على ارادة بيان حكم ذي الوطنين بالنسبة إلى قيام

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثامن ح- 3.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب

الثامن ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 297

..........

______________________________

الستة أشهر أو أقل أو أكثر أو غير ذلك» و لكن لا داعي إلى ارتكاب شي ء من هذه المحامل، بعد كون هذه الطائفة معرضا عنها عند الأصحاب، و لم يقل بها أحد، كما لا يخفى.

ثمّ انّك عرفت: انه قد نسب الى الشيخ في المبسوط و النهاية، القول بتوقف انتقال الفرض الى القران أو الافراد، على تمامية الإقامة ثلاث سنين و الدخول في السنة الرّابعة.

و هذا الأمر مع بعده في نفسه، لأن أكثر الروايات المتقدمة التي فيها الصحاح قد رواها الشيخ في جامعية في الأحاديث، و لا يكون في شي ء منها رواية دالة على هذا القول، و لو كانت ضعيفة، فهل يحتمل مع ذلك ان يكون الشيخ قد اعرض عن جميع تلك الروايات و استند الى الأصل و الاستصحاب المقتضي لتأخر زمان الانتقال، و بقاء فرضه السابق، و هو التمتع؟

هذا، مضافا الى ان الشهيد في الدروس قد نسب في عبارته المتقدمة إلى الشيخ في الكتابين ما يقول به المشهور من كفاية الدخول في الثالثة في الانتقال و التبدل.

غاية الأمر، انه استظهر من أكثر الروايات كفاية الدخول في الثانية، و هو يشعر باختياره خلاف ما اختاره الشيخ.

و عليه، فاللازم ملاحظة كلامه في الكتابين، فنقول:

قال في النهاية، على ما حكي: «و من جاور بمكة سنة أو سنتين جاز له ان يتمتّع، فيخرج الى الميقات و يحرم بالحج متمتّعا، فان جاور بها ثلاث سنين لم يجز له التمتع، و كان حكمه حكم أهل مكة و حاضريها» و قد نفى الريب في الجواهر في ظهورها، فيما ذكره الشهيد و انّ المراد بالمجاورة بها ثلاث سنين الدخول في

الثالثة، بقرينة قوله: أوّلا: سنة أو سنتين، و الّا لقال: أو ثلاث.

و قال في المبسوط: «و المكّي إذا انتقل الى غيرها من البلدان ثم جاء متمتعا،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 298

..........

______________________________

لم يسقط عند الدّم، و ان كان من غيرها و انتقل إلى مكّة، فإن أقام بها ثلاث سنين فصاعدا كان من الحاضرين، و ان كان أقل من ذلك كان حكمه حكم أهل بلده». و الظاهر انّ المراد منها ما في النهاية.

فالعبارتان ظاهرتان فيما يقول به المشهور، كما فهمه الشهيد و صاحب الجواهر، اللّذين هما من المتخصصين في الأدب العربي، و يؤيد بل يدل على ذلك عبارة المحقق في الشرائع: «و لو اقام من فرضه التمتع بمكة سنة أو سنتين لم ينتقل فرضه، و كان عليه الخروج الى الميقات إذا أراد حجة الإسلام، و لو لم يتمكن من ذلك خرج الى خارج الحرم، فان تعذر أحرم من موضعه، فان دخل في الثالثة مقيما ثم حج، انتقل فرضه الى القران و الافراد».

فإن جعل الدخول في الثالثة مقابلا للإقامة سنة أو سنتين، دليل على انه ليس المراد السنتين الكاملتين حتّى لا يتحقق ذلك الّا بالدخول في الثالثة، و احتمال التهافت في كلامه- كما صدر من المدارك- لا ينبغي الاعتناء به.

و مما ذكرنا ظهر انّ ما في «المستمسك» من: ان دلالة كلامي الشيخ على اعتبار الدخول في الرابعة ظاهرة، لا يكون في محلّه أيضا.

بقي الكلام في هذا الفرض في أمور: الأوّل: انه هل الحكم بالانقلاب و التبدل بعد تمامية اقامة سنتين، المتحققة بالدخول في السنة الثالثة، المدلول عليه بالصحيحتين المتقدمتين، يختص بما إذا كانت الإقامة بقصد المجاورة. و امّا إذا كانت بقصد التوطن،

فلا يتوقف الانقلاب على الإقامة المزبورة، بل ينقلب من الأوّل، بعد عدم شمول الروايتين لهذا الفرض، أو يعمّ كلا الفرضين، أو يختص بما إذا كانت الإقامة بقصد التوطن؟ وجوه:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 299

..........

______________________________

صريح المدارك و الجواهر هو الثاني، و نسبه في الأوّل إلى إطلاق النص و كلام الأصحاب، و حكى الثالث في الجواهر عن بعض الحواشي.

و الظاهر كما في المتن و العروة هو الأوّل، و ذلك لان صحيحة زرارة المتقدمة، و ان كان التعبير فيها هو عنوان «الإقامة» و هي في نفسها تشمل الفرضين:

المجاورة و التوطن، الّا انها باعتبار تعرضها لجهة واحدة، و هي كون الإقامة الخاصة موجبة لصيرورة المقيم من أهل مكة، و يترتب عليه انه لا متعة له، ظاهرة في كونها في مقام التوسعة في عنوان «لمن كان أهله حاضري المسجد الحرام»، و الحكم بأنه لا يختص بخصوص المتوطن، بل يشمل المقيم المذكور تعبدا. ففي الحقيقة ظاهرها كونها في مقام التصرف في ذلك العنوان بنحو الحكومة، كما تقدم، فيرجع مفادها الى: ان الإقامة المذكورة، و ان كانت لا تقتضي تحقق العنوان المذكور بحسب العرف و اللّغة، الّا انها توجب تحققه شرعا و ثبوته تعبّدا، و هذا لا يناسب الّا مع الإقامة بقصد المجاورة، كما هو ظاهر.

و امّا صحيحة عمر بن يزيد، فمع قطع النظر عن التعبير بالمجاور فيها، و هو في مقابل المتوطن لا شامل له، نقول: انّها و ان كانت متعرضة لجهتين: ثبوت التمتع الى سنتين و كونه قاطنا، ليس له ان يتمتّع بعدهما، الّا ان الظاهر كون محطّ النظر فيها هي الجهة الثانية، الراجعة إلى التوسعة المذكورة في صحيحة زرارة. و امّا الجهة الأولى:

فهي حكم على مقتضى القاعدة، و ذكرها انما هو بعنوان التوطئة للحكم الثاني، الذي هو على خلافها، و لو كان عنوان «المجاور» شاملا للمتوطن أيضا، لكان اللازم الالتزام بكون كلا الحكمين على خلاف القاعدة. غاية الأمر، ان مخالفة القاعدة في الحكم الأوّل انّما هي بالإضافة إلى المتوطن، و في الحكم الثاني انّما هي بالإضافة إلى المجاور غير المتوطن، و هذا خلاف الظاهر جدّا.

فالإنصاف يقتضي الحكم باتحاد مفاد الروايتين، و كون محطّ النظر في كليهما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 300

..........

______________________________

هي الجهة الثانية المذكورة، فلا دلالة لهما على حكم المتوطن، بل اللازم فيه الرجوع الى القاعدة المقتضية للتبدل، من حين تحققه بالقصد.

الثاني: انّه في صورة الانقلاب هل اللازم في الاستطاعة المفروضة، الحاصلة بعد اقامة السنتين ان تكون هي استطاعة المكي، أو ان الشرط في الوجوب هي الاستطاعة المعتبرة في حج التمتع، و ان كان الواجب عليه بها هي غير حج التمتع، وجهان، بل قولان: يظهر من الجواهر الثاني، حيث انه بعد ان حكى عن بعضهم: انه لا يشترط في وجوب الحج عليه الاستطاعة المشروطة له، و لو الى الرجوع الى بلده، بل يكفي فيه استطاعة أهل مكة، لإطلاق الآية و كثير من الاخبار الى أخر ما حكاه، قال: «الّا ان الجميع- كما ترى- مع عدم قصد التوطن، ضرورة انسباق ارادة نوع الحج، خاصّة من الجميع، فيبقى عموم أدلة استطاعة النائي بحاله».

و لكن ذكر سيّد المستمسك ما ملخّصه: «ان النزاع المذكور لا يرجع الى محصّل، لان الفرق بين الاستطاعتين من وجهين: أحدهما من حيث الابتداء: و قد مرّ انه لا يعتبر في الاستطاعة أن تكون من البلد، فلو سافر الى الميقات

فاستطاع هناك استطاعة شرعية منه الى مكّة ثم الى الرجوع الى بلده وجب عليه حجة الإسلام، و ان لم تكن له استطاعة من البلد. و ثانيهما من حيث الانتهاء:

و قد تقدم- أيضا- انه إذا كان منصرفا عن الرجوع الى بلده لا يعتبر في وجوب حجة الإسلام الاستطاعة إليه، بل تكفي الاستطاعة إلى الموضع الذي يقصد الإقامة فيه بعد رجوعه من الحج، و لو كان قريبا من مكّة، و انه لا تكفي الاستطاعة إلى البلد إذا كان رجوعه اليه ضررا عليه أو حرجا. و بالجملة: لا تعتبر الاستطاعة من البلد و لا اليه».

و يرد عليه: ان مقتضى ما افاده ان يتضح للنزاع المذكور وجه محصل، فيما إذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 301

..........

______________________________

أراد المجاور المفروض الرجوع الى بلده بعد قضاء مناسك الحج و الإتيان بأعماله، و لم يكن الرجوع اليه ضررا عليه أو حرجا بوجه، فإنه يقع الكلام حينئذ بعد اعتبار الاستطاعة بالإضافة إلى الإياب كالذهاب، في انه تعتبر في المقام الذي تبدل الفرض و انقلب الحكم، الاستطاعة بالنسبة إلى الإياب أيضا أم لا؟ بل هذا هو المفروض في عبارة الجواهر المتقدمة. نعم، لا يرجع النزاع الى محصل لو كان غرضه استدامة المجاورة، و البقاء في مكة بعد الاعمال. نعم، تظهر الثمرة أيضا في هذه الصورة بالإضافة إلى ثمن الهدي، بناء على كونه جزء للاستطاعة المالية، كما اخترناه في البحث عن الاستطاعة البذلية، فان اعتبارها انّما هو في استطاعة حج التمتع دون الافراد، فيقع الكلام حينئذ في اعتبارها في المقام.

و الحق ان يقال: انه لا مجال لاحتمال كون ثمن الهدي جزء من الاستطاعة في المقام بعد عدم وجوب حج التمتع

عليه، لعدم اقتضاء دليل الجزئية لها هنا، فهي خارجة عن البحث هنا.

و امّا الاستطاعة بالإضافة إلى الرجوع الى بلده، التي هي العمدة في ثمرة النزاع، و ان كان ظاهر تعبير المتن و تفريعه بقوله: فتكفي في وجوبه استطاعة منها، و لا يشترط فيه حصولها من بلده، كون المهمّ هو الابتداء، مع انه كما ترى، و لذا أورد سيدنا الأستاذ البروجردي- قده- في التعليقة على العروة على السيّد، الذي عبر بمثل ما في المتن، بقوله: «بل الظاهر ذلك في صورة عدم الانقلاب أيضا، فتكفي استطاعته من مكّة في وجوب الحج عليه، ان كان فيها، و ان كان الواجب بها هو التمتع. نعم، يعتبر حينئذ استطاعته لحج التمتع، و لا يكفي استطاعته لحج المكي دونه».

و بالجملة: فالظاهر ان ترتب الثمرة انّما هو بالإضافة إلى مصاريف الرجوع الى البلد، كما في عبارة الجواهر، و حينئذ نقول: لا بدّ في هذه الجهة من ملاحظة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 302

..........

______________________________

الصحيحتين المتقدمتين، الدالتين على الانقلاب بعد اقامة سنتين، و ملاحظة ما يدل على اعتبار استطاعة الرجوع في الاستطاعة، التي يترتب عليها وجوب الحج، كاعتبار استطاعة الذهاب.

امّا الأوّل: فالظاهر ان صحيحة زرارة لا دلالة لها على عموم التنزيل، و كون المجاور من أهل مكة من جميع الجهات، حتى الاستطاعة الرجوعية، و ذلك لان ذكر قوله: لا متعة له، عقيب قوله: فهو من أهل مكة. من دون الفصل بالواو أو الفاء، يدل على ان قوله: لا متعة له، تفسير و بيان لقوله: فهو من أهل مكة.

و عليه، فلا دلالة له على أزيد من كون الأهلية التعبدية انما تكون مرتبطة بعدم ثبوت المتعة له، و امّا من

جهة الاستطاعة، فلا يكون له اقتضاء أصلا.

و امّا الصحيحة الثانية فلا يبعد دعوى عموم التنزيل فيها، و ان قوله: و ليس له ان يتمتع. جملة مستقلة متعرضة لبعض مفاد الجملة الاولى، و هو كون المجاورة موجبة لصيرورته قاطنا، و ان كان يجري فيها احتمال كون الثانية بيانا للأولى و مفسرة لها، لكنه خلاف الظاهر.

و امّا الثاني: فقد عرفت: ان العمدة في الدليل المذكور هو حكم العرف بان مرجع القدرة على السفر الى البلد الكذائي، كالسفر الى مشهد الرضا عليه آلاف التحية و الثناء، إلى القدرة عليه ذهابا و إيابا، و ثبوت الاستطاعة بالإضافة إلى الجهتين. و من المعلوم ان ذلك انّما هو فيما إذا كان الرجوع الى البلد مرتبطا بالحج و مضافا اليه، و امّا إذا لم يكن كذلك، كما في المقام، حيث ان الرجوع انّما هو لأجل المجاورة التي اختارها في مدة معيّنة، و لو لم يكن مستطيعا و لم يأت بمناسك الحج و أفعاله، لكان يرجع الى بلده. ففي هذه الصورة لا دليل على جزئية استطاعة الرجوع و شرطيتها في الوجوب، بعد عدم ارتباط الرجوع بالحج أصلا.

و هذا هو الظاهر، و لازم ما ذكرنا عدم الاعتبار قبل الانقلاب أيضا، لعين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 303

..........

______________________________

الدليل. فالثمرة بالإضافة إليه، تظهر في ثمن الهدي، لوجوب التمتع عليه، كما هو المفروض.

الثالث: فيما لو حصلت الاستطاعة قبل تمامية السنتين، و يظهر من المتن ان فيها صورتين:

إحديهما: ما لو حصلت الاستطاعة قبلها، و لكن الحج الواجب بها لا يكاد يمكن ان يقع الّا بعد تماميتهما: و الظاهر ان حكمها حكم ما لو حصلت بعدهما، من تحقق الانقلاب و ثبوت حج القران

أو الافراد، و الوجه فيه واضح.

ثانيتها: ما لو حصلت قبلها، و لكن يمكن وقوع الحج الواجب بها على تقدير المبادرة إليه قبل التجاوز عن السنتين، و لكنّه لم يأت به، بل أخّره إلى بعدهما، فهل يتحقق الانقلاب في هذه الصورة أم لا؟ اختار في المتن الثاني.

و المنشأ لدعوى عدم الانقلاب: امّا الإجماع الذي تقدّم في صدر المسألة بالإضافة الى من استطاع في وطنه، ثم اختار مجاورة مكة.

و امّا دعوى عدم ثبوت الإطلاق فيما يدل على الانقلاب من الصحيحتين المتقدمتين.

فان كان الأوّل: فيرد عليه، مضافا الى ما مرّ هناك، من: انه لا أصل للإجماع و لا أصالة له على تقديره انه على فرض صحة الاستدلال به في ذلك المقام، فالقدر المتيقن هو ثبوت الاستطاعة قبل المجاورة، و امّا بعدها فلا يشمله الإجماع.

و ان كان الثاني: فالوجه في الدعوى المزبورة: ان كان هو الانصراف، فالظاهر كونه ممنوعا، لانه لا ينسبق الى الذهن من ملاحظتهما الّا كون نفس الإقامة و المجاورة دخيلة في الانقلاب، و امّا لزوم تحقق الاستطاعة بعد السنتين فلا ينتقل الذهن اليه بوجه، بل لا يلتفت الى مسألة الاستطاعة أصلا.

و ان كان هو عدم كونهما في مقام البيان، من هذه الجهة، فيدفعه: ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 304

..........

______________________________

المتفاهم منهما عرفا، مدخلية نفس المجاورة المذكورة في تبدل الفرض و انتقال الحكم، و لو كان تحقق الاستطاعة بعد السنتين دخيلا، لكان مدخلية المجاورة المذكورة انّما هو بنحو الجزئية و بعض المؤثر، و هو خلاف ظاهر الروايتين جدّا.

فالإنصاف: ثبوت الإطلاق لهما، كما اعترف به صاحب الحدائق على ما تقدّمت الإشارة إليه في صدر المسألة و قد مرّ: انه لا مجال للتمسك

بالاستصحاب أيضا.

نعم، لو وصلت النوبة إلى الترديد و الإجمال في الروايتين، لكان اللازم الاقتصار على القدر المتيقن، و هو ما لو حصلت الاستطاعة بعد السنتين، لعدم الفرق في لزوم الاقتصار على المتيقن بين كون لسان الدليل بنحو التخصيص أو بنحو الحكومة، كما لا يخفى. و على ما ذكرنا، فلا فرق بين الصورتين في هذا الأمر. هذا تمام الكلام في المقام الأوّل.

المقام الثاني: في المكيّ إذا صار مقيما في سائر الأمصار بالمقدار المذكور في المقام الأوّل، و هي تمامية سنتين و الدخول في الثالثة: و الظاهر انه لم ينهض دليل على التبدل و الانقلاب فيه بوجه، و لا دلالة لأدلة الانقلاب في ذلك المقام، على انّ المجاورة بالمقدار المذكور موجبة له مطلقا، سواء كانت لغير المكي في مكة أو العكس، كما إذا جاور المكي المدينة- مثلا-، بل لو لا ظهور كلمات الأصحاب و صراحة كلام صاحب الجواهر في: انّ المراد بمكة في الروايتين ما هو داخل الحدّ مطلقا، لكان يحتمل ان يكون الحكم من خصائص نفس تلك البلدة المقدسة، و لا يشمل غيرها، المشترك معها في الفرض.

و كيف كان، لم يقم دليل على ان المجاورة في المدينة- مثلا- موجبة للانقلاب و تبدل الفرض. نعم، قد تقدم البحث في المكّي الذي خرج الى بعض الأمصار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 305

[مسألة 4 المقيم في مكة لو وجب عليه التمتع]

مسألة 4- المقيم في مكة لو وجب عليه التمتع، كما إذا كانت استطاعته في بلده، أو استطاع في مكّة قبل انقلاب فرضه، يجب عليه الخروج الى الميقات لإحرام عمرة التمتع، و الأحوط ان يخرج الى مهلّ أرضه فيحرم منه، بل لا يخلو من قوة. و ان لم يتمكن فيكفي الرجوع

الى أدنى الحلّ، و الأحوط الرجوع الى ما يتمكن من خارج الحرم، ممّا هو دون الميقات، و ان لم يتمكّن من الخروج إلى أدنى الحلّ أحرم من موضعه، و الأحوط الخروج الى ما يتمكّن. (1)

______________________________

و أراد ان يحج حجة الإسلام في المراجعة الى بلده و وطنه، و ان المشهور المنصور هو جواز التمتع له، خلافا لابن أبي عقيل، حيث ذهب الى تعين حكم المكّي، و اختاره السيد و الماتن- قدس سرهما-، و لكن التبدل المبحوث عنه هنا هو التبدل بنحو التعين، كالتبدل في المقام الأوّل، و لا دليل عليه بوجه.

ثم انه استثنى في المتن: ما لو توطن المكي في سائر الأمصار، و حصلت الاستطاعة بعده، و انه يتعين عليه التمتع، و لو في السنة الاولى.

و يرد عليه: مضافا الى ان استثناء التوطن من المجاورة، مع كونها في مقابله، يوجب ان يكون منقطعا، انه على فرض التوطن و قصد الإقامة الدائمية، لا دليل على اعتبار كون الاستطاعة حاصلة بعده في الانتقال و التبدل، لانه لم يقم دليل على انّ الملاك في تعين النوع هو زمان الاستطاعة، بل الظاهر ان الاستطاعة شرط لأصل تحقق الوجوب و ثبوت التكليف، و امّا تعين النوع فهو تابع لزمان العمل و ارادة الامتثال، فإذا كان في حال الامتثال متوطنا في مدينة- مثلا- يكون اللازم عليه حج التمتع، و ان كانت استطاعته حاصلة، في مكة، فتدبر.

(1) في أصل المسألة أقوال ثلاثة:

القول الأوّل: انه ميقات اهله، المعبّر عنه تبعا للرواية بمهلّ أرضه بضم الميم: اسم مكان من الإهلال، بمعنى الشروع. حكي هذا القول عن الشيخ و أبي الصلاح و يحيى بن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 306

..........

______________________________

سعيد،

و المحقق في النافع، و الفاضل في جملة من كتبه، و نسبه في الحدائق إلى المشهور.

القول الثاني: انه أحد المواقيت المخصوصة مخيّرا بينها، و هو ظاهر إطلاق الشرائع و النهاية و المقنع و المبسوط و الإرشاد و القواعد، و صريح الشهيدين في الدروس و المسالك و الرّوضة.

القول الثالث: انه أدنى الحلّ حكي عن الحلبي أو الحلّي كما هو ظاهر، لان كنيته هو أبو الصلاح، و هو من القائلين بالقول الأوّل، كما مرّ) و استحسنه صاحب الكفاية، و استظهره الأردبيلي، و احتمله قويا تلميذه صاحب المدارك.

و الحكم في المسألة، تارة: مع قطع النظر عن الروايات الخاصة المختلفة الواردة فيها، و اخرى: مع ملاحظتها، فنقول:.

امّا من الجهة الاولى: فلا بدّ من ملاحظة الروايات العامّة الدالة على توقيت النبي- ص- مواقيت للآفاق، و ان لكل قطر ميقاتا مخصوصا، و انه لا يجوز لأحد ان يحرم الّا من ميقاته الذي عين له، بضميمة الروايات الدالة على التوسعة بهذه الكيفية، و هي: انه يجوز الإحرام من كل ميقات لمن يمرّ به، و ان كان من غير أهله، ففي بعضها: ان رسول اللّٰه- ص- وقت المواقيت لأهلها و من اتى عليها من غير أهلها.

و قد وقع الكلام في: ان الروايات الأخيرة هل تختص بمن يأتي على الميقات من الخارج، أو تشمل المقام الذي يريد الحج من مكة؟ و الظاهر هو الانصراف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 307

..........

______________________________

عن المقام، و الاختصاص بمن يريد الحج من الخارج و يأتي على الميقات، و لا مجال لدعوى استظهار العموم، كما ادّعى.

و امّا من الجهة الثانية: فالرواية الوحيدة التي تدل على القول الأوّل: ما رواه الكليني عن الحسين بن محمّد

عن معلّى بن محمد عن الحسن بن على عن ابان بن عثمان عن سماعة، عن أبي الحسن- عليه السلام- قال: سألته عن المجاور، أ له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحج؟ قال: نعم، يخرج الى مهلّ أرضه فيلبّي ان شاء. «1»

و لا بدّ اما من تقييد المجاور في السؤال، بقرينة الحكم في الجواب بجواز التمتع له بالمجاور، الذي لم يمض عليه سنتان، بقرينة الصحيحتين المتقدمتين الواردتين في المسألة السابقة. و امّا من حمل السؤال على الحج المندوب، و على كلا التقديرين يصح الاستدلال بها لهذا القول. لكنه قد نوقش فيها سندا و دلالة، امّا من جهة السند: فلأجل معلّى بن محمد، الذي ذكر النجاشي في ترجمته: انه مضطرب الحدث و المذهب و أجيب عنه- مضافا الى عدم دلالة عبارة النجاشي على ضعفه، لان مرجع اضطراب الحديث إلى انه يروي الغرائب، و الاضطراب في المذهب لا يقدح في وثاقه الرجل- بأنه من رجال كامل الزيارات لابن قولويه شيخ المفيد- قده-، الذي التزم في ديباجته: بأنه لا يروي إلّا عن الثقات. و عليه، فهو موثق بتوثيقه، غاية الأمر، بالتوثيق العام.

و امّا من جهة الدلالة: فلان التعليق على المشيّة لا يكاد يجتمع مع الوجوب، فإنه لا معنى لقوله: أقيموا الصلاة ان شئتم، فهو- اي التعليق- يدل على عدم الوجوب.

و لكنه أجاب عن هذه المناقشة في المستمسك، بقوله: «و قوله- ع-: ان شاء.

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثامن ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 308

..........

______________________________

ظاهر في انه راجع الى التمتع لا الى الخروج، لأنّ الظاهر ان عدله: و ان لم يشأ لم يخرج، و ذلك انما يصحّ فيما يجوز فعله و تركه، و

هو التمتع، لا فيما لا بد من فعله أو فعل غيره، كما في أحد أفراد الواجب، و هو الخروج، و لعله ظاهر بأقل تأمل».

و هذا الجواب يمكن الإيراد عليه: بان تعليق الحكم بالوجوب التخييري على المشيّة بأن يقال: ان شئت فاختبر هذا العدل و هذا الطرف، مما لا مانع منه، خصوصا مع اشتماله على مشقة زائدة على العدل الأخر.

و التحقيق في الجواب: ان ملاحظة كثير من الروايات الأخرى، المستدل بها على القول الثاني، تهدينا الى ذلك، و ان المراد تعليق التمتع على المشية:

منها: موثقة سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- انه قال: من حجّ معتمرا في شوال، و من نيّته ان يعتمر و يرجع الى بلاده، فلا بأس بذلك، و ان هو أقام إلى الحج فهو يتمتّع، لأن أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة، فمن اعتمر فيهنّ و اقام إلى الحج فهو متعة، و من رجع الى بلاده و لم يقم الى الحج فهي عمرة، و ان اعتمر في شهر رمضان أو قبله و اقام إلى الحج فليس بمتمتع، و انما هو مجاور، أفرد العمرة، فإن هو أحبّ ان يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان، فيدخل متمتعا بالعمرة (بعمرة) إلى الحج، فان هو أحبّ ان يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبّي منها. «1» فان ذيلها يدل على انه مختار في التمتع و غيره، و انه ان اختار التمتع فميقاته كذا، و ان اختار الافراد فميقاته كذا.

و مثلها: رواية إسحاق بن عبد اللّٰه، قال: سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن المعتمر (المقيم) بمكّة، يجرّد الحج أو يتمتع مرة أخرى؟ فقال:

يتمتع أحبّ اليّ،

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب العاشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 309

..........

______________________________

و ليكن إحرامه من مسيرة ليلة أو ليلتين. «1»

هذا، مع ان نفس السؤال في رواية سماعة ظاهرة في: انه يجوز للمجاور التمتع أم لا؟ و هذا انما يلائم بالإضافة إلى الحج المندوب، و الّا فالمجاور قبل السنتين يتعين عليه التمتع و بعدهما يتعين عليه غيره، و عليه، فالمعلق على المشيّة انّما هو التمتع، الذي له ان يختاره، و إذا ثبت اشتراط الخروج الى مهلّ أرضه في الحج المندوب:

إذا كان تمتعا، ففي التمتع الواجب انما يكون ثابتا بطريق اولى، و دعوى عدم العلم بالمناط واضحة المنع، كما ان دعوى عدم ظهور الجملة الخبرية في الوجوب أيضا كذلك على ما حقق في محلّه. و قد انقدح من جميع ما ذكرنا تمامية الاستدلال للقول الأوّل برواية سماعة، و يؤيده الروايات الواردة في الجاهل و الناسي، الدالة على وجوب رجوعهما الى ميقات أهلهما.

و يدل على القول الثاني روايات:

منها: موثقة سماعة بن مهران المتقدمة أنفا، بناء على كون ذات عرق و عسفان ميقاتين من المواقيت المعيّنة، و عدم كون المراد خصوصهما، بل ذكرهما انّما هو لأجل كونهما من المواقيت، و المقصود هو الرجوع الى أحدها من دون خصوصية لهما أصلا. و لكن يرد على الاستدلال: ان ذات عرق، و ان كان مهلّا لأهل العراق، الّا ان عسفان الواقع في مرحلتين من مكة في طريق المدينة- كما في تاريخ البلدان لليعقوبي- ليس ميقاتا بوجه، فان الميقات في ذلك الطريق: امّا مسجد الشجرة، الواقع في جنب المدينة، بل فيها في هذه الأزمنة، و امّا الجحفة، و لا يكون عسفان ميقاتا بوجه،

مع ان التعبير بالتجاوز الظاهر في العبور عنهما الى غيرهما لا يكاد يعلم له وجه. و عليه، فتصير الموثقة مخالفة للإجماع، و لا مجال للاستدلال بها بوجه.

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الرابع ح- 20.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 310

..........

______________________________

و منها: رواية إسحاق بن عبد اللّٰه المتقدمة أنفا أيضا.

و يرد على الاستدلال بها: مضافا الى ضعف السّند، انّ المراد من مسيرة ليلة أو ليلتين ان كان هو نفس هذا العنوان، فهو مخالف للإجماع و لجميع الأقوال في المسألة، و لا ينطبق على المدّعى، و ان كان إشارة إلى المواقيت المخصوصة المختلفة بالقرب و البعد، فيرد عليه: مضافا الى انه ليس في المواقيت ما يكون بمقدار مسيرة ليلة- على ما يأتي في بحث الميقات- ان الاقتصار على ذلك مع انه في المواقيت يوجد ما هو أكثر من ذلك، كمسجد الشجرة، الذي تكون مسافته إلى مكة ما يقرب من مسيرة تسع ليال، لا وجه له.

و منها: مرسلة حريز، عمن أخبره عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: من دخل مكة لحجة عن غيره ثم أقام سنة، فهو مكيّ، فإذا (و إذا ظ) أرادا أن يحجّ عن نفسه، أو أراد ان يعتمر بعد ما انصرف من عرفة، فليس له ان يحرم من مكّة، و لكن يخرج الى الوقت، و كلما حول رجع الى الوقت. «1»

بناء على ان يكون المراد بالوقت هو جنس الوقت، الصادق على جميع المواقيت، لا العهد و الإشارة إلى ميقات أرضه، و لكن ضعف سند الرواية بالإرسال يمنع عن الاستدلال.

و قد انقدح مما ذكرنا: ان روايات هذا القول، امّا قاصرة سندا، و اما دلالة، و امّا معا.

و امّا القول الثالث:

فقد استدل له أيضا بروايات:

منها: صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام-: لأهل مكّة أن يتمتّعوا؟ قال: لا، قلت: فالقاطنين بها؟ قال: إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب التاسع ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 311

..........

______________________________

يصنع أهل مكة، فإذا أقاموا شهرا فان لهم ان يتمتعوا. قلت: من اين؟ قال:

يخرجون من الحرم، قلت: من اين يهلّون بالحج؟ فقال: من مكّة، نحوا ممّن يقول الناس. «1»

و منها: رواية حمّاد، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن أهل مكة أ يتمتّعون؟ قال ليس لهم متعة، قلت: فالقاطن بها؟ قال: إذا أقام بها سنة أو سنتين صنع صنع أهل مكّة، قلت: فان مكث الشهر؟ قال: يتمتع، قلت: من اين يحرم؟ قال: يخرج من الحرم، قلت: من اين يهلّ بالحج؟ قال: من مكّة، نحوا مما يقول النّاس. «2»

و ظهور الروايتين في كفاية مجرد الخروج من الحرم و الإحرام منه، لا مجال للارتياب فيه، كما ان الاولى صحيحة بلا اشكال، و الثانية، و ان كان في سندها داود و قد روى عنه ابن أبي عمير، و قد ذكرنا سابقا اشتراكه بين الثقة و غيره، لكن حكي عن كتاب «ترتيب أسانيد الكافي» لسيّدنا العلامة الأستاذ البروجردي- قدس سره- انه قال: بان داود، الذي يروي عنه ابن أبي عمير ثقة. و لو كانت روايات هذا القول منحصرة بهاتين الرّوايتين، لكان مقتضى الجمع بينهما و بين رواية سماعة، الدالة على القول الأوّل، بعد قصور روايات القول الثاني سندا أو دلالة، هو حملهما عليها، لاقتضاء حمل المطلق على المقيد، ذلك لأنهما مطلقتان من حيث المنتهى، و هي دالة على

انه عبارة عن مهلّ أرضه و ميقات اهله، فلا بد من تقييدهما بها، و لا مجال لجعلهما قرينة على التصرف فيها بالحمل على الاستحباب و أفضل الافراد، و الّا لكان مقتضاه جريان مثله في جميع موارد الإطلاق و التقييد،

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب التاسع ح- 3.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب التاسع ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 312

..........

______________________________

ضرورة ان مثل قوله: أعتق رقبة، يمكن ان يكون قرينة على التصرف في الدليل، الذي ظاهره التقييد بالحمل على الاستحباب و كون المقيد أفضل الأفراد، فيما إذا كانا مثبتين، و بالحمل على الكراهة و اقليّة الثواب، فيما إذا كان دليل المقيد مثل قوله: لا تعتق الرقبة الكافرة.

فاللازم بمقتضى حكم العرف و العقلاء في نظائر المقام هو حمل المطلق على المقيّد، الّا ان الاشكال: ان الدليل على هذا القول لا ينحصر بهاتين الروايتين، بل هنا رواية ثالثة دالة على الخروج إلى الجعرانة، و كان اللازم على صاحب الجواهر- قده- التعرض لها مكان الرواية الثالثة، التي أوردها عقيبهما، مع عدم ارتباطها بالمقام، أو وضوح تقدّم رواية سماعة عليها، فنقول: امّا ما أورده صاحب الجواهر: فهي صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي- عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: من أراد ان يخرج من مكّة ليعتمر. أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبهها. «1»

و الظاهر ان المراد من قوله: ليعتمر. بلحاظ إطلاق العمرة، هي العمرة المفردة، فإن التعبير في عمرة التمتع هي إضافتها اليه، أو مثل قوله تعالى «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ» كما في كثير من الروايات.

و على تقدير الإطلاق و الشمول لعمرة التمتع: تكون رواية سماعة الواردة في خصوصها مقيدة لإطلاقها، فالرواية

ليست بمهمة في المقام. و امّا ما ترك التعرض له في الجواهر و تبعه بعض شراح العروة، فهي موثقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: المجاور بمكة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحج، في رجب أو شعبان أو شهر رمضان أو غير ذلك من الأشهر، إلّا أشهر الحج، فإنّ أشهر الحجّ شوّال و ذو القعدة و ذو الحجة، من دخلها بعمرة في غير أشهر الحج، ثم أراد ان يحرم

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني و العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 313

..........

______________________________

فليخرج إلى الجعرانة فيحرم منها، ثم يأتي مكة و لا يقطع التلبية حتى ينظر الى البيت، ثم يطوف بالبيت و يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم- ع- ثم يخرج الى الصّفا و المروة فيطوف بينهما، ثم يقصر و يحلّ، ثم يعقد التلبية يوم التروية. «1» فإن ظهورها في كفاية مجرد الخروج إلى الجعرانة، فيما إذا أراد المجاور التمتع بالحجّ، لا ينبغي الارتياب فيه. و عليه، فتقع المعارضة الظاهرة بينها و بين رواية سماعة، الدالة على لزوم الخروج الى مهلّ أرضه، و لا مجال لدعوى كون التعارض بينهما في مقدار الزائد على الجعرانة إلى ميقات اهله، نظرا الى ان تلك الرواية توجبه، و هذه الرواية تحكم بعدم وجوبه، فتحمل تلك على الاستحباب بقرينة هذه الرواية.

و ذلك لعدم وجود القدر المتيقن المتفق عليه بينها، لان ما تدل على الخروج إلى الجعرانة ظاهرها عدم جوازه إلى أزيد منها، و ان حكي عن بعض القائلين بالقول الثالث: الحكم بالجواز، لكنه لا يظهر من الرواية. و عليه، فالروايتان متعارضتان جدّا، و لا بد من اعمال قواعد التعارض، فان قلنا

بثبوت الشهرة على القول الأوّل، كما ادعاه صاحب الحدائق، أو قلنا: بأنه لا تعتبر الشهرة في جانب الإثبات فقط، بل تكفي الشهرة على النفي أيضا لإسقاط الخبر النافي عن الحجيّة، فاللازم الأخذ برواية سماعة الأولى، الدالة على لزوم الخروج الى مهلّ أرضه، لوجود الشهرة على وفقها، أو ثبوت الشهرة المركبة على خلاف رواية سماعة الثانية، كما لا يخفى.

و ان لم نقل بشي ء من الأمرين، فاللازم امّا القول بالتخيير، و امّا القول بالتساقط، و الرجوع الى الأدلة العامّة الدالة على لزوم الإحرام من ميقات الأهل و مهلّ الأرض، فالأحوط حينئذ ذلك.

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثامن ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 314

..........

______________________________

ثم انّ ما أفاده في المتن في ذيل المسألة في حكم صورة التعذر: قد حكى عن المدارك: انه مما قطع به الأصحاب، و استظهر من كلمات غيره: انّه مفروغ عنه، و لو لا ذلك لأمكن المناقشة في جعل الاحتياط في الرّجوع الى ما يتمكن من خارج الحرم، ممّا هو دون الميقات، لعدم الدليل على جواز الإحرام من غير المواقيت الشاملة لمثل الجعرانة، و كذا تجري المناقشة في الاحتياط الأخير بعد تعذر الخروج إلى أدنى الحلّ، فإنه لا دليل على الخروج الى المقدار الممكن بعد تعذر الخروج اليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 315

القول في حجّ التّمتّع

اشارة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 317

القول في صورة حج التمتّع إجمالا و هي ان يحرم في أشهر الحج من احدى المواقيت بالعمرة المتمتع بها الى الحجّ، ثم يدخل مكّة المعظّمة فيطوف بالبيت سبعا، و يصلي عند مقام إبراهيم ركعتين، ثم يسعى بين الصفا

و المروة سبعا، ثم يطوف للنساء احتياطا سبعا، ثم ركعتين له و ان كان الأقوى عدم وجوب طواف النساء و صلوته، ثم يقصّر فيحلّ عليه كل ما حرّم عليه بالإحرام. و هذه صورة عمرة التمتع التي هي أحد جزئي حجّة.

ثم ينشئ إحراما للحج من مكة المعظمة في وقت يعلم انه يدرك الوقوف بعرفة، و الأفضل إيقاعه يوم التروية بعد صلاة الظهر. ثم يخرج الى عرفات فيقف بها من زوال يوم عرفة الى غروبه، ثم يفيض منها، و يمضي إلى المشعر فيبيت فيه، و يقف به بعد طلوع الفجر من يوم النحر الى طلوع الشمس منه، ثم يمضي إلى منى لإعمال يوم النحر، فيرمي جمرة العقبة ثم ينحر أو يذبح هديه، ثم يحلق ان كان صرورة، على الأحوط، و يتخير غيره بينه و بين التقصير، و يتعيّن على النساء التقصير، فيحل بعد التقصير من كل شي ء إلّا النساء و الطيب، و الأحوط اجتناب الصيد أيضا، و ان كان الأقوى عدم حرمته عليه، من حيث الإحرام. نعم، يحرم عليه لحرمة الحرم، ثم يأتي إلى مكة ليومه ان شاء، فيطوف طواف الحج و يصلى ركعتيه و يسعى سعيه، فيحلّ له الطيب، ثم يطوف طواف النساء، و يصلي ركعتيه، فتحلّ له النساء ثم يعود إلى منى لرمي الجمار، فيبيت بها ليالي التشريق، و هي الحادية عشرة و الثانية عشرة و الثالثة عشرة، و بيتوتة الثالث عشرة انما هي في بعض

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 318

الصور، كما يأتي، و يرمي في أيّامها الجمار الثلاث. و لو شاء لا يأتي إلى مكة ليومه، بل يقيم بمنى حتى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر و مثله

يوم الثاني عشر، ثم ينفر بعد الزوال لو كان قد اتقى النساء و الصيد، و ان أقام إلى النفر الثاني و هو الثالثة عشر، و لو قبل الزوال، لكن بعد الرمي جاز أيضا، ثم عاد إلى مكّة للطوافين و السعي، و الأصح: الاجتزاء بالطواف و السعي تمام ذي الحجة، و الأفضل الأحوط ان يمضي إلى مكّة يوم النحر، بل لا ينبغي التأخير لغده، فضلا عن أيام التشريق الّا لعذر. (1)

______________________________

(1) ما افاده هنا هو تصوير حجّ التمتّع بنحو الإجمال و سيأتي البحث في الخصوصيات مفصّلا ان شاء اللّٰه و الذي ينبغي البحث هنا امّا في عمره التمتع فهو من جهة انه هل يجب فيها طواف النساء كالعمرة المفردة و جميع أنواع الحجّ أو انّ لها خصوصية من هذه الجهة؟

فالمشهور، بل المتسالم عليه بينهم، هو عدم الاعتبار، و لكن نسب الشهيد الى بعض الأصحاب، القول بالاعتبار من دون تعيين قائله.

و يدل على عدم الوجوب: صحيحة صفوان بن يحيى، قال: سأله أبو حارث عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج، فطاف و سعى و قصّر، هل عليه طواف النساء؟

قال: لا، انّما طواف النساء بعد الرجوع من منى. «1» و لا يكاد يضرها الإضمار، بعد كون المضمر هو صفوان، كما هو ظاهر.

و صحيحة محمد بن عيسى، قال: كتب أبو القاسم مخلّد بن موسى الرازي الى الرجل يسأله عن العمرة المبتولة، هل على صاحبها طواف النساء و العمرة، التي يتمتع بها الى الحج، فكتب: أمّا العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، و امّا التي يتمتع بها الى الحج فليس على صاحبها طواف النساء. «2»

و امّا ما ظاهره الوجوب: فهي رواية سليمان بن حفص المروزي، عن الفقيه

______________________________

(1) وسائل أبواب الطواف

الباب الثاني و الثمانون ح- 6.

(2) وسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 319

..........

______________________________

- عليه السلام- قال: إذا حجّ الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت و صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم- ع- و سعى بين الصفا و المروة و قصّر، فقد حلّ له كل شي ء ما خلا النّساء، لان عليه، لتحلة النساء، طوافان و صلاة. «1» و الظاهر ان «طوافان» و ان كان موجودا في الطبع الحديث من الوسائل الّا انه غلط لوجهين:

أحدهما: ان اسم انّ يكون منصوبا، و اللازم على هذا التقدير، ان يكون طوافين لا طوافان. ثانيهما: عدم ثبوت طوافين بعد الطواف الأوّل، لا في الحج و لا في العمرة، فهذه العبارة اشتباه، و ان كان يؤيّدها التأنيث في قوله: لتحلّه، كما لا يخفى.

ثم انّ الصورة المفروضة في الرواية لا تكون ظاهرة في عمرة التمتع، مع قطع النظر عن قوله: و قد قصّر. لاحتمال كون المراد هو الحج، و انّ دخول مكّة انّما هو الدخول بعد العود عن منى، لكن هذا القول يوجب التعين في عمرة التمتّع، لانه مضافا الى عدم تعين التقصير في حج التمتّع إلّا بالإضافة الى النساء، و امّا في غيرهنّ فأمّا ان يتعين الحلق أو يتخير بينه و بين التقصير، يكون التقصير في الحج قبل الطواف و السعي، و ظاهر الرواية وقوعه بعدهما، فيتعين في عمرة التمتع.

لكن هذا كله على تقدير وجود «و قد قصّر» في الرواية، مع ان المحكي عن الاستبصار عدم وجود هذه الجملة في الرواية، و ان كانت موجودة في التهذيب، و هو المصدر لنقل الوسائل، و لكنه نسب إليه: أنه سهو من قلمه

الشريف، و الظاهر انه لا دليل عليه، و مقتضى أصالة عدم الزيادة خلافه، خصوصا مع انها الدليل الوحيد في الباب، و لولاه لا دليل على الاستحباب أيضا. و كيف كان،

______________________________

(1) وسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 320

..........

______________________________

على تقدير خلوّ الرواية عن هذه الجملة لا دلالة لها على حكم عمرة التمتّع لما عرفت، من ابتناء دلالتها عليه على وجود هذه الجملة، و التعبير بدخول مكة فيها لا ظهور فيه في الدخول بعد إحرام العمرة، فإن الحاج أيضا يدخلها بعد الفراغ عن اعمال منى، كما لا يخفى.

نعم، ربما يقال بعدم الابتناء على وجود الجملة المزبورة، و ذلك لانه قد ثبت في محلّه: انه بالحلق أو التقصير، الذي هو أخر اعمال يوم النّحر، يحلّ للمحرم كل شي ء عدا النساء و الطيب و الصيد، و يتوقف حلية الطيب على الطّواف، و السعي و النساء على طواف النساء، و حرمة الصيد لم يثبت استنادها إلى الإحرام، بل يحتمل ان تكون لأجل حرمة الحرم. و عليه، فلا تختص بالمحرم، كما قواه الماتن- قدس سره الشريف. و بالجملة: المؤثر في حلية أكثر محرّمات الإحرام هو تمامية اعمال يوم النحر بمنى. و عليه، فجعل المؤثر في الحلية هو الطواف و ركعتاه و السعي، كما في الرواية دليل على ان موردها عمرة التمتع، لأن تأثيرها في الحلية انما يكون فيها دون الحج، الذي عرفت: انّ المؤثر العمدة هو الحلق أو التقصير.

و لكن يدفع هذا القول: انه حيث تكون الحليّة المذكورة عامة ثابتة، بالإضافة الى جميع محرمات الإحرام، ما خلا النساء، فلا مانع من تعليقها على الطواف و السعي بعد تمامية اعمال

يوم النحر، و بعبارة أخرى: لو كانت الحلية المعلقة هي الحلية في الجملة لما كانت مرتبطة بمثل الطواف، و امّا لو كانت هي الحليّة العامة الشاملة للجميع عدا النساء، فلا مانع من تعليقها على الطواف و السعي، اللذين يقعان بعد تمامية اعمال يوم النحر لا محالة. و عليه، فقوة الابتناء المذكور بحالها، و لا دلالة للرواية على حكم المقام، مع الخلو عن جملة «و قصّر».

ثم انه لو فرض وجود الجملة المزبورة، و تمامية دلالة الرواية على اعتبار طواف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 321

..........

______________________________

النساء في عمرة التمتع، فامّا ان يقال بإمكان الجمع الدّلالي بينها و بين الروايتين المتقدمتين الظاهرتين بل الصريحتين في عدم الوجوب بجعلهما قرينة على كون مفادها الاستحباب، و امّا ان يقال بثبوت التعارض و لزوم الرجوع الى مرجحات باب التعارض، و من المعلوم: ان الشهرة الفتوائية المحققة موافقة لما يدلّ على عدم الوجوب. و النتيجة على كلا التقديرين: هو القول بالعدم، كما في المتن. نعم، لا مجال لإنكار كون مقتضى الاحتياط هو الإتيان به.

ثمّ انه يقع الكلام في محلّ طواف النساء في عمرة التمتع، و انه هل هو بين السعي و التقصير أو بعد التقصير، كما في العمرة المفردة، حيث انه لا ريب في ان محلّه فيها بعد التقصير، صريح المتن تبعا للعروة هو الأوّل، مع انّ ظاهر رواية سليمان المتقدمة هو الثاني، لجعل التقصير مؤثرا في حلية كل شي ء ما خلا النساء، و توقف حليتهن على الطواف و الصلاة، و ظاهرها وقوعهما بعد التقصير.

و هذا من دون فرق بين القول بالوجوب و بين القول بالاستحباب، لان الظاهر انه لا فرق بين القولين في محلّه، بل

الاختلاف في مجرّد حكمه من جهة الوجوب و الاستحباب.

و بالجملة: لاخفاء في ظهور الرواية، على تقدير اشتمالها على جملة «و قصّر» في تقدم التقصير على طواف النساء، سواء أخذ بظاهرها من جهة الدلالة على الوجوب أو حملت على الاستحباب.

و عليه، فيقع الكلام في مستند ما في المتن من تقدم الطواف المزبور على التقصير، و الظاهر ان المستند ما ورد من الروايات الكثيرة، الدالة: على انه بالتقصير في عمرة التمتع يحلّ له كلّ شي ء ممّا حرمه الإحرام، حيث انها تدل بالدلالة الالتزامية على ان طواف النساء انما يكون محلّه قبل التقصير، و الا يلزم عدم حلية كل شي ء، لتوقف حلية النساء على الطواف الواقع بعد التقصير

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 322

[مسألة 1 يشترط في حج التمتع أمور]

اشارة

مسألة 1- يشترط في حج التمتع أمور:

[أحدها النية]

أحدها: النية، أي قصد الإتيان بهذا النوع من الحج حين الشروع في إحرام العمرة، فلو لم ينوه أو نوى غيره أو تردّد في نيته بينه و بين غيره، لم يصحّ. (1)

______________________________

فمقتضى الروايات: انّه لا يكون بعد التقصير شي ء مؤثر في الحليّة، كما لا يخفى، فاللازم ان يكون محلّه قبل التقصير، و هذا هو الظاهر.

ثم انه تعرض بعض شروح العروة لبعض الخصوصيات المعتبرة في الحج في هذا المقام، و نحن نحيل تفصيل البحث في جميعها الى محالّها، و نتعرض لها هناك ان شاء اللّٰه تعالى.

(1) الظاهر انه لا اشكال عند الأصحاب في اعتبار النيّة بعنوانها، و لكن البحث في المراد من النيّة المعتبرة خصوصا، مع ملاحظة جعلها من الأمور المعتبرة في حج التمتع، كسائر الأمور المعتبرة فيه.

فعن الدروس: ان المراد بها نية الإحرام. و أورد عليه في المسالك بقوله: «و هو حسن، الا انه كالمستغنى عنه، فإنه من جملة الافعال، و كما تجب النيّة له تجب لغيره، و لم يتعرضوا لها في غيره على الخصوص».

و يرد عليه أيضا، ما سيأتي، من: ان النيّة دخيلة في ماهية الإحرام و جزء منها، و الجزء الأخر التلبية. و عليه، فلا يمكن تعلق النية به لاستلزامه تعلقها بنفسها.

و عن بعض الأصحاب: انّها عبارة عن نيّة الخروج إلى مكّة، بل في محكي كشف اللثام عنه: انه قدمها على الدعاء للخروج من المنزل و ركوب الدّابة، و بطلانه واضح، لان الكلام في النيّة المعتبرة في اعمال حج التمتع، و لا محالة تكون مبدأ للشروع، كما هو ظاهر.

و التحقيق يوافق ما في المتن من التفسير، الذي مرجعه الى قصد الحج أوّلا، و ارادة الإتيان بالتمتع، الذي

هو نوع خاص من جنس الحج ثانيا، و لكنه تنظّر في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 323

..........

______________________________

المسالك في وجوب النية بهذا المعنى، و الوجه في النظر ما أشار إليه في المدارك، من: ان مقتضاه انه يجب الجمع بين هذه النيّة و بين نيّة كل فعل من أفعال الحج على حدّه، و هو غير واضح، و الاخبار خالية عن ذلك كلّه.

أقول: الظاهر ان الجمع بين النيّتين في باب الحجّ ليس امرا مختصا به من بين سائر العبادات، كالصلاة مثلا، بل مرجعه الى لزوم استمرار النيّة الأولى المتعلقة بالمجموع، و الإتيان بكل جزء بعنوانه، و بما انه جزء لذلك المجموع، فكما انه يعتبر في الطواف- مثلا- الإتيان به بعنوانه، و بما انه جزء للعمرة أو الحج مع الالتفات إلى الخصوصية النوعية، كذلك يعتبر في ركوع الصلاة- مثلا- الإتيان به بعنوانه، و بما انه جزء لصلاة الظهر كذلك، فان كان يعدّ ذلك الاستمرار تعدّدا للنية في باب الحج، فليكن- أيضا- تعدّدا في باب الصلاة، و ان كان ذلك مجرد استمرار في الصلاة يكون كذلك- أيضا- في باب الحج.

و بالجملة: لم يعرف للحج خصوصية من بين العبادات من هذه الجهة، الراجعة إلى لزوم اشتمال كل فعل من أفعاله على نية مستقلة على حده. نعم، الخصوصية انّما هي من جهة استحباب التلفظ بالنية فيه دونها.

ثم انه لو فرض وجود الخصوصية من جهة أصل التعدّد، فالكلام هنا في اعتبار نيّة المجموع حين الشروع، و لا دلالة لاعتبارها عند كل فعل على عدم اعتبارها حين الشروع، بل يدلّ على الاعتبار في المقام أمور:

الأوّل: ان عناوين العبادات، و كذا خصوصيات أنواعها كلها من العناوين القصدية، التي لا

تكاد تتحقق الا بالقصد، و لا تتعين الصورة المشتركة بينها و بين غيرها، أو المشتركة بين أنواعها إلّا بالقصد، فصلاة الظهر- مثلا- يتوقف تحققها على قصد عنوانها جنسا و نوعا، لعدم طريق للتعيين و التعين سوى القصد، و الحج أيضا من هذا القبيل، كما هو ظاهر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 324

..........

______________________________

الثاني: انه لا شبهه في ان الشروع في الحج أو العمرة انّما هو بالإحرام، و ماهيته- كما يأتي- عبارة عن النيّة و التلبية، و حينئذ فيسئل عن ان المراد بهذه النية، التي هي جزء لماهية الإحرام، ما ذا؟ فهل المراد هي نيّة الإحرام أو نيّة مجموع العمل؟

لا سبيل للأوّل، لأنه بعد ما كان الإحرام عبارة عن النيّة، فاللازم ان يكون المنوي غير الإحرام، و ليس الّا المجموع.

فبالنية و التلبية يتحقق الإحرام، الذي هو الشروع في العمل، كما انه في الإحرام الصغير الموجود في باب الصلاة، و لذا سميت التكبيرة الافتتاحية تكبيرة الإحرام، يتحقق ذلك بنية مجموع الصلاة و تكبيرة الإحرام، و لا فرق بين الإحرامين من هذه الجهة.

الثالث: دلالة بعض الروايات عليه، مثل صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، قال: قلت لأبي الحسن على بن موسى الرضا- عليه السلام-: كيف أصنع إذا أردت أن أتمتع؟ فقال: لبّ بالحج و انو المتعة، فإذا دخلت مكة طف بالبيت، و صليت الركعتين خلف المقام، و سعيت بين الصفا و المروة، و قصّرت، فنسختها و جعلتها متعة. «1»

ثمّ انه استدرك في العروة عن اعتبار نيّة حجّ التمتع عند الشروع في عمرته موردا، فقال: «نعم، في جملة من الاخبار: انه لو اتى بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز ان يتمتع بها، بل

يستحب ذلك إذا بقي في مكّة إلى هلال ذي الحجّة، و يتأكد إذا بقي إلى يوم التروية، بل عن القاضي وجوبه حينئذ، و لكن الظاهر تحقق الإجماع على خلافه» ثم تعرض لتلك الاخبار و البحث فيها. و الظاهر انّ

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثاني و العشرون ح- 4- و لا يخفى ان المذكور في الكتب الفقهية: ان له روايتين، و يظهر من الوسائل في هذا الباب: ان له ثلاث روايات، مع ان التحقيق اتّحادها، و ان كان بعض الاختلافات موجودا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 325

..........

______________________________

المراد بالجواز في العبارة الاولي هو الاستحباب، لانه لا معنى للجواز إلّا الإتيان بحج التمتع بعدها، و لا شبهة في انّه عبادة مستحبة راجحة. و عليه، فالاختلاف انّما هو في مراتب الاستحباب.

و منشأ أصل الحكم الروايات الكثيرة الواردة فيه، و هي على طوائف مختلفة:

الطائفة الأولى: ما تدلّ، على: ان المعتمر في أشهر الحج يجب عليه البقاء الى ان يحجّ حج التمتع، مثل صحيحة يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المعتمر في أشهر الحج، قال: هي متعة. «1» و ظهور السؤال في كون المراد هي العمرة المفردة لا خفاء فيه، فإنه مضافا الى انّ إطلاق العمرة من دون الإضافة إلى التمتع يراد به العمرة المفردة، يكون نفس السؤال قرينة على خصوصها، إذ عمرة التمتع، في أشهر الحج لا إبهام فيها من جهة، حتى تحتاج إلى السؤال، فالسؤال انّما هو عن خصوص العمرة المفردة، و الجواب ظاهر في صيرورتها متعة قهرا، و يأتي البحث من هذه الجهة أيضا.

و مرسلة موسى بن القاسم، قال: أخبرني بعض أصحابنا: انّه سأل أبا جعفر- عليه

السلام- في عشر من شوال، فقال: اني أريد ان أفرد عمرة هذا الشهر، فقال له: أنت مرتهن بالحجّ .. الحديث. «2»

و رواية عليّ، قال: سأله أبو بصير و انا حاضر، عمن أهلّ بالعمرة في أشهر الحج أ له ان يرجع؟ قال: ليس في أشهر الحج عمرة، يرجع منها إلى اهله، و لكنه يحتبس بمكّة حتى يقضي حجّه، لأنه إنّما أحرم لذلك. «3» و التعليل يشعر بعدم كون المراد هي العمرة المفردة، كما ان الظاهر ان الراوي هو علي بن أبي حمزة البطائني،

______________________________

(1) وسائل أبواب العمرة الباب السابع ح- 4.

(2) وسائل أبواب العمرة الباب السابع ح- 8.

(3) وسائل أبواب العمرة الباب السابع ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 326

..........

______________________________

الذي تكون روايته ضعيفة. و عليه، فالرواية المعتبرة في هذه الطائفة هي الصحيحة الأولى.

الطائفة الثانية: ما تقابل الطائفة الاولى، و تدل على نفي البأس عن الخروج الى بلاده، و هي صحيحة عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال: لا بأس بالعمرة المفردة في أشهر الحج، ثم يرجع الى أهله. «1»

الطائفة الثالثة: الروايات الدالة على كون جواز الخروج ثابتا الى هلال ذي الحجة أو الى يوم التروية:

فالأولى: رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: من دخل مكّة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجّة، فليس له ان يخرج حتى يحجّ مع الناس. «2»

و في سندها الحسين بن حماد، و هو مجهول الحال، و ان صحّحها في العروة، و مقتضى إطلاق الصدر، و ان كان الإتيان بالعمرة المفردة في غير أشهر الحج أيضا، الّا ان الظاهر كون المراد بالحج هو حج التمتع، و اللازم فيه وقوع عمرته في

أشهر الحج، فهو قرينة على عدم ثبوت الإطلاق للصدر، و اختصاصه بما وقع في أشهر الحج.

و الثانية: صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام-، قال: من اعتمر عمرة مفردة فله ان يخرج إلى أهله متى شاء، الّا ان يدركه خروج الناس يوم التروية. «3»

و مثلها: رواية ثالثة لعمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: من دخل مكة معتمرا مفردا للعمرة فقضى عمرته ثم خرج، كان ذلك له، و ان أقام

______________________________

(1) وسائل أبواب العمرة الباب السابع ح- 1.

(2) وسائل أبواب العمرة الباب السابع ح- 6.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 2، ص: 326

(3) وسائل أبواب العمرة الباب السابع ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 327

..........

______________________________

الى ان يدرك الحج كانت عمرته متعة، و قال: ليس تكون متعة إلّا في أشهر الحج. «1» و الذيل قرينة على ان المراد بالصّدر هو الاعتمار في أشهر الحج، كما ان مرجع كون عمرته متعة الى عدم جواز الخروج من مكة إلّا للحج. هذا، و المظنون قويّا، بل المطمئن به، عدم كون هذه الروايات الثلاث الأخيرة لعمر بن يزيد روايات متعددة، و ان جعلها في الوسائل و في الكتب الفقهية كذلك، و ان عمر بن يزيد حكى ما قاله الامام- ع- بالمعنى، أو تحقق الاختلاف فيمن روى عنه بلا واسطة أو معها.

الطائفة الرّابعة: ما تدل بالصراحة على جواز الخروج حتى يوم التروية، مثل صحيحة إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد اللّٰه- عليه

السلام- انه سئل عن رجل خرج في أشهر الحج معتمرا، ثم خرج الى بلاده. قال: لا بأس، و ان حج من عامه ذلك و أفرد الحج فليس عليه دم، و ان الحسين بن علي- عليهما السّلام- خرج يوم التروية إلى العراق و كان معتمرا. «2»

و مثلها، بل أوضح منها: صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام-: من اين افترق المتمتع و المعتمر؟ فقال: انّ المتمتع مرتبط بالحج، و المعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء، و قد اعتمر الحسين- عليه السلام- في ذي الحجة، ثم راح يوم التروية إلى العراق و الناس يروحون إلى منى، و لا بأس بالعمرة في ذي الحجّة لمن لا يريد الحج. «3»

و خروج الحسين- عليه السلام- يوم التروية بعد الإتيان بالعمرة المفردة في ذي الحجة، و ان كان في نفسه محتملا لان يكون من جهة الاضطرار، و كان

______________________________

(1) وسائل أبواب العمرة الباب السابع ح- 5.

(2) وسائل أبواب العمرة الباب السابع ح- 2.

(3) وسائل أبواب العمرة الباب السابع ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 328

..........

______________________________

الحكم الاوّلى هو عدم جواز الخروج، لكنه قد خرج خوفا على نفسه، كما يشهد به التاريخ، الدالّ على تصميم عمّال بني أميّة على قتله في حال المناسك و الإتيان باعمال الحج، أو رعاية للمصلحة السياسية اللازمة لاراءة مخالفته مع الحكومة الطاغوتية اليزيديّة، التي كان غرضها هدم أساس الدين و قطع أصول الشريعة و المقابلة معها، الّا ان استشهاد الامام الصادق- ع- لجواز خروج كل من يعتمر في أشهر الحج حتى يوم التروية، بخروج جدّه الحسين- ع- دليل على ان الحكم الاولى هو الجواز، و لو لم

يكن هناك خوف و لا اضطرار، كما لا يخفى.

ثم ان مقتضى الجمع بين الطوائف المتقدمة هو الحكم بجواز الخروج حتى يوم التروية، و عدم وجوب البقاء أصلا، خلافا للقاضي، على ما مرّ في عبارة العروة، غاية الأمر، استحباب البقاء لإتيان الحج، و اختلاف مراتبه بالشدة و التأكد، فعند هلال ذي الحجة يتأكد الاستحباب و يوم التروية أشدّ تأكدا، و الّا فأصل الجواز ثابت في الجميع.

نعم، يبقى الكلام في هذا الفرض من جهات:

إحداها: انه على تقدير البقاء و ارادة الإتيان بالحج، هل يكون صيرورة العمرة المفردة، المأتي بها عمرة التمتع، متوقفة على القصد و العدول، كما في العدول في باب الصلاة، كما إذا شرع في صلاة العصر- مثلا- بتخيل انه اتى بصلاة الظهر قبلها، ثم انكشف له في الأثناء انه لم يأت بها بعد، فإنه يجب عليه العدول بالنيّة إلى صلاة الظهر، أو انها لا تتوقف على القصد، بل يتحقق الانقلاب القهري، و التبدل غير الاختياري؟ فيه وجهان: ظاهر الروايات هو الثاني، فإن قوله- ع-:

هي متعة ظاهرة في ان مجرد وقوعها في أشهر الحج يوجب انقلابها متعة، و لو لا التقييد بما إذا أراد البقاء و الإتيان بالحج لقلنا بالانقلاب كذلك مطلقا، و لازمة وجوب البقاء و عدم جواز الخروج، لكن مقتضى التقييد الاختصاص بالصورة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 329

..........

______________________________

المذكورة، و لا منافاة بين الانقلاب و جواز الخروج. و ذكر صاحب الجواهر: «ان المتجه ارادة التمتع بها بالنية لا انها تكون قهرا، و ان لم ينو، و ان افاده بعض النصوص السابقة، الّا انه لم نجد قائلا به، بل الأصل يقتضي خلافه أيضا».

هذا، و الظاهر انه لا محيص عن

الأخذ بظاهر ما يدل على الانقلاب القهري، بعد عدم ثبوت الإجماع على الخلاف، و عدم كون الأصل في رتبة الظاهر.

نعم، ذكر السيّد- قده- في العروة: انه يمكن ان يستفاد منها- يعنى من النصوص الواردة في الباب-: ان التمتع هو الحج عقيب عمرة وقعت في أشهر الحج، بأيّ نحو اتى بها.

و لكنه يرد عليه: ان وصف التمتع ان كان ثابتا للحج أو كان الشخص متّصفا بعنوان انه متمتع، كما في بعض الروايات، لجرى فيه هذا الاحتمال، و امّا إذا كان وصفا للعمرة المأتي بها، كما في صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة، لما كان مجال لمثل هذا الاحتمال أصلا، كما لا يخفى.

ثانيتها: انه ذكر السيّد- قده- في العروة: ان القدر المتيقن منها- اي من اخبار الباب- هو الحج الندبي، ففيما إذا وجب عليه التمتع فاتى بعمرة مفردة، ثم أراد ان يجعلها عمرة التمتع، يشكل الاجتزاء بذلك عمّا وجب عليه، سواء كان حجة الإسلام أو غيرها، ممّا وجب بالنذر أو الاستيجار.

و أورد عليه: في الحج الواجب بالأصل: بأن مقتضى إطلاق الروايات الشمول له، و عدم الاختصاص بالحج الندبي، نظرا الى ان وجود القدر المتيقن لا يمنع عن التمسك بالإطلاق، و الّا فكلّ مطلق له قدر متيقن، فإطلاق الروايات يشمل الحج الواجب بالأصل.

و امّا الحج الواجب بالنذر، فقد أورد عليه: بان الحكم في النذر تابع لقصد الناذر، فان قصد الإتيان بالحج على النحو المتعارف، فلا يكتفي بهذا الفرد، لعدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 330

..........

______________________________

كونه مصداقا لنذره، فيجب عليه الخروج و الإحرام للحج من أحد المواقيت، و ان قصد الأعم، يعني نذر إتيان الحج على إطلاقه، و لو لم يكن قاصدا اليه من

الأوّل، يجوز الاكتفاء بذلك، لان الشارع يحسب عمرته متعة.

كما انه قد أورد على الواجب بالاستيجار: بانّ ذكره من سهو القلم، لانه مع الاستيجار يملك المستأجر العمل في ذمة الأجير، و إذا فرضنا ان الأجير اعتمر عمرة مفردة لنفسه يكون عمله محسوبا له، لخروجه عن متعلق الإجارة، فكيف يحتمل الاجتزاء بذلك عمّا تعلق به الإيجار؟ فيجب على الأجير الخروج من مكّة لعمرة التمتع.

و لتوضيح هذا الإيراد أقول: ان مقتضى الروايات المتقدمة انقلاب العمرة المفردة إلى التمتع اختيارا أو قهرا، و امّا تبدل ما أوقعه لنفسه الى الوقوع عن الغير المنوب عنه، فلا دلالة لشي ء منها عليه.

و لكنه يمكن الجواب عن هذا الإيراد: بأنه لا بدّ على تقدير جريان الحكم في الحج الواجب بالاستيجار، من فرض ما لو أوقع العمرة المفردة للمنوب عنه، نظرا إلى أنها تحسب متعة. نعم، هنا إشكال- يأتي التعرض له في الجهة الثالثة-، و هو:

انّه إذا كان قاصدا من الأوّل للبقاء في مكة و الإتيان بالحج، هل يكون مشمولا للروايات الدالة على الانقلاب و التبدل، أم لا؟ و لكنه أمر أخر لا يرتبط بهذه الجهة، التي نحن فيها.

ثالثتها: ان النصوص الواردة في المقام، الدالة على احتساب العمرة المفردة متعة، هل يكون موردها خصوص من لم يكن قاصدا للحج من الأوّل، و لكن من باب الاتفاق بقي الى أيّام الحج، أو يشمل الأعم منه، و من كان قاصدا لحج التمتع من أوّل الأمر؟ و يترتب على ذلك: انه لو كانت عمرته مفردة يجوز له الخروج بعدها، و امّا إذا انقلبت إلى المتعة، و كانت عمرته متعة، لا يجوز له الخروج بعدها، لانه مرتهن بالحجّ و محتبس به.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج،

ج 2، ص: 331

..........

______________________________

استظهر بعض الاعلام في شرح العروة الأوّل، و استشهد لذلك بعدة من الروايات:

منها: موثقة سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- انه قال: من حجّ معتمرا في شوّال و من نيّته ان يعتمر و يرجع الى بلاده، فلا بأس بذلك، و ان أقام إلى الحج فهو متمتع، لأن أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة .. الحديث. «1»

نظرا الى ان موردها من لم يكن قاصدا للحج، بل كان من قصده الرجوع، و لكن من باب الاتفاق اقام و بقي إلى الحج، فلا تشمل ما إذا كان قاصدا للحج من الأوّل.

هذا، و لكن الظاهر اشتمال الرواية على حكمين: أحدهما: جواز الإتيان بالعمرة المفردة في شوال، الذي هو أوّل أشهر الحج، و الرجوع بعده الى بلاده من غير اقامة الى الحج. و هذا الحكم انما هو لدفع توهم الفرق بين العمرة المفردة في غير أشهر الحج و بينها، فيها. ثانيهما: صيرورة تلك العمرة تمتّعا و المعتمر متمتّعا، و هذا موضوعه مجرد الإقامة إلى الحج و البقاء لأجله، و لا دلالة للرواية على مدخلية نيّة الرجوع في هذا الحكم، خصوصا مع التعليل بوقوع العمرة في أشهر الحج، الذي لا فرق فيه بين القاصد للحج من الأوّل و بين غيره، كما هو ظاهر.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في الطائفة الرابعة، المشتملة على الفرق بين المتمتع و المعتمر، و الاستشهاد بعمل الحسين- ع-، الذي اعتمر في ذي الحجة و خرج يوم التروية، و قوله- ع- بعده: و لا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج. «2» نظرا إلى انه يستفاد منها عدم الاكتفاء بالعمرة المفردة عن المتعة،

______________________________

(1) وسائل أبواب

العمرة الباب السابع ح- 13.

(2) وسائل أبواب العمرة الباب السابع ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 332

..........

______________________________

إذا كان مريدا للحج و قاصدا اليه.

و ليت شعري! انه كيف يستفاد من نفي البأس عن الإتيان بالعمرة المفردة في ذي الحجة، و الاقتصار عليها، لعدم ارادة الحج؟! انه مع ارادة الحج من الأوّل لا يكتفي بالعمرة المفردة، و لا تحسب متعة، و ايّ ارتباط بين الأمرين! بل لا إشعار في الرواية بالانقلاب أصلا.

منها: صحيحة الحسن بن عليّ الوشّاء ابن بنت الياس، عن أبي الحسن الرضا- عليه السلام- انه قال: إذا أهلّ هلال ذي الحجة و نحن بالمدينة لم يكن لنا ان نحرم الّا بالحج، لأنا نحرم من الشجرة، و هو الّذي وقت رسول اللّٰه- ص- و أنتم إذا قدمتم من العراق فأهلّ الهلال فلكم ان تعتمروا، لان بين أيديكم ذات عرق و غيرها، ممّا وقت لكم رسول اللّٰه- ص-، فقال له الفضل بن الربيع: الان فلي أن أتمتّع، و قد طفت بالبيت؟ فقال: نعم. قال: فذهب بها محمد بن جعفر الى سفيان بن عيينة و أصحابه، فقال لهم: انّ فلانا يقول كذا و كذا يشنع على أبي الحسن- عليه السلام. «1»

حيث انها تدل على عدم مشروعية العمرة المفردة لمن يقصد الحج، و عدم تحقق الانقلاب بالإضافة اليه، و الفرق بين العراقي و المدني: انه حيث يكون ميقات المدني الشجرة، فإذا أراد ان يعتمر بعد هلال ذي الحجة فلا يتمكن من الرجوع الى ميقاته للتمتع بعد تمامية العمرة، لكثرة المسافة و عدم سعة الزمان، و امّا العراقي، فحيث يكون ميقاته ذات عرق، الذي مرّ انه على مرحلتين من مكّة، فيمكن له الرجوع الى

ميقاته بعد ان يعتمر عمرة مفردة.

و هذا التفصيل ظاهر في انّ من يريد الحج لا يجوز له ان يكتفي بالعمرة المفردة،

______________________________

(1) وسائل أبواب العمرة الباب السابع ح- 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 333

..........

______________________________

و لو بعد هلال ذي الحجّة، و الّا فلا يبقى فرق بين المدني و العراقي.

و يمكن ان يقال، بملاحظة سؤال الفضل و استفهامه: انّ المراد من الرواية الجمع بين العمرة المفردة و حج التمتع، المشتمل على العمرة، و انّ الحكم فيه هو الجواز و لو بعد هلال ذي الحجة. غاية الأمر، ان المدني لا يستطيع الجمع بين الأمرين لبعد المسافة و قلة الوقت، و العراقي يقدر على ذلك خارجا، لقلة مسافة ميقاته إلى مكّة.

هذا، و لكنه على هذا التقدير- أيضا- تدل الصحيحة على عدم الاحتساب، و عدم صيرورة العمرة المفردة متعة، بالإضافة إلى قاصد الحج، و الّا يكون الجمع بين العمرتين موجبا للجمع بين عمرتي التمتع، و هو غير مشروع، لعدم جواز تكرار عمرة التمتع، و تتضح هذه الدلالة على فرض اختيار الانقلاب القهري في الجهة الأولى، التي قدّمناها.

هذا، و لكن دلالة الصحيحة على أصل خروج من يكون قاصدا للحج، من الروايات المتقدمة الواردة: في أن العمرة المفردة في أشهر الحج متعة ليست بذلك الوضوح، خصوصا مع اشتمال تلك الروايات على الإطلاقات القوية، مثل قوله- ع- في جواب السؤال عن المعتمر في أشهر الحج: هي متعة. فإنّها و ان قيّدت بما إذا لم يرد الخروج بعد العمرة المفردة إلى بلاده، الّا ان إطلاقها بالإضافة الى من كان مريدا للحج من الأوّل بحاله، و حينئذ يقع الإشكال في: أن دلالة الصحيحة هل تكون من القوة و الظهور بمكان

يصلح لتقييده الإطلاقات من هذه الناحية أيضا أم لا؟ خصوصا مع عدم التعرض لهذا التخصيص في شي ء من الكلمات، كما اعترف به بعض الاعلام، حيث قال: لم أر من تعرض للمسألة؟

و ان كان يؤيد التخصيص: انّ ملاحظة روايات الانقلاب تقضي بأن منشأه هو الإرفاق و التسهيل على من اتى بالعمرة المفردة، و التشويق له الى البقاء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 334

[ثانيها ان يكون مجموع عمرته و حجّه في أشهر الحج]

ثانيها: ان يكون مجموع عمرته و حجّه في أشهر الحج، فلو اتى بعمرته أو بعضها في غيرها لم يجز له ان يتمتع بها. و أشهر الحج شوّال و ذو القعدة و ذو الحجة بتمامه على الأصح. (1)

______________________________

للإتيان بالحج، و هذا انما يناسب من كان من نيته الخروج الى بلاده بعد الاعتمار.

ثم انه لو وصلت النوبة إلى فرض الشك، نظرا الى عدم وضوح دلالة الصحيحة في مقابل الإطلاقات، و عدم إمكان توجيهها إلّا بأحد المعنيين المذكورين، و كلاهما يقتضي الاختصاص، لكان اللازم بمقتضى كون الانقلاب على خلاف القاعدة هو الحكم بالاختصاص أيضا، كما لا يخفى.

(1) المذكور في هذا الأمر حكمان:

الحكم الأوّل: انه يعتبر في حج التمتع وقوع مجموع عمرته و حجّه في أشهر الحج، و لا يجوز الإتيان بعمرته و لو ببعضها في غيرها، و في المدارك: «هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب» و في الجواهر: «بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه» و مثله في الحدائق و غيرها، و يدل عليه النصوص الكثيرة:

منها: صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: من دخل مكة معتمرا مفردا للعمرة فقضى عمرته فخرج، كان ذلك له، و ان أقام الى ان يدركه الحج، كانت عمرته متعة، و قال:

ليس يكون متعة إلّا في أشهر الحج «1».

و منها: موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه- ع- انه قال: من حج معتمرا في شوال و من نيته ان يعتمر و يرجع الى بلاده، فلا بأس بذلك، و ان هو أقام إلى الحج، فهو يتمتّع (متمتع)، لأن أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة، فمن

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الخامس عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 335

..........

______________________________

اعتمر فيهن و اقام إلى الحج فهي متعة .. الحديث. «1»

و منها: صحيحة ابن أذينة، قال: قال أبو عبد اللّٰه- ع-: من أحرم بالحج في غير أشهر الحج فلا حج له، و من أحرم دون الميقات فلا إحرام له. «2»

بناء على ان عمرة التمتع تكون مرتبطة بحجّه و جزء له، فتدل الرواية على عدم جواز وقوعها في غير أشهر الحج، كوقوع الإحرام قبل الميقات.

الحكم الثاني: انه لا اشكال و لا خلاف في: ان الشوال و كذا ذا القعدة بتمامهما من أشهر الحج، و انّما الخلاف في شهر ذي الحجّة، و انه هل يكون بتمامه منها أو ببعضها؟

و في المراد من ذلك البعض، و فيه أقوال:

1- القول بأنه يكون بتمامه منها: حكى عن الشيخين في الأركان و النهاية، و ابني الجنيد و إدريس و القاضي في شرح الجمل، و اختاره المحقق في الشرائع، و السيد و الماتن- قده.

2- عشرة أيام من ذي الحجة، حكي عن الحسن و التبيان و الجواهر و روض الجنان.

3- تسعة أيام منه: حكي عن الاقتصاد و الجمل و العقود و المهذب.

4- تسع ليال منه: عن الغنية.

5- تسعة أيام و ليلة يوم النحر الى طلوع الفجر:

عن المبسوط و الخلاف و الوسيلة و الجامع، و قد نسب ذلك الى ظاهر جمل العلم و العمل و المصباح و مختصره و مجمع البيان و متشابه القران، لانه عبّر فيها بالشهران و عشر من ذي الحجة بالتأنيث

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب العاشر ح- 2.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الحادي عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 336

..........

______________________________

الظاهر في كون التمييز ليالا لا أيّاما، فيخرج اليوم العاشر.

6- القول الخامس، مع جعل الغاية طلوع الشمس: حكي عن ابن إدريس في موضع.

ثمّ انه حكي عن العلامة، في كتاب المختلف- الموضوع لذكر المسائل التي اختلفت فيها آراء علمائنا الإمامية رضوان اللّٰه تعالى عليهم أجمعين-، و بيان الأقوال فيها: «التحقيق ان هذا نزاع لفظي، فإنهم إن أرادوا بأشهر الحج ما يفوت الحج بفواته، فليس كمال ذي أحجه من أشهره، لما يأتي من فوات الحج دونه، على ما يأتي تحقيقه، و ان أرادوا بها ما يقع فيه أفعال الحج، فهي الثلاثة كلا، لأن باقي المناسك تقع في كمال ذي الحجّة، فقد ظهر أن النزاع لفظي».

و قد استحسنه صاحب المدارك بعد نقله، و علّله بقوله: «إذ لا خلاف في فوات وقت الإنشاء بعدم التمكن من إدراك المشعر قبل زوال يوم النحر، كما انه لا خلاف في وقوع بعض أفعال الحج، كالطوافين و السعي و الرمي في ذي الحجة بأسره، و قد ظهر من ذلك ان هذا الاختلاف لا يترتب عليه حكم، و ان النزاع في هذه المسألة يرجع الى تفسير هذا اللفظ، و هو أشهر الحج، و الظاهر إطلاقها على مجموع الثلاثة حقيقة، لأنها أقل الجمع».

و قال في الجواهر: «الظاهر لفظية الاختلاف

في ذلك، كما اعترف به غير واحد، للاتفاق على ان الإحرام بالحج لا يتأتى بعد العاشر من ذي الحجّة و كذا عمرة التمتع، و على أجزاء الهدي و بدل الهدى طول ذي الحجّة، و أفعال أيام منى و لياليها ..».

و قال السيّد في العروة: «على ان الظاهر ان النزاع لفظي، فإنه لا إشكال في جواز إتيان بعض الأعمال إلى آخر ذي الحجة، فيمكن ان يكون مرادهم: ان هذه الأوقات هي أخر الأوقات التي يمكن بها إدراك الحج».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 337

[ثالثها ان يكون الحج و العمرة في سنة واحدة]

ثالثها: ان يكون الحج و العمرة في سنة واحدة، فلو اتى بالعمرة في سنة و بالحج في الأخرى لم يصحّ و لم يجز عن حجّ التمتع، سواء أقام في مكّة إلى العام القابل أم لا، و سواء أحلّ من إحرام عمرته أو بقي عليه الى العام القابل. (1)

______________________________

و يدلّ على لفظيّة النزاع: انه لم يعلم مستند سائر الأقوال غير القول الأوّل، الّذي يدل عليه ظاهر الكتاب، و جملة من الروايات. لكن لفظية النزاع انما تكون محدودة بالإضافة إلى تمام ذي الحجة و بعضه، و امّا بالإضافة إلى البعض نفسه فمنشؤه الاختلاف فيما يأتي من الاجزاء بالإضافة إلى الوقوفين، بعد ثبوت الاختياري و الاضطراري لكل منهما و بعض الجهات الأخر.

ثمّ انه يدلّ على القول الأوّل، مضافا الى ظاهر قوله تعالى: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ ..» «1» لأن أقل الجمع الثلاثة، و ظاهرها الثلاثة الكاملة، روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: انّ اللّٰه تعالى يقول «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ» و هي

شوال و ذو القعدة و ذو الحجة. «2».

و منها: رواية زرارة عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ، شوال و ذو القعدة و ذو الحجة، ليس لأحد ان يحرم بالحج في سواهن. «3»

و منها: موثقة سماعة المتقدمة في الأمر الأوّل.

و منها: غير ذلك من الروايات الدّالة عليه.

(1) و المراد بهذا الأمر: ان يكونا في أشهر الحج من سنة واحدة. و عليه، فكما

______________________________

(1) سورة البقرة آية 192.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الحادي عشر ح- 1. و لا يخفى اتحادها مع الروايتين الأخيرتين له، و ان جعلها في الوسائل ثلاثا.

(3) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الحادي عشر ح- 5 و لا يخفى أيضا اتحادها مع رواية أخرى له، و ان جعلهما فيها اثنتين.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 338

..........

______________________________

تخرج الصورة المذكورة في المتن يخرج ما لو اتى بعمرة التمتع في أواخر ذي الحجة و اتى بالحج في العام القابل، و ان لم يتحقق الفصل بينهما إلّا بأقل من اثني عشر شهرا.

ثمّ ان الظاهر انه لم ينقل الخلاف في أصل الحكم. نعم، حكى عن الدروس: انه احتمل الصحة في خصوص ما لو بقي على عمرته الى العام القابل من دون فرق بين ان يكون شروعها قبل أيام الحج أو مقارنا له أو بعده، كما يقتضيه الإطلاق.

و قد استدل على اعتبار هذا الأمر بوجوه:

أحدها: الأخبار الواردة في بيان كيفية حج التمتع، فان المتفاهم العرفي و المتبادر منها وقوع الحج عقيب لعمرة في نفس السنة التي وقعت فيها، و ليس في شي ء منها دلالة، بل و لا اشعار على جواز التفريق، مع انه لو كان مشروعا لأشير اليه، و لو في

بعضها. و بالجملة: لا ينبغي الارتياب في ان العرف لا يفهم منها الّا التوالي في أشهر الحج من سنة واحدة.

ثانيها: ما يدل من الروايات المتعددة، على: ان المعتمر بعمرة التمتع إذا فرغ من عمرته يكون محتبسا في مكة حتى يحج، أو يكون مرتهنا بالحج. و هذا الحكم و ان لم يكن بمجرّده دليلا على اعتبار هذا الأمر، لأنه يمكن ان يأتي بعمرة التمتع في سنة، و يبقى في مكة إلى السنة الأخرى، لأن يحج فيها، و لا يخرج منها أصلا، الّا ان ما ورد في ذيل بعضها، من: انه لو اقتضت الضرورة الخروج لحاجة يجوز له الخروج، لكنه بعد الإحرام للحج، فيخرج محرما ثم يمضي الى عرفات، يدل عليه، لان مقتضاه إمكان الإحرام للحج عند ارادة الخروج، و هذا لا يجتمع مع التفريق المذكور، لعدم إمكان الإحرام للحج في غير أشهره.

ثالثها: ما دلّ من الاخبار، على: ان عمرة التمتع مرتبطة بحجّه، و في بعضها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 339

..........

______________________________

حكاية قول رسول اللّٰه- ص-: «دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة» كما مرّ، بخلاف العمرة المفردة، فإنها عمل مستقل و غير مرتبطة بالحج، كما في الروايات المستفيضة.

و ربما يقال في توجيه هذا الاستدلال: ان معنى الارتباط: أن مشروعية العمرة مرتبطة بمشروعية الحج، فإذا اتى بالعمرة لا يجوز له تأخير الحج، لانه واجب فوري، و ان لم يأت به فقد أفسد عمرته، و الّا لكان منافيا للارتباط، و إذا اتى بعمرة التمتع بعد أيام الحج لم تكن عمرته مشروعة، لعدم مشروعية الحج له حينئذ، و إذا لم يكن مشروعا لا تكون هي أيضا مشروعة، لفرض الارتباط.

و لكنه يرد عليه: انه

إذا اتى بالعمرة قبل أيام الحج، يكون مقتضى الارتباط، لزوم الإتيان بالحج بعدها في تلك السنة، لا لأجل كون الحج واجبا فوريّا، لان الكلام ليس في خصوص الحج الواجب، مضافا الى ان الإخلال بالفورية لا يستلزم البطلان و عدم المشروعية، بل لأجل كون الشروع في حج التمتع، المتحقق بالإتيان بعمرته، يقتضي لزوم الإتمام و الإكمال بالإتيان بالحج بعدها.

و امّا إذا اتى بالعمرة بعد أيام الحج أو مقارنا لها، فلا يكون الارتباط مقتضيا لعدم الصحّة إذا اتى بالحج في العام القابل، لأنّ لازم الارتباط وجوب الإتيان بالحج بعدها و فسادها مع الاقتصار عليها، و لا دلالة لمجرد الارتباط على لزوم وقوعهما في سنة واحدة، كما لا يخفى.

رابعها: الأخبار الدالة على ذهاب المتعة بزوال يوم التروية، أو بدخول يوم عرفة، أو الى زمان عدم إدراك الحج، و مقتضاها عدم مشروعية عمرة التمتع بمجي ء الزمان المذكور، مع انه لو كان الافتراق بالإتيان في السنتين جائزا لا يكون ذلك موجبا لذهاب المتعة و فوات مشروعية العمرة، لأنه يمكن الإتيان بها ثم الإتيان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 340

[رابعها ان يكون إحرام حجّه من بطن مكّة مع الاختيار]

رابعها: ان يكون إحرام حجّه من بطن مكّة مع الاختيار، و امّا عمرته فمحلّ إحرامها المواقيت الآتية، و أفضل مواضعها المسجد و أفضل مواضعه مقام إبراهيم (ع) أو حجر إسماعيل (ع)، و لو تعذر الإحرام من مكّة أحرم مما يتمكن، و لو أحرم من غيرها اختيارا متعمدا بطل إحرامه، و لو لم يتداركه بطل حجّه، و لا يكفيه العود إليها من غير تجديد، بل يجب ان يجدّده فيها، لأن إحرامه من غيرها كالعدم، و لو أحرم من غيرها جهلا أو نسيانا وجب العود إليها و

التجديد مع الإمكان، و مع عدمه جدّده في مكانه. (1)

______________________________

بالحج في العام القابل.

ثمّ انه ربما يمكن ان يقال بدلالة رواية سعيد الأعرج، على خلاف ما ذكر، حيث قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام-: من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكّة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة، و من تمتع في غير أشهر الحج ثم جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم، انما هي حجة مفردة، و انّما الأضحى على أهل الأمصار. «1»

نظرا الى ان الظاهر كون المراد هو العام القابل، فتدل على جواز التفكيك و الافتراق.

و لكن يرد عليه: مضافا الى ضعف السند بمحمد بن سنان، منع الظهور المذكور، بل الظاهر كون المراد هو الشهر القابل. و على تقدير الإجمال تكون الوجوه المذكورة قرينة على كون المراد هو الشهر، خصوصا بعد ظهور كون الغرض الأصلي من الرواية هو الفرق بين العمرة الواقعة في أشهر الحج، الصالحة لأن تكون عمرة التمتع، و الواقعة في غيرها، غير القابل لذلك، و لا نظر لها الى التفكيك بين العمرة و الحج و الإتيان بهما في سنتين، فلا تنافي الأدلة المتقدمة بوجه.

هذا مضافا الى ان الرواية تدل على ان المجاورة حتى أقلّ من سنة واحدة،؛ يوجب الانقلاب و تبدل الفرض، و هو مخالف للفتاوى و النصوص.

(1) يقع الكلام في اعتبار هذا الأمر في مقامات:

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب العاشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 341

..........

______________________________

المقام الأوّل: في أصل الاعتبار: فنقول: لا اشكال، كما انه لا خلاف بين الأصحاب، بل المجمع عليه بينهم، انه يعتبر ان يكون إحرام حجّ التمتع من مكّة في حال الاختيار و عدم التعذر، كما انه

يعتبر أن تكون عمرته من أحد المواقيت أو ما يكون بحكمها.

و يدل على اعتبار ما ذكر في الحج روايات متعددة:

منها: صحيحة عمرو بن حريث الصيرفي، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام-: من أين أهلّ بالحج؟ فقال: ان شئت من رحلك و ان شئت من الكعبة، و ان شئت من الطريق. «1» هذا على ما رواه الكليني و رواه الشيخ مثله، كما في الوسائل، الّا انه قال في أوّله، يعني في السؤال: و هو بمكّة، ثم قال: و من المسجد بدل قوله من الكعبة. و من المعلوم ان اضافة قوله: و هو بمكة، معتبرة، لأن رواية الشيخ أيضا صحيحة، و قد رواها بسند مستقل. و عليه، فلا إجمال في الجواب من جهة ان التخيير انما هو بالإضافة إلى المواضع المختلفة من مكّة، كما ان ظهور السؤال في ان المراد هو الإهلال بحج التمتع لا خفاء فيه، و ان كان اللفظ مطلقا، لان الشروع في الحج من مكة، الذي يكون لازمة عدم كونه محرما قبله، لا يكون إلّا في حج التمتع بعد تمامية العمرة و الإحلال منها. و عليه، فدلالة الرواية على أصل الحكم ظاهرة، بل يظهر منها مفروغية اعتبار كون إحرام الحج من مكة، و السؤال انما هو ناش عن احتمال خصوص بعض المواضع، و الجواب دالّ على العموم و عدم الاختصاص.

و منها: صحيحة حماد المتقدمة في بحث المقيم في مكّة، المشتملة على قوله- ع-:

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و العشرون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 342

..........

______________________________

فإذا أقاموا شهرا، فان لهم ان يتمتعوا. قلت من اين؟ قال: يخرجون من الحرم، قلت: من اين يهلّون بالحج؟ فقال: من

مكّة نحوا، ممّن يقول النّاس. «1» و رواها الكليني أيضا، الّا انه قال: نحوا مما يقول الناس. «2» قال في مرآة العقول في معنى ذيل الرواية: «أي يفعل كما يفعل غيره من المتمتعين، و لا يخالف حكمه في إحرام الحج حكمهم».

و منها: غير ذلك من الروايات الدّالة عليه.

لكن هنا رواية ربما ينافي ظاهرها ما ذكر، و هي موثقة إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن المتمتع يجي ء فيقضي متعة (متعته ظ) ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة و الى ذات عرق أو الى بعض المعادن. قال:

يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لان لكل شهر عمرة، و هو مرتهن بالحج. قلت: فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه. قال: كان أبي مجاورا هاهنا فخرج يتلقى (ملتقيا) بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق، أحرم من ذات عرق بالحج، و دخل و هو محرم بالحج «3».

نظرا الى دلالتها على انّ أباه- ع- و هو الامام الصّادق- ع- أحرم من ذات عرق- الذي هو ميقات أهل العراق- بحج التمتع، فينا في ما مرّ من الرّوايات.

و لكن في الرواية نقاط من الإبهام و الإجمال، من جهة انه لم تنقل مجاورة الامام الصادق- ع- في مكة المكرمة، و على تقديرها ان كانت المجاورة بمقدار يوجب الانقلاب و تبدل الفرض، فيصير حجّه- ع- غير التمتع، و لا يرتبط بالسّؤال الذي هو عن المتمتع، الذي قضى متعته، اي اتى بعمرته و بقي حجّة، و ان لم تكن

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب التاسع ح- 3.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب التاسع ح- 7.

(3) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني و العشرون

ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 343

..........

______________________________

بذلك المقدار، فما الذي يترتب على التعبير بها من الفائدة و الثمرة؟ ثم انه على هذا التقدير، لم يكن الخروج من مكة جائزا أوّلا، و على تقديره مع الحاجة و الاضطرار، لا بد و ان يكون بعد الإحرام للحج.

ثم انه ذكر للرواية محامل:

أحدها: ما احتمله في مرآة العقول، حيث قال: «و يحتمل ان يكون إحرامه- ع- للتقيّة، إذ ظاهر ان المراد بقوله- ع-: بعض هؤلاء: بعض العامّة، بل ولاتهم، و كان ترك الإحرام دليلا على إحرامه بحج التمتع، فلذا أحرم تقيّة».

و يرد عليه: ان الحاكي لفعله- ع- لو كان غير الامام- ع- أو كان هو الامام، و لكنه لم يكن المقصود من الحكاية بيان الحكم و الاستشهاد به، لكان للاحتمال المذكور مجال، و امّا فيما إذا كان الناقل هو الامام- ع-، و كان غرضه من النقل بيان الحكم و الاستشهاد بفعله- ع- كما في المقام، لما كان وجه لجريان احتمال التقيّة في الفعل و صدوره. نعم، يبقى الكلام في جريان الاحتمال في نفس النقل و الحكاية، و هو لا يجري في الرواية بعد التعبير عنهم بهؤلاء، فاحتمال التقية لا مجال له لا في نفس النقل و لا في الفعل المنقول، كما هو ظاهر.

ثانيها: ما وصفه السيّد- قده- في العروة بأنه أحسن المحامل، من: ان المراد بالحج، الذي أحرم له من ذات عرق هو عمرة التمتع، لأنّها أوّل اعمال حجّة، و يؤيّده: انه لا إشعار في الرواية بان الامام الصادق- عليه السلام- قد قضى متعته، و اتى بعمرة التمتع في مكة.

و لكن يرد عليه: انه لا يبقى حينئذ ارتباط بين السّؤال عن المتمتع، الذي

اتى بعمرته في مكة ثم خرج منها إلى شي ء من المواضع المذكورة، و بين الجواب المشتمل على حكاية فعل الامام- ع-، مع انه لم يأت بعمرة التمتع في مكّة، بل غرضه الشروع فيها من الميقات، مع ان التصريح بالحج مرّتين في الجواب عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 344

..........

______________________________

السؤال الثاني، و اشتمال السّؤال و الجواب الأوّل على التصريح بالعمرة، خصوصا مع التعبير: بان لكل شهر عمرة. ظاهر في ان المراد بالحج ما يقابل العمرة لا ما يشملها، كما لا يخفى. فالإنصاف: بعد هذا المحمل أيضا.

ثالثها: انه- ع- أحرم من ذات عرق بحج الافراد دون التمتع.

و يرد عليه: ما مرّ من عدم ارتباطه حينئذ مع السؤال عن المتمتع، الذي قضى متعته و اتى بعمرته.

رابعها: انه- ع- أحرم من ذات عرق لحج التمتع بعد الإتيان بعمرته في مكّة، لكنه لا دلالة للفعل على الوجوب، فيمكن ان يكون على سبيل الاستحباب، و بعد ذلك جدّده في مكة بعد دخولها.

و يرد عليه: انه لا إشعار في الرواية بالتجديد أصلا.

هذا، و يمكن ان يقال: بأنه يستفاد من الرواية جواز الإحرام لحج التمتع من الميقات، مثل ذات عرق، إذا خرج المتمتع عن مكّة إلى موضع يكون رجوعه مرورا على الميقات، و هذا من دون فرق بين ما إذا كان الخروج جائزا، حتى بدون الإحرام، كما لا بد من الالتزام به في فعل الصادق- ع-، حيث انه يحتمل ان يكون خروجه غير اختياري، لأجل إحضار بعض ولاة الجور إيّاه، و لازمة عادة ان يكون بدون الإحرام، و بين ما إذا لم يكن جائزا، لكنه عصى و خرج من دون إحرام، فإنه إذا بلغ في رجوعه الى

الميقات لكان اللازم عليه أو الجائز له الإحرام للحج من ذلك الميقات، و هذا يناسبه احترام الميقات، و عدم جواز المرور منه بدونه و عليه، تكون الرواية مخصصة للروايات المتقدمة، الدالة على ان إحرام حج التمتع لا بد و ان يكون من مكّة.

و مال الى ذلك الشيخ في التهذيب، حيث قال: «و من خرج من مكة بغير إحرام و عاد في الشهر الذي خرج فيه، فالأفضل أن يدخلها محرما بالحج، و يجوز له

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 345

..........

______________________________

ان يدخلها بغير إحرام» و مقتضى كلامه عدم التعيين، و ان الأفضل الإحرام من الميقات.

ثمّ ان أفضل مواضع مكة لإحرام حج التمتع هو المسجد الحرام، و يدل عليه روايات، بعضها ظاهرة في تعينه للإحرام، لكنها تحمل على الاستحباب، بقرينة الروايات المتقدمة.

منها: صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: إذا كان يوم التّروية ان شاء اللّٰه فاغتسل ثم البس ثوبيك و ادخل المسجد، الى ان قال: ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم- ع- أو في الحجر، ثم أحرم بالحج .. الحديث. «1»

و منها: رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم، الى ان قال: ثم ائت المسجد الحرام فصل فيه ست ركعات قبل ان تحرم، و تقول: اللهم انّي أريد الحج، الى ان قال: أحرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي .. الحديث. «2»

و منها: غير ذلك.

ثم ان مقتضى صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة: ان أفضل مواضع المسجد عند مقام إبراهيم (ع) أو في الحجر، كما في المتن، و ظاهره التخيير

بين الأمرين و عدم ثبوت ترجيح في البين، و لكن الفتاوى مختلفة من هذه الجهة، حيث يظهر من بعضها ما ذكر، و من بعضها التخيير بين المقام و تحت الميزاب، و من بعضها- كالشرائع- الاقتصار على المقام، و من بعضها الاقتصار على تحت الميزاب، و لكنه قال في الجواهر، بعد نقله: و لم نعثر له على شاهد يقتضي فضله على المقام.

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و العشرون ح- 1.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و العشرون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 346

..........

______________________________

المقام الثاني: فيما لو تعذر الإحرام من مكّة لحج التمتع، و المتسالم عليه بينهم: انه في هذه الصورة يحرم ممّا يتمكن، أي الأقرب الى مكة فالأقرب، و يدل عليه- مضافا الى الإجماع و التسالم المذكور- الروايات الواردة فيمن تجاوز الميقات بلا إحرام و لم يمكن له الرجوع الى الميقات، الدالة على انه يحرم مما يتمكن، معلّلا بخوف فوات الأعمال، فإن مقتضى التعليل سراية الحكم بالإضافة إلى إحرام حج التمتّع.

و هنا روايتان تدلان على ان شرطيّة الإحرام من مكّة إنّما تختص بصورة التمكن، و امّا مع عدمه فلا اعتبار له، بل يحرم من مكانه أو يسقط رأسا.

إحداهما: صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه- عليه السلام- قال: سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات، فما حاله؟ قال: يقول: اللّٰهم على كتابك و سنّة نبيّك، فقد تم إحرامه. «1»

ثانيتهما: صحيحته الأخرى، عن أخيه- ع- قال: سألته عن رجل كان متمتعا خرج الى عرفات، و جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده، قال: إذا قضى المناسك كلّها فقد تم حجّه. «2»

فان مورد الرواية الاولى،

و ان كان هو النسيان، و الثانية هو الجهل، لكن المستفاد منهما عدم الاختصاص بشي ء من الأمرين، بل الحكم شامل لمطلق العذر، كما انه يستفاد من الاولى: انه إذا أمكن الإحرام في عرفات بالكيفية

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب العشرون ح- 3.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب العشرون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 347

..........

______________________________

المذكورة، فإمكانه قبله انما يكون بطريق اولى.

المقام الثالث: فيما لو أحرم من غير مكّة: فإن كان مع العمد و الاختيار و التمكن من الإحرام من مكّة، بطل إحرامه، لأنه غير مأمور به، و لا يجوز الاكتفاء به و ترتيب الأثر عليه، و اللازم عليه العود إلى مكّة و الرجوع إليها للتدارك و تجديد الإحرام بالنية و التلبية، و لا يكفي مجرد العود إليها من دون تجديد، و ان نسب الى بعض العامّة، لأنّ ظاهر الروايات المشتملة على قوله: من مكّة. انه يعتبر ان يكون شروع الإحرام و الإهلال بالحج منها، فلا محيص عن التجديد بعد العود و الرجوع.

و ان كان مع الجهل و النسيان: فإن أمكن له العود إلى مكّة و التجديد فيها، يجب ذلك، لان الجهل أو النسيان لا يجدي في الحكم بالصحة بعد فرض إمكان الإتيان بالمأمور به على وجهه. و مورد الروايتين المتقدمتين في المقام الثاني غير هذا الفرض.

و ان لم يمكن له العود إليها للتجديد: فالمحكي عن الشيخ، في الخلاف: أجزاء ذلك الإحرام و عدم لزوم التجديد في ذلك الموضع. و تبعه في كشف اللثام حاكيا له عن التذكرة أيضا، مستدلا بالأصل و بمساواة ما فعله لما يستأنفه، من الكون في غير مكّة و في العذر، لان النسيان عذر.

و لكنه أجاب عنه

صاحب الجواهر- قده-: بان ما أوقعه أوّلا لم يوافق امرا به، فهو فاسد قال: «و من هنا كان مقتضى الأصل الفساد لا الصّحة، و امّا دعوى المساواة فلا ريب في أنها قياس، و الأصل يقتضي العكس، إذ المصحّح للإحرام المستأنف انما هو الإجماع على الصّحة معه، و ليس النسيان مصحّحا له حتى يتعدّى الى غيره، و انّما هو مع العذر عذر في عدم وجوب العود، و هو لا يوجب الاجتزاء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 348

..........

______________________________

بالإحرام معه حيثما وقع، بل انما يجب الرجوع الى الدليل، و ليس هنا سوى الاتفاق، و لم ينعقد الّا على الإحرام المستأنف، و امّا السابق فلا دليل عليه».

و قد استدركه بقوله بعده: «نعم، قد يقال بصحة إحرام مصادف العذر واقعا، كما لو نسي الإحرام منها و أحرم من غيرها، في حال عدم تمكّنه من الرجوع إليها، لو كان متذكرا لمصادفته الأمر به واقعا حينئذ، فتأمل.» و أشار بالأمر بالتأمل إلى جريان المناقشة في الحكم بالصحة في الصورة المذكورة، مع ان الظاهر هو الحكم بها، لأن المأمور به بحسب الواقع هو الإحرام من نفس هذا المكان، لفرض عدم التمكن من العود، و لو كان متذكرا. غاية الأمر، تخيله ان الوجه في الصحة هو الجواز في نفسه و بحسب الوظيفة الاختيارية الأولية، مع انّ الواقع هو استناد الجواز الى عدم التمكن و ثبوته مع الاضطرار، لكن هذا التخيل لا يقدح في الحكم بالصحة، مع مصادفته الأمر به واقعا، كما هو واضح.

بقي الكلام بعد ظهور كون عنوان «البطن» المضاف إلى مكّة، في اعتبار هذا الأمر: يراد به البلد في مقابل النواحي و الأطراف، في انه هل المراد

بمكّة ما هو الثابت في زمان صدور الروايات، فلا تشمل المحلّات الجديدة الحادثة بعد ذلك الزمان، خصوصا في الأزمنة المتأخرة، سيّما في هذا الزمان، أو ان المراد بها:

ما يطلق عليه عنوانها، و لو كانت متسعة؟ ربما يحتمل الأوّل، لكن الظاهر هو الثاني، لأن الملاك هو العنوان، و قد اتسع بعد ذلك الزمان، كما ان المسجد الحرام قد توسع تدريجا في الأزمنة المختلفة، و لا مجال لاحتمال اختصاص احكامه بخصوص ما كان في عهد النبي- ص.

و يؤيّد، بل يدلّ على ما ذكرنا: ان الظاهر توسع مكّة في زمان صدور الرّوايات، الذي هو زمان الصادقين- عليهما السلام- بالإضافة إلى زمان النبي- ص-، فان كان المراد: ما هو في زمان النبي- ص-، فليس في شي ء من الروايات اشارة اليه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 349

[خامسها ان يكون مجموع العمرة و الحج من واحد و عن واحد]

خامسها: ان يكون مجموع العمرة و الحج من واحد و عن واحد، فلو استؤجر اثنان لحج التمتع عن ميت، أحدهما لعمرته و الأخر لحجّة، لم يجز عنه، و كذا لو حج شخص و جعل عمرته من شخص و حجّه عن أخر، لم يصحّ. (1)

______________________________

و اشعار به، فضلا عن الدلالة، و ان كان المراد ما هو في زمانهما- ع-، فليس له وجه، بعد كون الروايات حاكية عما نزل وحيا، و دالة على كون الحكم في زمن النبي- ص- ذلك، فلا يبقى الّا كون المراد منها ما ينطبق عليه عنوانها، و ان اتّسعت جدّا.

(1) قال صاحب الجواهر- قده- بعد الاستظهار من الأصحاب انه لا يشترط غير الأمور المتقدمة: «يمكن ان يكون عدم ذكر أصحابنا لذلك- اي لهذا الأمر الخامس-، اتكالا على معلومية كون التمتع عملا واحدا عندهم، و لا

وجه لتبعيض العمل الواحد، فهو في الحقيقة مستفاد من كون حج التمتع قسما مستقلا، و يمكن ان لا يكون ذلك شرطا عندهم، لعدم الدليل على الوحدة المزبورة، التي تكون العمرة معها، كالركعة الاولى من صلاة الصبح، و الا لم تصح عمرته، مثلا مع اتفاق العارض عن فعل الحج الى ان مات، بل المراد اتصاله بها و إيجاب إردافه بها مع التمكن، و حينئذ فلا مانع من التبرع بعمرته عن شخص و بحجه عن أخر، لإطلاق الأدلة، الى ان قال: و امّا الوقوع من شخص واحد، فلم أجد في كلام أحد التعرض له، بمعنى انه لو فرض التزامه بحج التمتع بنذر و شبهه فاعتمر عمرته و مات مثلا، فهل تجزي نيابة أحد عنه- مثلا- بالحج من مكة؟ و ان كان الذي يقوى عدم الاجزاء، ان لم يكن دليل خاص».

و قد تبعه في الترديد في اعتبار هذا الأمر السيد- قده- في العروة، بل استظهر من الرواية خلافه، و هي صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر- ع- قال: سألته عن رجل يحج عن أبيه، أ يتمتع؟ قال: نعم، المتعة له و الحج عن أبيه. «1» و يظهر من

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب السابع و العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 350

..........

______________________________

صاحب الوسائل أيضا ذلك، حيث جعل عنوان الباب: جواز نية الإنسان عمرة التمتع عن نفسه و حج التمتع عن أبيه، و أورد فيه هذه الرواية فقط. لكن الاستظهار منها مبني على كون المراد من التمتع في السؤال و الجواب هي عمرة التمتع في مقابل حجّه، مع انه ممنوع، لظهور السّؤال في نفسه، في كون المراد هو حج

التمتع، الذي هو من أقسام الحج في مقابل القران و الافراد. و عليه، لا بد من ملاحظة أنّ النقطة المبهمة للسائل- الذي هو محمد بن مسلم، و هو من أجلاء الرّواة، و رواياته في مختلف أبواب الفقه من الكثرة بمكان- ما ذا؟ فنقول: بعد ظهور السؤال في كون المراد: هو الحج عن أبيه بعد موته، و بعد وضوح كون حج التمتع من أقسام الحج و أنواعه، امرأ مسلما عند الرّاوي، يكون محط السّؤال و الاشكال، هو: انه لما كان امتياز حج التمتع و خصيصته المهمة هو تخلل الإحلال، و حصول الحلية بعد تمامية العمرة و قبل الشروع في الحج، و لذا سمي تمتعا، و هذا الامتياز لا يكاد يتحقق في الميت لفرض موته، و عدم استفادته من آثار الحياة بوجه، فعليه، ربما ينقدح في النفس انه لا يجوز النيابة عنه في حج التمتع، فلذا وقع السؤال عنه، و لا يبعد ان يكون النظر الى خصوص الحجّ المستحب، الذي لا يتعين فيه التمتع. و الجواب دالّ على: ان المتعة و الالتذاذ و ترتب آثار الخروج من الإحرام، انّما تكون مرتبطة بالنائب، و امّا أصل العمل و الحج فيرتبط بالمنوب عنه. و عليه، فلا دلالة في الرواية على التفكيك بين العمرة و الحج بوجه.

و بالجملة: لو كان مورد السؤال هو التفكيك، و جعل التمتع- اي عمرته- لنفسه و الحج عن أبيه، لكان اللازم جعل كلا الأمرين في مورد السؤال، الذي يقع بعد همزة الاستفهام، كما ان اللازم تقييد التمتع بقوله: لنفسه. في مقابل الحج، الذي يوقعه عن أبيه، بل المناسب اعتبار أمر ثالث، و هو ذكر التمتع قبل الحج، لكونه متقدما عليه في التمتع، فالتعبير الصحيح و

المناسب ان يقول: أ يتمتع عن نفسه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 351

..........

______________________________

و يحج عن أبيه؟ لا جعل التمتع المذكور مؤخرا، من دون التقييد بقوله: لنفسه.

عقيب همزة الاستفهام. و عليه، فالسؤال في نفسه يأبى عن التفكيك، و لا محيص الّا عن الحمل على ما ذكرنا.

و قد فسّر الرواية بذلك المجلسي الأوّل- من دون ان يحتمل شيئا أخر- في روضة المتقين، الذي هو شرح لكتاب من لا يحضره الفقيه، حيث قال: «روى جعفر بن بشير عن العلاء في الصحيح، عن محمد بن مسلم الى قوله: أ يتمتع؟ مع انه لا فائدة للأب في التمتع، لانه لا يمكن له التمتع بالنساء و الثياب و الطيب، الذي هو فائدة حج التمتع. قال- ع-: نعم، المتعة و التمتع بالأشياء المذكورة له و الحج عن أبيه».

و قد جعل الصدوق عنوان الباب: «المتمتع عن أبيه» و أورد فيه هذه الرواية فقط، فيظهر منه ان المستفاد من الرواية جعل مجموع التمتع من الحج و العمرة عن أبيه، كما لا يخفى.

نعم، يجري في الرواية احتمال أخر، لكنه ضعيف، و هو: انه بعد كون المراد من السؤال ما ذكرنا، يكون المراد من الجواب: انّ فضيلة حج التمتع، الذي هو أفضل أقسام الحج و أنواعه، فيما لم يكن متعينا، كما في الحج المندوب و النذر المطلق، تقع للنائب، و أصل العمل للمنوب عنه، كما انه هنا احتمال رابع، استظهره الماتن- قده- في التعليقة على العروة، حيث قال: «و الظاهر ان صحيحة محمد بن مسلم، انّما هي في المستحب، ممّا ورد فيه جواز التشريك. بين الاثنين و الجماعة، و سوق السؤال يشهد بذلك، فان الظاهر انه سأل عمن يحج عن

أبيه، أ يحجّ متمتعا أو لا؟ فأجاب بأفضلية التمتع، و إمكان جعل حجه لأبيه و عمرته لنفسه، و هو في المستحبات، و الّا ففي المفروض لا بد من الإتيان حسب ما فات منه».

و يرد عليه: انه ان كان المراد: ان مورد الصحيحة هو المستحب دون المفروض.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 352

..........

______________________________

فلا تنبغي المناقشة فيه، كما نفينا البعد عنه أنفا، و لكنه لا يستلزم كون المراد منها ما افاده، و لا ينافي ما استظهره صاحب العروة منها، و ان كان المراد: ان ما ورد في المستحب من التشريك المذكور يشمل المقام. فالظاهر العدم، لان مرجع التشريك الى التشريك في المجموع على سبيل الإشاعة لا التبعيض في أجزاء العمل، كما هو مفاد الرّواية. فالإنصاف: أن مدلول الصحيحة ما ذكرنا، و هو لا يرتبط بالتفكيك أصلا.

نعم، ذكر في شرح الفقيه المذكور بعد تفسير الرواية، بما عرفت: «و يجوز الحج و العمرة لاثنين في عام واحد، إذ لا منافاة بينهما، كما رواه الشيخ في الصحيح عن الحرث بن المغيرة، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في رجل تمتع عن امّه و أهلّ بحجّة عن أبيه، قال: ان ذبح فهو خير له، و ان لم يذبح فليس عليه شي ء، لأنه إنما تمتع عن امّه، و أهل بحجّة عن أبيه». «1»

و دلالة الرواية على جواز التفكيك ظاهرة، لكنه ربما يناقش في سندها من جهة صالح بن عقبة، الذي ضعفه ابن الغضائري و تبعه العلامة، و لكن الظاهر ان تضعيف ابن الغضائري مع كثرته و عدم ثبوت نسبة الكتاب اليه لا اعتبار به، خصوصا مع التوثيق الخاص عن المجلسي في العبارة المذكورة، و التوثيق العام الواقع

بالنسبة الى جميع رواة اسناد كامل الزيارات و تفسير علي بن إبراهيم، فلا عبرة بهذه المناقشة، و تضعيف العلامة انما كان بتبعه.

نعم، يقع الكلام بعد ذلك، في: ان اعراض المشهور عن الفتوى على طبقها، هل يوجب سقوطها، أو انه لم يثبت الاعراض أو لم يثبت قادحيته؟ و على التقدير الثاني: هل يؤخذ بالرواية بالإضافة إلى خصوص موردها، لكونها على خلاف

______________________________

(1) وسائل أبواب الذبح الباب الأول ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 353

[مسألة 2 الأحوط ان لا يخرج من مكّة بعد الإحلال عن عمرة التمتع]

مسألة 2- الأحوط ان لا يخرج من مكّة بعد الإحلال عن عمرة التمتع بلا حاجة، و لو عرضته حاجة فالأحوط أن يحرم للحج من مكّة و يخرج لحاجته و يرجع محرما لإعمال الحج، لكن لو خرج من غير حاجة و من غير إحرام ثم رجع و أحرم و حج صحّ حجّه. (1)

______________________________

القاعدة، فيقتصر على خصوص المورد، أو انه و ان كانت النسبة بينها و بين أدلة ارتباط عمرة التمتع بحجّه و بالعكس هو العموم مطلقا، الّا انه حيث كان العام من القوة بمكان فلا يتقدم الخاص عليه حينئذ، بعد كون التقديم امرا مرتبطا بالعقلاء في عالم التقنين لا بالعقل و لا بالعقلاء في غير ذلك العالم، فتدبّر.

(1) قال في الشرائع: «و لا يجوز للمتمتع الخروج من مكّة حتى يأتي بالحج، لانه صار مرتبطا به، الّا على وجه لا يفتقر الى تجديد عمرة» و قد فسّر المستثنى في الجواهر تبعا للمدارك: بان يخرج محرما بالحج باقيا على إحرامه حتى يحصل الحج منه، أو يعود للحج قبل مضي شهر، كما انه نسب في المدارك مجموع ما ذكره في الشرائع إلى المشهور بين الأصحاب.

لكن عن الوسيلة و المهذب و

الإصباح و موضع من النهاية و المبسوط: إطلاق المنع. نعم، حكى عن خصوص الوسيلة: استثناء صورة الاضطرار، كما انه حكى عن السرائر و النافع و المنتهى و التذكرة و موضع من التحرير، و ظاهر التهذيب و موضع أخر من النهاية و المبسوط: الكراهة.

و ذكر السيّد- قده- في العروة: انه يمكن دعوى عدم الكراهة- أيضا- مع علمه بعدم فوات الحج منه إذا خرج، قال: نعم، لا يجوز الخروج لا بنية العود، أو مع العلم بفوات الحج منه إذا خرج.

و احتاط وجوبا في المتن في ترك أصل الخروج بلا حاجة، و في الإحرام للحج من مكّة إذا خرج لحاجة، و قد تبع في ذلك كاشف اللثام، غير انه ذكر الضرورة مكان الحاجة، و استثنى صورة التضرر بالبقاء على الإحرام لطول الزمان.

و منشأ الاختلاف فيما ذكر، اختلاف ما ورد من الروايات في المقام:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 354

..........

______________________________

فطائفة منها تدل بظاهرها على حرمة الخروج مطلقا، مثل:

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: قلت له: كيف أتمتّع؟

قال: تأتي الوقت فتلبّي، الى ان قال: و ليس لك ان تخرج من مكّة حتى تحجّ. «1»

و صحيحته الأخرى، عن أبي جعفر- ع- قال: قلت لأبي جعفر- عليه السلام-:

كيف أتمتع؟ فقال: تأتي الوقت فتلبّي بالحجّ، فإذا اتى مكّة طاف و سعى و أحلّ من كل شي ء، و هو محتبس ليس له ان يخرج من مكّة حتى يحج. «2»

و الظاهر اتحادها مع الاولى بمعنى كونهما رواية واحدة، و ان جعلهما في الوسائل متعددة، و تبعها الكتب الفقهيّة.

و صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث، قال:

تمتّع فهو و اللّٰه أفضل، ثم قال: ان

أهل مكّة يقولون: ان عمرته عراقيّة و حجته مكيّة، كذبوا، أو ليس هو مرتبطا بالحج، لا يخرج حتى يقضيه. «3»

و طائفة تدل على انه محتبس أو مرتهن بالحج، و على جواز الخروج لدى الحاجة، مثل:

مرسل موسى بن القاسم عن بعض أصحابنا، انه سأل أبا جعفر- عليه السلام- في عشر من شوّال، فقال: انّي أريد ان أفرد عمرة هذا الشهر؟ فقال.

أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: ان المدينة منزلي و مكّة منزلي و لي بينهما أهل و بينهما أموال، فقال له: أنت مرتهن بالحجّ، فقال له الرجل: فإن لي ضياعا حول مكّة، و احتاج الى الخروج إليها؟ فقال: تخرج حلالا و ترجع حلالا الى الحج. «4»

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني و العشرون ح- 1.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني و العشرون ح- 5.

(3) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني و العشرون ح- 2.

(4) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني و العشرون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 355

..........

______________________________

بناء على كون المراد من السؤال جعل عمرة التمتع- التي اتى بها- عمرة مفردة، كما لا تبعد دعوى ظهور السؤال فيه في نفسه، لثبوت الفرق بين التعبير بإرادة الإتيان بالعمرة المفردة و بين التعبير بإرادة جعل العمرة مفردة، مضافا الى دلالة الجواب عليه. و عليه، فالذيل انّما يرتبط بعمرة التمتع أيضا، فيدل على جواز الخروج عند الحاجة اليه، و قد حملها الشيخ- قده- في محكي التهذيبين على ذلك.

و امّا ما افاده بعض الاعلام، من كون الرواية أجنبية عن المقام، لان موردها العمرة المفردة، و الجواب محمول على ان الحج كان واجبا عليه، و انه كان حج الإفراد، ففي غاية البعد،

لعدم الشاهد على وجوب الحج عليه، مع كون المفروض هو الإتيان بالعمرة المفردة.

لكن الإشكال في سند الرواية من جهة الإرسال، و يمكن دفعه باتحاد هذه الرّواية مع ذيل الرواية المفصلة المتقدمة في مسألة من كان من أهل مكة و خرج الى بعض الأمصار، المشتملة على رواية موسى بن القاسم، التي ظاهرها كونها رواية مستقلة، و التعبير فيها بقوله: و رأيت من سأل أبا جعفر- ع-، و قد عرفت استظهار المجلسي: ان المراد بابي جعفر هو أبو جعفر الثاني، الجواد عليه السلام، و في ذيلها قال: فسأله بعد ذلك رجل من أصحابنا، فقال: اني أريد ان أفرد عمرة هذا الشهر، يعني شوال، فقال له: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: ان أهلي و منزلي بالمدينة، و لي بمكة أهل و منزل، و بينهما أهل و منازل، فقال له: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: فإن لي ضياعا حول مكّة، و أريد ان اخرج حلالا، فإذا كان ابّان الحج حججت. «1» فان ظاهرها حضور موسى بن القاسم حال السؤال الأخير، و سماعه السؤال و الجواب بنفسه، و من الواضح عدم كونها قضية أخرى،

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب السابع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 356

..........

______________________________

و على تقديرها فيمكن التمسك بنفس هذا الذيل مكان المرسلة، كما ان دلالتها على الجواز بصورة التقرير ظاهرة أيضا، لأنه على تقدير عدم الجواز كان عليه المنع و النهي.

و صحيحة حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في رجل قضى متعته و عرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها، قال: فقال: فليغتسل للإحرام و ليهلّ بالحج، و ليمض في حاجته، فان لم يقدر على

الرجوع الى مكّة مضى الى عرفات. «1»

و صحيحة حمّاد بن عيسى عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: من دخل مكّة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له ان يخرج حتى يقضي الحج، فان عرضت له حاجة الى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق، خرج محرما و دخل ملبيّا بالحج، فلا يزال على إحرامه، فإن رجع الى مكّة رجع محرما و لم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس الى منى على إحرامه، و ان شاء وجهه ذلك الى منى .. (الحديث). «2»

و هنا طائفة ثالثة جعلها السيد- قده- في العروة قرينة لحمل الأخبار الناهية على الكراهة:

منها: صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن الرجل يتمتع بالعمرة إلى الحج يريد الخروج إلى الطّائف، قال: يهلّ بالحج من مكّة، و ما أحبّ ان يخرج منها الّا محرما. و لا يتجاوز الطائف، انّها قريبة من مكّة. «3» نظرا الى ان قوله- ع-: ما أحبّ. ظاهر في عدم الحرمة، و لو مع عدم الحاجة، و لا مجال للحمل على صورة الحاجة.

و لكن يرد عليه: ان قوله- ع-: ما أحبّ. و ان لم يكن ظاهرا بنفسه في الحرمة،

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني و العشرون ح- 4.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني و العشرون ح- 6.

(3) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني و العشرون ح- 1. 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 357

..........

______________________________

كما انه لا يكون ظاهرا في عدمها أيضا، الّا انّه مع وجود الأخبار الناهية المتقدمة، تصير تلك الأخبار مفسرة للمراد من هذا القول، و تبين ان المقصود هو النّهي، و لا مجال لدعوى العكس، و السّر

فيه: مضافا الى فهم العرف و حكمه بذلك، ظهور تلك الاخبار في النهي و الحرمة، و عدم ظهوره في الخلاف، بل جريان الاحتمالين فيه. و على تقدير ظهوره في عدم الحرمة، ليس هذا الظهور في مرتبة ظهور النّهي. فالإنصاف: عدم كون هذا التعبير قرينة على خلاف الظاهر في تلك الاخبار.

نعم، تعليله- ع- النهي عن التجاوز عن الطائف: بأنّها قريبة من مكّة، ربما يؤيد عدم كون النهي مولويّا، بل إرشاديا، كما يأتي البحث فيه ان شاء اللّٰه تعالى.

و منها: ما رواه الكليني عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد، عمن ذكره عن ابان بن عثمان، عمّن أخبره عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: المتمتع محتبس، لا يخرج من مكّة حتى يخرج الى الحج، الّا ان يأبق غلامه أو تضلّ راحلته، فيخرج محرما، و لا يجاوز الّا على قدر ما لا تفوته عرفة. «1» و قد ذكر السيد- قده- في العروة. ان قوله- ع-: و لا يجاوز .. و ان كان بعد قوله: فيخرج محرما، الّا انه يمكن ان يستفاد منه: ان المدار فوت الحج و عدمه.

و لكنه أجاب عنه سيد المستمسك: بان هذه الاستفادة بعيدة جدّا، نظرا إلى انه لو كان المقصود ذلك لم تكن حاجة الى الجمل المتتابعة السّابقة، المتضمنة للمنع عن الخروج إلّا للضرورة، و انه على تقدير الضرورة إلى الخروج فلا يخرج محلا، و كان اللازم الاقتصار على قوله: المتمتع محتبس، لا يجوز له تفويت الحجّ. هذا، و لكن في الرواية إرسالا من جهتين، و لا مجال للاعتماد عليها بوجه.

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني و العشرون ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 358

..........

______________________________

و

منها: مرسلة الصدوق، قال: قال الصادق- عليه السلام-: إذا أراد المتمتع الخروج من مكّة الى بعض المواضع فليس له ذلك، لانه مرتبط بالحج حتى يقضيه، الّا ان يعلم انه لا يفوته الحج، و ان علم و خرج، و عاد في الشهر الذي خرج دخل مكّة محلا، و ان دخلتها (دخلها) في غير ذلك الشهر دخلتها (دخلها) محرما. «1» و دلالتها على جواز الخروج مع العلم بعدم فوات الحج، و كون خروجه من دون إحرام، واضحة لا ارتياب فيها، لكنه ربما يشكل فيها من جهة السند بالإرسال، لوضوح وجود الوسائط بينه و بين الامام عليه السلام. لكن الظاهر كما ذكرنا مرارا: حجيّة هذا النحو من المرسلات، الذي ينسب فيه الكلام الى الامام- ع-، كأنه قد سمع منه دون ان ينسب إلى الرواية و قول الرّاوي، و احتمال كون المنشأ لذلك هو بناءه على أصالة العدالة غير المعتبرة عندنا. ينفيه: انه لو كان ذلك لبنائه عليها مع تعدد الروايات الواردة بهذا النحو من الصدوق، لكان اللازم الإشارة اليه و لو في مورد واحد، خصوصا مع التفاته الى عدم كون هذا الأصل معتبرا عند الجميع، كما ان احتمال كون الخبر مستندا الى مقدمات حدسية اجتهادية، لا يجتمع مع شأن المحدّث و الراوي، خصوصا إذا كان الراوي متّصفا بأنه رئيس المحدثين.

و بالجملة: لا مجال لطرح الرواية من جهة الإرسال في هذا النوع من المرسلات.

و مثلها: ما عن فقه الرضا. «2» و لكنه لم تثبت حجّيته و اعتباره.

ثم انه ذكر السيد- قده- في العروة: انه يمكن ان يقال: ان المنساق من جميع

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني و العشرون ح- 9.

(2) مستدرك الوسائل أبواب أقسام الحج الباب الثامن

عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 359

..........

______________________________

الأخبار المانعة، ان ذلك للتحفظ عن عدم إدراك الحج و فوته، لكون الخروج في معرض ذلك. و على هذا، فيمكن دعوى عدم الكراهة أيضا، مع علمه بعدم فوات الحج منه. و الظّاهر ان مراده عدم ثبوت حكم مولوي في المقام تحريما أو تنزيها، متعلقا بالخروج من مكة بعنوانه، بحيث كان نفس هذا العنوان محكوما بحكم تعبّدي غير مرتبط بالحج، فان استثناء صورة العلم بأنه لا يفوته الحج في رواية الصدوق- التي عرفت اعتبارها- يدلّ على عدم كون الخروج موضوعا للحكم بعنوانه، كما ان تعليل النهي عن التجاوز عن الطائف، الظاهر في جواز الخروج إليه، بأنّها قريبة من مكّة، يشعر بل يدل- كما افاده الماتن- قده- في التعليقة على العروة- على انّ الحكم إرشادي، و الغرض التحفظ على درك الوقوفين و سائر مناسك الحج، و يؤيده الاستثناء في مرسلة أبان، المشتملة على قوله- ع-: و لا يجاوز الا على قدر ما لا تفوته عرفة، كما انّك عرفت ظهور رواية موسى بن القاسم في جواز الخروج حلالا و الرجوع كذلك، و عرفت أيضا ان الرواية معتبرة لا مناقشة فيها من جهة الإرسال.

كما ان الحكم في بعض الروايات بالإحرام للحج في صورة الخروج، انّما يكون المنساق منه هو التحفظ على رعاية لزوم كون إحرام الحج من مكة، نظرا إلى انه في فرض عدم إمكان الرجوع أو عدم إرادته، قد تحقق منه ذلك، فيمضي من ذلك المكان الى عرفات من دون لزوم الرجوع الى مكّة، لفرض تحقق الإحرام منها.

كلّ ذلك يدل على: انه لا يكون في البين حكم تعبدي مولوي متعلق بالخروج تحريما أو تنزيها، و

لو في صورة عدم الحاجة، و كذا بالإحرام عند ارادة الخروج، بل الغرض درك مناسك الحج و تحقق إحرامه من مكة، و جعل الخروج متعلّقا للحكم انما هو باعتبار كونه في معرض عدم إدراك المناسك خصوصا في تلك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 360

..........

______________________________

الأزمنة، التي كانت الوسائل النقلية عبارة عن الحيوانات. و مما ذكرنا يظهر الاشكال فيما أجاب به المستمسك عن السيد- قده- في عبارته المتقدمة، فإن موضوع الحكم، و ان كان هو تفويت الحج الّا انه لا مانع من النهي عن الخروج، إرشادا إلى كونه في معرض التفويت نوعا. و عليه، فلا مانع من الخروج من دون إحرام، و لو مع عدم الحاجة، إذا علم بعدم التفويت و إمكان الرجوع الى مكة و الإحرام منها للحج، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بعدم الخروج من دون حاجة، و بالإحرام مع الخروج معها، بل حيث ان الشهرة على المنع- كما يظهر مما تقدم عن المدارك- لا يترك الاحتياط، فتدبّر.

ثم انه لا شبهة في انه على تقدير ثبوت المنع و الحرمة، إذا خرج من دون حاجة و من دون إحرام، ثم رجع الى مكّة و أحرم منها للحج، لا يقدح ذلك في صحة حجّه أصلا، لأن الحكم على تقدير ثبوته حكم تكليفي، لا يرتبط بصحة العمرة و الحج، بل تكون مخالفته مجرد مخالفة حكم تكليفي محض.

و هاهنا فرع لم يقع التعرض له في المتن، و لكنه تعرض له السيّد- قده- في العروة- تبعا لصاحب الجواهر- هنا، و في خاتمة بحث الإحرام في حكم دخول مكّة، و هو انه لو خرج من قضى عمرة التمتع من مكّة محلا، امّا لجوازه رأسا

أو للضرورة أو جهلا أو عمدا و مع الالتفات، فهل يجب عليه فيما إذا كان رجوعه بعد شهر الإحرام للدخول إلى مكة أو لا يجب؟ قال السيد-، ما هذه عبارته: «ثم الظاهر ان الأمر بالإحرام إذا كان رجوعه بعد شهر انما هو من جهة ان لكل شهر عمرة، لا ان يكون ذلك تعبّدا أو لفساد عمرته السّابقة أو لأجل وجوب الإحرام على من دخل مكّة، بل هو صريح خبر إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا الحسن- عليه السلام-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 361

..........

______________________________

عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته، ثم تبدو له حاجة فيخرج إلى المدينة أو الى ذات عرق أو الى بعض المنازل (المعادن ئل). قال: يرجع الى مكّة بعمرة، ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لان لكل شهر عمرة، و هو مرتهن بالحج .. و حينئذ يكون الحكم بالإحرام إذا رجع بعد شهر على وجه الاستحباب لا الوجوب، لأن العمرة، التي هي وظيفة كل شهر، ليست واجبة. لكن في جملة من الاخبار كون المدار على الدخول في شهر الخروج أو بعده، كصحيحتي حمّاد و حفص بن البختري و مرسلة الصدوق و الرضوي، و ظاهرها الوجوب، الّا ان تحمل على الغالب من كون الخروج بعد العمرة بلا فصل، لكنه بعيد، فلا يترك الاحتياط بالإحرام إذا كان الدخول في غير شهر الخروج».

أقول: ذيل رواية إسحاق عبارة عن: «قلت: فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه. قال: كان أبي مجاورا هاهنا فخرج يتلقّى (ملتقيا) بعض هؤلاء، فلمّا رجع فبلغ ذات عرق، أحرم من ذات عرق بالحج، و دخل و هو محرم بالحج». «1»

و الكلام يقع تارة: في مفاد هذه الرواية،

من جهة انه هل هو وجوب الإحرام للعمرة للرجوع، ان كان في غير شهر التمتع، أو الخروج، أو عدم الوجوب؟

و اخرى: في مفاده، من جهة كون الملاك هو الشهر الذي تمتع فيه أو الشهر الذي خرج من مكة. و ثالثة: في مفاد سائر الروايات، و الجمع بينها و بينها على تقدير الاختلاف و المعارضة.

فنقول: قد استفاد السيد- قده- من الرواية: استحباب الإحرام و العمرة للرجوع و عدم وجوبه. لان تعليق الحكم بالرجوع بالعمرة على كونه في غير الشهر الذي تمتع فيه، اي وقعت فيه العمرة، بضميمة التعليل بان لكل شهر

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني و العشرون ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 362

..........

______________________________

عمرة، و هو إشارة إلى المستفيضة، الدالة على ان لكلّ شهر، عمرة، و مفادها استحباب العمرة في كل شهر يدل على ان الحكم في المقام أيضا كذلك، فلا تجب العمرة، و لو كان الرجوع في غير ذلك الشهر.

و لكنّه يرد عليه، مضافا الى ان قوله- ع- بعده بلا فصل: و هو مرتهن بالحج لا يلائم مع الحكم الاستحبابي المبنيّ على جواز الترك. ان الظاهر ان المراد من العمرة التي حكم بالرجوع إلى مكة بها هي عمرة التمتع لا العمرة المفردة. و عليه، فكيف يمكن تعليل حكمها باستحباب العمرة المفردة لكل شهر، ضرورة ان المراد من المستفيضة المذكورة خصوص العمرة المفردة، فلا ينطبق التعليل على الحكم المعلّل بوجه، و احتمال كون المراد من العمرة في الحكم المعلّل هي العمرة المفردة واضح البطلان، خصوصا مع ملاحظة انه لا يجوز للمتمتع الإتيان بالعمرة المفردة بين عمرة التمتع و حجّه، و يؤيّده بل يدل عليه تصريح صحيحة حمّاد

الآتية بذلك، فلا ينبغي الارتياب حينئذ في دلالة هذه الرواية على الوجوب. و المراد من العلّة ثبوت عمرة التمتع بعد مضي الشهر ثانيا، هذا بالإضافة إلى الجهة الاولى.

و امّا الجهة الثانية: فقوله- ع-: ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، و ان كان ظاهرا في ان الملاك هو شهر وقوع عمرة التمتع فيه. الّا ان السؤال الثاني عن الدخول في الشهر الذي خرج فيه، هل هو سؤال عن عنوان أخر مغاير لما هو المذكور في كلام الامام- ع-، أو ان الظاهر انه سؤال عن حكم موضوع مفهوم كلام الامام- ع. و بعبارة أخرى: حيث انه- ع- حكم بالرجوع بعمرة ان كان في غير شهر التمتع، فالسائل قد سأل عن حكم ما إذا كان الرجوع في نفس ذلك الشهر، و قد عبّر عنه بشهر الخروج. و عليه، فلا بدّ: امّا من الالتزام بأن السائل قد فهم من شهر التمتع، شهر الخروج، أو الالتزام بان مراد السائل من شهر الخروج، هو شهر التمتع المذكور في كلام الامام- ع-، لا مجال لاحتمال كونه سؤالا عن عنوان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 363

..........

______________________________

أخر مغاير للعنوان المذكور في كلام الامام- ع-، خصوصا مع كونه ناظرا الى اتحاد الشهرين، و كلامه- ع- الى مغايرتهما، كما لا يخفى. فلا بد من الحمل على كونه سؤالا عما يتعلق بالحكم المذكور قبله. نعم، يبقى الكلام في ترجيح أحد الالتزامين المذكورين على الأخر، و الظاهر ترجيح الالتزام الأوّل، لأن كلام السائل وقع بعد كلام الامام- ع-، فهو بمنزلة التفسير و بيان ما هو المتفاهم منه عند العرف، و قد قرّره الامام- ع- على ذلك و لم ينكر عليه

في الجواب، بان يقول: بأن مرادي هو شهر التمتع لا شهر الخروج، فنفس السؤال- بضميمة عدم الإنكار في الجواب- شاهد على كون المراد هو شهر الخروج دون ما هو ظاهره، بنظرنا، من كونه غيره، كما لا يخفى.

ثم ان عدم وضوح الجواب عن هذا السؤال من جهة التعبير بكون الصادق- ع- مجاورا في مكّة، مع انه لم يشهد له التاريخ، مضافا الى ان المجاورة ان كانت بمقدار موجب لتغير الفرض و انقلاب الحكم من التمتع الى القران أو الافراد، توجب عدم الارتباط بما هو موضوع السؤال من التمتع، و ان لم تكن بذلك المقدار، لا يكون عنوانها دخيلا في الحكم أصلا، لا يوجب التردد فيما نحن بصدده، من دلالة الرواية على كون المعيار هو شهر الخروج.

كما ان عدم وضوح علّة كون إحرامه- ع- من الميقات، مع كون إحرام الحج في التمتع لا بد و ان يقع من مكّة أيضا، لا يوجب. الخلل فيما ذكرنا- و ان كان غير بعيد عندي- وجود الاستثناء للضابطة المذكورة في إحرام حج التمتع، بالإضافة الى من خرج من مكة غير محرم، ثم مرّ في رجوعه إلى مكّة الى بعض المواقيت، فتدبر و كيف كان، فدلالة الرواية على ان المعيار هو شهر الخروج، لا تنبغي المناقشة فيها. و العجب انّ مثل العروة و شروحها قد نظروا الى صدر الرواية و لم ينظروا إلى السؤال الثاني و التعبير الواقع فيه، الذي هو مفسر لما وقع في الصدر، كما مرّ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 364

..........

______________________________

و ممّا ذكرنا يظهر الحكم في الجهة الثالثة، لأن سائر الروايات بين ما وقع فيه التصريح بشهر الخروج، كمرسلة الصدوق- التي عرفت أنّها معتبرة

عندنا- و بين ما كان خاليا عن اضافة الشهر إلى شي ء معلوم، و ان كان ظاهره هو كون المضاف اليه الخروج، مثل ذيل صحيحة حمّاد بن عيسى، التي تقدم صدرها، و هو عبارة عن قوله: «قلت: فان جهل فخرج الى المدينة أو الى نحوها بغير إحرام، ثم رجع في ابّان الحج في أشهر الحج يريد الحج، فيدخلها محرما أو بغير إحرام؟

قال: ان رجع في شهره دخل بغير إحرام، و ان دخل في غير الشهر دخل محرما.

قلت: فأيّ الإحرامين و المتعتين، متعة: الأولى أو الأخيرة؟ قال: الأخيرة هي عمرته و هي المحتبس بها، التي وصلت بحجته .. الحديث». «1» فإنه على تقدير الإجمال، و ان كان الظاهر عدمه، و ان المراد هو شهر الخروج، تكون الروايتان السابقتين رافعتين للإجمال و مفسّرتين للإبهام، فلا تعارض في البين.

ثم انه ذكر السيد- قده- في العروة: ان صحيحة حفص بن البختري- أيضا- تدل على شهر الخروج، مع انه لا تعرض فيها لهذا الفرض أصلا، لأن المفروض فيها الخروج من مكة مع الإهلال بالحج، و الظاهر انه سهو من القلم، كما في بعض الشروح.

ثم الظاهر ان المراد من الشهر ما ذكرنا في بحث العمرة المفردة في مفاد قوله- ع-: لكل شهر عمرة. من انه هو عنوان الشهر لا مضي مقدار ثلاثين يوما، فإذا وقع الخروج في أواخر ذي القعدة- مثلا- و رجع في أوائل ذي الحجّة، يصدق انّ الرجوع يكون في غير شهر الخروج، و ان لم يكن بينهما فصل زماني كثير، و لا فرق في هذه الجهة بين كون المعيار هو شهر الخروج و بين كونه هو شهر التمتع، و ان

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني و العشرون

ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 365

..........

______________________________

كان يقع الكلام على الثاني في ان المراد هل هو الشهر الذي أهلّ فيه بعمرة التمتع أو الشهر الذي أحلّ منها، على تقدير اختلافهما، و وقوع الشروع في شهر و الفراغ في شهر أخر؟ و الظاهر انه على هذا التقدير يكون ظاهر التعبير في الرواية هو الفراغ لا الشروع، لظهور التعبير بصيغة الماضي في الرواية المتقدمة فيه.

بقي الكلام في الفرع المتقدم في أمر مهمّ، و هو: انه على تقدير القول بوجوب الإحرام لعمرة التمتع ثانيا بعد الخروج عن مكّة بلا إحرام و مضيّ الشهر، هل يكون هذا الحكم حكما تكليفيّا صرفا، لا يترتب على مخالفته الّا مجرد العصيان و استحقاق العقوبة، فإذا ترك الإحرام و دخل مكة محلا ثم أحرم لحج التمتع يوم التروية- مثلا- يصح حجّه بعنوان التمتع، لان المفروض انه اتى بعمرة التمتع قبل الخروج من مكّة، أو انه حكم وضعي مرجعه الى توقف صحة حجّة بعنوان التمتع على الإتيان بعمرته ثانيا بعد مضي شهر من الاولى، فلو تركه و لم يأت بها و دخل مكّة محلا، لا يمكن ان يقع منه حج التمتع إذا أحرم له من مكّة؟ فيه وجهان، بل قولان:

قال في الجواهر: «و ليس في كلامهم تعرض لما لو رجع حلالا بعد شهر، و لو إثما، فهل له الإحرام بالحج بانيا على عمرته الأولى، أو انها بطلت، للتمتع بالخروج شهرا؟ و لكن الذي يقوى في النظر، الأوّل، لعدم الدليل على فسادها».

و قال السيّد- قده- في العروة: «و على أيّ حال، إذا ترك الإحرام مع الدخول في شهر أخر، و لو قلنا بحرمته لا يكون موجبا لبطلان عمرته السّابقة،

فيصحّ حجه بعدها».

و مقتضى إطلاق المتن، الصحة أيضا، حيث ان قوله- قده-: «لكن لو خرج من غير حاجة و من غير إحرام ثم رجع و أحرم و حجّ، صحّ حجّه» يشمل ما لو كان الرجوع بعد مضي الشهر، فيدل على الصحّة فيه أيضا، الّا ان يقال بعدم كون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 366

..........

______________________________

النظر فيه، الّا الى انّ الخروج على تقدير تعلق النهي التحريمي به، لا يكون التكليف المتعلق به الّا تكليفا نفسيّا غير مرتبط بصحة الحج و العمرة، و لا يكون النظر فيه الى حكم الرجوع من هذه الجهة.

و كيف كان، فالظاهر ان مقتضى ذيل صحيحة حماد بن عيسى المتقدم، و كذا صدر موثقة إسحاق بن عمار المتقدم أيضا، هو مدخليّة العمرة الثانية في صحة حجّه بعنوان التمتع، فان قوله- ع- في الاولى: و ان دخل في غير الشهر دخل محرما.

ظاهر في الحكم الوضعي، كسائر الأوامر و النواهي، الواردة فيما يرتبط بالعبادة الظاهرة في الإرشاد، إلى الجزئية و الشرطيّة و المانعيّة، إلّا فيما قام الدليل على الخلاف، كقيامه على كون التكليف المتعلق بالخروج من مكة بعد قضاء عمرة التمتع، على تقدير الحرمة، تكليفا نفسيّا، لا يرجع الى اعتبار شي ء في حج التمتع، وجودا أو عدما، و امّا في غيره فظاهرها الإرشاد إلى الاعتبار و المدخلية كذلك.

و أظهر من ذلك، بل الصريح فيه قوله- ع- في جواب السؤال عن: ان ايّ الإحرامين و المتعتين متعة الأولى أو الأخيرة: «الأخيرة هي عمرته، و هي المحتبس بها، التي وصلت بحجّته» فإنها صريحة في ان العمرة الثانية تكون جزء لحج التمتع، فيكون الإخلال بها إخلالا بما هو الواجب عليه من حج التمتع،

و احتمال كون المراد من الرواية هي صيرورة العمرة الثانية جزء على تقدير الإتيان بها، و لكنه لا يقدح الإخلال بها و تركه و حينئذ، تحسب الاولى جزء، في غاية الضعف، بل واضح البطلان، فلا ينبغي الارتياب في دلالة الرّواية على الجزئيّة مطلقا، و لزوم الإتيان بالثانية بهذا العنوان. و عليه، فتخرج الاولى عن الارتباط بحج التمتع.

و هكذا قوله- في موثقة إسحاق بن عمار: يرجع الى مكّة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لان لكل شهر عمرة، و هو مرتهن بالحج. ظاهر في الإرشاد إلى مدخلية العمرة، التي يرجع بها الى مكّة، في صحة عمله، خصوصا مع اشتمال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 367

..........

______________________________

التعليل على قوله: و هو مرتهن بالحج.

فبملاحظة الروايتين ينقدح الخلل فيما افاده صاحب الجواهر- قده- في العبارة المتقدمة، لقيام الدليل على فساد العمرة الأولى بمعنى عدم ارتباطها بحج التمتع، و خروجها عن صلاحية الجزئية له، و امّا صيرورتها فاسدة بالمرّة، فلا بد من البحث فيها، و لا ملازمة بين انقطاع ارتباطها بالحج و بين كونها فاسدة بنحو الإطلاق، لاحتمال انقلابها عمرة مفردة، لا فاسدة من رأس.

ثمّ انه بعد صيرورة العمرة الثانية عمرة التمتع و جزء لحجّة، هل تصير العمرة الأولى فاسدة، فلا يترتب عليها أثر، أو تنقلب إلى العمرة المفردة، فيجب الإتيان بطواف النساء لها، لاعتباره فيها، بخلاف عمرة التمتع، التي عرفت استحباب طواف النساء فيها و عدم وجوبه، مضافا الى اختلاف محلّ طواف النساء فيهما، حيث ان محلّه في عمرة التمتع قبل التقصير و في العمرة المفردة بعده؟ فيه وجهان:

قال السيّد- قده- في العروة، بعد حكمه بأن مقتضى حسنة حماد كون عمرة

التمتع هي الأخيرة، فلا يجب فيها طواف النساء: «و هل يجب حينئذ في الأولى أولا؟ وجهان: أقواهما نعم، و الأحوط الإتيان بطواف مردد بين كونه للأولى أو الثانية».

و يرد على حكمه بوجوب طواف النساء في الأولى، أمران:

الأوّل: انه بعد ثبوت حلّية النساء له بالفراغ عن عمرة التمتع و قضائها و تماميّتها، لا يكون هنا موجب لحرمتهنّ عليه حتى يحتاج زوال الحرمة إلى طواف النساء، و لا فرق في هذه الجهة بين الخروج من مكة و عدمه، فإنّه لم يتحقق إحرام أو شبهه مما يؤثر في الحرمة بعد زوالها بتمامية عمرة التمتع، الّا ان يلتزم بأنه نظير الإجازة في باب بيع الفضولي، على الكشف الذي مرجعه الى كاشفيتها عن تحقق النقل و الانتقال من حين البيع، فيقال في المقام: ان مضي الشهر بأيّ معنى- بعد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 368

..........

______________________________

الخروج عن مكة و الإتيان بعمرة التمتع- يكشف عن كونها عمرة مفردة من أوّل الأمر، غاية الأمر، تخيله و اعتقاده أنه عمرة التمتع، و قد أتي بها بهذا العنوان، و ربما اتى النساء بعدها، لأجل هذا الاعتقاد، لكن ظهر له بعد ذلك عدم كونه كذلك، و انه كان من الأوّل عمرة مفردة، فاللازم الإتيان بطواف النساء فيها، لان المفروض عدم الإتيان به فيها.

و لكن الظاهر انه لم يحتمل أحد في المقام ذلك، بل المحتمل هو الانقلاب إلى العمرة المفردة، بعد وقوعها عمرة التمتع حدوثا، نظير انقلاب العمرة المفردة الواقعة في أشهر الحج، عمرة التمتع، لمن بدا له الإقامة في مكّة بعدها، و الإتيان بحج التمتع. و عليه، فلا مجال للحكم بطواف النساء فيها.

الثاني: ان المستفاد من صحيحة حماد و موثقة

إسحاق المتقدمتين، خصوصا الاولى، كون العمرة الأولى فاسدة، لا يترتب عليها أثر أصلا، لا انّها تنقلب إلى العمرة المفردة، فيجب الإتيان بطواف النساء فيها، و الّا كان اللازم تعرض الامام- ع- له، خصوصا مع كون الانقلاب على خلاف القاعدة، لا يصار اليه الّا مع قيام الدليل الظاهر عليه.

و بالجملة: لا ينبغي الارتياب في ان المستفاد من الرواية بطلان العمرة الاولى و فسادها، و عدم ترتب الأثر عليها أصلا، فلا وجه لوجوب طواف النساء فيها.

ثم الظاهر ان جعل السيد- قده- مقتضى الاحتياط ما ذكره، يكون منشأه كون رواية الحلبي حسنة عنده، باعتبار إبراهيم بن هاشم، الواقع في سندها، مع ان الرواية صحيحة، كما مرّ مرارا. و عليه، لا يبقى مجال للاحتياط المذكور بعد صراحة الرواية الصحيحة بكون العمرة الثانية هي عمرة حجه، و لا يعتبر طواف النساء فيها، كما تقدّم. هذا تمام الكلام في الفرع المتقدم، الذي لم يتعرض له في المتن.

و ينبغي التنبيه في أصل المسألة، و هو الخروج عن مكة لمن قضى متعته، على أمور:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 369

..........

______________________________

الأوّل: ان الحكم بعدم جواز الخروج- على تقديره- انّما يكون مقيّدا بصورة عدم الحاجة، و امّا معها فلا مانع من الخروج أصلا، و الظاهر انّ المراد من الحاجة ما هو أوسع من الضرورة، و ذلك لان المتفاهم من عنوانها- الواقع في جملة من الروايات المتقدمة- ما هو معناها عند العرف، و من الواضح: ان الحاجة العرفية أوسع من الضرورة المبيحة للمحرمات، بمقتضى حديث الرفع، المشتمل على رفع ما اضطروا اليه. و يدل على ذلك رواية موسى بن القاسم، المشتملة على حكاية السؤال عن وجود ضياع للسائل حول مكة، و

هو يحتاج الى الخروج إليها، و من المعلوم ان الحاجة المذكورة لا تبلغ حد الاضطرار.

و امّا ترك الإحرام للحج من مكة، على تقدير الحاجة الى الخروج، و القول بوجوب الإحرام في هذا الحال، فلا يسوّغه مجرد الحاجة غير البالغة حد الاضطرار، و ذلك لظهور الأدلة على هذا القول في الوجوب من دون تعليق له على شي ء، و لا ملازمة بين الأمرين: الخروج و ترك الإحرام. فإذا كان المسوغ للأوّل مجرد الحاجة، فلا يستلزم ان يكون المجوز للثاني أيضا ذلك بعد عدم وجود التعليق و التقييد- بالإضافة الى هذه الجهة- في شي ء من الروايات، بل الرافع لهذا الوجوب و المسوغ للترك هو قاعدة الحرج، الحاكمة على جميع الأدلة المتضمنة للتكاليف، أو عدم الإمكان رأسا.

نعم، ربما يتوهم ان السؤال في موثقة إسحاق المتقدمة يشعر، بل يدل على ان الملاك في جواز ترك الإحرام- أيضا- مجرد الحاجة، و هو قوله: سألت أبا الحسن- ع- عن المتمتع، يجي ء فيقضي متعة، ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة و الى ذات عرق أو إلى بعض المعادن. فإنه ظاهر في كون الخروج مع الحاجة و من دون إحرام، فيدل على ان وجود الحاجة مسوغ لكلا الأمرين.

و لكنه يرد عليه: ان محط نظر السائل هو السؤال عن حكم الرجوع الى مكّة،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 370

..........

______________________________

و انه هل يرجع بعمرة أم لا، و لا نظر له الى ان المسوغ لترك الإحرام، ما ذا؟ كما لا يخفى. فانقدح: ان الخروج و ترك الإحرام مختلفان، و ان مجرد الحاجة- بمعناها العام- يسوغ الأوّل، و لا يسوغ الثاني الا الحرج و مثله.

الثاني: قال السيد- قده- في العروة أيضا: «الظاهر

اختصاص المنع على القول به بالخروج الى المواضع البعيدة، فلا بأس بالخروج الى فرسخ أو فرسخين، بل يمكن ان يقال باختصاصه بالخروج الى خارج الحرم، و ان كان الأحوط خلافه».

أقول: في هذه الجهة احتمالات، بل أقوال أربعة:

أحدها: ما استظهره السيد- قده- من الاختصاص بالخروج الى المواضع البعيدة، و لم يعرف منشأ لهذا الاستظهار الّا دعوى الانصراف الى الخروج الى المواضع البعيدة، خصوصا مع التعرض في بعض الأسئلة في الروايات المتقدمة للخروج إلى المدينة أو الى ذات عرق، أو الى مثلهما من المواضع البعيدة.

و من الظاهر بطلان دعوى الانصراف المزبورة، و السؤال لا يدل على الاختصاص، فهذا القول لا وجه له أصلا.

ثانيها: ما احتمله- قده- من الاختصاص بالخروج الى خارج الحرم، و يظهر ذلك من تقييد جماعة المنع عن الخروج، بما إذا احتاج الى تجديد العمرة، فإنه انّما هو في صورة الخروج عن الحرم، و لذا فسر كاشف اللثام عبارة القواعد: «فلا يجوز له الخروج من مكة الى حيث يفتقر الى تجديد عمرة قبله» بان يخرج من الحرم محلا غير محرم بالحج، و لا يعود الا بعد شهر.

و يرد عليه: مضافا الى ان ذلك خلاف ظاهر الروايات المانعة، فإن مقتضاها هو المنع عن الخروج عن مكة، كما في صحيحة زرارة المتقدمة و مثلها، و من المعلوم اختلاف العنوانين، بل في هذه الأزمنة التي قد توسعت مكّة توسّعا عظيما، تكون النسبة بينهما عموما و خصوصا، من وجه ان حرمة دخول مكة بدون إحرام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 371

..........

______________________________

لا تختص بمن حرج عن الحرم، بل تشمل الخارج عن مكّة، و ان لم يخرج عن الحرم.

ثالثها: ما حكي عن المحقق النائيني- قده-

في التعليقة على العروة و في المناسك، من التحديد بالمسافة الشرعيّة، و انه يجوز الخروج الى ما دونها. و استدلّ له بان مقدار الحرم مختلف من جهاته، فلا يصحّ التقدير به، و لا يطرد في جميع جوانبه، مع انه ورد كلمة «الخروج» في بعض الروايات و أريد بها المسافة الشرعية، و هي صحيحة أبي ولّاد، الواردة في المقيم عشرة أيام إذا عدل عن الإقامة بعد الصلاة تماما، الدالة على انه يتمّ الى ان يخرج. «1»

و يرد عليه: ان اختلاف مقدار الحرم من جهاته لا يقتضي نفي كونه حدّا للخروج الممنوع، لعدم استلزامه لذلك بوجه، مضافا الى ان نفي كون الحرم حدّا لا يوجب كون الحدّ هي المسافة الشرعية خصوصا مع ما عرفت من ظهور الروايات المانعة في كون الممنوع هو الخروج عن مكة.

و امّا الرواية: فكون الخروج فيها عبارة عن الخروج إلى المسافة الشرعيّة، انّما هو لقيام القرينة عليه، و هي ورودها في المسافر و المقيم، و تقوم السّفر بالمسافة، و كون الإقامة رافعة له و قاطعة لعنوانه، فلا دلالة لها على كون عنوان الخروج في جميع الموارد يراد به ذلك، كما هو ظاهر.

رابعها: كون المراد: مجرد الخروج عن مكّة و ما يصدق عليه عنوانها، و هو الظاهر من الروايات المانعة، سيّما مثل صحيحة زرارة المتقدّمة، و هذا العنوان يصدق:

و ان لم يخرج عن الحرم و لم يبلغ المسافة الشرعية و لا المواضع البعيدة، فيشمل الخروج الى فرسخ، بل أقل منه، و هذا هو الأقوى.

______________________________

(1) وسائل أبواب صلاة المسافر الباب الثامن عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 372

..........

______________________________

الثالث: ذكر السيد- قدّه- أيضا: ان الظاهر انه لا فرق في

المسألة بين الحج الواجب و المستحب، فلو نوى التمتع مستحبّا ثم اتى بعمرته يكون مرتهنا بالحج، و يكون حاله في الخروج محرما أو محلا و الدخول كذلك، كالحج الواجب.

أقول: الظاهر ان الحكم بالإضافة إلى أصل الخروج يكون كذلك، لان الشروع في الحج و العمرة، و لو كان مستحبّا، يوجب الارتهان بالإتمام و لزوم الإكمال، فكما انه في الحج الواجب يجب على من قضى عمرته الإتيان بالحج بعدها، و لا يجوز الترك و رفع اليد، كذلك في الحج المستحب، و امّا بالإضافة إلى الرجوع، فمقتضى ما ذكرنا، من: ان العمرة الاولى تصير فاسدة بالخروج عن مكة و مضي شهر من الخروج، و ان العمرة الثانية تقع جزء لحج التمتع و عمرة له، عدم وجوب الرجوع عليه بعمرة ثانية إلى مكّة، لأن المفروض ان الحج مستحب، و العمرة المأتي بها صارت فاسدة، فلا يجب عليه الشروع في الحج، بخلاف ما إذا كان الحج واجبا، فان لازمة وجوب الرجوع بعمرة جديدة، فيفترقان في هذه الجهة، على ما ذكرنا. كما انه لو قلنا بعدم بطلان الاولى و انقلابها إلى العمرة المفردة، و لازمة الإتيان بطواف النساء فيها، يكون مقتضاه مجرد الإتيان به فقط، لا الشروع في الحج ثانيا و إتمامه.

و بالجملة: يرد على السيد: انه مع حكمه بمقتضى رواية حماد، و ان العمرة الثانية هي عمرة التمتع، كيف استظهر عدم الفرق بين الواجب و المستحب في جميع الاحكام، خروجا و دخولا؟! الرّابع: قال السيد- قده- في العروة أيضا: «الظاهر انه لا إشكال في جواز الخروج في أثناء عمرة التمتع، قبل الإحلال منها».

أقول: الظاهر انه لم يقع التعرض لهذا الفرض في كلمات الأصحاب، حتى تعرف الفتاوى و الآراء، كما ان

الظاهر ان منشأ ما ذكره السيد ورود أكثر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 373

..........

______________________________

الروايات المانعة فيمن قضى متعته و فرغ من عمرة التمتع، مثل صحيحة زرارة المتقدمة و رواية إسحاق بن عمار و غيرهما، و لكنه ربما يقال: انه يستفاد من بعض صحاح تلك الروايات: ان موضوع المنع هو الدخول في مكة متمتعا. و هو شامل لهذا الفرض أيضا، مثل قوله- ع- في صحيحة حماد بن عيسى المتقدمة: من دخل مكة متمتّعا في أشهر الحج. لم يكن له ان يخرج حتى يقضي الحج «1»، فان مقتضى إطلاقه عدم الجواز بمجرد الدخول في مكّة محرما بإحرام عمرة التمتع.

هذا، و لكن مقتضى تفريع قوله: فان عرضت له حاجة الى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق، خرج محرما و دخل ملبيا بالحج. الاختصاص بصورة الإحلال عن إحرام التمتع، فان قوله: خرج محرما. و ان كان يمكن دعوى شموله في نفسه، لإحرام العمرة و لإحرام الحج، الّا ان قوله: دخل ملبيا بالحج. قرينة على الاختصاص بإحرام الحج. و عليه، فيكون مورد التفريع خصوص بعد الفراغ عن العمرة، فامّا ان يلتزم حينئذ بكون التفريع متعرضا لحكم احدى صورتي المسألة، و هو خلاف الظاهر جدّا، و امّا ان يلتزم بكونه قرينة على اختصاص موضوع المنع في صدر الرواية، بالذي قضى متعته و أحلّ من إحرامها، و هو الظاهر.

و مثل صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن الرجل يتمتع بالعمرة إلى الحج، يريد الخروج إلى الطائف. قال: يهلّ بالحج من مكّة، و ما أحبّ ان يخرج منها الّا محرما، و لا يتجاوز الطائف، انّها قريبة من مكّة. «2» نظرا إلى ان قوله:

يتمتع.

بصورة المضارع، يدل على الاشتغال بالعمل في الحال، فيكون الموضوع صورة الاشتغال و عدم الفراغ، و قد مرّ البحث في قوله: و ما أحبّ.

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني و العشرون ح- 6.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني و العشرون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 374

..........

______________________________

و يرد عليه: انه لا مناسبة بين السؤال عن حكم المتمتع في أثناء العمرة، مع كونه محرما باحرامها، و بين الحكم بلزوم الإحرام للحج، عند ارادة الخروج.

فالجواب بلزوم الإهلال بالحج، قرينة على كون مورد السؤال هي صورة الإحلال و الخروج عن عمرة التمتع، خصوصا ان قوله: ما أحبّ ان يخرج الّا محرما. يجتمع في نفسه مع الخروج مع إحرام عمرة التمتع، التي لم يفرغ منها بعد، فلا مجال للحكم حينئذ بتعين الإهلال بالحج من مكة فالإنصاف: ان الجواب قرينة على اختصاص مورد السؤال بصورة الفراغ.

كما ان الانصاف: انه لو لم تكن مرسلة الصدوق المتقدمة- المعتبرة عندنا- مشتملة على قرينة في الذيل، لكانت دلالة صدرها على عموم المنع في مورده أقوى من الصحيحتين، فان قوله- ع- فيها: إذا أراد المتمتع الخروج من مكّة الى بعض المواضع، فليس له ذلك. يشمل كلا الفرضين، لكن قوله- ع- في الذيل: و ان علم و عاد في الشهر الذي خرج، دخل مكّة محلا. قرينة على عدم الشمول، فان الخارج في أثناء العمرة لا يدخل مكّة محلا، بل يدخل مع ذلك الإحرام، الذي لم يخرج منه بعد.

هذا، و لكن الذي يقوّي المنع في الأثناء التعليل الواقع في كثير من الروايات: بأنه مرتبط بالحج أو مرتهن به، أو مثلهما من التعبيرات. فان هذه العلة لا تختص بخصوص من

قضى متعته و فرغ منها، بل يشمل الأثناء أيضا. و من الواضح: ان ظهور التعليل في سعة دائرة الحكم و ضيقها أقوى من ظهور التفريع.

نعم، لا مجال للتمسك بالأولوية، فإنها لو لم تكن قطعية لم يقم دليل على حجيّتها، كما لا يخفى.

و قد انقدح مما ذكرنا: انه على تقدير القول بالمنع بعد الفراغ، فالأحوط لو لم يكن أقوى، القول به في الأثناء أيضا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 375

[مسألة 3 وقت الإحرام للحج موسّع]

مسألة 3- وقت الإحرام للحج موسّع، فيجوز التأخير إلى وقت يدرك وقوف الاختياري من عرفة، و لا يجوز التأخير عنه، و يستحب الإحرام يوم التروية بل هو أحوط. (1)

[مسألة 4 لو نسي الإحرام و خرج الى عرفات وجب الرجوع للإحرام من مكّة]

مسألة: 4- لو نسي الإحرام و خرج الى عرفات وجب الرجوع للإحرام من مكّة، و لو لم يتمكن لضيق وقت أو عذر أحرم من موضعه، و لو لم يتذكر الى تمام الاعمال صحّ حجّه، و الجاهل بالحكم في حكم الناسي، و لو تعمد ترك الإحرام إلى زمان فوت الوقوف بعرفة و مشعر بطل حجّه. (2)

______________________________

(1) لا إشكال في ان وقت الإحرام لحج التمتع موسع، يجوز فعله بعد الفراغ عن عمرة التمتع، و الإحلال من إحرامها بلا فصل، و ان وقعت في أوائل شهر شوال، الذي هو الشهر الأوّل من أشهر الحجّ. غاية الأمر، انه يبقى على إحرامه الى ان يقضي الحج و يأتي بمناسكه، هذا بالإضافة إلى الشروع، و امّا بالإضافة إلى التأخير: فيجوز تأخيره إلى وقت يدرك وقوف الاختياري من عرفة، الذي هو أوّل أعمال الحج بعد الإحرام، و ذكر في المتن: انه يستحب الإحرام يوم التروية.

و الفرض عدم التأخير عنه لا عدم التقديم عليه، بل جعله مقتضى الاحتياط، و منشأه ما سيأتي في المسألة الخامسة، من الاختلاف في حدّ الضيق، نصّا و فتوى، و دلالة بعض النصوص على ان حدّه زوال يوم التروية، و بعضها على انه غروب يومها، و قد افتى بعض الأصحاب على طبقهما، و لكن الاحتياط استحبابي. و عليه، يجوز الإحرام قبل زوال اليوم التاسع إذا أدرك الوقوف المذكور، كما هو الميسور في هذه الأزمنة، التي تكون الوسائل النقلية السريعة شائعة كثيرة.

(2) في هذه المسألة فروع:

الفرع الأوّل: ما لو نسي الإحرام

لحج التمتع من مكّة. و فيه صور:

الاولى: ما إذا تذكر بعد ما خرج الى عرفات، سواء تذكر في الطريق أو تذكر و هو بعرفات، و أمكن له الرجوع الى مكّة و الإحرام منها و الرجوع الى عرفات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 376

..........

______________________________

و درك وقوفها. و الظاهر انه لا اشكال، بمقتضى ما دلّ على لزوم كون إحرام حج التمتع من مكّة، في لزوم الرجوع الى مكّة للإحرام منها، و لا مجال لتوهم كفاية الإحرام من موضعه في هذه الصورة و سيأتي: ان النص الوارد في المقام لا يشمل هذه الصّورة.

الثانية: الصورة المتقدمة، مع عدم التمكن من الرجوع الى مكة لضيق أو عذر:

و اللازم عليه الإحرام من موضعه، و يدل عليه صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السلام- قال: سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج، فذكر و هو بعرفات، ما حاله؟ قال: يقول: اللّٰهم على كتابك و سنّة نبيّك، فقد تمّ إحرامه، فإن جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده، ان كان قضى مناسكه كلّها فقد تمّ حجّه. «1»

و الظاهر ان مورد السؤال، هذه الصورة فقط، و لا يشمل الصورة الأولى، لأن المتفاهم العرفي منه صورة عدم التمكن، خصوصا مع ملاحظة زمان صدور الرواية، الذي لا يمكن الرجوع من عرفات إلى مكة و الإحرام بها ثم الرجوع إليها و درك الوقوف بها، لكون الوسائل النقلية غير سريعة، كما ان الظاهر ان المراد من الجواب تحقق الإحرام، الذي هو مركّب من النية و التلبية، بالأولى، المفروض تحققها، و القول المذكور مكان التلبية المعروفة، لأنّها تقطع زوال يوم عرفة، كما سيأتي ان شاء اللّٰه تعالى.

الثالثة:

صورة النسيان و عدم التذكر إلى أخر الأعمال: و مقتضى الصحيحة الصّحة، و تمامية الحج، فان التعبير في الذيل الدال على هذا المعنى، و ان كان بالجهل، الّا ان العدول عن التعبير بالنسيان، الوارد في كلام السائل بالتعبير

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 377

[مسألة 5 لا يجوز لمن وظيفته التمتع ان يعدل الى غيره]

مسألة 5- لا يجوز لمن وظيفته التمتع ان يعدل الى غيره من القسمين الأخيرين اختيارا، نعم، لو ضاق وقته عن إتمام العمرة و إدراك الحج جاز له نقل النية الى الافراد و يأتي بالعمرة بعد الحج، و حدّ ضيق الوقت خوف فوات الاختياري من وقوف عرفة على الأصحّ، و الظاهر عموم الحكم بالنسبة إلى الحج المندوب، فلو نوى التمتع ندبا و ضاق وقته عن إتمام العمرة و إدراك الحج جاز له العدول الى الافراد، و الأقوى عدم وجوب العمرة عليه. (1)

______________________________

بالجهل، مع فرض اختلاف المسألتين و عدم ورودهما في مورد واحد، دليل على ان المراد بكل منهما هو مطلق العذر، فيشمل النسيان للجهل كالعكس.

و من حكم هذه الصورة يعرف حكم ما لو تذكر بعد الوقوف أو بعد المشعر، فان مقتضى الرواية صحة ما وقع بغير إحرام بطريق اولى، كما لا يخفى.

الفرع الثاني: الجاهل: و قد ظهر ان حكمه حكم الناسي في جميع الصور الثلاثة- المتقدمة، بمقتضى ما استفيد من الصحيحة على ما مرّ أنفا.

الفرع الثالث: ما لو تعمد ترك الإحرام من مكّة إلى زمان فوت الوقوف بعرفة و مشعر، سواء أحرم من مكان أخر أو لم يحرم أصلا: و مقتضى القاعدة بطلان حجّه، بل لو أحرم من غير مكّة و دخلها بإحرام، لا يكفي في الصحة، بل

اللازم الاستيناف مع الإمكان، و مع عدمه يبطل حجّه.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في ضمن أمور:

الأمر الأوّل: انه لا يجوز لمن عليه: حج التمتع بنحو التعين ان يعدل الى غيره، من القران أو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 378

..........

______________________________

الافراد في صورة الاختيار، و عدم ضيق الوقت.

و الوجه في عدم الجواز: أوّلا: ان العدول مناف لما هو المفروض عليه بنحو التعين من حج التمتع، لاختلاف أنواع الحج، فالعدول يغاير ما هو الوظيفة و التكليف، فلا مجال له.

و ثانيا: ان العدول في جميع موارده أمر على خلاف القاعدة، لأنّ مرجعه الى تغيير ما وقع عما وقع عليه من العنوان المقصود، و هو و ان كان ممكنا في الأمور الاعتبارية، مثل العبادات و المعاملات، دون الأمور التكوينية، لاستحالة تغيير الشي ء عمّا وقع عليه، الّا انه يفتقر الى قيام الدليل، كقيامه في باب الصلاة في مثل من شرع في الصلاة بنية العصر باعتقاد انه صلى الظهر، ثم تبيّن له في الأثناء انه لم يأت بالظهر بعد، فإنه يعدل بالنية إلى الظهر، و يوجب العدول صيرورة المجموع صلاة الظهر، و كقيامه في المقام في صورة ضيق الوقت، و امّا مع الاختيار و عدم الضيق، فلم يقم دليل عليه، فلا يجوز العدول في هذه الصورة.

الأمر الثاني: انه مع ضيق الوقت عن إتمام العمرة و إدراك الحج يجوز نقل النية الى الافراد و العدول اليه، و الإتيان بالعمرة بعد الحج. و في الجواهر: بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه. و يدل عليه الروايات المستفيضة، و قد عقد في الوسائل بابا لذلك، فلا مجال للإشكال في أصل الحكم.

الأمر الثالث: وقع الاختلاف الشديد نصّا و فتوى

في حدّ الضيق المجوز للعدول، و قد حكى في الجواهر أقوالا، و تبعه السيد في العروة، بل حكى بعض ما لم ينقل فيها:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 379

..........

______________________________

1- خوف فوات الاختياري من وقوف عرفة: و هو مختار المتن، و ربما يستظهر من الدروس، حيث حكى عنه، انه قال: «و في صحيح زرارة اشتراط اختياريها، و هو أقوى» و عن المدارك انه استقر به العلامة في المختلف أيضا.

2- خوف فوات الرّكن من الوقوف الاختياري، و هو المسمّى منه، و في الجواهر بعد حكايته عن القواعد و الحلبيين و ابني إدريس و سعيد، نظرا الى التعبير: بأنه يحصل التمتع بإدراك مناسك العمرة و تجديد إحرام الحج، و ان كان بعد زوال الشمس يوم عرفة، إذا علم إدراك الوقوف بها، قال: «و لعلّه اليه يرجع ما عن المبسوط و النهاية و الوسيلة و المهذب، من الفوات بزوال الشمس من يوم عرفة قبل إتمام العمرة، بناء على تعذر الوصول غالبا الى عرفة بعد هذا الوقت، لمضي الناس عنه، لا ان المراد: حتى إذا تمكن و أدرك مسمى الوقوف بعد الزوال».

3- فوات الاضطراري من عرفة حكي عن ظاهر ابن إدريس، و محتمل أبي الصّلاح.

4- حدّ فوات السّعة زوال الشمس من يوم التروية: حكي عن علي بن بابويه والد الصدوق، و عن المفيد- قد هما.

5- غروب يوم التروية: حكي عن الصدوق و المفيد، في المقنع و المقنعة.

6- زوال يوم عرفة: حكي عن الشيخ و عن الإسكافي و غيرهما، و في محكي المستند: «و اختاره في المدارك و الذخيرة و كشف اللثام».

7- التخيير بعد زوال يوم التروية بين العدول و الإتمام إذا لم يخف الفوت:

و استظهره

في الجواهر عن بعض متأخري المتأخرين، نظرا إلى انّه مقتضى الجمع بين النصوص.

و قد عرفت: انّ منشأ الاختلاف، اختلاف الروايات الواردة في الباب، المختلفة أشدّ الاختلاف.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 380

..........

______________________________

فطائفة منها، تدلّ على: ان المعيار هو خوف فوات الوقوف بعرفات:

و قد عدّ منها في الجواهر و العروة رواية يعقوب بن شعيب الميثمي، بل لم يذكر في العروة في أوّل البحث غيرها، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه- ع- يقول: لا بأس للمتمتع ان لم يحرم من ليلة التروية، متى ما تيسر له، ما لم يخف فوت الموقفين. «1»

و الرواية منقولة في الوسائل بهذه الكيفية، لكن في العروة- تبعا للجواهر- و في نسخة لا بأس للمتمتع ان يحرم ليلة عرفة، مكان «ان لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسّر له» و في حاشية الوسائل حكى عن التهذيب: ان يحرم مكان «ان لم يحرم» و هو يناسب مع كلمة «من» الظاهرة في الشروع، فإنها لا يناسب النفي، كما لا يخفى.

و قد نوقش في الرواية من حيث السند: باعتبار اشتماله على إسماعيل بن مرار، و هو لم يوثق في كتب الرجال، و لكن المناقشة مندفعة بكون الرجل من رجال تفسير علي بن إبراهيم القمي، الذي وثق جميع رواة كتابه بالتوثيق العام، و هو حجة، مع عدم المعارضة بالتضعيف من مثل الشيخ و النجاشي و غيرهما.

و امّا من جهة الدلالة: فقد أورد على الاستدلال بها للمقام: بان موردها هو المتمتع، الذي قضى متعته و فرغ عن عمرته. و الكلام في المتمتع الذي ضاق له الوقت عن إتمام العمرة، و ان المعيار في الضيق المجوز للعدول الى حج الإفراد- بالإضافة إليه- ما ذا؟

و لا ملازمة بين الأمرين، فإنه يمكن ثبوت التوسعة بالنسبة الى من لم يتمّ العمرة، بخلاف من فرغ منها و أتمّها و لم يحرم بعد للحج، فدلالة الرواية على تحقق الضيق في الأوّل، بخوف فوت الواجب من وقوف عرفة، و هو من الزوال الى الغروب، لا تستلزم الدلالة على ان الملاك في الضيق في المقام

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب العشرون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 381

..........

______________________________

أيضا ذلك، فيمكن ان يكون العبرة فيه بخوف فوت الركن من الوقوف، كما لا يخفى.

ثم انه مع قطع النظر عن ذلك، لا ينبغي الارتياب في ان المراد هو: خوف فوات الاختياري من عرفة، بجميع وقته لا خصوص الركن. كما انه لا مجال لتوهم كون المراد من قوله: ما لم يخف فوت الموقفين، هو خوف فوت المجموع، بحيث لو خاف فوت أحدهما فقط لم يكن يتحقق الضيق، لان الظاهر كما هو المتفاهم عند العرف، ان المراد: عدم خوف فوت شي ء من الموقفين.

و من هذه الطائفة: رواية محمد بن مسرور، قال: كتبت الى أبي الحسن الثالث- عليه السلام-: ما تقول في رجل متمتع بالعمرة إلى الحج وافى غداة عرفة، و خرج الناس من منى الى عرفات، أعمرته قائمة أو قد ذهبت منه، الى ايّ وقت عمرته قائمة إذا كان متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يواف يوم التروية، و لا ليلة التروية، فكيف يصنع؟ فوقّع- عليه السلام- ساعة يدخل مكّة ان شاء اللّٰه، يطوف و يصلي ركعتين و يسعى و يقصر و يحرم بحجّته، و يمضي إلى الموقف و يفيض مع الامام. «1»

و الرواية قد نقلها في الوسائل عن محمد بن مسرور، و هو

بهذا العنوان غير موجود في كتب الرجال، و في محكي جامع الرواة: ان في التهذيب محمد بن سرد في نسخة و سرو في نسخة أخر، و لم يرد فيهما توثيق.

و لكن روى الحديث صاحب «منتقى الجمان في أحاديث الصحاح و الحسان»، عن محمد بن مسرور و ذكر انه: هو محمد بن جزّك (بتشديد الزاي) الذي هو من أصحاب الهادي- ع-، و ثقة على ما عن رجال الشيخ و الخلاصة، و ذكر: ان الغلط

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب العشرون ح- 16.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 382

..........

______________________________

وقع في اسم أبيه من الناسخين. و في الجواهر: «و في خبر محمد بن سرو أو جزك، قال: ..».

و أورد على صاحب المنتقى: بان ما ذكره مجرد تخمين و ظن، و لا شاهد له، و مجرد رواية عبد اللّٰه بن جعفر عن محمد بن جزك لا يكون شاهدا على كونه هو محمد بن مسرور راوي الحديث.

و لكن الظاهر عدم شهادة في كلامه على التخمين و الظن، بل هو ظاهر في الشهادة بذلك، و ان الراوي هو محمد بن مسرور و هو متحد مع محمد بن جزّك.

و امّا من جهة الدّلالة: فكون مورد الرواية ما هو المفروض في المقام، مما لا شبهة فيه، انما الكلام في بيان المراد من قوله- ع-: يمضي إلى الموقف و يفيض مع الامام.

و الظاهر ان المراد هو كفاية درك مسمّى الوقوف، الذي هو الركن، من واجبه، لا لزوم درك الوقوف الواجب بجميع اجزائه، و يدل عليه- مضافا الى ان إتمام العمرة غداة يوم عرفة- بالطواف و الصلاة و السعي و التقصير، ثم الإحرام للحج و المضي الى عرفات، مع

كون المسافة بينه و بين مكة ما يقرب من أربعة فراسخ، لا يكاد يجتمع مع درك الوقوف من أول الزوال كما هو ظاهر، مع ملاحظة الوسائل الموجودة في تلك الأزمنة، ان قوله- ع-: و يفيض مع الامام. و ان كان مذكورا بصورة العطف بالواو، الّا ان التعرض له بعد الوقوف بعرفة لا اثر له لو كان المراد هو الوقوف في جميع الاجزاء من الزوال الى الغروب، فلا بد ان يقال: انّ المراد من التعرض له هو جعله غاية للوقوف، و مرجعه إلى انه يدرك الوقوف ليفيض مع الإمام إلى المشعر، فتدل الرواية على انّ المعيار في الضيق هو خوف فوت الركن، من الوقوف بعرفة، و هو المسمّى.

و منها: صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: المتمتع له

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 383

..........

______________________________

المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، و له الحج الى زوال الشمس من يوم النحر. «1»

و هي ظاهرة في: ان المتمتع الذي شرع في عمرة التمتع و لم يفرغ منها بعد، له إتمام عمرته الى زوال الشمس من يوم عرفة، مع كونه بمكّة. و من الواضح: ان لازم ذلك عدم درك الموقف من أوّل الزوال الى الغروب، لان كونه حال الإتمام في مكّة و مقارنا مع الزّوال، لا يجتمع مع كونه في عرفات من أوّل الزوال، خصوصا في تلك الأزمنة التي كانت خالية عن الوسائل الموجودة المستحدثة، و ان كان في هذا الزمان أيضا غير ممكن، لانه لا فرق فيما ذكرنا بين سرعة الوصول و بطئه، كما لا يخفى.

فالرواية ظاهرة في ان مجرد درك المسمّى و زمان ما من الوقوف، يمنع عن

تحقق الضيق المانع عن الإتمام، و المجوز للعدول الى حج الافراد.

و امّا دعوى كون الصحيحة نصّا، فيما ذكرنا، كما حكي عن صاحب المدارك، و تبعه بعض الاعلام. فيدفعها منع ذلك، فإن الرواية و ان كانت ظاهرة فيما ذكرنا، الّا انه يجري فيها احتمالان أخران أيضا، و ان كانا على خلاف الظاهر.

الأوّل: ان يكون المراد من الغاية، و هي زوال الشمس من يوم عرفة، هو كونه في هذا الزمان في عرفات، بمعنى ان غاية الإتمام هو الزمان الذي يمكن ان يكون فيه كسائر الناس في عرفات، و هو زوال الشمس من اليوم المذكور، فالغاية هو الزوال، لكن لا في مكّة، بل في عرفات، و لازمة ان اللازم درك الموقف من أوّل الزوال، و مع عدم دركه يتحقق الضيق لا المسمى، كما استظهرناه.

الثاني: ان مقتضى ما استظهرناه عدم كون زوال الشمس بعنوانه موضوعا

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب العشرون ح- 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 384

..........

______________________________

غاية، بل المعيار و الملاك هو درك المسمى من الوقوف، مع انه يحتمل ان يكون الزوال بعنوانه له موضوعية و مدخلية في التحديد، فلو فرض انه عند الزوال في أثناء العمرة، و لكن إذا أتمّها بعد الزوال يمكن له درك مسمّى الوقوف، يمكن ان يقال بدلالة الرواية على عدم جواز الإتمام، لأن الغاية هي الزوال بعنوانه، فلا وجه مع وجود هذين الاحتمالين لدعوى النصوصية المذكورة.

و امّا ذيل الرواية، الذي هو مرتبط بالحج، فسيأتي البحث فيه ان شاء اللّٰه تعالى، و ان كان يجري فيه عاجلا احتمالان:

أحدهما: ان يكون المراد من زوال الشمس من يوم النحر هو الفراغ عن إعماله، الذي يستوعب هذا المقدار من الزمان

نوعا، لانه بالحلق أو التقصير يتحلل من كل شي ء عدا النساء و الصيد و الطيب، و حلية الاولى متوقفة على طواف النساء، و هو خارج عن الحج، و حلية الثاني غير معلومة، لاحتمال كون حرمته من احكام الحرم لا الإحرام، فيبقى الطيب، الذي يتوقف حليته على الطواف، و يمكن إيجاده. قبل الزوال، فتدبر.

ثانيهما: ان يكون المراد هو اضطراري المشعر، و على ايّ حال فلا يكون الذيل قرينة على المراد من الصدر أصلا، كما لا يخفى.

و منها: الصحيحة التي رواها الشيخ بإسناده عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل أهلّ بالحج و العمرة جميعا، ثم قدم مكّة و الناس بعرفات، فخشي ان هو طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف، قال: يدع العمرة فإذا أتمّ حجّه صنع، كما صنعت عائشة، و لا هدي عليه. «1»

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الحادي و العشرون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 385

..........

______________________________

و دلالتها على ان المناط في الضيق الموجب لرفع اليد عن العمرة، و جعل الإحرام للحج و إتمامه، هو خوف فوات الموقف بعرفات واضحة لا شبهة فيها، لكن البحث انّما هو في ان المراد بالوقوف، الذي يخاف فوته، هل هو الوقوف من زوال الشمس الى الغروب، الذي لا إشكال في وجوبه في الحج، و ان لم يكن الركن منه الّا مسمّاه لا المجموع، أو الوقوف، الذي هو جزء للحج و ركن له، و هو المسمّى المتحقق بالوقوف لحظة من ذلك الزمان، فان الركن في باب الحج يغاير الركن في مثل الصلاة، فإن الركنية هنا مساوقة للجزئية و الشرطية،

و هناك أخص منهما، لأنّ مرجع الركنية في المقام الى كون الإخلال العمدي بالركن موجبا للبطلان دون غيره. و عليه، فما لا يكون الإخلال العمدي بالإضافة إليه موجبا للبطلان، لا يكون جزء و لا شرطا، لعدم اجتماع العنوانين مع الصحة في صورة الإخلال العمدي. و عليه، فالوقوف في مجموع ذلك الزمان يكون واجبا في الحج و ان لم يكن جزء له، و هذا مثل طواف النساء، فإنه لا شبهة في وجوبه في الحج، لا لأجل ترتب حلية النساء عليه فقط حتى يجوز تركه، بالإضافة الى من لا يريد التزويج أصلا، بل هو واجب في الحج، لا بد من الإتيان به، و ان لم يكن الإخلال به عمدا موجبا لبطلانه.

و كيف كان، فالإشكال في المراد من الرواية، من جهة: ان الوقوف بعرفات، الذي يخاف فوته، هل هو الوقوف الواجب، و هو الوقوف في مجموع الزمان المذكور، أو خصوص الركن، الذي هو المسمّى من ذلك الزمان، الذي هو جزء له؟

و منشأ الاشكال ان مراد السائل من قوله: «و الناس بعرفات» هل هو كون الناس بعرفات مشتغلين بأداء الواجب في الحج، و هو الوقوف الذي مبدئه الزوال؟ و عليه، فمرجع السؤال الى ان قدوم مكّة كان مقارنا لاشتغال الناس

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 386

..........

______________________________

بأداء ما وجب عليهم من الوقوف. فاللازم حينئذ ان يقال: بان المراد من الوقوف الذي يخشى فوته، هو الوقوف الركني، لعدم اجتماع القدوم الكذائي مع خوف فوت الوقوف من أول الزوال، لان المفروض: ان قدومه كان مقارنا للزوال أو بعده.

أو انّ مراد السائل، من كون الناس بعرفات. ما هو المتعارف بينهم، حيث ان المتعارف الإحرام للحج يوم التروية،

و الحركة إلى منى للبيتوتة فيها ليلة عرفة، التي هي مستحبة، و الحركة من منى الى عرفات أوّل نهار يوم عرفة. و عليه، فاجتماع الناس بعرفات انما يتحقق قبل الزوال بساعتين أو ساعات متعددة، و حينئذ فيجتمع القدوم بمكة في هذا الزمان، مع خوف فوات الوقوف من أوّل الزّوال.

هذا، و لكن الظاهر هو الاحتمال الأوّل، لأن المراد من الخشية المذكورة في السؤال هي الخشية فيما يرتبط، بالحج صحة و بطلانا، لا فيما يكون واجبا مستقلا، و ان لم يكن الإخلال العمدي به موجبا للبطلان، فالرواية انّما هي من أدلة القول الثاني من الأقوال المذكورة في صدر المسألة.

و منها: مرفوعة سهل بن زياد، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في متمتع دخل يوم عرفة، قال: متعته تامة الى ان يقطع التلبية. «1»

و المراد بالدخول يوم عرفة هو الدخول بمكّة، كما ان قطع التلبية في إحرام الحج انما يكون وقته زوال الشمس يوم عرفة، لكن يجري في هذه الرواية أيضا الاحتمالان المتقدمان في الرواية السّابقة، فإنه يمكن ان يكون المراد: ان غاية تمامية المتعة قطع الناس التلبية، الذي هو زوال الشمس. و عليه، فيجوز للمتمتع

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب العشرون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 387

..........

______________________________

إتمام عمرته الى زوال الشمس من ذلك اليوم، و لا محالة لا يدرك الوقوف من أوّل الزوال الى الغروب، فتنطبق الرواية على القول الثاني، الذي كان الميزان عنده هو المسمّى.

و يمكن ان يكون المراد: ان الغاية أن يدرك المتمتع زوال الشمس بعرفات، الذي هو وقت قطع التلبية، فتنطبق حينئذ على القول الأوّل، و لكن الظاهر هو الاحتمال الأول، لأنه لا فرق بين جعل

الغاية زوال الشمس من يوم عرفة، كما في صحيحة جميل المتقدمة، التي استظهرنا منها الاحتمال الأوّل، و بين جعلها قطع التلبية، الذي يكون وقته زوال الشمس من ذلك اليوم، كما في هذه الرواية.

فالإنصاف انّها ظاهرة في ان المناط هو المسمّى لا المجموع، لكنها غير معتبرة من حيث السّند.

و منها: رواية أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام-: المرأة تجي ء متمتعة فتطمث قبل ان تطوف بالبيت، فيكون طهرها ليلة عرفة. فقال: ان كانت تعلم انّها تطهر و تطوف بالبيت و تحلّ من إحرامها و تلحق الناس بمنى، فلتفعل. «1» هكذا نقلت الرواية في الوسائل، و المراد من لحوق الناس بمنى هو لحوقها بهم ليلة عرفة، التي يستحب المبيت فيها بمنى. و عليه، فلا تكون الرواية من هذه الطّائفة، و لكن في الحاشية ذكر: انه أخرجه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب في التهذيب و في الاستبصار، و ترك قوله: «بمنى» كما في الكافي.

و على هذا التقدير، يكون الظاهر هو لحوقها بهم بعرفات، لان ما يجب على الحاج بعد الإحرام هو الوقوف بعرفات، و لا مجال حينئذ لاحتمال كون المراد هو اللحوق بمنى، لكن يبقى الكلام في: ان المراد هو اللحوق بهم بعرفات من أول

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب العشرون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 388

..........

______________________________

الزوال، الذي يجب الوقوف منه، أو ان المراد اللحوق و لو في أخر الوقت، الذي به يتحقق المسمّى. و الظاهر هو الثاني.

و قد انقدح مما ذكرنا: ان جميع روايات هذه الطائفة، ما عدي الاولى، ظاهرة في ان المعيار و الميزان هو المسمّى، فان قلنا بصراحة صحيحة جميل المتقدّمة في هذا، فمن

المعلوم ان الظاهر لا يقابل الصريح، بل هو قرينة على كون المراد خلاف الظاهر، و ان لم نقل بذلك، كما اخترناه، فالظاهر ان روايات المسمّى- مع كثرتها و تأكد بعضها ببعض- تكون أظهر من الرواية الظاهرة في: ان المعيار خوف فوات الجميع، فتقدّم على تلك الرّواية.

و العجب من السيد- قده- في العروة، حيث انه رمى المرفوعة و صحيحة جميل المتقدمتين بالشذوذ، مع انك عرفت كثرة القائل بهذا القول و ندرة القائل بالقول الأوّل، و نحن و ان ذكرنا: ان ظاهر المتن هو القول الأوّل، الا انه يمكن ان يقال:

بان التعبير بالاختياري فيه انّما هو في مقابل الوقوف الاضطراري، الذي هو القول الثالث، لا في مقابل الركن و المسمى، كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام فيما يتعلق بالطائفة الأولى، الواردة في الوقوف الاختياري بعرفات، و انه هو المناط في الضيق.

و امّا القول الثالث الذي جعل المعيار هو خوف فوت الاضطراري من وقوف عرفة، و هو الوقوف بها ليلة النحر بمقدار المسمّى: فلم يرد فيه نص بالخصوص في المقام، و لكنه ذكر السيّد- قده- في العروة، تبعا للنراقي في المستند: انه يؤيد هذا القول الأخبار الدالة على: ان من يأتي بعد إفاضة الناس من عرفات و أدركها ليلة النحر، فقد تم حجّه.

و أجاب عنه نفسه بقوله: و فيه: ان موردها غير ما نحن فيه، و هو عدم الإدراك من حيث، هو و فيما نحن فيه، يمكن الإدراك، و المانع كونه في أثناء العمرة،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 389

..........

______________________________

فلا يقاس بها.

و امّا القول الرابع: الذي جعل المدار زوال الشمس من يوم التّروية: فيدلّ عليه صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع، قال: سألت أبا

الحسن الرّضا- عليه السلام- عن المرأة تدخل مكّة متمتعة، فتحيض قبل ان تحلّ، متى تذهب متعتها؟

قال: كان جعفر- عليه السلام- يقول: زوال الشمس من يوم التّروية، و كان موسى- عليه السلام- يقول: صلاة الصبح من يوم التروية. فقلت: جعلت فداك! عامة مواليك يدخلون يوم التروية و يطوفون و يسعون ثم يحرمون بالحجّ.

فقال: زوال الشمس. فذكرت له رواية عجلان أبي صالح، فقال: لا، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة، فقلت: فهي على إحرامها أو تجدّد إحرامها للحج؟ فقال:

لا، هي على إحرامها، قلت: فعليها هدي؟ قال: لا، الّا ان تحبّ ان تطوّع، ثمّ قال: امّا نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجّة قبل ان نحرم، فاتتنا المتعة. «1»

و رواية عجلان أبي صالح، هي التي رواها الكليني عن عدة من أصحابنا، عن احمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن درست الواسطي، عنه قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن امرأة متمتعة قدمت مكّة فرأت الدم. قال: تطوف بين الصفا و المروة ثم تجلس في بيتها، فان طهرت طافت بالبيت و ان لم تطهر، فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء و أهلّت بالحج من بيتها، و خرجت إلى منى و قضت المناسك كلّها، فإذا قدمت مكّة طافت بالبيت طوافين ثم سعت بين الصفا و المروة، فإذا فعلت ذلك فقد حلّ لها كل شي ء ما خلا فراش زوجها. «2»

و هل المراد من رواية عجلان تمامية متعة المرأة المذكورة و عدم تبدلها الى حجّ

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الحادي و العشرون ح- 14.

(2) وسائل أبواب أبواب الطواف الباب الرابع و الثمانون ح- 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 390

..........

______________________________

الافراد، أو ان مفادها التبدل

و الانتقال؟ حكى عن الشيخ- قده- في التهذيب الثاني، لأنه ذكر بعد نقل هذه الرواية و رواية أخرى مشابهة لها: انّه ليس في هاتين الروايتين ما ينافي ما ذكرناه، لانه ليس فيهما انه قد تم متعتها، و يجوز ان يكون من هذه حاله يجب عليه العمل على ما تضمنه الخبران، و يكون حجة مفردة دون ان يكون متعة، الا ترى الى الخبر الأوّل- يعني رواية عجلان- و قوله: إذا قدمت مكّة و طافت طوافين فلو كان المراد تمام المتعة لكان عليها ثلاثة أطواف و سعيان، و انما كان عليها طوافان و سعي، لان حجتها صارت مفردة، و إذا حملناها على هذا الوجه يكون قوله: تهلّ بالحج، تأكيدا لتجديد التلبية بالحج دون ان يكون ذلك فرضا واجبا.

و يؤيد ما ذكره، من: عدم كون الإهلال بالحج واجبا، كونه معطوفا على قوله: أفاضت عليها الماء، مع وضوح عدم كون الإفاضة المذكورة واجبة، لعدم اشتراط شي ء من الوقوفين و مناسك منى بالطهارة مطلقا، لا عن الحدث و لا عن الخبث.

و لكنه يرد على أصل ما حمله الروايتين عليه من الدلالة على التبدل الى حج الافراد، مضافا الى انه لو كان المراد منهما ذلك لم يكن وجه لإيراد رواية عجلان اعتراضا على الرضا- ع- في رواية ابن بزيع، لانه لو كان المراد منها التبدل الى حج الافراد لا يكون مفادها منافيا لما افاده الرضا- ع- من ذهاب المتعة بزوال الشمس يوم التروية، فلا مجال لإيرادها بعنوان الاعتراض أصلا. و دعوى: أن إيرادها كذلك، انّما هو لأجل وقوع عنوان يوم التروية فيها لا خصوص زوال الشمس منها، مدفوعة: بأن هذه الدعوى، و ان ذكرها بعض الأجلّة في شرحه على العروة- المسمّى

بمصباح الهدى- الّا انه لا مجال لها، بعد عدم تحقق المنافاة بين المطلق و المقيّد عند العقلاء في مقام التقنين و جعل الاحكام، فلا يمكن الإيراد على المولى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 391

..........

______________________________

الأمر بعتق الرقبة، بأنه لا يجتمع مع النهي عن عتق الرقبة الكافرة، كما هو واضح. انّ ظاهر قوله: «و أهلت بالحج من بيتها،» هو تماميّة العمرة و الشروع في الحج بإحرام جديد، و امّا ما ذكره، من: انه لو كان المراد تمام المتعة لكان عليها ثلاثة أطواف و سعيان. فيرد عليه: ان ثبوت ثلاثة أطواف مسلم، و الرواية تدل عليه، غاية الأمر، ان الطواف الثالث يستفاد من قوله: فقد حل لها كل شي ء ما خلا فراش زوجها. ضرورة ان حلية الفراش لا يتحقق الّا بطواف النساء، لانه لا طريق لها غيره، و امّا السّعي فبعد وقوعه في العمرة بأمر الإمام- ع- لا مجال لاحتمال بطلانه، بل ظاهر الرواية صحته، فلا يبقى عليه الّا سعي واحد لخصوص الحج.

و بالجملة: لا ينبغي الإشكال في دلالة رواية عجلان في نفسها في تمامية العمرة، و عدم ذهابها بدخول يوم التروية أو زوال شمسه، و لكن الرّضا- ع- قد نفى مفادها، و انّ زوال الشمس يوم التروية يوجب ذهاب عمرة المتمتعة، التي صارت حائضا و لم تطهر قبله.

ثم انه لم يعلم الوجه في اختلاف ما حكاه الرّضا عن أبيه و ما حكاه عن جدّه- عليهم السلام-، كما انه لم يعلم وجه نقل هذا الاختلاف مع اختياره ما حكاه عن جدّه، و حمل أحدهما على التقية، لا يكاد يجتمع مع الحكاية و النقل، كما انه لا يجتمع مع التعبير ب «كان» الظاهر

في التكرر و التعدّد، المنافي مع التقيّة.

و امّا ما في ذيل الرواية من قوله- ع-: امّا نحن فإذا رأينا .. فيمكن ان يكون ذلك من خصائص الأئمّة- عليهم السلام،- و يؤيده ما ورد، من: انّ أفضل افراد عمرة التمتع ما وقعت قبل ذي الحجّة. و لا مانع من الالتزام بذلك، كما ان للنبي- ص- خصائص متعددة مذكورة في محلّها، و لبعض الأئمّة- ع- على بعضهم أيضا بعض الخصائص، كما ورد في وصية على- ع-، من: انه يكبّر في الصلاة عليه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 392

..........

______________________________

سبع تكبيرات، و انه لا يجوز لغيره الّا لصاحب العصر و الزمان- عج-، على ما ببالي.

و كيف كان، فرواية محمد بن إسماعيل بن بزيع ظاهرة في ذهاب المتعة عند عدم تماميتها، عند زوال الشمس يوم التروية.

و امّا القول الخامس: الذي جعل المدار غروب يوم التروية: فيدل عليه صحيحة عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن المتمتع، يقدم مكّة يوم التروية، صلاة العصر، تفوته المتعة؟ فقال: له ما بينه و بين غروب الشمس، و قال: قد صنع ذلك رسول اللّٰه- ص. «1»

و رواية إسحاق بن عبد اللّٰه، قال: سألت أبا الحسن موسى- عليه السلام- عن المتمتع، يدخل مكّة يوم التروية، فقال: للمتمتع (ليتمتع) ما بينه و بين الليل. «2»

و رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام-، قال: إذا قدمت مكّة يوم التروية و أنت متمتع، فلك ما بينك و بين الليل ان تطوف بالبيت و تسعى، و تجعلها متعة. «3»

و امّا القول السادس: الذي جعل المناط زوال يوم عرفة: فيدل عليه من الروايات التي أوردناها للقولين الأولين صحيحة جميل

و مرفوعة سهل، و هذا القول و ان كان بحسب العنوان و العبارة مغاير للقولين، الا انه من جهة الدليل لا يكون مغايرا لهما، فان جعل المدار زوال الشمس يوم عرفة، يكون المتفاهم منه عند العرف ما هو المرتبط بالوقوف بعرفات، من دون ان يكون له موضوعية، بخلاف يوم التروية: زوالا أو غروبا أو غيرهما. و عليه، فالظاهر انه لا دليل على هذا القول

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب العشرون ح- 10.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب العشرون ح- 11.

(3) وسائل أبواب أقسام الحج الباب العشرون ح- 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 393

..........

______________________________

لو كان مغايرا لهما.

و امّا القول السابع: الذي حكم بالتخيير: فمنشؤه كما مرّت الإشارة إليه هو الجمع بين النصوص، و سيأتي البحث عنه ان شاء اللّٰه تعالى. لكنّه هناك روايات يستفاد منها موازين أخر، و ان لم يوجد قائل بها، مثل ما يدل على ان المناط أول يوم التروية، مثل صحيحة جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية. قال: تمضي كما هي الى عرفات فتجعلها حجة، ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم، فتجعلها عمرة قال ابن أبي عمير: كما صنعت عائشة. «1»

و رواية علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن موسى- عليه السلام- عن الرجل و المرأة يتمتعان بالعمرة إلى الحج، ثم يدخلان مكّة يوم عرفة، كيف يصنعان؟ قال: يجعلانها حجة مفردة، و حدّ المتعة إلى يوم التروية. «2»

و جعل الغاية يوم التروية أو ظرف القدوم كذلك، ظاهر في ان تحققه بتحقق اوّله، موجب لذهاب المتعة و زوالها، كما لا يخفى.

و مثل ما يدل

على ان الملاك إدراك الناس بمنى ليلة عرفة، كصحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام-، قال: المتمتع يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة، ما أدرك الناس بمنى. «3» و غيرها، مما يدل عليه.

و مثل ما يدل على التحديد بسحر يوم عرفة، كصحيحة محمد بن مسلم قال:

قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام-: الى متى يكون للحاج عمرة؟ قال: الى السّحر

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الحادي و العشرون ح- 2.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الحادي و العشرون ح- 11.

(3) وسائل أبواب أقسام الحج الباب العشرون ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 394

..........

______________________________

من ليلة عرفة. «1»

إذا عرفت ما ذكرنا من الأقوال و أدلّتها من الروايات و غيرها، فاعلم ان التحقيق في المقام يقتضي ملاحظة أمور:

منها: ما تقدم في صدر المسألة، من: ان العدول في جميع موارده، أمر على خلاف القاعدة، لا يصار اليه الّا مع قيام الدليل عليه.

و منها: ان العدول، و ان كان على خلاف القاعدة، الّا ان الوجه فيه واضح بحسب الموارد، ففي مثال الصلاة المتقدم يكون الوجه فيه ترتب العصر على الظهر، و اعتبار تقدم الثانية على الاولى، لأنه- مع قطع النظر عنه- لا يبقى مجال للعدول بوجه، و في المقام لا محالة يكون الوجه في العدول عن عمرة التمتع الى حج الافراد مع تعين التمتع على النائي بحيث لا يصح منه غيره بعنوان حجة الإسلام، و لو حجّ مرّات متعددة، هو استلزام إتمام العمرة و عدم العدول لذهاب الحجّ و عدم دركه، ضرورة انه، مع قطع النظر عن هذه الجهة، لا موقع للعدول أصلا.

و منها: انه لو لم يكن في المقام ما

يدل على حدّ الضيق من الروايات المتقدمة، بل كان الدليل قائما على أصل العدول مع تحقق الضيق، لكان مقتضى القاعدة جعل المناط في الضيق خوف فوت الجزء الركني، أي المسمّى من الوقوف الاختياري بعرفات، لان مجموع الوقوف من الزوال الى الغروب، و ان كان واجبا، إلا انّك عرفت: انه ليس جزء للحج، بل واجب فيه كطواف النساء، و القدر المتيقن من جواز العدول، على خلاف القاعدة، خوف فوت الجزء دون ما لا يكون جزء، و ان كان واجبا.

و امّا اضطراريّ عرفة، فقد عرفت: انه لم يقم في المقام دليل على كونه هو

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب العشرون ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 395

..........

______________________________

المناط، و لا دليل على إلغاء الخصوصية عن مورد الدليل الدال على كفاية الوقوف المزبور.

و منها: ان بعض الروايات المتقدمة مشتملة على أمر مخالف للواقع، كالرواية الدالة على ان رسول اللّٰه- ص- صنع كذا، مع انه لم يأت بعمرة التمتع أصلا، لأنه بعد الهجرة إلى المدينة المنورة لم يحج إلّا مرة واحدة، و قد ورد تشريع التمتع بعد وروده- ص- بمكّة، مع كونه محرما بإحرام حج القران، الذي يعتبر فيه سياق الهدي.

و قد مرّت الرواية المفصلة الواردة في هذه الجهة في أوّل بحث أقسام الحج، فراجع.

و منها: ان رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع المتقدمة، المشتملة على النقلين المختلفين عن الإمامين الهمامين، غير ظاهرة الوجه، فإنه لم يظهر وجه الاختلاف و نقله، مع التأكيد على ما هو المنقول عن جده، من كون المدار زوال الشمس يوم التروية.

و منها: انّك عرفت: ان المتعارف كان هو الشروع في الحج بعد الزوال من يوم التروية، و الحركة

إلى منى للمبيت فيه ليلة عرفة، الذي هو مستحب.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 2، ص: 395

و منها: ان مشروعية أصل التمتع تكون موردا لإنكار أكثر علماء أهل التسنن، تبعا للتحريم الواقع من الثاني، في زمن خلافته.

و منها: انّك عرفت: ان القول السابع- و هو التخيير- يكون منشأه الجمع بين النصوص المختلفة الواردة في الباب، من دون ان يكون له رواية خاصّة.

و منها: ان القول السادس، الذي جعل المدار زوال يوم عرفة، و ان عدّ مغايرا للقول: بان المناط خوف فوت الجزء الركني من وقوف عرفة، الّا انه يرجع اليه لا محالة، و لا فرق بينهما أصلا. و عليه، فيمكن دعوى الشهرة الفتوائية على طبق القول الثاني بعد رجوع القول السادس اليه، و ندرة القائل بالقول الأوّل، و كذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 396

..........

______________________________

سائر الأقوال، لأنه لا تتجاوز عن خمسة أو ستّة.

و بما ذكرنا، يظهر: ان القول الثاني، مع كونه موافقا للقاعدة، يكون الأخذ بالترجيح بالشهرة الفتوائية، التي هي أول المرجحات، مقتضيا للالتزام به.

و امّا المحامل المذكورة في العروة فكلّها بعيدة، قال: و امّا الاخبار المحدّدة بزوال يوم التروية أو بغروبه أو بليلة عرفة أو سحرها، فمحمولة على صورة عدم إمكان الإدراك إلّا قبل هذه الأوقات، فإنه مختلف باختلاف الأوقات و الأحوال و الأشخاص، و يمكن حملها على التقية، إذا لم يخرجوا مع الناس يوم التروية، و يمكن كون الاختلاف لأجل التقية، كما في اخبار الأوقات للصلاة، و ربما تحمل على تفاوت

مراتب افراد المتعة في الفضل بعد التخصيص بالحج المندوب، فإن أفضل أنواع التمتع ان تكون عمرته قبل ذي الحجّة، ثم ما تكون عمرته قبل يوم التروية، ثم ما يكون قبل يوم عرفة.

وجه البعد: ان حمل جميع الأخبار المذكورة- على كثرتها- على الحج المندوب، مع عدم إشعار في واحدة منها عليه، لا مجال له بوجه، مع انه لا ينطبق على ترتيب الفضل المذكور، لعدم دلالة شي ء منها على كون الحدّ قبل ذي الحجة، و كون لازم ما ذكر الانتهاء قبل يوم عرفة. و امّا الحمل على التقيّة فهو متأخر عن الترجيح بالشهرة الفتوائية، الذي ذكرنا. و امّا الحمل الأوّل فلا شاهد له، و الظاهر كونه تبرعيّا، كما ان التخيير، الذي هو القول السابع، مستندا إلى انه مقتضى الجمع، ان أريد به: التخيير الواقع في بعض الاخبار العلاجية بعد فقد المرجحات. فيرد عليه، بعد تسليم أصله: ان التخيير المذكور يرجع الى تخيير المجتهد في الأخذ بأحد الطرفين المتعارضين و الفتوى على طبقه لا تخيير المكلف المقلد في مقام العمل، كما هو ظاهر القول المزبور، و بعبارة أخرى: التخيير الذي دل عليه الدليل هو التخيير في المسألة الأصولية لا في المسألة الفرعية.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 397

..........

______________________________

و ان أريد به: ان الجمع الدلالي يقتضي التخيير. فيرد عليه، منع ذلك، خصوصا مع اشتمال جملة منها على جانبي الإثبات و النفي معا، و لا يبقى معه مجال للحمل على التخيير، كما هو ظاهر.

فانقدح: ان الظاهر هو العلاج بما ذكرنا من ترجيح الروايات الدالة على القول الثاني، و مرجعه إلى انه مع خوف فوات المسمى من الوقوف تذهب المتعة.

و الظاهر انه مع الخوف المذكور ينتقل

الى حج الافراد قهرا، و لا يحتاج الى نقل النيّة، و نيّة العدول، كما ان الظاهر الاكتفاء به عن حج التمتع الواجب عليه، كما في المقيم بمكة سنتين، على ما تقدم. و عليه، فيجب عليه الإتيان بالعمرة المفردة بعد حج الافراد، لفرض وجوب الحجّ عليه.

نعم، ربما يظهر من ذيل الرواية المفصلة، التي أوردنا صدرها في أوّل مباحث أقسام الحج: عدم وجوب العمرة المفردة في هذا الفرض، حيث قال في ذيلها:

فقالت عائشة: يا رسول اللّٰه- ص- ترجع نساؤك بحجّة و عمرة معا، و ارجع بحجّة، فأقام بالأبطح و بعث معها عبد الرحمن بن أبي بكر الى التنعيم، فأهلّت بعمرة ثم جاءت و طافت بالبيت و صلّت ركعتين عند مقام إبراهيم، و سعت بين الصفا و المروة، ثم أتت النبي- ص-، فارتحل من يومه. «1»

فان ظاهرها انه لو لا اعتراض عائشة، لم يكن الرسول يبعث معها أخاها إلى التنعيم للإتيان بالعمرة المفردة، مع ان الظاهر كون إهلال جميع أزواج النبي- ص- بحج الافراد، و لم يكن مقرونا بسياق الهدي. غاية الأمر، ان من عدا عائشة تبدل حجّها إلى عمرة التمتع- التي جاء بها جبرئيل بعد قدوم النبي بمكّة- و امّا عائشة فلم يتيسر لها ذلك- على ما يستفاد من الرواية الدالة على ذلك-

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 398

..........

______________________________

لقوله (ع) كما صنعت عائشة، لصيرورتها حائضا، و كان إتمام العمرة موجبا لذهاب الحج، فلذا بقيت على إحرام حجّ الافراد، و لم يتحقق منه العمرة قبل الاعتراض المذكور، مع ان الظاهر انّه كان حجّها أوّل حج وقعت منها بعد البلوغ، و ان الإتيان به كان بعنوان

حجة الإسلام، أمّا للاستطاعة المالية أو للاستطاعة البذلية من قبل الرّسول، فتدل الرواية على عدم وجوب العمرة المفردة عليها، و انها لو لم تعترض لم يبعث الرسول معها أخاها إليها. هذا تمام الكلام في الأمر الثالث.

الأمر الرّابع: انه لا فرق في التبدل في حال الضيق، بين ان تكون عمرة التمتع المرتبطة بحجّة واجبة عليه، و بين ان تكون مستحبة، فإن مقتضى إطلاق الروايات المتقدمة: ان موضوع الحكم هو الإهلال بعمرة التمتع و تحقق الضيق، و لا إشعار في شي ء منها بالاختصاص بالحج الواجب، بل قد عرفت: ان بعض المحامل المذكورة في كلام السيد- قده- في العروة، كان عبارة عن تخصيص جميع الروايات بالحج المندوب، و حمل الاختلاف على اختلاف مراتب الفضل في عمرة التمتع.

و نحن، و ان منعنا ذلك، لكن شمولها للحج المندوب و عدم اختصاصها بالحج الواجب، غير قابل للإنكار.

و الفرق بين الواجب و المستحب، بعد اشتراكهما في التبدل: انّما هو في وجوب العمرة المفردة بعد الحج في الأول، و عدم وجوبها في الثاني، لأنه لا تجب العمرة المفردة في حج الافراد المستحبّ، و مجرد كونه قاصدا للعمرة، لأجل اختيار حج التمتع و الشروع في عمرته لا يوجب العمرة عليه، بعد التبدل الى حج الافراد، بل يجري عليه ما يترتب عل حج الإفراد، الذي وقع مستحبّا، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 399

[مسألة 6 لو علم من وظيفته التمتع ضيق الوقت عن إتمام العمرة]

مسألة 6- لو علم من وظيفته التمتع ضيق الوقت عن إتمام العمرة و إدراك الحج قبل ان يدخل في العمرة، لا يبعد جواز العدول من الأوّل الى الافراد، بل لو علم حال الإحرام بضيق الوقت جاز له الإحرام بحج الافراد و إتيانه، ثم إتيان

عمرة مفردة بعده و تمّ حجه، و كفى عن حجة الإسلام. و لو دخل في العمرة بنية التمتع في سعة الوقت و أخّر الطواف و السعي متعمدا الى ان ضاق الوقت، ففي جواز العدول و كفايته اشكال، و الأحوط العدول و عدم الاكتفاء، لو كان الحج واجبا عليه. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع ثلاثة، سرك بين الأولين منها في الحكم بجواز العدول و تمامية الحج و الكفاية عن حجة الإسلام، و الوجه في الحكم المذكور، مع كون مورد الروايات المتقدمة الواردة في العدول، ما لو تحقق الضيق بعد الشروع في العمرة و اعتقاد إمكان الإتمام حين الإحرام: امّا دعوى إلغاء الخصوصية و امّا دعوى الأولوية، كما ادّعاها في المستمسك، حيث قال: لكن يمكن ان يستفاد الجواز بالأولوية، و لا سيّما بملاحظة ان البناء على عدم جواز العدول فيه يوجب سقوط الحج عنه بالمرّة، لأنه لا يتمكّن من حج التمتع و لا يجزيه غيره.

أقول: امّا الدعوى الاولى: فيرد عليها: المنع بعد كون الحكم على خلاف القاعدة، و لازمة الاقتصار على القدر المتيقن.

و امّا الدعوى الثانية: فيدفعها: منع الأولويّة، لأنه في الفرعين لم يتلبّس بعد بالإحرام، و لم يتحقق الشروع في العمل، و حينئذ نقول: انّ الضيق المتحقق، المعلوم حال الشروع، تارة: يكون مستندا بسوء اختياره و عن عمد و عصيان، و اخرى: لا يكون كذلك. و مقتضى القاعدة في الأوّل: استقرار حج التمتع عليه، بعد كونه آفاقيّا يتعين عليه التمتع، و كان قادرا عليه تاركا له عمدا. و في الثاني:

عدم وجوب الحج عليه، لأن فريضة على تقدير الوجوب هو التمتع، و المفروض عدم التمكن منه، و لو لا الروايات المتقدمة، الدالة على جواز العدول، لقلنا بذلك

في موردها أيضا، و ان ضيق الوقت عن إتمام عمرة التمتع مع عدم الاستناد اليه، يكشف عن عدم وجوبه عليه من أوّل الأمر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 400

..........

______________________________

و بالجملة: لا مجال لاستفادة جواز العدول في الفرعين من تلك الروايات.

و عليه، فالحكم بعدم البعد، يضاف الى عدم الجواز لا الى الجواز، كما في المتن.

ثمّ انه لم يعلم وجه الترقي في الحكم بالجواز، بالإضافة إلى الفرع الثاني، مع انه أقرب الى مورد الروايات من الفرع الأوّل، فتدبّر.

و امّا الفرع الثالث، الذي هو عبارة عن الدخول في عمرة التمتع في سعة الوقت و تأخير الطواف و السعي عمدا الى ان ضاق الوقت، ففيه وجوه:

أحدها: ما يظهر من المستمسك، من شمول الروايات المتقدمة للعامد أيضا، و ان كان إثما في التأخير و عاصيا لأجله، و هذا كسائر موارد الابدال الاضطرارية، فإن من أراق ماء الوضوء عمدا صحّ تيمّمه، و من أخّر الصلاة حتى أدرك ركعة من الوقت، صحّت صلاته أداء، و من عجّز نفسه عن القيام في الصلاة صحت صلاته من جلوس، و غير ذلك من موارد البدل الاضطراري.

و يرد عليه: انه ان أريد ان الروايات المتقدمة شاملة للعامد في نفسها، مع قطع النظر عن ملاحظة موارد الابدال الاضطرارية المذكورة. فمن الواضح: عدم شمول الروايات للعامد، و اختصاصها بما إذا تحقّق الضيق عن غير اختيار منه و حصوله قهرا، و لا ينبغي الارتياب في ذلك.

و انّ أريد: أن الشمول انّما هو بعد ملاحظة تلك الموارد من دون ان يكون كذلك في نفسها، فيرد عليه: منع الاستفادة بعد الفرق بين الصلاة و غيرها، لأن الصلاة لا تترك بحال. غاية الأمر، الاختلاف في المكيّة و

الكيفيّة بحسب الحالات و الخصوصيات، فان من أراق ماء الوضوء عمدا يدور امره بين ترك الصلاة و بين الصلاة مع التيمم، و الدليل الدال على عدم الترك يعيّن الثاني، و كذلك سائر الموارد المذكورة، و امّا في المقام فلم يدل دليل على ان الحج الذي شرع في عمرته لا بد و ان يتحقق منه في هذا العام، فإذا لم يمكن إتمامه بصورة التمتع فلا محالة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 401

..........

______________________________

يتبدل الى حج الافراد، حتى يصير ذلك طريقا للتخلص عن الهدي المعتبر في التمتع دون الافراد، و بعد عدم قيام الدليل المذكور و عدم شمول الروايات المتقدمة، لا يبقى مجال للحكم بالعدول، و كون وجوب الحج فوريا، لا يسوغ العدول، و لا يوجب جريان حكم موارد الابدال الاضطرارية في المقام، فالإنصاف: عدم تمامية هذا الوجه.

ثانيها: ان الروايات الواردة في العدول لا تشمل المقام، و لكنه لا مانع من إتمام العمرة و إدراك الوقوف الاضطراري لعرفة، أو إدراك الوقوف الاختياري للمشعر، أو إدراك اضطراري المشعر، بناء على ما سيأتي من تمامية الحج بإدراك واحد من الوقوف الثلاثة، على الاختلاف الذي يجي ء البحث فيه ان شاء اللّٰه تعالى، و لعلّه هو الوجه في الاستشكال في جواز العدول و كفايته، كما في المتن.

و يرد عليه: انه كما ان روايات العدول لا تشمل المقام، كذلك ما ورد في تمامية الحج بإدراك أحد المواقف الثلاثة. فإنه من الواضح: ان موردها- أيضا- ما إذا لم يكن الضيق مستندا الى اختياره و ناشيا عن عصيانه في التأخير، فهذا الوجه- أيضا- لا سبيل اليه.

ثالثها: ان يجعل عمرته مفردة، نظرا الى ما ورد فيمن أحرم للحج و لم

يدرك الوقوف بالمشعر، من: انه يبطل حجه و يجعله عمرة مفردة.

و يرد عليه: انه لا دليل على التعدي عما ورد فيمن أحرم للحج الى من أحرم لعمرة التمتّع، خصوصا مع التعمد في التأخير و العصيان، بالإضافة إليه.

رابعها: ما حكم بصحته بعض الاعلام، من: بطلان عمرته و إحرامه، نظرا إلى انه بعد عدم شمول أدلة العدول للمقام، و كذا عدم شمول ما يدل على جعل عمرته مفردة، لا بد و ان يكون على تقدير الصحة واقعا بعنوان عمرة التمتع، و لا بد فيها بعد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 402

..........

______________________________

الإحرام من الطواف في تلك السنّة قبل الحج، و مع عدمه ينكشف بطلان الإحرام من الأوّل.

و يمكن الإيراد عليه: بأنه من المستبعد جدّا بطلان الإحرام الواقع في وقت يسع لعمرة التمتع، و لم يكن هناك مانع عن إتمامها و إكمالها، و ان كان التأخير مستندا الى عصيانه و تعمّده. و عليه، فلا يستفاد من الأدلة شي ء من الوجوه الأربعة المتقدمة، فاللازم مراعاة الاحتياط.

ثم انه ذكر لكيفية الاحتياط في المقام وجوه:

أحدها: ما أفاده في المتن تبعا للسيّد- قده- في العروة، من: ان مقتضى الاحتياط العدول. غاية الأمر، عدم الاكتفاء به، لو كان الحج واجبا عليه.

ثانيها: ما أفاده في المستمسك من الاستشكال على العروة، في جعله الأحوط هو العدول، من: ان العدول و ان كان مردّدا بين الوجوب و الحرمة، لكن الحرمة مقتضى الدليل لموافقتها للاستصحاب، و الوجوب خلاف مقتضى الدليل، فيكون العمل على الحرمة أحوط.

و يرد عليه: انه ان كان المراد من حرمة العدول هو إتمام العمرة و إدراك الوقوف بالمشعر، كما يظهر من صدر كلامه. فيرد عليه، ما عرفت من: عدم

شمول ما دلّ على كفاية الإدراك المذكور للمقام، لاختصاصه بمورد الإحرام للحج، و ان كان المراد منها: مجرد الحرمة بما هي، من دون بيان الوظيفة بعد عدم العدول. فيرد عليه: انه لا مجال لجعله بهذه الكيفية مقتضى الاحتياط، فتدبّر.

ثالثها: ما افاده بعض الاعلام، من: ان الأحوط ان يأتي ببقية الاعمال، بقصد الأعم من إتمامها حج افراد أو عمرة مفردة، فيأتي باعمال الحج رجاء، ثم يأتي بالطواف و السعي بقصد الأعم من حج الافراد أو عمرة مفردة، و عليه الحج من قابل إذا كان الحج واجبا عليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 403

[مسألة 7 الحائض أو النفساء إذا ضاق وقتها عن الطّهر و إتمام العمرة]

مسألة 7- الحائض أو النفساء إذا ضاق وقتها عن الطّهر و إتمام العمرة، يجب عليها العدول الى الافراد و الإتمام ثم الإتيان بعمرة بعد الحج. و لو دخل مكّة من غير إحرام لعذر و ضاق الوقت، أحرم لحج الافراد و اتى بعد الحج بعمرة مفردة، و صحّ و كفى عن حجة الإسلام. (1)

______________________________

و يرد عليه: انه لا يكاد يلتئم مع الذوق الفقهي و ما هو الثابت في ارتكاز المتشرعة، لأن لازمة التبعيض في العمل الواحد بالإتيان ببعض اجزائه، بقصد خصوص عنوان واحد رجاء، و بالبعض الأخر مردّدا بين العنوانين، و الظاهر ان الوجه الأوّل، المذكور في المتن، هو طريق كيفية الاحتياط.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في فرعين:

الفرع الأوّل: في الحائض أو النفساء إذا ضاق وقتها عن الطهر و إتمام العمرة، و فيه أقوال خمسة:

1- ما في المتن من العدول الى حج الافراد و الإتمام، ثم الإتيان بعمرة مفردة، و هو المشهور شهرة عظيمة، كما في الجواهر، بل عن المنتهى و التذكرة، دعوى:

الإجماع عليه.

2- ترك الطواف و الإتيان

بالسعي و التقصير و الإحرام للحج و إدراكه و قضاء طواف العمرة بعد الحج، حكى عن علي بن بابويه و أبي الصلاح، و في كشف اللثام حكايته عن جماعة، و لعلّ منهم الحلبي، و في مورد أخر نسبه الى الحلبيين و جماعة.

3- التخيير بين الأمرين، للجمع بين الطائفتين من الاخبار، حكى عن الإسكافي و بعض متأخري المتأخرين، و احتمل ان يكون المراد به صاحب المدارك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 404

..........

______________________________

4- التفصيل بين: ما إذا كانت حائضا قبل الإحرام، فتعدل، و بين ما إذا كانت طاهرا حال الشروع فيه ثم طرأ الحيض في الأثناء، فتترك الطواف و تتم العمرة و تقضي بعد الحج، حكى ذلك عن الكاشاني في الوافي و المفاتيح، و عن صاحب الحدائق.

5- أنّها تستنيب للطواف ثمّ تتم العمرة و تأتي بالحج. حكاه في الجواهر عن بعض الناس من دون ان يعرف قائله. و منشأ الاختلاف ما ورد في هذا الباب من الروايات المتعددة المختلفة، و اللازم ملاحظتها، فنقول:

امّا القول الأوّل: الذي يشتمل على خصوصيتين: إحديهما: أصل العدول الى حج الافراد في مقابل من يقول: بأنه لا مجال للعدول. و ثانيتهما: إطلاق العدول، الذي مرجعه الى عدم الفرق بين ما إذا كانت في حال الإحرام حائضا، و بين ما إذا اطرأ الحيض بعد الإحرام بعد ان كانت طاهرا حاله، فيدل عليه روايات متعددة، بعضها دالة على العدول مطلقا، و بعضها واردة في النفاس حال الإحرام، الذي يشترك مع الحيض في الحكم، و بعضها في الحيض العارض بعد الإحرام.

امّا الأوّل: فمثل صحيحة جميل بن درّاج، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم

التروية. قال: تمضي كما هي الى عرفات فتجعلها حجّة، ثم تقيم حتى تطهر، فتخرج الى التنعيم فتجعلها عمرة. قال ابن أبي عمير: كما صنعت عائشة. «1» فإن مقتضى إطلاق السؤال و ترك الاستفصال، عدم الفرق بين كون الحيض متحققا حال الإحرام و بين ما إذا كان طارئا بعده، فتدل الرواية على العدول مطلقا.

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الواحد و العشرون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 405

..........

______________________________

و امّا الثاني: فمثل صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: ان أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر بالبيداء، لأربع بقين من ذي القعدة، في حجة الوداع، فأمرها رسول اللّٰه- ص- فاغتسلت و احتشت و أحرمت، و لبّت مع النبي- ص- و أصحابه، فلما قدموا مكّة لم تطهر حتى نفروا من منى، و قد شهدت المواقف كلّها، عرفات و جمعا، و رمت الجمار، و لكن لم تطف بالبيت و لم تسع بين الصفا و المروة، فلمّا نفروا من منى أمرها رسول اللّٰه- ص- فاغتسلت، و طافت بالبيت و بالصّفا و المروة، و كان جلوسها في أربع بقين من ذي القعدة و عشر من ذي الحجة و ثلاث أيّام التشريق. «1»

و صحيحة زرارة عن أبي جعفر- عليه السلام-: ان أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر، فأمرها رسول اللّٰه- ص- حين أرادت الإحرام من ذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف و الخرق و تهلّ بالحج، فلمّا قدموا و قد نسكوا المناسك، و قد اتى لها ثمانية عشر يوما، فأمرها رسول اللّٰه- ص- ان تطوف بالبيت و تصلّي، و لم ينقطع عنها الدم، ففعلت ذلك. «2»

و قد ذكر

بعض الاعلام ما يرجع الى ان الروايتين صريحتان في الدلالة على العدول الى الافراد، و المفروض فيهما حدوث النفاس قبل الإحرام، و اشتمالها على ان أكثر مدة النفاس ثمانية عشر يوما، الذي هو أحد الأقوال في المسألة، يقدح في الاستدلال بهما للمقام، من الجهة التي هي مورد الكلام، و هو العدول الى حجّ الافراد.

هذا، و يرد عليه: ان محل الكلام هو العدول، عن عمرة التمتع، و قد مرّ ان

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب التاسع و الأربعون ح- 1.

(2) وسائل أبواب الطواف الباب الواحد و التسعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 406

..........

______________________________

مشروعية التمتع انّما نزل بها جبرئيل في حجة الوداع، بعد قدوم رسول اللّٰه- ص- مكّة المكرّمة، و ان من لم يسق الهدي يجب عليه العمرة و الإحلال بعدها. و عليه، فحجّ أسماء بنت عميس لم يكن حج التمتّع، بل الظاهر كونه حجّ الافراد، و ان الإهلال كان بنيّته. و عليه، فالروايتان لا ترتبطان بالمقام الّا ان يقال: انّ حكمه- ص- ببقائها على حج الافراد بعد نزول شرعية التمتّع، يستفاد منه العدول الى حج الافراد لو كان الحيض مقارنا لإحرام عمرة التمتع أيضا، و لكن هذه الاستفادة، مضافا الى أنّها محل نظر، بل منع، لكان لازمها الاستناد الى ما صنعت عائشة بعد اهلالها بحج الافراد، و عروض الحيص لها، المانع من العدول إلى عمرة التمتع و الإتيان بحج التمتع، كسائر نساء النبي- ص. غاية الأمر، الاستناد، بالإضافة إلى الحيض الطاري، مع ان الظاهر انه لا مجال له، فتدبّر.

و التشبيه في بعض روايات العدول من الامام (ع) أو الراوي بما صنعت عائشة، ليس بلحاظ العدول، لأنها لم تعدل إلى

شي ء، بل انّما هو بلحاظ وقوع العمرة المفردة بعد بقائها على حج الافراد، كما لا يخفى.

و امّا الثالث: فمثل موثقة إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن- عليه السلام- قال:

سألته عن المرأة تجي ء متمتعة فتطمث قبل ان تطوف بالبيت حتى تخرج الى عرفات. قال: تصير حجة مفردة، قلت: عليها شي ء؟ قال: دم تهريقه، و هي أضحيتها. «1» و قد حمل الشيخ- قده- الأمر بالدم، على الاستحباب، لعدم وجوب الهدي في حجّ الافراد.

و صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع- المتقدمة في المسألة السابقة- المشتملة على قوله: سألت أبا الحسن الرضا- عليه السلام- عن المرأة تدخل مكّة متمتعة،

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الواحد و العشرون ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 407

..........

______________________________

فتحيض قبل ان تحلّ، متى تذهب متعتها .. «1» و هذه الرواية تدل على مفروغية ذهاب المتعة بعروض الحيض، عند السائل. غاية الأمر. ان سؤاله كان عن وقت الذهاب و زمانه، و ترجيح سائر الروايات الواردة في حدّ الضيق على هذه الرواية، من هذه الجهة، لا يقدح في الاستدلال بها، لما نحن فيه من مسألة العدول، كما لا يخفى.

و مفهوم مرسلة أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام-: المرأة تجي ء متمتّعة فتطمث قبل ان تطوف بالبيت، فيكون طهرها يوم عرفة. فقال: ان كانت تعلم انها تطهر و تطوف بالبيت و تحلّ من إحرامها و تلحق بالناس فلتفعل. «2»

بناء على ان مفهومها العدول، مع عدم العلم المزبور.

و امّا القول الثاني. الذي يقابل المشهور في أصل العدول، فيدل عليه روايات:

منها: صحيحة العلاء بن صبيح و عبد الرحمن بن الحجاج و علي بن رئاب و عبد اللّٰه بن صالح، كلّهم يروونه

عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: المرأة المتمتعة إذا قدمت مكّة ثم حاضت، تقيم ما بينها و بين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت و سعت بين الصّفا و المروة، ثم خرجت إلى منى، فإذا قضت المناسك و زارت بالبيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طوافا للحج، ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كل شي ء يحلّ منه المحرم الّا فراش زوجها، فإذا طافت طوافا آخر، حلّ لها فراش زوجها. «3»

و منها: صحيحة عجلان أبي صالح، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن امرأة متمتعة، قدمت مكّة فرأت الدم. قال: تطوف بين الصفا و المروة، ثم تجلس

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الواحد و العشرون ح- 14.

(2) وسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثمانون ح- 4.

(3) وسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثمانون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 408

..........

______________________________

في بيتها، فان طهرت طافت بالبيت، و ان لم تطهر، فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء و أهلّت بالحج من بيتها، و خرجت إلى منى و قضت المناسك كلّها، فإذا قدمت مكّة طافت بالبيت طوافين ثم سعت بين الصفا و المروة، فإذا فعلت ذلك فقد حلّ لها كل شي ء ما خلا فراش زوجها. «1»

و العجب من صاحب الوسائل، حيث أورد هذه الرواية في باب واحد، و جعلها اربع روايات، مع ان الراوي في الجميع هو عجلان، و الراوي عن عجلان، هو درست بن أبي منصور و المروي عنه هو الصادق عليه السلام، و قد تبعه الفقهاء المتأخرون عنه. و قد عرفت البحث في مفاد الرواية في المسألة المتقدمة، الواردة في حدّ الضيق، في شرح

رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع، التي أشير فيها إلى رواية عجلان، و عرفت: انه ليس مفادها العدول الى حج الافراد، كما زعمه الشيخ الطوسي- قده-، بل مفادها إتمام العمرة من دون طواف و قضائه بعد القدوم من منى الى مكّة، و يدل عليه نقل هذه الرواية بطريق أخر، عن عجلان أبي صالح، انه سمع أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- يقول: إذا اعتمرت المرأة ثم اعتلّت قبل ان تطوف، قدّمت السعي و شهدت المناسك، فإذا طهرت و انصرفت من الحج قضت طواف العمرة و طواف الحج و طواف النساء، ثمّ أحلّت من كل شي ء. «2» فإنها صريحة في الإتمام و عدم العدول.

و منها: مرسلة يونس بن يعقوب، عن رجل انه سمع أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- يقول، و سئل عن امرأة متمتعة طمثت قبل ان تطوف، فخرجت مع الناس الى منى: أو ليس هي على عمرتها و حجّها، فلتطف طوافا للعمرة و طوافا للحج. «3»

______________________________

(1) وسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثمانون ح- 2.

(2) وسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثمانون ح- 3.

(3) وسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثمانون ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 409

..........

______________________________

و امّا القول الثالث: و هو التخيير بين العدول الى حج الافراد و بين إتمام العمرة و قضاء الطواف: فقد أجاب عنه في العروة بقوله: ان كان المراد منه الواقعي، بدعوى كونه مقتضى الجمع بين الطائفتين، ففيه: انهما يعدان من المتعارضين، و العرف لا يفهم التخيير منهما، و الجمع الدلالي فرع فهم العرف من ملاحظة الخبرين، ذلك، و ان كان المراد التخيير الظاهري العملي، فهو فرع مكافأة الفرقتين، و المفروض ان الفرقة الأولى

أرجح، من حيث شهرة العمل بها.

و لكنه ذكر بعض الاعلام، في خصوص ما إذا طرأ الحيض بعد الإحرام: انه يتحقق التعارض بين الطائفتين الواردتين في خصوص هذه الصورة، و القاعدة تقتضي رفع اليد عن ظهور. كل منهما في التعيين، لان الوجوب التعييني لا يستفاد من الظهور اللفظي، بل يستفاد من الإطلاق و عدم ذكر العدل الواجب بحرف «أو» و نحو ذلك، فلا بد من رفع اليد عن إطلاق كل منهما في التعيين بصراحة الأخر في الوجوب. و نتيجة ذلك: هي التخيير بين الأمرين بمقتضى الجمع العرفي بين الروايات، كما هو الحال في نظائر المقام.

و يرد عليه: أوّلا: انا قد حققنا في المباحث الأصوليّة: ان ما افاده المحقق الخراساني- قده- في الكفاية، من ان مقتضى الإطلاق و مقدمات الحكمة في دوران الأمر بين الوجوب التعييني، و التخييري هو الوجوب التعييني، محلّ نظر، بل منع، لأنّ كون الوجوب التعييني قسما من مطلق الوجوب و قسيما للوجوب التخييري، يقتضي اعتبار أمر زائد على أصل الوجوب و مطلقه فيه، لانه لا يعقل ان يكون القسم عين المقسم. و عليه، فكيف يقتضي الإطلاق الثابت بسبب مقدمات الحكمة، خصوص قسم من المطلق و نوع من الجنس، و من المعلوم: ان كلام بعض الاعلام مبني على ما في الكفاية، فلا يبقى له مجال أصلا.

و ثانيا: ان صحيحة ابن بزيع المتقدمة في مسألة حدّ الضيق، مشتملة على نفي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 410

..........

______________________________

رواية عجلان أبي صالح، الدالة على إتمام العمرة و قضاء الطواف، بعد سؤال الرّاوي عنها و إيرادها اعتراضا على الرّضا- ع-، و مع تعرض الرواية المتأخرة لنفي الرواية المتقدمة، لا يبقى وجه لجعل كل

واحدة منها في طرف و ملاحظة الجمع الدلالي بينهما، أو إجراء قواعد المتعارضين من المرجحات و غيرها، فإن الرواية المتأخرة تكون بمنزلة الدليل الحاكم الناظر الى الدليل المحكوم و المتعرض له، و مع تصريحها بنفي الرواية المقابلة، لا وجه لطرح هذه المباحث.

و لا مجال لتوهم كون المنفي خصوص رواية عجلان، بعد كون النفي راجعا الى مفادها، و هو الإتمام، الذي يدل عليه بعض الروايات الأخر أيضا، ففي الحقيقة يكون المنفي جميع ما يدل على هذا المضمون.

كما ان اشتمال رواية ابن بزيع على كون حدّ الضيق زوال الشمس يوم التروية، و قد رجحنا خلافه، لا يقدح في صحة التمسك به، لنفي ما يدل على الإتمام و عدم العدول.

و عليه، فاللازم مراعاة خصوص ما يدل على العدول الى حجّ الافراد، و لا وجه لملاحظة ما يدل على خلافه، خصوصا مع ان التعبير بذهاب المتعة و السؤال عن وقته، كما في هذه الرواية، و وقوعه في الجواب في بعض الروايات لا يجتمع مع الحكم بالتخيير، لعدم اجتماع الذهاب مع التخيير بوجه. فالإنصاف: انّ الالتزام بالتخيير- و لو في خصوص ما إذا طرأ الحيض بعد الإحرام- لا سبيل إليه أصلا.

و امّا القول الرابع: و هو التفصيل بين الحيض حال الإحرام و الحيض بعده، بالعدول في الأوّل، و الإتمام و قضاء الطواف في الثاني. فقد قال السيد- قده- في العروة في وجهه: «اختاره بعض بدعوى انه مقتضى الجمع بين الطائفتين، بشهادة خبر أبي بصير: سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- يقول في المرأة المتمتعة إذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 411

..........

______________________________

أحرمت و هي طاهر، ثم حاضت قبل ان تقضي متعتها: سعت و لم تطف

حتى تطهر، ثم تقضي طوافها، و قد قضت عمرتها، و ان أحرمت و هي حائض، لم تسع و لم تطف حتى تطهر. «1» و في الرضوي: إذا حاضت المرأة من قبل ان تحرم الى قوله- ع-: و ان طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها، فتجعلها حجة مفردة، و ان حاضت بعد ما أحرمت، سعت بين الصفا و المروة، و فرغت من المناسك كلّها الّا الطواف بالبيت، فإذا طهرت قضت الطواف بالبيت، و هي متمتعة بالعمرة إلى الحج، و عليها طواف الحج و طواف العمرة و طواف النساء.

و قيل في توجيه الفرق بين الصورتين: ان في الصورة الأولى لم تدرك شيئا من أفعال العمرة طاهرا، فعليها العدول الى الافراد بخلاف الصورة الثانية، فإنها أدركت بعض أفعالها طاهرا، فتبني عليها و تقضي الطواف بعد الحج، و عن المجلسي- قده- في وجه الفرق ما محصله: ان في الصورة الاولى لا تقدر على نيّة العمرة، لأنها تعلم انّها لا تطهر للطواف و إدراك الحج، بخلاف الصورة الثانية، فإنها حيث كانت طاهرة وقعت منها النية و الدخول فيها».

أقول: امّا دعوى كونه مقتضى الجمع بين الطائفتين، فهي غريبة جدّا، لان كلتا الطائفتين واردتان في الحيض بعد الإحرام، و جعل التفصيل مقتضى الجمع، انما يكون مورده ما إذا كان كلا الدليلين المتقابلين مطلقين، فيجمع بينهما بحمل أحدهما على صورة و الأخر على صورة أخرى، و امّا مثل المقام، مما ورد الدليلان المتعارضان في خصوص صورة واحدة، فلا مجال للجمع بينهما بهذا النحو.

و امّا خبر أبي بصير، فمضافا الى ضعف سنده، فهو أيضا لا يكون شاهدا للجمع،

______________________________

(1) وسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثمانون ح- 5. و فيها بدل: و قد

قضت عمرتها: و قد تمت متعتها.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 412

..........

______________________________

بل هو من جملة الطائفة الدالة على عدم العدول، و مثله ما عن الفقه الرّضوي.

و أمّا القول الأوّل، في توجيه الفرق، فيرد عليه: ان عدم إدراكها في الصورة الأولى شيئا من أفعال العمرة طاهرا، لا يستلزم العدول بعد عدم اشتراط الإحرام بالطهارة و صحة وقوعه من الحائض و شبهها، كما ان إدراكها في الصورة الثانية بعض الافعال طاهرا، لا يستلزم البناء على العمرة، بعد عدم صحة الطواف و صلاته منها، كما لا يخفى.

و أمّا ما عن المجلسي- قده- فيرد عليه: منع عدم القدرة على نيّة العمرة، في الصورة الأولى، لأنه يحتمل ان تكون الوظيفة من الأوّل نيّة العمرة و إتمامها بدون الطواف، و قضائه بعد مناسك منى، كما ان وقوع نية العمرة منها، في الصورة الثانية، لا يستلزم إمكان إتمامها و صحته مع عدم إمكان وقوع الطواف و صلاته منها، فهذا القول مما لا سبيل إليه أصلا.

و امّا القول الخامس: و هي الاستنابة في الطواف و صلاته مطلقا، سواء كان حائضا حال الإحرام أو طاهرا، و عرض الحيض بعده: فلم يدل عليه دليل، لكنه يمكن توجيهه بان تعارض الروايات في المقام يوجب تساقطها و خروجها عن الحجيّة رأسا، و حينئذ، فمقتضى كون الوظيفة عمرة التمتع و الطواف قابل للاستنابة، مع عدم إمكان صدوره ممّن هو وظيفته، و لذا تستنيب الحائض بعد مناسك منى إذا ضاق الوقت عن الطهر و الإتيان به، لأجل عود الرفقة و عدم إمكان البقاء في مكّة لها، هي الاستنابة في عمرة التمتع أيضا.

و يرد عليه: انه لا مجال لدعوى تساقط النصوص و الروايات الواردة في

المقام، بل اللازم الأخذ بما يدل على العدول، لما يأتي ان شاء اللّٰه تعالى و قد تحصّل من جميع ما ذكرنا: ان الروايات الواردة في المقام على أربعة أقسام:

القسم الأوّل: ما يدل على العدول الى حج الافراد مطلقا، من دون فرق بين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 413

..........

______________________________

صورتي الإحرام حال الحيض و الحيض بعد الإحرام، كصحيحة جميل بن دراج المتقدمة.

الثاني: ما ورد في الحيض بعد الإحرام، و يدلّ على العدول الى حجّ الإفراد، كموثقة إسحاق بن عمار و صحيحة ابن بزيع المتقدمتين.

الثالث: ما ورد في هذه الصورة، و يدل على إتمام العمرة و قضاء طوافها بعد مناسك منى، كرواية عجلان أبي صالح و غيرها.

الرّابع: ما يدل على التفصيل بين الصورتين، و العدول في الحيض حال الإحرام و الإتمام في الحيض بعده، كخبر أبي بصير.

و امّا ما ورد في قصة أسماء بنت عميس، فقد عرفت عدم ارتباطه بالمقام، لان الكلام فيمن وظيفته حج التمتع، و قد كانت مشروعيته في حجة الوداع بعد قدوم النبي- ص- مكّة المكرمة، فلم يكن في البين عدول عن التمتع الى غيره، كما هو واضح.

ثم ان خبر أبي بصير، مضافا الى ضعف سنده، يكون صدره مطابقا للقسم الأول و ذيله مطابقا للقسم الثالث، و قد عرفت: انه لا يكون شاهدا للجمع بوجه.

و عليه، فالعمدة في المقام ملاحظة القسمين المتوسطين، و لا مجال للجمع الدّلالي بينهما بالتخيير أو غيره، بعد كون عنوان الاختلاف و التعارض الواقع في موضوع الاخبار العلاجية يكون كسائر العناوين الواقعة في ألسنة الأدلة الشرعية، التي يجب الرجوع فيها الى العرف و استفهام مفادها منه، و من الواضح ثبوت التعارض بين هذين القسمين عند

العرف، ضرورة ثبوت الاختلاف بين ما يدل على لزوم العدول و بين ما يدل على لزوم إتمام العمرة، بالنحو الذي ذكرنا.

و حينئذ، ان قلنا بما تقدم، من: انّ تعرض صحيحة ابن بزيع المتأخرة عن رواية عجلان لنفيها، و التصريح بعدم كونها الحكم الواقعي، امّا لعدم الصدور و امّا لكون صدورها لغرض أخر غير بيان الحكم الواقعي، يخرج الروايتين عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 414

..........

______________________________

عنوان المتعارضين الواقع موضوعا للاخبار العلاجية، بل الرواية المتأخرة- النافية للرواية المتقدمة- هي المعتبرة فقط، شبيه الدليل الحاكم، فاللّازم الأخذ بما يدلّ على العدول، المعبّر عنه في نفس الرواية بذهاب المتعة.

و ان لم نقل بذلك، بل قلنا بثبوت التعارض، و كون المورد من موارد الاخبار العلاجية، فمقتضى كون أوّل المرجحات، هي الشهرة الفتوائية على ما استظهرناه، من مقبولة ابن حنظلة المعروفة، الأخذ بما يدل على العدول أيضا، لأن المشهور شهرة عظيمة، كما عرفت من الجواهر، هو العدول بنحو الإطلاق.

و حينئذ فالحقّ مع المشهور، كما في المتن و العروة.

«تتمة» قد وقع التعرض في العروة لفرع لم يتعرض له الماتن- قده-، و حيث انه من المسائل التي يكثر الابتلاء بها، ينبغي البحث فيه، فنقول: قال فيها: «إذا حدث الحيض و هي في أثناء طواف عمرة التمتع، فان كان قبل إتمام أربعة أشواط بطل طوافها على الأقوى، و حينئذ فإن كان الوقت موسّعا أتمّت عمرتها بعد الطهر، و إلا فتعدل الى حج الافراد و تأتي بعمرة مفردة بعده، و ان كان بعد تمام أربعة أشواط فتقطع الطواف، و بعد الطّهر تأتي بالثلاثة الأخرى، و تسعى و تقصر مع سعة الوقت، و مع ضيقه تأتي بالسعي و تقصر ثم

تحرم للحج، و تأتي بأفعاله، ثم تقضي بقية طوافها قبل طواف الحج أو بعده، ثم تأتي ببقية أعمال الحج، و حجها صحيح تمتعا، و كذا الحال إذا حدث الحيض بعد الطواف و قبل صلاته» و يظهر من الماتن- قده- الموافقة له، حيث انه لم يخالف العروة في التعليقة عليها.

و التحقيق: ان لهذا الفرع صورا متعددة، لا بد من التعرض لكل واحدة منها مستقلا:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 415

..........

______________________________

الاولى: ان يحدث الحيض قبل إتمام أربعة أشواط مع سعة الوقت للاستيناف و إتمام عمرة التمتع، و المشهور فيها البطلان، لكن المحكي عن الصّدوق: الصحة و جواز إتمام الطواف بعد الطهر و الاغتسال، لانه بعد إيراده رواية حريز عن محمد بن مسلم الآتية، الدالة على ذلك، قال: و بهذا الحديث افتى دون غيره، و علّل بان فيه رخصة و رحمة، و إسناده متصل.

و قد استدل للمشهور بروايات:

منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق، عمّن سأل أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن امرأة طافت أربعة أشواط، و هي معتمرة ثم طمثت. قال: تمّ طوافها و ليس عليها غيره، و متعتها تامّة، و لها ان تطوف بين الصفا و المروة، لأنّها زادت على النصف و قد قضت متعتها، فلتستأنف بعد الحج، و ان هي لم تطف إلّا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج، فإن أقام بها جمالها بعد الحج، فلتخرج إلى الجعرانة أو الى التنعيم فلتعتمر. «1»

و رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن إبراهيم بن أبي إسحاق عن سعيد الأعرج، قال: سئل أبو عبد اللّٰه- ع- الى قوله: و لتستأنف بعد الحج.

«2»

و أورد على الطريق الأوّل بالإرسال، و على الطريق الثاني بضعف محمد بن سنان، و على الطّريقين بتردد إبراهيم بين الضعيف و المجهول. و لكن الظاهر عدم ورود الإيراد بالإرسال، لأن إبراهيم إنما ينقله عمّن سأله- ع- جزما، و من الظاهر وجود الفرق بين ان يروي عمن يقول: سألته- ع- و بين ان يروي عمّن سأله- ع-،

______________________________

(1) وسائل أبواب الطواف الباب الخامس و الثمانون ح- 4.

(2) وسائل أبواب الطواف الباب السادس و الثمانون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 416

..........

______________________________

الظاهر في ثبوت السؤال و الجواب جزما عند الرّاوي، و الّا يلزم الإرسال في الثاني أيضا، لعدم معلومية السائل، فتدبّر.

و امّا الدلالة: فالمراد من قوله- ع-: تمّ طوافها. هي تمامية أربعة اشواطه، التي طافتها، لا تمامية الطواف بجميع اشواطه. و المراد من قوله: ليس عليها غيره، اي غير ما بقي من الطواف، و قوله: فلتستأنف بعد الحج. يجري فيه احتمالان:

أحدهما: ان يكون المراد قضاء ما بقي من الطواف، بان تكون كلمة «بعد» مضافة الى الحج. و ثانيهما: ان يكون المراد الشروع في الحج بعد تمامية العمرة، و يكون الحج مفعولا، و كلمة «بعد» مضمومة، غير مضافة الى الحج.

و كيف كان، فموردها صورة عدم سعة الوقت لإتمام الطواف قبل الشروع في الحج، كما ان مورد صورة الطواف ثلاثة أشواط، عدم السّعة، خصوصا مع الأمر بالعمرة المفردة بعده، فيما إذا قام بها جمالها بعد الحج، و من هنا يستشكل في الاستدلال بالرواية لصورة سعة الوقت، التي هي محلّ البحث فعلا، لان البطلان مع الضيق لا يستلزم البطلان مع السعة، كما هو المدعى.

و منها: ما رواه الشيخ بإسناده، عن موسى بن القاسم عن

صفوان بن يحيى عن ابن مسكان، عن أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ، قال: حدثني من سمع أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- يقول في المرأة المتمتعة: إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم حاضت فمتعتها تامّة، و تقضي ما فاتها من الطواف بالبيت و السعي بين الصفا و المروة، و تخرج إلى منى قبل ان تطوف الطواف الأخر. «1» قال في الوسائل، بعد نقلها عن الشيخ: و رواه الكليني عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبّار عن صفوان بن يحيى عن ابن مسكان، عن إسحاق بيّاع اللّؤلؤ، نحوه، الى قوله: فمتعتها تامّة.

______________________________

(1) وسائل أبواب الطواف الباب السادس و الثمانون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 417

..........

______________________________

و الظاهر ان المراد من الطواف الأخر، هي بقية الأشواط التي منع الحيض من الإتيان بها. و يرد على الاستدلال بها، مضافا الى ما ذكرنا، من: ان موردها صورة الضيق، و الكلام فعلا في صورة السعة: ان دلالتها انّما هي بالمفهوم، لعدم التعرض لما إذا طافت أقلّ من أربعة أشواط.

ثم انه يغلب على الظن اتّحاد جميع هذه الرّوايات، و ان وقع التعبير في إحداها بإبراهيم بن إسحاق، و في الثانية بإبراهيم بن أبي إسحاق، و في الثالثة بابي إسحاق صاحب اللؤلؤ، و في الرابعة بإسحاق بيّاع اللؤلؤ، لرواية ابن مسكان عنه، و كون الجميع حاكيا لجوابه- ع-، و ان الحاكي له غير مشخص، و اختلاف العناوين انما يكون ناشيا عن اختلاف الناسخين أو الرواة في مقام التعبير، و عليه، فالظاهر انه لا يكون في هذه القضية إلا رواية واحدة، و ان لم يقع التعرض للطواف ثلاثة أشواط، الذي هو محل الكلام، إلّا في بعض الروايات،

و هي الرواية الأولى فقطّ، لكن الأمر سهل بعد عدم صحة الاستدلال بها لهذه الصورة، التي هي محلّ البحث فعلا.

و منها: ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن عليّ بن الحسن عن عليّ بن أبي حمزة و محمد بن زياد عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو بين الصفا و المروة فجاوزت النصف، فعلمت ذلك الموضع، فإذا طهرت رجعت فأتمّت بقيّة طوافها من الموضع الذي علمته، فإن هي قطعت طوافها في أقلّ من النصف، فعليها أن تستأنف الطواف من اوّله. «1» و سلمة بن الخطاب قد ضعفه النجاشي.

و منها: مرسلة أحمد بن عمر الحلال، عن أبي الحسن- عليه السلام-، قال: سألته

______________________________

(1) وسائل أبواب الطواف الباب الخامس و الثمانون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 418

..........

______________________________

عن المرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلّت، قال: إذا حاضت امرأة و هي في الطواف بالبيت أو بالصفا و المروة، و جاوزت النصف، علمت ذلك الموضع الذي بلغت، فإذا هي قطعت طوافها في أقلّ من النصف، فعليها أن تستأنف الطواف من اوّله. «1»

و ضعف السندين مجبور باستناد المشهور إليهما، كما ان اشتمالهما على بطلان السعي مع حدوث الحيض في أقلّ من النصف، و على اشتراط صحة الإتمام في غيره بالطهارة، مع ان السعي لا يشترط فيه الطهارة بوجه، لا يقدح في الاستدلال بهما لحكم الطواف بالبيت، كما لا يخفى، فالرّوايتان دليلان على البطلان، كما ذهب اليه المشهور.

لكن في مقابلهما صحيحة محمد بن مسلم، التي رواها الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمن عن حمّاد بن

عيسى عن حريز عنه، قال:

سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن امراة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك، ثم رأت دما.

قال: تحفظ مكانها، فإذا طهرت طافت و اعتدت بما مضى. «2»

و لكن مقتضى ما ذكرناه، من: ان أوّل المرجحات هي الشهرة الفتوائية، ترجيح الأوليين على الأخيرة، و الفتوى على طبقهما، لوجود المعارضة و عدم وجود الجمع الدلالي في البين.

و لكنّه أفاد بعض الاعلام: ان هذه الرواية، و ان كانت صحيحة، الّا انها لم ترد في طواف الفريضة، و انما هي مطلقة، فترفع اليد عن إطلاقها و تحمل على النافلة.

______________________________

(1) وسائل أبواب الطواف الباب الخامس و الثمانون ح- 2.

(2) وسائل أبواب الطواف الباب الخامس و الثمانون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 419

..........

______________________________

و يرد عليه: وضوح كون كلتا الطائفتين واردتين في مورد واحد، و هو امّا مطلق الطواف أو خصوص الفريضة، و لا مجال لدعوى التفكيك بوجه. و عليه، فاللازم على طبق مبناه هو الأخذ بالصحيحة و الفتوى على طبقها، كما صنعه الصّدوق.

و امّا ما حكي عن الشيخ من حمله الصحيحة على النافلة، فلأجل انه قد ثبت عنده ان طواف الفريضة متى نقص عن النصف يجب على صاحبه استينافه من اوّله، بخلاف النافلة، مع انه هو محلّ الكلام عند بعض الاعلام، فلا يبقى مجال عنده للحمل المزبور.

نعم، هنا شي ء أخر ينتج البطلان، مع قطع النظر عن الرّوايتين، و هو: انه متى نقص طواف الفريضة عن النصف و أحدث الطائف و خرج ليتوضّأ، بطل طوافه، بخلاف النافلة.

و عليه، يمكن ان يقال بجريان الحكم في الحيض، امّا بالأولوية، و امّا لأجل أن الحائض في أيام حيضها، التي لا تكون أقل من الثلاثة،

لا يخلو من الاحداث الناقضة للوضوء لا محالة، فيصير البطلان مستندا إليها لا الى الحيض.

و لكن ذلك أيضا لا يقاوم الرواية الصحيحة، الواردة في خصوص الحيض، الدالة على عدم البطلان بالحدوث قبل تحقق النصف. و كيف كان، فالحق بمقتضى ما ذكرنا: هو الحكم بالبطلان.

الصورة الثانية: ما إذا طرأ الحيض قبل أربعة أشواط، مع عدم سعة الوقت و ضيقه عن إتمام الطواف بعد الطهر أو استينافه. ربما يقال: بان هذه الصورة داخلة في المسألة السابقة- الواردة في عروض الحيض قبل الشروع في الطواف- الدالة على العدول الى حج الافراد مع ضيق الوقت، الذي عرفت حدّه.

و لكن الأدلة الدالة على العدول المتقدمة لا تشمل هذه الصورة، فإن موردها عروض الحيض قبل الشروع في الطواف، و العدول في هذا المورد لا يستلزم العدول

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 420

..........

______________________________

في المقام بعد تحقق الشروع في الطواف، لو لم يقم دليل خاص عليه فيه، و البطلان مع السعة، كما مرّ في الصورة الاولى، لا دلالة له على حكم المقام أيضا فاللازم الاستدلال لخصوص هذه الصورة بدليل خاص.

و الدليل الخاص هي رواية إبراهيم بن إسحاق المتقدمة في أصل المسألة على نقل الصدوق، المشتملة على قوله- ع- في الذيل: و ان هي لم تطف إلّا ثلاثة أشواط، فلتستأنف الحج، فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعرانة أو الى التنعيم، فلتعتمر «1» و ضعف السند منجبر باستناد المشهور إليها.

و يؤيده التعليل الوارد في رواية سعيد الأعرج المتقدمة «2»، الدالة على تمامية المتعة إذا طمثت المرأة بعد الطواف أربعة أشواط. معللة بأنها زادت على النصف، فان مقتضى التعليل عدم التمامية مع عدم تجاوز النصف، و لازمة

العدول الى حج الافراد، كما أنه يؤيده مفهوم رواية أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ المتقدمة أيضا. «3»

المشتملة على قوله- ع- في المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم حاضت، فمتعتها تامّة. فإن مفهومها عدم التمامية، مع عدم تحقق الطواف أربعة أشواط.

ثمّ انه ربما يقال: ان ظاهر كلام الصدوق- قده- هو جواز الإتمام في هذه الصورة أيضا، مع ان المحكي عنه هو الفتوى على طبق رواية حريز المتقدمة، و الظاهر ان مورد الرواية صورة السعة و عدم الضيّق.

الصورة الثالثة: ما إذا طرأ الحيض بعد إتمام الشوط الرابع: و المشهور فيها صحة الطواف و تمامية العمرة المتمتع بها، من دون فرق بين صورتي السّعة و الضيق.

______________________________

(1) وسائل أبواب الطواف الباب الخامس و الثمانون ح- 4.

(2) وسائل أبواب الطواف الباب السادس و الثمانون ح- 1.

(3) وسائل أبواب الطواف الباب السادس و الثمانون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 421

..........

______________________________

غاية الأمر، أنه في صورة السّعة تتم طوافها بعد الطهر و تسعى و تقصّر، و في صورة الضيق تقضي ما فاتها بعد الوقوفين، و قضاء مناسك منى و العود إلى مكّة، و المحكي عن ابن إدريس بطلان الطواف في هذه الصورة أيضا، و عن المدارك الميل اليه.

و يدل على المشهور منطوق الروايات الثلاث، التي أشير إليها في الصورة الثانية، ففي الثانية قال: سئل أبو عبد اللّٰه- ع- عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط، و هي معتمرة ثمّ طمثت. قال: تتم طوافها، فليس عليها غيره، و متعتها تامة، فلها ان تطوف بين الصفا و المروة، و ذلك لأنها زادت على النصف، و قد مضت متعتها، و لتستأنف بعد الحج. و ضعف اسنادها مجبور باستناد المشهور

إليها.

و دعوى ان موردها خصوص صورة الضيق، و المدعى أعم منها و من صورة السعة. مدفوعة: بأن المستفاد منها هو اشتراك الصورتين في صحة الأشواط التي طافتها. غاية الأمر، اختلافهما في تمامية المتعة و عدمها، و العدول الى حجّ الافراد، و بعبارة أخرى: هنا حكمان أحدهما أصل الصحة، و الثاني العدول و عدمه.

و الظاهر من الروايات ان الاختلاف بين صورتي الضيق و عدمه انما هو في خصوص الحكم الثاني، و انهما مشتركتان في الحكم الأوّل فتدبّر.

الصورة الرابعة: ما إذا طرأ الحيض بعد تمامية الطواف و قبل الإتيان بصلاته:

و مقتضى ما ذكرنا في الصورة الثالثة، و ان كان هو الحكم بالصحة و تمامية العمرة في هذه الصورة أيضا، بل بطريق أولى، الّا انه لا حاجة الى هذا بعد ورود الروايات المتعددة في خصوص هذه الصورة:

منها: مضمرة زرارة، قال: سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل ان تصلي الركعتين. فقال: ليس عليها إذا طهرت الّا الركعتين، و قد قضت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 422

..........

______________________________

الطواف. «1» و لا يقدح الإضمار فيها بعد كون المضمر زرارة، الذي ليس من شأنه السؤال من غير الامام عليه السلام، و السؤال فيها مطلق شامل لطواف الحج مطلقا، و طواف عمرة التمتع، الذي هو محل البحث في المقام و طواف العمرة المفردة، بل شامل للطواف المستحب أيضا، الّا ان قوله- ع- في الجواب: «ليس عليها إذا طهرت الا الركعتين» ظاهر في وجوبهما، مع ان وجوب الصلاة مورده الطواف الواجب و كيف كان، فالرواية ظاهرة في صحة الطواف و عدم العدول الى حج الافراد، من دون فرق بين صورتي سعة الوقت و ضيقه، كما لا يخفى.

و منها:

صحيحة أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن امرأة طافت بالبيت في حج أو عمرة، ثم حاضت قبل ان تصلي الركعتين.

قال: إذا طهرت فلتصلّ ركعتين عند مقام إبراهيم، و قد قضت طوافها. «2»

و منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت قبل ان تسعى. قال: تسعى. قال: و سألته عن امرأة سعت بين الصفا و المروة، فحاضت بينهما. قال: تتمّ سعيها. «3»

نظرا الى ان إطلاق السؤال و ترك الاستفصال يشمل ما إذا اطرأ الحيض بعد الطواف و قبل صلاته، و لكن يمكن المناقشة في الإطلاق بلحاظ ان المتفاهم العرفي من السؤال المزبور هو وقوع الحيض بعد الطواف و صلاته المتعلقة به، المشتملة على نيّته، و لكن ما تقدم من الروايات كاف في إثبات الحكم، خصوصا مع وجود الأولوية التي أشير إليها.

ثم ان الحكم في هذه الصورة، و كذا الصورة السّابقة واضح في ما إذا ضاق

______________________________

(1) وسائل أبواب الطواف الباب الثامن و الثمانون ح- 1.

(2) وسائل أبواب الطواف الباب الثامن و الثمانون ح- 2.

(3) وسائل أبواب الطواف الباب التاسع و الثمانون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 423

..........

______________________________

الوقت، بالإضافة إلى السّعي و التقصير، و انّ الحائض التي منعها الحيض من إتمام الطواف بعد أربعة أشواط أو من صلاة الطواف، تأتي بالسعي و التقصير في ضيق الوقت، و تقضي ما فاتها بعد مناسك منى.

و امّا في صورة السّعة، فهل يجب عليها البقاء على الإحرام حتى تطهر و تغتسل، و تأتي بما فات منها قبل السعي و التقصير، و الايمان بهما بعده، أو يجوز لها الإتيان بالسعي

و التقصير و الخروج من الإحرام، و الإتيان بما فات منها بعد الطهارة و الغسل؟ قال في الجواهر بعد الاستدلال بالروايتين الأولتين في المقام للحكم المزبور: «نعم، لا دلالة فيهما على جواز فعل بقية أفعال العمرة ثم الإحلال فيها، ثم قضاء الركعتين بعد ذلك مع السعة، فالأحوط حينئذ و الاولى انتظارها الطهر مع السعة».

قلت: بل هو مقتضى القاعدة، لأنه مع سعة الوقت و إمكان رعاية الترتيب بعد الطهر و الاغتسال، لا وجه لرفع اليد عن مقتضى دليل الترتيب، و قيام الدليل على عدم لزوم رعايته مع الضيق، لا يوجب جواز الإخلال به مع السعة، كما هو ظاهر. هذا تمام الكلام في الفرع الأول من أصل المسألة، و ما يتعلق به من الفرع الذي تعرض له في العروة.

الفرع الثاني: ما لو دخل مكة بلا إحرام لعذر، من نسيان أو غيره، و ضاق الوقت عن الإتيان بعمرة التمتع:

و الظاهر على ما يستفاد من أدلة العدول: الإحرام لحج الافراد و الإتيان بعمرة مفردة بعده. و لا يرد على ذلك ما أوردناه على المتن في الحكم بالعدول، فيما لو علم حال الإحرام من الميقات ضيق الوقت عن إتمام عمرة التمتع، من عدم شمول أدلة العدول لهذه الصورة.

و الوجه في عدم الورود: انه في المقام ينحصر الطريق بالعدول، لان المفروض

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 424

مسألة 8- صورة حج الافراد كحجّ التمتّع إلّا في شي ء واحد، و هو ان الهدي واجب في حجّ التمتع و مستحبّ في الافراد. (1)

______________________________

انه لم يحرم بعد، و الوقت لا يسع للعمرة بوجه، فالحكم بعدم العدول مساوق لرفع اليد عن الحج و عدم الإتيان به، مع ان ترك الإحرام

من الميقات كان مسبّبا عن العذر، فذلك الاشكال لا يرد هنا.

(1) ذكر في الجواهر عقيب قول الشرائع: و هو واجب على المتمتع:

«بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في المنتهى إجماع المسلمين عليه» و عقيب قوله: و لا يجب على غيره، سواء كان مفترضا أو متنفلا:

«بلا خلاف أجده فيه الّا ما يحكى عن سلّار، من عدّ سياق الهدي للمقرن في أقسام الواجب» فيظهر انه لم يخالف أحد في عدم الوجوب في حج الافراد، و يدل على كلا الحكمين، قبل الإجماع- الذي لا أصالة له- الكتاب و السنّة.

امّا الكتاب: فقوله تعالى «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» لظهوره في وجوب الهدي في خصوص حج التمتع دون غيره.

و امّا السنّة: فروايات مستفيضة:

منها: رواية سعيد الأعرج، قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام-: من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكّة حتى يحضر الحج من قابل، فعليه شاة، و من تمتع في غير أشهر الحج ثم جاور حتى يحضر الحج، فليس عليه دم، انما هي حجة مفردة، و انّما الأضحى على أهل الأمصار. «1» و في سندها محمد بن سنان، لكن دلالتها ظاهرة، و المراد بالتمتع في كلتا الجملتين هي العمرة المفردة. و قد عرفت: ان العمرة المفردة إذا وقعت في أشهر الحج تحتسب عمرة التمتع، إذا أقام المعتمر بمكة و بدا له ان يحج، بخلاف ما إذا وقعت في غير أشهر الحج. و عليه، فالإقامة في مكة في هذه

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب العاشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 425

..........

______________________________

الصورة لا يمكن ان يكون الغرض منها حج التمتع، و التعبير عنها بالتمتع انّما

هو للمشابهة، و المراد بأهل الأمصار من تكون وظيفته حجّ التمتع، كما هو ظاهر.

و منها: صحيحة زرارة، قال سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن الذي يلي المفرد للحج في الفضل. فقال: المتعة، فقلت: و ما المتعة، فقال: يهلّ بالحج في أشهر الحج، فإذا طاف بالبيت فصلى الركعتين خلف المقام و سعى بين الصفا و المروة و قصر و أحلّ، فإذا كان يوم التروية أهلّ بالحج و نسك المناسك، و عليه الهدي، فقلت: و ما الهدي؟ فقال: أفضله بدنة و أوسطه بقرة و أخفضه شاة، و قال: قد رأيت الغنم يقلّد بخيط أو بسير. «1»

و الرواية كما تدل على وجوب الهدي على المتمتع، كذلك تدل على عدم وجوبه على غيره، لان تخصيص الهدي بالذكر من بين المناسك الظاهر في انه من خصوصيات التمتع، و لا يشترك معه غيره، لا يكاد يتمّ بدون ما ذكر، كما ان السؤال عن الهدي أيضا دليل على عدم ثبوته في غيره، و الّا لا يبقى له مجال.

و منها: رواية إسحاق بن عبد اللّٰه، قال: سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن المعتمر «المقيم» بمكّة يجرّد الحج أو يتمتع مرّة أخرى. فقال: يتمتّع أحبّ الىّ، و ليكن إحرامه من مسيرة ليلة أو ليلتين، فإذا اقتصر على عمرته في رجب لم يكن متمتعا، و ان لم يكن متمتعا لا يجب عليه الهدي. «2»

و منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المفرد، قال: ليس عليه هدي و لا أضحيّة. «3» و الظاهر ان المراد من

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الخامس ح- 3.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الرابع ح- 20. لكن المذكور فيه خال

عن قوله: فإذا اقتصر ..

إلخ. مع انه مذكور في التهذيب الذي رواه في الوسائل عنه.

(3) وسائل أبواب الذبح الباب الأوّل ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 426

..........

______________________________

الهدي ما هو الثابت في حج القران، و من الأضحية ما هو الواجب في حج التمتع.

و يدل على الحكمين أيضا بعض الروايات المتقدمة، الواردة في العدول عن التمتع الى الافراد في مورد الضيق، الدالة على انّ اثر العدول عدم وجوب الهدي عليه، كصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع فراجع.

لكن في المقام رواية، لعلّه يتوهم منها خلاف ما ذكرنا، و هي صحيحة عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- انه قال في رجل اعتمر في رجب، فقال: ان كان أقام بمكّة حتى يخرج منها حاجّا: فقد وجب عليه هدي، فإن خرج من مكّة حتى يحرم من غيرها، فليس عليه هدي. «1» قال في الوسائل، بعد نقل الرواية: «أقول: المراد بخروجه منها حاجّا الإحرام منها بحج التمتع بعد العمرة، و المراد بأخرة: الإحرام بغير التمتع. أشار إليه الشيخ، و جوّز حمله على الاستحباب».

و لا يخفى بعد الحمل الأول، بعد كون ظاهر الرواية: ان الاختلاف بين الصورتين هو تحقق الإحرام من مكة في الاولى و من غيرها في الثانية، و لا يجتمع الإحرام من مكة مع حج التمتع، الذي يعتبر فيه سبق العمرة و لزوم كون عمرته من أحد المواقيت المعروفة، و العمرة الواقعة في رجب، حيث انها وقعت في غير أشهر الحج، لا تنقلب إلى عمرة التمتع بوجه.

كما ان الحمل على الاستحباب انما يصحح حكم الصورة الاولى، و امّا عدم ثبوت الهدي في الصورة الثانية، التي لا بد من ان يكون المراد منها-

بناء على هذا الحمل- هو حج التمتع، فلا ينطبق على المدعى.

و حكى في الجواهر في مقام الحمل قولا: بان هذا الهدي جبران، ان كان

______________________________

(1) وسائل أبواب الذبح الباب الأوّل ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 427

[مسألة 9- صورة العمرة المفردة كعمرة التمتع إلّا في أمور]

مسألة 9- صورة العمرة المفردة، كعمرة التمتع إلّا في أمور:

أحدها: انّ (أنّه ظ) في عمرة التمتع يتعين التقصير و لا يجوز الحلق، و في العمرة المفردة تخيّر بينهما.

ثانيها: انه لا يكون في عمرة التمتع طواف النساء، و ان كان أحوط، و في العمرة المفردة يجب طواف النساء.

ثالثها: ميقات عمرة التمتع أحد المواقيت الآتية، و ميقات العمرة المفردة أدنى الحلّ، و ان جاز فيها الإحرام من تلك المواقيت. (1)

______________________________

عليه ان يحرم من خارج، وجوبا أو استحبابا، فأحرم من مكّة، فإن خرج حتى يحرم من موضعه، فليس عليه هدي. قال: «بل ربما كان ما في الدروس، من ان فيه دقيقة اشارة اليه، قال فيها: و في صحيح العيص: يجب على من اعتمر في رجب و اقام بمكّة و خرج منها حاجّا، لا على من خرج فأحرم من غيرها، و فيه دقيقة».

أقول: و هذا الحمل أيضا خلاف الظاهر جدّا، و الذي ينبغي ان يقال: هو الالتزام بثبوت التعارض بين الصحيحة و بين الروايات المتقدمة الظاهرة في عكس الصحيحة، و حيث ان الشهرة الفتوائية- التي هي أوّل المرجحات- موافقة لتلك الروايات، فالترجيح معها، و مع وجود هذا المرجح لا تصل النوبة الى مخالفة العامّة، و حمل الأخر على التقية، كما هو ظاهر.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة بلحاظ اختلاف العمرتين، في ثلاثة أمور في مقامات ثلاثة:

المقام الأوّل: في تعين التقصير في عمرة التمتع و التخيير بينه

و بين الحلق في العمرة المفردة، و المشهور هو التعين في عمرة التمتع، لكن عن الخلاف: إطلاق «ان المعتمران حلق جاز، و التقصير أفضل» و يحتمل ان يكون مراده خصوص العمرة المفردة، و عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 428

..........

______________________________

المختلف: انه قال: كان يذهب إليه والدي، و عن التهذيب: من عقص شعر رأسه عند الإحرام أو لبّده فلا يجوز له الا الحلق، و متى اقتصر على التقصير كان عليه دم شاة، و عن المنتهى: ان الحلق مجز، و ان قلنا: انه محرم، لكونه عن أمر خارج عن التقصير.

و يدلّ على التعين روايات متعددة: أظهرها صحيحة زرارة المتقدمة في المسألة الثامنة، الواردة في جواب السؤال عن ماهية المتعة، الدالة على التقصير بعد سائر المناسك، و انّ بعده يتحقق الإحلال، و كذا روايات أخرى واردة في بيان كيفية حج التّمتع، الشامل لعمرته، المتقدمة بعضها، أو كيفية خصوص عمرته.

و منها: رواية عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: سمعته يقول: طواف المتمتع ان يطوف بالكعبة و يسعى بين الصفا و المروة و يقصّر من شعره، فإذا فعل ذلك فقد حلّ. «1» و الظاهر ان المراد بالطواف- المضاف الى المتمتع- هو مناسكه، و المراد بالمضاف اليه: من أحرم لعمرة التمتع، و تعليق الحكم بالإحلال على التقصير بعد سائر المناسك، ظاهر في عدم تحققه بدونه، كما لا يخفى.

و منها: رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: ثم ائت منزلك، فقصّر من شعرك، و حلّ لك كلّ شي ء. «2»

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: إذا فرغت من سعيك و أنت

متمتع، فقصّر من شعرك من جوانبه، و لحيتك، و خذ من شاربك، و قلّم أظفارك و أبق منها لحجّك، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ

______________________________

(1) وسائل أبواب التقصير الباب الأوّل ح- 2.

(2) وسائل أبواب التقصير الباب الأوّل ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 429

..........

______________________________

شي ء يحلّ منه المحرم و أحرمت منه، فطف بالبيت تطوّعا ما شئت. «1»

و استدل في الجواهر له أيضا بقول الصادق- ع- في صحيحة معاوية بن عمار:

ليس في المتعة إلّا التقصير. و لكنه حيث يكون ذيلا للرواية، فاللازم ملاحظة مجموعها، فنقول: روي عنه- ع- قال: إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبّدته، فقد وجب عليك الحلق و ليس لك التقصير، و ان أنت لم تفعل، فمخير لك التقصير و الحلق في الحج، و ليس في المتعة إلّا التقصير. «2» و قد استدل الشيخ في محكي التهذيب بهذه الرواية، لما ذهب اليه فيه مما مرّ، و بصحيحة عيص، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل عقص شعر رأسه، و هو متمتع، ثم قدم مكّة فقضى مناسكه، و حلّ عقاص رأسه فقصّر و ادهن و أحلّ. قال: عليه دم شاة. «3»

و يحتمل في الرواية الاولى ان يكون قوله: في الحج. مرتبطا بخصوص الفقرة الثانية، و عليه تكون الفقرة الأولى مطلقة شاملة للحج و العمرة، مفردة كانت أو متمتّعا بها، فينحصر مفاد الفقرة الثالثة بخصوص ما إذا لم يكن هناك عقاص و لا تلبيد، و لا دلالة لها على كون التقصير لازما في التمتع مطلقا.

و يحتمل ان يكون قوله: في الحج. راجعا الى كلتا الفقرتين: الاولى و الثانية، و على هذا التقدير يدل على كلام المشهور،

و ان كان يمكن المناقشة فيه: بان الحصر إضافي في مقابل الحج، و الكلام انّما في عمرة التمتع في مقابل العمرة المفردة، التي لم يقع التعرض لها في الرواية على هذا التقدير أصلا. فتدبّر.

و امّا الرواية الثانية، الواردة في خصوص عمرة التمتع للتعبير بالمتمتع الذي قدم مكّة، و هو لا يصدق على حج التمتع أيضا، لأن التعبير فيه هو الرجوع الى مكّة أو

______________________________

(1) وسائل أبواب التقصير الباب الأوّل ح- 4.

(2) وسائل أبواب الحلق و التقصير الباب السابع ح- 8.

(3) وسائل أبواب الحلق و التقصير الباب السابع ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 430

..........

______________________________

العود إليها أو أشباههما، فهي ظاهرة في خلاف المشهور، و لا وجه لحمل ثبوت الدم على الاستحباب بعد كون التقصير وظيفة المتمتع، فلا بد من ترجيح أدلّة المشهور بسبب الموافقة للشهرة الفتوائية.

ثمّ انه ربما يقال، كما قيل في وجه جواز الحلق في عمرة التمتع: انّ أوّل الحلق التقصير، و ان وقع الخلاف في جوازه من جهة الحكم التكليفي، حيث ان ظاهر إطلاق الشيخ- قده- في محكي الخلاف: الجواز، و صريح العلامة في محكي المنتهى: العدم، كما مرّ. و يظهر من كليهما ان التقصير و الحلق يكون من باب الأقل و الأكثر، مع انه ممنوع عرفا، سواء أريد به الأقل و الأكثر من جهة الكميّة، بأن كان حلق بعض الرأس- المتحقق أوّلا- معدودا بعنوان التقصير، أو أريد به الأقل و الأكثر من جهة الكيفية، مع انه على تقدير تسليم ذلك، حيث انّ أجزاء العمرة و كذا الحج لا بد من تعلق النية بعنوانها، فالطواف لا بد من ان تتعلق النية بعنوانه، مضافة الى قصد القربة، و كذا

سائر الاجزاء. و عليه، فمع فرض كون اللازم في عمرة التمتع هو التقصير، كما هو المفروض، لا بد من تعلّق القصد بعنوانه، فلا مجال لإرادة الحلق و قصد هذا العنوان، كما هو ظاهر، فالذهاب إلى كفاية الحلق من هذا الطريق أيضا ممّا لا سبيل إليه أصلا.

ثم انه ينبغي التعرض في هذا الأمر لجهتين:

إحديهما: انه ذكر المحقق- قده- في الشرائع، بعد الحكم بلزوم التقصير في عمرة التمتع، قال: «و لا يجوز حلق الرأس، و لو حلق لزمه دم» و ظاهره ثبوت الكفارة، مضافا الى عدم الجواز في الحلق مكان التقصير. و عليه، فمورد كلامه، هذه الصورة:

فالحلق في أثناء العمرة، كالحلق بعد الطواف، و قبل السعي خارج عن مورد كلامه، كما ان الحلق بعد تمامية عمرة التمتع و الإحلال من إحرامها قبل الشروع في الحج أيضا يكون كذلك، و ذكر في الجواهر بعد الكلام المزبور قوله: «كما صرّح

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 431

..........

______________________________

به غير واحد من الأصحاب، بل هو المشهور».

و قد استدلّوا بما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان عن عبد اللّٰه بن مسكان عن إسحاق بن عمّار عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المتمتع أراد ان يقصر فحلق رأسه، قال: عليه دم يهريقه، فإذا كان يوم النّحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد ان يحلق. «1» و هي ضعيفة بمحمد بن سنان، و استناد المشهور إلى الرواية الضعيفة، و ان كان جابرا لضعفها، الّا انه فيما إذا كان مفاد الرواية موافقا للشهرة، و المقام ليس كذلك، فان الظاهر ان موردها صورة النسيان، و ثبوت الكفارة فيها مخالف للمشهور، بل

ذكر في الجواهر، انه حكى الإجماع ممّن عدا الماتن: على عدم وجوب ذلك عليه.

و الظاهر ان مراده إطلاق عبارة الماتن لا التصريح بالتعميم، كما لا يخفى. و عليه، فالرواية لا جابر لضعفها بعد عدم ثبوت الشهرة على وفقها، بل ثبوتها على خلافها.

و بصحيحة جميل بن درّاج انه سأل أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن متمتع حلق رأسه بمكّة. قال: ان كان جاهلا، فليس عليه شي ء، و ان تعمّد ذلك في أوّل شهور الحج بثلاثين يوما، فليس عليه شي ء، و ان تعمّد بعد الثلاثين يوما، التي يوفّر فيها الشعر للحج، فان عليه دما يهريقه. «2» و الرواية و ان كانت معتبرة من حيث السّند، الّا ان الظاهر ان مورد السؤال هو المتمتع، الذي فرغ من عمرته و أحلّ منها، بما يوجب الخروج من الإحرام، و هو التقصير بعد سائر الأعمال، فالمراد هو الحلق بين العمرة و الحج، و يؤيّده التقييد بقوله: بمكّة. مع ان الجواب المشتمل على التفصيل في صورة العمد ظاهر في ان الحكم بثبوت الدم انّما هو

______________________________

(1) وسائل أبواب التقصير الباب الرابع ح- 3.

(2) وسائل أبواب التقصير الباب الرابع ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 432

..........

______________________________

بلحاظ ترك توفير الشعر في المدة المذكورة، الذي يكون مستحبا عند الأصحاب و واجبا عند الشيخين، بل ذكر في الجواهر: ان المحكي عن المفيد- قده- التصريح بوجوب الدّم فيه. و كيف كان، فالرواية لا ترتبط بالمقام، فلا وجه للحكم بوجوب الدم فيما هو محلّ الكلام، و ان كان هو مقتضى الاحتياط، حتى في صورة السهو، التي هي مشمولة للإطلاق.

ثانيتهما: في حكم ترك التقصير في عمرة التمتع: فاعلم: انه قد يتحقق الترك سهوا،

و يهلّ بالحج مع عدمه، و قد يتحقق عمدا و عن التفات:

أمّا الصورة الأولى: فالكلام، تارة: في صحة المتعة و بطلانها، و اخرى في ثبوت الكفارة و عدمه، امّا من الجهة الأولى: فقد نفى وجدان الخلاف في الصحة، في الجواهر، و يدل عليه روايات متعددة:

منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا إبراهيم- عليه السلام- عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحجّ، فدخل مكّة فطاف و سعى و لبس ثيابه و أحلّ، و نسي أن يقصّر، حتى خرج الى عرفات. قال: لا بأس به يبني على العمرة و طوافها، و طواف الحج على أثره. «1»

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام-، قال: سألته عن رجل أهلّ بالعمرة و نسي أن يقصّر حتى دخل في الحج. قال: يستغفر اللّٰه، و لا شي ء عليه، و قد تمّت عمرته. «2»

و منها: صحيحة إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي إبراهيم- ع-: الرجل يتمتّع فينسى أن يقصّر حتى يهلّ بالحج فقال: عليه دم يهريقه. «3» و الاقتصار على الحكم

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الخمسون ح- 2.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الخمسون ح- 3.

(3) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الخمسون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 433

..........

______________________________

بثبوت الكفارة في هذه الرواية يدل على صحة المتعة و تماميتها، فلا اشكال من هذه الجهة.

و امّا من الجهة الثانية: فموضع خلاف، فالمحكي عن سلار و ابن إدريس و القواعد: عدم ثبوت الكفارة بوجه، لكن عن الشيخ و بني زهرة و البراج و حمزة:

الثبوت، و العمل على طبق الرواية الأخيرة، و لكن قال في الوسائل بعد نقلها:

حمله جماعة

من الأصحاب على الاستحباب، لما سبق- يعني صحيحة معاوية بن عمّار- و لما يأتي، من: ان الناسي في غير الصيد ليس عليه كفارة.

أقول: ان كان المراد من قوله- ع-: لا شي ء عليه، هو نفي العقاب، بقرينة المسبوقية بلزوم لاستغفار. فالصحيحة الدالة على الكفارة لا معارض لها أصلا، و ان كان المراد هو الأعم من العقاب الأخروي و الدنيوي، الذي هو الكفارة، فغايته الدلالة بنحو العموم، و الصحيحة الدالة على الكفارة مخصصة لها، و لا تعارض بين العام و الخاص بوجه، و لا وجه للحمل على الاستحباب بعد كون التعبير بكلمة «على» التي لا تلائم الاستحباب أصلا، فالظاهر انه لا محيص عن الحكم بثبوت الكفارة.

و امّا الصورة الثانية: فالمنسوب في محكي الدروس الى المشهور: بطلان متعته و صيرورة حجته مبتولة، نظرا إلى دلالة بعض الروايات عليه، و ان كان ذلك على خلاف القاعدة، كما تأتي الإشارة اليه، و هي صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: المتمتع إذا طاف و سعى ثم لبّى بالحج قبل ان يقصّر، فليس له ان يقصّر، و ليس عليه متعة. «1» و ظاهرها ان موردها صورة العمد.

و رواية العلاء بن الفضيل، قال: سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهلّ بالحج

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الخمسون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 434

..........

______________________________

قبل ان يقصّر. قال: بطلت متعته، هي حجّة مبتولة. «1» لكنها ضعيفة بمحمد بن سنان.

لكن المحكي عن ابن إدريس: بطلان الحج، لانه لم يتحلّل من عمرته، و الإجماع قائم على عدم جواز إدخال الحج على العمرة قبل إتمام مناسكها، التي من جملتها التقصير، فهو حج منهي عنه، و

يكون فاسدا، خصوصا مع انه نوى التمتع به دون الافراد.

و لازم كلامه: انه إذا كان في سعة الوقت يجب عليه التقصير، ليخرج من إحرام العمرة ثم يهلّ للحج ثانيا، و إذا كان في الضيق، بحيث لا يدرك الوقوف مع الإحرام للحج بعد التقصير، تكون عمرته باطلة، لعدم إمكان وقوعها بعنوان عمرة التمتع، بعد لزوم كون عمرته و حجّه واقعين في عام واحد، فترك التقصير عمدا يوجب البطلان في هذه الصورة.

لكن كلامه مبني على القاعدة، و لا يبقى لها مجال بعد دلالة الرواية الصحيحة على خلافها، خصوصا مع فتوى المشهور على طبقها، و لا اعتراض على ابن إدريس على مبناه، و هو عدم حجية خبر الواحد و لو كان صحيحا، انما الاعتراض على من وافقه في المقام مع مخالفته له في المبنى، كالعلامة و الشهيد على ما حكى عنهما.

ثم انّ الظاهر ان صيرورة حجته مبتولة- اي مفردة- إنّما ترجع إلى صحة حجّه و عدم بطلانه، و امّا كفايته عن التمتع إذا كان واجبا عليه، فلا دليل عليه، بل مقتضى القاعدة العدم، كما لا يخفى. هذا تمام الكلام في المقام الأوّل.

المقام الثاني: في عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتع، و وجوبه في العمرة المفردة: و قد

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الخمسون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 435

..........

______________________________

مرّ البحث في الأوّل في ذيل صورة حج التمتع بنحو الإجمال، و اللازم هنا البحث في الثاني، فنقول: المشهور بين الأصحاب هو الوجوب، و حكي عن ظاهر العماني الخلاف. و يدل على الوجوب روايات متعددة:

منها: صحيحة محمد بن عيسى، قال: كتب أبو القاسم مخلّد بن موسى الرّازي الى الرّجل يسأله

عن العمرة المبتولة: هل على صاحبها طواف النّساء، و العمرة التي يتمتع بها الى الحج؟ فكتب: أمّا العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، و امّا التي يتمتع بها الى الحج، فليس على صاحبها طواف النساء. «1»

و منها: ما رواه إبراهيم بن عبد الحميد عن عمر أو غيره، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: المعتمر يطوف و يسعى و يحلق، قال: و لا بد له بعد الحلق من طواف أخر. «2» و ظاهر ان المراد بالطواف الأخر هو طواف النساء، كما ان الظاهر من إطلاق «المعتمر» هو من يريد العمرة المفردة، مع ان قوله: يحلق. أيضا قرينة عليه لتعين التقصير في عمرة التمتع، لكن الإشكال في سند الرّواية.

و منها: رواية إبراهيم بن أبي البلاد الصحيحة، التي نقلها في الوسائل عن الشيخ- قده- بنحو الاختصار، و لكن الموجود في التهذيب، كما حكاه في حاشية الوسائل- المطبوعة طباعة حديثة- هكذا: قال: قلت لإبراهيم بن عبد الحميد- و قد هيّأنا نحوا من ثلاثين مسألة نبعث بها الى أبي الحسن موسى- عليه السلام- أدخل لي في هذه المسألة و لا تسمني له، سله عن العمرة المفردة، على صاحبها طواف النساء؟ فقال: فجاءه الجواب في المسائل كلها، غيرها، فقلت له: أعدها في مسائل أخر، فجاءه الجواب فيها كلّها غير مسألتي، فقلت لإبراهيم بن عبد الحميد:

______________________________

(1) وسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح- 1.

(2) وسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 436

..........

______________________________

ان هاهنا (هذا خ ل) لشيئا! أفرد المسألة باسمي، فقد عرفت مقامي بحوائجك.

فكتب بها اليه، فجاء الجواب: نعم، هو واجب لا بدّ منه. فلقي إبراهيم بن عبد

الحميد إسماعيل بن حميد الأزرق و معه المسألة و الجواب، فقال: لقد فتق عليكم إبراهيم بن أبي البلاد فتقا، و هذه مسألته و الجواب عنها، فدخل عليه إسماعيل بن حميد فسأله عنها، فقال: نعم، هو واجب. فلقي إسماعيل بن حميد بشر بن إسماعيل بن عمّار الصيرفي فأخبره، فدخل فسأله عنها. فقال: نعم، هو واجب. «1» و الرواية ظاهرة في شدة التقية في هذه الجهة.

و منها: رواية إسماعيل بن رياح، قال سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن مفرد العمرة، عليه طواف النساء قال: نعم. «2»

و في مقابلها- أيضا- روايات متعددة.

منها: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: العمرة المبتولة يطوف بالبيت و بالصفا و المروة ثم يحلّ، فان شاء ان يرتحل من ساعته ارتحل. «3» و فيها، مضافا الى ضعف السند بمحمد بن سنان، انه يمكن ان يكون المراد ما يقابل الحج المشتمل على اعمال كثيرة و مناسك متعددة، لا ان يكون المراد عدم وجوب طواف النساء فيها، و يؤيده عدم التعرض للتقصير و الحلق أيضا، فتدبّر.

و منها: صحيحة صفوان بن يحيى، قال: سأله أبو حارث عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج، فطاف و سعى و قصّر، هل عليه طواف النساء؟ قال: لا، انما طواف النساء بعد الرجوع من منى. «4» لكن الظاهر ان الحصر فيها إضافي في مقابل عمرة

______________________________

(1) وسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح- 5.

(2) وسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح- 8.

(3) وسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح- 4.

(4) وسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 437

..........

______________________________

التمتع، و لا يشمل العمرة المفردة.

و

منها: رواية أبي خالد، مولى علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن مفرد العمرة، عليه طواف النساء؟ قال: ليس عليه طواف النساء. «1»

و لكن الظاهر انه لم يوثق أبو خالد.

و منها: موقوفة يونس، رواها، قال: ليس طواف النساء الّا على الحاج. «2» و فيها، مضافا الى ضعف السند، انه يمكن ان يكون الحصر فيها- أيضا- إضافيّا.

ثمّ انه لو فرض وقوع التعارض بين الطائفتين يكون الترجيح مع الاولى، لموافقتها للشهرة الفتوائية، التي هي أوّل المرجحات، فلا محيص عن الحكم بوجوب طواف النساء في العمرة المفردة، كما في الحج.

المقام الثالث: في الفرق بين العمرتين من جهة الميقات.

فنقول: لا إشكال في ان عمرة التمتع ميقاتها أحد المواقيت الخمسة المعروفة أو ما بحكمها، من المحاذاة- على ما سيأتي البحث فيها- و يدل على ذلك، مضافا الى الروايات المتعددة المتكثرة، ما تقدم، من: انّ حج التمتع فرض النائي و الافاقي، الذي يكون الميقات واقعا في مسيره إلى مكّة، بضميمة انه لا يجوز الدخول في مكة بغير إحرام، و لا يجوز المرور على الميقات لمن يكون قاصدا لدخول مكة من دون إحرام. و من الواضح: انّ اعمال العمرة بعد الإحرام لا بد و ان تقع في مكة في المسجد و المسعى أو غيرهما. و عليه، فيستفاد من جميع ذلك- مع ملاحظة تقدم

______________________________

(1) وسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح- 9.

(2) وسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 438

..........

______________________________

عمرة التمتع على حجه- لزوم الإحرام لها من أحد المواقيت، لكن هذا الدليل انما يجري فيمن تكون وظيفته بعنوان حجة الإسلام هو حج التمتع، و امّا من

أراد الإتيان به بعنوان الاستحباب، كالمكي الذي أراد ان يحج تمتعا كذلك، فالدليل لا يقتضي اعتبار كون إحرامه من أحد المواقيت المعهودة الّا ان يستند في حكمه الى عدم القول بالفصل، فتدبر. و سيأتي البحث في ذلك تفصيلا ان شاء اللّٰه تعالى.

و امّا العمرة المفردة: فقد ذكر السيد- قده- في العروة: انّ ادنى الحلّ ميقات العمرة المفردة بعد حجّ القران أو الافراد، ثم قال: بل لكلّ عمرة مفردة. و مقتضى عمومه، كإطلاق المتن: ان ادنى الحل، ميقات العمرة المفردة في جميع الموارد، من دون فرق بين ما إذا كان قبلها حج القران أو الافراد، و بين ما إذا لم يكن كذلك، و من دون فرق بين المكي و غيره، و من دون فرق في الافاقي بين ما إذا كان مريدا للعمرة من أوّل الأمر، و ما إذا لم يكن كذلك.

و لكنه ذكر في المسألة السّادسة: أن ميقات عمرتهما- يعني القران و الافراد- أدنى الحلّ إذا كان في مكة، قال: و يجوز من أحد المواقيت أيضا، و إذا لم يكن في مكة فيتعين أحدها- يعني المواقيت المعهودة- و كذا الحكم في العمرة المفردة، مستحبة كانت أو واجبة.

فالمستفاد منه: انه إذا لم يكن في مكة يجب ان تكون العمرة المفردة من تلك المواقيت، و مقتضاه عدم كفاية الإحرام من ادنى الحلّ.

و كيف كان، فالظاهر انه لا خلاف في كون ادنى الحلّ ميقاتا للعمرة المفردة، إذا كانت مسبوقة بحج القران أو الافراد، كما انه لا إشكال في كونه ميقاتا لها، بالإضافة الى من كان في مكة، سواء كان من أهلها أو مقيما فيها أو غيرهما، فالكلام يقع في النائي الخارج عن مكة إذا قصد الإتيان بالعمرة المفردة، و

ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 439

..........

______________________________

ميقاتها بالإضافة إليه، هل هو ادني الحل أو أحد المواقيت المعهودة؟

و المراد بأدنى الحلّ هو المحلّ الخارج عن الحرم المتصل به، بحيث لم يكن بينهما فصل، و هو متحقق في جميع الجوانب الأربعة لمكّة، لكن الأفضل الحديبية أو الجعرانة أو التنعيم، لأنها منصوصة، و بينها اختلاف في القرب و البعد، فان الحديبية- بالتخفيف أو التشديد-: بئر بقرب مكّة على طريق جدّة دون مرحلة، ثم أطلق على الموضع، و يقال: نصفه في الحلّ و نصفه في الحرم، و الجعرانة- بكسر الجيم و تشديد الراء أو بكسر الجيم و سكون العين و تخفيف الراء-: موضع بين مكة و الطائف على سبعة أميال، و التنعيم: موضع قريب من مكة، و هو أقرب أطراف الحلّ إلى مكّة، و يقال: بينه و بين مكة أربعة أميال، و يعرف بمسجد عائشة، كما في مجمع البحرين.

أقول: التنعيم في زماننا هذا واقع في مكة، بلحاظ سعتها العظيمة التي طرأت عليها مؤخرا و لا يكون خارجا عنها، لكنه من الواضح: ان عنوان الحرم غير عنوان مكّة.

و كيف كان، فالروايات الواردة في هذا الحكم متعددة:

منها: صحيحة جميل بن درّاج، قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية، قال: تمضي كما هي الى عرفات، فتجعلها حجّة، ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة، قال ابن أبي عمير: كما صنعت عائشة. «1»

و الظاهر ان ذكر التنعيم ليس لأجل اختصاص الحكم به، بل لأجل كونه أقرب الأماكن من حدود الحرم، فلا دلالة للرواية على الاختصاص. نعم،

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الواحد و العشرون ح- 2.

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 440

..........

______________________________

لا مجال للاستدلال بها على كون ميقات العمرة المفردة هو ادنى الحل مطلقا، لان موردها المسبوقية بحج الافراد، و ان كان متحققا بالعدول عن التمتع إليه لأجل الحيض و ضيق الوقت، و التشبيه بفعل عائشة، كما في كلام ابن أبي عمير، انّما هو في الإتيان بالعمرة بعد حج الافراد لا في العدول، لعدم تحقق العدول، بالإضافة إليها، كما مرّ.

و منها: صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام-، قال: من أراد ان يخرج من مكّة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبيّة أو ما أشبهها (أشبههما ظ). «1»

و مفاد هذه الرواية أوسع من الرواية المتقدمة، لأنه- مضافا الى التصريح بالموضعين- عمم الحكم لكل ما أشبههما، مثل التنعيم و غيره و يكون موردها مطلق من أراد ان يخرج من مكة للاعتمار، الذي يكون إطلاقه ظاهرا في العمرة المفردة، و لا يشمل عمرة التمتع من دون فرق بين ان تكون العمرة مسبوقة بحج القران أو الافراد، و ما لا تكون كذلك، كما ان مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين من كان متوطنا في مكة أو مقيما و مجاورا فيها أو آفاقيّا، أراد الخروج من مكة للاعتمار، كما إذا حج متمتعا ثم أراد الإتيان بالعمرة المفردة، و امّا من كان خارجا عن مكّة، كالآفاقي الذي يريد العمرة المفردة و لا يمرّ على شي ء من المواقيت، كالإيرانيين الذين يدخلون جدّة ابتداء- في زماننا الحاضر- فلا دلالة للرواية على جواز إحرامه للعمرة المفردة من ادنى الحلّ.

و منها: مرسلة الصّدوق، قال: و ان رسول اللّٰه- ص- اعتمر ثلاث عمر متفرقات، كلّها في ذي القعدة، عمرة أهل فيها من عسفان، و هي

عمرة الحديبيّة،

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني و العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 441

..........

______________________________

و عمرة القضاء، أحرم فيها من الجحفة، و عمرة أهلّ فيها من الجعرانة، و هي بعد ان رجع من الطائف من غزاة حنين. «1»

و هذه الرواية و ان كانت مرسلة، لكنّا قد أشرنا مرارا إلى حجيّة هذا النحو من المرسلات، و مع ذلك فقد رواها الكليني مسندة عن معاوية بن عمّار- مع اختلاف يسير- عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: اعتمر رسول اللّٰه- ص- ثلاث عمر متفرقات، عمرة ذي القعدة، أهلّ من عسفان، و هي عمرة الحديبيّة، و عمرة أهل من الجحفة و هي عمرة القضاء، و عمرة من الجعرانة، بعد ما رجع من الطائف من غزوة حنين. «2»

و هنا بعض الروايات الأخر، الدالة على انه- ص- اعتمر ثلاث عمر من دون التعرض لموضع إحرامه في الأوليين، كصحيحة ابان، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام-، قال: اعتمر رسول اللّٰه- ص- عمرة الحديبية، و قضى الحديبيّة من قابل، و من الجعرانة، حين اقبل من الطائف، ثلاث عمر، كلهنّ في ذي القعدة. «3»

و البحث في هذه الروايات المتعرضة لاعتمار رسول اللّٰه- ص-، بعد وضوح كون المراد من جميعها، هو الاعتمار بعد الهجرة من مكة إلى المدينة و في زمنها، بداهة أن اعتماره- ص- حين إقامته في مكة كان كثيرا جدا، على ما هو مقتضى القاعدة، و استحباب العمرة المفردة في كل شهر، كما تقدم البحث فيه: يقع تارة:

من جهة عددها، و اخرى: في المراد منها، و ثالثة: في الاشكال عليها، و انه يمكن الجواب عنه أم لا؟ و رابعة: فيما يمكن ان يستفاد منها و

يستدل بها عليه، فنقول:

امّا من الجهة الأولى: فقد روى الصدوق في الفقيه أيضا: انّ رسول اللّٰه- ص-

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني و العشرون ح- 2.

(2) وسائل أبواب العمرة الباب الثاني ح- 2.

(3) وسائل أبواب العمرة الباب الثاني ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 442

..........

______________________________

اعتمر تسع عمر، و لكن المذكور في شرح الفقيه للمولى المجلسي الأوّل- قده- انه من سهو النساخ، ثم قال: «و ان احتمل ان يأول هذا الخبر- يعني ما يدل على الثلاث- و غيره من الاخبار: بان العمرة التي وقعت في ذي القعدة كانت ثلاث، لكن خبر التسع لم يوجد إلّا في هذا الكتاب، و السّهو و التصحيف فيه غير عزيز».

و عليه، فالظاهر انّها كانت ثلاث، و التأويل المذكور لا يلائم ظاهر الروايات المتقدمة، كما لا يخفى.

و امّا من الجهة الثانية: فالمراد بعمرة الحديبية، هي العمرة التي اعتمر لها رسول اللّٰه- ص- و جمع كثير من أصحابه، و لكنّهم لما وصلوا الى الحديبية منعهم المشركون من الدخول إلى مكّة لقضاء مناسكها، و وقع بينهم عقد الصلح، الذي اشتهر بصلح الحديبية، و من جملة موادّها: ان يرجعوا إلى المدينة و يعتمروا في السنّة اللاحقة، و لا يبقوا في مكة أزيد من ثلاثة أيام، فرجعوا إلى المدينة من دون ان يدخلوا مكة و يتمّوا العمرة، و في بعض الروايات: ان رسول اللّٰه- ص- حين صدّ بالحديبية، قصّر و أحلّ و نحر ثم انصرف منها. ثم انه في السنة التالية اعتمر رسول اللّٰه و جماعة من أصحابه، و دخلوا مكّة و لم يبقوا فيها أزيد من ثلاثة أيام، و اشتهرت هذه العمرة بعمرة القضاء، لكونها قضاء عما فات في

السنة السّابقة، ثم انه وقع فتح مكّة في السنّة الثامنة، في شهر رمضان، ثم بعد فتح مكّة وقعت غزوة حنين- و هو واد بين مكّة و الطائف- و بعد غلبة النبي- ص- فيها و الرجوع عنه، أحرم من الجعرانة فدخل مكة معتمرا، بعد ان لم يكن محرما أثناء فتح مكة لدخولها، لكون مثله من الموارد، التي يجوز الدخول بمكة من غير إحرام.

و امّا الحج فلم يتحقق من النبي- ص- بعد الهجرة إلّا مرة واحدة، و هي حجة الوداع، و قد ظهر مما تقدم ان حجه- ص- كان حج القران، لاشتماله على سوق الهدي، كما انه مرّ: ان التمتع صار مشروعا بعد قدوم النبي- ص- مكّة في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 443

..........

______________________________

حجة الوداع، و أمر الرسول- ص-: بان كل من لم يسق الهدي يجب عليه العدول من حج الافراد الى عمرة التمتّع و عليه، فلم يتحقق من نفسه- ص- حج التمتع و لو مرة واحدة، كما صرح به صاحب الجواهر، و يدل عليه الروايات المتقدمة الواردة في هذا المجال.

و امّا من الجهة الثالثة: فالإشكال فيها من وجهين:

الأوّل: ظهور الرواية، في: ان إحرام عمرة الحديبية، التي كانت هي أوّل عمره- ص- بعد الهجرة، كان من عسفان، الذي يكون الفاصل بينه و بين مكة مرحلتين، و لا يكون ميقاتا و لا ادني الحلّ فما، الوجه في إحرامه منه؟! كما هو ظاهر الرواية.

الثاني: ظهورها، في: ان إحرام عمرة القضاء كان من الجحفة، مع ان الظاهر انه- ص- كان قاصدا للإحرام و العمرة من المدينة. و عليه، فما الوجه في تأخيره الإحرام عن مسجد الشجرة، مع انه لا يجوز التأخير من الميقات، الذي

يمرّ عليه الى ميقات أخر، و لو كان في نفس هذا الطريق؟! و أجاب عن الأوّل بعض الاعلام، تبعا للفيض الكاشاني في الوافي: بأنه لا يبعد ان يكون المراد بالإهلال هو رفع الصوت بالتلبية، كما هو معناه لغة، يقال: أهل بذكر اللّٰه: رفع به صوته، و أهلّ المحرم بالحج و العمرة: رفع صوته بالتلبية، و أهلّوا الهلال و استهلوه: رفعوا أصواتهم عند رؤيته، و أهلّ الصبيّ: إذا رفع صوته بالبكاء. و عليه، فالمعنى: انّه- ص- رفع صوته بالتلبية في عسفان، و لا ينافي ذلك الإحرام من مسجد الشجرة.

و يرد عليهما: مضافا الى ظهور المرسلة، في: ان إحرام عمرة القضاء كان من الجحفة، و ظهور الصحيحة كبعض الروايات الأخر، في: ان العمرة الأخيرة كان إحرامها من الجعرانة، و لا يلائم ذلك مع كون المراد من الإهلال في عمرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 444

..........

______________________________

الحديبية: هو رفع الصوت بالتلبية، أن التعرض لمسألة رفع الصوت، الذي هو أمر مستحب، لا مدخلية له في صحة العمرة و تماميتها مع عدم التعرض لمبدإ الإحرام و وقته، مع دخالته في الصحة، و ان كان أصل العمرة مستحبّا لا يكاد يجتمع مع غرض الرواية، الذي سيقت لأجلها، كما لا يخفى. هذا، مع ان الإهلال- على ما يستفاد من معناه اللغوي المتقدم- هو رفع الصوت، و امّا بما ذا يرفع؟ فيتوقف على ذكره، ضرورة انه ليس معناه رفع الصوت بالتلبية، بل فيما إذا أسند إلى المحرم بالحج أو العمرة، كما في العبارة المذكورة في اللغة، لا في مثل الرواية، الذي لم يسند إلى شي ء، فتدبّر. مع ان اللازم ذكر كلمة «الباء» مكان كلمة «من»، و الرواية مشتملة

على هذه الكلمة، و ظاهرها: ان شروع رفع الصوت بالتلبية كان من عسفان، فلم يقع التعرض لإنشائه و عليه، فصرف الرواية عن ظهورها في كون إحرام عمرة الحديبية واقعا من عسفان، ممّا لا وجه له، و الالتزام بعدم الاهتداء الى وجه عمله- ص- اولى من الصرف المذكور.

و يمكن ان يقال- و ان كان بعيدا-: ان الوجه في ذلك هو ان عسفان، و ان لم يكن بنفسه ميقاتا، لكنّه يحاذي بعض المواقيت، الذي يكون الفصل بينه و بين مكّة مرحلتين أيضا. نعم، يبقى الاشكال من الوجه الثاني، الذي يرجع الى التأخير عن مسجد الشجرة، مع انّه أوّل المواقيت، بالإضافة الى من يخرج من المدينة قاصدا للحج أو العمرة.

و أجاب عن الثاني بعض الاعلام أيضا، بما يرجع الى ان المناط في عمرة القضاء ما يدل عليه الصحيحة، و التعبير فيها انما هو بالإهلال، الذي يراد به أيضا رفع الصوت بالتلبية، و لا ينافي كون الإحرام من مسجد الشجرة.

و يرد عليه، مضافا الى الإيرادات المتقدمة: ان مرسلة الصدوق بالنحو المذكور معتبرة على ما هو التحقيق، و التعبير فيها انّما هو بالإحرام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 445

..........

______________________________

و يمكن ان يجاب عن هذا الإشكال: بأن التأخير عن مسجد الشجرة، لعلّه كان لأجل ضرورة اقتضت جواز التأخير، كما ان العادة قاضية بوجودها في العمرة الاولى، مع عدم وضوح ما ينتهي اليه حال المسلمين في تلك العمرة.

و امّا من الجهة الرابعة: التي هي العمدة في المقام: فلا شبهة في دلالة الرواية على انه- ص- اعتمر في العمرة الأخيرة و أحرم من الجعرانة، مع انه أدنى الحلّ، و ميقات أهل الطائف هو قرن المنازل، فعدم إحرامه من

ميقاتهم و إحرامه من ادنى الحلّ دليل على جواز الإحرام من ادنى الحلّ للعمرة المفردة، و عدم لزوم الإحرام من المواقيت المعروفة، مع عدم كونه مسبوقا بحج القران أو الافراد و عدم كون الخروج من مكة بقصد الاعتمار، بل كما عرفت: كان الخروج لأجل غزوة حنين. إنما الإشكال في انه هل يمكن ان يستفاد منه الجواز من ادنى الحلّ للنائي، الذي كان خروجه عن وطنه بقصد الاعتمار و العمرة المفردة، كالايرانيين الذين يدخلون جدّة أوّلا، فيجوز لهم الإحرام من الحديبية، أو ان المستفاد منه الجواز لخصوص من بدئ له العمرة في الأثناء، فلا يجوز لمثلهم الإحرام منها، بل لا بد من الإحرام من مسجد الشجرة أو الجحفة، كما في عمرة التمتع؟ الظاهر هو الأوّل، فإنه لا يفهم العرف منه الاختصاص بوجه.

و قد تحصّل من جميع ما ذكرنا في ميقات العمرة المفردة: أنّ المعتمر بها على أقسام:

1- من كان قاصدا للإتيان بها بعد حج القران أو الافراد، و لا شبهة في ان وظيفته الخروج إلى أدنى الحلّ، بل في محكي كشف اللثام: لا نعلم في ذلك خلافا. بل عن المنتهى نفي الخلاف فيه، و يدلّ عليه: ما ورد في قصّة حج عائشة، و انه أمرها رسول اللّٰه- ص- بالخروج الى التنعيم لإحرام العمرة المفردة، و ذكروا:

انه يستحب ان يكون من الجعرانة أو من الحديبية أو من التنعيم، و عن التذكرة:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 446

..........

______________________________

ينبغي الإحرام من الجعرانة، فمن فاتته فمن التنعيم، فمن فاته فمن الحديبية، و لكن ذكر في الجواهر: ان استفادة الترتيب المزبور من النصوص لا تخلو من اشكال.

و الظاهر انه في هذه الصورة يجوز له الخروج الى

أحد المواقيت، بل لعلّه أفضل، لطول المسافة و الزّمان. و عليه، فادنى الحل رخصة لا عزيمة.

2- من كان قاصدا للإتيان بها، و كان في مكّة، و لم يكن هناك حجّ القران أو الافراد، كما إذا أراد المكيّ الإتيان بالعمرة الرجبيّة- مثلا- و الظاهر انه مثل الصورة السّابقة في لزوم الخروج إلى أدنى الحلّ، و عدم جواز الإحرام لها من مكة أو الحرم. نعم، ربما يتوهم دلالة صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة على عدم لزوم الخروج إلى أدنى الحل، حيث انه قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- فيها: من أراد ان يخرج من مكّة ليعتمر، أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبهها (أشبههما) «1». نظرا الى ان المستفاد منها ان المكي ان أراد الخروج من مكة لأن يعتمر يحرم من ادنى الحلّ، فإذا لم يرد الخروج من مكة فلا يلزم الاعتمار من ادنى الحلّ، بل يكفي الإحرام من مكة.

و لكن الظاهر بطلان هذا التوهم، و ان المتفاهم العرفي من الصحيحة انّ المعلق على الإرادة انّما هو نفس الاعتمار، و امّا مع إرادته فلا بد من الخروج من مكة و الإحرام من ادنى الحلّ، و لا يستفاد منها إمكان تحقق الاعتمار، سواء أراد الخروج من مكة أم لم يرد، فتأمل.

3- النائي الذي يكون في طريقه الى مكّة: أحد المواقيت أو ما بحكمها، كالمدني الذي أراد العمرة الرجبيّة- مثلا-، و لا شبهة في ان وظيفته الإحرام من المواقيت

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني و العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 447

..........

______________________________

المعروفة، و في عدم جواز التأخير عنها إلى أدنى الحلّ. و في الروايات المشتملة على عمر النبي- ص-: انه

أحرم للعمرة المفردة في عمرة القضاء من الجحفة، و دلالتها على لزوم كون إحرامها من الميقات ظاهرة، و ان كان هناك إشكال في التأخير عن مسجد الشجرة، ذكرناه مع ما يمكن ان يقال في توجيهه. و كيف كان، فلا ريب في ان الحكم في هذه الصورة هو الإحرام من تلك المواقيت. نعم، هنا كلام في انه إذا ترك الإحرام منها عمدا، هل يجوز له الإحرام من ادنى الحلّ، كما صرّح به السيد- قده- في العروة أم لا؟ و لكنه لا ينافي كون الوظيفة الأوّلية هو الإحرام من أحد المواقيت.

4- من كان منزله واقعا بين الميقات و بين مكّة: و الظاهر ان مقتضى إطلاق ما ورد، من: ان ميقات مثله دويرة أهله، عدم الفرق بين الحج و العمرة في ذلك.

و عليه، فيعتمر للعمرة المفردة من منزله، كما في الحجّ.

5- النائي الذي لا يكون في طريقه الى مكّة شي ء من المواقيت المعروفة، و هو تارة يكون قاصدا من أوّل الأمر للعمرة المفردة من سفره الى مكّة، و اخرى لا يكون كذلك، بل يبدو له ان يعتمر بعد ما لم يكن غرضه من الدخول إليها العمرة المفردة: لا شبهة في ان الحكم بمقتضى ما دلّ على ان النبيّ (ص) أحرم حين ما رجع من غزوة حنين، من الجعرانة، و لم يرجع الى ميقات قرن المنازل، الذي هو ميقات أهل الطائف: عدم لزوم الرجوع الى الميقات، و جواز الإحرام من ادنى الحلّ في الصورة الثانية. و امّا الصّورة الأولى، كالايرانيين الذين يسافرون بواسطة الطائرات و يدخلون جدّة، و لا يكون في طريقهم شي ء من المواقيت: فالظاهر ان المستفاد ممّا ورد في إحرامه- ص- من الجعرانة، انه لا خصوصية للصورة

المزبورة، بل الحكم عامّ لمن لا يكون في طريقه ميقات، كما أشرنا إليه أنفا. و عليه، فيتمّ ما في المتن، من: ان إحرام العمرة المفردة أدنى الحلّ. نعم، قد عرفت: ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 2، ص: 448

..........

______________________________

السيد- قده- مع تصريحه بالتعميم، ذكر في المسألة السادسة ما ينافي ذلك، فراجع.

هذا تمام الكلام فيما يتعلق بمباحث العمرة، و به يتمّ الجزء الثاني من كتاب الحج، من شرح تحرير الوسيلة للإمام الخميني- قدس سره الشريف. و قد وقع الفراغ منه ليلة الاثنين 22 ذي القعدة الحرام 1412، و انا العبد الضعيف المفتاق إلى رحمة الرب الغني، محمد الموحدي اللنكراني، الشهير بالفاضل، ابن العلامة الفقيه الفقيد أية اللّٰه الشيخ فاضل اللنكراني، تغمده اللّٰه بغفرانه و أسكنه بحبوحات جناته. راجيا من القراء الكرام ان يستغفروا له و لوالدتي العلويّة المرحومة، و يدعوا لي بحسن العاقبة، و كونها محمودة حسنة سليمة، و السلام على جميع إخواننا المؤمنين و عباد اللّٰه الصالحين، سيّما الفضلاء و المشتغلين، و رحمة اللّٰه و بركاته.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

الجزء الثالث

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

[القول في المواقيت]

اشارة

القول في المواقيت و هي المواضع التي عينت للإحرام و هي خمسة لعمرة الحجّ (2).

______________________________

(2) يقع الكلام في معنى الميقات و في عدد المواقيت في مقامين:

المقام الأوّل: في معنى الميقات لا شبهة في ان المراد به هو الموضع الذي عين للإحرام و الجمع مواقيت لكنه ذكر السيد- قده- ان إطلاقه عليه امّا ان يكون مجازا و امّا ان يكون حقيقة متشرعية و مرجعه الى عدم كونه حقيقة في المكان المخصوص لغة مع ان الظاهر اختلاف اللغويين في ذلك فالمحكي عن المصباح المنير و النهاية لابن الأثير ان الوقت مقدار من الزمان مفروض لا مر ما، وكل شي ء قدرت له حينا فقد وقته توقيتا و كذلك ما قدرت له غاية و الجمع أوقات و الميقات الوقت و الجمع مواقيت و قد استعير الوقت للمكان و منه مواقيت الحج مواضع الإحرام.

لكن في الصحاح للجوهري: الميقات الوقت المضروب للفعل و الموضع يقال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 18

..........

______________________________

هذا ميقات أهل الشام للموضع الذي يحرمون منه و نحوه ما عن القاموس و ظاهرهما ان استعماله في المواضع المذكورة على نحو الحقيقة اللغوية.

و يؤيّده بل يدل عليه انه لو كان هناك حقيقة متشرعية لكان ذلك بالإضافة إلى خصوص كلمة الميقات مع انه يوجد في الروايات الآتية استعمال كلمة التوقيت و الوقت أيضا في الموضع المعين في كلام الامام (ع) و الرواة و هذا يدلّ على كونه كذلك لغة فالحقيقة لغوية.

المقام الثاني: في عدد المواقيت و قد اختلفت كلمات الأصحاب في تعدادها فعن المنتهى و التحرير انّها خمسة و في الشرائع و عن القواعد بل قيل هو المشهور انّها ستّة و

عن بعض أنها سبعة و في محكي الدروس أنّها عشرة و قد تبعه صاحبا المستند و العروة لكن كما في الجواهر لكلّ اعتبار امّا الأوّل فباعتبار تعيين الأمكنة المخصوصة و الثاني باعتبار ذكره في التوقيت و ان لم يكن مكانا مخصوصا و الثالث باعتبار زيادة الإحرام من مكّة و الرابع زيادة فخّ لحج الصبيان و محاذاة الميقات لمن لم يمرّ به و ادنى الحلّ أو مساواة أقرب المواقيت إلى مكة لمن لم يحاذ ميقاتا بل في الجواهر يمكن جعلها أحد عشر بنوع من الاعتبار إذا جعل الأخير مغايرا لأدنى الحلّ ثم قال و الأمر في ذلك سهل و الانصاف ان التقييد بعمرة الحج الظاهرة في عمرة التمتع كما في المتن يوجب ارتفاع الاشكال تقريبا كما لا يخفى لكنه يرد عليه انه لا وجه للتخصيص بالعمرة فإنه مضافا الى أنه حج رسول اللّٰه (ص) و أصحابه من مسجد الشجرة في حجة الوداع و كان حجهم بين قران و افراد لا مجال للارتياب في انه يجوز الإحرام منه للحج غير التمتع استحبابا و الظاهر ان العبارة غلط يمكن ان يكون مستندا الى الطبع و الصحيح للعمرة و الحج، كما لا يخفى و امّا الروايات فبعضها دالّ على انّها خمسة مع التصريح بهذا العدد أو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 19

..........

______________________________

بدونه و بعضها دال على انها ستّة.

امّا الأوّل: فكصحيحة الحلبي قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّٰه- ص- لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها، و وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة يصلى فيه و يفرض الحج،

و وقت لأهل الشام الجحفة، و وقت لأهل النجد العقيق، و وقت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقت لأهل اليمن يلملم، و لا ينبغي لأحد ان يرغب عن مواقيت رسول اللّٰه- ص. «1» و مثلها صحيحة أبي أيوب الخراز. «2» من دون التصريح بعنوان الخمسة و هي مشتملة على السؤال عن أبي عبد اللّٰه- ع- بقوله حدثني عن العقيق أ وقت وقته رسول اللّٰه- ص- أو شي ء يصنعه الناس.

و امّا الثاني: فكصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال:

من تمام الحج و العمرة ان تحرم من المواقيت التي وقتها رسول اللّٰه- ص- لا تجاوزها الا و أنت محرم فإنه وقت لأهل العراق و لم يكن يومئذ عراق بطن العقيق من قبل أهل العراق، و وقّت لأهل اليمن يلملم، و وقّت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقّت لأهل المغرب الجحفة و هي مهيعة، و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و من كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكّة فوقته منزله. «3»

و التعبير بقوله- ع-: من تمام الحج و العمرة إشارة إلى قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ و ظاهر في ان المراد من الإتمام في الآية الشريفة ليس هو الإتمام الذي يقابل الشروع و الّا لا يلائم مع كون الإحرام من تمامهما كما لا يخفى.

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 3.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 1.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 20

[الأوّل: ذو الحليفة]

اشارة

الأوّل: ذو الحليفة و هو ميقات أهل المدينة و من يمرّ على طريقهم، و الأحوط الاقتصار على نفس مسجد الشجرة لا عنده في

الخارج بل لا يخلو من وجه (1).

______________________________

ثم ان قوله- ع- و لم يكن يومئذ عراق إشارة الى ان ميقات أهل العراق أيضا كان تعيينه من رسول اللّٰه- ص- مع عدم وجوده في زمانه أو عدم وجود مسلم فيه فما عن بعض العامة من عدم كونه منه- ص- واضح الفساد و يدل عليه أيضا رواية أبي أيوب المتقدمة.

(1) يقع الكلام فيه في ثلاثة مقامات:

المقام الأوّل: انه لا شبهة في انّ ذا الحليفة ميقات لأهل المدينة لكن عبارات الأصحاب مختلفة في عنوانها فعن جملة منها التعبير بهذا العنوان و عن جملة أخرى التعبير بمسجد الشجرة كالمحقق في أكثر كتبه و عن جملة ثالثة انه ذو الحليفة و انه مسجد الشجرة و كيف كان لا اشكال نصّا و فتوى في كونه ميقاتا لأهل المدينة و قد مرّ بعض الروايات و سيأتي البعض الأخر إن شاء اللّٰه تعالى.

المقام الثاني: انّ الروايات الواردة في هذا المقام مختلفة من جهة التعبير بذي الحليفة و بالشجرة و بمسجد الشجرة كما ان في بعضها تفسير ذي الحليفة بالشجرة و في بعضها تفسيره بمسجد الشجرة فاللازم ملاحظتها فنقول:

منها: صحيحة أبي أيوب الخراز المتقدمة المشتملة على قوله- ع-: ان رسول اللّٰه- ص- وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة.

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة أيضا.

و منها: رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السلام- المشتملة على قوله

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 21

..........

______________________________

- ع-: و أهل المدينة من ذي الحليفة. «1»

و منها: صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- من اين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة فقال من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلّا محرما.

«2»

و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال من اقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستّة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء. «3»

و ذكر في الوسائل بعد نقل الرواية عن الكليني انه قال و في رواية أخرى يحرم من الشجرة ثم يأخذ أيّ طريق شاء. «4»

و منها: موثقة إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى- عليه السلام- قال سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيّام يعني الإحرام من الشجرة و أرادوا ان يأخذوا منها الى ذات عرق فيحرموا منها فقال لا و هو مغضب من دخل المدينة فليس له ان يحرم الّا من المدينة. «5»

و منها: مرسلة الحسين بن الوليد عمّن ذكره قال قلت لأبي عبد اللّٰه- ع- لأيّ علّة أحرم رسول اللّٰه- ص- من مسجد الشجرة و لم يحرم من موضع دونه فقال لانه لمّا اسرى به الى السّماء و صار بحذاء الشجرة نودي يا محمّد قال: لبيك قال أ لم أجدك يتيما فآويتك و وجدتك ضالّا فهديتك فقال النبي- ص- ان الحمد و النعمة

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 5.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الخامس ح- 3.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع ح- 1.

(4) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع ح- 2.

(5) وسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 22

..........

______________________________

و الملك لك لا شريك لك فلذلك أحرم من الشجرة دون المواضع كلّها. «1»

و امّا ما وقع فيه التفسير فروايات أيضا.

منها: صحيحة الحلبي المتقدمة في

تعداد المواقيت التي وقع فيها تفسير ذي الحليفة بمسجد الشجرة.

و منها: رواية الأمالي قال انّ رسول اللّٰه وقّت لأهل العراق العقيق الى ان قال:

و وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة. «2»

و منها: رواية المقنع قال: وقت رسول اللّٰه لأهل الطائف قرن المنازل الى ان قال و لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة «3» و الظاهر اتحاد الروايتين و قد عرفت اعتبار هذا النحو من الإرسال.

و منها: صحيحة علىّ بن رئاب قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن الأوقات التي وقّتها رسول اللّٰه- ص- للناس فقال ان رسول اللّٰه- ص- وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و هي الشجرة و وقّت لأهل الشام الجحفة و وقت لأهل اليمن قرن المنازل و لأهل نجد العقيق. «4»

ثم انه ذكر السيد- قده- في العروة ان الأحوط الاقتصار على المسجد إذ مع كونه هو المسجد فواضح و مع كونه مكانا فيه المسجد فاللازم حمل المطلق على المقيّد.

و أورد عليه بانّ نسبة المسجد إلى ذي الحليفة بناء على انه المكان الذي فيه المسجد نسبة الجزء الى الكلّ لا الفرد إلى الكلّي التي هي نسبة المقيد الى المطلق فيكون المراد من ذي الحليفة جزءه مجازا مع ان مقام التفسير و التعريف لا يلائم

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 13.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 11.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 12.

(4) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 23

..........

______________________________

الحمل المذكور و لو مع قطع النظر عن الجزئية و الكلية فلا مجال للحمل المذكور في مثل قوله: البيت مجموع الدار و البيت بيت من

الدار كما ان الظاهر ان الحمل على المجازية لا يناسب التفسير و التعريف.

فاللازم ان يقال بثبوت التعارض و حيث ان التفسير بمسجد الشجرة أظهر من التفسير بالشجرة لأن ظهورها في مدخلية المسجد أقوى من ظهور الأخر في عدم المدخلية و عليه فالظاهر هو ان المراد بذي الحليفة هو المسجد لا المجموع منه و من سائر المواضع الذي يطلق عليه عنوان الشجرة.

ثم انه ذكر السيد- قده- بعد كلامه المتقدم: «لكن مع ذلك الأقوى جواز الإحرام من خارج المسجد و لو اختيارا و ان قلنا ان ذا الحليفة هو المسجد و ذلك لان مع الإحرام من جوانب المسجد يصدق الإحرام منه عرفا إذ فرق بين الأمر بالإحرام من المسجد أو بالإحرام فيه، هذا مع إمكان دعوى ان المسجد حدّ للإحرام فيشمل جانبه مع محاذاته، و ان شئت فقل: المحاذاة كافية و لو مع القرب من الميقات» و حاصل كلامه ان المسجد قد أخذ مبدأ لا ظرفا و معنى المبدئية عدم جواز الإحرام قبل الوصول اليه أو بعده فلا يلزم ان يقع الإحرام في نفس المسجد بل لو كان من خارجه المتصل به كما إذا أحرم قرب جداره يصدق الإحرام من المسجد بل لو كان من محلّ منفصل عنه و لكنه كان قريبا به يكفي الإحرام منه مع محاذاته لعدم اختصاص جواز الإحرام من محاذي الميقات بالبعيد كما سيأتي البحث عنه إن شاء اللّٰه تعالى.

و في بعض الشروح نفى البعد عن كون مسجد الشجرة اسما لمنطقة فيها المسجد كما هو كذلك في بلدة «مسجد سليمان» لا اسما لنفس المسجد.

و لكن هذا الكلام في غاية البعد بعد كون المعروف عند المتشرعة خلفا عن سلف كون مسجد الشجرة اسما لنفس

المسجد المعروف لا لمجموع المنطقة التي فيها المسجد.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 24

..........

______________________________

و امّا أصل جواز الإحرام من خارج المسجد الذي ذهب اليه السيّد و حكى عن المحقق الثاني في حاشية القواعد حيث قال: ان جواز الإحرام من الموضع المسمّى بذي الحليفة و ان كان خارج المسجد لا يكاد يدفع. و مال اليه صاحب الجواهر في مبحث المحاذاة مستشهدا بإطلاق الإحرام مع المحاذاة لمسجد الشجرة في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة نظرا إلى انه لو وجب الإحرام من نفس المسجد لوجب الأمر به فيها فاللازم التكلم فيه و على تقدير ثبوته لا يبقى مجال للإيجاب على الحائض و الجنب ان يحرما من المسجد مجتازين لانّه لا موجب له بعد جواز الإحرام من الخارج لغيرهما اختيارا كما هو ظاهر.

أقول: الظاهر انه لا يجوز الإحرام من الجوانب المتصلة بالمسجد بدعوى صدق الإحرام من المسجد عليه لان المسجد أخذ مبدأ لا ظرفا و ذلك لبطلان هذه الدعوى فان المتفاهم عند العرف من الإحرام من المسجد هو الإحرام من داخل المسجد لا خارجه و لا يقاس الإحرام بمثل الصلاة التي إذا أريد وقوعها في المسجد لا بد من استعمال كلمة «في» الظاهرة في الظرفية فإن الصلاة أمر لا يتجاوز الإتيان بها عن ساعة- مثلا- و ليس لها دوام و استمرار بخلاف الإحرام الذي إذا تحقق في المسجد يكون شروعه فيه و لا بد من دوامه و استمراره الى الدخول في مكة و الإتيان بمناسك العمرة أو الى الذهاب الى عرفات و قضاء مناسك الحج و عليه فإذا أريد وقوعه و شروعه من المسجد فلا سبيل إلى افادة ذلك سوى استعمال كلمة «من»

و عليه فهذه الكلمة ظاهرة في الشروع لا في المبدئية المكانية و يدل عليه مضافا الى ما عرفت من المتفاهم العرفي خصوصا بعد كون الإحرام عبادة و المسجد محلّها انه لا شبهة في استحباب وقوع إحرام حج التمتع في مسجد الحرام و كونه أفضل من الإحرام خارج المسجد مع انّ الرواية الدالة على ذلك قد وقع فيها استعمال كلمة «من» ففي صحيحة عمرو بن حريث قال قلت لأبي عبد اللّٰه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 25

..........

______________________________

- عليه السلام- من أين أهلّ بالحج؟ فقال ان شئت من رحلك و ان شئت من المسجد و ان شئت من الطريق. «1» على نقل الشيخ و هو الذي ذكره السيّد- قده- في العروة و و في نقل غيره بدل «من المسجد» «من الكعبة» و قد استظهر بعض الأعلام صحة نقل الشيخ معلّلا بعدم تمكّن إحرام الحاج من الكعبة نوعا و- ح- يرد على العروة و الشارح انه مع ظهور كلمة «من» في المبدئية دون الظرفية كيف حكم باستحباب الإحرام من خصوص داخل المسجد و كيف يصح التعليل المذكور.

و ليس ذلك إلّا لأجل ان المتفاهم من هذه العبارة في مثل الإحرام الذي مضافا الى كونه عبادة يكون له دوام و استمرار يوما بل أيّاما هو تحقق الشروع من داخل المسجد و عليه فلا يجزى الإحرام من الجوانب المتصلة بالمسجد لهذه الجهة و أمّا من الجوانب المنفصلة المحاذية فسيأتي البحث عنها إن شاء اللّٰه تعالى في باب المحاذي الذي جعل أحد المواقيت فانتظر و لعلّه لما ذكرنا ذكر سيدنا الأستاذ الماتن- قدس سره الشريف- في التعليقة على العروة ان ما في المتن فيه مناقشة بل

مناقشات.

المقام الثالث: في حكم من يمرّ على طريق أهل المدينة و ان ميقاتهم مسجد الشجرة كميقات أهل المدينة و الدليل على ذلك ان الروايات الواردة في المواقيت التي وقّتها رسول اللّٰه- ص- و ان كان ظاهر أكثرها كون تلك المواقيت لأهالي بلد خاص كالمدينة و الطائف أو مملكة خاصة كالعراق و اليمن و الشام الّا انه بعد ملاحظة ان وجوب الحج على المستطيع أمر عام شامل لجميع المستطيعين في أقطار العالم و لو كان في

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و العشرون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 26

..........

______________________________

أقصى نقاطه كالايرانيين و غيرهم و بعد ملاحظة أن وظيفتهم حج التمتع الذي لا بدّ و ان يكون شروع عمرته من الميقات فاللازم ان يقال بعدم اختصاص المواقيت بخصوص من وقت له بل هي ميقات لهم و لمن يمرّ على طريقهم خصوصا بعد ملاحظة كون المواقيت ملحوظة بالإضافة الى جميع جوانب مكّة و ان من يريد الدخول فيها لا بدّ و ان يمرّ عليها أو على ما يحاذيها كما سيأتي.

هذا مضافا الى دلالة بعض الروايات الخاصة عليه كصحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرّضا- عليه السلام- قال كتبت اليه ان بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق و ليس بذلك الموضع ماء و لا منزل و عليهم في ذلك مئونة شديدة و يعجلهم أصحابهم و جمالهم من وراء بطن عقيق بخمسة عشر ميلا منزل فيه ماء و هو منزلهم الذي ينزلون فيه فترى ان يحرموا من موضع الماء لرفقة بهم و خفة عليهم فكتب ان رسول اللّٰه- ص- وقّت المواقيت لأهلها و من اتى عليها من غير أهلها و فيها

رخصة لمن كانت به علّة فلا تجاوز الميقات الّا من علّة. «1»

و موثقة إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى- عليه السلام- قال سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيام يعني الإحرام من الشجرة و أرادوا أن يأخذوا منها الى ذات عرق فيحرموا منها فقال: لا و هو مغضب من دخل المدينة فليس له ان يحرم الّا من المدينة. «2»

و صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السلام- قال سألته عن إحرام أهل الكوفة و أهل خراسان و ما يليهم و أهل الشام و مصر من اين هو؟

فقال: امّا أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم فمن العقيق، و أهل المدينة من ذي

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الخامس عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 27

[مسألة 1- الأقوى عدم جواز التأخير اختيارا إلى الجحفة]

مسألة 1- الأقوى عدم جواز التأخير اختيارا إلى الجحفة و هي ميقات أهل الشام، نعم يجوز مع الضرورة لمرض أو ضعف أو غيرهما من الأعذار (1).

______________________________

الحليفة و الجحفة و أهل الشام و مصر من الجحفة، و أهل اليمن من يلملم، و أهل السّند من البصرة يعنى من ميقات أهل البصرة. «1»

و غير ذلك من الروايات الدالة عليه فلا شبهة في الحكم.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأوّل: في انه هل يجوز التأخير اى تأخير الإحرام في حال الاختيار و عدم الضرورة عن مسجد الشجرة إلى الجحفة التي هي واقعة أيضا في طريق المدينة إلى مكّة و هي ميقات أهل الشام أم لا فيه قولان فالمشهور شهرة عظيمة هو الثاني و عن الجعفي و ابن حمزة

في الوسيلة هو الأوّل و يدل على المشهور طائفتان من الروايات:

الطائفة الأولى: ما يدل بنحو العموم على عدم جواز التجاوز عن الميقات مع ارادة الحج أو العمرة من دون إحرام.

كصحيحة الحلبي المتقدمة «2» المشتملة على قول أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّٰه- ص- لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر ان يحرم قبلها و لا بعدها.

و صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة أيضا «3» المشتملة على قوله- ع- من تمام الحج و العمرة ان تحرم من المواقيت التي وقتها رسول اللّٰه- ص- لا تجاوزها الّا و أنت محرم.

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 5.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 3.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 28

..........

______________________________

و صحيحة على بن جعفر عن أخيه- عليه السلام- قال سألته عن المتعة في الحج من أين إحرامها و إحرام الحج قال: وقّت رسول اللّٰه- ص- لأهل العراق من العقيق و لأهل المدينة و من يليها من الشجرة، و لأهل الشام و من يليها من الجحفة، و لأهل الطائف من قرن و لأهل اليمن من يلملم، فليس لأحد ان يعدو من هذه المواقيت الى غيرها «1» و الظاهر ان إطلاق كلمة «الغير» يشمل الميقات الأخر أيضا.

الطائفة الثانية: ما ورد في خصوص المقام و يدل على عدم الجواز في حال الاختيار مثل:

رواية أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- خصال عابها عليك أهل مكة قال: و ما هي؟ قلت: قالوا: أحرم من الجحفة، و رسول اللّٰه- ص- أحرم من الشجرة قال الجحفة أحد الوقتين فأخذت بأدناهما و كنت عليلا. «2»

و رواية

أبي بكر الحضرمي قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- انّى خرجت بأهلي ماشيا فلم أهلّ حتى أتيت الجحفة و قد كنت شاكيا فجعل أهل المدينة يسألون عني فيقولون: لقيناه و عليه ثيابه و هم لا يعلمون، و قد رخّص رسول اللّٰه- ص- لمن كان مريضا أو ضعيفا ان يحرم من الجحفة. «3»

و قد استدلّ لغير المشهور بروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة فقال لا بأس. «4»

فإن مقتضى ترك الاستفصال و إطلاق السؤال انّه لا فرق بين كونه في حال

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 9.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب السادس ح- 4.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب السادس ح- 5.

(4) وسائل أبواب المواقيت الباب السادس ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 29

..........

______________________________

الاختيار أو في غيره.

و منها: صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- من اين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلّا محرما. «1» و لكنها لا دلالة لها على جواز التجاوز عن الشجرة من دون إحرام فإن موردها صورة تحققه و امّا الجواز فلا.

و منها: صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السلام- المشتملة على قوله- ع-: و أهل المدينة من ذي الحليفة و الجحفة. «2»

فإنّها ظاهرة في التخيير بين الميقاتين الّا ان يناقش في ثبوت الإطلاق لها بعدم كونها في مقام البيان بل في مقام الإجمال فالعمدة- ح- هي الصحيحة الأولى التي لا بد من الالتزام بثبوت الإطلاق لها و لكن إطلاقها قابل للتقييد بالروايات المتقدمة الدالة على القول المشهور

فاللازم تقييدها بها و الحكم على وفق دليل التقييد كما لا يخفى.

المقام الثاني: في انه بعد عدم جواز تأخير الإحرام من مسجد الشجرة إلى الجحفة في حال الاختيار و اختصاص الجواز بصورة الضرورة يقع الكلام في اختصاص الجواز بخصوص صورتي المرض و الضعف اللتين وقع التصريح بهما في رواية أبي بكر الحضرمي المتقدمة كما لعلّه يظهر من صاحب الجواهر حيث فسّر الضرورة في عبارة الشرائع بالمرض و الضعف أو عمومه و شموله لمطلق الاعذار من دون ان يختص بهما كما اختاره السيد و الماتن- قدس سرّهما-

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب السادس ح- 3.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 30

..........

______________________________

و التحقيق في المقام ان يقال انه ان كان الإحرام من مسجد الشجرة امرا حرجيّا على المكلّف فمقتضى قاعدة نفى الحرج الحاكمة على الأدلة المتضمنة للأحكام الأوليّة ارتفاع حرمة التجاوز عن الميقات من دون إحرام بعد كون الحرمة تكليفية لا وضعيّة و لذا لو تجاوز في حال الاختيار و أحرم من الجحفة يصح إحرامه و ان ارتكب محرّما كما استظهره صاحب الجواهر و حكى عن بعض الناس انه قال ينبغي القطع بذلك و بالجملة دليل نفى الحرج يرفع الحكم بالحرمة و معلوم ان الحرج الموضوع للقاعدة هو الحرج الشخصي لا النوعي كما ان الظاهر ان المراد به هو الحرج العرفي و عليه فاللازم الإحرام من الجحفة و لا حاجة في مشروعيته إلى أزيد من كونه ميقاتا و هو مارّ عليه فما افاده بعض الاعلام من ان المرجع- ح- إطلاق ما دلّ على التخيير بين ذي الحليفة و الجحفة كصحيح على بن جعفر المتقدّم نظرا إلى

انه إذا سقط وجوب أحد العدلين يثبت العدل الأخر فيتعين عليه الإحرام من الجحفة لعلّه يكون في غير محلّه فإنه مضافا الى ما عرفت من عدم ثبوت الإطلاق في الصحيحة المذكورة لا حاجة إليها أصلا فإنه لو لم تكن الصحيحة في البين و لم يدل دليل على التخيير لكان الحكم أيضا كذلك لان جواز الإحرام من الجحفة بعد المرور عليه خصوصا بعد جواز التجاوز عن مسجد الشجرة بغير إحرام على ما هو المفروض من ثبوت الحرج لا يتوقف على وجود دليل على كونها احدى العدلين في الواجب التخييري بل يكفى مجرد كونها ميقاتا هذا كله بالإضافة إلى مورد الحرج.

و امّا بالإضافة إلى المرض و الضعف فقد عرفت صراحة الرواية في الترخيص معهما، و امّا غيرهما من الأعذار فان لم يكن في البين الّا مجرد تلك الرواية المرخصة لكان الأمر دائرا بين احتمال الاختصاص و بين احتمال العموم نظرا إلى إلغاء الخصوصية و ان ذكرهما كان من باب المثال و الظاهر- ح- هو الثاني لأن العرف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 31

..........

______________________________

لا يفهم منها الاختصاص.

و امّا مع عدم انحصار الدليل بتلك الرواية بل وجود رواية أخرى في هذه الجهة يشكل الأمر فاللازم ملاحظتها فنقول هي عبارة عن رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى- عليه السلام- قال سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيام يعني الإحرام من الشجرة و أرادوا ان يأخذوا منها الى ذات عرق فيحرموا منها فقال: لا و هو مغضب من دخل المدينة فليس له ان يحرم الّا من المدينة. «1»

وجه الاشكال دلالتها على المنع عن التجاوز عن مسجد الشجرة من

دون إحرام مع كثرة البرد و كثرة الأيام مع ان الأوّل حرجي و الثاني عذر عرفي و مجموع الأمرين لا يخرجه عن الحرجيّة بعد كون أحدهما كذلك.

الّا ان يناقش في اعتبار الرواية من حيث السند كما صرّح بضعفها السيد- قده- في العروة لكنك عرفت سابقا اعتبارها لأن إبراهيم المذكور موثق بالخصوص و الراوي عنه و هو جعفر بن محمد بن حكيم من رجال كامل الزيارات.

و يمكن ان يقال انّ قوله- ع-: من دخل المدينة .. لا يراد من الإحرام من المدينة فيه هو الإحرام من بلدها لعدم كونه ميقاتا كما انه لا دليل على كون المراد هو الإحرام من خصوص مسجد الشجرة فاللازم ان يحمل على انّ المراد هو الإحرام من طريق المدينة الذي يسلك نوعا للورود في مكة و الدخول فيها و عليه فلا تدلّ الرواية على المنع من الإحرام من الجحفة الواقعة في نفس ذلك الطريق بل غرضها عدم جواز الانحراف منه و المرور الى ذات عرق الذي هو ميقات أهل العراق و عليه فلا توجب الرواية إشكالا في المقام نعم يكون مفادها عدم جواز الانحراف من

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 32

[مسألة 2- الجنب و الحائض و النفساء جاز لهم الإحرام حال العبور عن المسجد]

مسألة 2- الجنب و الحائض و النفساء جاز لهم الإحرام حال العبور عن المسجد إذا لم يستلزم الوقوف فيه بل وجب عليهم- ح-، و لو لم يمكن لهم بلا وقوف فالجنب مع فقد الماء أو العذر عن استعماله يتيمّم للدخول و الإحرام في المسجد و كذا الحائض و النفساء بعد نقائهما، و امّا قبل نقائهما فان لم يمكن لهما الصبر الى حال النقاء فالأحوط لهما الإحرام خارج

المسجد عنده و تجديده في الجحفة أو محاذاتها (1).

______________________________

طريق المدينة لمن قدمها مع ان الظاهر فيه الجواز أيضا لكنه أمر آخر لا يرتبط بما نحن فيه و من الممكن كما قيل هو الحمل على الكراهة و ان كان يبعّده كونه مغضبا في مقام الجواب لعدم ملاءمة الغضب مع الكراهة كما لا يخفى.

(1) البحث في هذه المسألة تارة يقع بناء على القول بعدم تعيّن المسجد للإحرام و ان أخذه انّما هو بعنوان المبدئية لا الظرفية فلا مانع من الإحرام من خارجه مع الاختيار و عدم الضرورة و اخرى يقع بناء على القول بتعين المسجد للإحرام امّا على القول الأوّل الذي قد عرفت انه قوّاه السيد- قده- في العروة و تبعه بعض الشرّاح فالحكم في الجنب و الحائض و النفساء واضح لعدم تعين الإحرام من المسجد مطلقا فيتحقق الإحرام منهم خارج المسجد من دون اشكال.

و لكنه ذكر السيد- قده- انه يدل عليه- مضافا الى ما مرّ- مرسلة يونس في كيفية إحرامها- يعني الحائض- و لا تدخل المسجد و تهلّ بالحج بغير صلاة.

أقول: أوّلا ان الرواية مسندة معتبرة لا مرسلة قد رواها الكليني عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمّد عن ابن فضّال عن يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن الحائض تريد الإحرام قال: تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوبا دون ثياب إحرامها و تستقبل القبلة و لا تدخل المسجد و تهلّ بالحج بغير الصلاة. «1»

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثامن و الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 33

..........

______________________________

و ثانيا انّ الاستدلال بالرّواية لما رامه السيد- قده- يتوقف على ثبوت أمرين و

ان كان الظاهر منه و من بعض الاعلام- قده- في الشرح كفاية أمر واحد لكن الظاهر عدمها و لزوم ثبوت كلا الأمرين:

أحدهما: ان يكون إطلاق السؤال و شموله لإحرام العمرة أيضا و ترك الاستفصال في الجواب قرينة على ان يكون المراد من قوله: و لا تدخل المسجد أعمّ من المسجد الحرام و شاملا لمسجد الشجرة أيضا و على ان يكون المراد من قوله- ع-:

و تهل بالحج شاملا لعمرة التمتع أيضا بلحاظ كونها مرتبطة بحجه و عدم كون كل من حجّه و عمرته عملا مستقلا بل المجموع عمل واحد بخلاف العمرة المفردة.

ثانيهما: إطلاق جواز الإحرام من خارج المسجد للحائض و عدم تقييده بصورة الضرورة من جهة ضيق الوقت أو عدم الرفقة أو غيرهما نظرا إلى انه لو لم يكن خارج المسجد ميقاتا أيضا لكان اللازم التقييد المذكور لانه لا مجال للحكم بجواز الإحرام من غير الميقات مع عدم ثبوت الضرورة المقتضية لذلك خصوصا مع وجود ميقات آخر في الطّريق.

و مع قطع النظر عن هذا الأمر لا يكون مجرد تجويز الإحرام للحائض خارج المسجد دليلا على كونه ميقاتا مطلقا كما هو غير خفيّ ثم ان الأمر الثاني و ان كان غير قابل للمناقشة الّا أن الأمر الأول قابل لها فان ظهور الجواب في كون المراد من المسجد هو المسجد الحرام و كذا التعبير بالإهلال بالحج يمكن ان يكون قرينة على اختصاص السؤال بإحرام الحج و عدم شموله لإحرام العمرة.

و امّا على القول الثاني الذي نفى في المتن خلوّه عن القوة و هو لزوم كون الإحرام من داخل المسجد و انه لا يجوز من خارجه عنده فان قلنا بجواز الاجتياز و المرور لهم في المسجد من دون وقوف

و ان خرج من الباب الذي دخل منه أو الباب الملاصق له و أمكن لهم الإحرام في حال الحركة و المرور من دون استلزام للوقوف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 34

..........

______________________________

في المسجد فالظاهر الجواز بهذه الكيفية بل الوجوب لانحصار الطريق بذلك.

و امّا ان قلنا بعدم جواز مثل هذا النحو من الاجتياز نظرا الى ان المستثنى في قوله تعالى وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ هو العنوان الذي لا يتحقق الّا مع كون المسجد طريقا و سبيلا و لا يشمل مثل الاجتياز في المقام، أو قلنا بالأوّل و لكنه لم يمكن له الإحرام في حال المرور و الاجتياز لزحام أو ضعف أو غيرهما فالمسئلة مشكلة و لا بدّ في استكشاف حكمها بعد ملاحظة فرض المسألة من كون الميقات هو المسجد بنحو الظرفية و عدم إمكان تحقق الإحرام فيه شرعا أو عادة من ملاحظة ما مرّ من انه لا يجوز التجاوز عن الميقات لمن يريد الحج أو العمرة و الدخول في مكة إلّا محرما و كذا ملاحظة ما تقدم أيضا من جواز التعدي عن مسجد الشجرة بلا إحرام للمريض و الضعيف بل في حال الضرورة مطلقا و تأخير الإحرام إلى الجحفة غاية الأمر ان الجنابة و الحيض و النفاس لا تكون من مصاديق الضرورة لأن الضرورة المبيحة للتأخير هي ما تكون مرتبطة باستمرار الإحرام و طول زمانه و مكانه و من المعلوم انّ مشكل مثل الجنب لا يكون ذلك بل مربوط بإنشاء الإحرام و إيجاده في المسجد كما لا يخفى و عليه فالخصوصية المذكورة في روايات التأخير إلى الجحفة من المرض و الضعف و ان كانت ملغاة و الحكم شامل لمطلق

الضرورة الّا ان موارد المقام ليست من مصاديقها و عليه فتصير المسألة مشكلة.

لكن وردت في قصّة إحرام أسماء بنت عميس بعض ما يمكن استفادة الحكم منه مثل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام.

قال: ان أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر بالبيداء لأربع بقين من ذي القعدة في حجة الوداع فأمرها رسول اللّٰه- ص- فاغتسلت و احتشت و أحرمت و لبّت مع النبي- ص- و أصحابه فلمّا قدموا مكّة لم تطهر حتى نفروا من منى و قد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 35

..........

______________________________

شهدت المواقف كلّها عرفات و جمعا و رمت الجمار و لكن لم تطف بالبيت و لم تسع بين الصّفا و المروة، فلما نفروا من منى أمرها رسول اللّٰه- ص- فاغتسلت و طافت بالمبيت و بالصّفا و المروة، و كان جلوسها في أربع بقين من ذي القعدة و عشر من ذي الحجّة و ثلاث أيام التشريق. «1»

فإنّها ظاهرة في ان إحرامها كان مع النبيّ و أصحابه الذين أحرموا من مسجد الشجرة غاية الأمر قيام الدليل الخارجي على عدم كون إحرامها في المسجد و ان المراد بالمعيّة هو عدم التأخير إلى الجحفة و عليه فتدل الرّواية على توسعة ميقات النفساء و جواز إحرامها من خارج المسجد بل وجوبه و اشتمالها على امتداد النفاس إلى ثمانية عشر يوما مع انه خلاف ما هو المشهور في ذلك الباب لا يقدح في الاستدلال بها للمقام و من المعلوم انه لا خصوصية للنفاس بل الظاهر انه لا فرق بينه و بين الحيض نعم مورد الرواية صورة عدم إمكان تأخير الإحرام إلى النقاء لأنّ المفروض ادامة نفاسها الى آخر

أيّام التشريق و في بعض الروايات الحاكية لهذه القصّة التصريح بامتداد نفاسها ثمانية عشر يوما.

و كيف كان فلا يستفاد من الرّواية الجواز في صورة إمكان التأخير إلى النقاء لان موردها صورة عدم الإمكان لامتداد النفاس الى آخر أيّام الحج و من الواضح انه لا فرق بين النفاس و الحيض من هذه الجهة.

و لعلّ هذه الرواية مستند جماعة من الأصحاب كالشهيد الثاني و صاحبي المدارك و الذخيرة القائلين بوجوب الإحرام من خارج المسجد و منه يظهر الاشكال على صاحب المستند حيث استظهر تأخير الإحرام إلى الجحفة لهما حيث قال: «و إذا عرفت تعين الإحرام من مسجد الشجرة فلو كان المحرم جنبا أو حائضا

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب التاسع و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 36

[الثاني: العقيق]

الثاني: العقيق و هو ميقات أهل نجد و العراق و من يمرّ عليه من غيرهم و اوّله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق و الأقوى جواز الإحرام من جميع مواضعه اختيارا و الأفضل من المسلخ ثم من غمرة، و لو اقتضت التقيّة عدم الإحرام من اوّله و التأخير إلى ذات العرق فالأحوط التأخير بل عدم الجواز لا يخلو من وجه (1).

______________________________

أحرما منه مجتازين لحرمة اللبث فان تعذر بدونه فهل يحرمان من خارجه كما صرّح به الشهيد الثاني و المدارك و الذخيرة لوجوب قطع المسافة من المسجد إلى مكة محرما أم يؤخّر أنه إلى الجحفة لكون العذر ضرورة مبيحة للتأخير؟ الأحوط الإحرام منهما و ان كان الأظهر الثاني لما ذكر و لعدم الدليل على توقيت الخارج لمثلهما و منع وجوب قطع المسافة محرما عليه و تمثيل الضرورة في الاخبار بالمرض و

الضعف لا يوجب التخصيص بعد اتحاد العلّة قطعا و لعدم القول بالفصل ظاهرا».

و يرد عليه- مضافا الى ما عرفت من عدم شمول الضرورة في الاخبار للمقام- ان الدليل على التوقيت هي الصحيحة المذكورة غاية الأمر توقيت بالإضافة إلى أشخاص خاصة كما انّه منه يظهر ان ما أفاده في المستمسك من ان الاشكال في بدليّة الخارج لعدم الدليل عليها في محلّه غير تامّ نعم لا إشكال في ان مقتضى الاحتياط هو الجمع بين الإحرام من خارج المسجد و من الجحفة.

ثم ان الفرق بين الجنب و بين الحائض و النفساء بعد اشتراكهما في جواز التيمم بدلا عن الغسل بعد حصول النقاء لهما و دخول المسجد للإحرام انّما هو فيما إذا لم يحصل لهما النقاء فان الجنب يتيمّم كذلك و الحائض و النفساء لا يجوز لهما التيمم قبل النقاء لعدم وجوب المبدل حتى ينتقل الى البدل بخلاف الجنب.

(1) الكلام في هذا الميقات يقع في مقامات:

المقام الأوّل: في أصل كونه ميقاتا و انه من المواقيت التي وقّتها رسول اللّٰه- ص- و يدل عليه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 37

..........

______________________________

الروايات المتضافرة التي تقدم بعضها و قد حكى الإجماع عليه جماعة كثيرة من الأصحاب بل الظاهر انه لا خلاف فيه بين المسلمين في الجملة بناء على كون ذات عرق من العقيق.

المقام الثاني: فيمن يكون هذا ميقاتا له ففي جملة من الروايات انه ميقات لأهل نجد و في جملة اخرى انه ميقات أهل العراق و في بعض هذه الطائفة انه وقت لأهل العراق و لم يكن يومئذ عراق و هل المراد تصريح رسول اللّٰه- ص- بعنوان العراق مع عدم ثبوت هذا العنوان و عدم وجوده فاللازم

الالتزام بكونه مبتنيا على علمه- ص- بالغيب أو ان المراد جعله هذا ميقاتا لجانب صار العراق بعد وجوده واقعا في ذلك الجانب و هذا هو الأظهر.

و في بعض ثالث من الروايات انه وقّت رسول اللّٰه- ص- لأهل المشرق العقيق و لا منافات بين الروايات بوجه أصلا نعم في صحيحة عمر بن يزيد الآتية ان قرن المنازل ميقات لأهل نجد و حكى عن صاحب الحدائق حملها على التقية لما رووا عن ابن عمران رسول اللّٰه (ص) حدّ لأهل نجد قرن المنازل و سيأتي البحث عنه في ميقات أهل الطائف و امّا من يمرّ عليه من غيرهم فسيأتي البحث فيه بنحو الإطلاق.

المقام الثالث: في حدّ العقيق و المشهور بل في محكي الحدائق: صرّح الأصحاب بأنّ أوّل العقيق المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق و ان الأفضل الإحرام من الأوّل ثم من الوسط.

و يدل على المشهور روايتان:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 38

..........

______________________________

إحديهما: مرسلة الصدوق قال: قال الصادق- عليه السلام- وقّت رسول اللّٰه- ص- لأهل العراق العقيق و اوّله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق و أوّله أفضل. «1» و قد مرّ غير مرّة اعتبار هذا النحو من الإرسال من مثل الصدوق بل لعلّ اعتباره يكون أقوى من المسند المشتمل على ثقات الروات فتدبّر.

و ثانيتهما: ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن حسن بن محمد عن محمد بن زياد عن عمّار بن مروان عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- يقول حدّ العقيق اوّله المسلخ و آخره ذات عرق. «2»

و ربما يناقش في سندها تارة من جهة الحسن بن محمد و انه مجهول الحال

و اخرى من جهة عمّار بن مروان المردّد بين الثقة و بين غيره و لكنّه أجيب عن الأوّل بأن المراد من محمد بن زياد هو محمد بن أبي عمير المعروف و الحسن الذي يروى عنه كثيرا هو الحسن بن محمد بن سماعة و هو ثقة ليس بمجهول.

و عن الثاني بأن إطلاق مروان ينصرف الى مروان الثقة و غيره ليس بمعروف و لا له كتاب بل الشيخ لم يذكره أصلا لكن الذي يسهّل الخطب ان استناد المشهور الى الروايتين يكفي في اعتبارهما و في انجبار ضعفهما على تقديره و لا تصل النوبة إلى تكلف التصحيح كما لا يخفى.

لكن في مقابل الروايتان طائفتان من الاخبار:

الطائفة الأولى: ما يقابلهما من حيث المنتهى و هي رواية أبي بصير عن أحدهما- عليهما السلام- قال: حدّ العقيق ما بين المسلخ الى عقبة غمرة. «3» و لكن في سندها مضافا الى سهل بن زياد على بن أبي حمزة البطائني المعروف الكذاب فالرواية غير

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني ح- 9.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني ح- 7.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 39

..........

______________________________

معتبرة. و صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال وقّت رسول اللّٰه- ص- لأهل المشرق العقيق نحوا من بريد ما بين بريد البعث إلى غمرة، و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة و لأهل نجد قرن المنازل و لأهل الشام الجحفة و لأهل اليمن يلملم. «1»

هكذا في الطبعة الحديثة من الوسائل و لكن المحكي عن التهذيب الذي هو المنقول عنه في الوسائل نحوا من بريدين و هو الظّاهر و يدلّ عليه صحيحة معاوية بن

عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال آخر العقيق بريد أوطاس و قال بريد البعث دون غمرة ببريدين «2»، و صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال أوّل العقيق بريد البعث و هو دون المسلخ بستّة أميال مما يلى العراق و بينه و بين غمرة أربعة و عشرون ميلا بريدان «3».

و كيف كان فهذه الصحاح الثلاث مشتركة في الدلالة على ان منتهى العقيق غمرة امّا الصحيحة الأولى فدلالته على ذلك ظاهرة بلحاظ التعبير ب إلى بالإضافة إلى غمرة و امّا الثانية فظاهرة في ان بريد أوطاس الذي صرّح فيها بكونه آخر العقيق هو غمرة لعدم الوجه للتعرض لها مع عدم كونها بريد أوطاس و امّا الثالثة فإن المصرح بها فيها و ان كان هو الأوّل الّا ان تقدير الفصل بينه و بين غمرة ظاهر في كونها هي المنتهى كما لا يخفى و عليه فيقع التعارض بينها و بين الروايتين المتقدمتين الدالتين على ان المنتهى هو ذات عرق و ان غمرة وسط العقيق.

و يمكن الجمع الدلالي بين الطائفتين بحمل هذه الروايات على الأفضلية لظهورها في عدم جواز تأخير الإحرام من غمرة و هما صريحتان في الجواز و مشروعية

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 6.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني ح- 1.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 40

..........

______________________________

الإحرام من ذات عرق خصوصا بعد ملاحظة بعض الروايات المتقدمة في المباحث السابقة الدالة على انّ الصادق- ع- بعد ما خرج من مكة للقاء بعض هؤلاء أحرم حين الرجوع من ذات عرق.

و التصريح في الصحيحة الأولى لمعاوية بن عمار بآخر العقيق لا ينافي

ما ذكرنا لظهوره في كون بريد أوطاس هي الغمرة من دون تصريح به مع ان الظاهر عدم كونها رواية أخرى غير روايته الثانية بل هما متحدتان و ان جعلهما في الوسائل اثنتين و على تقدير الاتحاد لم يعلم صدور التصريح بكلمة «أخر» من الامام- ع- لعدم وقوع هذا التعبير في الرّواية الثانية.

هذا و مع عدم إمكان الجمع الدلالي و ثبوت التعارض لا بد من الأخذ بالروايتين لموافقتهما لفتوى المشهور و استنادهم إليهما بل ربما يقال بأنّ مخالفة المشهور و ان نسبت الى على بن بابويه و ولده في المقنع و الشيخ في النهاية و حكى عن الدروس متابعتهم و استظهر من المدارك الميل اليه الّا ان كلمات أكثرهم لا تدل على المخالفة فالمحكي عن الحدائق انه استظهر ان على بن بابويه افتى بمضمون الرضوي المحكي عنه المشتمل على قوله بعد ذكر ان العقيق اوّله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق و ان أوّله أفضل ثم ذكر المواقيت الأخرى: و لا يجوز تأخيره عن الميقات الّا لعلل أو تقية فإذا كان الرجل عليلا أو اتّقى فلا بأس ان يؤخر الإحرام إلى ذات عرق.

فان الجمع بين الصدر و الذيل لا يتحقق الّا بالحمل على الأفضلية و الّا فالظاهر هي المنافاة و مثل ذلك ما عن المقنع و النّهاية و امّا الشهيد فآخر كلامه صريح في تجاوز العقيق عن عمرة الى ذات عرق و عليه فلم تثبت مخالفة المشهور بوجه هذا بالإضافة إلى المنتهى.

الطائفة الثانية: ما يقابل فتوى المشهور من حيث المبدء و هي صحيحتا معاوية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 41

..........

______________________________

بن عمار المتقدمتان بل الثانية صريحة في ان بريد

البعث دون المسلخ بستة أميال ممّا يلي العراق و كذا صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة أيضا.

و حيث انه لم ينقل الخلاف من أحد من جهة المبدء فاللازم الالتزام بأن الإعراض موجب لسقوطها عن الحجيّة و الاعتبار نعم ربما يقال بوجود الجمع الدّلالي و هو الالتزام بان مبدأ العقيق و ان كان هو بريد البعث الّا انه لا دلالة لما يدل على ذلك على جواز الإحرام منه أيضا فيمكن ان يقال بلزوم الإحرام من المسلخ الذي هو بعد بريد البعث و ان كان المبدء هو البريد و يؤيّده التعبير في بعض الروايات بان رسول اللّٰه- ص- وقّت لأهل العراق و لم يكن يومئذ عراق بطن العقيق من قبل أهل العراق. «1» فان الظاهر كون البطن غير المبدء و لكنّه هو الميقات دونه فلا ينافي ما عليه المشهور.

ثم انّك عرفت ان المشهور ان الإحرام من المسلخ و هو مبدأ العقيق أفضل ثم من غمرة و يمكن ان يكون الوجه فيه هو طول الإحرام- زمانا و مكانا- فلا محالة يكون أفضل و كذا الغمرة في المرتبة الثانية كما انه يمكن ان يكون الوجه خصوصية المحلّ و ثبوت الأفضلية له كمسجد الشجرة بالإضافة إلى خارجه على تقدير القول بعدم تعيّن المسجد للإحرام و جوازه من خارجه في حال عدم العذر أيضا و كيف كان فيدل على ما ذكره المشهور روايات متعددة جمعها في الوسائل في باب عقده بهذا العنوان:

منها مرسلة الصدوق المعتبرة المتقدمة المشتملة على ان الإحرام من أوّل العقيق و هو المسلخ أفضل.

و منها صحيحة يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 42

..........

______________________________

الإحرام من اى العقيق أحرم قال من اوّله و هو أفضل «1».

و منها موثقة إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن الإحرام من غمرة قال ليس به بأس و كان بريد العقيق أحبّ الىّ. «2» و لكن الظاهر ان المراد ببريد العقيق هو بريد البعث الذي قد عرفت انه دون المسلخ و قبل الميقات لعدم كون المسلخ بريدا.

المقام الرّابع: فيما لو اقتضت التقية تأخير الإحرام إلى ذات عرق الذي هو ميقات أهل السنّة و قد احتاط في المتن وجوبا التأخير ثم قال بل لا يخلو عدم الجواز من وجه.

و في هذا المقام جهات من الكلام:

الجهة الاولى: انه لا شبهة بناء على ما ذكرنا وفاقا للمشهور ان تأخير الإحرام إلى ذات عرق جائز و لو في صورة الاختيار و عليه فالتأخير تقية لا يقتضي الإخلال بشي ء مما يعتبر عندنا و ليس مثل المسح على الخفين الموجب لذلك.

الجهة الثانية: انّه ذكر السيّد- قده- في العروة انه يجوز في حال التقية الإحرام من اوّله قبل ذات عرق سرا من غير نزع ما عليه من الثياب الى ذات عرق ثم إظهاره و لبس ثوبي الإحرام هناك بل هو الأحوط ثم قال: و ان أمكن تجرده و لبس الثوبين سرّا ثم نزعهما و لبس ثيابه الى ذات عرق ثم التجرد و لبس الثوبين فهو أولى.

أقول: ان قلنا بان لبس ثوبي الإحرام لا يكون من مقومات الإحرام و دخيلا في

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثالث ح- 2.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الثالث ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 43

..........

______________________________

حقيقته بل هو عبارة عن مجرد

النية و التلبية و لبس الثوبين من أحكام الإحرام و واجباته كما ان له أحكاما تحريمية ترتبط بمحرمات الإحرام فالتقية لا تنافي الإحرام بوجه لأن النيّة أمر قلبي و التلبية لا يعتبر فيه الإجهار بوجه بل التقية على تقدير عدم إمكان رعاية شي ء من الطريقين المذكورين في كلام السيّد تتحقق بترك اللبس الذي هو واجب في الإحرام و هي كافية في رفع الوجوب و تجويز الترك و التأخير.

و ان قلنا بان لبس الثوبين داخل في مهيّة الإحرام و حقيقته كالامرين الآخرين فالظاهر انه غير متمكّن من الإحرام من المسلخ و يمكن الفرق بين الطريقين بوجود التمكن في الثاني دون الأوّل فتدبّر.

الجهة الثالثة: انه قد وردت في هذا المقام رواية رواها الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري مرسلة و الشيخ- قده- في كتاب الغيبة مسندة بالإسناد المشتمل على احمد بن إبراهيم النوبختي انه- اى الحميري- كتب الى صاحب الزمان- عجل اللّٰه تعالى فرجه- يسأله عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء و يكون متصلا بهم يحج و يأخذ عن الجادة و لا يحرم هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا الرجل ان يؤخر إحرامه إلى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا يجوز الا ان يحرم من المسلخ؟ فكتب إليه في الجواب: يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب و يلبّي في نفسه فإذا بلغ الى ميقاتهم أظهره. «1»

و الرواية- مضافا الى ضعف سندها بالإرسال و بجهالة الرجل المذكور- تدل على مفروغية تعيّن المسلخ بخصوصه للميقات و هو مخالف لما قدّمناه تبعا للمشهور من سعة العقيق للميقات و انه لا فرق بين اوّله و وسطه و آخره من جهة الصّحة و ان

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 44

..........

______________________________

كان بينها الاختلاف من حيث الفضيلة.

و امّا مع قطع النظر عن هذه الجهة فيجري في مفادها و مدلولها احتمالان:

أحدهما: ان يكون المراد بلبس الثياب هو لبس الثياب العادية غير ثوبي الإحرام و يؤيده التعبير بالجمع دون التثنية و عليه فالمراد هي التلبية في النفس بدون الإظهار كما ان المراد بقوله: أظهره هو لبس ثوبي الإحرام و إظهار التلبية و الإجهار بها.

ثانيهما: ان يكون المراد بالثياب ثوب الإحرام و يؤيده العطف بثم و الجمع بينه و بين حصول التقية امّا من طريق ما أشار إليه السيد من لبس الثوبين تحت الثياب و على هذا التقدير يمكن ان يقال بان قوله: في نفسه متعلقا بالتلبية و اللبس معا و امّا من جهة تعارف لبس الثوبين قبل الإحرام و الوصول الى الميقات تمهيدا له و استعدادا لتحقّقه لكن الأمر سهل بعد ضعف سند الرواية و كون مفادها من جهة تعين المسلخ للميقات معرضا عنه عند الأصحاب مع انه لا يستفاد منها شي ء في باب التقية نعم لو كان مدلولها لبس الثياب العادية التي تكون مخيطة نوعا تدل على عدم الكفارة في لبسها في حال التقية و ان كانت ثابتة في سائر الموارد و ان كان في حال الضرورة و الوجه في دلالتها هو السكوت عنها مع كونها في مقام البيان.

الجهة الرّابعة: انه لو أحرم من المسلخ مع اقتضاء التقية عدمه و ظهور كونه مخالفا لها فهل يكون جائزا من جهة الحكم الوضعي و صحيحا أم لا قد عرفت انّ الماتن- قدس سره- نفى خلو البطلان عن الوجه.

و البحث في ذلك

امّا من جهة القاعدة فالظاهر انّها لا تقتضي البطلان بوجه لأنّ متعلق الوجوب انّما هو عنوان التقية و قد حققنا في محلّه انّ هذا العنوان مغاير لعنوان الاضطرار الذي وقع في حديث الرفع كما انه مغاير لعنوان المداراة و حسن المعاشرة و جلب المودة و معنى التقية هو كتمان المذهب و عدم اذاعته و إظهاره من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 45

[الثالث: الجحفة]

الثالث: الجحفة و هي لأهل الشام و مصر و مغرب و من يمرّ عليها من غيرهم (1).

______________________________

دون فرق بين ما إذا خيف الضرر على الترك و بين غيره و بالجملة فالمتعلّق للوجوب هو عنوان التقية و عدم رعايتها بإظهار التلبية لا يقتضي إلّا مخالفة تكليف وجوبي و لا يكون في البين سوى ذلك التكليف و عليه فلا يبقى مجال للحكم بالبطلان بالإضافة إلى الإحرام لعدم تعلق النهى به حتى يوجب فساده لعدم اقتضاء الأمر بالشي ء للنهى عن الضد مطلقا- الضد العام و الضد الخاص- و لا مجال للحكم بالبطلان من جهة عدم الأمر مع وجود الأمر بالتقية و كونها أهم من الإحرام من المسلخ خصوصا بعد عدم تعينه و التخيير بينه و بين الوسط و بين المنتهى لما حقق في محلّه من عدم توقف صحة العبادة على تعلق الأمر الفعلي بها و كفاية الملاك و المناط فيها و على تقدير التوقف يكون الأمر بالمهم ثابتا امّا من طريق الترتب و امّا من الطريق الآخر الذي سلكه سيدنا الأستاذ المحقق الماتن- قدس سره الشريف- في مباحثه الأصولية و عليه فالقاعدة لا تقتضي البطلان نعم ورد في باب الوضوء الذي لم يراع فيه التقية رواية دالة على بطلانه و

بإلغاء الخصوصية ربما يستفاد منها الحكم في جميع الموارد لكن الإشكال في سند الرواية و قد انقدح من جميع ما ذكرنا صحة الإحرام المخالف للتقية و ان كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي في المقام تجديده في ذات عرق.

(1) قال في الجواهر: و انما سميت الجحفة لإجحاف السّيل بها و بأهلها، و هي على سبع مراحل من المدينة و ثلاث من مكّة و لا خلاف و لا إشكال في كونها ميقاتا للمذكورين في المتن و يدل عليه النصوص و الروايات المتكثرة المشتمل كثير منها على كونه ميقاتا لأهل الشام كصحيحة الحلبي «1» و بعضها على كونه ميقاتا لأهل المغرب كصحيحة أبي أيوب الخراز و فيها: و وقت لأهل المغرب الجحفة

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 46

[الرّابع: يلملم]

اشارة

الرّابع: يلملم و هو لأهل يمن و من يمرّ عليه (1).

[الخامس: قرن المنازل]

الخامس: قرن المنازل و هو لأهل الطائف و من يمرّ عليه (2).

______________________________

و هي عندنا مكتوبة: مهيعة. «1» و بعضها على كونه ميقاتا لأهل الشام و مصر كصحيحة على بن جعفر- عليهما السلام- «2» و لا منافاة بينها بعد اشتراكهم في كون الجحفة واقعة في مسيرهم إلى مكّة خصوصا بعد عدم اختصاص شي ء من المواقيت بخصوص من وقّت له بل يشمل كل من يمرّ عليه من غيره.

(1) المحكيّ عن القواعد و المسالك و غيرهما ان يلملم جبل و عن شرح الإرشاد للفخر انه واد، و هو الظاهر المناسب للميقاتية لصعوبة الإحرام من الجبل بالإضافة إلى مثل المريض و الضعيف و الهرم، و يقال له ألملم و قد يقال له يرمرم و هو على مرحلتين من مكّة و لا خلاف في كونه ميقاتا لأهل اليمن و يدل عليه كثير من الروايات الواردة في المواقيت التي وقّتها رسول اللّٰه- ص.

(2) قرن المنازل بفتح القاف و سكون الراء قرية عند الطائف أو اسم الوادي كلّه كما في القاموس و عنه انه اعترض على الجوهري صاحب الصحاح من جهة تحريك راء القرن أوّلا و من جهة نسبة أويس القرني اليه مع انه منسوب الى قرن الذي هو اسم شخص ينسب إليه القبيلة من قبائل اليمن لا اسم مكان و محلّ، و عن كشف اللثام انه اتفق العلماء على تغليطه فيهما لكن في المستند نفي تصريح الجوهري بشي ء من الأمرين مع ان المحكي عنه في أكثر كتب اللغة التصريح بهما و بان قرن ميقات أهل نجد و الظاهر ان صاحب مجمع البحرين قد أخذ منه و صرح بكلا الأمرين و

انه ميقات لأهل نجد و يرد عليه ان كونه ميقاتا لأهل نجد انما هو على رأى فقهاء غير الشيعة و امّا فقهائنا فهم متفقون في كونه ميقاتا لأهل الطائف

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 2.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 47

[مسألة 3- تثبت تلك المواقيت مع فقد العلم بالبينة الشّرعية]

مسألة 3- تثبت تلك المواقيت مع فقد العلم بالبينة الشّرعية أو الشياع الموجب للاطمئنان، و مع فقد هما بقول أهل الاطلاع مع حصول الظن فضلا عن الوثوق، فلو أراد الإحرام من المسلخ- مثلا- و لم يثبت كون المحل الكذائي ذلك لا بد من التأخير حتى يتيقن الدخول في الميقات (1).

______________________________

و قد وقع التصريح به في كثير من نصوص المواقيت نعم في مقابلها روايتان:

إحديهما: صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة المشتملة على قول الصادق- ع-: و وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و لأهل نجد قرن المنازل. «1»

ثانيتهما: صحيحة عليّ بن رئاب المشتملة على قوله- ع-: و وقت لأهل اليمن قرن. «2»

و قد عرفت ان المحكي عن صاحب الحدائق انه حمل الصحيحة الأولى على التقية للرواية العامية المتقدمة و يمكن ان تحمل على انّ لأهل نجد طريقين أحدهما يمرّ بالعقيق و الآخر بقرن المنازل كما ان هذا الحمل يجري في الصحيحة الثانية أيضا و على تقدير ثبوت المعارضة و عدم إمكان الجمع الدلالي و عدم وصول النوبة إلى الحمل على التقية تكون موافقة تلك الروايات المتكثرة للشهرة المحققة بل الإجماع كافية في الاعراض عن الروايتين و عدم العمل بهما فلا محيص عما ذكر.

(1) تثبت المواقيت الخمسة المتقدمة مع فقد العلم و اليقين بأمور:

أحدها: البينة الشرعية التي قام الدليل على اعتبارها في الموضوعات و

الظاهر عدم كون شهادة العدل الواحد بحجّة فيها كما حقّق في محلّه.

ثانيها: الشياع الموجب للاطمئنان و في الحفيقة تثبت بالاطمينان سواء حصل من الشياع أو من غيره و الوجه فيه كون الاطمئنان حجة عقلائية شرعيّة امّا كونه حجة عقلائية فواضح ضرورة ان العرف يعامل مع الظن المتاخم للعلم الذي يعبر

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 6.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 48

..........

______________________________

عنه بالاطمينان معاملة العلم و امّا كونه حجة شرعيّة فلأنه مع عدمها لا بد ان يرجع في مورده إلى الأصول الشرعية مع ان العناوين المأخوذة في أدلتها لا بد و ان يرجع في تشخيص معناها و مفادها الى العرف فهو المرجع في معنى: ما لا يعلمون المأخوذ في حديث الرفع و في معنى لا تنقض اليقين بالشك الواقع في روايات الاستصحاب و من الواضح انه مع حصول الاطمئنان بحرمة شرب التتن- مثلا- لا تكون الحرمة غير معلومة و كذا مع الاطمئنان بخلاف الحالة السابقة في باب الاستصحاب لا يصدق نقض اليقين بالشك عرفا و مع عدم شمول أدلة الأصول لا بد من الالتزام بثبوت الحجة الشرعية له كما لا يخفى هذا و لكن ذكر صاحب الجواهر- قده- في ذيل بحث ميقات العقيق ان غير واحد من الأصحاب اكتفى في معرفة هذه المواقيت بالشياع المفيد للظن الغالب ثم قال و لعلّه لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- يجزيك إذا لم تعرف العقيق ان تسأل الناس و الاعراب عن ذلك «1». و الظاهر ان المراد السؤال لحصول المعرفة التي أقلها الظّن الغالب المعبر عنه بالاطمينان.

ثالثها: قول أهل الخبرة

و الاطلاع مقيّدا بحصول الظن و قد عبّر في المتن بعده بقوله: فضلا عن الوثوق مع ان الظاهر ان هذا التعبير إنما يلائم القضية الإيجابية المشتملة على الاكتفاء بالظنّ لا القضية السّلبية التي يقتضيها التقييد بحصول الظن كما في المتن فيصح ان يقال: يكفى مجرد الظن فضلا عن الوثوق و لا يصح ان يقال لا يكفى ما دون الظن فضلا عن الوثوق كما هو ظاهر و امّا الاكتفاء بالظن فقد ذكر صاحب الجواهر- قده- في مسألة المحاذاة انهم صرحوا بكفاية الظنّ ثم قال و لعلّه للحرج و الأصل و انسياق ارادة الظن في أمثال ذلك.

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الخامس ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 49

..........

______________________________

و لكن الظاهر انه لا دليل على اعتبار مجرد، الظنّ في ذلك و استلزامه للحرج ممنوع كاقتضاء الأصل له فإن الأصل في باب الظنون التي لم يدل دليل على اعتبارها عدم الحجيّة و الظاهر عدم شمول. صحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة لهذا الأمر بعد ما عرفت من ان ظاهرها حصول المعرفة التي لا تنطبق على أقل من الظن الغالب فتدبر.

و عليه فمقتضى الاحتياط اللازم الإحرام من المحلّ الواقع فيه بالنذر فإنه ان كان ميقاتا يصح الإحرام منه كما انه يصحّ نذره و لو فرض عدم صحة نذره لا يقدح في صحة الإحرام بوجه أصلا و ان لم يكن ميقاتا فسيأتي في أحكام المواقيت إن شاء اللّٰه تعالى انه يصح الإحرام قبل الميقات بسبب النذر فعلى اىّ تقدير يكون الإحرام صحيحا.

و امّا الإحرام في موضع يظن أو يحتمل كونه ميقاتا احتياطا و الإحرام قبل الميقات و ان كان محرّما كالتجاوز عن الميقات من دون

إحرام لمن يريد دخول مكة و الإتيان بالمناسك الّا ان الظاهر ثبوت الفرق بين الحرمتين و ان حرمة التجاوز عن الميقات حرمة ذاتية كحرمة أكثر المحرمات و حرمه الإحرام قبل الميقات حرمة تشريعية متقومة بقصد التشريع و من الواضح انها لا تكون مانعة عن الإتيان به رجاء و بعنوان الاحتياط.

بقي الكلام في قوله- قده- في الذيل فلو أراد الإحرام من المسلخ- مثلا- و يرد عليه انه لا ارتباط بينه و بين الاكتفاء بالظنّ فلا وجه لتفريعه عليه و يحتمل قويّا ان تكون «الواو» مكان «الفاء».

و كيف كان فالوجه فيه ان العقيق حيث يكون ميقاتا وسيعا اوله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق فلا مجال للاكتفاء بالظن بالمسلخ- مثلا- مع العلم بأنه لو سلك مقدارا آخر من الطريق يتحقق له الإحرام من الميقات قطعا و ان لم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 50

[مسألة 4- من لم يمرّ على أحد المواقيت جاز له الإحرام من محاذاة أحدها]

مسألة 4- من لم يمرّ على أحد المواقيت جاز له الإحرام من محاذاة أحدها، و لو كان في الطريق ميقاتان يجب الإحرام من محاذاة أبعدهما إلى مكّة على الأحوط، و الاولى تجديد الإحرام في الأخر (1).

______________________________

يعرف كونه أوّلا أو وسطا أو آخرا فان الملاك هو إحراز كونه ميقاتا لا كونه أوّلا- مثلا- و عليه ففي مثل العقيق لا بد و ان يحرم من موضع يتيقن كونه ميقاتا و لا وجه للاكتفاء بالظنّ أصلا كما لا يخفى.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأوّل: أصل جواز الإحرام من محاذاة الميقات مع عدم كونها ميقاتا من المواقيت التي وقتها الرسول- ص- و قد نسب الجواز إلى الشهرة بل إلى الشهرة العظيمة بل قيل لا يظهر مخالف

صريح في ذلك و ان استشكل فيه في المدارك و الذخيرة و الحدائق و بعض الكتب الآخر تبعا لما في مجمع البرهان للمقدس الأردبيلي- قده- لكن عنوان المسألة في الشرائع بنحو يكون فيه إبهام و إجمال حيث قال: «و لو حجّ على طريق لا يفضي الى أحد المواقيت قيل يحرم إذا غلب على ظنّه محاذاة أقرب المواقيت إلى مكّة».

و نسبته الى القول و ان كان فيها الاشعار بالتضعيف و لا أقل من الترديد الّا انه حيث يكون القول المزبور مشتملا على خصوصيات ثلاثة: أصل الإحرام من المحاذي و كون الملاك أقرب المواقيت إلى مكّة و الاكتفاء بغلبة ظن المحاذاة لا يعلم ان التضعيف أو الترديد ناظر إلى الخصوصية الأولى التي هي محلّ البحث هنا أو الى إحدى الخصوصيتين الآخرتين.

و قد وقع الاختلاف في معني العبارة بين صاحبي المسالك و المدارك و كيف كان لا تكون صريحة بل و لا ظاهرة بل و لا مشعرة بالمخالفة في هذا المقام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 51

..........

______________________________

و قد استدل للجواز بصحيحتي عبد اللّٰه بن سنان:

إحديهما: ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عنه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال من اقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستّة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء «1».

ثانيتهما: ما رواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب عنه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: من اقام بالمدينة و هو يريد الحج شهرا أو نحوه ثم بدا له ان يخرج في غير

طريق المدينة فإذا كان حذاء الشجرة و البيداء مسيرة ستة أميال فليحرم منها. «2»

و من الواضح وحدة الروايتين خصوصا مع كون الراوي عن ابن سنان في كلتيهما هو الحسن بن محبوب و لازم الوحدة عدم الاعتبار إلّا بالإضافة إلى خصوص ما اتفقتا عليه فان اشتملت إحديهما على أمر زائد لم يعلم صدوره منه- ع- و لا دليل على الاعتبار بعد العلم بالوحدة فتدبّر.

و لا إشكال في دلالة الروايتين على أصل جواز الإحرام من المحاذاة في الجملة و ان كان فيهما قيود يأتي البحث عنها إن شاء اللّٰه تعالى لكن في مقابلهما روايتان ظاهرتان في الخلاف.

إحديهما: مرسلة الكليني حيث قال بعد نقل صحيحة ابن سنان: و في رواية أخرى: يحرم- اى الشخص المفروض في الصحيحة- من الشجرة ثم يأخذ أيّ طريق شاء. «3»

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع ح- 1.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع ح- 3.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 52

..........

______________________________

و لكنها لأجل الإرسال لا تنهض في مقابل الصحيحة.

ثانيتهما: ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن جعفر بن محمد بن حكيم عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى- عليه السلام- قال سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيام يعني الإحرام من الشجرة و أرادوا ان يأخذوا منها الى ذات عرق فيحرموا منها فقال: لا و هو مغضب من دخل المدينة فليس له ان يحرم الّا من المدينة. «1»

و جعفر بن محمد بن حكيم من رجال كامل الزيارات الذين ورد فيهم التوثيق العام و هو حجة مع عدم تضعيف خاص في مقابله و الظاهر انّ

المراد من قوله- ع- الّا من المدينة ليس هي البلدة بل ميقاتها الذي هو مسجد الشجرة و الجمع الدلالي بينها و بين الصّحيحة ممكن لان مفاد هذه الرواية هو المنع عن العدول من الشجرة إلى ميقات آخر و لا دلالة لها على نفى الجواز من محاذاتها أصلا و على تقدير عدم إمكان الجمع و وقوع التعارض لا بد من الأخذ بالصحيحة لموافقتها للشهرة المحققة فلا يبقى مجال للإشكال في أصل المسألة إنّما الإشكال بعد تعين الصحيحة لكونها مستندة للحكم الذي هو على خلاف القاعدة المستفادة من أدلة المواقيت و نصوصها، يقع في جهات:

الجهة الاولى: ان مفاد الرواية جواز الإحرام من محاذاة مسجد الشجرة و لا تعرض لها لغيرها مع انّ المشهور هو الجواز بالإضافة الى جميع المواقيت و ذكر السيد- قده- في العروة انه لا يضر اختصاص الروايتين بمحاذاة مسجد الشجرة بعد فهم المثالية منهما و عدم القول بالفصل و قد تبع في الثاني جماعة منهم صاحب المستند.

و امّا الأوّل و هو إلغاء الخصوصية فإن كانت الرواية مشتملة على نفس

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 53

..........

______________________________

هذا الحكم فقط من دون أخذ قيود و خصوصيات اخرى لكان لإلغاء الخصوصية مجال و ان كان الحكم على خلاف القاعدة الّا انّ أخذ قيود و شروط في ترتب الحكم بصورة القضية الشرطية التي لا محيص عن الالتزام بثبوت الارتباط بينها و بين الحكم و ان كان الارتباط مخفيّا عندنا غير معلوم لنا مع ملاحظة كونها مأخوذة في كلام الامام- ع- دون الراوي لأنه ليس في الرواية سؤال أصلا يوجب الترديد في إلغاء الخصوصية من مسجد الشجرة

فإن اعتبار الإقامة بالمدينة شهرا أو نحوه و اعتبار كونه مريدا للحج حال الإقامة دون غيره من التجارة و نحوها و كذا اعتبار ان يبدو له ان يخرج من غير طريق أهل المدينة الذي يمرّ على الميقات و ظاهره اعتبار عدم كون إرادته لخروج من غير ذلك الطريق من أوّل الأمر مع ان هذه الأمور مما لا نعلم ارتباطها بالحكم المذكور في الرواية يوجب ان لا يكون مجال لإلغاء الخصوصية بالإضافة إلى مسجد الشجرة خصوصا مع كونه أفضل المواقيت فيحتمل الاكتفاء بمحاذاته لأجل هذه الجهة فتدبر و كيف كان في الرواية خصوصية تمنع عن إلغاء الخصوصية و لأجله يشكل الحكم من جهة عدم فصل المشهور بين المواقيت أصلا و عدم التعرض لشي ء من القيود المذكورة في الرّواية مع كونها هي المستندة الوحيدة في الباب و لا يمكن الالتزام بحجية فهم المشهور من الرواية و ان كانت الشهرة جابرة لضعف السند في مورده و مرجحة لأحد المتعارضين على الآخر كما تدل عليه المقبولة المعروفة الّا ان فهمهم لا دليل على اعتباره.

الجهة الثانية: انّ ظاهر الرواية لزوم الإحرام من محاذاة مسجد الشجرة لكل من يريد الخروج من غير طريق أهل المدينة مع ان الظاهر اختصاص ذلك بخصوص من أراد الخروج من طريق واقع في جهة طريق أهل المدينة بأن كان موازيا له و الّا فمن كان مريدا للخروج من جهة المغرب من دون ان يمرّ على المسجد أو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 54

..........

______________________________

محاذاته فميقاته الجحفة كما انه إذا أراد الخروج من جهة المشرق فميقاته العقيق و هذا أيضا اشكال على الرّواية.

الجهة الثالثة: انه ذكر بعض الاعلام- قدّس سره- ان الرواية

على نقل الصّدوق تدل على لزوم الإحرام في خصوص مسيرة ستّة أميال في دائرة المحاذاة و مقتضاه انه إذا بلغ السّير إلى سبعة أميال أو أكثر لا يجوز له الإحرام و لو كان محاذيا كما إذا سار سبعة أميال بالخط غير المستقيم مع ان ظاهرها على نقل الكليني ان العبرة بمطلق المحاذاة و ان السّير ستة أميال انّما هو على نحو القضية الشخصية الخارجية و لعلّ وجهه ان السّير المتعارف في ذلك الزمان كان ستة أميال و بالخط المستقيم.

و يرد عليه أوّلا: ان حمل الرواية على نقل الصدوق على ما افاده مبنى على ان تكون كلمة «حذاء الشجرة» اسما لكان و خبره ستة أميال فتدل على تقييد المحاذاة بذلك مع ان الظاهر كون كلمة «حذاء ..» خبرا لكان و قوله: ستة أميال عطف بيان بالإضافة إلى الحذاء و يؤيده الرواية على النقل الآخر و عليه فلا اختلاف بين النقلين.

و ثانيا: انّه على تقدير تسليم ما افاده ليس المراد من قوله: ستة أميال هي الستة التي سارها المريد للإحرام بل ستة أميال بالسير المتعارف و ان كان هذا الشخص سارها أزيد من ذلك فان ظاهر الستّة كونها الطريق المتعارف لا الطريق الخاص الذي سلكه مريد الإحرام كما لا يخفى.

الجهة الرّابعة: ظاهر الرواية عدم اختصاص جواز الإحرام من محاذاة مسجد الشجرة بمن لا يتمكن من الذهاب الى المسجد و المرور عليه بل يعمّ صورة التمكن أيضا كما هو ظاهر إطلاق الأصحاب كما في الجواهر و الوجه فيه ان قوله- ع- ثم بدا له ان يخرج .. يشمل كلتا الصورتين لو لم نقل بظهوره في صورة الاختيار و التمكن من المرور بالمسجد و عليه فالحكم شامل غير مختصّ

كما هو ظاهر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 55

..........

______________________________

المقام الثاني: فيما لو كان في الطريق ميقاتان و لا محالة يكون أحدهما أبعد إلى مكّة و الآخر أقرب. و قد فسر صاحب المدارك عبارة الشرائع التي تقدم نقلها في صدر المسألة بان ظاهرها ان القول الذي حكاه المحقق انه مع تعدّد المواقيت التي يتحقق محاذاتها في الطريق يجب الإحرام من محاذاة أقربها إلى مكة دون الأبعد و لكن حمل ثاني الشهيدين العبارة على ما لو لم يحاذ ميقاتا في الطريق أصلا و معنى محاذاة أقرب المواقيت- ح- بلوغ محلّ بينه و بين مكة بقدر ما بين مكة و أقرب المواقيت إليها و هو مرحلتان علما أو ظنا ثم تصدى لتوجيهه و بيان وجهه.

و لكن ذكر صاحب الجواهر انه بناء على تفسير صاحب المدارك انه لم يتحقق القائل الذي حكاه المحقّق- ح- إذ المحكيّ عن ابن إدريس انه أطلق: إذا حاذى أحد المواقيت أحرم من المحاذاة و ابن سعيد ان من قطع بين الميقاتين أحرم بحذاء الميقات بل عن المبسوط التصريح باعتبار أقرب المواقيت إليه- يعنى من يريد الإحرام من المحاذي.

أقول نعم حكى عن القواعد التصريح باعتبار أقرب المواقيت إلى مكّة و لكنه مع تأخره عن المحقق لا يمكن ان يكون مرادا للمحقق و من هنا يشكل الحكم من جهة انّ صاحب الشرائع لم ينقل غير هذا القول و ان كان نقله مشعرا بالتضعيف أو الترديد و من جهة ان الصحيحة التي هي المستندة في أصل الحكم ظاهرة في لزوم الإحرام من محاذي مسجد الشجرة الذي هو أبعد الميقاتين بالإضافة الى من يريد الحج من المدينة و المتفاهم منها عرفا ان المحاذاة

يعامل معها معاملة الميقات فكأنّها بمنزلة الدليل الحاكم على أدلّة كون مسجد الشجرة ميقاتا و مفسرة لها و مبينة لأوسعية دائرة الميقات و شمولها للمحاذاة و عليه فيترتب عليها ما يترتب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 56

[مسألة 5- المراد من المحاذاة أن يصل في طريقه الى مكة إلى موضع]

مسألة 5- المراد من المحاذاة أن يصل في طريقه الى مكة إلى موضع يكون الميقات على يمينه أو يساره بخط مستقيم بحيث لو جاوز منه يتمايل الميقات الى الخلف، و الميزان هو المحاذاة العرفية لا العقلية الدقية، و يشكل الاكتفاء بالمحاذاة من فوق كالحاصل لمن ركب الطائرة لو فرض إمكان الإحرام مع حفظ المحاذاة فيها فلا يترك الاحتياط بعدم الاكتفاء بها (1).

______________________________

عليها فكما انه لا يجوز التجاوز عن الميقات بغير إحرام كما مرّ البحث فيه مفصّلا كذلك لا يجوز التجاوز عن المحاذاة كذلك فالمستفاد من الصحيحة ترتب حكم الميقات عليها فيتعين الإحرام منها الّا في صورة الضعف و المرض بل مطلق الضرورة كما مرّ بحثه أيضا.

و لعلّه لما ذكرنا من الاشكال احتاط في المتن وجوبا بالنسبة إلى الإحرام من أبعد المواقيت و استحبابا بالإضافة إلى تجديد الإحرام في الميقات الأخر و لكن الأقوى بمقتضى الدليل هو الأوّل.

(1) بعد الحكم بجواز الإحرام من محاذاة الميقات وقع الكلام في معناها و المراد منها و قد ذكر السيد- قده- في العروة وجهين في هذا المقام.

أحدهما: بعد إسقاط التحريف بالزيادة التي وقع في العبارة ظاهرا ان يصل في طريقه الى مكّة إلى موضع يكون بينه و بين مكّة كما بين ذلك الميقات و مكّة بالخطّ المستقيم.

و توضيحه على ما في بعض الحواشي و الشروح انا لو رسمنا دائرة و جعلنا النقطة المركزية مكة المكرمة فكل جزء

من أجزاء محيط تلك الدائرة نسبته الى المركز نسبة واحدة لأن الخطوط الخارجة من المحيط الى المركز المسماة بالشعاع متساوية و عليه فلو فرض وقوع الميقات في جزء من أجزاء المحيط فلا محالة تكون سائر الأجزاء متساوية المسافة و الفاصلة إلى مكة الواقعة في مركزها مع الميقات و عليه فجميع الاجزاء غير الميقات متصف بالمحاذاة معه لتساوى نسبتها إلى مكة مع نسبة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 57

..........

______________________________

الميقات لان المفروض وقوع الجميع حتى الميقات في محيط الدّائرة.

هذا و لكن هذا الوجه لا يمكن الالتزام به و لم يدل عليه دليل فان مقتضاه انه لو وقف من الدائرة في النقطة المقابلة التي يكون بينها و بين الميقات مائة و ثمانين درجة يكون محاذيا للميقات مع انه لا يعد ذلك من المحاذاة بوجه بل يصدق انه أحرم من مقابل الميقات لا من محاذيه كما هو ظاهر بل لا يصدق فيما إذا أحرم من مورد يكون الفصل تسعين درجة بل أقلّ من ذلك فهذا الوجه لا يكون محقّقا للمحاذاة بوجه.

ثانيهما: ان يكون الخط من موقفه الى الميقات اقصر الخطوط في ذلك الطّريق.

و أورد عليه في المستمسك مضافا الى ان هذا الوجه لا يتّحد مع ما سبقه عملا و لا يلازمه خارجا بان الطريق إذا كان يمرّ خلف الميقات بمسافة معينة ثم يبعد عنه- حينما يكون عن يمينه أو يساره- يكون اقصر الخط خلفه و لا يكون الشاخص- ح- محاذيا بل يكون خلفه.

كما انه أورد عليه بعض الاعلام- قده- بأنه لو فرضنا انه توجه إلى مكّة من موقفه الواقع على الخط المحيط للدائرة على درجة خمس و أربعين من الدائرة أي نصف الربع

فدخل في الدائرة فيكون بينه و بين مسجد الشجرة خطّا وهميّا موصلا بينهما و يشكّل بذلك زاوية من الخطوط المارّة في طريقه الى مسجد الشجرة و لا ريب ان الخط المارّ من وسط المثلث أقرب الخطوط و أقصرها من الضلعين الى الميقات مع انه خارج عن المحاذاة.

و يمكن الجواب عنه بمنع كون الخط المارّ من وسط المثلث أقرب من الخط الخارج من الموقف الى الميقات فان ظاهر هذا الوجه كون الميقات واقعا في أحد الجانبين من قاعدة المثلث و الموقف واقعا في الجانب الآخر و الخط المستقيم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 58

..........

______________________________

بينهما اقصر الخطوط بالإضافة إلى الخطوط الواقعة في الدائرة و الخطوط قبلها كما لا يخفى «1».

و كيف كان فهذا الوجه أيضا غير تام و الحقّ في المسألة ما افاده الماتن- قدس سرّه الشّريف- من اعتبار كون المحاذاة واقعة في يمين الميقات أو يساره و كان الخط الموصل بينهما هو الخط المستقيم و يدل عليه- مضافا الى ان المتفاهم عند العرف من معنى المحاذاة اعتبار ان يكون في اليمين أو اليسار و لا يتحقق من الخلف أو القدام و الّا فاللازم ان تكون نفس المدينة محاذية لمسجد الشجرة لوجود الخط المستقيم الموصل بينهما مع انّه لا مجال لتوهّمه- الصحيحة المتقدمة الواردة في أصل مسألة المحاذاة فإن قوله- ع- فيها: فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء ظاهر في ان مسيرة ستة أميال من المدينة إلى سمت مسجد الشجرة و جهتها مع ان مسافة المدينة الى المسجد هي هذا المقدار محققة للمحاذاة مع انه لا محالة يقع عن يمين المسجد أو يساره فان الجمع بين

مسيرة هذا المقدار و بين كونها في جهة المسجد و سمته و بين كون الفصل بين المدينة و المسجد هذا المقدار لا يتحقق الّا بكون المحاذاة مرتبطة باليمين و اليسار مع كون الموصل هو الخط المستقيم غاية الأمر الخط المستقيم بنظر العرف لا بالدقة العقليّة.

و بعبارة أخرى قوله- ع- فيكون حذاء الشجرة إرجاع إلى المعنى العرفي في باب المحاذاة لا اعمال حكم تعبدي و ان للشارع في باب المحاذاة نظرا خاصا و عليه فالمسير ستة أميال في جانب المسجد و لا محالة يكون عن يمينه أو يساره مع عدم ارادة الخروج من طريق أهل المدينة يكون محاذاة عرفية.

______________________________

(1) لكن بعد ترسيم الشكل المثلث و ملاحظة الفواصل مع الإله المعينة لذلك ظهر أن الحقّ معه- قدّس سرّه- منه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 59

..........

______________________________

كما ان ظاهر الرواية هو المسير بالمقدار المذكور في جانب المسجد و سمته و جهته و ان استشكلنا فيها من جهة إطلاق قوله- ع- ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الّا ان ما ذكرنا من انّ قوله: حذاء الشجرة إرجاع إلى المعنى العرفي قرينة على تقييد الإطلاق و اختصاصه بخصوص السمت و الجهة كما لا يخفى.

و الظاهر ان الفصل البعيد يمنع عن تحقق المحاذاة و ان كان عن يمين الميقات أو يساره و كان الموصل هو الخط المستقيم بل اللازم اعتبار القرب و على تقدير العدم فالرواية لا تدل على أزيد من الاكتفاء بالمحاذاة إذا كان قريبا فان مسيرة ستة أميال من جهة مسجد الشجرة عن يمينه أو يساره لا يتحقق الّا مع القرب و لا يعقل تحققه مع البعد فلا دليل على جواز

الإحرام من المحاذي البعيد.

و يؤيّد ذلك ان أهل العراق يجب عليهم الإحرام من وادي العقيق مع محاذاتهم ظاهرا لمسجد الشجرة قبل العقيق على بعد و كذا أهل الشام بالإضافة إلى الجحفة مع محاذاتهم لمسجد الشجرة قبلها فيدل ذلك على عدم الاكتفاء بالمحاذاة مع البعد و الّا لكان اللازم عليهم الإحرام من محاذي مسجد الشجرة قبل العقيق و الجحفة فتدبّر.

فانقدح ان المراد بالمحاذاة ما أفيد في المتن مع ضمّ عدم الفصل كثيرا و عدم كون المحاذاة بعيدا.

و امّا ما في ذيل المسألة من الاستشكال في المحاذاة من فوق كالحاصل لمن ركب الطّيارة مع فرض إمكان الإحرام من المحاذاة فيها و لا يتصور عادة إلّا بالإضافة إلى مثل العقيق الذي له مسافة طويلة نسبتا و امّا بالنسبة إلى مثل مسجد الشجرة فلا يمكن عادة إلّا إذا كان الطائر مثل ما يسمّى به (هليكوبتر) القادر على التوقف في الفضاء بمقدار الإحرام بل أزيد.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 60

[مسألة 6- تثبت المحاذاة بما يثبت به الميقات]

مسألة 6- تثبت المحاذاة بما يثبت به الميقات على ما مرّ بل بقول أهل الخبرة و تعيينهم بالقواعد العلمية مع حصول الظنّ منه (1).

______________________________

فمنشؤه الإشكال في صدق المحاذاة على مثله و لكن الظاهر ان العرف لا يأبى عن ذلك و اعتبار اليمين أو اليسار على ما عرفت انّما هو بالإضافة إلى الخلف أو القدام لا في مقابل الفوق أيضا.

و يمكن ان يستأنس لذلك بمرسلة الصدوق في العلل عن الحسين بن الوليد عمن ذكره قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- لأيّ علّة أحرم رسول اللّٰه- ص- من مسجد الشجرة و لم يحرم من موضع دونه فقال: لانه لما اسرى به الى السماء و صار

بحذاء الشجرة نودي يا محمد قال لبيك، قال: أ لم أجدك يتيما فآويتك و وجدتك ضالا فهديتك، فقال النبي- ص- انّ الحمد و النعمة و الملك لك لا شريك لك فلذلك أحرم من الشجرة دون المواضع كلّها. «1»

فان التعبير بالحذاء فيها بالإضافة إلى الفوق و الإتيان بالتلبية فيه يلائم مع ما ذكرنا و لا ينافي ذلك عدم حجية الرواية لأجل الإرسال فتدبر.

و كيف كان لا يبعد دعوى الاكتفاء بالمحاذاة من فوق في صورة الإمكان على ما عرفت و ان كان مقتضى الاحتياط خلافه.

(1) لاخفاء في انه تثبت المحاذاة بما يثبت به الميقات و لكنك عرفت الإشكال في ثبوته بقول أهل الاطلاع بمجرد حصول الظن منه لعدم الدليل على حجيّة مثل هذا الظنّ و أضاف في المتن هنا امرا آخرا و هو قول أهل الخبرة الناشئ من القواعد العلميّة الهندسية أو الهيويّة بشرط حصول الظنّ منه و يرد عليه ما أوردناه على قول أهل الاطلاع من عدم الدليل على الحجيّة و انه ان كانت الخبروية ملاكا للاعتبار و الحجية فلا حاجة الى حصول الظن الشخصي من قول

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 61

[مسألة 7- ما ذكرنا من المواقيت هي ميقات عمرة التمتع]

مسألة 7- ما ذكرنا من المواقيت هي ميقات عمرة التمتع و هنا مواقيت أخر. الأوّل مكة المعظمة و هي لحج التمتّع، الثاني دويرة الأهل اي المنزل و هي لمن كان منزله دون الميقات إلى مكة بل لأهل مكّة و كذا المجاور الذي انتقل فرضه الى فرض أهل مكّة و ان كان الأحوط إحرامه من الجعرانة فإنهم يحرمون بحج الافراد و القران من مكة، و الظاهر ان الإحرام من المنزل للمذكورين

من باب الرّخصة و الّا فيجوز لهم الإحرام من أحد المواقيت، الثالث ادنى الحلّ و هو لكلّ عمرة مفردة سواء كانت بعد حج القران أو الافراد أم لا و الأفضل ان يكون من الحديبية أو الجعرانة أو التنعيم و هو أقرب من غيره إلى مكة (1).

______________________________

أهل الخبرة و ان لم تكن كذلك فالظنّ الحاصل منه لم ينهض أيضا دليل على اعتباره و قد ذكرنا في طرق ثبوت الميقات طريق الاحتياط الموصل الى تحقق الإحرام الصحيح جزما و يزيد هنا انه في فرض التمكن من الذهاب الى الميقات يكون مقتضى الاحتياط ترك الإحرام من المحاذاة مع عدم ثبوتها.

(1) ذكر في المتن ان المواقيت الخمسة أو الستّة- بضميمة المحاذاة- السابقة انّما هي ميقات عمرة التمتع و المراد ان عمرة التمتع لا بد و ان يقع إحرامها من أحد هذه المواقيت لا انّ غير عمرة التمتع لا يصح ان يقع إحرامها منه ضرورة انّ من يريد العمرة المفردة من المدينة- مثلا- لا بد و ان يحرم من مسجد الشجرة كما ان من يريد حج القران أو الافراد منها لا بد و ان يحرم منه كما إذا اتى بحجة الإسلام بصورة التمتع ثم أراد الحج استحبابا بإحدى الصورتين الآخرتين فإنه لا بدّ من الإحرام من مسجد الشجرة و في المتن انّ هنا مواقيت أخر:

الأوّل: مكة المعظمة و هي ميقات لحج التمتع بالمعنى الذي ذكرنا في كون المواقيت المتقدمة ميقاتا لعمرة التمتع فكون مكّة ميقاتا لحج التمتع معناه عدم وقوع إحرام الحج بعد الفراغ عن عمرة التمتع من غير مكة و قد عرفت ان الأفضل مسجد الحرام و لا يكون معناه عدم صحة إحرام غير حج التمتع من مكّة كيف

و قد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 62

..........

______________________________

صرح في المتن بعد سطر بأن أهل مكة- مع كون وظيفتهم القران أو الافراد يكون ميقاتهم دويرة الأهل اى المنزل و ان كان يجوز لهم الإحرام من أحد المواقيت فكون مكة ميقاتا لحج التمتع معناه ما ذكر و لا اشكال و لا خلاف في ذلك و قد مرّ البحث عنه مفصّلا.

الثاني: دويرة الأهل اى المنزل و هي ميقات لمن كان منزله دون المواقيت إلى مكة و لا شبهة فيه فتوى و نصا امّا الفتاوى ففي الجواهر: بلا خلاف فيه بل الإجماع بقسميه عليه بل عن المنتهى: انه قول أهل العلم كافة إلّا مجاهدا.

و امّا الروايات فكثيرة و قد عقد في الوسائل بابا لذلك.

منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال من كان منزله دون الوقت إلى مكّة فليحرم من منزله. «1»

و منها: ما رواه الشيخ بعد روايته الصحيحة الأولى قال: و قال في حديث آخر إذا كان منزله دون الميقات إلى مكة فليحرم من دويرة اهله. «2»

و منها: صحيحة مسمع عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكّة فليحرم من منزله. «3»

و منها: رواية أبي سعيد قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عمن كان منزله دون الجحفة إلى مكة قال: يحرم منه. «4»

و منها: مرسلة الصدوق المعتبرة قال: و سئل الصادق- ع- عن رجل منزله خلف

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 2.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 3.

(4) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 4.

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 63

..........

______________________________

الجحفة من اين يحرم؟ قال: من منزله. «1»

و منها: ما رواه الصدوق أيضا قال: و في خبر آخر من كان منزله دون المواقيت ما بينه و بين مكّة فعليه ان يحرم من منزله. «2»

إذا عرفت ذلك فالكلام يقع في أمر و هو انّه:

هل المعتبر هو القرب إلى مكة أو الى عرفات فالمشهور هو الأوّل و المحكي عن الشهيد في اللمعة هو الثاني و في المدارك نقله عن المحقق في المعتبر و عن الشهيد الثاني في المسالك: «لو لا النصوص أمكن اختصاص القرب في العمرة بمكة و في الحج بعرفة إذ لا يجب المرور على مكة في إحرام الحج من المواقيت».

هذا و لكن مقتضى الروايات اعتبار القرب إلى مكة أوّلا كما ان مقتضى إطلاقها انه لا فرق في ذلك بين الحج و العمرة ثانيا و قال سيّد المستمسك في الاشكال على قولي الشهيدين: «العمدة في الاشكال ان المراد من القرب إلى مكة أنه دون الميقات إلى جهة مكّة و هذا يلازم كونه أقرب الى عرفات من الميقات فلا تفاوت بين العبارتين عملا و لا خارجا و ان كان بينهما تفاوت مفهوما».

و أورد عليه بان الظاهر هو الفرق بين التحديد بالقرب إلى مكّة أو الى عرفات لانه لو فرض وقوع عرفات بين منزله و مكّة و كان الفصل بين منزله و عرفات ثلاثة عشر فرسخا و فرض وقوع أقرب المواقيت في الجهة المقابلة لعرفات فح يتحقق الفرق بين الأمرين فإنه على تقدير كون المعيار هو القرب الى عرفات لا بد من الإحرام من منزله لكونه أقرب الى عرفات من أقرب المواقيت الذي يكون الفصل بينه و بين

مكة ما يقرب من ستّة عشر فرسخا و على تقدير كون المعيار هو القرب

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 6.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 64

..........

______________________________

إلى مكّة لا يجوز الإحرام من المنزل لأنه بملاحظة كون الفصل بين عرفات و مكة أربعة فراسخ يصير الفصل سبعة عشر فرسخا فيزيد على أقرب المواقيت.

كما انه لو فرض وقوع مكة بين منزله و عرفات فاللازم ان يحرم من الميقات على تقدير كون المعيار هو عرفات إذا كان الفصل بين منزله و مكة ثلاثة عشر فرسخا كما ان اللازم هو الإحرام من المنزل على تقدير كون المعيار هي مكّة فالتفاوت بين العبارتين واضح.

و الحق ان يقال انه ليس المعيار و المناط هو القرب و البعد من جهة الفصل و المسافة أصلا بل المعيار انّ في طريق مريد الحج أو العمرة إلى مكّة لا بد من ملاحظة أن منزلة هل يكون واقعا قبل الميقات أو واقعا بعده ففي الصورة الاولى لا بد و ان يحرم من الميقات و ان لا يتجاوز عنه من دون إحرام و في الصورة الثانية لا يجب عليه الرجوع الى الخلف لإدراك الميقات بل يجوز الإحرام من المنزل و هذا من دون فرق بين ان يكون الفصل بين منزله و بين مكة أقلّ من أقرب المواقيت أو أكثر فمن يكون منزله بعد الجحفة في طريق مكّة يحرم منه و ان كان الفصل بينه و بين مكة عشرين فرسخا- مثلا- مع ان أقل المواقيت ما يقرب من ستّة عشر فرسخا كما عرفت و عليه فالمناط ما ذكرنا من وقوع منزله في طريق

مكّة قبل الميقات أو بعده و يدلّ عليه ان قوله: دون الوقت إلى مكّة في بعض الروايات لا دلالة له على المقايسة بين منزله و بين أقرب المواقيت و لو لم يكن واقعا في طريقه و مسيره بل مدلوله ملاحظة الميقات و ان منزلة قبله أو بعده كما ان بعض الروايات وارد فيمن كان منزله دون الجحفة أو خلفها مع انّك عرفت انّ إطلاقه يشمل ما هو أبعد من أقرب المواقيت فيستفاد منه ان الملاك ما ذكر لا القرب و البعد أصلا.

و قد ظهر مما ذكرنا انه إذا كان في طريقه ميقاتان فجواز الإحرام من المنزل ينحصر بما إذا كان خلف الميقات الثاني و لا يجوز إذا كان المنزل واقعا بين ميقاتين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 65

..........

______________________________

لان المستفاد من الروايات ان الحكم بجواز الإحرام من المنزل حكم تسهيلى وضع للتسهيل بعدم إيجاب السير الى الوراء لإدراك الميقات فإذا كان الميقات قدّامه في طريق مكة فلا موجب للإحرام من المنزل فتدبّر.

بقي الكلام في هذا الميقات في أمرين: أحدهما: ميقات أهل مكة بالإضافة إلى حج القران أو الافراد في مقابل حج التمتع و في مقابل العمرة المفردة فالمحكي عن صريح ابني حمزة و سعيد و ظاهر الأكثر ان إحرامهم من مكّة بل في محكي الرياض بعد نسبته إلى الشهرة حاكيا لها عن جماعة من الأصحاب قال: بل زاد بعضهم فنفى الخلاف فيه بينهم مشعرا بدعوى الإجماع عليه كما حكاه في الذخيرة عن التذكرة.

و قد استدلّ لذلك بالنصوص المتقدمة الدالة على ان من كان دويرة أهله دون الميقات إلى مكة فليحرم من منزله نظرا الى انّ إطلاقه يشمل أهل مكة لأن

منازلهم دون الميقات.

و لكن الظاهر عدم تمامية الاستدلال لأنّ ظاهرها محاسبة الدويرة و الميقات بالإضافة إلى مكة فهنا أمور ثلاثة و امّا بالنسبة إلى مكة فلا يبقى مجال لهذه المحاسبة لعدم ثبوت أزيد من أمرين.

نعم يمكن الاستناد إلى الأولوية خصوصا بعد ظهور كون الحكم بالإضافة إلى دويرة الأهل حكما تسهيليّا كما عرفت نظرا إلى انّه إذا لم يرد الشارع رجوع من كان منزله دون الميقات الى الميقات للإحرام و اكتفى له بالإحرام من منزله فمن كان منزله في مكة يجوز ذلك له بطريق اولى.

و لكن حيث ان الحكم تعبدي و الأولوية غير قطعية لا يمكن الاستناد إليها بوجه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 66

..........

______________________________

نعم قد استدل بمرسلة الصدوق المعتبرة المتقدمة الدالة على ان من كان منزله خلف الجحفة يحرم منه نظرا الى ان المعيار هو مجرّد كون المنزل خلف الجحفة من دون ان تكون مكة طرف المحاسبة و عليه فيشمل إطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب لمنازل أهل مكة لأنّها بأجمعها خلف الجحفة.

و لكنه أورد بعض الاعلام- قده- على الاستدلال بها بان الخلف و القدام أمران إضافيان اعتباريان و لا بد في صدقهما من فرض موضعين و فرض شخص يريد الذهاب من أحدهما إلى الآخر فإذا ذهب من هذا المكان و توجه الى مكان آخر فالمكان الأوّل يكون خلفا له و لو انعكس انعكس و عليه فلا يصدق عنوان الخلف على من كان منزله في مكة مطلقا بل في خصوص ما إذا توجه من الجحفة إلى مكة فإنّ الجحفة- ح- خلفه.

و الجواب عنه: انّ ظاهر الرواية ان اتصاف المنزل بكونه خلف الجحفة لا يتوقف على وجود ذاهب بالفعل و

متحرك كذلك بل المنزل متصف بذلك في نفسه و السرّ فيه ان الخلفية و ان كانت متوقفة على مسألة الذهاب و الحركة الّا انه إذا كانت الحركة إلى مكان من جهة خاصة و سمت مخصوص و بعبارة أخرى كانت من جهة واحدة تلاحظ الخلفية و القدامية بالإضافة إلى خصوص تلك الجهة فإذا كان طريق قرية منحصرا بالعبور من قرية أخرى كانت القرية البعيدة واقعة خلف القرية الاولى القريبة و هي قدّام تلك، و في المقام أيضا كذلك فإن الحركة إلى الميقات انما تكون من طرف قبل الميقات لأجل الإحرام منه و لا تكون الحركة من مكة إلى الميقات بمعهودة لعدم الحاجة الى الميقات من مكة نوعا و عليه فعنوان الخلفية انما يلاحظ بالإضافة إلى تلك الحركة المتعارفة المعهودة و عليه يمكن دعوى إطلاق المرسلة و شمولها لمنازل مكة لوقوعها خلف الميقات بالإضافة المذكورة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 67

..........

______________________________

و لكن الاعتماد على مثل هذه الدعوى في إثبات الحكم خصوصا لأهل مكة الذين تكون شدة ارتباطهم بالبيت و بمناسك الحجّ بمرتبة لا يقاس بهم غيرهم في غاية الإشكال بل لو كان الإطلاق ظاهرا أيضا لا تكون المناسبة مقتضية لبيان حكمهم من طريق الإطلاق و أشباهه بل اللازم التصريح و تبيين حكمهم من جهة الإحرام بصورة واضحة كما لا يخفى.

و من هنا يمكن ان يقال ان عدم تعرض شي ء من الروايات لبيان حكمهم أصلا و عدم وجود السؤال من الرواة في هذا المجال لعلّه يكون قرينة على وضوح حكمهم عند الجميع و ان إحرامهم لا بد و ان يقع من مكة خصوصا بعد ملاحظة وجود السؤال بالإضافة إلى المجاور و الى من

وقع منزله بين مكة و الميقات و الى الجهات الواقعة في الحاشية و لم تقع إشارة في شي ء من الروايات الى حكم المتن و هو أهالي مكة فمن ذلك يستكشف كون وظيفتهم ظاهرة عند الجميع و ليست الّا ما ذكر من الإحرام من مكة.

و مع قطع النظر عن هذه القرينة تصير المسألة مشكلة لعدم وضوح الإطلاق حتى في المرسلة و عدم شمول ما ورد في المجاور لمن تكون مكة وطنه الأصلي كما سيجي ء.

و ثانيهما: ميقات المجاور بمكّة و هو تارة يكون ممن انتقل فرضه الى فرض أهل مكّة كما إذا جاورها سنتين و دخل في السنّة الثالثة على ما تقدم البحث فيه مفصّلا و اخرى لا يكون كذلك كما إذا كانت المجاورة أقلّ من المقدار المذكور كما إذا كانت سنة واحدة- مثلا- كما انه في الصورة الأولى قد يكون متوطنا بان قصد الإقامة في مكة إلى آخر العمر و قد لا يكون كذلك كما إذا قصد الإقامة خمس سنين مثلا.

و الذي يظهر من المتن و غيره ان المجاور الذي انتقل فرضه و تبدلت وظيفته

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 68

..........

______________________________

يكون ميقاته ميقات أهل مكة من دون فرق بين المتوطن و غيره غاية الأمر ثبوت الاحتياط الاستحبابي بالإضافة إلى الإحرام من الجعرانة و ان المجاور غير المنتقل لا بد و ان يحرم من الجعرانة و لا يجوز له الإحرام من مكّة لحج القران أو الافراد.

و يدل على كون المجاور الأوّل ميقاته مكة ما دلّ على ان أهل مكة يحرمون منها فان الملاك كون المنزل دون الميقات أو كونه خلف الجحفة و من الواضح عدم اختصاص عنوان المنزل بمن كان المحلّ

وطنا أصليّا له بل يشمل المقيم و المجاور فانّ منزله أيضا كذلك فأدلة ميقات أهل مكة تشمل المجاور و لا تختص بهم.

نعم ما ذكرناه أخيرا من ان عدم تعرض الروايات سؤالا و جوابا لميقات أهل مكة صريحا قرينة مفيدة للاطمئنان يكون حكمهم واضحا لا يحتاج الى التعرض و البيان لا يجري في المجاور بل يختص بأهل مكّة كما هو ظاهر.

لكن ورد في ميقات المجاور روايتان هما منشأ الاحتياط المذكور في المتن و العروة و هو الاحتياط بالإحرام من الجعرانة و لا بد من إيرادهما و البحث في مفادهما فنقول:

الرواية الأولى: رواية أبي الفضل قال كنت مجاورا بمكّة فسئلت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- من أين أحرم بالحج؟ فقال من حيث أحرم رسول اللّٰه- ص- من الجعرانة أتاه في ذلك المكان فتوح: فتح الطائف و فتح خيبر و الفتح، فقلت متى اخرج قال إذا كنت صرورة فإذا مضى من ذي الحجة يوم، فإذا كنت قد حججت قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس. «1»

و قد استظهر العلامة المجلسي- قده- في «المرآت» كون الرواية صحيحة و ان

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب التاسع ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 69

..........

______________________________

أبا الفضل هو سالم الحناط و يؤيده رواية صفوان عنه كثيرا و روايته عن الصادق- ع- مع ان المحكي عن الحدائق ذكر سالم الحناط عقيب أبي الفضل في نقل الرواية و كيف كان فالظاهر انه لا تنبغي المناقشة في صحة سندها.

و امّا متنها فالظاهر ان خيبر مصحف حنين و لعلّه لأجل كون كتابة «نون» بالخط المنكسر يشبه كتابة «الراء» و يدلّ على التصحيف التصريح بحنين في جملة من الروايات الواردة في

عمر رسول اللّٰه- ص- و لكنه ذكر المجلسي في الكتاب المزبور انه على ما في الكتاب- يعنى ثبوت خيبر- لعلّ المراد ان فتح خيبر وقع بعد الرجوع من الحديبية و هي قريبة من الجعرانة أو حكمها حكم الجعرانة في كونها من حدود الحرم. و لكنه كما ترى.

و كيف كان فالسؤال في الصحيحة مطلق شامل للمتوطن و المجاور الذي انتقل فرضه و المجاور غيره و دعوى عدم شمولها للمتوطن مدفوعة بأن استعمال المتوطن في مقابل المجاور انّما هو اصطلاح فقهي لا يرتبط بما هو المفهوم من المجاور عند العرف و لعلّ صدقه على المتوطن- أي الذي لم يكن من أهل مكة و لكن اتخذها وطنا له دائما- أظهر من صدقه على المجاور الموقت كما ان دعوى ان القدر المتيقن منه هو المجاور الذي لم ينتقل فرضه كما ادعاها السيد- قده- في العروة واضحة المنع فان ثبوت القدر المتيقن انّما هو في كلّ إطلاق لأن كل إطلاق له افراد ظاهرة و تكون هي القدر المتيقن منه مع انك عرفت منع الصغرى أيضا فإن القدر المتيقن من المجاور هو المجاور غير الموقت.

و امّا ما في ذيل الرواية من التفصيل بين الصرورة و غيره من جهة زمان الإحرام و الخروج إلى الجعرانة فمحمول على الاستحباب لعدم لزوم الخروج بمجرد مضي يوم من ذي الحجة أو خمس منه كما هو ظاهر.

و كيف كان فظاهر الرواية لزوم خروج المجاور مطلقا إلى الجعرانة و الإحرام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 70

..........

______________________________

منها لحج القران أو الافراد.

الرواية الثانية: صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- انّى أريد الجوار بمكة فكيف اصنع؟ فقال: إذا

رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج الى الجعرانة فأحرم منها بالحج (الى ان قال) ان سفيان فقيهكم أتاني فقال: ما يحملك على ان تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها؟ قلت له: هو وقت من مواقيت رسول اللّٰه- ص- فقال: و اىّ وقت من مواقيت رسول اللّٰه- ص- هو؟ فقلت: أحرم منها حين قسّم غنائم حنين و مرجعه من الطائف فقال:

انّما هذا شي ء أخذته عن عبد اللّٰه بن عمر كان إذا رأى الهلال صاح بالحج فقلت:

أ ليس قد كان عندكم مرضيّا؟ فقال بلى و لكن اما علمت ان أصحاب رسول اللّٰه- ص- أحرموا من المسجد فقلت: إنّ أولئك كانوا متمتعين في أعناقهم الدّماء و ان هؤلاء قطنوا مكّة فصاروا كأنّهم من أهل مكّة و أهل مكّة لا متعة لهم فأحببت أن يخرجوا من مكّة الى بعض المواقيت و ان يستغبوا به أيّاما فقال لي و انا أخبره أنها وقت من مواقيت رسول اللّٰه- ص-: يا با عبد اللّٰه فإنّي أرى لك ان لا تفعل فضحكت و قلت و لكني أرى لهم ان يفعلوا (الحديث) «1».

قال في «المرآت» قوله- ع- و ان يستغبوا به اي يهجروا و يتأخروا مجازا قال في النهاية فيه «زر غبّا تزدد حبّا» الغبّ من أوراد الإبل ان ترد الماء يوما و تدعه يوما ثم تعود فنقله إلى الزيارة و ان جاء بعد أيام يقال: غب الرجل إذا جاء زائرا بعد أيام و قال الحسن في كل أسبوع.

و ظاهر السؤال و ان كان مطلق الجوار بل القدر المتيقن منه هو المجاور الذي لم ينتقل فرضه و لعلّه المنشأ لدعوى السيد- قده- في العروة وجود هذا القدر المتيقن إلّا

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج

الباب التاسع ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 71

..........

______________________________

ان الجواب بملاحظة قوله- ع- ان هؤلاء قطنوا مكة .. ظاهر في ان المراد هو المجاور الذي صار كأهل مكة في وجوب القران أو الافراد عليه و- ح- لا مجال لدعوى الإطلاق في السؤال فضلا عن كون القدر المتيقن المجاور الذي لم ينقلب فرضه كما ان ظاهر صدر الجواب و ان كان هو وجوب الخروج من مكة إلى الجعرانة للإحرام الّا ان قوله- ع- في الذيل فأحببت أن يخرجوا .. لا يلائم الوجوب كما ان قوله- ع- بعد ذلك ارى لهم ان يفعلوا مكان عليهم ان يفعلوا يلائم الاستحباب فربما يصير الذيل قرينة على عدم كون المراد بالصدر هو الوجوب خصوصا مع اقترانه بكون الزمان بعد رؤية هلال ذي الحجة مع انه ليس بواجب قطعا ضرورة جواز الخروج في اليوم الثاني و الثالث و هكذا الى زمان إدراك الوقوف بعد الإحرام من الجعرانة و عليه فربما تصير هذه الرواية قرينة على التصرف في الرواية الأولى فيتمّ ما في المتن من كون الاحتياط في الخروج إلى الجعرانة استحبابيّا لا وجوبيّا.

و في هذه الرّواية إشكال آخر و هو دلالتها على ان كل من لا متعة له يخرج إلى الجعرانة مع ان أهل مكّة لا يجب عليهم الخروج إليها- كما ان في الروايتين اشكالا مهمّا نتعرض له بعد التعرض لحكم المجاور الذي لم ينتقل فرضه و الظاهر انه لا إشكال في ان حكمه الخروج إلى الجعرانة و الإحرام منها و يدل عليه مثل صحيحة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه- ع- انه قال: من حجّ معتمرا في شوال و من نيّته ان يعتمر

و يرجع الى بلاده فلا بأس بذلك و ان هو أقام إلى الحج فهو يتمتع لأن أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة فمن اعتمر فيهن و اقام إلى الحج فهي متعة، و من رجع الى بلاده و لم يقم الى الحج فهي عمرة، و ان اعتمر في شهر رمضان أو قبله و اقام إلى الحج فليس بمتمتع و انما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحبّه أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بالعمرة (بعمرة) إلى الحج، فان هو أحبّ ان يفرد الحج فليخرج إلى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 72

..........

______________________________

الجعرانة فيلبي منها. «1»

و ظهور ذيلها في وجوب خروج المجاور الذي لم ينتقل فرضه لان المفروض فيها المجاورة من شهر رمضان أو شعبان أو رجب مثلا إلى الجعرانة للإحرام منها واضح نعم لا بد من الالتفات الى ان ذلك بالإضافة إلى حج الإفراد الذي لا فرق بينه و بين حج القران و امّا المجاور المتمتع فلا بد له ان يخرج لإحرام عمرته الى أحد المواقيت كما ان إحرام حجّه من مكة على ما عرفت و امّا الإشكال المهمّ الذي أشرنا إليه فهو ان الروايتين المتقدمتين قد دلتا على ان الجعرانة وقت من مواقيت رسول اللّٰه- ص- و انه أحرم منها الرسول الأعظم مع ان إحرامه منها كان بعد رجوعه عن الطائف بعنوان العمرة المفردة فلا ملاءمة بحسب الظاهر بين كون إحرامه- ص- منها للعمرة المفردة و بين وجوب الإحرام منها للحج في القران أو الافراد بالإضافة إلى المجاور مطلقا أو في الجملة مع ان

الجعرانة أحد مواضع ادنى الحلّ و قد أحرم الرسول- ص- من الحديبية أيضا و هي أيضا من تلك المواضع فأية مناسبة بين تعيّن وجوب الإحرام منها للحج في المورد المذكور و بين كون إحرامه- ص- للعمرة المفردة و عدم تعيّنها لإحرام العمرة و جوازه من سائر المواضع المزبورة.

كما انه يرد على الأصحاب و الفقهاء- رض- ان أكثرهم مع التعرض لجميع المواقيت حتى عدوّها عشرة و ذكروا من جملتها الفخّ للصبيان مع انه محل خلاف لوقوع الاختلاف في ان إحرام الصبيان هل يكون شروعه منه أو يكون التجريد فيه و شروع الإحرام من سائر المواقيت كيف لم يذكروا الجعرانة بعنوان ميقات الحج أصلا مع انه لا شبهة في كونه ميقاتا لحج القران و الافراد تعينا بالإضافة إلى

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب العاشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 73

..........

______________________________

المجاور في الجملة و استحبابا بالنسبة إلى المجاور الآخر فلم لم يتعرضوا لها نعم ذكروها بعنوان أحد مواضع ادنى الحلّ في إحرام العمرة المفردة.

بقي الكلام في هذا الميقات فيما أفاده في الذيل من ان الإحرام من المنزل للمذكورين انّما هو من باب الرخصة و الا فيجوز لهم الإحرام من أحد المواقيت بل في محكيّ. كشف اللثام: «و في الكافي و الغنية و الإصباح ان الأفضل لمن منزله أقرب الإحرام من الميقات و وجهه ظاهر لبعد المسافة و طول الزمن» لكنه ربما يقال بأنه ظاهر الإشكال فإن ظاهر الأمر بالإحرام من المنزل الإلزام و التعيين.

و يدفعه- مضافا الى ما عرفت من ظهور الروايات في كون الإحرام من المنزل انّما هو للتسهيل و الترخيص و هو ينافي التعيين- ان الأمر بالإحرام من

المنزل أو دويرة الأهل وارد في مقام الحظر أو توهمه و لا دلالة له- ح- على التعيين بوجه هذا مضافا الى دلالة بعض الروايات على مجرد كون ميقاته أو وقته منزله و هو لا ينافي الرجوع الى ميقات قبل هذا الميقات لان كل واحد من المواقيت ميقات لمن جعل له و لمن يمرّ عليه و عدم جواز تأخير الإحرام إلى ميقات أخر انما هو لاستلزامه التجاوز عن الميقات من غير إحرام و مع عدم الاستلزام كما إذا رجع من كان منزله جنب الجحفة إلى مسجد الشجرة لأن يحرم منه فلا مانع منه أصلا نعم في بعض الروايات الواردة في هذا الباب التعبير بقوله: عليه ان يحرم من منزله و لكنه مخدوش من حيث السّند و كيف كان فالظاهر انه لا مانع من الإحرام من الميقات بل ربما يكون أفضل لما ذكر من بعد المسافة و طول الزمن.

الثالث: من المواقيت ادنى الحلّ و هو ميقات العمرة المفردة و حيث انه قد تقدّم منّا البحث في هذا المجال تفصيلا فلا جدوى في الإعادة و البحث فيه ثانيا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 74

..........

______________________________

(تكملة) لا بدّ لتتميم البحث في المواقيت من التعرض لأمرين:

الأمر الأوّل: صرح الفاضلان في الشرائع و القواعد بل و غيرهما بأنه لا فرق في جواز الإحرام في المحاذاة بين البرّ و البحر و لكن المحكيّ عن ابن إدريس انه قال ان ميقات أهل مصر و من صعد البحر جدّة و ظاهره كونها ميقاتا من المواقيت التي وقّتها الرسول (ص) مع انه لا يظهر ذلك من شي ء من النصوص مع تعددها و تكثرها و لا من الفتاوى.

فاللازم ان يقال- كما في

الجواهر- بانّ مراده هي المحاذاة و انّ جده محاذية لبعض المواقيت فمن يمرّ عليها كاهل مصر و من صعد البحر يحرم منها لأجل المحاذاة و أورد عليها بوجهين:

أحدهما: ان الميقات الذي يحتمل كونها محاذية له هو يلملم أو الجحفة مع ان كليهما ممنوعان: امّا الأوّل فلان يلملم واقعة في جنوب مكة و جدة واقعة في شرق مكة فلا تكون محاذية لها و امّا الثاني فلان مقتضى بعض الخارطات المصورة للحجاز و ان كان هو ان الواصل الى قريب جدة في البحر يكون محاذيا للجحفة لكن وجود البعد الكثير بينهما يمنع عن الاكتفاء بذلك.

ثانيهما: ان ما عليه عمل الإمامية في الأزمنة الماضية التي كان السفر من طريق البحر كثيرا جدّا لكونه أهون من السفر من طريق البرّ هو الإحرام من محاذي الجحفة إذا كان واردا من المغرب لأنّها- كما قيل- قرب رابغ و تبعد عن البحر ستة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 75

..........

______________________________

أميال أو ميلين- على اختلاف- فيكون الراكب في السفن عند توجهه من رابغ الى جدة محاذيا لها، و إذا كان واردا من جهة اليمن كان محاذيا ليلملم عند وصوله الى الموضع الذي بين قمران و جدة.

و مقتضى ذلك استمرار العمل على الإحرام قبل الوصول الى جدة نظرا الى المحاذاة و عليه فلا تصل النوبة الى جدة و لو فرض ثبوت المحاذاة لها.

و لكنه اعترض سيّد المستمسك- قده- على هذا الوجه بان الواصل الى ذلك المكان إذا توجه إلى مكة المكرمة تكون يلملم بينه و بين مكة فيكون مواجها لها لا انّها عن يمينه أو يساره مع كونه معنى المحاذاة و مثله الواصل الى قرب رابغ في البحر فإن

الجحفة لا تكون عن يساره إذا توجه إلى مكة قال: نعم الواصل الى الموضع الأول في البحر تكون يلملم عن يمينه بلحاظ طريق السفر، و كذا الواصل الى قرب رابغ تكون الجحفة عن يساره بلحاظ طريق السفر لكن لا اعتبار بذلك.

و الجواب عن هذا الاعتراض ان الملاك في باب المحاذاة هو مجرد كون المحاذي واقعا عن يمين الميقات أو يساره في طريق السفر الذي ينتهي إلى مكة و يكون المراد منه الوصول إليها و هذا لا يفرق فيه بين تحقق المواجهة المذكورة و عدمه و بعبارة أخرى الملاك من ناحية هو الميقات و كون المحاذاة من جهة اليمين أو اليسار و من ناحية أخرى هو طريق السفر الذي يريد طيّه و المفروض تحقق المحاذاة من هذه الناحية فالظاهر صحة ما استمر العمل عليه من الإحرام في البحر قبل الوصول الى جدة من المحاذاة و قد ظهر من جميع ما ذكرنا انه لم يثبت كون جدّة ميقاتا و لا محاذيا لميقات.

الأمر الثاني: فيمن لم يمرّ على ميقات و لا على محاذيه و البحث فيه تارة من حيث الموضوع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 76

..........

______________________________

و اخرى من حيث الحكم.

امّا من الجهة الأولى فقد ذكر صاحب الجواهر ان هذا الفرض ساقط لانه لا يخلو طريق من محاذات ميقات من المواقيت إذا لم يمرّ على نفس الميقات لأنّها محيطة بالحرم، و مراده ان المواقيت كأنها واقعة في دائرة محيطة بالحرم و كل جزء من أجزائها امّا ان يكون ميقاتا أو محاذيا له و لا يتصور جزء فاقد للوصفين فهذا الفرض ساقط من البين.

أقول: بعد وضوح ان المراد بالمحاذاة ما يصحّ الإحرام منها لا

مطلق المحاذاة و ان لم تكن كافية في صحة الإحرام انه يمكن تصوير الفرض بالإضافة إلى الطرق الثلاثة: الهوائى و البحري و البرّي.

امّا من طريق الهواء المتداول في هذه الأزمنة بالنسبة إلى كثير من الممالك الإسلامية سيّما مملكة إيران الإسلامية الواقعيّة فواضح انه يمكن بل يقع غالبا ان الطيارة لا تمرّ على ما يحاذي الميقات لان مرورها من فوق الميقات قلّ ما يتفق و ان قلنا بكفاية الإحرام من المحاذي من الفوق، و مرورها من فوق المحاذي لا يجدي لأن الاعتبار بمحاذى الميقات لا بما يحاذي المحاذي و عليه فالراكب على الطيارة لا يمرّ على ميقات و لا على محاذيه نوعا.

و العجب من الفقهاء المعاصرين انهم كيف لم يتوجّهوا إلى إمكان الفرض من هذا الطريق و وقوعه نوعا و تسلموا ما افاده الجواهر من سقوطه مع وجود هذا الطريق في زمانهم دون زمانه.

و امّا من طريق البحر فمن الواضح ان جميع طرق البحر المنتهية الى جدّة ليست بنحو تبلغ إلى محاذي الميقات و لا يكون الطريق منحصرا بما يسلك من اليمن حتى يكون في طريقه محاذاة يلملم أو بما يأتي من قبل المغرب حتى يكون في طريقه محاذاة الجحفة فإذا سلك طريقا من غير هذين الطريقين فلا محالة لا يكون فيه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 77

..........

______________________________

محاذاة لشي ء من المواقيت أصلا.

و امّا من طريق البرّ فسقوط الفرض مبنى على سعة دائرة المحاذاة من جهة الشمول لجميع المواقيت و عدم الاختصاص بحذاء الشجرة و من جهة الشمول للمحاذي البعيد و عدم الاختصاص بخصوص القريب و نحن و ان اخترنا السعة من الجهة الأولى لكن لم نقل بها من الجهة الثانية

بل قلنا بالاختصاص بالقريب و عليه فلا يسقط الفرض إذا كان المحاذي بعيدا و لذا أورد على السيد- قده- في العروة حيث جمع بين ما اخترناه في الجهة الثانية و بين سقوط الفرض تبعا لصاحب الجواهر- قده.

و قد تحصل مما ذكرنا في هذا المقام إمكان الفرض و وقوعه خصوصا بالإضافة إلى طريق الهواء نوعا فاللازم البحث في حكمه.

و امّا من الجهة الثانية و هي الحكم فاللازم أوّلا ملاحظة أن المواقيت التي وقّتها رسول اللّٰه- ص- و قام دليل كفاية المحاذاة على سعتها و شمولها للمحاذي و عدم الاختصاص بخصوصها هل يكون مرجع توقيته- ص- إيّاها إلى لزوم المرور عليها بالإضافة إلى قاصد الحج فهي كسائر المشاعر و المواقف كعرفات و مشعر يجب على المكلف ان يأتيها من اىّ مكان كان فاللازم على المكلف المرور على الميقات أو المحاذي للإحرام و مرجع التوقيت الى هذا أو انّ معنى التوقيت يرجع الى قضية تعليقية و هي انه لو مرّ المكلف القاصد للحج عليه لا يجوز ان يتجاوز عنه من غير إحرام و لكن المرور عليه ليس بواجب فعلى الأوّل يكون الواجب على من نزل من الطائرة في جدة ان يأتي ميقاتا من المواقيت أو ما بحكمه فيحرم منه كما انه على الثاني لا يجب عليه ذلك لعدم مروره على الميقات على ما هو المفروض.

و قد ورد في روايات المواقيت تعبيران ربما استفيد منهما الاحتمال الأول:

أحدهما: ما ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- من قوله- ع-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 78

..........

______________________________

بعد بيان المواقيت التي وقّتها رسول اللّٰه- ص-: و لا ينبغي لأحد ان يرغب عن مواقيت رسول اللّٰه-

ص. «1»

ثانيهما: ما ورد في صحيحة على بن جعفر عن أخيه- ع- من قوله- ع- بعد بيان تلك المواقيت: فليس لأحد ان يعدو من هذه المواقيت الى غيرها. «2»

أقول: الاستفادة المذكورة من التعبيرين غير واضحة أمّا التعبير الثاني فربّما يكون ظاهره التعدي من هذه المواقيت الى الغير و جعل الغير ميقاتا في مقابل المواقيت التي وقتها الرّسول- ص- و لا دلالة له على لزوم الرجوع الى الميقات بعد عدم مروره عليه أصلا و امّا التعبير الأوّل فهو و ان لم يكن بهذه المرتبة من الظهور الّا انه أيضا لا دلالة له على لزوم الرجوع المذكور لأن الرغبة و الاعراض عن مواقيت الرّسول مرجعها الى جعل ميقات مقابلا لتلك المواقيت و امّا المرور من طريق لا يكون فيه ميقات و لا محاذاة فلا دلالة له على عدم الجواز إلّا إذا رجع الى الميقات و أحرم منه.

و بالجملة فلا ظهور للتعبيرين فيما استفيد منهما و يؤيد عدم الظهور أمران:

أحدهما: ان لزوم العود و الرجوع الى الميقات لم يذكر في كلام المتعرضين لفرض من لم يمرّ على ميقات أصلا بصورة الاحتمال أيضا فضلا عن القول الذي به قائل بل ترى ان مثل صاحب الجواهر يقول ان فيه احتمالين بل قولين:

الإحرام من ادني الحلّ و الإحرام من مقدار أقرب المواقيت الذي هو مرحلتان كما اختاره جماعة منهم الشهيد الثاني في المسالك في تفسير عبارة الشرائع المتقدمة في مسألة المحاذاة و لم يحتمل لزوم العود الى الميقات و الرجوع اليه مع كون هذين التعبيرين الواقعين في روايات المواقيت بمرئي و منظر منهم و ليس ذلك إلّا لأجل

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 3 و 9.

(2) وسائل أبواب المواقيت

الباب الأوّل ح- 3 و 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 79

..........

______________________________

انهم لم يفهموا منهما كون المواقيت كسائر المواقف التي يجب الإتيان إليها بل اللازم فيها الإحرام منها أو من محاذيها مع المرور و العبور.

ثانيهما: انه ان كان المراد من التعبيرين عدم جواز الإحرام من غير المواقيت الخمسة التي وقّتها رسول اللّٰه- ص- كما يؤيده التعبير في الصحيحة الأولى بمواقيت رسول اللّٰه- ص- مع التصريح في صدرها بأنها خمسة و في الصحيحة الثانية باسم الإشارة فمن الواضح جواز الإحرام من غيرها كادني الحل بالإضافة إلى العمرة المفردة خصوصا بناء على ما قدمناه من الجواز بالإضافة الى من لم يمرّ على ميقات أصلا و كمكة بالإضافة إلى إحرام حج التمتع أو حج القران أو الافراد بالنسبة إلى أهل مكة و قسم من المجاورين كما انه يتعين الخروج إلى الجعرانة بالإضافة إلى المجاور الذي لم يتبدل فرضه.

و ان كان المراد منهما عدم جواز الإحرام من غير مطلق المواقيت التي وقّتها الرّسول- ص- فمن الواضح ان ادنى الحلّ من جملة تلك المواقيت و قد مرّ في بعض الروايات انّ الصادق- عليه السلام- أجاب عن اعتراض سفيان عليه بأنه لم يأمر أصحابه بالخروج إلى الجعرانة بأنّها وقت من مواقيت رسول اللّٰه- ص- و عليه فلا دلالة للتعبيرين على لزوم العود الى خصوص واحد من المواقيت الخمسة كما هو ظاهر.

و كيف كان فلا دلالة للتعبيرين في الروايتين على لزوم الرجوع الى الميقات على من لم يمرّ عليه أصلا و بعد ذلك فاللازم ملاحظة القولين في المسألة فنقول:

امّا القول بلزوم الإحرام من مقدار أقرب المواقيت فقد استدل له بان المحرمين من المواقيت الخمسة يشتركون في إحرام

هذا المقدار سواء أحرم من أبعد المواقيت و هو مسجد الشجرة أو من أقربها أو من أوسطها و عليه فاللازم الاتصاف بهذا العنوان و لا يتحقق إلّا بالإحرام من المقدار المذكور.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 80

..........

______________________________

و يرد عليه ان اشتراك المحرمين من تلك المواقيت في الإحرام في ذلك المقدار لا يستلزم وجوب الإحرام منه بالإضافة الى غير المحرمين من تلك المواقيت كما هو ظاهر.

و امّا القول بلزوم الإحرام من ادنى الحلّ الذي استظهره السيّد- قده- في العروة فقد استدلّ له بالروايات الدالة على عدم جواز دخول الحرم بلا إحرام أو عدم جواز دخول مكة كذلك و المراد منهما واحد لعدم ثبوت حكمين بعد كون الحرم محيطا بمكة و هي واقعة فيه بضميمة أصالة البراءة عن وجوب الرجوع الى المواقيت الخمسة أو الإحرام من مقدار أقرب المواقيت.

و يرد عليه ان اجراء أصالة البراءة في بعض أطراف العلم الإجمالي بثبوت التكليف ممنوع لمعارضته بأصالة البراءة في غيره مع ان اجراء أصالة البراءة عن وجوب الإحرام من الميقات أو من مقدار أقرب المواقيت لا يثبت لزوم الإحرام من ادنى الحلّ بوجه.

هذا مع ان المقام من موارد دوران الأمر بين التعيين و التخيير لأن الإحرام من الميقات يجزى قطعا و الإحرام من غيره مشكوك الاكتفاء و قد حققنا في الأصول ان جريان أصالة البراءة فيه و ان كان محتملا الّا ان الظاهر جريان أصالة الاحتياط المقتضية للأخذ بالمعيّن فإذا شككنا يوم الجمعة ان الواجب بعد الزوال هل هو خصوص صلاة الجمعة أو هي مع صلاة الظهر بنحو التخيير فالواجب هو الأخذ بالمعين و الإتيان بصلاة الجمعة نعم هذا بناء على ما اخترناه في

الواجب التخييري من انه سنخ من الوجوب غير سنخ الواجب التعييني و امّا بناء على سائر المباني فيه فيختلف الحكم و التحقيق في محلّه.

ثم ان مسألة الدوران بين التعيين و التخيير غير مسألة دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الذي اختار المشهور فيه جريان البراءة و غير مسألة الدوران بين العام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 81

..........

______________________________

و الخاصّ الذي اختار المحقق الخراساني- قده- فيه الاحتياط و الدوران بين الجنس و النوع و الدوران بين المطلق و المشروط و الدوران بين الطبيعي و الفرد بل هي مسألة مخصوصة لم يقع التعرض لها في كلام المحقق الخراساني- قده- في الكفاية بوجه و ان كان أشار إليها في بعض الموارد و قد ظهر من جميع ما ذكرنا ان الحكم فيمن لم يمرّ على ميقات أصلا كالراكب على الطائر النازل في جدّة انه يجب عليه الرجوع الى الميقات مثل الجحفة و نحوها امّا لأجل دلالة الرواية عليه و امّا لأجل كونه مقتضى الاحتياط اللازم هذا تمام الكلام في بحث المواقيت.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 83

[القول في أحكام المواقيت]

اشارة

القول في أحكام المواقيت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 85

القول في أحكام المواقيت

[مسألة 1- لا يجوز الإحرام قبل المواقيت و لا ينعقد]
اشارة

مسألة 1- لا يجوز الإحرام قبل المواقيت و لا ينعقد و لا يكفى المرور عليها محرما بل لا بد من إنشائه في الميقات و يستثنى من ذلك موضعان:

[أحدهما: إذا نذر الإحرام قبل الميقات]

أحدهما: إذا نذر الإحرام قبل الميقات فإنه يجوز و يصحّ و يجب العمل به، و لا يجب تجديد الإحرام في الميقات و لا المرور عليها، و الأحوط اعتبار تعيين المكان فلا يصحّ نذر الإحرام قبل الميقات بلا تعيين على الأحوط، و لا يبعد الصحّة على نحو الترديد بين المكانين بان يقول: للّٰه عليّ ان أحرم امّا من الكوفة أو البصرة و ان كان الأحوط خلافه، و لا فرق بين كون الإحرام للحج الواجب أو المندوب أو للعمرة المفردة، نعم لو كان للحج أو عمرة التمتع يشترط ان يكون في أشهر الحجّ (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:

المقام الأوّل: في انه لا يجوز الإحرام قبل المواقيت و الظاهر ان المراد به هي الحرمة التشريعية دون الحرمة الذاتية و ذلك لانه مضافا الى انه لو كان المراد به الثانية لكان اللازم التعرض لها في مثل الشرائع لاحتياجها الى البيان بخلاف الحرمة التشريعية التي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 86

..........

______________________________

لا تحتاج الى البيان نوعا كما هو ظاهر، لا دليل على ثبوت الحرمة الذاتية لأن، ما يستفاد منه ذلك بين ما يكون مفاده عدم الانعقاد و عدم ثبوت الإحرام له و بين ما يكون النهي فيه ظاهرا في الإرشاد إلى البطلان مثل النهي عن الصلاة في وبر ما لا يؤكل لحمه الظاهر في الإرشاد إلى الشرطية أو المانعية فلا يكون ما يدل على الحرمة الذاتية بمتحقق أصلا.

المقام الثاني: في عدم انعقاد الإحرام قبل

الميقات و يدل عليه مع انه نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر النصوص المتعددة: منها قوله- ع- في صحيحة الحلبي الواردة في المواقيت: الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّٰه- ص- لا ينبغي لحاج و لا معتمر ان يحرم قبلها و لا بعدها. «1» و المراد من قوله: لا ينبغي و ان كان هو عدم الجواز دون الكراهة الّا ان عدم الجواز إرشاد إلى البطلان و عدم الانعقاد كالمثال الذي عرفت.

و منها: قوله- ع- في صحيحة ابن أذينة في حديث: و من أحرم دون الوقت فلا إحرام له. «2» بناء على ان يكون المراد من كلمة «دون» هو القبل و القدام أو يكون المراد منه هو الغير الشامل لقبل الميقات أو يكون المراد به هو بعد الميقات كما يدل عليه التعبير به في بعض الروايات الواردة في دويرة الأهل بضميمة عدم الفصل في هذا الحكم بين البعد و القبل فتدبّر.

و منها: معتبرة ميسر قال دخلت على أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- و انا متغير اللّون

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 3.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب التاسع ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 87

..........

______________________________

فقال لي: من أين أحرمت؟ قلت من موضع كذا و كذا فقال: ربّ طالب خير تزلّ قدمه ثم قال: يسرّك ان صليت الظهر أربعا في السفر قلت: لا قال فهو و اللّٰه ذاك. «1» و الرواية تدل أيضا على ان الحرمة تشريعية لا ذاتية و الظاهر ان النظر في الروايات الى ردّ العامة القائلين بجواز الإحرام قبل الميقات و لعلّ منشأ حكمهم بالجواز هو اعتقاد كونه أعظم أجرا و أكثر ثوابا باعتبار طول زمان الإحرام

و مكانه و قد استدل الامام- ع- على بطلانه بما في هذه الرواية.

المقام الثالث: في انه يجب إنشاء الإحرام في الميقات و لا يكفى المرور عليها محرما و يدل عليه مضافا الى ما عرفت من انه لا ينعقد الإحرام قبل الميقات فلا يتحقق المرور عليه كذلك مثل قوله- ع- في صحيحة الحلبي المتقدمة: الإحرام من مواقيت .. فان التعبير بكلمة «من» ظاهر في لزوم شروع الإحرام من الميقات و عدم كفاية المرور عليه كذلك.

المقام الرّابع: فيما إذا نذر الإحرام قبل الميقات و البحث فيه من جهات:

الجهة الاولى: في أصل صحة نذر الإحرام كذلك و قد نسب الى أكثر المتأخرين بل إلى الأكثر بل الى المشهور و قد خالف فيه الحلّي و العلامة في المختلف، و عن المحقق في المعتبر الميل اليه و قوّاه كاشف اللثام و حكى الحلّي الخلاف عن السيد و الشيخ في بعض كتبه و ابن أبي عقيل و الصدوق و لكن المحكي عن العلامة أنه

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الحادي عشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 88

..........

______________________________

خطّأه في ذلك و كيف كان فالدليل على الصحة لا يتجاوز عن ثلث روايات:

الرواية الأولى: موثقة أبي بصير التي رواها الشيخ بطريقين عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سمعته يقول: لو ان عبدا أنعم اللّٰه عليه نعمة أو ابتلاه ببليّة فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه ان يحرم بخراسان كان عليه ان يتم. «1»

الرواية الثانية: رواية على بن أبي حمزة قال كتبت الى أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- اسئله عن رجل جعل للّٰه عليه ان يحرم من الكوفة.

قال: يحرم من الكوفة. «2» و لكنها ضعيفة بعلي

بن أبي حمزة البطائني الكذاب.

الرواية الثالثة: ما رواه الشيخ- قده- بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حمّاد عن الحلبي «علىّ» قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل جعل للّٰه عليه شكرا ان يحرم من الكوفة قال: فليحرم من الكوفة و ليف للّٰه بما قال. «3» هكذا في الوسائل و المعروف في التعبير عن الرواية انّما هي الصحيحة المضافة إلى الحلبي و لكن المحكيّ عن صاحب منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح و الحسان المناقشة في صحة الخبر:

تارة يكون الراوي مجهولا لكونه مرددا بين الحلبي الذي هو ثقة و بين عليّ الذي يكون المراد به هو على بن أبي حمزة البطائني الكذاب و المذكور في نسخ التهذيب القديمة هو الثاني و تصحيف علي ب «الحلبي» قريب لقربهما و شباهتهما في الكتابة و عليه فلا يكون الراوي مشخصا.

و اخرى بأن المراد من حمّاد ان كان هو حمّاد بن عثمان فالحسين بن سعيد لا يمكن له ان يروى عنه بغير واسطة جزما و ان كان هو حماد بن عيسى تكون

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثالث عشر ح- 3.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الثالث عشر ح- 2.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب الثالث عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 89

..........

______________________________

روايته عن الحلبي الذي يكون إطلاقه منصرفا الى عبيد اللّٰه بعيدة غير معهودة في الاخبار ثم قال في آخر كلامه المحكي: «و بالجملة فالاحتمالات قائمة على وجه ينافي الحكم بالصحة و أعلاها كون الرّاوي على بن أبي حمزة فيتضح ضعف الخبر».

و أجيب عن المناقشة بأن الظاهر ان ذكر «عليّ» في السند اشتباه و المصرح به في النسخة الجديدة من التهذيب و الاستبصار

«الحلبي» فقط فالاشتباه انما وقع من النّساخ.

و بان الظاهر ان المراد من حمّاد هو حمّاد بن عثمان الذي يروي عن الحلبي كثيرا و ما ذكره المنتقى من ان الحسين بن سعيد لا يروي عنه فهو غير تام فإنه قد روى عنه في بعض الموارد و ان كان قليلا.

و يمكن ان يكون المراد به هو حمّاد بن عيسى و عليه فالمراد من الحلبي هو عمران الحلبي لا عبيد اللّٰه و دعوى كون المراد من إطلاقه هو الثاني ممنوعة إذ قد يطلق و يراد به عمران.

مع انه لو سلم ان الراوي هو علىّ فلم يقم دليل على ان المراد به هو على بن أبي حمزة فيمكن ان يكون المراد به بل الظاهر انّه هو على بن يقطين أو علىّ بن المغيرة ثم قال المجيب: لا ينبغي الريب في صحة السند.

أقول: و يؤيد ما ذكره المجيب ما افاده سيدنا الأستاذ العلامة البروجردي- قده- في كتاب تنقيح أسانيد التهذيب من ان الحسين بن سعيد قد روي عن حماد بن عثمان في كتاب التهذيب ثلاث روايات و ان كانت روايته عن حماد بن عيسى كثيرة جدّا تزيد عن مائتين.

مع ان حمّاد بن كليهما واقعان في الطبقة الخامسة و الحسين من الطبقة السابعة فان لم يمكن له النقل عن ابن عثمان لم يمكن له النقل عن ابن عيسى أيضا و قد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 90

..........

______________________________

حقق في محلّه إمكان النقل و ان كان الطبقة السادسة واسطة بين الطبقتين.

هذا و لكن التحقيق ان المراد من حمّاد هو حماد بن عيسى و الراوي هو علي بن أبي حمزة البطائني و ذلك لانه مضافا الى وحدة متنها

مع متن رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة و ان كان بينهما اختلاف يسير ذكر صاحب الوسائل بعد نقل رواية على بن أبي حمزة بإسناد الشيخ عن احمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل عن صفوان عنه قال: «و بإسناده- يعني الشيخ- عن الحسين بن سعيد عن حمّاد بن عيسى عن على بن أبي حمزة مثله» و ظاهره كون الرواية بعينها قد رواها علىّ المذكور و قد روى عنه حماد بن عيسى و قد روي عنه الحسين بن سعيد فيدل ذلك على ان الشيخ رواها في التهذيب بالسند المذكور في موضعين غاية الأمر انه اقتصر في أحد النقلين على إجمال السند و التعبير ب حمّاد فقط و علىّ كذلك و فصل في النقل الأخر بالتصريح بابن عيسى و بابن أبي حمزة و عليه فكما يظهر المراد من السند و يرتفع الإجمال و لا يبقى للمناقشة و الجواب عنها مجال أصلا يظهر عدم كونها رواية أخرى غير رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة بل الظاهر اتحادها معها و عدم التعدّد بوجه و المفروض ضعف سندها و ما في ذيل الوسائل المطبوعة الجديدة من ان الشيخ- قده- روى هذه الرواية عن على بن أبي حمزة و هو عن أبي الحسن- عليه السلام- و عليه فلا تتحد مع رواية الحلبي بوجه لأنها مروية عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- فلا مجال للاتحاد يبعّده مضافا الى انه لو كان كذلك لكان اللازم على صاحب الوسائل الإشارة إليه بل جعلها بصورة رواية مستقلة لوضوح تعدد الرواية باعتبار تعدد الإمام المرويّ عنه و المسئول عنه مع ان ظاهرها مجرد الاختلاف في السند ليس الّا انّ علي بن أبي حمزة

مع سؤاله عن الصادق- عليه السلام- هذه المسألة و ضبطها و نقلها على من يروي عنه من الرّواة و هو صفوان في الرواية لا يبقى وجه لسؤاله نفس هذه المسألة من الامام المتأخر و نقلها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 91

..........

______________________________

على حمّاد بن عيسى كما لا يخفى إذ لا موجب لتكرار السؤال فكما انه لا وجه للتكرار عن امام واحد لا وجه له بالإضافة إلى الإمامين أو أزيد و عليه فالظاهر كما في الوسائل من كون الرواية مروية عن الصادق- عليه السلام.

ثم انه لو كانت الشهرة الفتوائية المحققة بين القدماء من الفقهاء موجودة لكانت جابرة للضعف على ما هو مقتضى التحقيق و لكن الظاهر عدم ثبوتها و ان الشهرة بين المتأخرين و لكن حيث ان رواية أبي بصير موثقة و ان كان الراوي عنه سماعة و هو واقفي و المختار حجّية خبر الثقة و ان لم يكن إماميّا عدلا، فاللازم الحكم على طبقها و الفتوى على وفقها.

الجهة الثانية: في انه لا شبهة في ان نهوض الرواية المعتبرة على حكم يقتضي لزوم الأخذ به و ان كان على خلاف القاعدة نعم لو كانت على خلاف حكم العقل لكان اللازم التصرف فيها و حملها على ما لا يخالف حكم العقل بوجه كما انه يوجب التصرف في ظاهر الكتاب و عليه فينبغي البحث في المقام في هذه الجهة و ان الدليل الدال على صحة نذر الإحرام قبل الميقات موقعه ما ذا؟ فنقول:

انّ هنا ثلاثة أنواع من الدليل.

النوع الأوّل: الدليل الدالّ بإطلاقه على عدم صحة الإحرام قبل الميقات في حال النذر أيضا مثل ما في صحيحة الحلبي المتقدمة: لا ينبغي لحاج و لا

معتمر ان يحرم قبلها و لا بعدها فان مقتضى إطلاقه عدم الصحة في حال النذر بحيث لو لم يكن ما يدل على صحته فيه لقلنا بعدم الصحة نظرا إلى الإطلاق.

النوع الثاني: ما يدل على اعتبار الرجحان في متعلق النذر و انه مع عدمه لا يكاد ينعقد و لا يجب الوفاء به.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 3، ص: 91

النوع الثالث: ما دلّ على صحة نذر الإحرام قبل الميقات مثل موثقة أبي بصير المتقدمة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 92

..........

______________________________

و الجمع بينها يمكن بوجهين:

أحدهما: جعل الدليل الثالث مقيّدا لإطلاق الدليل الأوّل و الحكم بأنه في مورد النذر لا يقتضي الدليل الأوّل البطلان و لازمة ان يقال بثبوت الرجحان في الإحرام قبل الميقات غاية الأمر ابتلائه بوجود مانع يرتفع بالنذر.

ثانيهما: حفظ الإطلاق في الدليل الأول و الحكم بعدم ثبوت الرجحان في الإحرام قبل الميقات بوجه و- ح- ان قلنا بان المراد من الدليل الثاني هو اعتبار الرجحان في نفس المتعلق مع قطع النظر عن تعلق النذر بحيث كان المعتبر هو ثبوت الرجحان في المتعلق في نفسه و في جميع الحالات كصلاة الليل- مثلا- فاللازم ان يقال بان الدليل الثالث يكون بمنزلة المخصّص بالإضافة إلى الدليل الثاني و يكون مقتضى الجمع عدم اعتبار الرجحان في الإحرام قبل الميقات إذا تعلق النذر به.

و ان قلنا بان المراد منه هو اعتبار الرجحان و لو كان جائيا من قبل النذر و ناشيا من تعلّقه فربما يقال- كما قال به صاحب

المستمسك- قده- بالاستحالة نظرا الى ان صحة النذر مشروطة بمشروعية المنذور فلو كانت مشروعيته مشروطة بالنذر لزم الدور.

و الجواب عنه ان المشروط بمشروعية المنذور و رجحان المتعلق انّما هي صحة النذر لا مطلق الصحة بل الصحة المطلقة و من جميع الجهات بمعنى انّ النذر الصحيح من سائر الجهات إذا أريد وقوعه صحيحا من جميع الجهات فاللازم اشتماله على رجحان المتعلق كاشتراط صحة الصلاة بالطهارة- مثلا- و امّا ما يتوقف عليه الرجحان فليس هي الصحة المطلقة بل الصحة مع قطع النظر عن رجحان المتعلق بمعنى انّ النذر إذا كان صحيحا من سائر الجهات ينشأ منه رجحان المتعلق و يترتب عليه الرجحان فالاختلاف متحقق و الدور غير واقع.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 93

..........

______________________________

فانقدح انه لا يلزم من الالتزام بصحة النذر المذكور محذور أصلا.

الجهة الثالثة: في ان مفاد دليل الصّحة هو كون المحلّ الذي تعلق النذر بالإحرام منه بمنزلة الميقات و ان الإحرام منه يكون كالإحرام من الميقات يترتب عليه آثاره فشروع الحج أو العمرة انما يتحقق بنفس ذلك الإحرام و عليه فلا يجب بعد تحقق الإحرام منه، المرور على الميقات أو محاذيه كما انه لا يجب تجديد الإحرام إذا مرّ على أحدهما و ان كان الأحوط المرور عليه و تجديد الإحرام منه خروجا من خلاف من عرفت.

الجهة الرّابعة: في انه لا شبهة في انّ القدر المتيقن من مورد المشروعية و الجواز، ما إذا كان المنذور الإحرام من مكان معين كالكوفة و خراسان على ما ورد في الروايات فإنه و ان لم يكن للعنوانين خصوصية على ما هو المتفاهم عند العرف بل يكون الحكم شاملا لجميع الأمكنة المعيّنة الّا ان خصوصية المكان

المعين لا دليل على إلغائها بعد كون الحكم على خلاف القاعدة للزوم الاقتصار في التقييد أو التخصيص على القدر المتيقن فيما إذا تردد بين الأقل و الأكثر فالقدر المتيقن هو المكان المعين و عليه فلو نذر الإحرام قبل الميقات من دون تعيين مكان خاص فالظاهر انه لا دليل على مشروعيته و صحته.

و امّا لو نذر الإحرام من الكوفة أو البصرة بنحو الترديد الذي مرجعه الى التخيير بينهما فقد نفى البعد في المتن عن الصحة و ان احتاط بالخلاف و لكن الظاهر انه لا فرق بينه و بين نذر الإحرام قبل الميقات بنحو الإجمال و الإبهام لعدم شمول دليل المشروعية له أيضا و لم يعلم وجه الفرق بين الصّورتين بعد خروج كلتيهما عن مورد الدليل.

الجهة الخامسة: في ان مقتضى إطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب انه لا فرق بين كون الإحرام الذي تعلق النذر بإنشائه من مكان قبل الميقات إحرام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 94

..........

______________________________

حج أو عمرة تمتعا كانت أو مفردة كما انه لا فرق بين ان يكون واجبا أو مستحبّا نعم مقتضى الدليل هي المشروعية بالإضافة إلى المكان و التقديم على الميقات و لا دلالة له على المشروعية بالإضافة إلى التقديم الزماني و عليه فإذا كان الإحرام للحج أو للعمرة المتمتع بها فاللازم ان يكون في أشهر الحج لما عرفت من اعتبارها فيهما نعم لا فرق بين ان يكون زمان النذر قبل أشهر الحج أو فيها فإذا نذر في رمضان ان يحرم من بلده لعمرة التمتع- مثلا- في شوال لا مانع من ذلك أصلا كما انه لو كانت العمرة مفردة لا فرق بين وقوع إحرامها في أشهر

الحج أو في غيرها على ما عرفت.

الجهة السادسة: فيما لم يتعرض له في المتن و هو انه هل يلحق العهد و اليمين بالنذر أولا؟ فيه وجوه ثالثها إلحاق العهد دون اليمين و قد حكى عن المسالك انه استظهر الإلحاق و يظهر من الجواهر الميل الى العدم و هو ظاهر كل من اقتصر على النذر و جعله السيد- قده- في العروة مقتضى الاحتياط و الظاهر ان مراده منه هو الجمع بين الإحرام من المحلّ المعين و تجديد الإحرام من الميقات لا الاقتصار على خصوص الثاني حتى يرد عليه انه خلاف الاحتياط من جهة مخالفة النذر لان المقام من قبيل الدوران بين المحذورين.

و كيف كان فالظاهر ان التعبير في روايتي الحلبي و علي بن أبي حمزة ظاهر في خصوص النذر لأنّ مفاد صيغته هو جعل شي ء للّٰه على النفس المذكور في الروايتين.

و امّا الموثقة فحيث انها تشتمل على مجرّد جعل الشي ء على النفس من دون كونه مضافا الى اللّٰه حتى ينطبق على خصوص النذر فالظاهر عدم اختصاصها بالنذر و شمولها للعهد و امّا اليمين فربما يقال كما نفى البعد عنه في العروة بالشمول لها أيضا نظرا الى ان الحالف أيضا يجعل على نفسه و يجعل نفسه ملزمة بشي ء غاية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 95

[مسألة 2- لو نذر و خالف نذره عمدا أو نسيانا و لم يحرم من ذلك المكان]

مسألة 2- لو نذر و خالف نذره عمدا أو نسيانا و لم يحرم من ذلك المكان لم يبطل إحرامه إذا أحرم من الميقات و عليه الكفارة إذا خالفه عمدا (1).

______________________________

الأمر بكيفية خاصة مضافة اليه تعالى بإضافة مخصوصة.

و لكن حيث انّ المعيار هو فهم العرف و الظاهر عدم وضوح فهم الإطلاق بنحو يشمل اليمين أيضا يكون إلحاقها

بالنذر مشكلا و ان كان إلحاق العهد به قويّا فالوجه الثالث من الوجوه المذكورة في كلام السيّد- قده- غير بعيد.

(1) قال في المستمسك: «امّا في النسيان- يعني صحة الإحرام من الميقات- فظاهر لوقوع الإحرام على الوجه المشروع فيصحّ و امّا في العمد فمشكل لأنّ النذر يقتضي ملك اللّٰه سبحانه للمنذور على وجه يمنع من قدرة المكلف على تفويته، و الإحرام من الميقات عمدا لما كان تفويتا للواجب المملوك كان حراما فيبطل إذا كان عبادة».

و أورد عليه بعض الاعلام- قده- بان النذر انما يوجب خصوصية زائدة في المأمور به كما إذا نذر ان يصلى جماعة- مثلا- فإنه و ان كان يجب عليه الإتيان بتلك الخصوصية لأجل النذر الّا ان هذا الوجوب انما نشأ من فعل المكلّف و نذره فهو تكليف آخر غير الوجوب الثابت لذات الفعل و المأمور به انّما هو الطبيعي الجامع بين الافراد و النذر لا يوجب تقييدا و لا تغييرا في المأمور به الأول بحيث لو اتى بغير المنذور كان آتيا بغير المأمور به فهو واجب في واجب.

أقول: في كلا المطلبين نظر و إشكال:

امّا الأوّل: فقد عرفت في مبحث نذر الحج ان مفاد صيغة النذر ليس بأزيد من الالتزام بالإتيان بالمنذور للّٰه تبارك و تعالى بمعنى انه يوجب على نفسه من ناحية اللّٰه العمل بمتعلق النذر و هذا الإيجاب بضميمة قيام الدليل الشرعي على وجوب الوفاء بالنذر يقتضي لزوم العمل به و لو لم يكن هناك دليل شرعي على الوجوب المذكور لم يترتب على هذا الإيجاب أثر أصلا و مجموع الصيغة و الدليل الشرعي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 96

..........

______________________________

يقوم مقام مثل قوله تعالى لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ

حِجُّ الْبَيْتِ فدعوى كون النذر مقتضيا لثبوت الملكية للّٰه تعالى بالنحو المذكور مدفوعة جدّا و قد مرّ التفصيل في ذلك المبحث.

و امّا الثاني: فيرد عليه- مضافا الى انّ النذر قد يتعلق بنفس إتيان الواجب أو إتيان المستحب كصلاة الليل و لا مجال في مثله لدعوى كون النذر موجبا لخصوصية زائدة في المأمور به أصلا- انه لا شبهة في كون النذر متعلقا في المقام بغير ما هو المأمور به لأن المأمور به انّما هو الإحرام من الميقات و النذر تعلق بالإحرام من الكوفة- مثلا- كما في بعض الرّوايات فهو متعلّق بغير ما هو المأمور به.

و لأجل ذلك لا بد في المقام من ملاحظة الدليل الدال على صحة نذر الإحرام من الكوفة- مثلا- و ان مفاد الدليل المذكور هل هو مجرد المشروعية و بيان انّ النذر يجعل ما هو غير مشروع مشروعا و يوجب اتصاف الإحرام قبل الميقات بالصحة من دون ان يترتب عليه الوجوب و لزوم الوفاء به و عليه فاللازم ان يكون الناذر مخيّرا بين ان يحرم من الميقات أو من الكوفة مع انه خلاف النص و الفتوى الظاهرين في اقتضاء النذر لوجوب الوفاء مضافا الى الصحة و المشروعية، أو ان مفاد الدليل المذكور تعين الإحرام من الكوفة في صورة النذر كتعين الإحرام من الميقات في غير هذه الصورة و عليه فاللازم بطلان الإحرام من الميقات لان مرجع الدليل الى ان ميقات الناذر هو المحلّ الذي تعلق النذر بالإحرام منه فلا مساغ للإحرام من غير ذلك المحلّ فإذا خالف و لم يحرم منه عمدا يجب عليه العود مع الإمكان و لا يجزى الإحرام من الميقات بالإضافة اليه.

و لا يبعد ان يقال بان ظاهر قوله- ع-

فليحرم من الكوفة هو الثاني و ليس هذا التعبير دالّا على مجرد وجوب الوفاء بالنذر و الّا كان اللازم الاقتصار عليه لما عرفت مرارا من ان تعلق النذر بشي ء لا يقتضي تعلق الوجوب به بل الواجب هو عنوان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 97

[ثانيهما: إذا أراد إدراك عمرة رجب و خشي فوتها إن أخّر الإحرام إلى الميقات]

ثانيهما: إذا أراد إدراك عمرة رجب و خشي فوتها إن أخّر الإحرام إلى الميقات فيجوز ان يحرم قبل الميقات و تحسب له عمرة رجب و ان اتى ببقية الاعمال في شعبان، و الأولى الأحوط تجديده في الميقات، كما ان الأحوط التأخير إلى آخر الوقت و ان كان الظاهر جوازه قبل الضيق إذا علم عدم الإدراك إذا أخّر إلى الميقات، و الظاهر عدم الفرق بين العمرة المندوبة و الواجبة و المنذور فيها و نحوه (1).

______________________________

الوفاء بالنذر فالتعبير بقوله: فليحرم .. الظاهر في تعلق الوجوب بنفس عنوان الإحرام منها و كونه بنحو التعيين لا يكاد يلتئم إلّا مع تغير المأمور به و تبدل ميقات الناذر و مع التبدل لا يبقى مجال للحكم بصحة الإحرام من الميقات مع إمكان العود إلى الكوفة و الإحرام منها و هذا ظاهر في صورة العمد و الالتفات و لا يبعد ذلك بالإضافة إلى صورة النسيان أيضا كما إذا نسي الإحرام من الميقات في غير صورة النذر فإنه يجب عليه العود مع الإمكان نعم الاختلاف في المقام بين الصورتين انما هو في الكفارة حيث انّها لا تترتب الّا على المخالفة العمدية.

ثم ان قوله- ع- عليه ان يتم في موثقة أبي بصير أيضا راجع الى ما ذكرنا بعد كون المراد بالإتمام هو الإحرام من خراسان فتدبر.

(1) الظاهر اتفاق المتعرضين لهذه المسألة على جواز التقديم

فيها إجمالا فعن المعتبر: عليه اتفاق فقهائنا، و عن المنتهى: على ذلك فتوى علمائنا، و عن المسالك:

هو موضع نص و وفاق، و في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه.

و لكن المحكيّ عن كشف اللثام ان هذا الحكم لم يتعرض له كثير من الأصحاب و لعلّه يستشمّ منه رائحة الخلاف و ان كان يمكن ان يكون الوجه في عدم التعرض كون الموضوع هي العمرة الرجبيّة و هي تقع مستحبة غالبا و لكن مع ذلك كان ينبغي التعرض له تبعا للنص الوارد فيه و لأجله يتحقق الموضوع للاحتياط غير اللزومي بتجديد الإحرام في الميقات على ما في المتن و كيف كان فالدليل على الحكم روايتان:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 98

..........

______________________________

إحديهما: موثقة إسحاق بن عمّار قال سألت أبا إبراهيم- عليه السلام- عن الرجل يجي ء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال (هلال شعبان) قبل ان يبلغ العقيق فيحرم قبل الوقت و يجعلها لرجب أم يؤخّر الإحرام إلى العقيق و يجعلها لشعبان قال يحرم قبل الوقت لرجب فانّ (فيكون) لرجل فضلا و هو الذي نوى. «1» و قد عبّر عنها في العروة تبعا لصاحب الجواهر بالصحيحة و جعل المروي عنه هو أبا عبد اللّٰه- ع- مع انّ الرواية قد رواها الكليني و الشيخ بطريقين صحيحين عن إسحاق بن عمّار و هو موثق و هو يروي عن أبي إبراهيم- ع.

ثانيتهما: صحيحة معاوية بن عمار التي رواها الشيخ و الكليني أيضا قال سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- يقول ليس ينبغي ان يحرم دون الوقت الذي وقّته رسول اللّٰه- ص- الّا ان يخاف فوت الشهر في العمرة «2».

و عليه فلا يبقى مجال للإشكال في أصل الحكم

و بعده يقع الكلام في جهات:

الجهة الاولي: ان مقتضى إطلاق الصحيحة عدم اختصاص الحكم بالعمرة الرجبيّة و شموله لجميع الأشهر كشعبان و نحوه لان لكل شهر عمرة لكن الأصحاب خصّصوا الحكم برجب و ذكر في الجواهر انه لم يجد به عاملا في غير رجب ثم قال: و لعلّه للعلّة التي أشار الإمام- ع- إليها في الصحيح الآخر- يعني الموثقة- مضافا الى ما روي من ان العمرة الرجبية تلي الحج في الفضل و يكفي في إدراكها إدراك إحرامها فيه كما دلّ عليه الصحيح.

أقول: صلاحية العلة المذكورة في الموثقة و هي قوله- ع- فانّ لرجب فضلا، لتقييد الإطلاق في الصحيحة الذي لا مجال للخدشة فيه تبتنى على ان يكون المراد

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني عشر ح- 2.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 99

..........

______________________________

بها هي مقايسة العمرة الرجبية مع عمرة سائر الشهور و انّ لها فضلا بالإضافة إليها و ذات مزيّة زائدة عليها لأنها تلي الحج في الفضل فمرجعها الى ان جواز تقديم إحرامها على الميقات لإدراك الشهر انّما هو لأجل اختصاص عمرته بمزية زائدة لا توجد في غيرها من عمر سائر الشهور.

و امّا لو كان المراد منها هو ثبوت الفضل في مقابل ترك العمرة و انه لو أخر الإحرام إلى الميقات يفوت عنه عمرة الشهر مع ان لكل شهر عمرة كما تقدم في بحث العمرة المفردة فلا تصلح العلة المذكورة للتقييد بوجه بل مرجعها الى احتفاظ العمرة في كل شهر و عليه فان ثبت ظهور العلّة فيما ذكره صاحب الجواهر أمكن رفع اليد عن الإطلاق في الصحيحة و مع عدم ثبوت الظهور

و تردد العلة بين الاحتمالين لا مجال لرفع اليد عن الإطلاق الّا ان يقال بأن الصحيحة معرض عنها و الموثقة لا دلالة لها على أزيد من جواز التقديم في العمرة الرجبية كما لا يخفى.

الجهة الثانية: انه هل يشترط في جواز التقديم ضيق الوقت بمعنى لزوم التأخير إلى آخر الوقت من الشهر بحيث لو لم يحرم فيه لا يتحقق الإحرام في رجب أو انه يجوز الإحرام قبل الضيق مع العلم بعدم إدراك الإحرام في رجب لو أخره إلى الميقات و لو كان في وسط الشهر كما إذا كان الفصل بينه و بين الميقات كثيرا و يعلم بعدم الإدراك مع التأخير إلى الميقات فإنه يجوز له الإحرام من محلّه و منزله و ان كان في وسط الشهر بل ربما يكون اولى لطول زمان الإحرام الذي هو عبادة فيه وجهان لا ينبغي الارتياب في ان مقتضى الاحتياط هي رعاية الضيق و لكن المستفاد من النص ان الملاك في جواز التقديم خوف فوت عمرة الشهر أو دخول هلال شعبان قبل ان يبلغ العقيق و هو متحقق قبل الضيق أيضا فلا دلالة له على اعتبار الضيق أيضا مضافا الى الخوف المذكور.

الجهة الثالثة: استظهر في المتن انه لا فرق بين العمرة المندوبة و الواجبة- يعني

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 100

[مسألة 3- لا يجوز تأخير الإحرام عن الميقات]

مسألة 3- لا يجوز تأخير الإحرام عن الميقات فلا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة أو دخول مكّة ان يجاوز الميقات اختيارا بلا إحرام، بل الأحوط عدم التجاوز عن محاذاة الميقات أيضا و ان كان امامه ميقات أخر، فلو لم يحرم منه وجب العود اليه بل الأحوط العود و ان كان امامه ميقات أخر،

و امّا إذا لم يرد النسك و لا دخول مكّة بأن كان له شغل خارج مكّة و ان كان في الحرم فلا يجب الإحرام (1).

______________________________

الواجبة بالأصل- و المنذور فيها و نحوه و يرد عليه أمران:

الأمر الأوّل: أنّ العمرة المفردة الواجبة بالأصل هي العمرة المفردة بالإضافة إلى المستطيع لها الذي كانت وظيفته حج القران أو الافراد لما عرفت في بحث العمرة المفردة من انها لا تجب على من تكون وظيفته حج التمتع إذا استطاع لها و لأجله لا يجب على النائب ان يأتي بالعمرة المفردة لنفسه بعد الإتيان بالمنوب فيه و من الظاهر ان العمرة المفردة إذا صارت واجبة يكون المعروض للوجوب هو هذا العنوان و لا مدخلية لعنوان الرّجب فيه أيضا و عليه فالجمع بين وجوب العمرة المفردة و بين الإضافة إلى الرجب لا يكاد يتم حتى فيما إذا كانت الاستطاعة لها في شهر رجب و أراد الإتيان بها في نفس ذلك الشهر.

الأمر الثاني: انه على تقدير تسليم الأمر الأوّل ظاهر الموثقة الاختصاص بالعمرة الرجبية المستحبة فإن التعليل بقوله- ع-: فانّ لرجب فضلا ظاهر في ان الموجب لجواز التقديم هو مجرد ثبوت الفضيلة و المزيّة المتحقّقة في العمرة الرجبية و هذا لا يناسب العمرة الواجبة أصلا حتى إذا كان الوجوب ناشيا من قبل النذر و نحوه كما لا يخفى فدعوى الإطلاق ممنوعة جدّا.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في جهات:

الجهة الاولى: عدم جواز تأخير الإحرام عن الميقات و فرع عليه عدم جواز التجاوز عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 101

..........

______________________________

الميقات اختيارا لمن أراد الحج أو العمرة أو دخول مكة و قد ادّعى الإجماع على أصل الحكم جماعة من فحول

الفقهاء كالفاضلين و صاحب كشف اللثام و صاحب الجواهر و غيرهم و قد ورد فيه نصوص متعددة يأتي التعرض لها و لكن الظاهر بعد ملاحظة ما مرّ في الإحرام قبل الميقات من ان الحرمة فيه تشريعية و لا دليل على الحرمة الذاتيّة انّ هنا عنوانين:

أحدهما: الإحرام بعد الميقات و الظاهر ان الحرمة فيه أيضا تشريعية لاتحاد الدليل الوارد فيه و في الإحرام قبل الميقات مثل قوله- ع- في صحيحة الحلبي المتقدمة في المواقيت لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر أن يحرم قبل هذه المواقيت أو بعدها فان ظاهره الإرشاد إلى البطلان و عدم المشروعية فالحرمة في كليهما تشريعية.

ثانيهما: عنوان التجاوز عن الميقات من دون إحرام لمن يريد دخول مكة قاصدا للحج أو العمرة أو غيرهما إلّا في بعض الموارد و يتحقّق افتراق هذا العنوان عن الأوّل فيما إذا لم يحرم الشخص المذكور أصلا لا من الميقات و لا ممّا بعده فإنه لا يتحقق العنوان الأول- ح- فلا موضوع للحرمة التشريعية بوجه.

و الظاهر انّ هذا العنوان الذي تعلّق النهى به كما هو مقتضى التعبير الوارد في النصوص يكون محرّما بالحرمة الذاتية لأنّه لا مجال للحمل على الحرمة التشريعية بوجه لانه لم يتحقق منه تشريع بل المتحقق انما هو ترك الإحرام من الميقات و التجاوز عنه بدونه و بعبارة أخرى إذا كان المتعلق للنهى هو عنوان العبادة كالإحرام و نحوه فالظاهر ان مرجعه إلى الإرشاد إلى البطلان و الفساد سواء كان المتعلق هو عنوان كل العبادة كصلاة الحائض أو إيقاعها مع أمر خاص كالصلاة في وبر ما لا يؤكل لحمه فان ظاهر النهي في مثله الإرشاد إلى الفساد مع ذلك الأمر و مرجعه إلى مانعية ذلك الأمر

عن صحة العبادة أو كان المتعلق هو عنوان جزء العبادة كقراءة سورة السجدة في الصلاة و الإحرام قبل الميقات أو بعده في المقام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 102

..........

______________________________

كما ان ظاهر تعلق النهي بالمعاملة كالبيع إذا أضاف بما ليس عنده هو الإرشاد إلى البطلان و عدم ترتب الأثر المقصود عليها و امّا إذا كان متعلق النهي أمرا خارجا عن العبادة و المعاملة فالظاهر انه لا مجال لحمل النهى فيه على الإرشاد و ان كان للمتعلق ارتباط بالعبادة فإذا تعلق النهى بمسّ المصحف من دون طهارة فالظاهر ان النهى فيه نهى ذاتي دال على الحرمة الذاتية كسائر المحرمات غاية الأمر ارتفاعها بالطهارة كارتفاع سائر المحرمات بالضرورة و نحوها من العناوين الثانوية و المقام بملاحظة الروايات الواردة فيه من هذا القبيل لأنّ منها:

صحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرّضا- ع- المشتملة على كتابته- ع- في الجواب: ان رسول اللّٰه- ص- وقّت المواقيت لأهلها و من أتي عليها من غير أهلها و فيها رخصة لمن كانت به علة فلا تجاوز الميقات الّا من علة. «1» فإن النهي عن التجاوز تفريعا على الترخيص ظاهر في الحرمة و الجواز الذاتيين كما هو ظاهر.

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: من تمام الحج و العمرة ان تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّٰه- ص- لا تجاوزها الّا و أنت محرم الحديث «2».

و منها: صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- من اين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة فقال من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلّا محرما «3».

و بعد ذلك لا يبقى مجال للإشكال الذي أورده سيد المستمسك

على صاحب العروة و سائر الأصحاب القائلين بتحقق الإثم بترك الإحرام من الميقات الأول إذا كان امامه ميقات آخر حيث قال: «ان الظاهر ان الأمر بالإحرام من الميقات

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الخامس عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 1.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب السادس ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 103

..........

______________________________

إرشادي إلى شرطية الإحرام من الميقات في صحة النسك حجّا أو عمرة فلا تكون مخالفته مستوجبة للإثم».

و ذلك لما عرفت من ان الأمر بالإحرام من الميقات و ان كان كذلك الّا ان النهى عن التجاوز عن الميقات من دون إحرام أمر آخر لا يرتبط بذلك و ليس متعلقه عبادة و لا معاملة و تتحقق مخالفته بالتجاوز عن الميقات بدونه سواء أحرم بعده أم لم يحرم أصلا.

ثم انّ هنا عنوانين آخرين يكون ظاهر النصوص الواردة فيهما تعلق النهي الذاتي بهما سواء قلنا بثبوت الحكمين أم قلنا برجوعها الى حكم واحد و هما عنوان الدخول في الحرم بغير إحرام و ثانيهما عنوان الدخول في مكة كذلك و لا بأس بالتعرض لهما لارتباطه بذيل المسألة المذكورة في المتن أيضا.

فنقول قد ورد فيهما روايات و لكن نقتصر منها على روايتين:

إحديهما صحيحة عاصم بن حميد قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- يدخل الحرم أحد إلّا محرما؟ قال لا الّا مريض أو مبطون «1».

ثانيتهما صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر- عليه السلام- هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام قال: لا الا مريضا أو من بطن. «2»

ثم ان المحكيّ عن جماعة من الأصحاب، كالعلامة في التذكرة و صاحب الجامع و كاشف اللثام و النراقي في المستند استظهار

ثبوت حكمين أو الميل اليه و حكى عن المدارك انه قال: قد اجمع العلماء على ان من مرّ على الميقات و هو لا يريد دخول مكّة بل يريد حاجة فيما سواها لا يلزمه الإحرام. و ظاهره ثبوت حكم واحد متعلق

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الخمسون ح 1.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الخمسون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 104

..........

______________________________

بدخول مكة.

و قد ذكر بعض الاعلام- قدس سره الشريف- ما ملخّصه أنّ التأمل في الطائفتين من الروايات يقضى بوجوب الإحرام لدخول مكّة فقط و حمل اخبار الحرم على مريد الدخول إلى مكّة لأن جعل الحكمين معا يستلزم اللغوية لأن الحكم بوجوب الإحرام لو كان مختصّا بمن كان داخل الحرم لأمكن جعل الحكمين معا في حقّه الّا ان مقتضى بعض الروايات ثبوت هذا الحكم لعامّة المسلمين و عدم اختصاصه بطائفة دون اخرى فلا يمكن تخصيص الحكم بداخل الحرم و عليه فجعل الحكمين معا يصبح لغوا لانه لو وجب الإحرام لدخول الحرم فإنّما هو لأداء المناسك ضرورة ان مجرد الإحرام بدون الاعمال لا يحتمل وجوبه و من الواضح ان مكة المكرمة محاطة بالحرم فإذا دخل الحرم محرما لأداء المناسك فجعل وجوب الإحرام الثاني لدخول مكة لغو لا اثر له.

و يرد عليه مضافا الى عدم كون الحرم محاطا بمكة في هذه الأزمنة لأن النسبة بينهما عموم من وجه لوقوع مسجد التنعيم الذي هو ادني الحلّ في داخل مكة و قد مرّ انه ليس المراد من مكّة ما كان في زمن صدور الروايات بل يشمل الدور و الأبنية الجديدة الكثيرة الموجبة لاتّساعها جدّا بحيث يكون الفصل بين بعض محلّاتها و المسجد الحرام أزيد من

فرسخين.

انّه على تقدير كون النسبة عموما مطلقا و كون الحرم محيطا بمكة تظهر ثمرة الحكمين فيمن يريد الدخول الى الحرم من دون ان يريد الدخول إلى مكّة فاللازم على تقدير التعدد لزوم الإحرام بالإضافة اليه.

و الظاهر ان منشأ الكلام المزبور تخيل ان الحكم الثابت في المقام هو الحكم الوجوبي المتعلّق بالإحرام لدخول الحرم أو مكّة كما وقع التعبير به في الكلمات و قد مرّ سابقا ان صاحب المدارك وجّهه بالوجوب المقدمي الذي لازمة الانحصار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 105

..........

______________________________

بصورة وجوب الدخول للإتيان بالمناسك لعدم وجوب المقدمة مع عدم وجوب ذيها كما انه قد سبق ان بعض الاعلام فسّر الوجوب بالوجوب الشرطي الذي مرجعه إلى شرطية الإحرام لصحة الافعال و المناسك و عدم صحتها بدونه كالوضوء بالإضافة إلى صلاة الليل- مثلا- و قد تبع في ذلك صاحب الجواهر- قده.

و الحق انه ليس في المقام حكم وجوبي متعلق بالإحرام أصلا بل الثابت انما هو الحكم التحريمي النفسي المتعلق بالدخول من غير إحرام و مدخلية الإحرام انّما هي لأجل أن وجوده يمنع عن تحقق متعلق النهي لأنه معه لا يتحقق الدخول بغير إحرام فهو رافع للحرمة و مانع عن تحقق متعلقه نظير الوضوء بالإضافة إلى مسّ كتابة المصحف الموجب للتخلّص عن الحرمة و ارتفاعها به و عليه فلا يبقى مجال لرفع اليد عن ظاهر الروايات الدال على ثبوت حكمين تعلق أحدهما بالدخول في الحرم بغير إحرام و الثاني بالدخول في مكة كذلك خصوصا إذا قلنا بما احتمله صاحب الجواهر في صدر كلامه من انه ان لم يكن إجماع على عدم كون الإحرام عبادة مستقلة و يلزم ان يكون امّا بحج أو

عمرة أمكن الاستناد في مشروعية نفسه إلى إطلاق الأدلة في المقام و غيرها و كونه جزء منهما لا ينافي مشروعيته في نفسه فإنه- ح- يكون ثبوت الحكمين ظاهرا لكنه رجع عنه في ذيل كلامه و قال يمكن بعد التأمّل في النصوص استفادة القطع بتوقف الإحلال من الإحرام في غير المصدود و نحوه ممّا دل عليه الدليل على إتمام النسك و ليس هو إلا أفعال عمرة أو حجة.

لكن ما ذكرناه من التعدد لا يبتني على الاحتمال المذكور بل منشأه ما ذكرنا من كون الحكم حكما تحريميّا ذاتيّا منشأه رفعة شأن الحرم و مقام مكة نعم لا بد بعد الإحرام من الإتمام بالدخول في مكة و الطواف و السعي و غيرهما كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 106

..........

______________________________

الجهة الثانية: إذا كان في طريقه الى مكة ميقاتان كطريق المدينة إليها المشتمل على مسجد الشجرة و الجحفة ففيه بحثان:

أحدهما: الحكم الوضعي المتعلق بالإحرام من جهة الصحة و البطلان و قد مرّ البحث عنه في بعض المسائل السّابقة و ان المشهور شهرة عظيمة هو عدم جواز التأخير عن الميقات الأوّل الّا مع الضرورة لمرض أو ضعف أو غيرهما من الاعذار و تقدم ما ورد فيه من الرّوايات.

ثانيهما: الحكم التكليفي التحريمي الذاتي المتعلق بالتجاوز عن الميقات بغير إحرام و الظاهر ان مقتضى إطلاق الروايات الناهية عدم جواز التجاوز عن الميقات الأوّل من دون إحرام لأنه مع التجاوز عنه يصدق انه جاوز الميقات من غير إحرام و ان أحرم من الميقات الثاني فإنّ الإثبات بالإضافة إليه لا ينافي النفي بالنسبة إلى الأوّل نعم في بعض الروايات المتقدمة استثناء صورة العلة من عدم الجواز هنا أيضا

و الانصاف وقوع الخلط بين الحكمين في الكلمات التي منها المتن فتدبّر.

الجهة الثالثة: في المحاذي و فيه بحثان أيضا:

أحدهما: الحكم التكليفي التحريمي المتعلق بالتجاوز عن المحاذي بلا إحرام كالتجاوز عن الميقات و الظاهر انه لا دليل على هذا الحكم لان ما ورد ممّا يدل على المنع عن التجاوز عن الميقات لا يشمل التجاوز عن المحاذي بوجه و الروايات الواردة في المحاذاة و مشروعية الإحرام من المحاذي غايتها الدلالة على لزوم الإحرام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 107

..........

______________________________

منه الذي يكون مرجعه إلى شرطية الإحرام منه في صحته بالإضافة الى من يمرّ في طريقه اليه و امّا حرمة التجاوز عنه من غير إحرام بالحرمة الذاتية فلا دلالة لها عليها.

و بعبارة أخرى غاية ما يستفاد منها كون المحاذي بمنزلة الميقات في صحة الإحرام منه بل لزومه و امّا ترتب جميع احكام الميقات التي منها حرمة التجاوز بلا إحرام فلا يستفاد منها بوجه و عليه فكما انه لا مجال للفتوى بالحرمة الذاتية كذلك لا يبقى مجال للاحتياط الوجوبي الذي يدلّ عليه المتن و ان كان قد عرفت وقوع الخلط فيه بين الحكم التكليفي و الحكم الوضعي كما في سائر العبارات.

ثانيهما: الحكم الوضعي المتعلق بالإحرام من المحاذي لا اشكال بمقتضى ما ذكرنا في بحث المحاذاة في مشروعية الإحرام من المحاذي و صحته مع رعاية الخصوصيات المعتبرة في المحاذاة العرفية التي تكلمنا فيها و قد مر أيضا عدم اختصاص الحكم بخصوص محاذي مسجد الشجرة بل يشمل المحاذي لسائر المواقيت أيضا إنما الإشكال في انه هل يتعين الإحرام من المحاذي و ان كان امامه ميقات آخر أو يجوز له تأخير الإحرام إلى الميقات ربما يقال بالأوّل

نظرا الى ان قوله- ع- في بعض الروايات المتقدمة: فإذا كان حذاء الشجرة و البيداء ستة أميال فليحرم منها، ظاهر في تعين الإحرام من المحاذي مع وجود الجحفة امامه و لكن يمكن ان يقال بأنّه حيث كان الأمر بالإحرام من المحاذي في مقام توهم الحظر لان المعهود بلحاظ توقيت الرسول- ص- مواقيت خاصة هو تعين الإحرام من نفس تلك المواقيت دون غيرها فالأمر بالإحرام من المحاذي لا يكون ظاهرا في التعين بل غاية مدلوله مجرد المشروعية و الصحة و لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط بعدم تأخير الإحرام عن المحاذي و ان كان امامه ميقات آخر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 108

..........

______________________________

الجهة الرابعة: في انه لو لم يحرم من الميقات يجب العود اليه مع الإمكان كما في المتن و احتاط فيه وجوبا بالعود فيما إذا كان امامه ميقات آخر و لكن ذكر السيد- قده- في العروة في هذا الفرض انه يجزيه الإحرام من الميقات الأخر و ان أثم بترك الإحرام من الميقات الأوّل و احتاط استحبابا بالعود اليه مع الإمكان.

أقول لا يبقى مجال للعود الى الميقات بعد عدم الإحرام منه و التجاوز عنه بغيره بالإضافة إلى الحكم التكليفي التحريمي لأنه بعد مخالفته و التجاوز عن الميقات بغير إحرام لا يجدي العود في رفع المخالفة و قمع المعصية فاللازم طرح هذا البحث بالنسبة إلى الحكم الوضعي المتعلق بالإحرام و من هذه الحيثية يكون الظاهر بمقتضى أدلّة المواقيت المشتملة على عدم جواز الإحرام من قبلها و من بعدها عدم جواز تأخير الإحرام عن الميقات الأوّل و لازمة العود اليه تحصيلا لشرط الصحة و تحقق المشروعيّة مضافا الى دلالة بعض الروايات المتقدمة على

انّ من دخل المدينة ليس له الإحرام الا من المدينة «1» التي يكون المراد بها هو مسجد الشجرة نعم قد عرفت جواز التأخير بالإضافة إلى المريض و العليل بل مطلق ذوي الأعذار لدلالة بعض الروايات عليه و مقتضاها أيضا عدم الجواز مع عدم العذر خصوصا مع وروده في طريق المدينة التي يكون امام مسجد الشجرة ميقات آخر و هي الجحفة و عليه فالظاهر هو وجوب العود مع الإمكان.

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 109

[مسألة 4- لو أخّر الإحرام من الميقات عالما عامدا و لم يتمكن من العود اليه]

مسألة 4- لو أخّر الإحرام من الميقات عالما عامدا و لم يتمكن من العود اليه لضيق الوقت أو لعذر آخر و لم يكن امامه ميقات آخر بطل إحرامه و حجّه و وجب عليه الإتيان في السنة الآتية إذا كان مستطيعا، و امّا إذا لم يكن مستطيعا فلا يجب و ان أثم بترك الإحرام (1).

______________________________

الجهة الخامسة: فيما يتعلق بذيل المسألة و قد ظهر مما ذكرنا في الجهة الاولى انه كما لا يجوز دخول مكة بغير إحرام كذلك لا يجوز دخول الحرم بغير إحرام و عليه فمن كان له شغل خارج مكة و داخل الحرم يجب عليه الإحرام من الميقات لدخوله و ان كان اللازم الإتيان بالمناسك في مكة فيشكل ما في المتن من عدم لزوم الإحرام في هذه الصّورة.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة التي اجتمع فيها خصوصيات ثلاثة: كون تأخير الإحرام من الميقات عن علم و عمد و عدم إمكان العود اليه للضيق أو لغيره و عدم كون امامه ميقات آخر في مقامين:

المقام الأوّل: في بطلان الإحرام و الحج و عدمه و فيه قولان و الأوّل هو الأكثر المشهور

كما في الجواهر و الثاني قد قواه في كشف اللثام و حكاه عن محتمل إطلاق المبسوط و المصباح و مختصره و اختاره النّراقي في المستند و تبعهم بعض الاعلام- قده- في شرح العروة.

و يدل على الأوّل الروايات المتقدمة الواردة في التوقيت الظاهرة في شرطية الميقات في صحة الإحرام و مقتضاها البطلان مع فقدان الشرط و في بعضها التصريح بأنه لا ينبغي ان يحرم قبلها و لا بعدها و قد خرج عن إطلاق هذه الأدلة الجاهل و الناسي حيث لا يكون التأخير فيهما موجبا للبطلان اتفاقا و امّا العالم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 110

..........

______________________________

العامد فهو باق تحت الإطلاق و ان لم يمكن له العود و لم يكن امامه ميقات آخر.

و استدلّ للثاني يكون المقام نظير ما إذا أراق ماء الوضوء المنحصر اختيارا أو ترك الوضوء الى ان ضاق الوقت فإنه يتيمم و تصح صلوته و ان أثم بترك الوضوء متعمّدا.

و بصحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم فقال يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم فإن خشي ان يفوته الحج فليحرم من مكانه فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج. «1»

و أجاب عن الأوّل السيد- قده- في العروة بان البدلية في المقام لم تثبت بخلاف مسألة التيمم و المفروض انه ترك ما وجب عليه متعمّدا.

و عن الصحيحة صاحب الجواهر بما هذه عبارته: «و إطلاق صحيح الحلبي غير معلوم الشمول له كما اعترف به بعضهم، و دعوى تنزيل إطلاق دليل الشرطية على غير صورة التعذر ليس بأولى من تنزيل إطلاق صحيح الحلبي على غير الفرض بل هو اولى من

وجوه» و ذكر سيد المستمسك- قده- ان مراده من الوجوه شهرة تلك الروايات و كثرتها و شهرة الفتوى بها و الحمل على الصحة فإن حمل الترك على الأعم من العمد خلاف حمل فعل المسلم على الصحة.

و لكنه ذكر نفسه ان الصحيح من قبيل الخاص بالنسبة إلى دليل التوقيت و الخاص مقدم على العام و لأجل ذلك لا مجال للرجوع الى المرجحات المذكورة لو كانت في نفسها من المرجحات قال: نعم الحمل على الصحة ربما يقتضي انصراف الصحيح عن العامد لكنه بدوي لا يعتدّ به و استقرب بعده ان البناء على

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الرّابع عشر ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 111

..........

______________________________

إلحاق العامد بغيره أقرب الى العمل بالأدلة.

و أورد عليه بعض الاعلام- قده- بان الحمل على الصحة انما يكون مورده ما إذا صدر فعل من المسلم و شك في كونه صحيحا أو فاسدا و امّا حمل السؤال عن فعل من الافعال على الصحة فلا معنى له فإنه يمكن السؤال عن الحرام اليقيني كالسؤال عن الرجل إذا زنى مثلا.

و الحقّ ان يقال ان شمول السؤال في الصحيحة للترك عن علم و عمد محلّ نظر بل منع لا لعدم ظهور ترك الإحرام في الترك عن غيرهما لانه يمكن ان يمنع ذلك بل يقال بالظهور في الترك العمدي كما قال به بعض الاعلام- قده- بل لأنّ الترك إذا أخذ مغيّى بغاية مثل ما في السؤال الذي يكون الترك مغيّى بدخول الحرم فاللازم ان يقال بمدخلية الغاية في زوال علة الترك و ارتفاعها و لا مجال لجعل الترك العمدي مغيى بغاية مثل دخول الحرم نعم يلائم ذلك مع الترك الناشئ عن

الجهل أو النسيان الذين ارتفعا بدخول الحرم و دعوى كون الغاية في صورة العلم هي الندامة و العزم على الموافقة مدفوعة بوضوح كون الغاية لا بد و ان يكون له دخل في الحكم و مرتبطا به و من الواضح ان مثل الندامة لا ارتباط له بالحكم أصلا بخلاف زوال النسيان و ارتفاع الجهل و عليه فالظاهر عدم شمول السؤال في الصحيحة لما نحن فيه الذي هي صورة العلم و العمد.

ثمّ: انه لو فرض شمول السؤال في الصحيحة لصورة العلم و العمد فدلالتها على الصحة في هذه الصورة انّما هي بالإطلاق كدلالة أدلة التوقيت على البطلان فيها و في مثله ممّا إذا كان لكل من دليلي المطلق و المقيد إطلاق و كان مورد مشكوكا و انه هل الحكم فيه ما هو مقتضى الدليل المطلق أو ما هو مفاد دليل التقييد لا بد من ملاحظة الأظهر منهما بالإضافة إلى الشمول لذلك المورد و لا مجال لترجيح دليل التقييد بعد كون دلالته أيضا بالإطلاق، و لا ينبغي الريب في ان شمول روايات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 112

..........

______________________________

التوقيت للعالم العامد و لو لم يتمكن من العود الى الميقات أظهر من شمول الصحيحة له و عليه فالظاهر لزوم الأخذ بمقتضى تلك الروايات بالإضافة إلى المورد المشكوك.

و الذي يحسم مادّة الاشكال ان صاحب الوسائل نقل في هذا الباب رواية أخرى عن الحلبي تتحد مع هذه الرواية في رواية ابن أبي عمير عن حماد و هو عن الحلبي و في المتن أيضا مع اختلاف يسير و قد وقع في سؤاله التصريح بالنسيان مكان الترك قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل نسي أن

يحرم حتى دخل الحرم، قال: قال أبي يخرج الى ميقات أهل أرضه فإن خشي ان يفوته الحج أحرم من مكانه فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم. «1»

و مع هذه الرواية التي لا ينبغي الإشكال في اتحادها مع الاولى لا يبقى مجال لدلالة الصحيحة على الصحة في المقام كما هو ظاهر.

المقام الثاني: انه بعد البناء على بطلان الإحرام و الحج مع العلم و العمد يجب عليه الإتيان بالحج في السنة اللاحقة إذا كان مستطيعا في هذه السنّة و تعبير المتن اولى من التعبير بالقضاء كما في أكثر العبارات فان الحج و ان كان واجبا على المستطيع فورا ففورا الّا انّ الفوريّة لا ترجع الى التوقيت و القضاء من شئون الواجب الموقت و قد مرّ توضيح ذلك في بعض المباحث السابقة و كيف كان فلا شبهة في وجوب الإتيان به في العام القابل مع الاستطاعة.

و امّا مع عدم الاستطاعة فالمشهور عدم وجوب القضاء خلافا للشهيد الثاني

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 113

..........

______________________________

قال في محكيّ المسالك: «و حيث يتعذّر رجوعه مع التعمّد يبطل نسكه و يجب عليه قضائه و ان لم يكن مستطيعا للنسك بل كان وجوبه بسبب ارادة دخول الحرم فان ذلك موجب للإحرام فإذا لم يأت به وجب قضائه كالمنذور نعم لو رجع بعد تجاوز الميقات و لما يدخل الحرم فلا قضاء عليه و ان أثم بتأخير الإحرام و ادّعى العلامة في التذكرة الإجماع عليه».

و يرد عليه أوّلا: ما عرفت مفصّلا من انه ليس فيما يرتبط بالميقات حكم تكليفي وجوبي متعلق بالإحرام لمن يريد الدخول في الحرم بل الحكم

الثابت هو الحكم التحريمي المتعلق بالتجاوز عن الميقات من غير إحرام و عليه فالإحرام رافع لموضوع الحكم و موجب لعدم تحققه و من الواضح انه مع مخالفة هذا الحكم و التجاوز عن الميقات من غير إحرام مع العلم و العمد لا مجال للقضاء فان موضوعه هو الحكم الوجوبي و لا يتصور في مثل المقام.

و ثانيا: انه على تقدير كون الواجب هو الإحرام من الميقات و لكنّه لا دليل على ثبوت القضاء و وجوبه في جميع موارد فوت الواجب بل القضاء في موارد ثبوته انّما هو بأمر جديد كالصلاة و الصوم و غيرهما.

و ثالثا: انه على تقدير وجوب القضاء فلا دليل على وجوب قضاء خصوص الحج لان الواجب عند الميقات هو الإحرام لا لخصوص الحج بل للأعم منه و من العمرة و لو فرض كون مورد كلام المسالك هو الإحرام للحجّ بعد التجاوز عن الميقات كما حمله عليه صاحب الجواهر من دون ان يكون له شاهد عليه فلا دليل على وجوب قضاء الحج لعدم وجوبه بالخصوص بسبب المرور على الميقات.

كما انه يرد على ذيل كلامه الوارد فيمن رجع بعد تجاوز الميقات و لم يدخل الحرم من ثبوت الإثم بتأخير الإحرام ان الرجوع كذلك يكشف عن عدم الوجوب من الأوّل فكما انه لا قضاء عليه لا يكون هناك اثم لاختصاص الوجوب بمن يريد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 114

..........

______________________________

دخول الحرم و دخل نعم يتحقق التجري و يترتب عليه حكمه. و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لا مجال لوجوب القضاء مع عدم الاستطاعة في هذه السنة.

ثمّ انّ هنا رواية يمكن ان يستفاد منها البطلان في المقام الأوّل و هي ما

رواه الحميري في قرب الاسناد عن عبد اللّٰه بن الحسن عن على بن جعفر عن أخيه- عليه السلام- قال سألته عن رجل ترك الإحرام حتى انتهى الى الحرم فأحرم قبل ان يدخله قال ان كان فعل ذلك جاهلا فليبن مكانه ليقضى (فليبين مكانه و ليقض) فان ذلك يجزيه ان شاء اللّٰه و ان رجع الى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فإنه أفضل. «1»

فإنّ مفهوم الجملة الاولى عدم الاجزاء مع عدم الجهل فان الحكم في المنطوق هو الاجزاء و قوله: فليبن .. و ان كان معنى مفرداته غير معلوم و لا فرق بين النسختين في ذلك كما انه ربما احتمل ان يكون فليلبي مكان فليبن و لكنه على جميع التقادير يدل على ان الإحرام قبل دخول الحرم مع تحقق الترك في الميقات يكون صحيحا و مجزيا في صورة الجهل و مفهومه العدم مع عدمه.

ثم انّ التعرض لحكم صورة الجهل بنحو المنطوق مع كون السؤال عن مطلق الترك يؤيد ما ذكرناه في صحيحة الحلبي من وجه و ينفيه من وجه آخر امّا الجهة النافية فلأجل دلالته على عدم اختصاص الترك المغيى بغير صورة العلم و امّا الجهة المؤيّدة فكون صورة الجهل هو القدر المتيقن من هذا التعبير فتدبّر.

هذا و لكن حيث ان الرواية ضعيفة سندا بعبد اللّٰه بن الحسن حفيد على بن

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 115

[مسألة 5- لو كان مريضا و لم يتمكن من نزع اللّباس و لبس الثوبين]

مسألة 5- لو كان مريضا و لم يتمكن من نزع اللّباس و لبس الثوبين يجزيه النيّة و التلبية فإذا زال العذر نزعه و لبسهما و لا يجب عليه العود الى الميقات (1).

______________________________

جعفر و دلالة

لاشتمال ذيلها على عدم لزوم الرجوع الى الميقات مع التمكن منه غايته انه أفضل مع ان الظاهر اللزوم في مورد الجاهل و الناسي أيضا كما سيأتي فلا مجال للاعتماد عليها بوجه.

(1) المفروض في هذه المسألة ما إذا كان المريض قادرا على إنشاء أصل الإحرام في الميقات بالنية و التّلبية و لكنه لم يتمكن من نزع اللباس و لبس ثوبي الإحرام و عليه فالظاهر ان المراد من قوله في المتن: يجزيه التلبية و الإحرام هو لزوم الإتيان بهما لا مجرد الاكتفاء كما ان الظاهر هو وجوب لبسهما بعد زوال العذر و انتفاء المرض و عدم لزوم العود الى الميقات و الأصل في هذه المسألة ما حكى عن الشيخ- قده- في النّهاية حيث قال: من عرض له مانع من الإحرام جاز له ان يؤخره عن الميقات فإذا زال المانع أحرم من الموضع الذي انتهى اليه.

و عن ابن إدريس ان مقصوده تأخير كيفية الإحرام الظاهرة من نزع الثياب و كشف الرأس و الارتداء و التوشيح و الائتزار فأمّا النيّة و التلبية مع القدرة عليهما فلا يجوز له ذلك إذ لا مانع له يمنع ذلك و لا ضرورة و لا تقيّة، و ان أراد و قصد شيخنا غير ذلك فهذا يكون قد ترك الإحرام متعمدا من موضعه فيؤدّي إلى إبطال حجّه بلا خلاف. و تبعه على ذلك العلّامة في كثير من كتبه.

أقول البحث في المسألة تارة يقع فيما هو مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الروايات الخاصّة و اخرى مع ملاحظتها فنقول: امّا من الجهة الأولى: فالظاهر ان مقتضى القاعدة هو ما أفاده في المتن من لزوم الإتيان بالنية و التلبية اللتين يتركب منهما الإحرام و يتقوم بهما كما

سيأتي البحث فيه عن قريب إن شاء اللّٰه تعالى و امّا لبس الثوبين فهو من واجبات الإحرام و غير دخيل في حقيقته فإذا لم يتمكن منه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 116

..........

______________________________

لأجل المرض يرتفع وجوبه و مع زواله يجب اللبس إذا قلنا بلزوم لبسهما بقاء أيضا كالحدوث و عليه فلا مجال للزوم العود الى الميقات بعد تحقق الإحرام منه صحيحا كما هو ظاهر.

و امّا من الجهة الثانية: فمن الروايات:

مرسلة أبي شعيب المحاملي عن بعض أصحابنا عن أحدهما- ع- قال: إذا خاف الرجل على نفسه أخّر إحرامه إلى الحرم. «1»

و ظاهرها تأخير نفس الإحرام و مجموعه عند خوف الرجل على نفسه الشامل للخوف الناشئ عن المرض و الناشئ عن التقية كما لا يخفى و لكنّها باعتبار الإرسال لا تكون معتبرة بوجه.

و منها: صحيحة صفوان بن يحيى المتقدمة في بعض المسائل السابقة المشتملة على كتابته- ع- في الجواب: ان رسول اللّٰه- ص- وقّت المواقيت لأهلها و من اتى عليها من غير أهلها، و فيها رخصة لمن كانت به علة فلا تجاوز الميقات الّا من علّة. «2»

و هذه ظاهرة في الترخيص في ترك أصل الإحرام لمن كانت به علة و مرض و لا مجال لاحتمال كون الترخيص مربوطا بعدم لبس ثوبي الإحرام بعد ان كانت الرواية مسوقة سؤالا و جوابا لبيان أصل الإحرام و إنشائه و احداثه فظهورها في جواز الترك بسبب مجرد العلة و المرض لا ينبغي ان ينكر و دعوى ان المراد بالعلة هي العلة المانعة عن إنشاء الإحرام و إيجاد أصله يدفعها وضوح خلافها و ظهور فسادها خصوصا مع ملاحظة كون العلة الكذائية قليلة التحقق و العروض.

______________________________

(1) وسائل أبواب

المواقيت الباب السادس عشر ح- 3.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الخامس عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 117

..........

______________________________

و ما عن الرياض من طرح الرواية لعدم تصريحها بخلاف القاعدة التي عرفت مقتضاها مدفوع بأنه لا يتوقف الحكم بخلافها على وجود ما يكون صريحا فيه بعد حجيّة الظهور و أصالته كما هو ظاهر ثم ان الحكم بجواز التجاوز عن الميقات مع وجود العلّة و ان كان حكما تكليفيا في مقابل الحرمة الذاتية كما عرفت البحث فيه مفصّلا لكن لازمة نفى اشتراط الإحرام من الميقات في صحته أيضا فلا يتوهّم ان كلامنا في الحكم الوضعي و الرواية ناظرة إلى الحكم التكليفي فتدبّر جيّدا.

و منها: الروايتان المتقدمتان في مسألة تأخير الإحرام إلى الجحفة و التجاوز عن مسجد الشجرة بدون إحرام في مورد الصادق- ع- المشتملتان على التعليل بأن التأخير كان مستندا إلى انه- ع- كان عليلا و انه رخص رسول اللّٰه- ص- التأخير بالنسبة اليه «1».

و من المعلوم ان علّته- ع- لم تكن مانعة عن إنشاء أصل الإحرام و النية و التلبية بل كانت مانعة عن لبس ثوبي الإحرام و كشف الرأس و أمثالهما فلو كانت النيّة و التلبية اللتان هما أساس الإحرام لازمتين في هذه الصورة من مسجد الشجرة لكان اللازم على الامام- ع- التعليل بذلك و انه قد كان أحرم من مسجد الشجرة غاية الأمر انه لم يشتمل إحرامه على الكيفية الظاهرة المذكورة في كلام ابن إدريس لا التعليل بترك الإحرام و انه كان مرخّصا فيه.

و دعوى ان مورد الروايتين ما إذا كان في الطريق ميقاتان فلا يشمل ما إذا كان هناك ميقات واحد ليس امامه ميقات آخر مدفوعة بأن

الظاهر انه لا مدخلية لهذه الخصوصية في هذا الحكم و يدل عليه اشتراكهما مع الرواية المتقدمة في

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب السادس ح- 5- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 118

[مسألة 6- لو كان له عذر عن إنشاء أصل الإحرام في الميقات لمرض أو إغماء]

مسألة 6- لو كان له عذر عن إنشاء أصل الإحرام في الميقات لمرض أو إغماء و نحو ذلك فتجاوز عنه ثم زال وجب عليه العود الى الميقات مع التمكن منه و الّا أحرم من مكانه، و الأحوط العود الى نحو الميقات بمقدار الإمكان و ان كان الأقوى عدم وجوبه نعم لو كان في الحرم خرج الى خارجه مع الإمكان و مع عدمه يحرم من مكانه و الأولى الأحوط الرجوع الى نحو خارج الحرم بمقدار الإمكان.

و كذا الحال لو كان تركه لنسيان أو جهل بالحكم أو الموضوع، و كذا الحال لو كان غير قاصد للنسك و لا لدخول مكة فجاوز الميقات ثم بدا له ذلك فإنه يرجع الى الميقات بالتفصيل المتقدم.

______________________________

التعبير بعنوان «العلة» و استثنائها مع شمول الرواية المتقدمة لجميع المواقيت.

و كيف كان لا تنبغي المناقشة في ان مقتضى الروايات الواردة في المسألة عدم لزوم إنشاء الإحرام بالنية و التلبية أيضا للمريض غير المتمكن من نزع اللباس و لبس الثوبين كما ان ظاهرها عدم لزوم العود الى الميقات و لو مع التمكن منه فإنّه و ان لم يقع فيها تعرض لموقع الإحرام إذا زالت العلة و ارتفعت لكن المنساق منها هو الإحرام بمجرد زوال العلّة من دون لزوم العود الى الميقات و من دون جواز التأخير عن وقت الزوال و يؤيده ما ورد في الناسي و الجاهل من الإحرام حال ارتفاع العنوانين و ان كان يفترق المقام عنهما في

لزوم العود الى الميقات فيهما مع الإمكان و عدمه هنا.

و دعوى انه لا ملاءمة بين المرض و بين ترك النية و التلبية بعد انه لا مئونة فيهما و لا عسر و لا حرج بالإضافة إليهما مدفوعة بأنّه ليس البحث و النظر مقصورا عليهما بل لا بد من ملاحظة ما يترتب على الإحرام من لزوم الاجتناب عن محرماته الكثيرة التي تزيد على عشرين و رعاية ذلك موجبة للمشقة و العسر بالإضافة إلى المريض و عليه فالاعتبار أيضا يساعد ما تفيده الروايات فلا محيص عن الأخذ بمقتضى الروايات و ان كانت المسألة غير منقحة في كثير من الكتب الفقهيّة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 119

و لو نسي الإحرام و لم يتذكر الى آخر اعمال العمرة و لم يتمكن من الجبران فالأحوط بطلان عمرته و ان كانت الصحة غير بعيدة و لو لم يتذكر الى أخر أعمال الحج صحت عمرته و حجّه (1).

______________________________

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لفروع متعددة:

الأوّل: ما لو كان له عذر عن أصل إنشاء الإحرام في الميقات بمعنى عدم التمكن من النية و التلبية أيضا لمرض أو إغماء أو نحو ذلك قال في الشرائع انه لو أخره عن الميقات لمانع ثم زال المانع عاد الى الميقات فان تعذر جدّد الإحرام حيث زال. و قال في القواعد: و لا يجوز تأخيره عنها الّا لعذر فيجب الرجوع مع المكنة و لا معها يحرم حيث زال المانع. و في الجواهر: ذكر ذلك غير واحد مرسلين له إرسال المسلّمات.

و الظاهر ان مورد كلام الفاضلين صورة إمكان الإحرام بالنية و التلبية دون صورة عدم الإمكان و يدل عليه ما ذكره في القواعد أيضا

من انّه لو لم يتمكن من نية الإحرام لمرض و غيره أحرم عنه وليّه و جنّبه ما يتجنّبه المحرم.

و كيف كان فيدل على جواز التجاوز عن الميقات من غير إحرام في هذه الصورة استثناء صورة العلّة من الحكم بعدم جواز التجاوز عن الميقات و غيره مما تقدم في المسألة السّابقة بل الفرد الظاهر من العلة المجوزة مثل الإغماء و ما يشابهه من المرض.

لكن الظاهر ان الحكم المذكور لا يكاد يشمل مثل المغمى عليه ممن لا يصلح لتوجه الخطاب اليه فضلا عن تنجز التكليف بالإضافة إليه فلا مجال لان يقال انّ العلّة مجوزة لتجاوزه و عليه فاللازم البحث في ان الحكم بحرمة التجاوز هل يشمل وليّ المغمى عليه أو غيره ممن أتاه إلى الميقات لعدم كونه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 120

..........

______________________________

قادرا على إتيان الميقات و عدم كونه شاعرا بذلك أصلا أو لا يشمله فلا يجب الإحرام به و لا الإحرام عنه بخلاف المفروض في المسألة الخامسة و هو المريض القادر على النية و التلبية غير المتمكن من نزع اللباس و لبس ثوبي الإحرام.

و قد عرفت ان كلام المحقق في الشرائع لا يشمل هذا الفرض نعم حكى عنه انه قال في المعتبر: و من منعه مانع عند الميقات فان كان عقله ثابتا عقد الإحرام بقلبه و لو زال عقله بإغماء و شبهه سقط عنه الحج و لو أحرم عنه رجل جاز و لو أخّر و زال المانع عاد الى الميقات ان تمكن و الا أحرم من موضعه.

و الظاهر ان ذيل كلامه ناظر الى الفرض الأول و هو ما كان عقله ثابتا.

و قد استدل لجواز إحرام رجل عنه بمرسلة جميل الآتية

ثم قال: و الذي يقتضيه الأصل ان إحرام الوليّ جائز لكن لا يجزي عن حجة الإسلام لسقوط الفرض بزوال عقله نعم إذا زال العارض قبل الوقوف أجزأه.

و مقتضاه انه مع قطع النظر عن المرسلة يكون مقتضى الأصل أي القاعدة جواز إحرام الوليّ عنه لكن لا يكون مجزيا في إحدى الصورتين و عليه فاللازم التكلم في المرسلة أولا و في مقتضى القاعدة ثانيا فنقول:

امّا الأوّل: فقد روي الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما- ع- في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلّها و طاف و سعى قال تجزيه نيّته إذا كان قد نوى ذلك فقد تمّ حجّه و ان لم يهلّ، و قال في مريض أغمي عليه حتى اتى الوقت فقال يحرم عنه «1».

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 121

..........

______________________________

و رواه في الوسائل في أبواب المواقيت عن الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما- عليهما السلام- في مريض أغمي عليه فلم يعقل حتى اتى الوقت فقال يحرم عنه رجل «1».

و رواه في أبواب الإحرام عنه بالسند المذكور لكن ذكر مكان الوقت «الموقف» و ذكر الوقت بعنوان النسخة «2» كما انه حكاها في الجواهر و الحدائق مع ذكر الموقف فقط و في الوافي ذكر الوقت كذلك.

و عليه فربما يقال انه حيث تكون الرواية مرددة بين الموقف و بين الوقت و على التقدير الأوّل لا يرتبط بالمقام فتسقط عن صلاحية الاستدلال و لو مع قطع النظر عن الضعف و الإرسال.

هذا

و الظاهر حصول الطمأنينة للنفس بكون الثابت في الرواية هو عنوان الوقت لكونها مروية (هكذا) في الكافي الذي هو أضبط من التهذيب في نقل الرواية مع ان المنقول عن التهذيب في الوسائل في أبواب المواقيت و في الوافي الذي كان صاحبه دقيقا في ضبط الرواية هو الوقت فقط.

ثم انه لا يبعد ان يقال بأنه على تقدير كون الثابت هو عنوان الموقف يكون المراد به هو الميقات لانه موقف الإحرام و نزع اللباس و يشعر بذلك كلام صاحب الجواهر حيث انه مع نقل الرواية بهذا العنوان لا دلالة في كلامه على عدم ارتباطها بالمقام.

و امّا قوله- ع- يحرم عنه أو يحرم عنه رجل فقد ذكر السيد- قده- في العروة أن المستدل بهذه الرواية قال بلزوم نيابة الغير عن المغمى عليه ثم

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب العشرون ح- 4.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الخمسون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 122

..........

______________________________

استظهر خلافه و انه لا دلالة لها على النيابة بل مفادها انه يحرمه رجل و يجنّبه عن محرّمات الإحرام.

هذا و لكن ظاهر العبارة المتقدمة عن القواعد و الذي حكاه في كشف اللثام عن الأحمدي و النهاية و المبسوط و المهذب و الجامع و المحكي عن الدروس هو إحرام الرجل بالمغمي عليه و ان وقع التعبير بكلمة «عن» الّا ان تعقيبها بان يجنّبه ما يتجنّبه المحرم ظاهر في ذلك نعم ظاهر كلام المعتبر المتقدم هي النيابة عنه في الإحرام هذا و لكن حيث ان الرواية مرسلة لا تصلح للاعتماد عليها و ان كان ظاهر الجماعة المتقدمة ذلك بل ظاهر المدارك العمل به و في مرآة العقول للمجلسي- في شرح

الحديث- انه مرسل كالحسن و لكن مع ذلك كلّه لا اعتبار لها و يمكن ان يكون مستند الجماعة خصوصا مثل صاحب المدارك الأصل و القاعدة كما عرفت في كلام المحقّق في المعتبر.

و امّا الثاني: فالظاهر انه لم ينهض دليل على لزوم النيابة عن المغمى عليه في الإحرام بل لا يكون الإحرام بمجرّده قابلا للنيابة و ليس كالطواف الذي يقبلها كما انه لم ينهض على لزوم الإحرام به نعم ثبت الإحرام بالغير في مورد الصبي على ما عرفت البحث فيه سابقا بل لا دليل على المشروعية و الصحة و ان لم يكن لازما نعم ورد في بعض الروايات الإحرام بالمرأة المريضة التي لا تعقل لكن موردها المجنونة التي تكون مجنونة إلى آخر الاعمال و لا تشمل المغمى عليه و ان توهم بعض الشمول لكنه في غير محلّه و عليه إذا زال الإغماء و نحوه يجب عليه العود الى الميقات مع التمكن منه لتوقف الواجب عليه و إمكان الإحرام من الميقات و مع عدم التمكن من العود اليه لا دليل على جواز الإحرام من مكانه و لا دليل على إلغاء الخصوصية مما ورد في الناسي و الجاهل من الدليل الدال على انهما مع عدم التمكن من العود الى الميقات يحرمان من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 123

..........

______________________________

موضعهما كما سيأتي بل الظاهر انه في هذه الصورة لا يتمكن من الحج و لا يكون مستطيعا في هذه السنة و اللازم ملاحظة الاستطاعة بالإضافة إلى السنة الآتية و على ما ذكرنا لا يبقى للأحكام الأخرى المذكورة في المتن للمغمى عليه و نحوه مجال أصلا.

الفرع الثاني: ما إذا كان ترك الإحرام في الميقات لأجل النسيان

أو الجهل و قد ورد فيهما روايات امّا ما ورد في خصوص النسيان فروايتان:

إحديهما: صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم قال: قال أبي: يخرج الى ميقات أهل أرضه فإن خشي ان يفوته الحج أحرم من مكانه، فان استطماع ان يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم «1».

ثانيتهما: صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السلام- قال سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله؟ قال يقول اللهم على كتابك و سنّة نبيّك، فقد تمّ إحرامه فإن جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده ان كان قضي مناسكه كلّها فقد تمّ حجّه «2».

و امّا ما ورد في خصوص الجاهل فهي صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا: ما ندري أ عليك إحرام أم لا و أنت حائض فتركوها حتى دخلت

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 124

..........

______________________________

الحرم فقال- ع- ان كان عليها مهلة فترجع الى الوقت فلتحرم منه، فان لم يكن عليها وقت «مهلة» فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها. «1» و فيما رواه الشيخ: بقدر ما لا يفوتها الحج فتحرم.

و مقتضاها لزوم الرجوع الى الميقات مع الإمكان و المهلّة و مع عدمه لزوم الرجوع الى ما قدرت عليه نحو الميقات مع رعاية عدم فوت الحجّ.

لكن في مقابلها روايات ثلاثة:

إحداها: ما رواه الحميري

في قرب الاسناد عن عبد اللّٰه بن الحسن عن على بن جعفر عن أخيه- عليه السلام- قال سألته عن رجل ترك الإحرام حتّى انتهى الى الحرم فأحرم قبل ان يدخله قال: ان كان فعل ذلك جاهلا فليبن مكانه ليقضي (فليبين مكانه و ليقض) فان ذلك يجزيه ان شاء اللّٰه، و ان رجع الى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فإنه أفضل. «2» و هي تدل على عدم لزوم العود الى الميقات و لو مع التمكن منه و لكنها ضعيفة بعبد اللّٰه بن الحسن.

ثانيتها: رواية سورة بن كليب قال: قلت لأبي جعفر- عليه السلام- خرجت معنا امرأة من أهلنا فجهلت الإحرام فلم تحرم حتى دخلنا مكّة و نسينا أن نأمرها بذلك قال: فمروها فلتحرم من مكانها من مكة أو من المسجد «3». و لم يقع التصريح بوثاقة سورة بل روي الكشي عن نفسه انه سئل رجل عن الدليل لامامة الصادق- ع- فبيّن له و إطلاقها يشمل صورة التمكن من العود الى الميقات و لكنّه محمول على صورة عدم التمكن خصوصا في تلك الأزمنة سيّما بالإضافة إلى مرية واحدة.

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 4.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 10.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 125

..........

______________________________

ثالثتها: رواية أبي الصباح الكناني قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل جهل ان يحرم حتى دخل الحرم كيف يصنع؟ قال: يخرج من الحرم ثمّ يهلّ بالحجّ. «1» و إطلاقها أيضا محمول على صورة عدم التمكن كما انّ مثلها يصلح لتقييد إطلاق ما يدل على جواز الإحرام من الحرم و ان استطاع

ان يخرج من الحرم و يوجب اختصاصه بصورة عدم الاستطاعة. و امّا ما ورد في الناسي و الجاهل معا فصحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل مرّ على الوقت الذي يحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم يحرم حتى اتى مكّة فخاف ان رجع الى الوقت ان يفوته الحج فقال: يخرج من الحرم و يحرم و يجزيه ذلك. «2»

و ربما يقال بدلالة صحيحة أخرى للحلبي على حكم الناسي و الجاهل بل العامد أيضا قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم فقال: يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم فإن خشي ان يفوته الحج فليحرم من مكانه فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج. «3»

و لكنك عرفت اتحادها مع صحيحته الاولى و عدم كونهما روايتين و عليه فلم يعلم كون مورد السؤال هو خصوص الناسي أو مطلق التارك فلا تكون الرواية حجة فيما عدا الناسي مع انك عرفت أيضا ان الترك المغيّى بغاية مثل دخول الحرم لا يشمل ما تحقق عن عمد. هذه هي مجموع الروايات الواردة في هذا الفرع و المستفاد ممّا اعتبر منها بعد تقييد المطلق منها انه لا شبهة في لزوم العود الى الميقات مع التمكن و ان دخل الحرم كما هو مقتضى إطلاق أدلة المواقيت أيضا كما أنه

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 3.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 2.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 126

..........

______________________________

لا شبهة في صحة الإحرام من الحرم بل من مكة بل من المسجد

إذا لم يستطع ان يخرج من الحرم الى خارجه و امّا الرجوع نحو الميقات بالمقدار الممكن مع عدم التمكن من العود الى نفسه فقد دل على لزومه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الواردة في الحائض الجاهلة الداخلة في الحرم و قد ذكر بعض الاعلام- قدّس سرّه- ان التعدي عنها الى غيرها من ذوي الاعذار و الناسي و الجاهل قياس لا نقول به فيختص بالطامث الجاهلة.

مع ان الظاهر بمقتضى إلغاء الخصوصية عدم كونه قياسا بل يمكن دعوى الأولوية فإن المرأة سيما إذا كان جهلها مستندا الى الحيض و الطمث إذا وجب عليها الرجوع نحو الميقات و الابتعاد عن الحرم بالمقدار الممكن فغيرها بطريق اولى و عليه فدعوى اختصاصها بالحائض الجاهلة مشكلة جدّا.

و لكن أشدّ إشكالا منها التصرف في المطلقات الواردة في خصوص الناسي أو الناسي و الجاهل معا الظاهرة في انه ان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج فان حملها على خصوص من يكون قادرا على الخروج من الحرم فقط و لا يكون قادرا في خارج الحرم على العود الى جانب الميقات و لو بمقدار قليل في كمال البعد لاقتضائه الحمل على الفرد النادر جدّا لندرة الفرض المزبور و حمل المطلق على المقيد لم يقم عليه دليل مطلقا بل الملاك هي الأقووية في الظهور و من الظّاهر ان التصرف في هذه المطلقات و تقييدها بالصّورة المزبورة ليس بأولى من جعل المطلقات قرينة على التصرف في الصحيحة المزبورة و حملها على الاستحباب حتى بالإضافة إلى موردها و هو الحائض الجاهلة و لعلّ هذا هو الوجه لما يستفاد من المتن من عدم وجوب العود الى جانب الميقات عند عدم التمكن من العود اليه كما يظهر من تشبيه الناسي

و الجاهل بمن كان له عذر عن إنشاء أصل الإحرام كالمغمى عليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 127

..........

______________________________

و بالجملة ملاحظة الروايات و الجمع بينها من هذه الجهة يمكن بأحد وجوه ثلاثة:

الوجه الأوّل: ما افاده بعض الاعلام- قده- من تخصيص الصحيحة بموردها و التفصيل بين الحائض الجاهلة و بين غيرها من الناسي و الجاهل بالحكم بوجوب الرجوع و العود الى جانب الميقات بالمقدار الممكن في الأول دون الثاني.

الوجه الثاني: جعل الصحيحة بعد إلغاء الخصوصية عن موردها مقيدة للإطلاقات الدالة على انه ان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج الظاهرة في الاكتفاء بمجرد الخروج و ان كان قادرا على العود الى جانب الميقات و حملها على خصوص غير القادر و لعلّ هذا هو المراد من الوجه الذي قال في المسالك: في وجوب العود الى ما أمكن من الطريق وجه، و ان استدل له بقاعدة الميسور أيضا لكنها ممنوعة جدّا لانه لم ينهض دليل على لزوم كون من مرّ على الميقات محرما في جميع المسافة من جهة المكان و الزمان بل الدليل انما دلّ على لزوم الإحرام من الميقات و توقف الخروج من الإحرام على الحج أو العمرة و من المعلوم ارتفاع اللزوم بسبب الجهل أو النسيان فلا مجال للتمسك بهذه القاعدة في المقام.

الوجه الثالث: جعل المطلقات بعد ظهورها في الإطلاق ظهورا قويّا بحيث يكون تقييدها بعيدا جدّا قرينة على التصرف في الصحيحة و حمل الأمر بالرجوع بالمقدار الممكن على الاستحباب كما عرفت انه مستند المتن ظاهرا و هذا الوجه أظهر الوجوه الثلاثة. ثمّ ان ظاهر ما ورد من الروايات في الجاهل و ان كان هو الجاهل بالحكم الّا ان الظاهر كما في

المتن عدم الاختصاص به بل الشمول للجاهل بالموضوع أيضا لعدم الفرق و الظاهر كما قيل كون الحكم إجماعيّا أيضا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 128

..........

______________________________

الفرع الثالث: ما لو جاوز الميقات من دون إحرام لأجل عدم كونه قاصدا للنسك من حج أو عمرة و عدم كونه قاصدا لدخول مكة و لا لدخول الحرم فبدا له ان يحج أو يعتمر أو يدخل أحدهما فإن تمكن من العود الى الميقات و الرجوع اليه و الإحرام منه فلا إشكال في لزوم الإحرام منه بمعنى اشتراطه في صحة عمله و توقفها على الإحرام من الميقات.

و ان لم يتمكن من الإحرام من الميقات ففي المتن جريان حكم الناسي و الجاهل بالنسبة إليه من الإحرام من خارج الحرم عند القدرة و الاستطاعة و من داخل الحرم عند عدم الاستطاعة و عدم القدرة على ان يخرج الى خارجه.

و ما استدلّ له أو يمكن الاستدلال به وجوه أربعة:

أحدها: الإجماع و يرد عليه مضافا الى انّ صاحب الجواهر- قد- نفى وجدان الخلاف في مساواة حكمه مع الناسي و لم ينقل الإجماع، انه على تقديره لا يكون الإجماع المنقول بحجة و على تقدير كونه محصّلا لا يكون مجديا بعد احتمال كون مستنده بعض الوجوه الآتية.

ثانيها: الأولوية القطعية و قد تمسك بها صاحب الجواهر و بعض شرّاح العروة نظرا الى ان المكلف بالحج إذا سقط عنه وجوب الإحرام من الميقات و جاز له الإحرام من غيره فثبوت هذا الحكم لمن لم يكن مأمورا بالحج من الأوّل واقعا لعدم المقتضي بطريق اولى.

و يرد عليه انه كما ان الحكم في الناسي و الجاهل مطلق شامل للنسك الواجب و المستحب لإطلاق الروايات الواردة في حكمهما

كذلك ما هو المفروض في المقام تارة كان يجب عليه الحج في هذا العام و لكنه لم يكن قاصدا للإتيان به

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 129

..........

______________________________

فيه و لم يكن مروره على الميقات بقصد الإتيان به لكنه بعد التجاوز عنه بدا له ذلك و قصد الإتيان بالواجب و اخرى لا يكون واجبا عليه لكنه بعد التجاوز بدا له ان يحج استحبابا كما انه يمكن تصوير صورة ثالثة و هي تحقق الاستطاعة له بعد التجاوز عن الميقات فأراد أن يحج لأجلها ففي الصورة الاولى لا مجال لدعوى الأولوية الظنية فضلا عن القطعية لأنّ معذورية الناسي و الجاهل العازمين على الإحرام على تقدير عدم النسيان و الجهل لا يستلزم معذورية العاصي المفروض و مروره على الميقات من دون إحرام و ان لم يكن محرّما بالحرمة التكليفية لعدم كونه قاصدا للحج و لا لدخول مكة أو الحرم الّا ان الكلام ليس في هذا الحكم بل في الحكم الوضعي الذي مرجعه إلى مدخلية الإحرام من الميقات في صحة حجّه و عمرته و قد قام الدليل الخاص في الجاهل و الناسي و لم يدل دليل عليه في المقام بل مقتضى الأدلة العامّة الواردة في المواقيت عدم الصّحة و عدم الاكتفاء بالإحرام من غيرها كما انه في الصورة الثانية التي بدا له ان يحج- مثلا- استحبابا لا مجال لدعوى الأولويّة لأن التسهيل الوارد بالإضافة إليهما بمقتضى الروايات الخاصة المتقدمة لا يستلزم التسهيل بالإضافة إلى غيرهما كما لا يخفى.

و امّا الصورة الثالثة فيمكن ان يقال فيها بعدم تحقق الاستطاعة بعد عدم إمكان الإحرام من الميقات و فرض مدخليته في صحة الحج و عدم دلالة ما ورد

في الناسي و الجاهل على حكم غيرهما و منع ثبوت الأولوية بعد عدم التكليف فتدبّر.

ثالثها: صدر صحيحة الحلبي المتقدمة المشتملة على السؤال عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم و يظهر الاستدلال به من صاحب الجواهر نظرا الى ان إطلاق الترك يشمل ما هو المفروض في المقام و هو من لم يكن مريدا للنسك و لا لدخول مكة أو الحرم.

و يرد عليه مضافا الى ما عرفت من اتحاد هذه الرواية مع صحيحته الأخرى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 130

..........

______________________________

المشتملة على السؤال عن خصوص الناسي و عليه فلم يعلم كون المذكور في السؤال هو عنوان الترك المطلق أو خصوص الترك الناشئ عن النسيان انه على تقدير كون مورد السؤال هو الترك لا يشمل المقام و ان قلنا بشموله للترك عن عمد على خلاف ما استظهرنا منه كما مرّ و ذلك لان الظاهر من السؤال و الجواب هو كون المفروض ما لو ترك الوظيفة الثابتة عليه المقررة له و في المقام لا تكون وظيفته حين العبور الإحرام فالرواية لا تشمله بوجه و ان قلنا بشمولها للعامد.

رابعها: ذيل صحيحة الحلبي المتقدمة و هو قوله- ع-: فإن خشي ان يفوته الحج فليحرم من مكانه و قد استدل به بعض الاعلام- قده- في شرح العروة نظرا إلى انه يستفاد منه جواز الإحرام من غير الميقات في كل مورد يخشى ان يفوت الحج منه قال: «و المفروض ان هذا الشخص قد وجب عليه الحج بالفعل و لا يجوز له التسويف و فرضنا انه لا يتمكن من الذهاب الى الميقات لضيق الوقت و غيره من الاعذار فيحرم من غير الميقات الى ان قال مورد السؤال و

ان كان لا يشمل المقام لكن تعليله بخشية فوت الحج شامل له فان المستفاد من التعليل ان المدار في جواز الإحرام من غير الميقات بخوف فوت الحج الواجب عنه».

و يرد عليه مضافا الى ما عرفت من عدم كون الكلام في خصوص الحج الواجب بل في الأعم منه و من الحج المستحب و الرواية مطلقة سؤالا و جوابا ان حمل الفقرة المذكورة على التعليل لا شاهد له بوجه فان المفروض فيها فوت الحج عن الناسي أو مطلق التارك غير الشامل للمقام على ما اعترف به- قده- فان تجويز الإحرام من غير الميقات بالإضافة إليه لئلّا يفوت منه الحج لا دلالة له على التجويز في غير مورده و ليس هذا بمنزلة التعليل الموجب لسراية الحكم بالإضافة الى غير مورده كما لا يخفى.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم يقم دليل على اتحاد حكم هذا الفرض

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 131

..........

______________________________

مع الناسي و الجاهل فاللازم بمقتضى القاعدة عدم صحة حجّه عند عدم التمكن من العود الى الميقات و الإحرام منه.

الفرع الرّابع: ما لو نسي الإحرام إلى آخر الاعمال و المناسك فتارة يكون ذلك في العمرة و اخرى يكون في الحج، و العمرة في الصورة الأولى قد تكون عمرة مفردة و اخرى تكون عمرة التمتّع و قد وقع عنوان هذا الفرع في المتن بخصوص الناسي و لكن الظاهر بقرينة ما سبق من التشريك بين الناسي و الجاهل في الحكم ثبوت التشريك هنا أيضا و ان الحكم لا يكون مختصّا بالناسي و كيف كان فالمشهور شهرة عظيمة كما في الجواهر بل في محكي الدروس نسبته إلى الأصحاب عدا الحلّي صحة عمله

و عدم وجوب القضاء اى تأدية ما كان يريد الإحرام له من حج أو عمرة ان كان واجبا و المحكي عن الحلّي صاحب السرائر وجوب القضاء في الصورة المذكورة قال فيها بعد ما نسب صحة الحج الى ما روي في أخبارنا:

«و الذي تقتضيه أصول المذهب انه لا تجزى و تجب عليه الإعادة لقوله- ص- إنما الأعمال بالنيّات و هذا عمل ب لا نية فلا يرجع عن الأدلّة بأخبار الآحاد و لم يوردها و لم يقل به أحد من أصحابنا سوى شيخنا أبي جعفر- قده- فالرجوع إلى الأدلة أولى من تقليد الرجال».

أقول: ما ورد من النصوص في هذا الفرع لا يتجاوز عن اثنين:

أحدهما: ما رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما- عليهما السلام- في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلّها و طاف و سعى، قال تجزيه نيّته إذا كان قد نوى ذلك فقد تمّ حجّه و ان لم يهلّ، و قال في مريض أغمي عليه حتّى اتى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 132

..........

______________________________

الوقت فقال يحرم عنه «1».

و الكلام في الرواية تارة من حيث السند و اخرى من جهة الدلالة:

امّا من الجهة الأولى فالظاهر انه لا يمكن انجبار ضعف السند بالإرسال من طريق كون جميل من أصحاب الإجماع لما مرّ غير مرة من انّ كون الرجل من أصحاب الإجماع عبارة أخرى عن كونه مجمعا على وثاقته و صحة روايته و لا يستلزم ذلك الصحة و ان كان المرويّ عنه مجهولا أو ضعيفا كما ان اعتبار مراسيل ابن أبي عمير على تقدير الشمول

للإرسال مع الواسطة لا دليل عليه أصلا فيبقى انحصار الانجبار من طريق ثبوت الشهرة الفتوائية و استناد المشهور إلى الرواية بناء على كونه جابرا كما هو مقتضى التحقيق و قد عرفت ان صاحب الجواهر ادّعى الشهرة العظيمة و صاحب الدروس نسبه الى الأصحاب عدا الحلّي لكن التعبير عن المشهور ب «قيل» كما في الشرائع ربما يوهن الشهرة كما ان ما عرفت من عبارة الحلّي ربما يؤيّد عدمها و لكن مع ذلك لا مجال لطرح الرواية بملاحظة الفتاوي.

و امّا من الجهة الثانية: فالرواية صريحة بالإضافة إلى صورتي الجهل و النسيان كما انه لا مجال للمناقشة في دلالتها بالإضافة إلى الحج إذا ترك الإحرام فيه جهلا أو نسيانا الى آخر الاعمال و انّه يجزيه و لا يجب عليه الإعادة نعم يأتي البحث بالنسبة إلى التقييد بقوله- ع- إذا كان قد نوى ذلك.

و امّا بالإضافة إلى العمرة المفردة فالظاهر عدم شمول الرواية لها لدلالتها على أجزاء الحج الواقع بدون إحرام كذلك و لا دلالة لها على أجزاء العمرة المفردة من دون فرق بين عمرة القران و الافراد و بين مطلق العمرة المفردة.

و امّا عمرة التمتع فتارة يتحقق نسيان الإحرام فيها الى آخر اعمالها و بعد الفراغ

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 133

..........

______________________________

عنها يرتفع النسيان و يستكشف انها وقعت بأجمعها بلا إحرام و اخرى يستمرّ و يدوم النسيان الى آخر اعمال الحج و في الصورة الأولى تارة يتمكن من إعادتها بالإحرام من الميقات أو مما أمكن و اخرى لا يتمكن منها لضيق الوقت و شبهه.

و الظاهر انه يمكن استفادة الصحة من الرواية في الصورة الثانية بل

يمكن دعوى الأولوية بالإضافة إلى الحجّ و الحكم بالصحة فيها أيضا و امّا الصورة الأولى فاستفادة الصحة منها فيها مشكلة فإن عمرة التمتع و ان كانت مرتبطة بالحج و هما معا عمل واحد مرتبط و لأجله ربما يطلق عليها الحج بلحاظ كونها من اجزائه الّا انه مع ذلك لا مجال لدعوى ظهور الرواية في صحتها أيضا و عليه فمع التمكن من الإعادة تجب عليه الإعادة و مع عدمه لا تبعد دعوى انقلاب وظيفته الى حجّ الافراد كما في مورد الحيض على ما تقدم البحث فيه مفصّلا.

و الظاهر ان المراد من عدم التمكن من الجبران في المتن هو الفرض الثاني من الصورة الأولى كما ان عنوان الجبران انما يكون مورده عمرة التمتع لأن العمرة المفردة قابلة للجبران دائما كما لا يخفى.

ثمّ انّ المنوي في قوله- ع- تجزيه نيّته إذا كان قد نوى ذلك .. هل هو الإحرام أو مجموع الحج بتمام أفعاله و مناسكه؟ الظاهر انه لا سبيل إلى الأوّل لأنه مضافا الى ان الجاهل المفروض في الرواية معطوف على الناسي لا يكاد يتحقق منه نيّة الإحرام لأنه لا يجتمع ذلك مع الجهل كما هو ظاهر لا يعقل تعلّق النيّة بالإحرام كما سيأتي تحقيقه في البحث عن حقيقة الإحرام فاللازم ان يكون المراد بالمنوي هو مجموع أفعال الحج، و الظاهر ان قوله- ع- إذا كان قد نوى ذلك لا دلالة له على مدخلية أمر زائد على قوله تجزيه نيّته و ان كان الظاهر من محكيّ نهاية الشيخ- قده- ذلك حيث قال: «فان لم يذكر أصلا حتى فرغ من جميع مناسكه فقد تمّ حجة و لا شي ء عليه إذا كان قد سبق في عزمه الإحرام» و يدل

على عدم اعتبار قيد زائد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 134

..........

______________________________

ما عرفت من عدم اجتماع ذلك مع الجهل.

ثانيهما: صحيحة على بن جعفر عن أخيه- عليهما السلام- قال سألته عن رجل كان متمتعا خرج الى عرفات و جهل ان يحرم يوم التروية بالحجّ حتى رجع الى بلده قال: إذا قضي المناسك كلّها فقد تم حجّه «1».

و ظهور الرواية في تمامية الحج و صحته في صورة وقوعه بتمامه بدون الإحرام و مع تركه عن جهل لا مناقشة فيه و الظاهر عدم الاختصاص بالجاهل بل الحكم جار في الناسي و لو لم نقل بصدق الجاهل عليه لاتحاد الملاك و المناط و الاشتراك بينهما في الرواية السّابقة و في جميع احكام ترك الإحرام من الميقات على ما تقدم تفصيله.

ثم انّ الحكم بصحة الحج مع وقوعه بدون الإحرام نسيانا أو جهلا لا يستلزم الحكم بصحة العمرة كذلك و لو كانت عمرة التمتع لا من طريق الأولوية و لا من أجل إلغاء الخصوصية و ذلك انّما هو لجهة موجودة في الحج مختصة به و هو تقيّده بوقت مخصوص دون العمرة و لو كانت عمرة التمتع، مع انّ التبدل فيها لأجل الضيق جار دون الحج فتدبر فلا يمكن استفادة حكم غير الحج من الصحيحة نعم الظاهر عدم الاختصاص بحج التمتع بل جريانه في قسيميه أيضا هذا تمام الكلام في أحكام المواقيت.

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب العشرون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 135

[القول في كيفية الإحرام]

اشارة

القول في كيفية الإحرام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 137

القول في كيفية الإحرام الواجبات وقت الإحرام ثلاثة:

[الأوّل: القصد]

اشارة

الأوّل: القصد لا بمعنى قصد الإحرام بل بمعنى قصد أحد النّسك فإذا قصد العمرة- مثلا- و لبّى صار محرما و يترتب عليه احكامه و امّا قصد الإحرام فلا يعقل ان يكون محقّقا لعنوانه، فلو لم يقصد أحد النسك لم يتحقّق إحرامه سواء كان عن عمد أو سهو أو جهل و يبطل نسكه أيضا إذا كان الترك عن عمد، و امّا مع السّهو و الجهل فلا يبطل و يجب عليه تجديد الإحرام من الميقات إن أمكن و الّا فمن حيث أمكن على التفصيل المتقدم (1).

______________________________

(1) أقول قد اختلفت الكلمات في المراد بالإحرام و معناه فعن ظاهر المبسوط و الجمل انه أمر واحد بسيط و هو النّية، و عن ابن إدريس انه عبارة عن النية و التلبية و لا مدخل للتجرد و لبس الثوبين فيه، و عن العلامة- قده- في المختلف انه ماهية مركبة من النية و التلبية و لبس الثوبين، و عن الشهيد انه قال: «و كنت قد ذكرت في رسالة انّ الإحرام هو توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة الى ان يأتي بالمناسك و التلبية هي الرابطة لذلك التوطين نسبتها إليه كنسبة التحريمة إلى الصلاة الى ان قال: فعلى هذا يتحقق نسيان الإحرام بنسيان النية و بنسيان التلبية» و ذيله شاهد على انّ مراده من التوطين ليس إلّا النّية فإن قوله يتحقق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 138

..........

______________________________

نسيان الإحرام بنسيان النية قرينة على انّ انّها المراد من التوطين و عليه فاحتمال كون مراده منه هو البناء النفساني

و الالتزام كذلك في غير محلّه و ان- كان المحكيّ عن الشيخ الأنصاري- قده- بل المنسوب الى المشهور ان المراد بالإحرام هو العزم على ترك المحرمات و توطين النفس عليه و لذا ذكروا انه لو بني على ارتكاب شي ء من المحرمات بطل إحرامه لعدم كونه قاصدا للإحرام كما في الصوم إذا لم يقصد الإمساك عن بعض ما يجب الإمساك عنه فإنه لا يتحقق الصوم بوجه.

و لكن يرد عليه ان لازم ذلك العلم بجميع محرمات الإحرام حتى يمكن ان يتحقق العزم على تركها و من الظاهر عدم توقف الصحّة على ذلك بل ربما يتحقق الإحرام من دون توجه إلى شي ء من محرّماته و لا مجال للحكم بالبطلان فيه أصلا مع ان مقتضاه بطلان الإحرام بارتكاب شي ء من محرّماته خصوصا إذا كان عن عمد كما في الصّوم الذي يبطل في مثل هذه الصّورة.

و التحقيق في هذا الباب ان يقال بوقوع الخلط في كثير من الكلمات بين ماهية الإحرام و حقيقته و بين ما يتحقق الإحرام و يتحصل به و يكون سببا موجبا لحصوله خصوصا مع ملاحظة ان الإحرام بعد تحققه بحصول سببه يبقى الى ان يأتي بالأعمال و المناسك و يخرج منه بمثل الحلق أو التقصير و هذا الأمر الباقي المستمر اليه من دون ان يكون له حالة ضعف و قوة و شدة و نقيصة لا يلائم ان يكون عبارة أخرى عن التلبية بل لا يلائم ان يكون عبارة عن نيّة الحج أو العمرة فإنّها و ان كانت باقية الى أخر الاعمال لكن بقائها انّما هو بحسب الارتكاز بمعنى انه لو سئل عن عمله و التفت اليه يقول بأنه مشتغل بالحج أو العمرة كما في باب الصلاة

مع ان الإحرام انما يكون باقيا حقيقة.

و على ما ذكرنا يظهر انّ الإحرام أمر و ما يتحقق به أمر آخر و لا محالة يكون ذلك الأمر أمرا اعتباريا وضعيا و يكون هو الموضوع للأحكام الكثيرة كما في مثل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 139

..........

______________________________

الزوجية التي هي أمر اعتباري كذلك و موضوع للأحكام المتعددة و يتحقق بسبب العقد المؤثر فيها و لقد أجاد بعض الأفاضل الذي حكى صاحب الجواهر- قده- حاصل كلامه و ان ذكر بعده انه لا حاصل معتدّ به له و لكن الحقّ ان كلامه مشتمل على التحقيق في هذا المجال و ان لم يكن بخال عن الإشكال في الجملة حيث قال: الإحرام هنا كالإحرام في الصلاة و من المعلوم ان معني الإحرام فيها الدخول فيها على وجه يحرم معه الكلام و الضحك و نحوهما مما هو مبطل للصّلاة، أو الدخول فيها على وجه يكون مصلّيا و ان لزمه الأوّل كما ان الأوّل يستلزم الثاني و على كل حال يتحقق ذلك بتكبيرة الإحرام بل سميت بذلك لذلك و ان لم تكن هي السبب في الإحرام بل التكبيرة المقارنة للنية السبب فيه الّا انه لمّا كانت الجزء الأخير من العلة نسب إليها الإحرام و- ح- فالإحرام بالعمرة و الحج هو الدخول فيهما و صيرورة الشخص معتمرا أو حاجّا أو دخوله في حالة يحرم عليه معها ما يحرم على أحدهما ما لم يتحلّل و ذلك امّا هو إيقاع التلبية المقارنة لنيّة العمرة أو الحج و لو حكمية، أو غيره من النيّة الفعليّة لأحدهما الواقعة في الموضع المعين أو هي مع لبس الثوبين اى اللبس المقارن لها و امّا مجموع التلبية

و النية و اللبس فهو راجع الى الأوّل لأن المعلول ينسب الى الجزء الأخير من العلة انتهى ما أردنا نقله و الظاهر ان مراده من قوله امّا هو إيقاع التلبية إلخ هو السبب الموجب لتحقق الإحرام لا انه نفس التلبية فقط أو مع شي ء آخر و الّا لا يبقى وجه للتشبيه بالإحرام الصغير المتحقق في الصّلاة و لا للتعبير بأن الإحرام هو الدخول في الحج أو العمرة أو في الحالة المذكورة كما لا يخفى فلا مجال لا يراد صاحب الجواهر- قده- عليه بأنه جعل الإحرام عبارة عن نفس التلبية. فالمستفاد من كلامه ان الإحرام أمر مسبّبي يمكن تحققه من طريق السبّب و بعد تحققه يبقي الى ان يتحلّل و انّ النية بمعنى نيّة الحج أو العمرة دخيلة في السبب لا محالة غاية الأمر ان الكلام انما هو في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 140

..........

______________________________

كونها تمام السبب أو ان لها متممة لا يتحقق تمامية السبب بدونها و هي التلبية أو لبس الثوبين أو هما معا.

و هذا حقّ لا محيص عنه نعم بين المقام و بين الصلاة فرق يسير و هو ان ما هو الجزء في باب الصلاة انّما هو السبب المؤثر في الإحرام الصغير و ما هو الجزء في باب الحج أو العمرة هو الإحرام الذي يكون مسبّبا فان الجزء في الصلاة هي تكبيرة الإحرام و في الحج هو نفس الإحرام.

و يدلّ على ما ذكرنا روايات متعددة:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية و الاشعار و التقليد فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم. «1» و هي تدل بوضوح

على ان مثل التلبية أمر يوجب الإحرام و يؤثر في تحققه لا انه بنفسه عبارة عن الإحرام كما انّها ظاهرة في عدم مدخلية شي ء آخر في حصول الإحرام نعم لا مجال لاحتمال كون مطلق التلبية و لو لم تكن مقارنة لقصد الحج أو العمرة مؤثرة في الإحرام فإن التلبية الصادرة عن غير مريد الحج أو العمرة لا اثر لها في الإحرام ضرورة فالرواية تدلّ على ان التلبية الصادرة عمن يريد أحدهما و كذا الإشعار أو التقليد اللذين هما مكان التلبية في العمرة و في حج التمتع مؤثرة بمجردها في الإحرام.

و منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال من أشعر بدنته فقد أحرم و ان لم يتكلّم بقليل و لا كثير «2».

و منها: صحيحة حريز بن عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- الواردة فيما إذا

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 20.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 21.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 141

..........

______________________________

كانت بدن كثيرة و أريد إشعارها المشتملة على قوله- ع- فإنه إذا أشعرها و قلّدها وجب عليه الإحرام و هو بمنزلة التلبية «1». و الظاهر من الوجوب هو الثبوت الذي هو معناه لغة و دلالتها على ان الإحرام غير الاشعار و ان الاشعار موجب لتحقق الإحرام واضحة و كذا التلبية التي يكون الاشعار بمنزلتها.

و أصرح من الجميع المشتمل على التعرض للنية و التلبية معا و مدخليتهما في الإحرام صحيحة معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن التهيؤ للإحرام فقال في مسجد الشجرة فقد صلّى فيه رسول اللّٰه- ص- و قد ترى أناسا

يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول لبيك اللهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبّيك بمتعة بعمرة إلى الحج «2».

و دلالتها على مدخلية التلبية المشتملة على التلفظ بالنيّة المستحب في باب الحج كما تقدم واضحة لكن اشتمالها على النهي عن الإحرام في المسجد و لزوم التأخير إلى البيداء يمنع عن الاستدلال بها الّا ان يقال بالتفكيك بين الأمرين و جواز الاستناد إليها بالإضافة الى الأمر الثاني الذي هو المقصود في المقام و ان لم يجز الاستناد بالنسبة إلى الوجه الأوّل أو يقال بانّ المراد هو تأخير الإجهار بالتلبية إلى البيداء حيث الميل لا تأخير الإحرام و لكن على هذا التوجيه لا تدل الرواية على المقام و مثل هذه الرواية من دون اشكال ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب قال قال ابن سنان سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن الإهلال بالحج و عقدته قال هو التلبية إذا لبّى و هو متوجه فقد

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 19.

(2) وسائل أبواب الإحرام أورد صدره في الباب الرابع و الثلثين ح- 3 و ذيله في الباب الأربعين ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 142

..........

______________________________

وجب عليه ما يجب على المحرم «1».

ثم انه في مقابل الروايات المتقدمة بعض ما يكون ظاهره الخلاف كمرسلة النضر بن سويد عن بعض أصحابه قال كتبت الى أبي إبراهيم- عليه السلام- رجل دخل مسجد الشجرة فصلّى و أحرم و خرج من المسجد فبدا له قبل ان يلبّي ان

ينقض ذلك بمواقعة النساء أ له ذلك؟ فكتب: نعم أو لا بأس به «2».

و لكنها مضافا الى ضعف سندها بالإرسال يحمل بقرينة الروايات المتقدمة على ان المراد من قوله: أحرم هو التهيّؤ للإحرام و الاستعداد له بالورود في المسجد و لبس الثوبين.

و مثلها ما رواه الصدوق بإسناده عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- فيمن عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على اهله قبل ان يلبّي قال ليس عليه شي ء «3». بل في بعض الروايات الحكم بثبوت الكفارة مع التصريح بالتهيؤ للإحرام و عدم وقوعه و هي رواية أحمد بن محمّد قال سمعت أبي يقول في رجل يلبس ثيابه و يتهيّأ للإحرام ثم يواقع اهله قبل ان يهل بالإحرام قال:

عليه دم «4». فتدل على ان المراد بعقد الإحرام في الرّواية السابقة هو التهيؤ و لبس الثياب كما لا يخفى مع انّ فرض الوقوع على الأهل بعد تحقق الإحرام حقيقة بعد الخروج من المسجد لا يكاد يتّفق بخلاف الوقوع في الفصل بين التهيّؤ و الإهلال ثم انّ سيد المستمسك- قده- بعد نقل الأقوال التي تقدم نقلها في أوّل البحث ذكر ما حاصله: «ان أخذ النية في مفهوم الإحرام غير معقول لانه فعل اختياري يقع عن

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح- 15.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح- 12.

(3) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح- 13.

(4) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح- 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 143

..........

______________________________

نية تارة و لا عنها اخرى و لذلك اعتبروا في صحّتها النية و من المعلوم ان النية لا تكون موضوعا للنية فالأقوال الثلاثة الأوّل

على ظاهرها غير معقولة و لعلّها مبنية على المسامحة و امّا التوطين فان كان راجعا إلى النية فهو كغيره غير معقول و ان كان راجعا الى البناء النفساني على ترك المحرمات و الالتزام بذلك فهو معقول لانه فعل اختياري يمكن ان يكون موضوعا للنية كغيره من الأفعال الاختيارية النفسانية بل قد تحقق في محلّه ان العقود و الإيقاعات النفسانية كلّها التزامات نفسانية و هذه الالتزامات اختيارية للموقع ثم استشكل في ان الإحرام هل هو نفس الالتزام أو انه الحاصل من التزام ترك المحرمات و استظهر الثاني و ان الالتزام سبب لإنشاء الإحرام و حصوله نظير سائر المفاهيم الإيقاعية التي يكون إيقاعها بالالتزام لا انه نفس الإحرام كما قد يظهر من الشهيد».

و يرد عليه مضافا- الى ان جعل الإحرام مما يتعلق به النية تارة و عدمها اخرى امرا مسلّما مفروغا عنه بحيث يلزم التصرف و الحمل على المسامحة في الكلمات الظاهرة في مدخلية النية في ماهية الإحرام كلّا أو بعضا لعدم إمكان تعلق النية بالنيّة لم ينهض عليه دليل و ليس ظهور الحكم باعتبار النية في الصحّة بأقوى من ظهور تلك الكلمات في مدخليتها في الماهيّة الّا ان يقال بان الحكم باعتبار المذكور مفتى به للجميع و تلك الأقوال قائلها معدود فتدبّر و الى ان العقود و الإيقاعات النفسانية تكون النية المعتبرة في صحّتها هي الرّضا و طيب النفس غير الموجود في البيع- مثلا- الصادر عن إكراه و بدون نية أصل المعاملة من العقد أو الإيقاع لا مجال لدعوى تحقق الالتزام النفساني- ان عمدة ما يرد عليه هو التهافت بين صدر كلامه و ذيله فان مدلول الصدر ان الإحرام يمكن ان يقع عن نية تارة و

لا عنها اخرى و مفاد الذيل ان الإحرام عبارة عن الالتزام النفساني على ترك المحرمات أو الأمر الحاصل من الالتزام المذكور مع ان الالتزام النفساني و البناء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 144

..........

______________________________

و التعهد كذلك كيف يمكن ان يتحقق بدون النية و كيف يجتمع هذا العنوان مع فقد النيّة و لعلّه من الوضوح بمكان مع انه يرد على أصل جعل الإحرام هو الالتزام أو الأمر الحاصل منه ما عرفت في أوّل البحث في الجواب عن الشيخ الأعظم- قدس سره- و ربّما يستدل له ببعض الروايات المشتملة على التعبير في مقام النيّة بأنّه أحرم لك شعري و بشرى و لحمي و دمي و عظامي و مخي و عصبي من النساء و الثياب و الطيب «1». بالحمل على كون المراد به هو إنشاء الالتزام بذلك و يرد عليه انه قد وقع التصريح قبله بقوله اللهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج و التعبير الأول زائد على أصل الإحرام كما لا يخفى.

ثمّ انّه قد وقع التصريح في المتن و في حاشية العروة بأنّه لو كان الدخيل في الإحرام هي نيّة الإحرام يكون ذلك امرا غير معقول قال- قده- في الحاشية: «بل الإحرام من الأمور الاعتبارية الوضعية يتحقق و يعتبر بعد قصد أحد النسكين أو مع التلبية، و تروكه من أحكامه المترتبة عليه بعد التلبية و ليست التروك عينه و لا جزءه و كذا التلبية و لبس الثوبين، و نسبة التلبية اليه كتكبيرة الإحرام إلى الصلاة على احتمال و يترتب على ذلك أمور لا يسع المقام بيانها و تفصيلها و بهذا يكون من الأمور القصدية لا انّ قصد الإحرام محقق عنوانه فإنه غير

معقول و على ما ذكرنا تدل النصوص و عليه ظاهر فتوى المحققين فراجع».

و يمكن الإيراد عليه بان المستفاد من الأدلة المتقدمة و ان كان مدخلية نية مجموع العمل من الحج أو العمرة فيما يتحقق به الإحرام و يتحصل به في عالم الاعتبار الشرعي الّا انه لو فرض كون الدخيل هي نيّة الإحرام بعنوانه دون نية الحج أو العمرة فأيّ محذور يلزم من ذلك فان جعل موضوع الاعتبار و محقّقه هي

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب 16 ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 145

..........

______________________________

نيّة عنوان الإحرام بضميمة التلبية لا يكون فيه محذور و استحالة كما ان الموضوع لاعتبار الزوجية- مثلا- هو نيّة الزوجية بضميمة ألفاظ الإيجاب و القبول و كما في مثل عنوان التعظيم الذي يتحقق بقصده بضميمة العمل الخارجي مثل القيام و نحوه نعم لو كان الإحرام عبارة عن نفس النية كما عرفت في الأقوال الثلاثة يمتنع تعلق النية بها و امّا لو كان الإحرام عبارة عن الأمر الاعتباري الوضعي الذي يتحقق بالنية و التلبية فلا فرق بين ان يكون ما هو بمنزلة السبب المؤثر لتحقق ذلك الأمر الاعتباري هو نية مجموع العمل و بين ان يكون هو نيّة الإحرام بعنوانه فلم يظهر وجه لعدم المعقولية.

ثمّ انّ من الأقوال و الاحتمالات في باب الإحرام هو القول بأنه عبارة عن نفس التروك و سيأتي البحث فيه في المسألة الاولى إن شاء اللّٰه تعالى.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان المستفاد من الروايات ان الإحرام أمر اعتباري يتحقق و يعتبر بعد قصد الحج أو العمرة و الإتيان بالتلبية و ليس لغير هذين الأمرين مدخلية في تحققه بوجه.

و يمكن ان يقال

بعدم مدخلية التلبية أيضا فيما يتحقق به الإحرام غاية الأمر ان التلبية لها دخل في لزومه و عدم جواز نقضه و قبلها يجوز نقضه و ان كان قد تحقق بعد النية بمجردها فانّ التعبير بالإيجاب في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة يمكن ان يقال بظهوره في الإلزام بعد التحقق و كذا التعبير بالوجوب في بعض الروايات المتقدمة أيضا كما في مثل قوله- ع- البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا وجب البيع فانّ الوجوب الحاصل للبيع بعد الافتراق ليس الّا لزوم البيع و عدم جواز نقضه و الّا فاصل البيع قد تحقق قبل الافتراق فالوجوب بالمعنى اللغوي الراجع إلى أصل الثبوت و التحقق حاصل قبل التفرق أيضا و عليه فيمكن ان يقال بانّ التعبير بالوجوب في الروايات في مثل هذه الموارد ظاهر في الاستقرار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 146

[مسألة 1- يعتبر في النّية القربة و الخلوص]

مسألة 1- يعتبر في النّية القربة و الخلوص كما في سائر العبادات فمع فقدهما أو فقد أحدهما يبطل إحرامه. و يجب ان تكون مقارنة للشروع فيه فلا يكفي حصولها في الأثناء فلو تركها وجب تجديدها (1).

______________________________

و عدم إمكان الحلّ و النقض و يؤيده التعبير بعقد الإحرام قبل التلبية و بالنقض كذلك في بعض الروايات السّابقة و يشعر بهذا الاحتمال عبارة الحاشية و ان كان ظاهر المتن خلافه.

ثمّ انه مع فقد النيّة و عدمها لا يتحقق الإحرام بوجه من دون فرق بين العالم و بين الجاهل و الناسي غاية الأمر ان ترك الإحرام عمدا موجب لبطلان الحج أو العمرة بخلاف تركه نسيانا أو جهلا حيث انه يصح النسك على التفصيل المتقدم في أحكام المواقيت.

(1) امّا اعتبار القربة و الخلوص من

مثل الرياء فلأجل كون الحج و العمرة بجميع أفعالهما من العبادات كما هو المتفق عليه بين الأصحاب حيث يجعلونه في عداد الصلاة و الصيام من العبادات و المرتكز عند المتشرعة أيضا كذلك فإنهم يرونه مثلهما فلا بد من رعاية الأمرين فيه كما فيهما و مع فقدهما أو فقد أحدهما يبطل الإحرام.

و امّا اعتبار كون أصل النية الواجبة في الإحرام مقارنة للشروع فيه فالأصل في هذا الأمر و التعرض له ما حكى عن الشيخ- قده- في المبسوط حيث قال:

«الأفضل ان تكون مقارنة للإحرام فإن فاتت جاز تجديدها الى وقت التحلّل».

و أورد عليه العلامة في المختلف بقوله المحكيّ: «الاولى إبطال ما لم يقع بنيّته لفوات الشرط ..».

و لكن جماعة من أعاظم الفقهاء بعد العلامة تصدّوا لتوجيهه:

منهم الشهيد في محكيّ الدروس حيث قال: «لعلّه أراد نيّة التمتع في إحرامه لا مطلق نية الإحرام و يكون هذا التجديد بناء على جواز نيّة الإحرام المطلق كما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 147

..........

______________________________

هو مذهب الشيخ- قده- أو على جواز العدول الى التمتع من إحرام الحج أو العمرة المفردة» و هو يشتمل على توجهين:

أحدهما: انّ المراد بالنيّة الفائتة التي لا تجب ان تكون مقارنة بل الأفضل ان تكون كذلك هي نيّة عنوان التمتع و امّا نيّة الإحرام فاللازم ان تكون متحققة حال الإحرام مقارنة للشروع فيه و هذا انما يكون على مبني الشيخ القائل بعدم لزوم تعيين النوع من الحج عند الإحرام بل يمكن التعيين قبل التحلل و لو بزمان ما.

ثانيهما: انّ المراد انه و ان عين نوعا خاصّا غير التمتع عند الإحرام لكنه يجوز له العدول الى التمتع ما لم يقع التحلّل هذا و لكن

الظاهر ان كلام الشيخ- قده- لا يساعد شيئا من التوجيهين و لا شاهد فيه عليه بوجه كما لا يخفى.

و منهم صاحب كشف اللثام حيث قال في محكيّه: «و قد يكون النظر الى ما أمضيناه من ان التروك لا تفتقر إلى النيّة و لمّا اجمع على اشتراط الإحرام بها كالصوم قلنا بها في الجملة و لو قبل التحلل بلحظة إذ لا دليل على أزيد من ذلك، و لو لم يكن في الصوم نحو قوله- ص-: لا صيام لمن لم يبيت الصيام قلنا فيه بمثل ذلك و انما كان الأفضل المقارنة لأن النية شرط في ترتب الثواب على الترك».

أقول: تصوير صورة المسألة و هي المقارنة و فواتها و تجديد النيّة لا يكاد يتحقق الّا على هذا المبني و هو الالتزام بكون الإحرام عبارة عن مجرّد التروك الخارجية من دون مدخليّة للنّية في أصل تحقّقه فإنه- ح- يمكن ان تكون النية مقارنة للشروع و يمكن ان تكون متأخرة عنه كما انه يمكن الخلو عن النيّة رأسا.

و امّا على غير هذا المبني فلا يكاد يتصور الإحرام و الشروع فيه بدون نيّة سواء قلنا بما اخترناه تبعا للماتن- قده- من ان الإحرام أمر اعتباري وضعي يتحقق و يعتبر بعد نيّه الحجّ أو العمرة أو مع التلبية أيضا أو قلنا بأنه عبارة عن توطين النفس و الالتزام بترك المحرمات المعهودة الثابتة على المحرم كما عرفت انه مختار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 148

..........

______________________________

الشيخ الأنصاري- قده- بل المنسوب الى المشهور أو قلنا بأنه الأمر الحاصل من التوطين كما عليه سيد المستمسك أو قلنا بأنه الأمر الحاصل من نية ترك المحرمات فإنه على هذه المباني لا يعقل

ان يتحقق الإحرام و يشرع فيه من دون نيّة كما انه لو قلنا بان المعتبر في الإحرام هي نيّة الإحرام التي عرفت التصريح من الماتن- قده- بعدم معقوليته و ناقشنا فيه آنفا و انه يمكن ثبوتا ان يكون المحقق له هي نية الإحرام لا نية الحج أو العمرة لا يبقي مجال للتصوير و عليه فيرد على مثل الماتن- قده- عدم إمكان تصوير الإحرام بدون مقارنة النية حتى يبحث في لزوم اعتبارها و لزوم التجديد عند فوت المقارنة و لا مجال لاحتمال كون المراد من الفوات هو الفوت الناشئ عن الجهل أو النسيان الراجع الى ترك الإحرام كذلك الذي تقدم البحث فيه مفصّلا كما انه لا مجال لاحتمال ارتباط هذا الأمر بمسألة اعتبار القربة و الخلوص ضرورة ظهور الكلمات في ان اعتبار المقارنة انّما هو في عداد اعتبار القربة و الخلوص كما هو واضح و في طول اعتبار أصل النيّة و على ما ذكرنا ينحصر طريق تصوير المسألة بخصوص ما افاده كاشف اللثام من جعل الإحرام عبارة عن مجرد التروك الخارجيّة و عدم الإتيان بشي ء من محرمات الإحرام.

نعم يرد عليه منع المبني و انه لا يمكن الالتزام بكون الإحرام عبارة عن مجرد التروك الخارجية تشبيها له بالصوم و انه لا فرق بينهما إلا في مجرّد كون النية المعتبرة في الإحرام هي النيّة في الجملة و لو قبل التحلل بلحظة و المعتبرة في الصوم هي النية المقارنة للشروع فإنه مستلزم لما لا يمكن الالتزام به.

و الدليل على بطلان هذا المبنى ان ظاهر الأدلة الواردة في محرمات الإحرام و تروكه ان موضوع الحكم بحرمة تلك الأمور هو عنوان «المحرم» فاللازم بمقتضى تقدم الموضوع على الحكم هو الالتزام بثبوت

هذا العنوان قبل هذه الاحكام و متقدما عليها فلا مجال لتوهم كونه عبارة عن نفس التروك و هذا كما في الزوجية فان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 149

..........

______________________________

عنوانها متحقق قبل الحكم بوجوب الإنفاق على الزوج و جواز الاستمتاع من الزوجة و وجوب التمكين على الزوجة و أشباهها من الاحكام التي يكون موضوعها عنوان الزوج أو الزوجة و لا مجال لاحتمال كون الزوجية عبارة أخرى عن نفس تلك الاحكام بل هي أمر اعتباري يتحقق و يعتبر عند حصول موجبه من عقد النكاح نعم بناء على كون الأحكام الوضعية منتزعة من الأحكام التكليفية تصح هذه الدعوى لكن قد تحقق في محلّه بطلان هذا المبني و ان الاحكام الوضعية مثل الزوجية و الملكية و الحرية و الرّقية مجعولات بنفسها و تكون قسيمة للأحكام التكليفية نعم هي موضوعات لهذه الاحكام نوعا.

و يدل على بطلان مبنى كاشف اللثام أيضا ان لازم كون الإحرام عبارة عن التروك عدم تحققه الّا بعد تمامية زمان التروك و تحقق الإحلال ضرورة أن التروك اللازمة هي التروك في جميع مدة الإحرام من الشروع الى الانتهاء و الّا فتحققها في زمان ما لا يكون عبارة عن الإحرام و عليه فكما ان تحقق الصوم يتوقف على الإمساك في مجموع النهار كذلك تحقق الإحرام يتوقف على التروك في مجموع المدة المذكورة مع ان الظاهر عند المتشرعة هو كون الإحرام امرا حادثا مستمرا و باقيا الى حصول الا حلال و به يتحقق الفرق بينه و بين الصيام كما ان بينهما الفرق من جهة انّ ارتكاب بعض المفطرات قادح في الصوم فضلا عن الجميع و هذا بخلاف الإحرام فإن الإتيان بمحرماته لا يترتب عليه

الّا استحقاق العقوبة و ثبوت الكفارة في بعضها و لا يقدح في بقاء الإحرام بوجه بل فيما يوجب الفساد لا يقع التحلل بوجه كالوطي فإن اللازم إتمام الحج الفاسد كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى و من جهة ان الإحرام إذا تحقّق لا يكاد ينحلّ باختيار المكلّف و إرادته بل يبقي الى ان يحصل التحلل بالحلق أو التقصير- مثلا- و الصيام يكون باختياره فإذا نوى القطع بل القاطع على قول يبطل صومه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 150

[مسألة 2- يعتبر في النية تعيين المنوي من الحج و العمرة]

مسألة 2- يعتبر في النية تعيين المنوي من الحج و العمرة، و ان الحج تمتع أو قران أو افراد، و انه لنفسه أو غيره، و انه حجة الإسلام أو الحج النذري أو الندبي فلو نوى من غير تعيين و أو كله الى ما بعد ذلك بطل، و امّا نيّة الوجه فغير واجبة إلّا إذا توقف التعيين عليها، و لا يعتبر التلفظ بالنيّة و لا الاخطار بالبال (1).

______________________________

و من غير هذه الجهات فالفرق بينهما ليس في مجرد لزوم مقارنة النية في الصيام و عدمه في الإحرام بل من جهات متعددة.

(1) هل يكفي في تحقق الإحرام مجرد النيّة المرتبطة به و لا يلزم تعيين المنوي من الجهات المذكورة في المتن أو انه لا يكفي بل اللازم تعيينه من تلك الجهات وجهان بل قولان حكى الأوّل عن مبسوط الشيخ و المهذب و الوسيلة و وافقهم العلامة في محكي التذكرة و كاشف اللثام قال الأوّل: «و لو نوى الإحرام مطلقا و لم يذكر لا حجّا و لا عمرة انعقد إحرامه و كان له صرفه إلى أيّهما شاء و قال الثاني بعد حكاية ذلك: «و لعلّه الأقوى

لأن النسكين في الحقيقة غايتان للإحرام غير داخلتين في حقيقته، و لا تختلف حقيقة الإحرام نوعا و لا صنفا باختلاف غاياته فالأصل عدم وجوب التعيين».

و الظاهر اعتبار تعيين المنوي من الجهات المذكورة لأن جميعها من العناوين القصدية التي لا ينصرف العمل المشترك صورة بين الجميع الى بعضها الّا من طريق القصد و التعيين في النية كسائر العبادات مثل الصلاة فإن نفس عنوانها و كذا الخصوصيات المأخوذة في متعلقات الأوامر مثل الظهرية و العصرية و الأدائية و القضائية و النافلة و الفريضة لا بد من تعلق القصد بها و الّا لا ينصرف إليها بوجه كما حقّق في محلّه و عليه فاللازم تعيين جميع الخصوصيات في النية المعتبرة في الإحرام.

و تشبيه الإحرام بالوضوء و الغسل كما يظهر من عبارة كشف اللثام حيث جعل النسكين غايتين للإحرام ليس في محلّه لانّه مضافا الى ان الفتاوى و ارتكاز

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 151

..........

______________________________

المتشرعة متطابقان على ان الإحرام من أجزاء الحج أو العمرة و ليسا هما غايتين للإحرام بخلاف الوضوء و الغسل بالإضافة إلى مثل الصلاة يكون الفرق هو ان الوضوء و الغسل مستحبان نفسيّان و راجحان من حيث نفس العنوانين بخلاف الإحرام الذي ليس له رجحان في نفسه مع قطع النظر عن الجزئية الّا على احتمال ذكره صاحب الجواهر في بعض المباحث السّابقة و لكن الاحتمال مدفوع كما دفعه هو أيضا على ما ببالي فالتشبيه في غير محلّه مع انه بناء على ما ذكرنا في مهيّة الإحرام من ان النية المعتبرة فيه هي نيّة الحج أو العمرة لا نية الإحرام لا يمكن تحقق الإحرام بدون النية المذكورة نعم يمكن البحث في اعتبار

تعيين كون الحج المنوي أيّ نوع من أنواع الحج و كون العمرة المنوية هي عمرة التمتع أو العمرة المفردة و كذا في اعتبار كونه حجة الإسلام أو حجّا نذريا أو استيجاريا أو ندبيّا و كذا في انه لنفسه أو لغيره.

و كيف كان فالظاهر لزوم التعيين من جميع الجهات المذكورة لما مرّ من الدّليل.

لكن المحكيّ عن التذكرة انه استدل لما رامه بوجوه:

منها: ان الإحرام بالحج يخالف غيره من إحرام سائر العبادات لانه لا يخرج منه بالفساد.

و مراده أنّ الإفساد في الحج بمثل الوطي لا يوجب الخروج من الإحرام بل يجب عليه إتمام الحج الفاسد كالحج الصحيح غاية الأمر وجوب القضاء و الإتيان بالصحيح في العام القابل كما سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى و امّا سائر العبادات فيكون الإفساد فيها موجبا للخروج عنها.

و لكن يرد عليه عدم انطباق الدليل على المدعي فان لزوم إتمام الحج الفاسد و عدم الخروج من الإحرام بالإفساد لا يستلزم عدم اعتبار التعيين في النية المرتبطة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 152

..........

______________________________

بالإحرام بل لا ارتباط بين الأمرين بوجه.

و منها: انه- يعنى الإحرام- إذا عقد عن غيره بأجرة أو تطوّعا و عليه فرضه وقع عن فرضه فجاز ان ينعقد مطلقا، و إذا ثبت انه ينعقد مطلقا فان صرفه الى الحج صار حجّا و ان صرفه إلى العمرة صار عمرة.

و لعلّ مراده الأولوية نظرا إلى انه إذا انقلب الإحرام الذي عقد عن غيره و نيابة عنه الى فرضه و نفسه فانعقاده مطلقا بدون تعيين المنوي يكون جوازه بطريق اولى.

و يرد عليه- مضافا الى عدم تسلم الانقلاب بل الحكم فيه امّا البطلان كما مرّ سابقا من المتن و

امّا الصحة و وقوعه للمنوب عنه كما اخترناه و حققناه- انه على تقدير تسليم الانقلاب أو لزوم العدول نقول حيث ان كلّا منهما على خلاف القاعدة لا يصار اليه من دون دليل فمع قيام الدليل و لو كان هي الأولوية لا يستلزم ذلك عدم اعتبار التعيين و ذلك كما في الصلاة فإنه إذا شرع في الصلاة اللاحقة باعتقاد الإتيان بالسابقة ثم انكشف له الخلاف في الأثناء يعدل إلى السابقة و لا يرجع العدول الى عدم اعتبار التعيين بوجه.

و منها: ما رواه العامّة من انّ النبي- ص- خرج من المدينة لا سمّى حجّا و لا عمرة ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء و هو بين الصفا و المروة.

و يرد عليه انّ الروايات الواردة في هذا المجال و ان كان قد جمعت في السنن الكبرى للبيهقي «1» في باب واحد لكن المستفاد من مجموعها انّها واردة في حجّة الوداع للنبي- ص- مع ان رواياتنا الواردة فيها تدل على انّه أحرم لحج القران و كان إحرامه مقرونا بسياق الهدي كطائفة أخرى من المسلمين الذين كانوا معه- ص-

______________________________

(1) ج 5 ص 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 153

..........

______________________________

بخلاف الطائفة الثانية التي كان حجهم حج الافراد و عليه فهو- ص- قد سمّى حجّ القران و قد نزل جبرئيل في مكة بتشريع حجّ التمتع و لزوم العدول الى عمرته بالإضافة الى من لم يسق الهدي و لزوم البقاء على حج القران بالنسبة الى من ساقه.

هذا مضافا الى انه على تقدير ثبوت ما رواه العامّة يمكن ان يقال بأنه- ص- قصد التعيين و عيّن ما هو المشروع غاية الأمر انه كان مبهما عنده قبل نزول القضاء.

و قد انقدح

من جميع ما ذكرنا انه لا محيص عن الالتزام باعتبار التعيين.

ثمّ ان التعيين قد يكون تفصيلا و هذا لا اشكال فيه و قد يكون إجمالا و هذا تارة يكون بمثل ما هو الواجب و الفرض عليه و ان لم يعلم ان عنوانه حج التمتع و هذا أيضا لا ينبغي الإشكال فيه.

و يدل عليه ما ورد في إحرام على- عليه السّلام- في حجة الوداع حيث اقبل من اليمن و سئل عنه النبي- ص- بقوله: يا علي بأي شي ء أهللت فقال أهللت بما أهلّ النبيّ- ص- فقال لا تحلّ أنت فأشركه في الهدى الحديث «1».

فان ظاهره انه عيّن ما عينه النبي و ان لم يعلم انه حج القران أو الافراد و سيأتي تحقيقه في المسألة الخامسة و اخرى بنحو ذكره السيد- قده- في العروة حيث قال: «نعم الأقوى كفاية التعيين الإجمالي حتى بأن ينوي الإحرام لما سيعيّنه من حج أو عمرة فإنه نوع تعيين و فرق بينه و بين ما لو نوى مردّدا مع إيكال التعيين الى ما بعد».

و قد وقع هذا التفصيل موردا للإثبات و النفي من المحشين للعروة و الشارحين لها و غاية توجيهه ما افاده بعض الاعلام- قده- من ان القصد إلى الشي ء يقع على قسمين:

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني ح- 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 154

..........

______________________________

أحدهما: ان يقصد الطبيعة المطلقة من دون نظر الى التعيين أصلا و انّما يتعين فيما بعد.

ثانيهما: ان يقصد المتعين واقعا و ان كان لا يدري به فعلا كما إذا فرضنا انه عينه و كتبه في قرطاس ثم نسي ما عينه و كتبه و لم يعثر على القرطاس ثم ينوي الإحرام

على النحو الذي كتبه نظير ما إذا قرء البسملة للسورة التي بعد هذه الصفحة و هو لا يعلم السورة بالفعل عند قراءة البسملة فان السّورة متعينة واقعا و ان كان هو لا يدري بالفعل عند قراءة البسملة.

و يرد عليه الفرق بين المقام و بين المثالين فإنه فيهما يكون تعين واقعي حال الإحرام لفرض كونه مضبوطا في القرطاس و كذا السورة التي تكون بعد هذه الصفحة متعينة واقعا حال قراءة البسملة و امّا في المقام فلا يكون تعيّن حال الإحرام و انّما يحصل التعين بالتعيين اللاحق غير المتحقق في حال الإحرام و بعبارة اخرى ان كان التعيين المعتبر هو التعيين حال الإحرام فهو غير متحقق في الفرضين و ان كان التعيين اللاحق مؤثرا في السابق فهو أيضا موجود فيهما فالظاهر انه لا فرق بين الصورتين.

بقي الكلام في هذه المسألة في أمرين: الأوّل: انه كما لم يقم دليل على اعتبار نية الوجه في سائر العبادات كذلك لم يقم دليل عليه في المقام بل ربما يستظهر من بعض الروايات عدم الاعتبار نعم لو توقف التعيين على نية الوجه فاللازم رعايتها بلحاظه لا بلحاظ نفسها و هذا كما إذا كان عليه حج واجب و مستحب فان التعيين يتوقف على الرعاية المذكورة و امّا إذا لم يكن عليه الّا الحج المستحب فلا تلزم نية الوجه بل المعتبر التعيين من الجهات الأخرى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 155

[مسألة 3- لا يعتبر في الإحرام قصد ترك المحرمات]

مسألة 3- لا يعتبر في الإحرام قصد ترك المحرمات لا تفصيلا و لا إجمالا بل لو عزم على ارتكاب بعض المحرّمات لم يضرّ بإحرامه نعم لو قصد ارتكاب ما يبطل الحج من المحرّمات لا يجتمع مع قصد الحج

(1).

______________________________

الثاني: النية في المقام كالنية في سائر العبادات حيث انه لا يعتبر التلفظ بها و لا الاخطار بالبال و الالتفات في النفس بل يكفي الداعي نعم خصوصية الحج انما هي من جهة استحباب التلفظ بالنية فيه دونها و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى.

(1) لا ينبغي الإشكال في انه لا يعتبر في بقاء الإحرام استمرار العزم على ترك المحرمات و بقاء نيّته كيف و لا يقدح فعلها في بقاء الإحرام غاية الأمر ترتب استحقاق العقوبة فقط أو بضميمة الكفارة و لأجله يختلف مع الصوم الذي يقدح فيه فعل المفطر عمدا و عدم استمرار نيّة ترك المفطرات بل نيّة القاطع و ان لم ترجع إلى نية القطع على قول و قد عرفت ان تشبيه الإحرام بالصيام كما مرّ من كاشف اللثام ليس بتامّ و الّا يلزم ان يكون فعل شي ء منها قادحا في أصل الإحرام هذا بحسب البقاء.

و امّا بحسب الحدوث فقد ذكر السيد- قده- في العروة انه يعتبر العزم على تركها مستمرّا فلو لم يعزم من الأوّل على استمرار الترك بطل.

و لكن يرد عليه انّه مع كون مبناه ان الإحرام يتحقق بنيّة الإحرام حيث يصرح في تفسير النية الواجبة في الإحرام بأن معناها القصد اليه و من الواضح رجوع الضمير إلى الإحرام و انّ الاحكام الثابتة فيه واجبات تكليفية من دون ان تكون التروك معتبرة في حقيقته أو في صحته بخلاف الصوم كيف يوجب العزم من الأوّل على استمرار الترك و انه بدونه لا يتحقق الإحرام بوجه فإنّه على هذا المبنى يصير الإحرام كالزوجية كما اخترناه غاية الأمر ان المحقق له هي نية الحج أو العمرة على المختار و نية الإحرام على مبناه بضميمة

التلبية أو بدونها فكما انه لا يعتبر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 156

..........

______________________________

في حدوث الزوجية العزم على ترتيب أحكامها و رعاية الواجبات و المحرمات المتحققتين في موردها بل لو عزم الزوج حين العقد على ترك إنفاق الزوجة مع القدرة عليه بل على ترك وطيها و الاستلذاذ منها لا يقدح في أصل حدوث الزوجية و بقائها كذلك لا يعتبر في حدوث الإحرام في المقام العزم على الترك مستمرّا بل لو عزم على ارتكاب بعض المحرمات لم يضر بإحرامه كما في المتن.

و السرّ ما عرفت من تقدم عنوان الإحرام على تلك الاحكام كتقدم عنوان الزوجية على أحكامها و لا مجال لاحتمال مدخليّة تلك الاحكام في ماهيته أو صحّته.

نعم من جعل الإحرام عبارة عن نيّة ترك المحرمات أو الأمر المتحصل منها لا محيص له الّا الالتزام بذلك لانه لا تجتمع النية المذكورة مع عدم العزم على استمرار الترك حين الإحرام لأنه ليس المراد بالترك الا الترك في مجموع زمان الإحرام إلى حصول التحلّل كما انّ من جعل الإحرام عبارة عن توطين النفس و الالتزام النفساني و التعهد القلبي بالإضافة إلى ترك المحرمات كما هو ظاهر كلام الشهيد و المنسوب الى الشيخ الأعظم أو الأمر المتحصل من الالتزام المذكور كما عرفت من سيد المستمسك- قده- لا بد و ان يقول باعتبار العزم المذكور لان عدمه لا يجتمع مع الالتزام النفساني الذي هو الإحرام أو المحقّق له كما هو ظاهر و امّا بناء على ما اخترناه و بناء على ما يظهر من السّيد- قده- فلا وجه له و يؤيده عدم التفات كثير من الناس في حال الإحرام إلى محرماته بل و عدم علمهم بها

نوعا.

نعم يستثني مما ذكرنا ما إذا قصد محرّما يبطل العمل من الحج أو العمرة بفعله كالجماع- مثلا- فان اللازم في مثله العزم على تركه في حال الإحرام لأنه مع عدمه لا يتحقق قصد الحج أو العمرة الذي به يتحقق الإحرام لأنه لا مجال للجمع بين نية الحج- مثلا- و بين العزم على الإتيان بما يقدح فيه و يمنع عن وجوده بل لا مجال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 157

[مسألة 4- لو نسي ما عينه من حجّ أو عمرة]

مسألة 4- لو نسي ما عينه من حجّ أو عمرة فإن اختصّت الصّحة واقعا بأحدهما تجدد النيّة لما يصح فيقع صحيحا، و لو جاز العدول من أحدهما إلى الآخر يعدل فيصحّ، و لو صحّ كلاهما و لا يجوز العدول يعمل على قواعد العلم الإجمالي مع الإمكان و عدم الحرج و الّا فبحسب إمكانه بلا حرج (1).

______________________________

للجمع بينها و بين عدم العزم على تركه و عليه فالوجه في اعتباره عدم اجتماعه مع النية المحققة للإحرام لا كونه قادحا في نفسه و لذا يجتمع فعله من دون العزم عليه حال الإحرام مع بقائه و ان كان موجبا لبطلان الحج فإنه بالإبطال لا يخرج من الإحرام بل يجب عليه إتمام الحج الفاسد كالحج الصحيح غاية الأمر عدم الاكتفاء به و لزوم الإتيان به في العام القابل كما سيأتي ان شاء اللّٰه تعالى.

(1) قال في الشرائع: «و لو نسي بما ذا أحرم كان مخيّرا بين الحج و العمرة إذا لم يلزمه أحدهما» و في محكي القواعد: «و لو نسي ما عيّنه تخيّر إذا لم يلزمه أحدهما» و حكى في الجواهر مثلهما عن الشهيدين و غيرهم.

و ذكر السيد- قده- في العروة: «لو نسي ما عيّنه

من حج أو عمرة وجب عليه التجديد سواء تعين عليه أحدهما أم لا».

و قد استدل في الجواهر على التفصيل المذكور في مثل الشرائع كما عن كشف اللثام بأنه كان له الإحرام بأيّهما شاء إذا لم يتعين عليه أحدهما فله صرف إحرامه إلى أيّهما شاء لعدم الرجحان و عدم جواز الإحلال بدون النسك إلّا إذا صدّ أو أحصر و لا جمع بين النسكين في إحرام امّا إذا تعيّن عليه أحدهما صرف إليه لأن الظاهر من حال المكلّف الإتيان بما هو فرضه خصوصا مع العزم المتقدم على الإتيان بذلك الواجب.

ثم أورد عليه بما محصّله ان التخيير في الابتداء لا يقتضي ثبوته بعد التعيين و دعوى اقتضاء العقل التخيير لإجمال المكلف به و عدم طريق الى امتثاله يدفعها ان المتجه- ح- ارتفاع الخطاب به فيبطل لا التخيير، و لو فرض توقف التحليل على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 158

..........

______________________________

اختيار أحدهما ليحصل به الطواف المقتضي للتحليل و الّا كان محرما ابدا فهو ليس من التخيير على نحو الابتداء ضرورة عدم تحقق خطاب به بل هو طريق لتحليله وافق أو خالف كما انه لا دليل على اعتبار الظهور المزبور مع تعين أحدهما عليه.

و يمكن المناقشة عليه بمنع إجمال المكلف به و عدم طريق الى امتثاله حتى يبطل كما انه هو المستند للقول بالتجديد الذي اختاره في العروة الظاهر في بطلان الإحرام السابق و لزوم تجديده و ذلك لما سيأتي من وجود صورتين للمسألة و ثبوت فروع متعددة للصورة الثانية و كيف كان فالظاهر ان للمسألة بعد عدم اختصاصها بما إذا كان المنوي مرددا بين الحج و العمرة و ان كان يشعر به عبارة الشرائع

صورتين:

إحديهما: ما إذا كان الترديد بين الباطل و الصحيح كما إذا أحرم في شهر رمضان- مثلا- من مسجد الشجرة و تردّد بعد الإحرام قبل الخروج منه بين ان كان إحرامه للعمرة المفردة حتى يصح و بين ان كان لعمرة التمتع حتى لا يصح لاعتبار وقوعها كالحج في أشهر الحج على ما تقدم. و في هذه الصورة ربما يقال بان مقتضى أصالة الصحة الجارية في العمل الواقع الذي شك في صحته و فساده سواء صدر من نفسه أو من الغير هو الحمل على الصحة فاللازم الحمل على كونه محرما بإحرام العمرة المفردة.

و الجواب عنه: ان مجراها ما إذا كان هناك مركب ذات أجزاء أو مشروط بشرط و شك بعد تحققه في كونه واجدا للاجزاء و الشرائط المعتبرة فيه و امّا ما كان أمره دائرا بين الوجود و العدم فلا مجال لإجراء أصالة الصحة فيه و المقام من هذا القبيل فإن الإحرام أمر واحد اعتباري بسيط يعتبر بعد النية أو بضميمة التلبية و لا يتصف بالصحة و البطلان بل امّا ان يكون متحقّقا و امّا ان لا يكون كذلك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 159

..........

______________________________

و مع الشك في وجوده و عدمه لا تجري أصالة الصحّة بل مقتضى الاستصحاب عدم تحققه و ثبوته.

و ربما يقال: ان الوجه في عدم جريان أصالة الصحة في المقام انه يعتبر في جريانها ان يكون عنوان العمل معلوما و محرزا كما إذا صدر منه البيع و تردد امره بين الصحة و الفساد و امّا إذا شك في أصل العنوان و انه هل صدر منه البيع أو القمار فلا تجري أصالة الصحة للحكم بصدور البيع و المقام من

هذا القبيل لعدم إحراز كون العنوان هي العمرة المفردة أو عمرة التمتع و كيف كان فمع عدم جريان أصالة الصحة تصل النوبة إلى التجديد الذي مرجعه الى بطلان الإحرام السابق لعدم الدليل على صحته أو الى ان التجديد في خصوص هذه الصورة كما اختاره في المتن و ذكره بعض المحققين من محشى العروة انّما هو لأجل انه ان كان المنوي هي عمرة التمتع فالإحرام باطل و اللازم تجديده و ان كان المنوي هي العمرة المفردة فلا يكون التجديد بقادح فيه لعدم كونه محللا للإحرام بل هو- ح- كالحجر في جنب الإنسان فمع التجديد يعلم تفصيلا بكونه محرما بإحرام العمرة المفردة كما هو ظاهر.

ثانيتهما: ما إذا كان الترديد بين الإحرامين الصحيحين كالمثال المذكور في الصورة الأولى إذا كان الإحرام واقعا في أشهر الحجّ و في هذه الصورة تارة يجوز العدول من أحدهما إلى الآخر كما إذا فرضنا في المثال المذكور جواز العدول من العمرة المفردة إلى عمرة التمتع نظرا الى ما عرفت سابقا من ان المعتمر عمرة مفردة في أشهر الحج إذا بدا له ان يحج حج التمتع يجوز ان يجعل تلك العمرة عمرة التمتع ثم يأتي بحج التمتع و عليه فيمكن القول بجواز العدول في الأثناء أيضا و لعلّه مرّ البحث فيه و اخرى لا يجوز العدول كما في هذا المثال إذا لم نقل بجواز العدول و كما في كثير من الفروض الآتية التي لا يجوز العدول فيها جزما.

ففي فرض جواز العدول يعدل الى ما يصح العدول اليه فيصحّ قطعا لأنه ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 160

..........

______________________________

كان المنوي هو المعدول عنه فالمفروض جواز العدول الى المعدول اليه و

ان كان المنوي هو المعدول اليه فلا يقدح العدول لانه على تقدير كونه غيره كما لا يخفى.

و كان المناسب ان يتعرض في المتن لهذا الفرض بعد التعرض لصورة صحة كلا الإحرامين لا قبله و كيف كان فلا إشكال في هذا الفرض و امّا فرض عدم جواز العدول ففيه صور متعددة لا بد من التعرض لها ليظهر ان حكمها البطلان كما افاده السيد- قده- أو التخيير كما أفيد في مثل الشرائع أو لزوم رعاية الامتثال العلمي الإجمالي اعني الاحتياط أو الاحتمالي أو التفصيل فنقول:

الصورة الأولى: ما إذا دار امره بين العمرة المفردة و عمرة التمتع بناء على عدم جواز العدول و اللازم فيه الجمع بين الخصوصيات الزائدة الموجودة في العمرة المفردة كطواف النساء حيث يكون واجبا فيها دون عمرة التمتع و قد تقدم البحث فيه مفصّلا و بين التكاليف الزائدة المتحققة في عمرة التمتع كعدم الخروج من مكّة للعلم الإجمالي إما بوجوب طواف النساء و امّا بحرمة الخروج من مكّة و هو يتمكن من الجمع بين الأمرين و رعاية الامتثال العلمي الإجمالي و بعد الإتيان بالعمرة يأتي بالحج.

بل يمكن ان يقال بعدم لزوم الإتيان بطواف النساء في العمرة بل يكفي الإتيان به في الحج بنية مردّدة بين الحج و العمرة المفردة و لا يقدح الفصل بعد عدم لزوم المبادرة إلى طواف النساء في العمرة المفردة.

و قد انقدح انه في هذه الصورة لا مجال لتجديد النية بمعنى بطلان الإحرام و لا للتخيير بل مقتضى العلم الإجمالي و القاعدة فيه الموجبة للاحتياط الامتثال بالكيفية المذكورة.

الصورة الثانية: ما إذا دار الأمر بين العمرة المفردة و بين حجّ الافراد و في هذه الصورة أيضا يمكن له الاحتياط بأن يأتي بأعمال

الحجّ أوّلا من الوقوفين و رمى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 161

..........

______________________________

جمرة العقبة يوم النحر ثم يرجع الى مكة فيأتي بالطواف و السعي بالنيّة المرددة ثم يرجع الى منى فيقصّر كذلك فان كان إحرامه للعمرة المفردة فقد أتي بجميع اعمالها سوى طواف النساء المشترك بينها و بين الحج فيأتي به بعد الرجوع الى مكة و ان كان إحرامه لحج الافراد فالمفروض الإتيان به بجميع مناسكه و اعماله غاية الأمر لزوم الإتيان بعمرة مفردة بعده أيضا.

و يمكن الاحتياط في هذه الصورة بالإتيان بالطواف و السعي قبل الوقوفين رجاء و عليه فيقصّر في منى قبل الرجوع الى مكة لهما لان المفروض وقوع التقصير بعدهما.

و في هذه الصورة أيضا لا مجال للتجديد و لا للتخيير بعد كون الامتثال العلمي الإجمالي بمكان من الإمكان على ما عرفت.

الصورة الثالثة: ما إذا دار أمر إحرامه بين حجّ الافراد و عمرة التمتع التي لا بد فيها من التقصير قبل الحج ليحلّ به ثم يحرم للحجّ و في هذه الصورة يكون التقصير من موارد دوران الأمر بين المحذورين الذي يكون مجري أصالة التخيير عقلا و ذلك لانه لو كان إحرامه لعمرة التمتع يجب عليه التقصير قبل الوقوفين ليتحقق به التحلل من إحرام العمرة ثم يحرم للحج و لو كان إحرامه لحج الافراد يجب عليه تأخير التقصير الى بعد الوقوفين لانه من مناسك منى و يحرم عليه قبلهما فالأمر فيه دائر بين الوجوب و الحرمة و- ح- يصح الحكم بالتخيير الذي يدل عليه مثل عبارة الشرائع فيتخير بين الحج و العمرة و مرجعه الى الامتثال الاحتمالى الذي لا محيص عنه بعد عدم إمكان الامتثال العلمي التفصيلي و لا

الإجمالي.

فإن اختار العمرة يطوف و يسعى ثم يقصر ثم يذهب الى الموقفين و يأتي بأعمال حجّ التمتع رجاء و بعد الفراغ من ذلك كله يخرج من الإحرام جزما فإنه لو كان الواجب عليه هي عمرة التمتع فالمفروض انه لم يخلّ بشي ء مما يعتبر فيها من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 162

..........

______________________________

اعمالها و من الحجّ المترتب عليها و لو كان الواجب هو حجّ الافراد فالمفروض انه أيضا أتى بجميع ما اعتبر فيه من الاعمال و لم يقع فيه خلل سوى التقصير قبل الوقوفين الذي لا يترتب عليه في صورة الذكر و العمد الّا استحقاق العقوبة و ثبوت الكفارة من دون ان يكون قادحا في صحة الحج بوجه و المفروض هنا وقوعه متصفا بالجواز الذي حكم به العقل.

و ان اختار الحج فيأتي بأعماله و يقصّر في محلّه فتتحقّق الموافقة الاحتمالية التي لا محيص عنها.

ثم انه ذكر بعض الاعلام- قده- بعد الحكم بجواز التقصير في هذه الصورة لدوران امره بين الوجوب و الحرمة ان مقتضى التأمل وجوب التقصير لأنه إذا جاز بحكم التخيير وجب لوجوب إتمام العمرة و الحج على ما يدل عليه قوله تعالى:

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ لانه مع جواز التقصير يتمكن من الإتمام ثم قال: «و قد ذكرنا نظير ذلك في كتاب التيمم في مسألة ما لو كان عنده ماء و تراب و علم بغصبية أحدهما فقد ذكر الماتن انه من فاقد الطهورين و لا يجوز له الوضوء و لا التيمم و لكن قلنا هناك بوجوب الوضوء عليه- ح- لانه من دوران الأمر بين المحذورين في كل من التيمم و الوضوء و يحكم بالتخيير و بجواز ارتكاب أحد

الطرفين فإذا جاز الوضوء وجب لانه واجد للماء فلم ينتقل الأمر إلى التيمم».

أقول: لو سلم ما أفاده في كتاب التيمم فلا نسلم ما في المقام.

امّا أوّلا: فلما عرفت في بعض المباحث السّابقة من ان مفاد الآية المذكورة ليس هو وجوب الإتمام بعد الشروع بل الإتمام فيها بمعنى الأداء و الإتيان كما «في الإقامة و الإيتاء» في الصلاة و الزكاة و قد نقلناه عن بعض المحققين من المفسرين مضافا الى انه في نفس الآية بلحاظ ذيلها قرينة على عدم كون النظر إلى الإتمام بعد الشروع بل إلى أصل الأداء.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 163

[مسألة 5- لو نوى كحجّ فلان فان علم ان حجّه لما ذا صحّ]

مسألة 5- لو نوى كحجّ فلان فان علم ان حجّه لما ذا صحّ و الّا فالأوجه البطلان (1).

______________________________

و امّا ثانيا: فلانه على تقدير كون المراد بالإتمام هو الإتمام بعد الشروع لكن مفاد الآية هو لزوم إتمام ما شرع فيه و المفروض انّه وقع منسيّا عنه و يكون مردّدا بين حج الافراد و بين عمرة التمتع فما ذا يدل في هذا الحال على لزوم التقصير و وجوبه بل أمره دائر كما عرفت بين الوجوب و الحرمة و هذا بخلاف مسألة الماء و التراب فانّ ما يوجب الوضوء و تعينه هو الجواز الحاكم به العقل و كونه واجدا للماء فوجدانه له بضميمة جواز التوضي به يوجب ان لا تصل النوبة إلى التيمم بوجه و امّا المقام فلا يكون فيه ما يقتضي تعيّنه الظاهر في لزوم الإتيان به بعنوان عمرة التمتع نعم لو كان مراده هو اللزوم سواء اختار حج الافراد أو عمرة التمتع فهذا لا يحتاج الى الاستدلال بالاية بل هو مقتضى العلم الإجمالي بضميمة عدم جواز رفع

اليد عن الحج أو العمرة بعد الشروع فيهما كما هو المسلّم بينهم ظاهرا فتدبّر.

(1) لا شبهة في صحة إحرامه في مفروض المسألة لو علم ان فلانا بما ذا أحرم من حج أو عمرة و في الأوّل يكون حجّه تمتعا أو قرانا أو افرادا و في الثاني يكون عمرة التمتع أو عمرة مفردة و في الجواهر نفي الخلاف و الاشكال لوجود المقتضي من النية و التعيين و عدم المانع.

كما انه لا شبهة ظاهرا في بطلان إحرامه لو لم يحرم فلان أصلا لعدم تحقق إحرام منه حتى ينوي مثله نعم لو كان منوية ما يكون متعلقا لنيّة فلان على تقدير ارادة العمل بمعنى أنه ينوي ما ينويه على تقدير تعلّق إرادته بالإحرام و يكون المنوي معلوما لا مجال للبطلان في هذه الصورة و في الجواهر: «و لو بان ان فلانا لم يحرم انعقد مطلقا و كان مخيرا بين الحج و العمرة كما عن الشيخ و الفاضل التصريح به» و فيه ما لا يخفى انّما الكلام فيما لو نوى كإحرام فلان و لكنّه لا يعلم بما ذا أحرم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 164

..........

______________________________

و فيه فرضان:

الفرض الأوّل: ما إذا كان إحرام الغير و ان كان غير متعين عنده حال الإحرام و لكن ينكشف له بعد الإحرام بالسؤال منه أو بطريق آخر و البحث في هذا الفرض تارة من جهة القاعدة و اخرى من جهة النص الوارد فيه.

امّا من الجهة الأولى: فالظاهر انه لا مانع من الصّحة لأن المفروض انه قد نوى ما هو المتعين واقعا و هو ما نواه الغير حال الإحرام غاية الأمر عدم تعيّنه حال الإحرام و لا دليل على

اعتبار أزيد من التعيين الإجمالي خصوصا مع ملاحظة تبدل الإجمال و الإبهام إلى الانكشاف كما هو المفروض فهو مثل ما إذا نوى ما هو وظيفته الشرعية التي هي عبارة عن حج التمتع- مثلا- من دون ان يكون عالما بعنوان التمتع و بكون عمرته متقدمة على حجّه و مرتبطة به كما يشاهد في كثير من العوام بل مع التلفظ بهذه العناوين لا يعرف معناها الّا إجمالا و بالجملة لا دليل على بطلان هذا النحو من الإحرام المشتمل على التعيين الإجمالي و امّا من الجهة الثانية فقد استدل الشيخ- قده- كما في محكي الدروس بما روي عن علي- ع- انه قال إهلالا كإهلال النبي- ص- يشير بذلك الى ما ورد في الروايات المتعددة الحاكية لحجة الوداع التي وقع تشريع حج التمتع فيها حيث نزل جبرئيل عليه- ص- و هو بمروة فأمره أن يأمر من لم يسق هديا ان يحلّ و انه لا ينبغي لسائق الهدي ان يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه من انه قدم على- ع- من اليمن على رسول اللّٰه- ص- و هو بمكة فدخل على فاطمة- عليها السلام- و هي قد أحلّت فوجد ريحا طيبة و وجد عليها ثيابا مصبوغة فقال: ما هذا يا فاطمة فقالت أمرنا رسول اللّٰه- ص- فخرج علىّ الى رسول اللّٰه- ص- مستفتيا فقال يا رسول اللّٰه- ص- انى قد رأيت فاطمة قد أحلّت عليها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 165

..........

______________________________

ثياب مصبوغة فقال رسول اللّٰه- ص- انا أمرت الناس بذلك و أنت يا على بما أهللت قال قلت يا رسول اللّٰه إهلالا كإهلال النبي- ص- فقال له رسول اللّٰه- ص- كن على إحرامك مثلي و

أنت شريكي في هديتي (هديي ظ) الحديث «1».

و الاستدلال لفعل على- ع- مبنى على ان يكون المراد من قوله: إهلالا كإهلال النبي- ص- اني نويت الإحرام بما أحرمت به يا رسول اللّٰه كائنا ما كان من حج القران أو الافراد لعدم مشروعيّة التمتع بعد يعني في حال الإحرام أو لعدم علمه- ع- بها و قد أقره النبي- ص- على هذا النحو من الإحرام المشتمل على التعيين الإجمالي الذي ينكشف عند تشرفه بمحضره و لذا أمره بأن يبقي على إحرامه بعد تشريكه في هديه الذي كان مائة بدنة.

و امّا ما أفيد من ان فعل على- ع- أجنبي عن مسألة الإجمال في النيّة لأن الظاهر من قوله اني نويت الحج المشروع الواجب على المسلمين و هو حج القران أو الافراد و لم يكن حج التمتع حين ذاك مشروعا فما نواه أمير المؤمنين- ع- انما هو حج الافراد فمن غرائب الكلام لأنّ عدم مشروعية حج التمتع حين إحرامه- ع- لا تقتضي عدم الإجمال كيف و الّا لا يبقي مجال لسؤال الرسول- ص- بقوله- ص- بما أهللت ضرورة ان الدّوران بين الافراد و القران فقط مصحّح أيضا للإجمال و الإبهام مع انه لو كان ما نواه حج الافراد كانت الوظيفة العدول إلى عمرة التمتع كزوجته الطاهرة فاطمة الزهراء- سلام اللّٰه عليها- فلا محيص الّا ان يقال بأن إحرامه- ع- كان مشتملا على التعيين الإجمالي و كان منوية- ع- هو ما نواه الرسول- ص- و يؤيده قوله- ع- على ما في بعض الروايات: انك لم تكتب إليّ

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 166

..........

______________________________

بإهلالك فعقدت نيّتي بنيتك

و قلت اللهم إهلالا كإهلال نبيّك.

و أغرب مما ذكر ما في بعض شروح العروة من ان المقصود من قوله- ع-:

كاهلالك انه إهلال بالحج و لعلّه في مقابلة إهلال الجاهلية فهل الرسول- ص- يحتمل بعد مضي ثلاث و عشرين سنة من بعثته و بعد متابعة على- ع- له من ابتداء الدعوة و شروع الرسالة ان يكون إهلال على- ع- إهلال الجاهلية حتى يسأله عن ذلك و يجاب بعدم كونه كذلك و لعمري انه لا ينبغي التفوّه بهذا الكلام ممّن يكون له حظّ قليل من العلم فضلا عمن يكون له شأن في الفقه و مرتبة شامخة في هذا المجال.

ثم انه ربما يقال كما قيل و أشير إليه في الحدائق و الجواهر و غيرهما بثبوت التدافع و التنافي في النصوص الحاكية لإحرام أمير المؤمنين (ع) في حجة الوداع فان المذكور في ذيل صحيحة معاوية بن عمّار الطويلة المفصلة: و كان الهدي الذي جاء به رسول اللّٰه- ص- أربعا و ستين أو ستّا و ستين- و الترديد من الراوي كما هو ظاهر- و جاء عليّ بأربعة و ثلاثين أو ستّ و ثلاثين فنحر رسول اللّٰه- ص- ستّا و ستين و نحر على- ع- أربعا و ثلاثين بدنة (الحديث) «1». و ظاهره اقتران إحرام أمير المؤمنين- ع- بسياق الهدى فكان منويّة هو حج القران دون الافراد و دون المردّد بينهما المعين إجمالا.

و المذكور في صحيحة الحلبي: و اقبل عليّ- عليه السلام- من اليمن حتى وافي الحج فوجد فاطمة عليها السلام قد أحلّت و وجد ريح الطيب فانطلق الى رسول اللّٰه- ص- مستفتيا فقال رسول اللّٰه- ص- يا عليّ بأيّ شي ء أهللت فقال: أهللت بما أهلّ النبيّ- ص- فقال: لا تحلّ

أنت فأشركه في الهدي و جعل له سبعا و ثلاثين

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 167

..........

______________________________

و نحر رسول اللّٰه- ص- ثلاثا و ستين فنحرها بيده (الحديث) «1». و ظاهره عدم اقتران إحرامه- ع- بسياق الهدي و كون نيته على سبيل الإجمال و ان النبي- ص- أشركه في هديه فبين الصحيحتين تهافت ظاهرا.

هذا و التحقيق ان دعوى التهافت ناشئة عن عدم ملاحظة جميع الرواية من الصدر الى الذيل أو عدم الدقة في مفادها فإن صحيحة معاوية بن عمار مشتملة على مفاد ما اشتملت عليه صحيحة الحلبي من سؤال النبي- ص- عن على- ع- بما أهلّ به و جوابه بأنه أهلّ بما أهلّ به النبي و انه أشركه في هديه مصرّحا بذلك و قد تقدّم نقله في أوّل هذا البحث و عليه فالمراد بأنه جاء على- ع- بأربعة و ثلاثين ..

هو مجيئه بها الى منى من مكة بعد تشريك النبي إياه في هديه و جعل الثلث له تقريبا لا اقتران إحرامه من ميقات أهل اليمن الذي أحرم منه علىّ- ع- ظاهرا بسياق الهدى و يدل عليه أيضا قوله- ع- في هذه الصحيحة قبيل هذه العبارة: فلمّا أضاء له النهار أفاض حتى انتهى الى منى فرمى جمرة العقبة و كان الهدي الذي جاء إلخ.

و عليه فلا ينبغي الترديد في ان هذا المجي ء لا يرتبط بسوق الهدى بل يرتبط بمجيئه بما خصّه النبي به من مكّة فلا تنافي بين الروايتين بوجه.

نعم في رواية الفضل بن الحسن الطبرسي في إعلام الورى قال خرج رسول اللّٰه- ص- متوجها الى الحج في السنة العاشرة الى ان قال و

كان قارنا للحج ساق ستا و ستين بدنة و حجّ على- ع- من اليمن و ساق معه أربعا و ثلاثين بدنة الحديث «2».

و ظاهرها كون إحرامه- ع- كاحرامه- ص- مقرونا بسياق الهدي و كان المنوي له هو

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني ح- 14.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني ح- 32.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 168

..........

______________________________

حجّ القران كالنبي- ص- و لكنه- مضافا الى عدم كونه رواية منقولة عن الامام- ع- و لو مع الإرسال لظهورها في كون نقلها بعنوان التاريخ لا الرواية و يؤيده عدم كون الكتاب المزبور من الجوامع الروائيّة و لأجله يتوجه الاشكال على صاحب الوسائل أيضا و الى عدم التصريح في حجّ على- ع- بالقران مع التصريح به في حج النبيّ- ص- و الى وجود الاختلاف بين قوله: ساق كما في النبي- ص- و بين قوله:

ساق معه كما في على- ع- و الى دلالة الروايات الصحيحة التي تقدم بعضها على ان النبي- ص- ساق مائة بدنة لا ستا و ستين- يكون ذيلها قرينة على انه ليس المراد بهذا السوق هو السوق حال الإحرام بل السوق من مكّة إلى منى و هو انه قال له: بم أهللت يا عليّ فقال له يا رسول اللّٰه انّك لم تكتب إليّ بإهلالك فقلت إهلالا كإهلال نبيّك فقال له رسول اللّٰه- ص- فأنت شريكي في حجي و مناسكي و هديي. فإن هذا الذيل قرينة واضحة على عدم كون النية في إحرام على- ع- متعلقة بحج القران و عليه فلا بد من ان يقال بان المقصود من الصدر ما ذكرنا فلا تنافي سائر الروايات.

و بالجملة ملاحظة الروايات الواردة في

هذا المجال و الدقة و التدبر فيها تقضي بأن نيّة على- ع- حال الإحرام كانت مرددة بين القران و الافراد بعد وضوح عدم كون المقصود هي العمرة و عدم مشروعية التمتع بعد و انه بعد استعلام إهلال النبي ظهر انّ حجّه حج القران غاية الأمر أنه يتولد من ذلك اشكال و هو ان حج القران لا بد و ان يكون إحرامه مقرونا بسياق الهدي و الروايات ظاهرة في عدم الاقتران و ان سوق هديه- ح- كان من مكة بعد اشراك الرسول إياه في هديه.

و الجواب عن هذا الإشكال امّا بان يقال ان هذا من خصائصه- عليه السلام- كما ان جواز التشريك في الهدى بعد سوقه لعلّه كان من خصائص النبي- ص.

و امّا بان يقال ان ما كان اقتران إحرامه بسياق الهدى لازما في حج القران

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 169

..........

______________________________

انّما هو الحج الذي كانت الخصوصية فيه معلومة حال الإحرام و امّا ما كان مردّدا حال الإحرام فلا يعتبر فيه ذلك بل المعتبر هو السوق بعد الانكشاف و التعين و المفروض تحققه في إحرام- علىّ- لسوقه الهدى بعد تشريك النبي إياه في هديه و لا يبعد الالتزام بذلك مطلقا و سيأتي تحقيقه في حج القران ان شاء اللّٰه تعالى.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا صحة الإحرام في هذا الفرض بمقتضى القاعدة و النصوص.

الفرض الثاني: ما إذا نوى كنيّة الغير مع عدم تعين المنوي عنده و عدم الانكشاف بعدا و استمرار الاشتباه لموت أو غيبة و المذكور في الجواهر انّ فيه وجوها ثلاثة:

أحدها: ما حكى عن الشيخ- قده- من انه يتمتع احتياطا و ظاهر الشرائع ان مورد هذا القول

كلا الفرضين و لكن صرّح في الجواهر بان مورده خصوص صورة استمرار الاشتباه و الوجه فيه انّه ان كان متمتعا واقعا و كان منوي الغير هو التمتع فقد تحققت الموافقة و ان كان غيره فالعدول عنه الى التمتع جائز.

و يرد عليه انه لا مجال لدعوى جواز العدول مطلقا بل يختص ذلك بحج الافراد إذا لم يكن متعينا عليه فلا ينطبق على المدّعى و أضاف إليه في الجواهر ان العدول على خلاف القواعد و الثابت منه حال معلومية المعدول عنه لا مشكوكيّته و لكن فيه ما لا يخفى فإنه في صورة الشك يتردد بين العدول و غيره فإذا كان العدول المعلوم جائزا فالمشكوك انما يكون جائزا بطريق اولى.

ثانيها: ما حكى عن بعض من البطلان في هذا الفرض لان المفروض تعذر العلم بما أحرم به و معرفته فيكون من المجمل الذي لا يجوز الخطاب به مع عدم طريق لامتثاله.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 170

[مسألة 6- لو وجب عليه نوع من الحج أو العمرة بالأصل فنوى غيره بطل]

مسألة 6- لو وجب عليه نوع من الحج أو العمرة بالأصل فنوى غيره بطل، و لو كان عليه ما وجب بالنذر و شبهه فلا يبطل لو نوى غيره، و لو نوى نوعا و نطق بغيره كان المدار ما نوى، و لو كان في أثناء نوع و شك في انه نواه أو نوى غيره بنى على انه نواه (1).

______________________________

ثالثها: احتمال التخيير كما في نسيان ما أحرم به.

أقول: قد مرّ في مسألة نسيان ما عينه من حج أو عمرة انه في صورة صحة كلا الأمرين و عدم جواز العدول في البين يتصور فروض كثيرة و في أكثرها يوجد الطريق للامتثال العلمي الإجمالي و في بعضها لا محيص الّا عن

الامتثال الاحتمالي و الموافقة كذلك و عليه فالظاهر اشتراك المقام مع تلك المسألة في الفروض التي يمكن فيها تحقق الامتثال قطعا و لو إجمالا و ذلك لان المفروض ان المنوي متعين واقعا و ان لم يكن له طريق الى تعيينه و لكن يمكن له الامتثال بنحو يقطع بتحققه فلا مانع في البين أصلا.

و امّا الفرض الذي لا طريق فيه الى الامتثال العلمي و لو إجمالا فالظاهر وجود الفرق بين المقام و بين تلك المسألة فيه لانه هناك قد وقع الإحرام الصحيح لاشتماله على تعيين الحج أو العمرة غاية الأمر عروض النسيان و لم يقم دليل على كونه موجبا للخروج عن الإحرام أو كاشفا عن عدم تحققه من الأوّل و امّا هنا فالشك في أصل صحة الإحرام بهذه الكيفية و أصل تحققه و لم يقم دليل على الصحة من إطلاق أو غيره و عليه فالظاهر وجود الفرق بين المسألتين في هذا الفرض فتدبّر.

(1) في هذه المسألة فروع ثلاثة:

الفرع الأوّل: ما لو وجب عليه نوع من الحج أو العمرة فنوى غيره و ظاهر العروة البطلان مطلقا من دون تفصيل بين ما وجب بالأصل و ما وجب بالنذر و شبهه و قد فسّر البطلان في بعض شروحها بعدم الوقوع عمّا وجب عليه لا البطلان رأسا فيحكم بصحة المأتي به و لكنه لا يجزي عمّا وجب عليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 171

..........

______________________________

و لكن التفصيل الذي أفاده سيّدنا العلامة الأستاذ الماتن- قده- في المتن و في حاشية العروة يدلّ على انه قد فسر البطلان بالبطلان رأسا كما هو الظاهر من العروة أيضا و الوجه فيه ان عدم الوقوع عما يجب عليه من النوع الذي

نوى غيره مع التوجه و الالتفات يكون مشتركا بين الصورتين لانه لا مجال للوقوع عنه مع عدم نيّته و التعمد و الالتفات كما هو ظاهر و- ح- فاللازم ملاحظة وجه التفصيل المزبور فنقول: هو مبني علي ما تقدم منه- قده- في بعض المسائل السّابقة من انّ من استقر عليه الحج و تمكن من أدائه ليس له ان يحج عن غيره تبرعا أو بالإجارة و كذا ليس له ان يتطوع به ثم نفى البعد عن البطلان من غير فرق بين علمه بوجوبه عليه و عدمه بل حكم ببطلان الإجارة و ان كان جاهلا بوجوبه عليه و عليه يظهر وجه الحكم بالبطلان فيما لو نوى غير ما وجب عليه بالأصل و انه لا يقع مطلقا لا عن الواجب و لا عن المنوي و امّا وجه الحكم بالصحة فيما لو كان عليه ما وجب بسبب النذر و شبهه فلعدم جريان أدلة البطلان في الفرض الأوّل في هذا الفرض بعد كون الوجوب غير متعلق بعنوان الحج بوجه بل بعنوان الوفاء بالنذر و شبهه و ان كان النذر متعلقا بعنوان خاص و كان مقيدا بالفورية لكن قد مرّ منّا انه لا وجه للحكم بالبطلان في الفرض الأوّل سواء كان مستندا إلى القاعدة أو الى الروايتين الواردتين فيه أو الى الإجماع أو الشهرة فالحق في كلا الفرضين عدم البطلان بهذا المعني نعم لا ريب في البطلان بمعنى عدم وقوعه عما وجب عليه لعدم تعلّق النيّة به أصلا.

الفرع الثاني: ما لو نوى نوعا و نطق بغيره فان كان بنحو سبق اللسان و من غير قصد و لا اختيار فلا شبهة في صحته و ان المدار ما نوى و ان كان بغيره لكن

لا بنحو يرجع الى العدول عن النية فالمدار أيضا هي النيّة لأنه لا اثر للفظ بدونها و يترتب عليها الأثر بدونه لانه لا يلزم التلفظ بها بل لا دليل على الاستحباب في غير اعمال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 172

..........

______________________________

الحجّ و العمرة.

و ربما يستشهد على الصحة بما رواه في محكيّ قرب الاسناد عن عبد اللّٰه بن الحسن عن جدّه على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السلام- قال سألته عن رجل أحرم قبل التروية فأراد الإحرام بالحج يوم التروية فأخطأ و ذكر العمرة قال فقال ليس عليه شي ء فليعتدّ الإحرام بالحجّ «1».

و أورد على الاستشهاد به بان ظاهرها هو الخطاء في النيّة لا في الذكر اللفظي بمعنى ان الداعي النفسي كان هو الحج و لكنه نوى العمرة.

كما انه أورد بعض الاعلام- قده- على الاستشهاد به بعد الحكم بضعف السند بعبد اللّٰه بن الحسن كما مرّ سابقا بأنه أجنبي عن المقام بالمرة لأن المفروض فيه صدور الإحرام منه في الخارج و لكن يريد الإحرام ثانيا يوم التروية لدرك فضل الإحرام يوم التروية فلا يشمل الخطاء في الإحرام من الأوّل.

أقول الظاهر ان هذا الإيراد يبتني على عدم التأمل في معني الرواية و مورد السؤال فيها لانه مضافا الى انه لم يقم دليل على جواز تجديد الإحرام لدرك الفضيلة المذكورة و لا يكون الاشتباه في الإحرام التجديدي بقادح أصلا فلا مجال للسؤال عنه لعدم قدح بطلانه فضلا عن الاشتباه ان مورد السؤال دخوله في الحرم قبل التروية و ان معني أحرم هو الورود في الحرم كما ان معني اللّابن و التامر هو بايع اللبن و التمر و عليه فلم يتحقق

منه إحرام قبل التروية بوجه بل مراده من الأوّل هو الإحرام بالحج يومها و لكنه أخطأ و المراد من قوله: و ذكر العمرة امّا ذكر العمرة أي في النية بدلا عن الحج و امّا التذكر و التوجه إلى انه لم يأت بالعمرة قبل الحجّ بعد على و كلا التقديرين ينطبق على المقام.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثاني و العشرون ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 173

..........

______________________________

نعم الاستدلال بها يتوقف على كون الجواب: «فليعتد» كما في الوسائل المناسب لقوله قبله ليس عليه شي ء و لكن الظاهر انه لا مجال للحكم بالصحة في التقدير الثاني و امّا لو كان الجواب: «فليعد» كما في بعض النسخ أو كان «فليعقد» فالظاهر دلالته على لزوم إعادة الإحرام.

و يؤيد ما ذكرنا في معني سؤال الرّواية ان المنقول في ذيل الوسائل عن قرب الاسناد: سألته عن رجل دخل قبل التروية بيوم و أراد الإحرام بالحج يوم التروية فأخطأ قبل العمرة ما حاله: قال ليس عليه شي ء فليعد الإحرام بالحج. و ظاهره الإحرام بالحج قبل إتمام العمرة و عليه فتدل على لزوم إعادة الإحرام بالحج من دون ان يكون عليه شي ء من الكفارة و لكن حيث ان الرواية ضعيفة السند لا مجال للاستدلال بها نفيا و إثباتا.

الفرع الثالث: ما لو كان في أثناء نوع و شك في انه نواه أو نوى غيره و الجمع بين الأمرين بأن كان في أثناء نوع و مع ذلك شكّ في نيّته أو نيّة غيره انّما هو بأن يأتي- مثلا- بالطواف بعنوان عمرة التمتع بحيث لو سئل عن طوافه لكان يجيب بذلك و لكن يحتمل مع ذلك ان تكون نيّته حال الإحرام

الذي هو الشروع في العمل متعلقة بالعمرة المفردة و قد حكم فيه في المتن و في العروة و كثير من شروحها بالبناء على ما نوى و الوجه فيه هو التجاوز عن محلّ النية الذي هو حال الإحرام فهو كمن يكون مشتغلا بصلاة الظهر و في أثنائها و لكنه يحتمل ان يكون قد نوى حال الشروع عنوان العصر باعتقاد انه صلّى الظهر فان الظاهر هو البناء على انه نوى الظهر بحيث لا يكون مجال للعدول و لو على سبيل الاحتمال و ليس ذلك إلّا لأجل التجاوز عن محل النية الذي هو مقارن للشروع فيها و عليه فلا مجال للإشكال في جريان قاعدة التجاوز نظرا إلى انه انّما تجري مع الشك في تحقق ماله دخل في تمامية العنوان بعد إحراز عنوانه و النية لما كانت بها قوام العنوان فمع الشك فيها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 174

[مسألة 7- لو نوى مكان عمرة التمتّع حجّه جهلا]

مسألة 7- لو نوى مكان عمرة التمتّع حجّه جهلا فان كان من قصده إتيان العمل الّذي يأتي به غيره و ظنّ انّ ما يأتي به أوّلا اسمه الحج فالظاهر صحّته و يقع عمرة، و امّا لو ظنّ ان حج التمتّع مقدم على عمرته فنوى الحج بدل العمرة ليذهب الى عرفات و يعمل عمل الحج ثم يأتي بالعمرة فاحرامه باطل يجب تجديده في الميقات إن أمكن و الّا فبالتفصيل الذي مرّ في ترك الإحرام (1).

______________________________

يكون الشك في العنوان لا في المعنون.

فالظاهر بمقتضى ما ذكر ما افاده الماتن- قده-

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 3، ص: 174

(1) و الوجه في الصحة في الفرض الأوّل انّ المنوي بحسب الواقع هي العمرة غاية الأمر تخيّله انّ عنوانها هو الحجّ و الّا فلو سئل عمّا يأتي به بعد الإحرام يجيب بأنه يدخل مكة و يطوف و يسعى و يقصّر بل لا يلزم العلم بذلك و انه يكفى ان يقصد ما يأتي به من هو مثله في الفرض و نوعه لما عرفت من كفاية التعيين الإجمالي و عدم كون الخطاء في العنوان لفظا أو مع النية قادحا في الصحّة بوجه خصوصا بعد كون حج التمتع له خصوصية من جهة ارتباط حجّه بعمرته و كذا العكس و لأجله ربما يطلق على المجموع عنوان الحج لأن إضافة الحج الى التمتع ان كانت في مقابل العمرة يكون الحج امرا آخرا مغايرا لها و ان كانت في مقابل حج القران أو الافراد يكون شاملا لها أيضا كما هو ظاهر.

و امّا الوجه في البطلان في الفرض الثاني فلأجل انه قد نوى الحجّ الذي يقابل العمرة بحيث لو سئل عما يأتي به بعد الإحرام يجيب بأنه يذهب بعد الإحرام الى عرفات و مشعر و منى و يأتي بأعمال الحج و مناسكه فالظاهر بطلان إحرامه و لو كان ذلك جهلا و لا يجري فيه ما ذكرنا سابقا من صحة ما نوى و ان كان الواجب عليه بالأصل غيره فضلا عن الواجب بالنذر و الاستيجار و مثلهما و ذلك لان المفروض هنا انه نوى ما هو الواجب عليه غاية الأمر انه تخيل جهلا كون الواجب هو الحج مقابل العمرة فنوى الحج فلا مجال- ح- لصحّته و عليه فيصير كمن ترك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحج، ج 3، ص: 175

[الثاني: من الواجبات التلبيات الأربع و صورتها]

اشارة

الثاني: من الواجبات التلبيات الأربع و صورتها على الأصحّ: لبّيك اللّٰهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك، فلو اكتفى بذلك كان محرما و صحّ إحرامه، و الأحوط الاولى ان يقول عقيب ما تقدّم انّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبّيك، و أحوط منه ان يقول بعد ذلك: لبّيك اللهم لبّيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبّيك (1).

______________________________

الإحرام رأسا جهلا أو نسيانا و قد مرّ ان حكمه الرجوع الى الميقات و الإحرام منه و مع عدم التمكن من العود الى الميقات التفصيل المتقدم في تلك المسألة فراجع فلا شبهة في صحة التفصيل المذكور في المتن.

(1) لا شبهة في انّ التلبية و ما يجري مجراها من واجبات الإحرام بل كما في الجواهر: الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى الروايات التي سيأتي نقل بعضها و التلبية مصدر باب التفعيل و معناها قول: لبيك بحسب الأصل و اللّغة و فيه احتمالان:

الاحتمال الأوّل: ما يظهر من أكثر اللغويين و الادبيّين من أنّه صيغة التثنية و أصله: لبيّن لك فحذف اللام و أضيف إلى الكاف فحذف النون و النصب انّما هو لأجل فعل محذوف مقدّر أصله ألبّ لك إلبابا بعد الباب أو لبّا بعد لبّ بمعنى الإقامة بعد الإقامة أو الإجابة بعد الإجابة و التثنية انّما هي للتأكد لا للتعدّد و معني الإقامة ظاهرا هي الإقامة و التهيؤ الكامل لإطاعة الهّٰ تبارك و تعالى و قضاء مناسك الحج الذي هو من أهمّ الفرائض الإلهيّة كما في إقامة الصلاة المأمور بها في مواضيع كثيرة من الكتاب العزيز كما ان الإجابة في المقام إجابة للنداء الذي أمر اللّٰه تعالى به

إبراهيم- ع- بأن يؤذّن في الناس بالحج فقيل و اجابه من الناس من هو في أصلاب الرجال و أرحام النساء فجعله اللّٰه تعالى شعارا لهم.

و ربما يحتمل ان يكون من لبّ بمعنى واجه يقال داري تلب دارك اى تواجهها و معناه- ح- ان مواجهتي و قصدي لك كما انه يحتمل ان يكون من لب الشي ء اي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 176

..........

______________________________

خالصة فيكون بمعنى إخلاصي لك و لكنه بعيد بعد كون اللب بهذا المعني بضم اللّام دون الفتح و عن القاموس انه احتمل ان يكون معناه محبّتي لك.

و يرد على جميع الاحتمالات الجارية في هذا الفرض المبنية على كون اللفظ مثنى انه لم يعلم وجه حذف اللام من لك حتى تتحقق الإضافة المستلزمة لحذف النّون الّا ان يوجّه بان الوجه هو كثرة الاستعمال و شدة الحاجة إليه فتدبّر.

الاحتمال الثاني: ان يكون كلمة مفردة نظير على ولدي فأضيفت الى الكاف فقلبت ألفه ياء و هو محكي عن يونس و أورد عليه بانّ على ولدي إذا أضيفا إلى الظاهر يقال فيهما بالألف كعلي زيد ولدي زيد و ليس لبي كذلك فإنه يقال فيه لبي زيد بالياء.

و الظاهر ان المراد من هذا الاحتمال ثبوت التشديد للباء و ان كان التنظير بعلى ولدي يبعّده و مع ثبوت التشديد يصير فعلا آبيا عن الإضافة لاختصاصها بالاسم.

هذا و الذي يقرب الى الذهن انّ مجموع هذه الكلمة مدلولها الإجابة للمنادي المقارنة مع تكريمه و تعظيمه و تجليله و تستعمل في هذا المقام من دون ان يكون مثنى أو مركّبا و المنادي في المقام بالأصالة هو اللّٰه تبارك و تعالى و لذا يذكر كلمة «اللهم» في صورة

التلبية الآتية و كيف كان فالكلام في هذا الأمر أي الأمر الثاني من واجبات الإحرام بعد الفراغ عن أصل اعتبار التلبية و لزومها في الإحرام يقع في أمرين:

الأمر الأوّل: ان الواجب هو التلبيات الأربع لا أزيد لكن حكى عن الاقتصاد انه ذكر في صورة التلبية الواجبة خمسا لكن قال في كشف اللثام بعد نقله: و لم يقل به أحد و حكى عن التذكرة الإجماع على العدم و عن المنتهى إجماع أهل العلم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 177

..........

______________________________

عليه كما انه حكى عن المهذب البارع انه حكى عن بعض وجوب السّت لكن في الجواهر: لم نتحقّقه و عليه فلا ينبغي الإشكال في عدم لزوم الزائد على الأربع.

الأمر الثاني: صورة التلبية و قد وقع فيها الاختلاف قال المحقق في الشرائع:

«و صورتها ان يقول لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك و قيل يضيف الى ذلك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك و قيل بل يقول لبيك اللهم لبيك، لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك لبيك و الأوّل أظهر».

و اختار الأوّل في محكي النافع و بعض نسخ المقنعة قال في الجواهر و لعلّه ظاهر التحرير و محكي المنتهي بل هو خيرة الكركي و سيد المدارك و الأصبهاني و السيّد في العروة و الماتن و غيرهم.

و حكى الثاني عن رسالة علي بن بابويه و بعض نسخ المقنعة و القديمين و الأمالي و الفقيه و المقنع و الهداية و ظاهر المختلف و الثالث عن القواعد و الإرشاد و التبصرة و محكيّ الجامع.

و حكى عن جمل السيّد و شرحه و المبسوط و السّرائر و الكافي

و الغنية و الوسيلة و المهذب ذلك اى القول الثالث لكن بتقديم «و الملك» على لك و عن النهاية و الإصباح ذكره بعده و قبله جميعا و العجب من بعض الاعلام- قده- حيث انه قال و لم يقل أحد بوجوب تقديم و الملك على لك مع ان صاحب الجواهر- قده- نقله عمن عرفت مع كثرته و يدلّ على الأوّل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال: التلبية ان تقول: لبّيك اللّٰهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبّيك، ان الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك لبيك، (لبيك خ ل) ذا المعارج لبيك لبيك الى ان قال و ان تركت بعض التلبية فلا يضرّك غير ان تمامها أفضل، و اعلم انه لا بد من التلبيات الأربع الّتي كنّ في أوّل الكلام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 178

..........

______________________________

و هي الفريضة و هي التوحيد و بها لبّى المرسلون الى آخر الحديث «1».

و ادعى في العروة صراحة هذه الصحيحة في القول الأوّل و ان الزوائد مستحبة لكن قد نوقش في هذا الادعاء بمنعه لانه يحتمل ان يكون ما قبل التلبية الخامسة متمّما للتلبية الرابعة داخلا في التلبيات الأربع كما ان قوله لا شريك لك داخل فيها قطعا و عليه يكون شروع التلبية الخامسة من قوله لبيك بعد قوله ان الحمد و النعمة .. نعم لا تنبغي المناقشة في ظهورها في هذا القول لكن الظهور غير الصراحة.

ثم انّ المراد من قوله: و هي التوحيد يحتمل ان يكون وجهه اشتمال التلبيات الأربع على قوله لا شريك لك و يحتمل ان يكون لأجل ان معناها التوجه أو الإخلاص

إليه تعالى كما مرّ و يحتمل ان يكون لأجل اشتراك جميع المرسلين في هذه التلبيات و يدل على هذا القول أيضا صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن كنت ماشيا لبّيت من مكانك من المسجد تقول: لبيك اللّٰهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبّيك، لبيك ذا المعارج لبيك، لبّيك بحجّة تمامها عليك و اجهر بها كلّما ركبت و كلّما نزلت و كلّما هبطت واديا أو علوت اكمة أو لقيت راكبا و بالأسحار «2».

و لكن دلالتها على القول الأوّل انّما هي بضميمة الإجماع على عدم وجوب الزائدة على الأربع كما مرّ كما انّها تدل على عدم مدخليّة قوله ان الحمد و النعمة .. في التلبية الرابعة بوجه لعدم التعرض له مع التعرض للتلبيات المستحبة الزائدة.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الأربعون ح- 2.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الأربعون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 179

..........

______________________________

و استدلّ للقول الثاني بعدة روايات:

منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: لمّا لبّى رسول اللّٰه- ص- قال لبّيك اللّٰهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، انّ الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك لبيك، لبّيك ذا المعارج لبّيك، و كان يكثر من ذي المعارج و كان يلبّي كلّما لقي راكبا أو علا اكمة أو هبط واديا و من آخر الليل و في ادبار الصلوات «1».

و أجيب عنه بأن الصحيحة في مقام بيان حكاية تلبية النبي- ص- و لا دليل على ان جميع ما اتى به واجب بل ذكر الدعاء في ذيل التلبيات قرينة على عدم وجوب جميع هذه

الجملات لان الدعاء غير واجب قطعا.

كما انه يمكن استشكال عليه بعدم انطباقها على المدعى بعد كون صورة التلبية عنده عبارة عن التلبيات الأربع و الرواية مشتملة على سبع تلبيات.

و يرد على الجواب الأوّل: انّ الحاكي لفعل النبي- ص- أو الإمام- ع- ان كان هو الامام دون غيره و كان الغرض من حكايته بيان الحكم لأنّها نوع من البيان فلا مجال لرفع اليد عما هو ظاهره الذي هو الوجوب و لا سبيل لاحتمال الاستحباب مع عدم قيام قرينة عليه و قد قام الدليل الذي هو الإجماع في المقام على عدم وجوب الزائدة على اربع تلبيات و القدر المتيقن من معقد الإجماع عدم لزوم التلبية الخامسة و ما بعدها و المفروض في الرواية وقوع قوله ان الحمد و النعمة .. قبل التلبية الخامسة فلم يقم دليل على عدم وجوبه و منه ظهر الجواب عن الاستشكال المزبور فيتمّ الاستدلال بالصّحيحة.

نعم صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة صريحة في عدم وجوب الإضافة المذكورة

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الأربعون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 180

..........

______________________________

لعدم التعرض لها بوجه فالجمع بينها و بين هذه الصحيحة هو الحمل على الاستحباب كالتلبية الخامسة و ما بعدها كما لا يخفى.

و منها: صحيحة عاصم بن حميد قال سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- يقول ان رسول اللّٰه- ص- لما انتهى الى البيداء حيث الميل قربت له ناقة فركبها فلمّا انبعثت به النبي- ص- لبّى بالأربع قال: لبّيك اللّٰهم لبّيك، اللّٰهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، انّ الحمد و النعمة و الملك لك، لا شريك لك لبّيك ثم قال هاهنا يخسف بالأخابث ثم قال انّ الناس زاد و

أبعد و هو أحسن «1».

و الاشكال بكونها حكاية الفعل قد عرفت الجواب عنه لكن الإيراد عليه بعدم انطباقها على المدّعى تامّ لعدم تعدّد اللّٰهم لبّيك و تقدم و الملك على لك لكن المنقول في ذيل الوسائل ان الرواية في مصدرها الذي هو كتاب قرب الاسناد المطبوع في الأواخر خال عن قوله اللهم لبّيك الثاني و عن لبّيك الآخر و في آخره ان الناس زاد و أبعد فرد و هو حسن.

كما انّ دلالة صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة على عدم وجوب الإضافة المذكورة في هذا القول توجب الحمل على الاستحباب.

و منها: ما رواه في الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (ع) في حديث شرائع الدين المشتمل على قوله: و فرائض الحج الإحرام و التلبيات الأربع و هي لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، ان الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك «2».

و دلالتها على هذا القول و ان كانت ظاهرة الّا ان الاشكال في سندها لعدم

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب السادس و الثلاثون ح- 6.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني ح- 29.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 181

..........

______________________________

اعتباره لكن الأحوط الأولى كما في المتن رعاية هذه الإضافة.

ثم ان كلمة «انّ» يمكن ان تكون بفتح الهمزة و يمكن ان تكون بكسرها و على التقدير الأوّل لا بدّ من الالتزام بحذف مثل اللام ليكون تعليلا لما قبله و على الثاني تكون جملة مستأنفة مستقلة و منه يظهر ترجيحه على الأوّل لأنه مضافا الى ان الالتزام بالحذف انما يكون في مورد الضرورة يكون الاستيناف دالا على مطلب ثان و أمر مستقل زائد على المطلب الذي هو

مفاد الجملة الاولى و لعلّه لذا استشكل في جواز الفتح الماتن- قده- في حاشية العروة كما ان قوله: و الملك بناء على كونه بعد «لك» يجري فيه احتمالان الفتح بناء على كونه معطوفا على الحمد، و الضم بناء على كونه مبتدأ لخبر محذوف يدل عليه ما قبله.

ثم انّ الوجه في كون مقتضى الاحتياط الاستحبابي هي رعاية الإضافة المذكورة في القول الثاني واضح على ما عرفت و امّا الوجه في كون الأحوط منه ما ذكره في المتن بعده فيشكل تارة من جهة ان الظاهر كون هذا هو القول الثالث الذي نقله المحقق في الشرائع في عبارته المتقدمة و ان كان بينهما اختلاف من جهة تكرر لبّيك في هذا القول دون ما هو المذكور في المتن و ان كان يمكن إسناده إلى سهو القلم أو الناسخ أو الطبع مع ان هذا القول- اى القول الثالث لا مستند له من جهة الروايات أصلا و لذا قال في الجواهر: «و امّا القول الثالث على كثرة القائل به بل في الدروس: انه أتمّ الصور و ان كان الأول مجزيا و الإضافة إليه أحسن، فلم أظفر له بخبر كما اعترف به غير واحد لا من الصحيح و لا من غيره في الكتب الأربعة و لا في غيرها لا بتقديم «لك» على «الملك» و لا تأخيره و لا ذكر مرتين قبله و بعده» و حكى مثل ذلك عن المدارك و كشف اللثام و غيرهما.

و اخرى من جهة انّ ظاهر القول الثالث كون الصورة المذكورة فيه هي تمام صورة التلبية من دون زيادة و لا نقصان و وجود القائل خصوصا مع كثرته و ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3،

ص: 182

[مسألة 8- يجب الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات]

مسألة 8- يجب الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على القواعد العربية فلا يجزي الملحون مع التمكن من الصحيح و لو بالتلقين أو التصحيح و مع عدم تمكّنه فالأحوط الجمع بين إتيانها بأيّ نحو امكنه و ترجمتها بلغته و الأولى الاستنابة مع ذلك و لا تصح الترجمة مع التمكن من الأصل، و الأخرس يشير إليها بإصبعه مع تحريك لسانه و الأولى الاستنابة مع ذلك و يلبي عن الصبي غير المميّز (1).

______________________________

كان يوجب تحقق موضوع الاحتياط الّا ان ظاهر المتن ضمّ هذه الصورة إلى الصورة الأولى التي قوّاها مع ان هذا القول مشتمل على جميع خصوصيات الصورة الأولى كالقول الثاني غاية الأمر ان الإضافة في القول الثاني مذكورة بتمامها بعد تمامية الصورة الاولى و في القول الثالث مذكورة متفرقة من دون ان يكون نقصان من الصورة الاولى و من الواضح انّ الفصل بهذا المقدار القليل مع كونه ذكرا و نحوه لا يقدح في تحقق الصورة ضرورة ان الفصل بين التلبيات الأربع بمثل الصلوات على محمد و آله لا يقدح في تحققها و عليه فيشكل جعل الاحتياط الكامل في إضافة مجموع القول الثالث إلى الصورة الاولى و عليه فيحتمل قويّا ان يكون المراد ان يقول مكان ذلك مكان بعد ذلك و يحتمل ضعيفا ان يكون مراد المتن اضافة القول الثالث الى مجموع القولين الأوّلين بحيث كان مرجعه الى الجمع بين جميع الأقوال فتدبّر.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:

المقام الأوّل: في أجزاء الملحون من حيث المادة أو الهيئة و عدمه، لا ينبغي الإشكال في عدم الاجزاء مع التمكن من الصحيح و لو بالتلقين أو التصحيح لأنّ ظاهر ما يدل على صورة

التلبية التي لا بد منها في الإحرام يقتضي لزوم الإتيان بها بالكيفية المذكورة اي باللغة العربية و رعاية أداء الكلمات على طبق قواعدها بحيث تكون محكومة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 183

..........

______________________________

بالصّحة و ان لم تكن مشتملة على التجويد و لا الخصوصيات التي تختصّ بالعالم باللغة العربيّة و التلفظ بها كما في القراءة و التشهد و الأذكار في باب الصلاة.

إنّما الإشكال في صورة عدم التمكن من الصحيح أصلا و لو بأحد الطريقين المذكورين و قد احتاط في المتن وجوبا بالجمع بين إتيانها بأيّ نحو امكنه و بين الترجمة بلغته و حكم باستحباب ضم الاستنابة إليهما لكن السيد- قده- في العروة احتاط أوّلا بالجمع بين الأوّل و بين الاستنابة و ثانيا بالجمع بين الأمور الثلاثة.

و لا بدّ في المقام بعد ملاحظة ان النيابة كما عرفت في أوّل فصل النيابة في الحج أمر يكون على خلاف القاعدة لا يصار اليه الّا في مورد قيام الدليل المعتبر عليه و ثبوت النيابة كما في أصل الحج في بعض الموارد و بعد ملاحظة انّ قاعدة الميسور لا تكون من القواعد المعتبرة التي يمكن ان يستدل بها في مثل هذه الموارد من ملاحظة الروايات الواردة في المسألة أو التي يمكن ان يستفاد منها حكمها فنقول:

منها ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن محمد بن احمد عن محمد بن عيسى عن محمد بن يحيى عن ياسين الضرير عن حريز عن زرارة انّ رجلا قدم حاجّا لا يحسن ان يلبّى فاستفتي له أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- فأمر له ان يلبّي عنه «1».

و لو لا ضعف سند الرواية بسبب ياسين الضرير لعدم وجود مدح بالإضافة إليه

فضلا عن التوثيق لكانت دلالتها على تعين الاستنابة في المقام بلحاظ كون مورد الاستفتاء من لا يحسن ان يلبي الظاهر في عدم التمكن من الإتيان بها صحيحة لا عدم التمكن من الإتيان بها رأسا واضحة فإن ظاهرها تعين الاستنابة و عدم جواز الاكتفاء بالملحون و على تقدير عدم الضعف كانت صالحة للنهوض في مقابل

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب التاسع و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 184

..........

______________________________

القاعدة التي عرفت ان النيابة على خلافها و كذا قاعدة الميسور بناء على اعتبارها لكن ضعف السند يمنع عمّا ذكر.

و منها: ما رواه في قرب الاسناد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال سمعت جعفر بن محمد- عليهما السلام- يقول انك قد ترى من المحرّم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم و المحرّم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح، و لو ذهب العالم المتكلم الفصيح حتى يدع ما قد علم انه يلزمه و يعمل به و ينبغي له ان يقوم به حتى يكون ذلك منه بالنبطية و الفارسيّة فحيل بينه و بين ذلك بالأدب حتى يعود الى ما قد علمه و عقله، قال و لو ذهب من لم يكن في مثل حال الأعجم المحرّم فعل فعال الأجنبي و الأخرس على ما قد وصفنا إذا لم يكن أحد فاعلا لشي ء من الخير و لا يعرف الجاهل من العالم «1».

و الظاهر ان الرواية موثقة و قد نقل البهبهاني- قده- في التعليقة عن المجلسي الأوّل: ان الذي يظهر من

اخباره- يعني مسعدة- التي في الكتب انه ثقة لأن جميع ما يرويه في غاية المتانة موافقة لما يرويه الثقات و قد عبّر الشيخ الأعظم الأنصاري- قده- عن روايته المعروفة الواردة في أصالة الحلية و حجية البينة بالموثقة فلا إشكال في الرواية من حيث السند.

و امّا من حيث الدلالة فالظاهر ان كلمة «المحرّم» انّما هي بتشديد الرّاء و الظاهر ان قوله: من العجم بيان له و المراد من كليهما من لا يكون قادرا على الإتيان بالكلمات صحيحة و تؤيده اللغة قال الأزهري: سمعت العرب تقول ناقة محرّمة الظهر إذا كانت صعبة لم ترض و لم تذلل. ففي الحقيقة يكون المراد من المحرّم

______________________________

(1) وسائل أبواب القراءة في الصلاة الباب السابع و الستون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 185

..........

______________________________

من يكون لسانه متعصّيا عن التلفظ الصحيح كما ان المراد بالفصيح ما يقابل ذلك لا الفصاحة المستعملة مع البلاغة في علم المعاني و البيان كما ان المراد بالعاقل ليس ما يقابل المجنون فان كثيرا ما يستعمل العقل في الروايات و في الأدعية في مقابل الجهل و قد اشتهر حديث جنود العقل و الجهل الذي شرحه سيدنا الأستاذ الأعظم الماتن- قدس سره الشريف- شرحا مستقلا مشتملا على مطالب عالية و إفادات كثيرة و كيف كان فلا شبهة في دلالة الرواية على انه لا يراد ممّن لا يحسن مثل التلبية مثل ما يراد من العالم الفصيح و انه يجوز له الاكتفاء بما يحسن و الاقتصار عليه فلا تجب عليه الاستنابة و لا التّرجمة بوجه.

و منها: ما ورد في تلبية الأخرس و مثلها و هو ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال

تلبية الأخرس و تشهّده و قرائته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه «1».

فإنّ موردها و ان كان هو الأخرس و هو لا يقدر على التكلم أصلا الّا انه يستفاد من جعل مثل تلبيته هو تحريك اللسان و الإشارة بالإصبع و مرجعه إلى انه لا مجال للاستنابة فيه ان الحكم في الملحون أيضا عدم وجوب الاستنابة و جواز الاكتفاء بما يتمكن منه لو لم نقل بأولويته من الأخرس فتدبّر.

و كيف كان ففي الموثقة المتقدمة كفاية في الحكم بالجواز و عدم لزوم الاستنابة و لا الترجمة.

ثم انه بناء على ما ذكرنا لا مجال للاقتصار على الترجمة عند التمكن من الأصل و لو بصورة الملحون و لو فرض عدم التمكن من الأصل كذلك و لو بهذه الصورة فالظاهر ان مقتضى الاحتياط اللازم الجمع بين الترجمة بلغته أيّة لغة كانت و بين

______________________________

(1) وسائل أبواب القراءة في الصلاة الباب التاسع و الخمسون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 186

..........

______________________________

الاستنابة و احتمال سقوط وجوب الحج في هذا العام لأجل عدم القدرة على التلبية و لو بالصورة المذكورة يدفعه انّ اهتمام الشارع بالحج بنحو عرفت في المباحث السابقة على ما يستفاد من الكتاب و النصوص و إلزامه الفوريّة و عدم ترخيصه التأخير لا يناسب رفع اليد عنه بمجرد عدم القدرة على التلبية مطلقا خصوصا مع حكمه بجريان النيابة في التلبية في بعض الموارد كالصّبي غير المميّز و مع ملاحظة انه ربما لا يقدر عليها و لو بصورة الملحون الى آخر العمر فهل يحتمل جواز ترك مثل هذه الفريضة بمجرد ذلك الظاهر ان الذوق الفقهي و الشمّ المتشرعي يأبيان عن ذلك فالظاهر- ح- الاحتياط

بالجمع بين الترجمة و الاستنابة كما لا يخفى.

المقام الثاني: في الأخرس و قد عرفت ان مقتضى الرواية الواردة فيه التي عمل بها أكثر الأصحاب انّ تلبيته تحريك لسانه و إشارته بإصبعه هذا و لكن ذكر المحقق في الشرائع: «أو بالإشارة للأخرس مع عقد قلبه بها» و الظاهر ان مراده من عقد القلب بالتلبية ليس أمرا زائدا على الأمرين المذكورين في الرواية بل مراده ان تحريك اللسان و الإشارة بالإصبع لا يراد منهما مطلقهما بل التحريك و الإشارة المناسبين للتلبية و حروفها و حركاتها ضرورة اختلافهما باختلاف الكلمات فمراده هو التحريك الخاص و الإشارة الخاصة و ان المقصود من الرواية ليس مطلقهما كما هو مقتضى الجمود على ظاهرها، و يحتمل بعيدا ان يكون مراده من عقد القلب بها هي النية المعتبرة في الإحرام التي عرفت البحث فيها مفصّلا.

ثم انه حكم في المتن بأن الأولى الاستنابة أيضا و لعلّ منشأه ما حكى عن أبي على من لزوم الجمع بين ذلك و بين الاستنابة و ان كانت العبارة المحكية عنه لا تدلّ على ذلك فراجع.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 187

[مسألة 9- لا ينعقد إحرام عمرة التمتّع و حجّه]

مسألة 9- لا ينعقد إحرام عمرة التمتّع و حجّه، و لا إحرام حجّ الافراد، و لا إحرام

______________________________

المقام الثالث: في الصبي غير المميز و قد مرّ البحث عن كيفية إحرامه و حجّه في أوائل مباحث كتاب الحج و ذكرنا هناك ان مقتضى ما ورد فيه ان الوليّ يلبّي عنه.

بقي الكلام: في المغمى عليه الذي لم يتعرض له في المتن و قد تعرض له السيّد في العروة و حكم بالتلبية عنه كالصبي غير المميز و قد ورد فيه مرسل جميل بن درّاج عن بعض

أصحابنا عن أحدهما- عليهما السلام- في مريض أغمي عليه فلم يعقل حتى اتى الموقف (الوقت خ) فقال يحرم عنه رجل «1».

هذا و لكن ربما يقال ان دلالته على جواز الاستنابة في المقام انّما هي بناء على نسخة الوقت و امّا على نسخة الموقف التي تحتمل صحتها فلا دلالة له على ما نحن فيه لاختصاصه- ح- بمن اتى الموقف مغمى عليه و لا يدل على جواز الاستنابة عمن أغمي عليه من الميقات و عليه فتكون وظيفته الرجوع الى الميقات إن أمكن و الّا فمن مكانه كما في صورتي الجهل و النسيان و الظاهر ان احتمال صحة نسخة «الموقف» في كمال البعد فان الظاهر على هذا الاحتمال ان يكون في الميقات أيضا مغمى عليه و الّا كان يحرم بنفسه و ان عرض له الإغماء بعد ذلك و عليه فيبقى السؤال عن انه بعد عدم إحرامه بنفسه لكونه مغمى عليه و عدم النيابة عنه في الإحرام في الميقات ما الوجه في الإتيان به الى الموقف مع انه يتوقف على الإحرام و عليه فالظاهر ان النسخة الصحيحة هي نسخة «الوقت» و هي تدل على المقام و ان كان في سندها إرسال يمنع عن الاستدلال بها و قد مرّ البحث عن هذه الرواية في بعض المباحث السّابقة فراجع.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الخمسون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 188

العمرة المفردة إلّا بالتلبية، و امّا في حجّ القران فيتخير بينها و بين الإشعار أو التقليد، و الاشعار مختص بالبدن، و التقليد مشترك بينها و بين غيرها من أنواع الهدى، و الاولى في البدن الجمع بين الاشعار و التقليد، فينعقد إحرام حج القران

بأحد هذه الأمور الثلاثة لكن الأحوط مع اختيار الاشعار و التقليد ضمّ التلبية أيضا، و الأحوط وجوب التلبية على القارن و ان لم يتوقف انعقاد إحرامه عليها فهي واجبة عليه في نفسها على الأحوط (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأوّل: في غير حجّ القران سواء كان حجّ التمتع أو حجّ الافراد أو عمرة التمتع أو عمرة مفردة و الكلام فيه تارة من جهة تعين التلبية فيه و عدم أجزاء غيرها من الإشعار أو التقليد و اخرى من جهة عدم انعقاد الإحرام إلّا بالتلبية بمعنى عدم ترتب الأثر عليه و عدم ثبوت محرمات الإحرام الكثيرة الآتية إن شاء اللّٰه تعالى قبل التلبية و الإتيان بها كتكبيرة الإحرام في باب الصّلاة حيث انه لا يدخل المصلّي في الإحرام المتحقق في باب الصلاة الذي يترتب عليه عدم جواز الإتيان بما ينافيها من القواطع الّا بعد التكبيرة و لا يتحقق ذلك بمجرد نيّة الصلاة قبلها و لذا سميت تكبيرة الإحرام أيضا.

امّا من الجهة الاولى فلا حاجة الى البحث بعد وضوح تطابق النص و الفتوى على لزومها و تعيّنها و لم يقم دليل على قيام شي ء مقامها في هذا المقام نعم هنا بعض الروايات التي يمكن ان يتوهم منها الخلاف و انه لا يتعين التلبية في غير حج القران أيضا لكن سيأتي التعرض لها و البحث عنها.

و امّا من الجهة الثانية: التي هي العمدة في محلّ البحث في المقام فنقول قد حكى الإجماع عن جملة من الكتب الفقهية القديمة و المتوسطة كالإنتصار و الجواهر و الغنية و التذكرة و المنتهى و غيرها على انه قبل التلبية و بعد تحقق النيّة يجوز ارتكاب جميع

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 189

..........

______________________________

محرّمات الإحرام حتى الجماع من دون ان يكون هناك بطلان أو كفارة و الروايات الدالة على ذلك بالغة حد الاستفاضة:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال لا بأس ان يصلي الرجل في مسجد الشجرة و يقول الذي يريد ان يقوله و لا يلبّي ثم يخرج فيصيب من الصيد و غيره فليس عليه فيه شي ء «1».

و المراد بقوله: و يقول الذي .. هو التلفظ بالنية الذي يكون مستحبّا في باب الحج لكن لا دلالة للرواية على حكم مطلق الإحرام لعدم كونه من المواقيت لما عرفت من ان إحرام حج التمتع من بطن مكّة و كذا إحرام العمرة المفردة من ادني الحلّ غالبا الّا ان يقال بأنه لا يرى العرف خصوصية لذلك بل يفهم من الرواية ان حكمها جار في مطلق الإحرام.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في الرجل- يقع على اهله بعد ما يعقد الإحرام و لم يلبّ قال ليس عليه شي ء «2».

و هذه الرواية أشمل الروايات الواردة في المقام لان المفروض فيها مطلق عقد الإحرام من دون التعرض لمثل مسجد الشجرة و مع ذلك يكون أوضحها باعتبار التصريح بعدم قدح المواقعة مع كونها موجبة لبطلان الحج أو العمرة بخلاف أكثر محرّمات الإحرام.

و منها: مرسلة جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما- عليهما السلام- في رجل صلّى الظهر في مسجد الشجرة و عقد الإحرام ثم مسّ طيبا أو صاد صيدا أو واقع اهله قال ليس عليه شي ء ما لم يلبّ «3».

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح-

2.

(3) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 190

..........

______________________________

و منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- فيمن عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على اهله قبل ان يلبّي قال ليس عليه شي ء «1».

و منها: غير ذلك لكن في مقابلها ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن احمد بن محمّد قال سمعت أبي يقول في رجل يلبس ثيابه و يتهيّأ للإحرام ثم يواقع اهله قبل ان يهلّ بالإحرام قال: عليه دم «2». قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية: أقول حمله الشيخ- قده- على من لبّى سرّا و لم يجهر بالتلبية، و جوّز حمله على الاستحباب و يحتمل الحمل على عقد الإحرام بالإشعار أو التقليد.

لكن الظاهر- مضافا الى ان الرواية لم تكن مرتبطة بالمعصوم لانه على تقدير كون القائل في قوله: «قال عليه دم هو أبوه فلا تكون كلام الامام- ع- و على تقدير كون المراد هو الامام- ع- تكون مضمرة- ان الرواية معرض عنها عند الجميع لظهورها في ثبوت الكفارة قبل تحقق النيّة فضلا عن التلبية لأن المفروض فيها مجرد لبس الثياب و التهيؤ للإحرام من دون ان يكون قد عقده بالنيّة فلا دلالة لها على حكم المقام.

و قد انقدح انه لا مجال للمناقشة في جواز ارتكاب محرمات الإحرام قبل التلبية و ليس فيه شي ء لكن قد عرفت منّا في البحث عن كيفية الإحرام احتمال كون الإحرام متحققا بنفس النيّة غاية الأمر ان لزومه و وجوبه يكون متوقفا على التلبية كالافتراق في باب البيع لكن هذا ينافي ظاهر

الكلمات و الفتاوى و ان كان

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح- 13.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح- 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 191

..........

______________________________

التعبير بالوجوب أو الإيجاب و مثلهما في الروايات يلائمه فتدبّر.

المقام الثاني: في حجّ القران و فيه جهات من البحث:

الجهة الاولى: ان المشهور فيه انّ إحرامه ينعقد بأحد أمور ثلاثة: التلبية و الاشعار و التقليد و ان القارن مخير بينها من دون ترتب و طولية، و عن السيد و ابن إدريس تعين التلبية في حج القران كغيره من سائر أقسام الحج و العمرة، و عن الشيخ و ابني حمزة و البرّاج انّ الاشعار و التقليد انما هما في طول التلبية و مع العجز عنها.

و يدلّ على المشهور روايات متعدّدة:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال يوجب الإحرام ثلاثة أشياء التلبية و الاشعار و التقليد فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم «1». و الظاهر انه لا إطلاق للصحيحة يشمل الإحرام في جميع موارده حتى يكون ما يدل على تعين التلبية في غير حج القران مقيّدا لإطلاقها لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة بل هي في مقام بيان ما يتحقق به الإحرام و يوجبه في مجموع موارده و امّا انّ أيّا منها متعين في بعض الموارد و أيّا منها لا يكون كذلك في بعض الموارد الأخر فلا تكون الصحيحة متعرضة و ناظرة اليه و بالجملة غرض الرواية مجموع ما يتحقق به الإحرام في موارده و لا إطلاق لها بالإضافة الى جميع الموارد أصلا.

و منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: من

أشعر

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 20.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 192

..........

______________________________

بدنته فقد أحرم و ان لم يتكلم بقليل و لا كثير «1».

و منها: صحيحة حريز بن عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: إذا كانت بدن كثيرة فأردت أن تشعرها دخل الرجل بين كلّ بدنتين فيشعرها هذه من الشقّ الأيمن، و يشعر هذه من الشّق الأيسر، و لا يشعرها ابدا حتى يتهيّأ للإحرام فإنه إذا أشعرها و قلّدها وجب عليه الإحرام و هو بمنزلة التلبية «2».

و مثلها مع اختلاف يسير مرسلة جميل بن درّاج «3».

و منها: صحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار رواها الصدوق بإسناده عنه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: يقلّدها نعلا خلقا قد صليت فيها و الاشعار و التقليد بمنزلة التلبية «4».

و هذه الروايات كما انّها تدل على جواز الاجتزاء بالاشعار و التقليد مكان التلبية كذلك تدل على كونهما في رتبتها من دون تقدم و تأخر خصوصا مثل صحيحة عمر بن يزيد فلا تنبغي المناقشة في ذلك.

الجهة الثانية: ان التقليد في حج القران مشترك بين أنواع الهدى من البدنة و البقر و الغنم و لكن الاشعار يختص بالبدنة أمّا اختصاص الاشعار بالبدنة فمضافا إلى انه قد صرح به غير واحد بل يظهر منه إرساله له إرسال المسلمات قال العلامة في محكيّ القواعد: و يتخير القارن في عقد إحرامه بها- يعني التلبية- أو بالإشعار المختص بالبدن أو التقليد المشترك بينها، يدل عليه بعد عدم ثبوت الإطلاق في مثل صحيحة معاوية بن عمار الاولى على ما عرفت و بعد انّ جميع ما ورد في مورد

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب

الثاني عشر ح- 21.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 19.

(3) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 7.

(4) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 193

..........

______________________________

الاشعار فقد تعرض للبدنة و لا يكون في شي ء منها اشعار بوجود الإشعار في غير البدنة من سائر أنواع الهدى مثل صحيحة عمر بن يزيد و صحيحة حريز و مرسلة جميل المتقدمة انه لا يلزم اقامة الدليل على اختصاص الاشعار بالبدنة بل يكفى بعد دلالة الأدلة المتقدمة في التلبية الظاهرة في لزومها و تعيّنها في جميع أنواع الحج و العمرة عدم قيام الدليل على جريان الإشعار في غير البدنة مع قيامه على جريان التقليد في جميع أنواع الهدي في حج القران مضافا الى ما ربما يقال من عدم مناسبة غير البدنة مع الاشعار لضعف البقر و الغنم عنه و وقوعهما في معرض التلف و الهلاك و امّا جريان التقليد في جميع أنواع الهدي في حج القران فلدلالة الروايات الكثيرة التي وقع في بعضها التصريح بالغنم و البقر و في بعضها التصريح بجريانه في البدنة كما سيأتي التعرض لبعضها إن شاء اللّٰه تعالى.

الجهة الثالثة: انّ الاولى في البدنة الجمع بين القران و الاشعار لما رواه السكوني عن جعفر- عليه السلام- انه سئل ما بال البدنة تقلّد النعل و تشعر؟ فقال: امّا النعل فتعرف انّها بدنة و يعرفها صاحبها بنعله، و امّا الاشعار فإنه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها فلا يستطيع الشيطان يمسّها (يتسنّمها) «1». فان ظاهر السؤال المفروغية عن الجمع بين الأمرين الاشعار و التقليد و ان مورده هي علّة الجمع بينهما و

الجواب تقرير له و بيان لتلك العلّة.

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال البدن تشعر في الجانب الأيمن و يقوم الرجل في الجانب الأيسر ثم يقلّدها بنعل خلق قد صلّى فيها. «2»

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 22.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 194

..........

______________________________

و لو لا دلالة الروايات الكثيرة و اتفاق الفتاوى على عدم لزوم الجمع بين الأمرين لكان اللازم العمل بمقتضاهما و لكنها توجب حملهما على الاستحباب.

الجهة الرّابعة: ان الاولى الجمع في البدنة بين الاشعار و التقليد و بين التلبية أيضا خروجا من خلاف مثل السيد و ابن إدريس القائلين بتعين التلبية في انعقاد الإحرام في جميع أقسام الحج و العمرة كما عرفت.

الجهة الخامسة: انه ذكر في المتن ان الأحوط وجوب التلبية على القارن وجوبا نفسيّا من غير فرق بين ما إذا كان الهدي هي البدنة أو غيرها من دون ان يكون له مدخليّة في انعقاد الإحرام بوجه و استظهر ذلك السيد- قده- في العروة.

و الأصل في هذه الجهة ما حكى عن كاشف اللثام في شرح عبارة القواعد:

و لو جمع بين التلبية واحدهما كان الثاني مستحبّا من ان الأقوى الوجوب لإطلاق الأوامر و التأسي و استظهره من عبارة الشرائع و من قبلهما يعنى المحقق و العلامة.

و امّا صاحب الجواهر فقد تعرض لهذا الأمر في موردين: أحدهما فصل أنواع الحج حيث قال: «انما الكلام في المستفاد من عبارة القواعد من استحباب التلبية بعد عقد الإحرام و الاشعار و التقليد و لعلّ وجهه الاحتياط و إطلاق الأوامر بها في عقده و نحو ذلك مما

يكفي في مثله و امّا احتمال الوجوب تعبّدا و ان انعقد الإحرام بغيرها كما هو مقتضى ما سمعته من كشف اللثام بل قد يوهم ظاهره وجوب الاشعار و التقليد بعدها أيضا فهو في غاية البعد خصوصا الأخير فتأمل جيّدا».

ثانيهما: هذا المقام حيث حمل عبارتي الفاضلين على استحباب الثاني من حيث عقد الإحرام قال و هو لا ينافي الوجوب تعبّدا و انه يمكن استفادته- يعني الوجوب من إطلاق الأمر بالتلبية و ما في موثق يونس من الأمر بالتلبية بعد الاشعار و ما في بعض الروايات الأخر و لكن العمدة هما الأوّلان:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 195

..........

______________________________

أحدهما: إطلاق الأمر بالتلبية الدال على وجوبها مطلقا و لو بعد الاشعار و التقليد الّذي به يتحقق الإحرام و ينعقد فلا محالة يكون واجبا نفسيّا.

و الجواب عنه ظاهر فإنه لا ينبغي الإشكال في انّ الا و أمر الواردة في التلبية ناظرة إلى الإحرام و مدخليتها في انعقاده و لا إشعار في شي ء منها الى الوجوب النفسي غير المرتبط بالإحرام و انعقاده أصلا.

ثانيهما: موثقة يونس بن يعقوب التي رواها الكليني- قده- قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- اني قد اشتريت بدنة فكيف اصنع بها؟ فقال: انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة فأفض عليك من الماء و البس ثوبك ثم أنخها مستقبل القبلة ثم ادخل المسجد فصلّ ثم افرض بعد صلوتك ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها ثم قل: بسم اللّٰه اللّٰهم منك و لك اللهم تقبّل منّي ثم انطلق حتى تأتي البيداء فلبّه «1». و الهاء في فلبّه للسّكت و اشتمال الرواية على جملة من المستحبات لا يمنع عن دلالتها على الوجوب بالإضافة

إلى التلبية و لكن الاشكال انّما هو في ان الرواية رواها الصدوق مشتملة على زيادة في السؤال و الجواب و هي مع هذه الزيادة لا تكون مرتبطة بالمقام حيث ان السؤال فيها و الجواب عبارة عن قوله: «خرجت في عمرة فاشتريت بدنة و انا بالمدينة فأرسلت الى أبي عبد اللّٰه- ع- فسألته كيف اصنع بها فأرسل الىّ ما كنت تصنع بهذا فإنه كان يجزيك ان تشتري من عرفة قال انطلق و ذكر مثله «2». و من الواضح ان الرواية ترتبط بعمرة التمتع التي لا ينعقد إحرامها إلا بالتلبية فاللازم ان يقال باستحباب الاشعار إذا كان الهدي الذي هي البدنة معه حال الميقات و بالجملة لم يثبت ما يدل على

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 2.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 196

[مسألة 10- لو نسي التلبية وجب عليه العود الى الميقات لتداركها]

مسألة 10- لو نسي التلبية وجب عليه العود الى الميقات لتداركها، و ان لم يتمكن يأتي فيه التفصيل المتقدم في نسيان الإحرام على الأحوط لو لم يكن الأقوى، و لو اتى قبل التلبية بما يوجب الكفارة للمحرم لم تجب عليه لعدم انعقاده الّا بها (1).

______________________________

الوجوب مع تردّد الرواية بين النقلين.

(1) قد تقدم البحث عن حكم نسيان الإحرام و انه قد ورد فيه روايات متعددة تدل على لزوم العود الى الميقات لتداركه مع التمكن منه و مع عدم التمكن فيه تفصيل مرّ البحث عنه مفصّلا.

انّما الكلام في هذه المسألة في نسيان خصوص التلبية و انه هل يجري فيه ما ذكر هناك و عمدته لزوم الرجوع الى الميقات للتدارك في صورة التمكن أو لا يجري فيه؟

و التحقيق ان

يقال بابتناء الحكم المذكور على ما تقدم في البحث عن ماهية الإحرام و حقيقته فان قلنا بأنّها مركبة من النية و التلبية فقط أو بضميمة لبس الثوبين فالظاهر جريان الحكم المذكور في تلك الروايات هنا لعدم تحقق الإحرام المركب بعد عدم تحقق أحد جزئية أو اجزائه فيدخل المقام في نسيان الإحرام كما انه لو قلنا بأنّها عبارة عن أمر اعتباري يعتبره الشارع عقيب نيّة الحج أو العمرة بضميمة التلبية كما يظهر مما افاده الماتن- قده- في أوّل البحث عن كيفية الإحرام و من قوله في ذيل هذه المسألة لعدم انعقاده الّا بها و ان كان ما افاده تعليقا على العروة هناك يشعر بتردده فيه و احتماله ان يكون الاعتبار بعد النية فقط فالظاهر دخول نسيان التلبية في نسيان الإحرام الذي ورد فيه تلك الروايات و ان كان القدر المتيقن من موردها صورة ترك النية و التلبية معا الّا ان مقتضى إطلاقها الشمول للمقام.

و امّا ان قلنا بأنّ الإحرام عبارة عن مجرّد النيّة الظاهرة في نية ترك المنهيّات المعهودة و المحرمات المعروفة في باب الإحرام كما عن ظاهر المبسوط و الجمل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 197

..........

______________________________

و استظهره صاحب المسالك فنسيان التلبية لا يرتبط بنسيان الإحرام و لا تشمله تلك الروايات لعدم كون الإحرام منسيّا بوجه و- ح- تكون التلبية من واجبات الإحرام و النسيان قد رفع وجوبها و بعد ارتفاع النسيان يلزم الإتيان بها لعدم شرطية مقارنتها مع النية في صحتها و ترتب الأثر عليها فالتلبية- ح- تكون كلبس الثوبين الخارج عن ماهية الإحرام و لكنه يكون من واجباته و لعلّه لذلك حكى عن الشيخ في النهاية و المبسوط:

انه من ترك الإحرام ناسيا حتى يجوز الميقات كان عليه ان يرجع اليه و يحرم منه إذا تمكن منه و الّا أحرم من موضعه، و إذا ترك التلبية ناسيا ثم ذكر جدّد التلبية و ليس عليه شي ء.

و لا مجال لدعوى لزوم الرجوع الى الميقات على هذا التقدير أيضا لأنه كما يجب الإحرام من الميقات كذلك تجب التلبية منه و ذلك لعدم الدليل على لزوم كون التلبية منه لو لم تكن دخيلة في الإحرام كما انه لا تجب المقارنة بينها و بين النيّة كما هو المشهور ظاهرا.

و ممّا ذكرنا يظهر انه لو قيل بأن ماهية الإحرام عبارة عن البناء النفساني و الالتزام القلبي بترك محرمات الإحرام كما اختاره في «المستمسك» على ما تقدم لا يكون نسيان التلبية مشمولا لما ورد في نسيان الإحرام بوجه.

كما انه لو قيل بما احتملناه سابقا و يظهر من السيّد من ان أصل الإحرام ينعقد بمجرد النية و لكنه يجوز له إبطاله و نقضه و ارتكاب جميع محرمات الإحرام بعدها قبل التلبية أو ما يقوم مقامها من الإشعار أو التقليد لا يكون نسيان التلبية مشمولا لتلك الروايات لظهورها في نسيان أصل الإحرام و لا يشمل نسيان ما يوجب الإحرام و يؤثر في لزومه و عدم نقضه و ترتب حرمة المحرّمات عليه و لذا أورد على السيد- قده- بان مقتضى ما ذكره في ماهية الإحرام لا يجتمع مع اجراء حكم نسيان الإحرام على نسيان التلبية.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 198

[مسألة 11- الواجب من التلبية مرّة واحدة]

مسألة 11- الواجب من التلبية مرّة واحدة نعم يستحب الإكثار بها و تكرارها ما استطاع خصوصا في دبر كلّ فريضة أو نافلة و عند صعود شرف أو

هبوط واد و في آخر الليل و عند اليقظة و عند الركوب و عند الزّوال و عند ملاقاة راكب و في الأسحار (1).

______________________________

هذا و لو قلنا بأن التلبية واجبة نفسا امّا مطلقا أو في خصوص حج القران كما تقدم في المسألة السابقة بنحو الاحتياط اللزومي لا يكون نسيان التلبية مرتبطا بنسيان الإحرام بوجه و منه يظهر انّ الجمع بين ما اختاره الماتن- قده- في تلك المسألة و بين إطلاق جعل موضوع المسألة هنا نسيان التلبية و الحكم بجريان حكم نسيان الإحرام عليه غير تامّ الّا ان يقال ان قوله في الذيل لعدم انعقاده الّا بها قرينة على ان المراد من التلبية المنسية هي التلبية المرتبطة بالإحرام و لا يكون شاملا لما يجب نفسا فتدبّر.

(1) امّا كون الواجب من التلبية مرة واحدة فلظهور الروايات الواردة فيها فيها مع ان الطبيعة تتحقّق بمصداق واحد، و امّا استحباب الإكثار بها و تكرارها ما استطاع خصوصا في المواقع المذكورة في المتن فيدل عليه روايات متعددة:

منها: صحيحة معاوية بن عمار الطويلة الواردة في كيفية التلبية المشتملة على التلبيات الكثيرة و العبارات المتعددة و على قوله- ع- بعد ذلك: تقول ذلك في دبر كلّ صلاة مكتوبة و نافلة و حين ينهض بك بعيرك و إذا علوت شرفا أو هبطت واديا أو لقيت راكبا أو استيقظت من منامك و بالأسحار و أكثر ما استطعت و اجهر بها و ان تركت بعض التلبية فلا يضرّك غير انّ تمامها أفضل الحديث «1».

و هذه الرواية تدل على استحباب جميع المواقع المذكورة في المتن بالاستحباب الخاص الّا آخر الليل و عند الزّوال و الظاهر ان المراد بآخر الليل هو عند المنام بقرينة قوله: و في الأسحار

لكن في الجواهر: «لم نجد فيما وصل إلينا من النصوص

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 199

..........

______________________________

التعرض للنوم كما اعترف به في المدارك».

و امّا عند الزوال فالظاهر ان المراد به عند زوال الشمس الذي هو وقت صلوتى الظهرين و الظاهر ان مستنده في ذلك هي مرسلة الصدوق قال قال رسول اللّٰه- ص- ما من حاجّ يضحي ملبّيا حتى تزول الشمس الّا غابت ذنوبه منها «1». مع ان الظاهر انّ المراد بزوال الشمس في المرسلة هي غيبوبة الشمس و غروبها بقرينة قوله: الّا غابت .. فتدبّر و الأمر سهل ثم ان السيد- قده- في العروة تعرض بعد هذه المسألة لمسألة اخرى كان ينبغي ان يتعرض لها الماتن- قده- لاهميّتها و ورود روايات كثيرة مختلفة متعارضة فيها و وجود بعض الفتاوى أو الاحتمالات فيها أيضا و نحن نقتفي أثره و نتعرض لها لكثرة فائدتها فنقول: قال- قده- «ذكر جماعة ان الأفضل لمن حج على طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء مطلقا كما قاله بعضهم أو في خصوص الرّاكب كما قيل، و لمن حج على طريق آخر تأخيرها الى ان يمشي قليلا، و لمن حجّ من مكّة تأخيرها إلى الرقطاء كما قيل أو الى ان يشرف على الأبطح لكن الظاهر- بعد عدم الإشكال في عدم وجوب مقارنتها للنية و لبس الثوبين- استحباب التعجيل بها مطلقا، و كون أفضلية التأخير بالنسبة إلى الجهر بها فالأفضل أن يأتي بها حين النيّة و لبس الثوبين سرّا و يؤخر الجهر بها الى المواضع المذكورة. و البيداء ارض مخصوصة بين مكة و المدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكّة، و

الأبطح مسيل وادي مكة و هو مسيل واسع فيه دقائق الحصي اوله عند منقطع الشعب بين وادي منى و آخره متصل بالمقبرة التي تسمّى بالعلى عند أهل مكّة، و الرقطاء موضع دون الردم يسمّى مدعى و مدعى الأقوام مجتمع قبائلهم، و الرّدم حاجز يمنع السّيل عن البيت و يعبّر عنه بالمدعى» و الكلام فيه يقع في مقامات:

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الواحد و الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 200

..........

______________________________

المقام الأوّل: في خصوص مسجد الشجرة لمن حجّ على طريق المدينة و قد حكى عن صاحب الحدائق لزوم تأخير التلبية عن مسجد الشجرة إلى البيداء بصورة الفتوى أو الاحتياط اللزومي و عن كاشف اللثام احتمال تأخير نية الإحرام إلى البيداء و منشأ ذلك وجود روايات متعددة متنافية لا بد من ملاحظتها و نقول انّ واحدة منها ظاهرة في تأخير الإحرام المشتمل على التلبية و النية عن مسجد الشجرة بل النهي عن الإحرام في مسجد الشجرة و غيرها واردة في التلبية.

أمّا الرواية الواحدة فهي صحيحة معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن التهيّؤ للإحرام فقال في مسجد الشجرة فقد صلّى فيه رسول اللّٰه- ص- و قد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول: لبّيك، اللهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، انّ الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك لبّيك، بمتعة بعمرة إلى الحج «1». فان ذيلها يدل على تأخير مجموع الإحرام المشتمل على النية التي يكون لفظها قوله: بمتعة بعمرة إلى الحج و هذه الرواية و ان استدللنا بها سابقا على مدخلية كلا

الأمرين النية و التلبية في الإحرام إلّا انّ صحة هذا الاستدلال لا تنافي الإعراض عنها من جهة دلالتها على النهى عن إيقاع الإحرام في مسجد الشجرة و لزوم تأخيره بأجمعه إلى البيداء مع ان السيرة القطعية و الروايات المتكثرة و الفتاوي قديما و حديثا على خلافها فلا مجال للأخذ بها.

______________________________

(1) أورد صدرها في الوسائل في الباب الرابع و الثلاثين من أبواب الإحرام ح- 3 و ذيلها في الباب الأربعين منها ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 201

..........

______________________________

و امّا الروايات الواردة في التلبية فعلى طائفتين:

طائفة منها تدل على لزوم تأخير التلبية إلى البيداء و هي كثيرة:

منها: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا صليت عند الشجرة فلا تلبّ حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش «1».

و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- يقول:

ان رسول اللّٰه- ص- لم يكن يلبّي حتى يأتي البيداء «2».

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: صلّ المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة و اخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أوّل البيداء إلى أوّل ميل عن يسارك فإذا استوت بك الأرض راكبا كنت أو ماشيا فلبّ الحديث «3». و هذه الرواية ظاهرة الدلالة على التفكيك بين الإحرام و بين التلبية و ان الأوّل يقع في المسجد و الثاني في البيداء.

و منها: صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال: سألت أبا الحسن الرّضا- عليه السلام- كيف أصنع إذا أردت الإحرام قال: اعقد الإحرام في دبر الفريضة حتى إذا استوت بك البيداء فلبّ، قلت أ رأيت إذا كنت

محرما من طريق العراق قال: لبّ إذا استوى بك بعيرك «4».

و منها: رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السلام- قال سألته عن الإحرام عند الشجرة هل يحلّ لمن أحرم عندها ان لا يلبّي حتى يعلو البيداء؟

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الثلاثون ح- 4.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الثلاثون ح- 5.

(3) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الثلاثون ح- 6.

(4) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الثلاثون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 202

..........

______________________________

قال: لا يلبّي حتى يأتي البيداء عند أوّل ميل فامّا عند الشجرة فلا يجوز التلبية «1».

و منها: صحيحة الفضلاء حفص بن البختري و عبد الرحمن بن الحجاج و حمّاد بن عثمان و الحلبي جميعا عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا صليت في مسجد الشجرة فقل و أنت قاعد في دبر الصلاة قبل ان تقوم ما يقول المحرم ثم قم فامش حتى تبلغ الميل و تستوي بك البيداء فإذا استوت بك فلبّه. «2»

و في مقابلها روايات متعددة ظاهرة في خلافها:

منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحجّ ان يظهر التلبية في مسجد الشجرة فقال: نعم انّما لبّي النبيّ- ص- في البيداء لان الناس لم يعرفوا التلبية فأحبّ أن يعلّمهم كيف التلبية «3». و سؤالها يدل على مفروغية أصل الإتيان بالتلبية في مسجد الشجرة و انّما كان محطّ السؤال هو إظهارها فيه و الجواب يدل على الجواز ثم دفع الامام- عليه السلام- توهّم انه مع الجواز لم أخّر النبي- ص- التلبية إلى البيداء بان الوجه في ذلك هو

تعليم الناس التلبية و صورتها لأنهم لم يكونوا يعرفونها و لكن هذا يدل على جواز التأخير عن مسجد الشجرة لأن الظاهر ان الناس بعد تعلمهم التلبية من النبي- ص- لم يرجعوا الى مسجد الشجرة للإتيان بها فيه بل لبّوا في نفس ذلك المكان و هو البيداء فيدل على التفكيك بين عقد الإحرام و بين التلبية.

ثمّ ان الظاهر ان الوجه في تأخير النبي- ص- التعليم إلى التلبية و عدم تصديه له في مسجد الشجرة هو كثرة المؤمنين الذين أرادوا الحج معه المانعة من تحققه في المسجد و ما حوله و يمكن ان يكون الوجه أفضلية التأخير إلى البيداء.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الثلاثون ح- 8.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الثلاثون ح- 3.

(3) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 203

..........

______________________________

و منها: موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن- عليه السلام- قال قلت له: إذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة أ يلبّي حين ينهض به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة قال: اىّ ذلك شاء صنع «1». و هذه الرواية لا تختصّ بمسجد الشجرة بل تشمل غيره أيضا و لكن دلالتها على جواز الإتيان بالتلبية بمجرد الإحرام في محلّه واضحة ظاهرة.

و منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال ان كنت ماشيا فاجهر بإهلالك و تلبيتك من المسجد، و ان كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء «2».

و التفصيل في الرواية انّما هو بالإضافة إلى الإجهار الذي لا يراد به الّا الإجهار بالنسبة إلى التلبية فقط لا هي مع النية التي تلفظ بها فتدلّ على جواز أصل

الإتيان بالتلبية في المسجد مطلقا.

هذا و قبل ملاحظة وجوه الجمع بين الطائفتين لا بد من التنبيه على أمرين:

الأمر الأوّل: ان المنسوب الى المشهور عدم اعتبار مقارنة التلبية للنّية و انه يجوز الفصل بينهما فإذا نوى الحج أو العمرة و لبس الثوبين- مثلا- لا يجب عليه الإتيان بالتلبية فورا بل يجوز الفصل بينهما و لو بمثل ساعة أو ساعتين أو أكثر.

الأمر الثاني: انه لا شبهة في ان محلّ الإشعار أو التقليد في حج القران انّما هو خارج المسجد لانه لا معني للإشعار فيه و كذا التقليد و عليه فكونهما بمنزلة التلبية و الاكتفاء بهما عنها كما دلّت عليه الروايات المتقدمة يقتضي جواز وقوع التلبية في خارج المسجد لانه مقتضى التنزيل.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الثلاثون ح- 4.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 204

..........

______________________________

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في جواز الإتيان بالتلبية في مسجد الشجرة في مقابل عدم جواز التلبية فيه مطلقا و لا ينبغي الارتياب في ثبوت الجواز لانه يدل عليه- مضافا الى الطائفة الثانية- السيرة القطعية من المتشرعة أعم من الشيعي و غيره فانّ استمرار عملهم على التلبية من المسجد و ارتكاز الجواز عندهم غير قابل للإنكار مضافا الى إجماع الفقهاء و تسالمهم على الجواز بل لعلّه من ضروريات الفقه و الى أدلة المواقيت الدالة على توقيتها و عدم جواز التجاوز عنها بغير إحرام فلا شبهة- ح- في أصل الجواز.

المقام الثاني: في جواز التأخير عن مسجد الشجرة إلى البيداء و عدمه و في هذا المقام لا بد من علاج الطائفة الأولى الظاهرة في لزوم

التأخير بينما تكون الطائفة الثانية ظاهرة في عدم اللّزوم و قد جمع بينهما بوجوه:

منها: ما قربه سيد المستمسك- قده- من حمل الطائفة الأولى على استحباب تأخير التلبية المستحبّة بعد عقد الإحرام و الإتيان بالتلبية الواجبة لا تأخير التلبية التي بها عقد الإحرام.

و يرد عليه- مضافا الى انه خلاف مبناه في ماهية الإحرام فإنها عنده كانت عبارة عن مجرد الالتزام النفساني و التعهد القلبي بالإضافة إلى ترك المحرمات المعهودة من دون ان تكون التلبية دخيلة في ماهية الإحرام بوجه و عليه فلا مانع من تأخيرها عن مسجد الشجرة و لا يلزم محذور تأخير الإحرام عن الميقات بوجه- انّ هذا الوجه لا يلائم ظاهر الروايات الدالة على المنع عن الإتيان بالتلبية في مسجد الشجرة و ان أصل التلبية لا بد و ان يؤتي به في غيره بل قد عرفت ان الرواية المبيّنة لعلّة تأخير النبي- ص- التلبية إلى البيداء ظاهرة في وقوع التلبية الواجبة من الناس في البيداء لأنهم لم يكونوا يعرفونها و قد عرفت انّ ظاهر روايته عدم رجوع الناس الى مسجد الشجرة للإتيان بالتلبية و عليه فلا مجال لهذا الوجه بوجه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 205

..........

______________________________

و منها: ما يظهر من صاحب الجواهر- قده- الميل اليه و اختاره جماعة من ان المراد من اخبار تأخير التلبية إلى البيداء تأخير الجهر بها لا أصل التلفظ بها و حكى عن العلامة في المنتهى الجزم بذلك في مقام الجمع بينها و بين ما دل من النصوص على عدم تجاوز الميقات الّا محرما لان الفرض ان بين البيداء و ذي الحليفة الذي هو الميقات ميلا.

و يرد عليه انه ليس في شي ء من اخبار التأخير

اشعار بتأخير الإجهار و ما وقع فيه التعرض للجهر قد صرّح أوّلا بالإجهار بالإهلال و التلبية من المسجد كما في صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة فلا مجال لهذا الوجه أيضا.

و منها: ما ذكره بعض الاعلام- قده- في شرحه على العروة مما يرجع حاصله الى انّ أدلة المواقيت الناهية عن التجاوز عن الميقات بلا إحرام مطلقة من حيث عدم حصول الإحرام منه أصلا و رأسا و من حيث تحقق الإحرام بعد مكان قليل و زمان يسير و عليه فلا مانع من تقييد إطلاقها بالروايات الدالة على جواز تأخير التلبية و الإحرام إلى البيداء فيختص المنع و النهى بخصوص الصورة الاولى و حيث ان الإحرام من الميقات جائز قطعا كما عرفت فتحمل هذه الروايات على الأفضليّة.

و يرد عليه: انّ اخبار تأخير التلبية مفادها تأخير التلبية عن مسجد الشجرة و التفكيك بينه و بين عقد الإحرام الواقع في المسجد ففي صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة التصريح بقوله: أحرم بالحج أو بالمتعة و اخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أوّل البيداء و كذا في غيرها و- ح- ان كان مراده تأخير الإحرام الذي تكون مدخلية النية فيه امرا ضروريّا لا مجال للارتياب فيه، فيرد عليه مضافا الى ان ذلك لا يجتمع مع توقيت مسجد الشجرة و جعله ميقاتا لانه لا يترتب على كونه ميقاتا أثر أصلا بل المناسب- ح- جعل البيداء ميقاتا و لا أقل من جعلهما معا كذلك لعدم الفرق في جواز الإحرام بين مسجد الشجرة و البيداء أصلا. و ان كان مراده تأخير

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 206

..........

______________________________

التلبية فقط و عقد الإحرام بالنيّة في المسجد فهذا ليس تقييدا لإطلاق أدلة

المواقيت الناهية عن التجاوز عن الميقات بلا إحرام فهذا الوجه أيضا غير تامّ.

ثمّ انه ذكر صاحب جامع المدارك- قده-: «و قد وردت أخبار بتأخير التلبية فإن كان المراد الإحرام بالتلبية فكيف تؤخر التلبية عن الميقات و ان كان المراد من الإحرام نفس النيّة فالنيّة حاصلة لمريد العمرة و الحج قبل الوصول الى الميقات فما معني عدم صحة الإحرام قبل الميقات و ان الإحرام قبله كالصلاة قبل الوقت فلا بدّ امّا من طرح الأخبار الدالة على تأخير التلبية الواجبة المحققة للإحرام عن الميقات أو الحمل على التلبيات المستحبة أو الإجهار بها ..» و قد ظهر مما ذكرنا انه ليس المراد من تلك الاخبار الّا مجرد تأخير التلبية مع فرض عقد الإحرام في مسجد الشجرة فليس فيها دلالة على تأخير الإحرام عن المسجد و دعوى انه لو كان المراد من الإحرام هي النيّة فهي حاصلة قبل الوصول الى الميقات مدفوعة بأنّ مجرّد النيّة لا يكفي في تحقق الإحرام بل النية المقارنة للشروع الذي لا يمكن ان يتحقق قبل الميقات فهذا القول أيضا لا وجه له.

و الذي يقتضيه النظر الدقيق بعد ملاحظة ما ذكرنا من عدم اعتبار مقارنة التلبية للنية و عدم اعتبار وقوع التلبية في نفس المسجد و بعد ملاحظة ما تقدم سابقا من عدم حرمة محرمات الإحرام بمجرّد عقده قبل التلبية و قد مرّ بعض الروايات الدالة على ذلك و في بعضها الأخر ان الصادق- عليه السلام- بعد إحرامه من المسجد قد اتى بخبيص فيه زعفران فأكله «1». و الخبيص طعام مركب من التمر و الزبيب و السّمن ان يقال انّ أصل الإحرام الذي يعتبر بعد النيّة المتعلقة بالحج أو العمرة لا بد و ان تقع

في المسجد و لا دلالة لأدلة المواقيت على أزيد من

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 207

..........

______________________________

ذلك لكن وجوبه و عدم جواز نقضه و ثبوت حرمة محرمات الإحرام يتوقف على التلبية أو ما يقوم مقامها من الإشعار أو التقليد اللذين عرفت انه لا مجال لوقوعهما في المسجد و عليه فهنا أمران أصل الإحرام و لزومه و ترتب حرمة المحرمات و بعد ذلك يكون مفاد أدلة المواقيت النهي عن إيجاد الإحرام في غيرها و التجاوز عنها بلا إحرام و مقتضى الروايات الدالة على تأخير التلبية إلى البيداء الإرشاد إلى انه لا ضرورة في التعجيل بالتلبية الموجبة للزوم الإحرام و ترتب الآثار عليه بل الشارع قد رخّص في تأخيرها إلى البيداء الموجب للخروج عن المدينة كلّا و البعد عن المسجد و لا يكون غرض- ح- الّا السير و الحركة إلى جانب مكّة فالروايات انّما هي للإرشاد الى عدم لزوم التعجيل و لا يستفاد منها أفضلية التأخير أيضا بل غاية مفادها دفع توهّم لزوم كون التلبية في المسجد بحيث كان الخروج منه ملازما للإحرام اللازم غير القابل للنقض و الموضوع للآثار و عليه فلا منافات بينها و بين أدلة المواقيت و ما يشابهها من الروايات المتقدمة أصلا فافهم و اغتنم.

المقام الثاني: فيمن حجّ من غير طريق المدينة من العراق أو غيره و قد ورد فيه روايتان:

إحديهما: ذيل صحيحة البزنطي المتقدمة في المقام الأوّل و هو قوله: قلت أ رأيت إذا كنت محرما من طريق العراق قال: لبّ إذا استوى بك بعيرك «1». و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ما إذا عقد الإحرام من أوّل ميقات

أهل العراق أو من وسطه أو من آخره المسمّى بذات عرق كما ان مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كون استواء البعير به في الميقات أو خارجا عنه كما ان الظاهر انّ ذكر طريق العراق انّما هو في مقابل مسجد الشجرة و البيداء المذكور في صدر الرواية

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الثلاثون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 208

..........

______________________________

لا لخصوصية في هذا الطريق بالإضافة إلى سائر المواقيت.

ثانيتهما: صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال ان أحرمت من غمرة و من بريد البعث صلّيت و قلت كما يقول المحرم في دبر صلوتك و ان شئت لبّيت من موضعك و الفضل ان تمشي قليلا ثم تلبّي «1».

و الظاهر ان المراد بقوله- ع-: ان أحرمت من غمرة .. ما يقابل الإحرام من مسجد الشجرة من طريق المدينة لا ما يقابل الإحرام من ذات عرق الذي هو آخر ميقات أهل العراق و عليه فمقتضى إطلاقه ان الفضل ان يمشي قليلا و لو خارج الميقات كما انه لا فرق بين ميقات أهل العراق و بين سائر المواقيت.

و يمكن الاستدلال لهذا المقام أيضا بإطلاق موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة الشامل للإحرام من مسجد الشجرة و من غيره من المواقيت غاية الأمر ان مفادها التخيير بخلاف الروايتين الدالتين على ان الفضل في التأخير و لا منافاة بينهما كما لا يخفى.

المقام الثالث: فيمن حجّ من مكّة متمتعا كان أو غيره و قد وردت فيه روايات.

منها: صحيحة حفص بن البختري و معاوية بن عمّار و عبد الرحمن بن الحجاج و الحلبي جميعا عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال: و

ان أهللت من المسجد الحرام للحج فإن شئت لبّيت خلف المقام و أفضل ذلك ان تمضي حتى تأتي الرقطاء و تلبّي قبل ان تصير الى الأبطح «2». و الظاهر انه ذيل صحيحة الفضلاء المتقدمة في المقام الأوّل و قد وقع تفسير الرقطاء و الأبطح في عبارة السيد- قده- في

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الثلاثون ح- 1.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب السادس و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 209

[مسألة 12- المعتمر عمرة التمتّع يقطع تلبيته عند مشاهدة بيوت مكّة]

مسألة 12- المعتمر عمرة التمتّع يقطع تلبيته عند مشاهدة بيوت مكّة و الأحوط قطعها عند مشاهدة بيوتها في الزمن الذي يعتمر فيه ان وسع البلد. و المعتمر عمرة مفردة يقطعها عند دخول الحرم لو جاء من خارجه، و عند مشاهدة الكعبة ان كان خرج من مكة لإحرامها. و الحاجّ بأيّ نوع من الحج يقطعها عند زوال يوم عرفة، و الأحوط انّ القطع على سبيل الوجوب (1).

______________________________

العروة التي تقدم نقلها.

و منها: رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة ثم صلّ ركعتين خلف المقام ثم أهلّ بالحج فان كنت ماشيا فلبّ عند المقام و ان كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك و صلّ الظهر ان قدرت بمنى الحديث «1». و مقتضى إطلاقها جواز تأخير التلبية عن مكّة إذا كان بعيره خارجا عنها.

و امّا ما في كلام السيد- قده- المتقدم من وجود القول بأن الأفضل تأخير التلبية إلى الأبطح فلم يدلّ عليه دليل بل الدليل دلّ على رفع الصوت بالتلبية عنده و هي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا انتهيت الى

الردم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى «2».

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:

المقام الأوّل: في عمرة التمتع التي لا بد من الإحرام لها من أحد المواقيت المعروفة أو محاذيه كما تقدّم و في المتن انه يقطع المعتمر بهذه العمرة تلبيته عند مشاهدة بيوت مكّة

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب السادس و الأربعون ح- 2.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب السادس و الأربعون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 210

..........

______________________________

و الاحتياط المذكور بعده قرينة على ان المراد من بيوت مكة هي البيوت الأوّلية التي كانت في الزمن القديم و قد وقع التقييد بذلك في العروة في عنوان المسألة لكن المذكور في الشرائع هي مشاهدة بيوت مكّة بنحو الإطلاق و قال صاحب الجواهر- قده- بعده: «كما صرّح به غير واحد بل قيل انه مقطوع به في كلام الأصحاب» و يمكن ان يكون مراده هي مقطوعية أصل الحكم في الجملة و كيف كان فقد وردت في هذا المقام روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام-: إذا دخلت مكة و أنت متمتع فنظرت الى بيوت مكّة فاقطع التلبية و حدّ بيوت مكّة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيّين فان الناس قد أحدثوا بمكة ما لم يكن فاقطع التلبية و عليك بالتكبير و التحميد و التهليل و الثناء على الهّٰة- عزّ و جلّ- ما استطعت «1».

و ظاهرها وجوب قطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة التي كانت قبل اليوم و حدّها العقبة المذكورة فيها و احتمال عدم دلالة هيئة افعل في مثل هذا المورد مما كان الحكم السابق عليه هو استحباب خلاف مادّتها على الوجوب

مدفوعة بأنه لا وجه لهذا الاحتمال بعد كون المتعلق امرا يحتمل ان يكون راجحا في مورد و مبغوضا في غير ذلك المورد كالصلاة التي تكون راجحة بالإضافة الى غير الحائض و مبغوضة بالإضافة إليها بناء على كون الحرمة ذاتية لها و سيأتي ما هو الحق في ذيل المسألة.

و امّا التعرض للحدّ بعد عدم تقييد أصل الحكم به فالظاهر انه لا يكاد يقدح في ظهوره في مدخلية القيد في الحكم و ان البيوت التي تقطع التلبية عند مشاهدتها هي البيوت التي كان قبل اليوم.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 211

..........

______________________________

و يمكن ان يقال ان قوله- ع-: إذا دخلت مكة .. بملاحظة الجمع فيه بين دخول مكة و النظر الى بيوتها ظاهر في ان المراد بالبيوت هي البيوت الخاصّة ضرورة انه مع عدم الخصوصية لا يكون النظر إليها متوقفا على الدخول لتحقق المشاهدة قبله الّا ان يكون المراد من قوله- ع- إذا دخلت هو ارادة الدخول لا نفسه.

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: المتمتع إذا نظر الى بيوت مكّة قطع التلبية «1». و ظاهرها أيضا وجوب قطع التلبية و ان كانت مطلقة من حيث البيوت.

و منها: صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن الرّضا- عليه السلام- انه سئل عن المتمتع متى يقطع التلبية؟ قال إذا نظر الى عراش مكّة عقبة ذي طوى قلت: بيوت مكّة؟ قال: نعم «2».

و في بعض الروايات العروش مكان العراش لكن المحكي عن الجوهري التعبير بالعرش بضم العين و الراء و ذكر انه قيل لبيوت مكّة العرش لأنّها عيدان تنصب

و يظلّل عليها.

و كيف كان فالمذكور في هذه الرواية في مقام الحدّ هي عقبة ذي طوى بعد ما كان المذكور في الرواية الأولى هي عقبة المدنيّين و هل هما أمر واحد و الروايتان مفادهما متحد أو انّهما أمران مختلفان لا بد من العلاج بينهما؟ ظاهر كثير من الكلمات الثاني فعن السيد و الشيخ و الديلمي و الحلّي ان عقبة المدنيّين لمن اتى على طريق المدينة و الثانية لمن اتى على طريق العراق. و عن الشهيدين تقييد الاولى بما إذا دخلها من أعلاها و الثانية بما إذا دخلها من أسفلها. و لعلّه لم تكن منافاة

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الأربعون ح- 2.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الأربعون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 212

..........

______________________________

بين هذا القول و القول الأوّل و عن الصدوقين و المفيد تخصيص الثانية بمن اتى على طريق المدينة من دون التعرض لتوضيح الاولى و في محكي المختلف بعد ان حكى عن الجميع ما عرفت قال: «و لم نقف لأحدهم على دليل» و عن الغنية و المهذب:

«حدّ بيوت مكّة من عقبة المدنيين الى عقبة ذي طوى» و عن المصباح المنير:

«و ذو طوى واد بقرب مكة على نحو فرسخ في طريق التنعيم و يعرف الآن بالزاهر» و نحوه ما عن تهذيب الأسماء الّا انه قال: موضع بأسفل مكّة. و كيف كان فان كانت العقبتان اسمين لموضع واحد فلا معارضة بين الروايات بوجه و ان كانتا اسمين لموضعين كما هو الظاهر فالجمع بين الروايات انّما هو باعتبار اختلاف طرق الدخول إلى مكّة كما هو المتعارف في كثير من البلاد حيث تكون طرق الدخول إليها متعددة

و يمكن ان يكون الاختلاف باعتبار اختلاف الأزمنة و بالجملة لاخفاء في ان ثبوت العنوانين لا يوجبان التعارض بوجه.

نعم في مقابل الروايات المتقدمة بعض الروايات الظاهرة في ان المعيار دخول بيوت مكة لا النظر إليها و مشاهدتها المتحققة قبل الدخول كما هو ظاهر و بعض الروايات الدالة على ان الملاك دخول الحرم.

أمّا الأولى: فصحيحة زرارة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته اين يمسك المتمتع عن التلبية؟ فقال: إذا دخل البيوت بيوت مكّة لا بيوت الأبطح «1».

و لكنه ربما يقال بأنّها مهجورة كما انه ربما تحمل على الدخول الى البيوت الحادثة التي أحدثها الناس بعدا و هو يستلزم مشاهدة البيوت القديمة الأوّلية و لكن الظاهر ثبوت المعارضة و كون الترجيح مع الطائفة الأولى الموافقة للشهرة الفتوائية.

و امّا الثانية: فرواية زيد الشحام عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الأربعون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 213

..........

______________________________

تلبية المتعة متى تقطع؟ قال حين يدخل أحرم «1».

و لكنها مضافا الى ضعفها بابي جميلة المفضل بن صالح الراوي عن زيد يمكن حملها- كما حكى عن الفقيه و الاستبصار على معني عدم تأكد استحباب فعل التلبية بعد دخول الحرم قبل مشاهدة بيوت مكّة.

و رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال و ان كنت معتمرا فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم «2».

و لكنها على تقدير الإطلاق و عدم الظهور في خصوص العمرة المفردة كما لا تبعد دعواه لاستعمال «المتمتع» في التمتع دون «المعتمر» من دون اضافة يكون إطلاقها مقيّدا بالروايات المتقدمة الواردة في خصوص عمرة التمتع الدالة على قطع التلبية

عند مشاهدة بيوت مكّة فتختصّ الرواية بالعمرة المفردة التي يأتي البحث عنها إن شاء اللّٰه تعالى.

و قد ظهر مما ذكرنا ان مقتضى الجمع بين الروايات المتعددة الواردة في هذا المقام الحكم بلزوم قطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة في الزمن القديم و الاحتياط الوجوبي المذكور في المتن بالإضافة إلى البيوت الحادثة الموجودة في زمان العمرة منشأه إطلاق كثير من الروايات و كلمات مثل المحقق في الشرائع على ما عرفت و لكن ذلك لا يوجب الاحتياط بعد كون مقتضى الجمع بين الروايات خصوص البيوت القديمة و بعد ما عرفت من وقوع الاختلاف الكثير في تفسير العقبتين على ما عرفت فغايته أولويته لا لزومه.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الأربعون ح- 9.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 214

..........

______________________________

المقام الثاني: في العمرة المفردة و إحرامها قد يتحقق من أحد المواقيت المعروفة كالمدني إذا أراد العمرة المفردة من المدينة و قد يتحقق من ادني الحلّ كالتنعيم و نحوه كالمكّي إذا أراد العمرة المفردة حيث يخرج من مكة إلى أدنى الحلّ و يحرم منه و كالوارد على مكّة من دون ان يمرّ على الميقات كما في إحرام الرسول- ص- من الجعرانة بعد رجوعه من غزوة حنين على ما مرّ و كما في إحرام الايرانيين الذين يدخلون جدّة مع الطائرة على ما تقدم تحقيقه منّا من جواز إحرامهم في العمرة المفردة من ادنى الحلّ و لا يلزم عليهم الذهاب الى الميقات و الإحرام منه و عليه فلاحرام العمرة المفردة صورتان:

إحديهما: الإحرام من ادني الحلّ و قد ورد فيها روايتان: إحديهما واردة في خصوص من خرج من

مكة مريدا لها و الثانية مطلقة أمّا الأولى فصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث: و من خرج من مكّة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة «1».

و امّا الثانية: فصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال من اعتمر من التنعيم فلا يقطع التلبية حتى ينظر الى المسجد «2».

و الظاهر انه لا خصوصية للتنعيم بل ذكره انّما هو في مقابل الإحرام من الميقات كما أنها مطلقة من حيث الخروج من مكة لإرادة الاعتمار و من حيث غيره كما في الفروض التي أشرنا إليها.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 8.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 215

..........

______________________________

و امّا جعل المنظور هو المسجد مطلقا من دون التخصيص بالكعبة فيمكن الجمع بينهما بالإطلاق و التقييد و يمكن ان يقال بان المراد من النظر الى المسجد النظر اليه من الداخل غير المنفك عن النظر إلى الكعبة فالملاك هو النظر إليها لا اليه مطلقا.

ثانيتهما: الإحرام من أحد المواقيت و قد ورد فيه روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال:

و ان كنت معتمرا فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم «1». و الظاهر كما مرّ ان الإطلاق في مثل المعتمر و العمرة ينصرف إلى العمرة المفردة و الحكم بقطع التلبية إذا دخل الحرم قرينة على عدم كون الإحرام من ادنى الحلّ لعدم الفصل- ح- بين شروع الإحرام و قطع التلبية فلا محالة يكون المراد هو الإحرام من أحد المواقيت.

و منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي

عبد اللّٰه- عليه السلام- قال من دخل مكّة مفردا للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم «2».

و منها: موثقة مرازم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم «3».

هذا و لكن في مقابلها روايات ظاهرة في انه تقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكّة كما في عمرة التمتّع:

إحداها: صحيحة الفضيل بن يسار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- قلت دخلت بعمرة فأين اقطع التلبية قال: حيال العقبة عقبة المدنيين فقلت اين عقبة

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 1.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 2.

(3) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 216

..........

______________________________

المدنيين قال بحيال القصّارين «1».

و معارضتها مع الروايات المتقدمة انّما هي على تقدير كون المراد من العمرة إذا أطلقت هي العمرة المفردة و امّا على تقدير كون المراد منها مطلق العمرة الشاملة لعمرة التمتع أيضا تكون الروايات المتقدمة الدالة على ان قطع التلبية في العمرة المفردة انّما هو عند دخول الحرم مقيدة لإطلاق الصحيحة و موجبة لحملها على عمرة التمتع التي دلت رواياتها على ان قطع التلبية فيها عند مشاهدة بيوت مكّة كما مرّت في المقام الأوّل.

ثانيتها: رواية يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّٰه- عن الرجل يعتمر عمرة مفردة من اين يقطع التلبية قال: إذا رأيت بيوت مكّة ذي طوى فاقطع التلبية. «2»

و قد عبّر سيد المستمسك- قده- عن الرواية بالموثقة مع ان في سندها محسن بن احمد و لم يوثق و- ح- ان أعرضنا عنها نظرا الى ضعفها و الّا

فيأتي فيها ما يأتي في الرواية الآتية.

و ثالثتها: صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال سألت أبا الحسن الرّضا- عليه السلام- عن الرجل يعتمر عمرة المحرّم من اين يقطع التلبية قال كان أبو الحسن- عليه السلام- من قوله يقطع التلبية إذا نظر الى بيوت مكّة «3».

هذا و قد حكى عن الصدوق- قده- انه قد جمع بين جميع الروايات الواردة في العمرة المفردة بالحمل على التخيير و قد حكاه المحقق في الشرائع أوّل القولين قال فيه: «فان كان بعمرة مفردة قيل كان مخيّرا في قطع التلبية عند دخول الحرم أو مشاهدة الكعبة و قيل ان كان ممن خرج من مكّة للإحرام فإذا شاهد الكعبة و ان

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 11.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 3.

(3) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 217

..........

______________________________

كان ممّن أحرم من خارج فإذا دخل الحرم و الكل جائز» و لكن تبعه المحقق في النافع و نسب الى كاشف اللثام أيضا.

و يرد عليه انه ان كان المراد هو الجمع بين الروايات بالحمل على التخيير فمضافا الى عدم كونه جمعا مقبولا عند العقلاء على فرض التعارض عدم كونه منطبقا على دعواه لان الروايات الأخيرة تدل على ان قطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكّة لا مشاهدة الكعبة فعلى ما تحمل هذه الروايات؟! و ان كان المراد هو التخيير في باب التعارض فهو التخيير في المسألة الأصولية و لا يجدي في المسألة الفقهية.

و حكى عن الشيخ- قده- انه قد جمع بينها بحمل ما دل على القطع عند دخول الحرم على غير من

اتى من طريق المدينة أو العراق و حمل رواية يونس على من اتى من طريق العراق و صحيحة فضيل على من اتى من طريق المدينة و حمل ما دلّ على القطع عند النظر إلى الكعبة على من خرج من مكّة مريدا للعمرة.

و يرد عليه انه لا إشعار في صحيحة البزنطي على الاختصاص بالطريقين كما انه لا إشعار في شي ء من روايات القطع عند دخول الحرم على الاختصاص بغيرهما فلا مجال لهذا الجمع أيضا.

ثم انه ذكر بعض الاعلام- قده- بعد تقييد إطلاق صحيحة الفضيل بالعمرة المتمتع بها و تضعيف رواية يونس ان صحيحة البزنطي مطلقة من جهة ان العمرة المفردة التي اعتمرها قد خرج من مكة إليها أو شرع فيها من أحد المواقيت فلا مانع من حملها على الصورة الأولى التي يكون الإحرام فيها من ادني الحلّ كالتنعيم و نحوه نعم يبقى شي ء و هو ان الحد المذكور فيها النظر الى بيوت مكّة مع انّ الحد في هذه الصورة هو النظر إلى الكعبة قال و لكن يمكن رفع التنافي بالتلازم بين الأمرين فإن النظر الى بيوت مكّة يستلزم النظر إلى الكعبة المشرفة لعلوّ البيت و ارتفاعه و نحو ذلك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 218

..........

______________________________

و أنت خبير بوضوح بطلان التلازم بعد كون المسجد الحرام واقعا في مكان أسفل من بيوت مكّة مع كونها محاطة بالجبال المتفرقة المختلفة من حيث العلوّ و الارتفاع و من جهات اخرى و لأجلها لا يكون نفس المسجد أيضا مشاهدا الّا عند الوصول الى قريب منه فضلا عن الكعبة التي تكون محاطة بابنية المسجد كما لا يخفى.

فلا محيص من الالتزام بالاعراض عن هذه الرواية لعدم كونها موردا

للفتوى حتى ان الصدوق جعل أحد طرفي التخيير مشاهدة الكعبة و الشيخ أيضا التزم بأن الغاية في هذه الصورة مشاهدتها لا مشاهدة البيوت فلا مانع من طرحها لأجل الاعراض و عليه فينقدح انّ الحق ما أفاده في المتن تبعا للمشهور غاية الأمر انك عرفت عدم اختصاص جعل الغاية النظر إلى الكعبة بخصوص من خرج من مكّة مريدا للعمرة بل يشمل كل من كان يحرم من ادني الحل لها.

المقام الثالث: في الحاج مطلقا بجميع أنواعه سواء كان إحرامه من أحد المواقيت التي عرفت انّ منها دويرة الأهل و منها الجعرانة في بعض الموارد أو من مكّة كما في التمتع و في القران و الافراد بالإضافة إلى أهالي مكّة و لا خلاف فيه ظاهرا في انه يقطع التلبية عند زوال الشمس يوم عرفة الذي هو وقت شروع الوقوف بعرفات و يدل عليه أخبار مستفيضة:

منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السلام- انه قال: الحاجّ يقطع التلبية يوم عرفة زوال الشمس «1». و إطلاق الحاجّ يشمل المتمتع و القارن و المفرد.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 219

..........

______________________________

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: قطع رسول اللّٰه- ص- التلبية حين زاغت الشمس يوم عرفة و كان على بن الحسين- عليهما السلام- يقطع التلبية إذا زاغت الشمس يوم عرفة، قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- فإذا قطعت التلبية فعليك بالتهليل و التحميد و التمجيد و الثناء على اللّٰه- عزّ و جلّ- «1».

و حكايته- ع- قطع رسول اللّٰه- ص- التلبية في الزمان المذكور و ان كانت لا دلالة لها

على إطلاق الحكم لما عرفت سابقا من ان رسول اللّٰه- ص- لم يحج حج التمتع قطّ الّا ان حكايته لقطع على بن الحسين- ع- تدلّ على الإطلاق و الشمول لحجّ التمتع أيضا.

و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: إذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية عند زوال الشمس «2».

و منها: غير ذلك من الروايات الدالة عليه.

و هنا شي ء لم أر من تعرض له و هو انّ مورد الروايات المتقدمة هل يختص بمن كان بعرفات أو يعمّ الحاجّ الذي زالت الشمس عليه يوم عرفة و لكنه لم يكن بعرفات كالمتمتع الذي قدم مكّة و رأى انّه ان قضى متعته و أتم عمرة التمتع لا يدرك الوقوف بعرفة حتى الجزء الركني منه فإنه يتبدل عمرته الى حج الافراد كما مرّ البحث عنه مفصّلا فإنه بعد التبدل يكون حاجّا و لا يكون عند الزوال بعرفات فهل يقطع التلبية حين الزوال أم لا وجهان و دعوى عدم استحباب التلبية عليه بعد التبدل خصوصا بعد كونه قد قطعها عند النظر الى بيوت مكة مدفوعة بأن القطع هناك انّما هو لأجل انّه كان معتمرا بعمرة التمتع و المفروض انه بالفعل

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 2.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 220

[مسألة 13- الظاهر انه لا يلزم في تكرار التلبية ان يكون بالصورة المعتبرة]

مسألة 13- الظاهر انه لا يلزم في تكرار التلبية ان يكون بالصورة المعتبرة في انعقاد الإحرام بل يكفي ان يقول: لبيك اللّٰهم لبيك بل لا يبعد كفاية لفظ لبّيك (1).

______________________________

حاجّ و يشمله أدلّة استحباب التلبية و الإكثار منها.

هذا و لا يبعد دعوى كون الفهم العرفي مساعدا للاختصاص

و ان كان مقتضى الإطلاق و عدم التقييد بمن كان بعرفات العدم.

بقي الكلام: في المقامات الثلاثة في ان القطع هل هو على سبيل الوجوب أو انه على سبيل الاستحباب؟ حكى عن الخلاف و الوسيلة النص على الأوّل بل عن الأوّل الإجماع عليه لكن ذكر السيد- قده- في العروة انه قد يقال بكونه مستحبّا.

أقول ظاهر الروايات بلحاظ الأمر بالقطع أو ما هو بمنزلته هو الوجوب لكن البحث انّما هو في انّ هذا وجوب تكليفي متعلق بالقطع أو ان مفاده نفي المشروعية و عدم كون الرجحان و الاستحباب الثابت لها متحققا في المواضع المذكورة و الغايات المعينة و بعد عدم الرجحان يكون الإتيان بالتلبية بعنوان العبادة غير مشروعة لعدم تعلق الأمر بها و عدم وجود المناط فيها و عليه فتكون الحرمة تشريعية كما انه لا يبقي فرق- ح- بين القول بوجوب القطع أو القول باستحبابه لاشتراكهما في عدم المشروعية لا يبعد ترجيح الوجه الثاني و ان كان ظاهر العبارات و الكلمات و منها المتن هو الأوّل فتدبّر.

(1) الوجه في ذلك مضافا الى إطلاق بعض الروايات الآمرة بإكثار التلبية و التكرير بها خصوص صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في صورة التلبية الواجبة المشتملة بعد بيان صورة مفصّلة للتلبية و بيان الإكثار بها ما استطاع على أمرين أحدهما قوله- ع-: و ان تركت بعض التلبية فلا يضرّك غير ان تمامها أفضل و ثانيهما قوله- ع- و اعلم انه لا بد من التلبيات الأربع التي كنّ في أوّل الكلام و هي الفريضة «1».

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 221

[مسألة 14- لو شك بعد التلبية انه اتى بها صحيحة أم لا بنى على الصحّة]

مسألة 14- لو شك بعد التلبية انه اتى بها

صحيحة أم لا بنى على الصحّة. و لو اتى بالنّية و لبس الثوبين و شك في إتيان التلبية بنى على العدم ما دام في الميقات، و امّا بعد الخروج فالظاهر هو البناء على الإتيان خصوصا إذا تلبّس ببعض الأعمال المتأخرة (1).

______________________________

فإن مقتضى إطلاق ترك بعض الصورة المذكورة قبله كفاية لفظ لبيك فقط فضلا عن لبيك اللهم لبيك و ما زاد عليه.

(1) في هذه المسألة فرعان:

الفرع الأوّل: الشك في صحة التلبية بعد إحراز الإتيان بها و لا شبهة في ان مقتضى أصالة الصحة الجارية في العمل الواقع الذي شك في صحته و فساده هو البناء على الصحة و الشاهد لها مضافا الى بناء العقلاء الروايات و النصوص في الموارد المتعددة.

الفرع الثاني: الشك في أصل الإتيان بالتلبية و له صورتان:

إحديهما: الشك فيه قبل الخروج من الميقات اى من المحلّ الذي لا يجوز تأخير التلبية عنه كالبيداء بالإضافة إلى المدني بناء على جواز تأخير التلبية إليه كما اخترناه و وجّهناه و الظاهر ان مقتضى أصالة العدم هو لزوم البناء عليه فيأتي بها وجوبا.

ثانيتهما: الشك في الإتيان بها بعد الخروج عن الميقات بالمعنى المذكور كما إذا شك فيها بعد مسيرة عشرة أميال من مسجد الشجرة- مثلا- و الظاهر فيها كما في المتن هو البناء على الإتيان خصوصا إذا تلبس ببعض الأعمال المتأخرة كالطواف في العمرة و الوقوف بعرفة في الحجّ و الوجه فيه جريان قاعدة التجاوز الجارية في جميع الموارد من العبادات و المعاملات نعم استثني الوضوء منها لدليل خاص

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 222

[مسألة 15- إذا اتى بما يوجب الكفارة و شك في انه كان بعد التلبية]

مسألة 15- إذا اتى بما يوجب الكفارة و شك في انه كان بعد التلبية حتى تجب عليه

أو قبلها، لم تجب عليه من غير فرق بين مجهولي التاريخ أو كون تاريخ أحدهما مجهولا (1).

______________________________

و المناط في جريانها مجرّد التجاوز عن محلّ الشي ء الذي شك في الإتيان به فيه و الموضع الذي لا بدّ من وقوعه فيه و امّا الدخول في الغير فلا يلزم في مثل المقام مما لا يكون التجاوز عن المحل ملازما للدخول في الغير لأنّ المفروض وجود الفصل الذي ربما يكون طويلا بين التلبية الدخيلة في أصل الإحرام أو لزومه و وجوبه و بين الغير الذي يقع بعدها من الطواف أو الوقوف نعم في مثل الصلاة لا يتحقق التجاوز عن المحلّ الّا بالدخول في الغير الذي هو أعم من الجزء اللاحق أو مقدمته ضرورة انه ما لم يركع يكون محل القراءة باقيا و لم يتحقق التجاوز عنه بخلاف المقام الذي لا يكون التجاوز متوقفا على الدخول في الغير فان من دخل مكة و شك في الإتيان بالتلبية في الميقات بالمعنى المذكور يكون شكه شكّا بعد تجاوز محلّ التلبية سواء شرع في الطواف أم لم يشرع فيه بعد نعم بعد الشروع إذا شك في التلبية يكون جريان القاعدة أوضح.

ثم انّ ظاهر كلام السيّد- قده- في العروة البناء على عدم الإتيان بالتلبية من دون فرق بين الصّورتين و عليه فلازمه العود الى الميقات من مكة للإتيان بالتلبية التي شك في الإتيان بها و من المعلوم انه مضافا الى انه لا وجه له بعيد جدّا و يمكن ان يقال بان مورد كلامه خصوص الصورة الأولى بقرينة قوله بعد عنوان الشك في التلبية: حتى يجب عليه ترك المحرمات أولا. فإن الظاهر ان مورده صورة جواز تأخير التلبية فلا يشمل ما إذا تجاوز محلّها خصوصا

بعد الدخول في الغير كما لا يخفى.

(1) الاولى في التعبير عن عنوان المسألة ان يقال: إذا علم بالإتيان بالتلبية و بما يوجب الكفارة على تقدير تأخره عنها و شك في المتقدم منهما و المتأخر و قد اختار في المتن عدم وجوب الكفارة في جميع صورها الثلاثة صورة جهل تاريخ كليهما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 223

..........

______________________________

و صورتا جهل تاريخ أحدهما.

أمّا الصورة الأولى فالوجه في عدم وجوب الكفارة فيها هو جريان البراءة بعد عدم جريان الاستصحاب في شي ء منهما لأجل التعارض بين الاستصحابين أو لأجل عدم كونهما مجرى الاستصحاب على الاختلاف الواقع في هذا المجال فتصل النوبة إلى أصالة البراءة المقتضية لعدم الوجوب.

و لكن ربما يقال كما قاله بعض الاعلام- قده- ان تعارض الأصلين انّما هو فيما إذا ترتب الأثر على كل منهما فإنه- ح- يكون جريانهما معا غير ممكن و جريان أحدهما دون الأخر ترجيح بلا مرجح و امّا إذا كان الأثر مترتبا على أحدهما دون الأخر فلا مانع من جريان الأصل فيه و الرجوع اليه من دون فرق بين الصّور الثلاثة و المقام من هذا القبيل لان ارتكاب الافعال المنهيّة قبل التلبية لا اثر له و انما الأثر يترتب عليه بعد التلبية فلو شك في انه هل ارتكب محرّما بعد التلبية ليترتب عليه الكفارة أو لم يرتكب شيئا لم تجب عليه الكفارة لأصالة عدم الارتكاب بعد التلبية و لا تعارض بأصالة عدم الارتكاب قبل التلبية لعدم ترتب الأثر على ذلك فأحد الأصلين لا اثر له فلا يجرى و الأصل الأخر الذي يترتب عليه الأثر يجرى سواء كان المورد مجهول التاريخ أو معلومه و لا مجال للرجوع الى البراءة

بعد إمكان جريان الأصل الموضوعي.

و يرد عليه أوّلا: منع عدم ترتب الأثر على الارتكاب قبل التلبية فإن عدم وجوب الكفارة الذي يدل عليه الروايات اثر و لا يلزم في الأثر ان يكون حكما لزوميا و الّا لا يبقي مجال لجريان الاستصحاب فيما إذا كان المستصحب عدم الوجوب أو الحرمة و قد ورد في بعض الروايات المتقدمة السؤال عن مواقعة الأهل بعد النية و قبل التلبية و الجواب بأنه ليس عليه شي ء و مرجعه الى الحكم بعدم وجوب الكفارة عليه فلا مجال لدعوى اختصاص الأثر بالموجب للكفارة الواقع بعد التلبية.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 224

..........

______________________________

و ثانيا: و هو العمدة ان استصحاب عدم الارتكاب بعد التلبية غير جار لعدم ثبوت الحالة السابقة المتيقنة لأنه نظير استصحاب عدم قرشية المرأة الذي حققنا في محلّه عدم جريانه لاختلاف القضية المتيقنة و القضية المشكوكة فإن القضية المتيقنة هي السالبة المحصلة الصادقة مع انتفاء الموضوع و القضية المشكوكة هي السالبة بانتفاء المحمول مع فرض وجود الموضوع و هذا الاختلاف يمنع عن الاتّحاد المعتبر في جريان الاستصحاب و المقام من هذا القبيل لان المتيقن هو عدم الارتكاب المتحقق مع عدم التلبية ضرورة ان العدم مع وجودها لا يكون متيقنا في زمان أصلا فلا مجال لجريان هذا الاستصحاب.

و ثالثا: ان الأصلين اللذين وقع البحث في مسألة توارد الحالتين و تعاقب الحادثين عن جريانهما و تعارضهما أو عدم جريانهما أصلا هو استصحاب عدم تحقق أحد الحادثين الى زمان حدوث الأخر بمعنى الحكم باستدامة عدمه الى زمان وجود الأخر بحيث لو لم نقل بعدم حجية الأصول المثبتة و ترتب الآثار الشرعيّة المترتبة عليه بواسطة عقلية و هي التأخر لكان

يترتب عليه تلك الآثار و عليه ففي المقام لا بد و ان يقال على هذا التقدير بثبوت الكفارة على استصحاب عدم الارتكاب لان مقتضى تأخّر الارتكاب عن التلبية الثابت بالأصل بناء على القول بالأصل المثبت هو ثبوت الكفارة لترتبه على التأخر الثابت بالاستصحاب.

و بالجملة فالأصل الذي هو محل البحث في تلك المسألة هو استصحاب العدم الى زمان الحادث الآخر لا استصحاب العدم بعد حدوث ذلك الحادث.

و قد ظهر مما ذكرنا انه ليس في المقام أصل موضوعي حاكم على أصالة البراءة و ان كان موافقا لها بل اللازم الرجوع إليها و الحكم بعدم وجوب الكفارة لأجلها لا للأصل الموضوعي فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 225

[الثالث: من الواجبات لبس الثوبين بعد التجرد عمّا يحرم على المحرم لبسه]

اشارة

الثالث: من الواجبات لبس الثوبين بعد التجرد عمّا يحرم على المحرم لبسه، يتّزر بأحدهما و يرتدي بالآخر، و الأقوى عدم كون لبسهما شرطا في تحقق الإحرام بل واجبا تعبديّا، و الظاهر عدم اعتبار كيفية خاصّة في لبسهما فيجوز الا تزار بأحدهما كيف شاء و الارتداء بالآخر أو التوشح به أو غير ذلك من الهيئات لكن الأحوط لبسهما على الطريق المألوف، و كذا الأحوط عدم عقد الثوبين و لو بعضهما ببعض، و عدم غزرهما بإبرة و نحوها لكن الأقوى جواز ذلك كله ما لم يخرج عن كونهما رداء و إزارا، نعم لا يترك الاحتياط بعدم عقد الإزار على عنقه، و يكفى فيهما المسمّى و ان كان الاولى بل الأحوط كون الإزار مما يستر السرة و الرّكبة، و الرداء مما يستر المنكبين (1).

______________________________

(1) في هذا الواجب الذي هو ثالث واجبات الإحرام جهات من الكلام:

الجهة الاولى: في أصل وجوب لبس الثوبين في مقابل الاستحباب و عدم الوجوب و

الظاهر استقرار الفتاوى على الوجوب قال في محكيّ المنتهى انه لا نعلم خلافا بل عن التحرير الإجماع عليه نعم يظهر من كاشف اللثام الترديد فيه حيث قال فيما حكى عنه: «و امّا لبس الثوبين فان كان على وجوبه إجماع كان هو الدليل و الّا فالأخبار التي ظفرت بها لا تصلح مستندا له مع ان الأصل العدم».

و مستند الوجوب أمران:

أحدهما: جريان السيرة العملية من زمن النبي و الأئمة- عليه و عليهم الصلاة و السلام- و من المسلمين كافة أعم من الشيعة و غيرهم على لبس الثوبين عند الإحرام و في حاله.

و دعوى ان العمل لا يدل على الوجوب لأنه أعم منه و من الاستحباب فلا مجال للاستناد إليه في الوجوب.

مدفوعة بوضوح كون العمل الكذائي و التقيد من الجميع مع تشتت مسالكهم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 226

..........

______________________________

و اختلاف مراجعهم خصوصا مع ملاحظة عدم تقيّد كثير منهم بالإتيان بالمستحبات حتى مستحبات الإحرام المتعددة و المتكثرة مع شدة التحريص بها و الترغيب عليها دليلا على الوجوب و لا يقاس ذلك بمجرد صدور عمل من النبي و الأئمة- ص- الذي هو أعم من الاستحباب و بعبارة أخرى الدليل على الوجوب هو اختلاف نظر المتشرعة بالنسبة إلى اللبس و الى مثل الغسل حال الإحرام فينظرون إلى الأوّل بعين الوجوب دون الثاني و عليه لا مجال للاستشكال في الاستدلال على الوجوب بمثل هذه السّيرة.

ثانيهما: الروايات المتعددة الظاهرة في الوجوب:

منها: صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن التهيّؤ للإحرام فقال: اطل بالمدينة فإنه طهور و تجهّز بكلّ ما تريد، و ان شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي الشجرة فتفيض عليك من الماء

و تلبس ثوبيك إن شاء اللّٰه «1».

و قد حقق في محلّه دلالة الجملة الخبرية الواردة في مقام بيان الحكم على الوجوب و قيام الدليل على عدم وجوب إفاضة الماء عليه سواء كانت بمعنى الاغتسال أو تنظيف البدن لا دلالة فيه على عدم كون اللبس واجبا أيضا و ان كان معطوفا عليها فإذا قال رأيت أسدا و رأيت ذئبا و قامت القرينة على ان المراد بالأسد هو الرجل الشجاع لا يكون فيه دلالة على انّ المراد بالذئب أيضا هو معناه المجازي و هو الإنسان المشابه له في السبعية- مثلا- و بالجملة صرف الكلام عن ظاهره يحتاج إلى القرينة الصارفة ففي مورد وجودها يصرف و مع عدمها لا مساغ له و لا مجال لدعوى كون وحدة السياق قرينة

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب السابع ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 227

..........

______________________________

على ذلك بل فيما إذا كان هناك جملة واحدة كقوله: اغتسل للجنابة و الجمعة لا يكون قيام الدليل على عدم وجوب غسل الجمعة دليلا على عدم وجوب غسل الجنابة فضلا عما إذا كانت الجمل متعددة كما في الصحيحة.

و منها: صحيحة هشام بن سالم قال أرسلنا الى أبي عبد اللّٰه- ع- و نحن جماعة و نحن بالمدينة انا نريد ان نودعك فأرسل إلينا ان اغتسلوا بالمدينة فإني أخاف ان يعزّ الماء عليكم بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة و البسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ثم تعالوا فرادى أو مثاني «1».

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا انتهيت الى العقيق من قبل العراق أو الى الوقت من هذه المواقيت و أنت تريد الإحرام ان شاء اللّٰه فانتف إبطك

(إبطيك.) و قلّم أظفارك و اطل عانتك و خذ من شاربك و لا يضرّك بأيّ ذلك بدأت ثم استك و اغتسل و البس ثوبيك الحديث «2».

و منها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم و خذ من شاربك و من أظفارك و اطل عانتك ان كان لك شعر و انتف إبطك و اغتسل و البس ثوبيك ثم ائت المسجد الحرام فصل فيه ست ركعات قبل ان تحرم و تدعو اللّٰه الحديث «3».

و منها: ما ورد في تجريد الصبيان من فخّ مثل ما رواه أيوب أخو أديم قال سئل أبو عبد اللّٰه- ع- من اين يجرد الصّبيان فقال كان أبي يجرّدهم من فخّ «4». و بهذا الاعتبار جعل الفخ أحد المواقيت كما في العروة و نحوها.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثامن ح- 1.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب السادس ح- 4.

(3) وسائل أبواب الإحرام الباب الثاني و الخمسون ح- 2.

(4) وسائل أبواب الإحرام الباب السابع و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 228

..........

______________________________

و منها: ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن الحميري انه كتب الى صاحب الزمان (عج) يسأله عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء يكون متصلا بهم يحج و يأخذ من الجادة و لا يحرم هؤلاء من المسلخ فهل يجوز لهذا الرجل ان يؤخر إحرامه إلى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا يجوز الّا ان يحرم من المسلخ فكتب (ع) في الجواب يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب و يلبّي في نفسه فإذا بلغ الى ميقاتهم أظهره «1». لكن هذه الرواية

مضافا الى ضعف سندها يجري فيها احتمالان و اشكال ظهور التقرير فيها في عدم كون ذات عرق ميقاتا عندنا مع ان ميقات أهل العراق وادي عقيق الذي يكون اوّله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق و قد تقدّم البحث في الرواية في باب المواقيت فراجع.

و قد ظهر ممّا ذكرنا وجود أدلّة متعددة على وجوب لبس الثوبين و عليه فلا أصالة للإجماع في المقام.

الجهة الثانية: في انه بعد كون اللبس واجبا وقع الكلام في اعتباره في صحة الإحرام و انعقاده و عدمه و بعبارة أخرى هل يكون اللبس واجبا تعبديا أو شرطيا؟ فيه وجهان بل قولان قال في الجواهر بعد ما قوىّ الوجه الأوّل: بل لا أجد فيه خلافا صريحا الّا ما سمعته من الإسكافي و لا ريب في ضعفه ..»

و قال في الدروس: «و هل اللبس من شرائط الصحة حتى لو أحرم عاريا أو لابسا مخيطا لم ينعقد نظر و ظاهر الأصحاب انعقاده حيث قالوا: لو أحرم و عليه قميص نزعه و لا يشقه و لو لبسه بعد الإحرام وجب شقّه و إخراجه من تحت كما

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 229

..........

______________________________

هو مروي و ظاهر ابن الجنيد اشتراط التجرد».

و في محكي كشف اللثام: «قلت كلامهم هذا قد يدل على عدم الانعقاد فان الشقّ و الإخراج من تحت للتحرز عن ستر الرأس فلعلّهم لم يوجبوه أوّلا لعدم الانعقاد نعم الأصل عدم اشتراط الانعقاد به».

أقول: ان هنا أمرين قد وقع بينهما الخلط في بعض الكلمات:

أحدهما: ان لبس الثوبين هل له دخل في صحة الإحرام و انعقاده بحيث كان الإخلال به موجبا

لعدم وقوع الإحرام الكامل سواء كان الإخلال به بنحو يكون في حال الإحرام عاريا أو لابسا للمخيط فقط أو لأحد الثوبين كذلك كما ان مراعاته تارة تتحقق بلبس الثوبين فقط دون ثوب آخر و اخرى بلبسهما زائدا على ثيابه المتعارفة.

ثانيهما: هل يكون عدم لبس المخيط في حال الإحرام شرطا في صحته بحيث كان الإحرام معه غير منعقد و لو كان لابسا لثوبي الإحرام أم لا يكون كذلك و الظاهر عدم الارتباط بين الأمرين و لزوم ملاحظة كل منهما مستقلا.

و العجب من بعض الاعلام- قده- حيث انه جعل للشرطية تصويرين أحدهما كون لبس الثوبين متمّما للإحرام و مكمّلا له و ثانيهما كون لبس الثوبين شرطا في صحة التلبية و أورد في الثاني الروايات الواردة في لبس المخيط حال الإحرام مع ان المراد بالتلبية فيها هو الإحرام كما سيأتي نقلها إن شاء اللّٰه تعالى و ظاهرها انّ محطّ النظر هو لبس المخيط لا عدم لبس الثوبين.

و كيف كان فالوجه في الاعتبار في الصحة و الانعقاد في الأمر الأوّل هو ظهور الأمر باللبس في الروايات المتقدمة بعد حمله على ظاهره الذي هو الوجوب في الشرطية و المدخلية فإن الحكم بوجوب اللبس عند إرادة الإحرام انّما هو كالحكم بوجوب الوضوء عند إرادة الصلاة فكما ان الثاني ظاهر في الوجوب الشرطي كذلك الأوّل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 230

..........

______________________________

لكن التحقيق انه لو كان الدليل منحصرا بذلك لكان الحكم بالشرطيّة و المدخلية متّجها لكن في البين يوجد روايات تدل على خلافه مثل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في بحث التلبية و هي ما رواه هو عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- انه قال: يوجب الإحرام ثلاثة

أشياء التلبية و الاشعار و التقليد فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم «1».

فإن ظاهرها تحقق الإحرام بالتلبية التي يكون المراد منها لا محالة هي التلبية المقرونة بنية الحج أو العمرة لا نفس التلبية المجردة الخالية عنها و عليه يكون مفادها خصوصا بملاحظة الذيل ان الإحرام يتحقق بالتلبية و ما يجرى مجراها من دون توقّف على شي ء هذا بناء على ما هو المعروف في معنى الرواية.

و امّا بناء على ما احتملناه بل استظهرناه من كون مثل الصحيحة ناظرا الى وجوب الإحرام و لزومه و عدم جواز نقضه دون أصل الانعقاد و لو لم يترتب عليه حرمة محرمات الإحرام المعهودة بعد فيمكن ان يقال بأنه لا منافات بين كون اللبس دخيلا في أصل الصحة و الانعقاد و التلبية مؤثرة في لزومه و وجوبه و عدم جواز نقضه و كان الدليل على الأول الروايات الآمرة باللبس عند إرادة الإحرام و على الثاني مثل هذه الصحيحة الدال على لزومه بالتلبية و ما بحكمها من الإشعار أو التقليد.

هذا و لكن مع ذلك الظاهر ان ملاحظة الروايتين تقتضي الحكم بعدم مدخلية اللبس و عدم شرطيّته و كون وجوبه وجوبا تعبديا خصوصا مع ضمّ الفتاوى اليه فتدبّر هذا بالإضافة الى الأمر الأوّل.

و امّا الأمر الثاني فقد ورد فيه روايات:

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 20.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 231

..........

______________________________

منها: صحيحة معاوية بن عمار و غير واحد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في رجل أحرم و عليه قميصه فقال ينزعه و لا يشقّه و ان كان لبسه بعد ما أحرم شقّه و أخرجه مما يلي رجليه «1». فان الظاهر ان

النقطة المهمة للسائل هو وجود القميص و لبسه حال الإحرام لا عدم كونه لابسا للثوبين مع انه يمكن ان يقال بأن إطلاق السؤال يشمل ما لو كان لابسا لهما و لم يقع في الجواب استفصال فالرواية مرتبطة بهذا الأمر و دالة على عدم قدح لبس القميص في صحة الإحرام و انعقاده و ما في كلام كاشف اللثام المتقدم من احتمال كون عدم وجوب الشقّ و جواز النزع من الرأس لأجل عدم انعقاد الإحرام لعله يكون خلاف صريح الرّواية و الا كان اللازم الحكم بوجوب تجديد النية و التلبية كما هو واضح.

و الظاهر أيضا إطلاق السؤال في الرواية و عدم اختصاصه بخصوص الجاهل و دعوى انه من البعيد الإحرام مع القميص من العالم المريد للامتثال و الإتيان بأمر عبادي مدفوعة بان ما لا يجتمع مع العلم هو فساد العمل و بطلانه فإنّه لا معني للإتيان بالعمل الفاسد في حال ارادة الامتثال مع العلم بالفساد و امّا العلم بالحرمة فاجتماعه مع الإرادة المذكورة بمكان من الإمكان و لذا يتحقق أحيانا بعض محرّمات الإحرام من المحرم حتى الموجب للكفارة و عليه فلا مجال لتخصيص مورد السؤال بالجاهل ثم انه يمكن ان يكون الوجه في التفصيل في الرواية بين اللبس قبل الإحرام و اللبس بعده هو استلزام الثاني لستر الرأس المحرّم مرتين تارة حال اللبس و اخرى حال النزع و لذا حكم عليه بالشق و الإخراج مما يلي رجليه و امّا الأوّل فحيث كان لبسه قبل الإحرام لا يتحقق ستر الرأس إلّا مرّة واحدة.

و منها: صحيحة عبد الصمد بن بشير قال جاء رجل يلبّى حتى دخل المسجد و هو

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح-

2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 232

..........

______________________________

يلبي و عليه قميصه فوثب اليه ناس من أصحاب أبي حنيفة فقالوا شق قميصك و أخرجه من رجليك فان عليك بدنة و عليك الحج من قابل و حجّك فاسد فطلع أبو عبد اللّٰه- ع- على باب المسجد فكبّر و استقبل القبلة فدنا الرجل من أبي عبد اللّٰه- ع- هو ينتف شعره و يضرب وجهه فقال له أبو عبد اللّٰه- ع- اسكن يا عبد اللّٰه فلما كلّمه و كان الرجل أعجميّا فقال أبو عبد اللّٰه- ع- ما تقول قال كنت رجلا أعمل بيدي و اجتمعت لي نفقة فحيث أحجّ لم أسأل أحدا عن شي ء و أفتوني هؤلاء أن أشق قميصي و انزعه من قبل رجلي و ان حجّي فاسد و انّ علىّ بدنة فقال له: متى لبست قميصك أبعد ما لبّيت أم قبل؟ قال قبل ان ألبّي قال فأخرجه من رأسك فإنه ليس عليك بدنة و ليس عليك الحجّ من قابل، اىّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه، طف بالبيت سبعا و صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم- ع- واسع بين الصفا و المروة، و قصّر من شعرك فإذا كان يوم التروية فاغتسل و أهلّ بالحجّ و اصنع كما يصنع الناس «1».

و قد جمع صاحب الحدائق بين هذه الصحيحة و الصحيحة السابقة التي كانت مطلقة من حيث العلم و الجهل بحملها على صورة الجهل و الحكم بانّ صحة الإحرام في المخيط تختص بهذه الصورة و امّا العالم الذي تعمّد الإحرام في المخيط فاحرامه باطل من رأس.

و أورد عليه بعض الاعلام- قده- بان المقام ليس من موارد حمل المطلق على المقيّد لأن الصحيحة الأخيرة لا تدل

على صحة عمله لكونه جاهلا و انّما هي في مقام بيان انه ليس عليه الكفارة في مقابل فتوى أناس من أصحاب أبي حنيفة.

______________________________

(1) أورد عمدتها في الوسائل في الباب الخامس و الأربعين من أبواب تروك الإحرام ح- 3 و سائر قطعاتها متفرقة في الأبواب الأخر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 233

..........

______________________________

و أنت خبير بانّ التعليل في الرواية بقوله- ع-: اىّ رجل .. كما انه تعليل لعدم وجوب البدنة كذلك يكون تعليلا لعدم ثبوت الحج عليه من قابل الذي هو أثر صحة العمل و عدم فساده فإنّ إفساد الحج يوجب الحج من قابل و امّا الحج الصحيح فيترتب عليه عدم الوجوب ثانيا و ارتباط التقليل بهذه الجهة لعلّه يكون أقوى من ارتباطه بعدم وجوب الكفارة لذكره بعده و اتصاله بالتعليل مع ان أصحاب أبي حنيفة قد صرّحوا عليه بفساد حجّه أيضا فلا مجال لدعوى اختصاص العلة بخصوص الكفارة.

لكن الجواب عن صاحب الحدائق ان ظاهر العلّة انّ الجاهل لا شي ء عليه من الكفارة و فساد الحجّ و مفهومه عدم ثبوت ذلك بالإضافة إلى العالم و لكن لا بمعنى ثبوت كلا الأمرين معا بل بالمعنى الأعم منه و من ثبوت أحدهما و عليه فلا مانع من الحكم بثبوت صحة الإحرام في المخيط و لو مع العلم عملا بمقتضى إطلاق الصحيحة الاولى و الحكم بثبوت الكفارة عليه عملا بمقتضى دليل ثبوتها بالنسبة إلى العالم و عليه فالجمع بين الصحيحتين لا يقتضي تخصيص الحكم بالصحة بخصوص الجاهل بل يعمّ العالم أيضا.

و منها: رواية خالد بن محمّد الأصمّ قال دخل رجل المسجد الحرام و هو محرم فدخل في الطواف و عليه قميص و كساء فاقبل الناس

عليه يشقّون قميصه و كان صلبا فرءاه أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- و هم يعالجون قميصه يشقونه فقال له كيف صنعت؟ فقال أحرمت هكذا في قميصي و كسائي فقال انزعه من رأسك ليس ينزع هذا من رجليه انّما جهل فأتاه غير ذلك فسأله فقال: ما تقول في رجل أحرم في قميصه قال: ينزع من رأسه «1».

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 234

..........

______________________________

و الرواية ضعيفة بخالد حيث انه لم يوثق بل و لم يمدح بوجه و استكشاف كون الرجل الداخل في المسجد محرما مع انه كان عليه قميص و كساء امّا من طريق كونه لابسا ثوبي الإحرام أيضا و امّا من طريق كونه ملبيّا كما في الرواية السابقة بل لا يبعد ان تكون القصة المذكورة في هذه الرواية عين تلك القصة دون قصة اخرى.

و لا يجري احتمال التقييد في هذه الرواية بالإضافة إلى الصحيحة الأولى لعدم التعرض فيها لصحة الإحرام و عدمها بل موضع الاختلاف هو نزع القميص من الرأس أو من الرجلين و كلاهما لا يتحققان الّا مع صحة الإحرام كما عرفت لكنه ذكر في «المستمسك» ظاهر ما في خبر خالد بن محمد الأصم من التعليل بقوله- ع-: ايّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه الاختصاص بحال الجهل فلا يشمل حال العلم بالموضوع و الحكم و- ح- يتعين تخصيص صحيح معاوية به، فيحمل على حال الجهل لا غير و يرجع الى القاعدة في البناء على البطلان في حال العلم ..

و أنت خبير بان هذا التعليل قد وقع في الصحيحة المتقدمة دون هذه الرواية فإن كان مراده كون تلك الرواية

مقيّدة كما عرفت من الحدائق فقد مرّ الجواب عنه و ان كان مراده كون هذه الرواية كذلك فقد مرّ انه لم يقع التعرض فيها للصحة و البطلان بل الاختلاف انّما هو في النزع من الرأس أو من الرجلين و كلاهما مفروضان مع صحة الإحرام و امّا ما افاده من ان مقتضى القاعدة البناء على البطلان في حال العلم فسيأتي البحث فيه عند التعرض لكلام السيد- قده- في العروة إن شاء اللّٰه تعالى.

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار قال ان لبست ثوبا في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلبّ و أعد غسلك، و ان لبست قميصا فشقّه و أخرجه من تحت قدميك «1».

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 235

..........

______________________________

و المراد بلبس الثوب في الجملة الأولى بقرينة المقابلة و التعرض للبس القميص في الجملة الثانية هو لبس المخيط غير القميص من العباء و القباء و الإزار و غيرها المشترك في كونه محيطا و في عدم افتقار نزعه عادة الى ستر الرأس بخلاف القميص الذي يتوقف لبسه و نزعه الى الستر و لو لحظة خصوصا في القميص المتداول بين الاعراب حتى اليوم الذي كان طوله الى الرجلين نوعا و هل المراد هو لبس الثوب الكذائي أو القميص في حال انعقاد الإحرام و شروعه بحيث كانت النية و التلبية في اللباس المذكور أو ان المراد هو اللبس بعد الإحرام؟ الظاهر هو الثاني لأنه فرق بين قوله لبس القميص- مثلا- في إحرامه و بين قوله أحرم في القميص أو أحرم و عليه قميصه كما في صحيحة معاوية بن عمار الاولى.

و يؤيده بل يدل عليه ان

الحكم بوجوب الشقّ و الإخراج من الرّجل قد ورد في الروايات المتقدمة بالإضافة إلى الفرض الثاني و من الواضح اتحاد المراد من الجملتين من هذه الجهة و عليه فالرواية لا ترتبط بالمقام الذي هو الفرض الأوّل.

ان قلت: ان قوله- ع-: فلبّ ظاهر في وجوب التلبية و مرجعه الى بطلان الإحرام و لزوم تجديده و عليه فإذا كان لبس المخيط بعد الإحرام موجبا لبطلانه و فساده فإيجابه للبطلان و عدم الانعقاد من رأس فيما لو أحرم في المخيط انّما يكون كذلك لو لم يكن اولى.

قلت:- مضافا الى ان الظاهر انه لم يقل أحد بكون لبس المخيط بعد الإحرام موجبا لفساده و لزوم تجديده و الى ان قوله: و أعد غسلك قرينة على عدم وجوب التلبية فتدبّر- ان مقتضى ذلك التفصيل في الصحة و البطلان بين القميص و غيره من الألبسة المخيطة ضرورة ان الحكم بوجوب الشق في القميص لا يجتمع مع بطلان الإحرام و عليه فاللازم ان يقال بعدم كون المراد من التلبية هو الإحرام خصوصا مع التعبير بعنوان الإحرام قبلها فلا مناص من ان يكون المراد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 236

..........

______________________________

هو استحباب التلبية كإعادة الغسل و الوجه في التفصيل عدم توقف النزع في الجملة الأولى على ستر الرأس بخلافه في الجملة الثانية و كيف كان فالرواية لا تدل على البطلان بوجه و لا ترتبط بما نحن فيه.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انّ مقتضى إطلاق ما ورد في المقام و هو لبس المخيط حال الإحرام عدم كونه قادحا في صحته و انعقاده و ان كان عالما عامدا من دون فرق بين ان يكون لابسا لثوبي الإحرام و

بين ان لا يكون كذلك و عليه فلا يختص الحكم بالجاهل و مثله الذي هو الناسي بل يعمّ جميع الصّور و عليه فلو فرض ان مقتضى القاعدة في صورة العلم و العمد هو البطلان لكن لا مجال للأخذ بها مع دلالة الرواية على الصحة و لو بالإطلاق مع ان اقتضاء القاعدة له أيضا محلّ منع و ان ذكره السيد- قده- في العروة حيث قال: «لو أحرم في قميص عالما عامدا أعاد لا لشرطية لبس الثوبين لمنعها كما عرفت بل لانه مناف للنّية حيث انه يعتبر فيها العزم على ترك المحرمات التي منها لبس المخيط و على هذا فلو لبسهما فوق القميص أو تحته كان الأمر كذلك أيضا لانه مثله في المنافاة للنّية الّا ان يمنع كون الإحرام هو العزم على ترك المحرّمات بل هو البناء على تحريمها على نفسه فلا تجب الإعادة- ح-».

و يرد عليه وجوه من الإيراد:

الإيراد الأوّل: ما مرّ من ان الرجوع الى القاعدة انّما هو في مورد لم يدل على حكمه مثل الرواية المعتبرة و لو بالإطلاق و قد عرفت ان مقتضى إطلاق الصحيحة الأولى الشمول للعالم العامد و الصحيحة الثانية لا تدل على تقييد الصحيحة الأولى كما زعمه صاحب الحدائق.

الإيراد الثاني: انه على تقدير عدم دلالة الدليل على الصحة في هذه الصورة لا يكون مقتضى القاعدة البطلان بوجه و ذلك لما عرفت في البحث عن ماهية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 237

..........

______________________________

الإحرام و حقيقته من انّها عبارة عن أمر اعتباري يعتبره خصوص الشارع عقيب نيّة الحج أو العمرة فقط أو بضميمة التلبية و يكون هذا الأمر الاعتباري موضوعا لأحكام وجوبية كلبس الثوبين و تحريمية كمحرمات

الإحرام المتعددة و لا دليل على اعتبار أمر آخر وجودا أو عدما في تحقق هذا الأمر الاعتباري.

و بعبارة أخرى هنا أمور ثلاثة مترتّبة النيّة فقط أو بضميمة التلبية و تحقق ذلك الأمر الاعتباري و ترتب أحكام كثيرة عليه و حرمة لبس المخيط انّما هي من جملة تلك الأحكام المتأخرة عن أصل الإحرام و عنوان المحرم و لا مجال- ح- لان يكون التخلف عنها في حال النية و التلبية قادحا في تحقق الإحرام المتقدم على احكامه و نظيره في ثبوت أمور ثلاثة مترتبة البيع و النكاح و أمثالهما فإن عقد النكاح موجب لتحقق عنوان الزوجية و اعتباره عند الشرع و العرف و هي أي الزوجية موضوعة لثبوت أحكام كثيرة للزوج و عليه، و كذا للزوجة و عليها و لا يكون التخلف عن شي ء منها في حال العقد قادحا في صحته بوجه كما ان التخلف عنه بعده لا يكون منافيا لثبوتها و بقاء اثر العقد و هذا من الوضوح بمكان.

الإيراد الثالث: انه- مضافا الى وجود تهافت بين صدر كلامه و ذيله حيث ان ظاهر الصدر ان لبس المخيط مناف للنّية الواجبة في الإحرام خصوصا مع تصريحه في أوّل البحث عن واجبات الإحرام بأن المراد من النية هي القصد إليه- يعني إلى الإحرام- و عليه فالإحرام هو المنوي و النية خارجة عنه و ظاهر الذيل ان لبس المخيط مناف لنفس الإحرام بناء على كونه هو العزم على ترك المحرّمات لا البناء على تحريمها على نفسه- على تقدير مبناه يمكن ان يقال بعدم المنافاة فكما انه لا منافاة بين الإحرام بهذا المعني و بين البناء حال الإحرام على لبس المخيط بعد ساعة من عقد الإحرام- مثلا- كذلك لا منافاة

بينه و بين اللبس في حال الإحرام لعدم الفرق بين الصورتين بوجه نعم لو قلنا بأنّ الإحرام عبارة عن نفس ترك المحرّمات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 238

..........

______________________________

دون العزم عليه لا يكاد يتحقق الجمع- ح- بين الإحرام و بين اللبس المحرّم فتدبّر.

و قد ظهر مما ذكرنا انه لو وصلت النوبة إلى القاعدة لكان مقتضاها أيضا الصحة مطلقا و لو مع العلم و العمد فضلا عن الصورتين الآخرتين.

هذا و لو قلنا ببطلان الإحرام في صورة العلم لاختصاص ما دلّ على الصحة بصورة الجهل و اقتضاء القاعدة للبطلان فهل الحكم في النسيان حكم الجهل أو العلم؟ الظاهر، هو الأوّل امّا لانه نوع من الجهل غاية الأمر انه مسبوق بالعلم و امّا لاشتراكه مع الجهل في المناط الذي يفهمه العرف ممّا ورد في الجاهل و لأجله حكم السيد- قده- باشتراكهما مع حكمه بالبطلان في صورة العلم على ما عرفت في عبارته المتقدمة.

الجهة الثالثة: في كيفية لبس الثوبين و الظاهر اتفاق الأصحاب على لزوم الاتزار بأحدهما لكنه مخير في كيفية الاتّزار نعم في خصوص جواز عقده على عنقه كلام يأتي التعرض له إن شاء اللّٰه تعالى.

و امّا الثوب الثاني ففي الجواهر: «عن جماعة انه يتردّى به اى يلقيه على عاتقيه جميعا و يسترهما به، و عن بعض يتوشح به و عن آخرين أو يتوشح به اى يدخل طرفه تحت إبطه الأيمن و يلقيه على عاتقه الأيسر كالتوشح بالسيف على ما عن الأزهري و غيره بل صرّح غير واحد منهم بأنه نحو ما يفعله المحرم الّا ان الظاهر عدم وجوب شي ء من الهيئتين للأصل فيجوز- ح- التوشح بالعكس و غيره من الهيئات و لعلّ

من اقتصر على الارتداء أو التخيير بينه و بين التوشح يريد التمثيل و ان كان التردي اولى الهيئات».

هذا و لكن الظاهر من طائفة من الرّوايات لزوم الارتداء و الإلقاء على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 239

..........

______________________________

العاتقين جميعا:

منها: الرواية المفصلة الحاكية لحجة الوداع المشتملة على قوله- ع- فاقبل الناس فلما نزل الشجرة أمر الناس بنتف الإبط و حلق العانة و الغسل و التجرد في إزار و رداء أو إزار و عمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء «1».

فان ظاهرها لزوم عنوان الرداء الذي لا يكون لبسه الّا بالارتداء به بالنحو المذكور و اشتماله على جملة من المستحبات لا يكون قرينة على عدم لزوم عنوان الرداء خصوصا بعد لزوم عنوان الإزار الذي هو المتفق عليه عند الأصحاب على ما عرفت.

و منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين، و ان لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه (عاتقه خ ل) أو قباء بعد ان ينكسه «2».

و منها: رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السلام- في حديث قال:

و يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء و يقلب ظهره لباطنه «3» و ظاهر هذه الروايات لزوم كون عنوان الثوب الأخر هو الرداء و الظاهر ان لبس الرداء لا يكون الّا بالارتداء به و دعوى ان النصوص المذكورة ليس فيها الّا ذكر الرّداء و لم تتعرض لكيفية لبسه و عليه فمقتضى الأصل عدم لزوم هيئة خاصة مدفوعة بأن المراد ليس هو وجدانه للرداء زائدا على الإزار بل هو لبسه و لبس الرداء لا يكون الّا مع الارتداء

به و التوشح و غيره من سائر الهيئات لا يصدق عليه لبس الرداء و لأجله قوى صاحب الحدائق ذلك و ان قال صاحب الجواهر انه في غير محلّه و بالجملة

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني ح- 15.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 2.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 240

..........

______________________________

العدول عن ظاهر ما يدل عليه النصوص المذكورة مشكل.

هذا و امّا ما ورد في مثل العقد و الشدّ فعدّة روايات:

منها: و هي عمدتها موثقة سعيد الأعرج انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المحرم يعقد إزاره في عنقه؟ قال: لا «1».

هكذا نقلت الرواية في الوسائل و المحكي عن الفقيه الذي هو مصدرها في حاشيتها حيث انه لم يقع فيها إشارة إلى مخالفته لما فيه و لكن صاحب الجواهر- قده- رواها هكذا: عن المحرم يعقد رداءه في عنقه، مع انه نقلها قبلها بصفحتين بالمعنى و انه نهي فيها عن عقد الإزار بالعنق مع التعبير عنه بالخبر المشعر بعدم اعتباره و اضافه الى أبي سعيد الأعرج مع انه هو سعيد الأعرج و كيف كان لا مجال للإشكال في ان السؤال في الرواية انما هو عن عقد الإزار في العنق و لكنه مع ذلك ربما يقال ان المراد بالإزار هو الرداء لانه هو الذي يعقد في العنق مضافا الى إطلاقه على الثوب الثالث في كفن الميت المشتمل على جسد الميّت و الذي يغطي تمام بدنه.

و الظاهر بطلان هذا القول فإن الذي يعقد في العنق بلحاظ كونه استر للعورة و عدم المعرضية للكشف هو الإزار دون الرّداء و يؤيده

ما هو المتداول في الحمامات من عقد إزار الصبيّ على عنقه لعدم تحفّظه و عدم قدرته نوعا عليه و إطلاقه على الثوب الثالث في كفن الميت انما هو باعتبار عدم ثبوت عنوان الرداء في مقابله بخلاف المقام الذي وقع فيه هذا العنوان في مقابل الرّداء.

ثمّ انّ الظاهر ان السؤال في الرواية انّما هو عن جواز عقد الإزار على العنق و مشروعيته و عليه فالجواب بقوله- ع-: لا، ظاهر في عدم الجواز و احتمال كون السؤال فيه عن وجوب العقد لمناسبة الستر الذي هو أقرب الى مقام العبادة

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث و الخمسون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 241

..........

______________________________

و التواضع فيكون النفي في الجواب ظاهرا في عدم الوجوب خلاف الظاهر جدّا و ان احتمله صاحب المستمسك- قده.

و منها: صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- ع- انه قال: المحرم لا يصلح له ان يعقد إزاره على رقبته و لكن يثنيه على عنقه و لا يعقده «1». لكن قوله:

لا يصلح، لا يكون ظاهرا في الحرمة و عدم الجواز و لعلّه يصير قرينة على ضعف ظهور الرواية المتقدمة في الحرمة، و يمكن ان يقال بالعكس و هو جعل الظهور في الرواية المتقدمة في الحرمة قرينة على كون المراد من قوله: لا يصلح هي الحرمة و لأجل ما ذكرنا جعل في المتن العدم مقتضى الاحتياط اللزومي.

و منها: ما رواه في الاحتجاج عن محمد بن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري عن صاحب الزّمان- عج- انه كتب اليه يسأله عن المحرم يجوز ان يشدّ المئزر من خلفه على عنقه «عقبه خ ل» بالطول و يرفع «من» طرفيه الى

حقويه و يجمعهما في خاصرته و يعقد هما و يخرج الطرفين الأخيرين من بين رجليه و يرفعهما الى خاصرته و يشدّ طرفيه الى وركيه فيكون مثل السراويل يستر ما هناك فإن المئزر الأوّل كنّا نتّزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك و هذا أستر. فأجاب- عليه السلام- جائز ان يتّزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض و لا إبرة تخرجه به عن حدّ الميزر، و غزره غزرا و لم يعقده و لم يشدّ بعضه ببعض و إذا غطّى سرّته و ركبته (ركبتيه خ ل) كلاهما فإن السنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرّة و الركبتين و الأحب إلينا و الأفضل لكلّ أحد شدّه على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعا ان شاء اللّٰه تعالى «2».

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث و الخمسون ح- 5.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث و الخمسون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 242

..........

______________________________

و منها: ما رواه فيه عنه انه سأله هل يجوز ان يشد مكان العقد تكّة؟ فأجاب لا يجوز شدّ المئزر بشي ء سواء من تكّة أو غيرها «1». هذا و لكن الروايتين ضعيفتان من حيث السند.

و قد ظهر بملاحظة ورود جميع الروايات المتقدمة في الإزار و عدم ورود رواية و لو ضعيفة في الرداء دالة على لزوم لبسه بكيفية خاصّة عدم اعتبارها فيه بل مقتضى رواية عبد اللّٰه بن ميمون القداح عن جعفر- ع- انّ عليّا- ع- كان لا يرى بأسا بعقد الثوب إذا قصر ثم يصلي فيه و ان كان محرما «2». جواز عقد الرداء في حال الإحرام أيضا.

و عليه فالتشريك بين الثوبين في الحكم

و لو الاحتياطي كما في المتن لم يقم عليه دليل الّا ان يقال بإلغاء الخصوصية من الروايات الواردة في الإزار و لازمة التشريك في عدم جواز العقد على العنق بنحو الاحتياط اللزومي مع ان ظاهره الاختصاص بالإزار كما لا يخفى.

الجهة الرّابعة: في حدّ الثوبين و مقدارهما من جهة العرض و الطول قال في الجواهر: «فقد ذكر غير واحد انه يعتبر في الإزار ستر ما بين الركبة و السّرة و في الرداء كونه مما يستر المنكبين بل في الرياض نفي الاشكال عن ذلك بإبدال الستر في الثاني بالوضع ثم أورد عليه بأنه لا دليل على ذلك بل مقتضى الأصل و إطلاق الفتوى خلافه ثم قوى الرجوع فيه الى العرف».

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث و الخمسون ح- 4.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث و الخمسون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 243

[مسألة 16- الأحوط عدم الاكتفاء بثوب طويل يتّزر ببعضه و يتردى بالآخر]

مسألة 16- الأحوط عدم الاكتفاء بثوب طويل يتّزر ببعضه و يتردى بالآخر إلّا في حال الضرورة و مع رفعها في أثناء العمل لبس الثوبين، و كذا الأحوط كون اللبس قبل النية و التلبية فلو قدمهما عليه أعادهما بعده، و الأحوط النية و قصد التقرب في اللبّس، و امّا التجرد عن اللباس فلا يعتبر فيه النيّة و ان كان الأحوط و الاولى الاعتبار (1).

______________________________

أقول لم يرد التحديد في الروايات إلّا بالإضافة إلى الإزار في رواية الاحتجاج المتقدمة حيث دلت على لزوم ان يغطّى السّرة و الركبة و لكنها مضافا الى ضعف سندها لا يكون التعليل الواقع فيها مناسبا لشأن الامام و بيانه كما لا يخفى.

هذا و لكن الظاهر ان العرف يحكم بلزوم هذا المقدار من التغطية في

الإزار لأنّ عنوانه غير عنوان ما يستر العورة المتحقق بأقل من ذلك. و امّا عنوان الرداء فاعتبار كونه مما يستر المنكبين ان أريد به عدم كفاية ستر منكب واحد و ما يستره فقط- مثلا- فالظاهر انه لا اشكال فيه لعدم صدق الرداء على ما يستر أقل من المنكبين و ان أريد به عدم اعتبار أزيد من ذلك أيضا فالظاهر انه لا يجوز الالتزام به فان الثوب الذي يغطي المنكبين فقط بحيث يكون الفصل بينهما و بين ما يستره الإزار زائدا على شبر مثلا لا يصدق عليه الرداء مع ان الذوق الفقهي و الشمّ المتشرعى يقتضيان كون الرداء و الإزار لابسا لجميع البدن من العنق الى الرجل فتدبّر.

(1) في هذه المسألة أيضا جهات من الكلام:

الجهة الاولي: في انه هل يجوز الاكتفاء بثوب واحد طويل يتزر ببعضه و يرتدي بالآخر أم لا؟ فيه وجهان و الظاهر هو الوجه الثاني لعدم صدق العنوانين الرداء و الإزار على ثوب واحد بل ظاهرهما الاثنينية و التّعدد مع ان التعبير في الروايات و الفتاوي بالثوبين أو ثوبي الإحرام و أمثالهما ظاهر في ذلك و لم يعلم ان المناط هو ستر ما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 244

..........

______________________________

يستره الإزار و الرداء حتى يكون موجودا في الثوب الواحد الطويل فلا يجوز التعدّي عن العنوانين أو الثوبين مع الإمكان و عدم الضرورة.

و يؤيده بل يدل عليه ما ورد في بعض الروايات من انه ان لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه (عاتقه) أو قباء بعد ان ينكسه و في البعض الأخر من انه و لا سراويل الا ان لا يكون لك إزار فانّ تبدل الإزار إلى السراويل

و الرداء الى مثل القميص مقلوبا ظاهر في لزوم حفظ التعدد و الاثنينية و الّا لكان اللازم الحكم بتطويل الإزار حتى لا يحتاج الى القميص أو الرداء حتى لا يحتاج الى السراويل و عليه فالظاهر لزوم التعدد و لا أقلّ من الاحتياط الوجوبي كما في المتن.

الجهة الثانية: في انه هل يعتبر ان يكون لبس الثوبين قبل النية و التلبية أم لا أو يبتني على البحث المتقدم و هو ان اللبس واجب تعبدي و من أحكام الإحرام، أو واجب شرطي له دخل في صحة الإحرام و انعقاده وجوه.

يظهر الأوّل من الجواهر حيث قال: «ظاهر ما سمعته من النص و الفتوى ان محلّ اللبس قبل عقد الإحرام بل هو من جملة الأشياء التي يتهيّأ بها للإحرام على وجه يكون حاصلا حال عقده للإحرام و من هنا قال الفاضل في محكي المنتهي إذا أراد الإحرام وجب عليه نزع ثيابه و لبس ثوبي الإحرام بأن يتزر بأحدهما و يرتدي بالآخر و نحوه غيره نعم لا يجب استدامة اللبس ما دام محرما ..

و يظهر الثالث من بعض شروح العروة و لكن الظاهر بطلانه لانه لا فرق بين القولين في هذه الجهة أصلا لأنه لو كان اللبس واجبا مستقلّا تعبّديا لكان موضوعه المحرم و مرجعه إلى تأخر الوجوب عن الإحرام كتأخّر حرمة محرمات الإحرام المعهودة عنه فان المحرم يجب عليه لبس الثوبين كما انه يحرم عليه محرّماته.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 245

..........

______________________________

و لو كان اللبس واجبا شرطيّا دخيلا في صحة الإحرام فمن الواضح كما حققناه انّ الإحرام هو الأمر الاعتباري الذي يعتبره الشارع بعد النيّة أو بضميمة التلبية و لا يكون اشتراط تحققه و انعقاده

بشي ء ملازما لاعتبار تحقق ذلك الشي ء قبل النيّة فإنه يمكن ان يكون شرطا و مع ذلك كان الإتيان به بعد النية و التلبية كافيا و مؤثرا في تحقق الإحرام و اعتباره و ليس الإحرام مثل الصلاة المشروطة بالطهارة التي يكون لازمها الإتيان بها قبلها فإن الصلاة عبارة عن مجموع الافعال و الأقوال الخاصة و مرجع اشتراطها بشي ء إلى لزوم تحقق جميع تلك الاجزاء مع الشرط و عليه فلا محيص عن إيجاده قبلها و امّا الإحرام فليست هي النية و التلبية حتى يكون مشابها للصلاة في هذه الجهة بل هو الأمر الاعتباري الذي أوضحناه و لا يرجع اشتراطه بشي ء إلى لزوم تحققه قبلهما بل اللازم تحققه قبله و المفروض ذلك.

نعم لو قلنا بأنّ الإحرام عبارة عن النية و التلبية لكان مرجع اشتراطه بشي ء إلى لزوم تأخرهما عنه و تقدّمه عليهما و لكن هذا خلاف التحقيق كما مرّ و على ما ذكرنا لا فرق بين القولين من هذه الجهة.

و الظاهر ان الوجه في الاحتياط الوجوبي المذكور في المتن هو انّ ظاهر الروايات الدالة على أصل وجوب اللّبس المتقدمة في البحث عنه هو ان اللبس كما يكون واجبا بخلاف سائر الأمور التي وقع اللبس في سياقها و لا تكون واجبة كنتف الشعر من الإبط و العانة و غسل الإحرام و مثلها، كذلك يكون ظرف وجوبه قبل الإحرام مثل قوله- ع-: و البسوا ثيابكم التي تحرمون فيها و مثل قوله- ع- إذا كان يوم التروية ان شاء اللّٰه فاغتسل ثم البس ثوبيك و ادخل المسجد ..

و غيرهما من التعبيرات الظاهرة في تأخر الشروع في الإحرام بالنيّة و التلبية عن لبس الثوبين و هذا و ان لم يكن ظهوره بمرتبة

توجب الفتوى على طبقه فلا أقل من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 246

..........

______________________________

الاحتياط الوجوبي كما في المتن.

ثم ان الحكم بلزوم إعادة النية و التلبية لو وقعتا قبل لبس الثوبين ان كان مرجعه الى بطلان الإحرام الواقع بدونه فهذا ينافي ما مرّ من الماتن و قد عرفت انه مقتضى التحقيق من عدم مدخلية اللبس في صحة الإحرام و عدم اشتراطه به بل و عدم مانعية لبس المخيط عنها حتى مع العلم و العمد و ان كان مرجعه إلى إمكان إيجاد ما هو الواجب من اللبس قبل النية و التلبية بتجديدهما بعده ليقع الواجب في ظرفه فيمكن الأخذ به و ان كان الظاهر- ح- مضيّ محلّ الواجب لفرض تحقق الإحرام و صحته فتدبّر.

الجهة الثالثة: في اعتبار النية و قصد التقرب في لبس الثوبين و الوجه في اعتبار الثاني واضح بعد وضوح كونه واجبا عباديّا و ان كان مستقلّا غير شرطي فإنه من أحكام الإحرام الذي هو جزء من العبادة و الوجه في اعتبار الأوّل ما ذكرناه مرارا من ان اضافة العمل بالإحرام و ارتباطه به لا تكاد تتحقق الّا من طريق قصد عنوانه فاللازم ان يكون اللبس مرتبطا بالإحرام بسبب النية و القصد و الّا فصرف اللبس و لو لأغراض أخر و مقاصد سوى الإحرام لا يوجب الارتباط بين الأمرين فاللازم النية مضافة الى قصد القربة.

الجهة الرابعة: في عدم اعتبار النيّة في التجرد عن المخيط و الوجه فيه ان لبس المخيط من محرمات الإحرام بالنسبة إلى الرجال و لا يعتبر في ترك هذه المحرمات قصد القربة و لا نيّة الارتباط بالإحرام كتركها بعد تحقق الإحرام فإنه لا يعتبر في كل ترك

النية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 247

[مسألة 17- لو أحرم في قميص عالما عامدا فعل محرّما و لا تجب الإعادة]

مسألة 17- لو أحرم في قميص عالما عامدا فعل محرّما و لا تجب الإعادة، و كذا لو لبسه فوق الثوبين أو تحتهما و ان كان الأحوط الإعادة، و يجب نزعه فورا، و لو أحرم في القميص جاهلا أو ناسيا وجب نزعه و صحّ إحرامه، و لو لبسه بعد الإحرام فاللازم شقّه و إخراجه من تحت بخلاف ما لو أحرم فيه فإنه يجب نزعه لا شقّه (1).

[مسألة 18- لا تجب استدامة لبس الثوبين بل يجوز تبديلهما]

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 3، ص: 247

مسألة 18- لا تجب استدامة لبس الثوبين بل يجوز تبديلهما و نزعهما لإزالة الوسخ أو للتطهير بل الظاهر جواز التجرد منهما في الجملة (2).

______________________________

و لا قصد القربة فلو ترك بعضها رياء- مثلا- لا يكون ذلك قادحا في صحة الإحرام و لا يترتب عليه آثار الفعل لو كان موجبا للكفارة بل الأمر يكون كذلك بالنسبة إلى الصوم الذي لا تكون حقيقتها الّا نفس الإمساك عن المفطرات بقصد القربة فإنه لا يعتبر ان يكون ترك كل واحدة من المفطرات خارجا ناشيا عن داع الهي بل يمكن ان يكون لأجل عدم الميل و الشهوة إليه فلا يلزم ان يكون ترك الشرب عند روية الماء لداع الهي بل يمكن ان يكون لأجل عدم العطش بحيث لو لم يكن صائما لما يشربه أيضا فإذا كان الأمر في الصوم الذي لا يكون امرا اعتباريا وراء الإمساك المذكور بهذا النحو ففي المقام يكون بطريق اولى نعم لا تنبغي المناقشة في ان الاولى و الأحوط رعاية النيّة في التجرّد أيضا.

(1) قد تقدم البحث

عن هذه المسألة مفصّلا في ذيل البحث عن شرطية لبس الثوبين في صحة الإحرام و عدم الشرطية و لا حاجة الى الإعادة فراجع ما هناك.

(2) امّا عدم وجوب استدامة لبس الثوبين و جواز تبديلهما و نزعهما لإزالة الوسخ أو للتطهير فيدل عليه مضافا الى انه مقتضى الأصل صحيحة زيد الشحّام عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سئل عن امرأة حاضت و هي تريد الإحرام فتطمث قال: تغتسل و تحتشي بكرسف و تلبس ثياب الإحرام و تحرم فإذا كان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 248

[مسألة 19- لا بأس بلبس الزيادة على الثوبين مع حفظ الشرائط]

مسألة 19- لا بأس بلبس الزيادة على الثوبين مع حفظ الشرائط و لو اختيارا (1).

______________________________

الليل خلعتها و لبست ثيابها الأخرى حتى تطهر «1». و لكن ظاهرها لزوم ثياب الإحرام على النساء أيضا و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى مضافا الى بعض الروايات الأخر الدالة على جواز التبديل مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- ع- في حديث قال: و لا بأس ان يحوّل المحرم ثيابه قلت إذا أصابها شي ء يغسلها قال:

نعم ان احتلم فيها «2».

و صحيحة معاوية بن عمّار قال قال أبو عبد اللّٰه- ع- لا بأس بأن يغير المحرم ثيابه و لكن إذا دخل مكة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم فيهما و كره ان يبيعهما. «3»

و امّا جواز التجرد من الثوبين فالظاهر من العروة هو ثبوته مطلقا مع الأمن من النظر أو وجود الظلمة و مرجعه الى ان الواجب هو اللبس في حال الإحرام فقط مع ان الظاهر الذي يساعده فهم المتشرعة و يؤيده عدم جواز لبس المخيط على الرجال هي الاستدامة التي لا ينافيها التجرد في الجملة فإن الظاهر ان

المحرم يجب ان يكون مع ثيابه لكنه لا ينافي التجرد للاستحمام أو لغيره فتدبّر فان الظاهر من الفتاوى ما عرفته من العروة.

(1) فإن الظاهر ان اعتبار الثوبين و العنوانين الإزار و الرداء انّما هو في مقابل الاقتصار على الأقلّ منهما لا في مقابل الأكثر و يدلّ عليه صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المحرم يتردّى بالثوبين قال: نعم و الثلاثة ان شاء يتّقى بها البرد و الحرّ «4».

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثامن و الأربعون ح- 3.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثامن و الثلاثون ح- 2.

(3) وسائل أبواب الإحرام الباب احدى و الثلاثون ح- 1.

(4) وسائل أبواب الإحرام الباب الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 249

[مسألة 20- يشترط في الثوبين ان يكونا ممّا تصحّ الصلاة فيهما]

مسألة 20- يشترط في الثوبين ان يكونا ممّا تصحّ الصلاة فيهما فلا يجوز في الحرير و غير المأكول و المغصوب و المتنجّس بنجاسة غير معفوة في الصلاة بل الأحوط للنساء أيضا ان لا يكون ثوب إحرامهنّ من حرير خالص بل الأحوط لهنّ عدم لبسه الى آخر الإحرام (1).

______________________________

سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه و غيرها التي أحرم فيها قال لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة «1». و يقارن بمعنى يجمع و ظاهر هذه الرواية الجواز مطلقا و لو لعدم اتّقاء الحرّ و البرد غاية الأمر لزوم رعاية الشرائط المعتبرة في الثوبين من الطهارة و غيرها.

(1) الظاهر انّ المراد باشتراط كون الثوبين مما تصح الصلاة فيهما ليس هو مدخلية ذلك في صحة الإحرام كمدخليتها في صحة الصلاة فإنه بناء على ما تقدم من

ان وجوب لبس ثوبي الإحرام ليس وجوبا شرطيّا بحيث كان له دخل في صحة الإحرام و انعقاده بل يكون وجوبا تعبديا شرعيا لا يكون أصل اللبس متصفا بالشرطية فضلا عن الخصوصيات المعتبرة في الملبوس فمرجع الاشتراط المذكور في مثل المتن الى انّ امتثال هذا الوجوب التعبدي الذي قد عرفت انه عبادي أيضا لا يتحقق الّا بكون الثوبين مما تصح الصلاة فيهما و بهذا يفترق المقام عن الصلاة التي تكون هذه الخصوصيات دخيلة في صحّتها.

و كيف كان فعن الكفاية انه- يعني الاشتراط المذكور- المعروف بين الأصحاب بل عن المفاتيح دعوى نفي الخلاف فيه بل ربما استظهر ذلك من المنتهى و غيره ممن عادته نقل الخلاف نعم لم يقع التعرض له من جماعة كالشيخ في بعض كتبه و ابني إدريس و سعيد كما انه اقتصر بعضهم على ذكر بعض هذه الخصوصيات و لكن عدم التعرض و كذا الاقتصار على ذكر البعض لا دلالة له على الخلاف و امّا الدليل فالعمدة هي صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام-

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 250

..........

______________________________

قال: كلّ ثوب تصلّى فيه فلا بأس ان تحرم فيه «1».

نظرا الى ان مفهومها ثبوت البأس في الثوب الذي لا يصلي فيه و ناقش في الاستدلال بها كاشف اللثام بان هذا المفهوم بعد التسليم لا ينصّ على الحرمة و لو سلمت لم يفهم العموم.

و أجاب عنه صاحب الجواهر- قده- بان المراد من البأس في المفهوم هو المنع و لو بقرينة الفتاوي المتقدمة.

و لكن الظاهر انه ليس المراد بالبأس المنفي في المنطوق هو الحكم التكليفي حتى يكون ثبوته في المفهوم أعم من

الحرمة بل الظّاهر ان المراد هو تحقق الإطاعة و الامتثال بالإضافة إلى التكليف الوجوبي المتحقق في البين و عليه فالمفهوم عدم تحقق الامتثال المذكور و هو معني الشرطية و الاعتبار فلا مجال للمناقشة فيها من هذه الجهة نعم المناقشة في أصل ثبوت المفهوم خصوصا للقضيّة الوصفية بحالها و لم يثبت كون الكلام مسوقا لبيان المفهوم و افادته كما ان المناقشة من جهة عدم ثبوت العموم في المفهوم و ان غاية مفاده عدم جواز الإحرام في بعض ما لا يصلي فيه من الأثواب أيضا واردة و ان كان يمكن الجواب عنها بان الموضوع في القضية المفهومية هو انتفاء الوصف المذكور في المنطوق مع حفظ السّور بحاله.

و امّا الروايات الواردة في الأمور الخاصة فمنها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة قال لا يلبسه حتى يغسله و إحرامه تامّ «2».

و أورد على الاستدلال بها في الجواهر بان مفادها عدم جواز لبس النجس

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب السابع و العشرون ح- 1.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 251

..........

______________________________

حال الإحرام مطلقا ثم حكى عن المدارك انه قال: «و يمكن حمله على ابتداء اللبس إذ من المستبعد وجوب الإزالة عن الثوب دون البدن الّا ان يقال بوجوب إزالتها عن البدن أيضا للإحرام و لم أقف على مصرّح به و ان كان الاحتياط يقتضي ذلك» ثم أورد عليه بأنه غير قابل لإرادة حال الابتداء خاصة منه نعم هو دالّ عليها و لو بدعوى ظهوره في اعتبار طهارتهما حال الإحرام ابتداء و استدامة فيقتصر على الأول

لاعتضاده بالفتاوى دون غيره الباقي على حكم الأصل.

أقول: الظاهر ان قوله- ع- في الجواب: لا يلبسه حتى يغسله، ظاهر في خصوص الابتداء لأنه في فرض اصابة الجنابة لثوب الإحرام بعد لبسه يكون التعبير المتناسب هو النزع و التبديل أو التطهير و امّا التعبير ب «لا يلبسه» الظاهر في عدم لبسه بعد فلا ينطبق الّا على الابتداء و عليه فلا يبقى مجال لما افاده صاحب المدارك و الجواهر- قدهما- كما ان ما افاده صاحب المدارك من ان المستبعد وجوب الإزالة عن الثوب دون البدن ينتقض بالابتداء فإنه فيه لا تجب الإزالة عن البدن كما لا يخفى.

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه التي أحرم فيها و بين غيرها قال: نعم إذا كانت طاهرة «1».

و مقتضى الإطلاق الجمع بين الثيابين في حال الإحرام ابتداء و استدامة كما ان الظاهر ان اعتبار الطهارة في الثياب الزائدة يدل على اعتبارها في ثياب الإحرام.

و منها: رواية أبي بصير قال سئل أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- عن الخميصة سداها إبريسم و لحمتها من غزل قال: لا بأس بأن يحرم فيها انما يكره الخالص منه «2».

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و الثلاثون ح- 2.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب التاسع و العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 252

..........

______________________________

و ليس المراد بالكراهة هي الكراهة التكليفية حتى يحتاج الى دعوى ان المراد منها هي الحرمة و ان الكراهة في مقابلها اصطلاح فقهي بل المراد منها بقرينة نفي البأس الظاهر في الجواز الوضعي هو ما يقابل الجواز المذكور و لا ينطبق الّا على الاشتراط

و الاعتبار.

و مثلها رواية أبي الحسن النهدي «1». و كيف كان فملاحظة مجموع الروايات بضميمة الفتاوى توجب الاطمئنان باعتبار الأمور المذكورة.

بقي الكلام: في انه هل يجوز الإحرام في الحرير للنساء أم لا فيه قولان فالمحكي عن المفيد- قده- في بعض كتبه و ابن إدريس في السرائر و العلامة في القواعد بل المنسوب الى أكثر المتأخرين الجواز و عن الشيخ و الصدوق بل عن المفيد في بعض عباراته و السيّد هو العدم و احتاط في المتن وجوبا تبعا للمحقق في الشرائع.

و يدل: على الجواز- مضافا الى منطوق صحيحة حريز المتقدمة الدالة بعمومها على ان كل ثوب يصلي فيه لا بأس بأن يحرم فيه الّا ان يناقش فيه بان التعبير فيه بصورة الخطاب و المخاطب هو الرجل فلا يستفاد منه العموم- بعض الروايات مثل صحيحة يعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- المرأة تلبس القميص تزرّه عليها و تلبس الحرير و الخز و الديباج فقال نعم لا بأس به و تلبس الخلخالين و المسك «2». و حكى عن النهاية ان المسكة بالتحريك السوار من الذبل و هي قرون الأوعال و قيل: جلود دابة بحرّية. و لا مجال لاحتمال كون المراد هو اللبس في غير حال الإحرام كما لا يخفى.

و رواية النضر بن سويد عن أبي الحسن- عليه السلام- قال سألته عن المرأة

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب التاسع و العشرون ح- 3.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 253

..........

______________________________

المحرمة أيّ شي ء تلبس من الثياب؟ قال تلبس الثياب كلّها إلّا المصبوغة بالزعفران و الورس و لا تلبس القفازين، و لا حلّيا

تتزين به لزوجها و لا تكتحل الّا من علة و لا تمسّ طيبا و لا تلبس حليّا و لا فرندا و لا بأس بالعلم في الثوب «1». قال في الجواهر: و القفاز كرمّان شي ء يعمل لليدين و يحشي بقطن تلبسهما المرأة للبرد- و يعبر عنه في الفارسية ب دستكش- أو ضرب من الحلّي لليدين و الرجلين و الفرند بكسر الفاء و الرّاء ثوب معروف.

و امّا ما يدل على عدم الجواز فروايات كثيرة:

منها: رواية أبي عيينة عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال سألته ما يحلّ للمرأة ان تلبس و هي محرمة فقال الثياب كلّها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير قلت أ تلبس الخز قال نعم قلت فان سداه إبريسم و هو حرير قال: ما لم يكن حريرا خالصا فلا بأس «2».

و منها: رواية عيص بن القاسم قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين الحديث «3».

و منها: رواية إسماعيل بن الفضيل قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المرأة هل يصلح لها ان تلبس ثوبا حريرا و هي محرمة قال لا و لها ان تلبسه في غير إحرامها «4». و لا مجال لدعوى كون الجواب بالنفي مع كون المنفي هو يصلح غير ظاهر في عدم الجواز بعد كون المراد هو الجواز الوضعي.

و منها: رواية سماعة أنه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المحرمة تلبس

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب التاسع و الأربعون ح- 3.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الثلاثون ح- 3.

(3) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الثلاثون ح- 9.

(4) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الثلاثون ح- 10.

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 254

[مسألة 21- لا يجوز الإحرام في إزار رقيق بحيث يرى الجسم من ورائه]

مسألة 21- لا يجوز الإحرام في إزار رقيق بحيث يرى الجسم من ورائه و الاولى ان لا يكون الرداء أيضا كذلك (1).

______________________________

الحرير فقال: لا يصلح ان تلبس حريرا محضا لا خلط فيه فامّا الخزّ و العلم في الثوب فلا بأس ان تلبسه و هي محرمة، و ان مرّ بها رجل استترت منه بثوبها، و لا تستتر بيدها من الشمس و تلبس الخزّ اما انّهم يقولون انّ في الخز حريرا و انما يكره المبهم «1».

و منها: غير ذلك من الروايات الظاهرة في المنع الوضعي.

و قد جمع بين الطائفتين امّا بحمل النصوص المانعة على الكراهة و امّا بحمل نصوص الجواز على الممتزج و نصوص المنع على الخالص و لعلّ الثاني أولى لما عرفت من عدم كون الروايات مسوقة لبيان الحكم التكليفي جوازا و منعا بل لبيان الحكم الوضعي و عليه فالأحوط لو لم يكن أقوى هو عدم الجواز بل الظاهر عدم الاختصاص بحال عقد الإحرام و الشمول للبس في استدامته فتدبّر.

(1) قد جزم في محكيّ الدّروس بعدم جواز الإحرام في الإزار إذا كان حاكيا للعورة و الوجه فيه هي صحيحة حريز المتقدمة في المسألة السابقة الدالة بالمفهوم على عدم جواز الإحرام في ثوب لا يجوز الصلاة فيه و من الظاهر ان الثوب الحاكي للعورة لا تجوز الصلاة فيه لوجوب سترها بحيث لم تكن مرئيّة من وراء الثوب لكن المحكي عن المدارك انه قال: إطلاق عبارات الأصحاب يقتضي جواز الإحرام فيهما مطلقا و يرد عليه مضافا الى منع الإطلاق في كلماتهم خصوصا مثل عبارة الشرائع: لا يجوز الإحرام فيما لا يجوز لبس جنسه في الصلاة انه لا

مجال له مع دلالة الرواية الصحيحة على الخلاف هذا في الإزار.

و امّا الرداء فحكم في المتن بأولوية عدم كونه كذلك كالرداء لكن في

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الثلاثون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 255

[مسألة 22- لا يجب على النساء لبس ثوبي الإحرام]

مسألة 22- لا يجب على النساء لبس ثوبي الإحرام فيجوز لهنّ الإحرام في ثوبهنّ المخيط (1).

______________________________

الدروس و تبعه بعض المعاصرين ان اعتباره فيه أحوط أي يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي و الوجه فيه انه لا يكون الرداء في باب الإحرام يقايس بالرداء في باب الصلاة حتى يقال بأنه لا يلزم ان لا يكون الرداء حاكيا لعدم اعتبار ذلك في باب الصلاة بل الظاهر ملاحظة الرداء بالإضافة الى ما يجب ستره في الصلاة و هي العورة ففي الحقيقة الرداء الكذائي لا تجوز الصلاة فيه فيما يرتبط بالستر الواجب و هو ستر العورة فالرداء في الإحرام لا يقاس بالرداء الصلاتي بعد عدم اعتبار الرداء في الصلاة أصلا بل يقاس بالإزار الصلاتى الذي يعتبر ان لا يكون حاكيا و عليه فالأحوط لو لم يكن أقوى هو الاعتبار في الرداء أيضا.

(1) قال في الجواهر: «انّ الظاهر عدم وجوب لبس ثوبين لخصوص الإحرام للمرأة تحت ثيابها و ان احتمله بعض الأفاضل بل جعله أحوط و لكن الأقوى ما عرفت خصوصا بعد عدم شمول النصوص السّابقة للإناث الّا بقاعدة الاشتراك التي يخرج عنها هنا بظاهر النص و الفتوى و اللّٰه العالم».

و ظاهره انّ ظاهر النص و الفتوى هو الاختصاص مع انه لم يصرّح بالاختصاص قبله الّا صاحب الحدائق و الفتاوى في ذلك مطلقة خصوصا مع ملاحظة ان الحكم بوجوب لبس الثوبين في الإحرام قد جعل في عداد النيّة

و التلبية مع وضوح عدم الاختصاص فيهما و عليه فلو كان الأمر الثالث مختصّا بالرجال و مختلفا مع الأمرين الأولين لكان اللازم التنبيه عليه و التصريح بالافتراق و امّا النصوص فهي و ان كان أكثرها بصورة الخطاب للرّاوي الذي هو الرجل الّا ان إلغاء الخصوصية في بعض موارد التصريح بالرجولية كقوله رجل شك بين الثلاث و الأربع- مثلا- يقتضي إلغائها في المقام بطريق اولى خصوصا بعد كون المستحبات المذكورة قبل اللبس كتقليم الأظفار و نتف الشعر و السواك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 256

..........

______________________________

و الاغتسال غير مختصة بالرجال.

و لأجل ذلك صار استظهار صاحب الجواهر- قده- موردا لاستشكال بعض المتأخرين عنه كصاحب المستمسك- قده- و لقد تصدي بعض الاعلام- قدس سره الشريف- لتوجيه كلام صاحب الجواهر و الدفاع عنه بما يرجع محصّله إلى انه لا خلاف و لا إشكال في وجوب أصل اللبس على المرأة في مقابل العري و انه لا يجوز لها الإحرام عارية و ان أمنت النظر كما إذا أحرمت في ظلمة الليل و نحو ذلك و تدل على ذلك عدة من الروايات الآمرة بلبس الثياب على المرأة الحائض أو الدالة على اعتبار ان يكون ثوبها طاهرا و ان تتخذ ثوبا يقي من سراية النجاسة إلى ثيابها التي تحرم فيها و نحو ذلك و امّا وجوب لبس خصوص الإزار و الرداء عليها كالرّجال فليس في البين ما يدل على هذه الخصوصية في حقهنّ أيضا لأنّ مورد ما يدل عليها هو الرجال و لا مجال للاستناد إلى قاعدة الاشتراك للتعميم لأنها انما تجري فيما إذا لم تحتمل الخصوصية و امّا مع احتمالها باعتبار عدم جواز لبس المخيط للرجال و

وجوب التجرد عليهم من الثياب و نحو ذلك و جواز الجميع للنساء فلا مجال لجريان قاعدة الاشتراك و بالجملة بعد انه لا يجوز للمرأة الإحرام عارية يكون وجوب لبس خصوص الثوبين امّا ان يكون مستنده قاعدة الاشتراك التي عرفت عدم جريانها لاحتمال الخصوصية و امّا ان يكون مستنده النصوص و قد عرفت ان مقتضاها وجوب أصل الثياب و امّا كون التعميم مخالفا للفتاوي فلأنها أيضا تدل على جواز لبس المخيط لها و عدم وجوب نزع الثياب عليها بل جوز بعضهم لبس الحرير لها فكلام صاحب الجواهر- قده- في محلّه.

أقول: امّا ما افاده من ان احتمال الخصوصية المتحقق في المقام يمنع عن جريان قاعدة الاشتراك و إلغاء الخصوصية فيرد عليه ما مرّ سابقا من عدم الارتباط بين مسألة لبس الثوبين الذي هو واجب تعبدي شرعي مستقل و محلّه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 257

..........

______________________________

قبل الإحرام الذي يتحقق بالنيّة و التلبية و بين مسألة عدم جواز لبس المخيط على الرجال الذي هو متأخر عن الإحرام و من محرّماته فإذا كان مثل هذا الحكم مختصّا بالرجال فكيف يوجب سراية احتمال الاختصاص بالإضافة إلى الثوبين و اىّ ارتباط بين الأمرين و لكنك عرفت فيما تقدم وقوع الخلط في كلامه- قده- بينهما في موارد متعددة.

و امّا مسألة التجرد التي تقدم البحث عنها فالظاهر انه ليس لعنوانه خصوصية و موضوعية بحيث إذا لم يكن مريد الإحرام لابسا للمخيط قبل الإحرام لكان يجب عليه التجرد أيضا بل الظاهر ان التجرد انما هو بلحاظ كون اللباس الذي عليه مخيطا نوعا فكان اللازم التجرد عنه لئلا يتحقق الإحرام في ثوب مخيط فاختصاص لزوم التجرد لأجل هذه الجهة بالرجال

لا يوجب احتمال الخصوصية في الدليل الدال على لزوم لبس الثوبين و عدم جواز إلغاء الخصوصية خصوصا بعد ما عرفت من اشتراك الأحكام المذكورة قبله بين الرجال و النّساء.

و امّا النصوص فالظاهر انه لا مجال لدعوى كونها في مقام أصل وجوب اللبس خصوصا مثل موثقة يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن الحائض تريد الإحرام قال: تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوبا دون ثياب إحرامها و تستقبل القبلة و لا تدخل المسجد و تهلّ بالحج بغير الصلاة «1». و رواية زيد الشحام عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سئل عن امرأة حاضت و هي تريد الإحرام فتطمث قال تغتسل و تحتشي بكرسف و تلبس ثياب الإحرام و تحرم فإذا كان الليل خلعتها و لبست ثيابها الأخرى حتى تطهر «2».

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثامن و الأربعون ح- 2.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الثامن و الأربعون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 258

..........

______________________________

فان ظاهرهما بلحاظ التفكيك بين ثياب الإحرام و بين الثوب الذي تلبس دونها أو الثوب الذي تلبسها في الليل بعد خلع ثياب الإحرام ان المراد بها ليس ما تلبسه المرأة حال الإحرام في الحدوث أو في البقاء بل هو الثوب المعهود في باب الإحرام و ليس هو الّا الثوبين المعهودين و عليه فكيف يمكن دعوى كون النصوص واردة في مقام افادة أصل وجوب اللبس و التعبير بالثياب بصيغة الجمع لا يدل على انها غير ثوبي الإحرام بعد ورود مثله في الثوبين بالإضافة إلى الرجال في بعض الروايات أيضا هذا بالنظر الى النصوص نعم ربما يقال بدلالة صحيحة عبد اللّٰه بن

سنان الواردة في كيفية حجة الوداع الدالة على انّه بعد اجتماع الناس في الميقات أمرهم النبي- ص- بنتف الإبط و حلق العانة و الغسل و التجرد في إزار و رداء الحديث. على لزوم الإزار و الرداء على النساء اللاتي كن في جملة الناس المأمورين بذلك لكنه ممنوع بعد ما عرفت من عدم لزوم التجرد على النساء بوجه و اختصاصه بالرجال مضافا الى ان ظاهره الاكتفاء بالإزار و الرداء فقط و لا يجري ذلك في النساء.

و امّا الفتاوى فقد عرفت انها- مضافا الى كونها مطلقة- قد جعلت اللبس في عداد النية و التلبية من واجبات الإحرام و لم تتعرض للفرق بينه و بينهما مع وضوح اشتراكهما و عدم الاختصاص بالرجال مع انه حكى عن نهاية الشيخ- قده- انه قال: ان ما يحرم على الرجال يحرم على النساء المحرمات أيضا و يجب عليهن ما يجب عليهم الّا ما أخرجه الدليل كجواز لبس المخيط و الحرير. الّا ان يقال بكون مورده انّما هو بعد الإحرام و لا يشمل حال الإحرام.

و مع ذلك كلّه فالمسئلة مشكلة جدّا و الأحوط لبس النساء للثوبين أيضا دون ثيابهن في حال النيّة و التلبية و لا مانع من النزع بعد تحقق الإحرام بناء على ما هو مقتضى الفتاوى من عدم لزوم استدامة لبس الثوبين حتى بالإضافة إلى الرجال كما مرّ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 259

[مسألة 23- الأحوط تطهير ثوبي الإحرام أو تبديلهما إذا تنجّسا بنجاسة غير معفوّة]

مسألة 23- الأحوط تطهير ثوبي الإحرام أو تبديلهما إذا تنجّسا بنجاسة غير معفوّة سواء كان في أثناء الاعمال أم لا و الأحوط المبادرة إلى تطهير البدن أيضا حال الإحرام و مع عدم التطهير لا يبطل إحرامه و لا تكون عليه كفارة (1).

______________________________

(1)

قد عرفت اعتبار طهارة ثوبي الإحرام في حال الإحرام يعني النية و التلبية لصحيحة حريز المتقدمة الدالة على اعتبار ما يكون معتبرا في لباس المصلي في الثوب الذي يحرم فيه لكن ذلك انّما هو بالإضافة إلى الابتداء و امّا بالنسبة إلى الاستدامة فقد احتاط في المتن وجوبا في التطهير أو التبديل إذا تنجّسا بنجاسة غير معفوة و ربما يستدل عليه- مضافا الى ما ورد في الحائض مما يدل على انّها تتخذ ثوبا يقي من سراية النجاسة إلى ثياب إحرامها- بصحيحتين لمعاوية بن عمّار:

إحديهما: ما رواه الصدوق بإسناده عنه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة قال: لا يلبسه حتى يغسله و إحرامه تامّ «1». و قد تقدم البحث في مفاد هذه الرواية في مسألة عشرين و استظهرنا ان السؤال و ان كان في نفسه سؤالا عن اصابة الجنابة لثوبي الإحرام بعد تحقق الإحرام الّا ان التعبير في الجواب بقوله: لا يلبسه، ظاهر في انه لم يتحقق اللبس بعد و الّا كان المناسب التعبير بالنزع للتطهير أو التبديل كما ان التعبير بقوله: و إحرامه تام أيضا ظاهر في الابتداء و من الواضح انه لا ملازمة بين اعتباره الطهارة في الابتداء و بين اعتبارها في الاستدامة بعد لزوم اللبس في الأوّل دون الثاني.

ثانيتهما: ما رواه الكليني عنه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه التي أحرم فيها و بين غيرها قال: نعم إذا كانت طاهرة «2».

و الظاهر ان مرجع الضمير في قوله: كانت هو غير ثياب الإحرام الذي جمعه معها

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و الثلاثون ح- 1.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام

الباب السابع و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 260

[مسألة 24- الأحوط ان لا يكون الثوب من الجلود]

مسألة 24- الأحوط ان لا يكون الثوب من الجلود و ان لا يبعد جوازه ان صدق عليه الثوب كما لا يجب ان يكون منسوجا فيصحّ في مثل اللّبد مع صدق الثوب (1).

______________________________

و قارن بينهما فإذا كانت الطهارة معتبرة فيها ففي ثياب الإحرام بطريق اولى.

ثم ان الوجه في الاحتياط مع وضوح دلالة الرواية هو عدم تعرض الفتاوي لذلك و عدم اعتضاد الرواية بها بالإضافة إلى الاستدامة كما ان الوجه في الاحتياط بالنسبة إلى تطهير البدن الذي يكون لازمة وجوب المبادرة إلى تطهير البدن مع الاحتلام- مثلا- و ان لم تجب المبادرة إلى غسل الجنابة هي الأولوية المتحققة في البدن بالإضافة الى الثوب فإذا كانت الطهارة معتبرة في ثياب الإحرام ففي البدن يكون معتبرا بطريق اولى لكن الظاهر انهم لم يتعرّضوا لاعتبار الطهارة في البدن بالنسبة إلى الابتداء فضلا عن الاستدامة و لا مجال لمقايسة الإحرام مع الصلاة مطلقا بعد وضوح صحة الإحرام مع الجنابة و الحيض و عدم صحة الصلاة معهما.

ثم انه مع عدم تطهير الثوب أو البدن لا يقدح ذلك في صحة الإحرام و لا يوجب بطلانه و لا دليل على ثبوت الكفّارة أيضا.

(1) الظاهر من الروايات المتقدمة الواردة في وجوب اللبس هو اعتبار صدق عنوان الثوب على الإزار و الرداء و ان وقع التعبير في بعضها بنفس العنوانين من دون ذكر الثوب لكن التعبير بثوبي الإحرام أو ثيابه أمر واقع في الفتاوي و النصوص و من الظاهر ان عنوان الثوب يغاير عنوان اللباس مغايرة العموم و الخصوص من وجه فالخاتم ملبوس و لكنه ليس بثوب كما انّ

اللبد لباس و لكنه لم يعلم صدق عنوان الثوب عليه و الملاك هو هذا العنوان و ليس بيان مصاديقه من وظائف الفقيه بل شأنه بيان اعتبار كونه ثوبا فكل مورد أحرز صدق هذا العنوان يجوز الإحرام فيه و كل مورد لم يحرز أو أحرز عدمه لا يجوز الإحرام فيه للزوم إحراز عنوان الثوبيّة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 261

[مسألة 25- لو اضطرّ الى لبس القباء أو القميص لبرد و نحوه]

مسألة 25- لو اضطرّ الى لبس القباء أو القميص لبرد و نحوه جاز لبسهما لكن يجب ان يقلب القباء ذيلا و صدرا و تردّى به و لم يلبسه بل الأحوط ان يقلّبه بطنا و ظهرا، و يجب أيضا ان لا يلبس القميص و تردى به نعم لو لم يرفع الاضطرار الّا بلبسهما جاز (1).

______________________________

(1) لا شبهة في ان موضوع المسألة هو الاضطرار حال الإحرام لأن الكلام في الثوبين اللذين يجب لبسهما في حال الإحرام و لكنه وقع التعبير عنه في الشرائع بقوله: و إذا لم يكن مع الإنسان ثوبا الإحرام و كان معه قباء جاز لبسه مقلوبا بان يجعل ذيله على كتفيه.

و من الظاهر ثبوت الفرق بين التعبيرين فان المفروض في كلام الشرائع عدم كونه واجدا لثوبي الإحرام و اختصاص ثوبه بالقباء و ظاهر المتن ان المفروض هو الاضطرار الى لبس القباء أو القميص لبرد أو نحوه و هو يجتمع مع كونه واجدا للثوبين الّا ان يقال بان ذكر المسألة في ضمن المسائل المتعلقة بلبس الثوبين قرينة على عدم كونه واجدا للثوبين أو لخصوص الرّداء خصوصا مع التعبير بالتردّى بالقباء بعد جعله مقلوبا و كذا التردّي بالقميص.

و كيف كان فقد ذكر في الجواهر عقيب عبارة الشرائع المتقدمة: بلا خلاف أجده في

أصل الحكم بل عن ظاهر التذكرة و المنتهى انه موضع وفاق بل ادّعاه صريحا غير واحد من متأخري المتأخرين.

و امّا الروايات الواردة في المسألة فكثيرة لا بد من ملاحظتها:

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا اضطرّ المحرم الى القباء و لم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا و لا يدخل يديه في يدي القباء «1».

و الظاهر ان قوله- ع-: و لم يجد ثوبا غيره- اى غير القباء- تفسير للاضطرار المذكور قبله و بيان له لا انه أمر آخر و شرط ثان مذكور في القضية الشرطية بحيث

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 262

..........

______________________________

كان كلا الشرطين مجتمعا دخيلا في ترتب الجزاء و عليه فالمراد بالاضطرار هو عدم وجدان ثوب غير القباء بل المراد بعدم الوجدان المذكور هو عدم وجدان الرداء فقط و ان كان الإزار موجودا نظرا الى ان شأن القباء الذي وضع لأجله هو ستر ما فوق البدن أو عدم وجدان شي ء من الثوبين بلحاظ ان القباء و ان كان لم يوضع لستر العورة و جوانبها الّا انه يسترهما القباء المتعارف أيضا بحيث لا حاجة معه إلى الإزار نوعا و يحتمل ان يكون المراد هو عدم وجدان ثوب زائد على الثوبين المعتبرين في الإحرام و ثبوت الاضطرار الى لبس القباء زائدا عليهما لأجل البرد و المرض و نحوهما.

كما ان الظاهر ان قوله: و لا يدخل يديه في يدي القباء الذي هو تفسير للقلب مرجعه الى قلب الظاهر الباطن و بالعكس لا قلب الصدر ذيلا و بالعكس لأنّه في هذه الصورة يقع فوق القباء تحتا و لا يمكن

ان يدخل يديه في يديه بخلاف قلب الظاهر باطنا فإن إمكانه بمكان من الوضوح. و يحتمل ان يكون المراد النهي عن الإدخال قبل القلب بحيث يكون المراد النهي عن لبسه بالنحو المتعارف و لكنّه بعيد.

و منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين، و ان لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه (عاتقه خ ل) أو قباء (قباه ظ) بعد ان ينكسه «1». و المفروض في الجملة الاولي هو اللبس بعد تحقق الإحرام الذي من محرّماته ستر ظاهر القدم في خصوص الرجال و عليه فلا دلالة لها على الوجوب لوقوعها في مقام توهم الحظر فالمراد هو جواز لبس الخفّين مع عدم وجدان النّعلين.

و امّا الجملة الثانية المفروض فيها عدم كون الرّداء له مع انّ الرداء الواجب

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 263

..........

______________________________

هو حال الإحرام و النية و التلبية فموردها عدم وجدان الرداء حال الإحرام الذي هو محلّ البحث في المقام و التعبير عنه بالاضطرار كما في المتن تبعا لكثير من الروايات الواردة في هذه المسألة انّما هو لأجل كون الحكم الاولى هو الرّداء و مع فقده ينتقل الى القميص أو القباء كما في التيمم بالإضافة إلى الوضوء و بعبارة أخرى لو لم تكن الروايات الواردة في المقام كان مقتضى القاعدة عدم وجوب لبس الرداء و لا شي ء آخر لكونه فاقدا له و المكلف به غير مقدور فيكون معذورا في مخالفة التكليف بوجوب لبس الثوبين خصوصا بعد كونه تكليفا مستقلا و لا يكون دخيلا في صحة الإحرام و

من هذه الجهة يفترق عن مسألة التيمّم و عليه فالقاعدة لا تقتضي الانتقال الى مثل القباء بل تقتضي سقوط التكليف الّا ان الروايات تدل على الانتقال.

و كيف كان فهذه الصحيحة مدلولها انه في حال الإحرام يقوم القميص أو القباء مقام الرداء مع عدم وجدانه فيجب الطرح على العنق و ليس هذه الجملة في مقام توهم الحظر حتى تحمل على الجواز و ان وقع التعبير به في عبارة الشرائع لكن المراد به أيضا الوجوب في هذا الفرض كما في الجواهر.

و امّا قوله- ع-: بعد ان ينكسه فالقدر المتيقن هو الرجوع الى القباء و لا ظهور له في الرجوع الى القميص أيضا و الانصاف ان هذه الرواية ظاهرة الدلالة في المقام خصوصا مع عدم وقوع التعبير بالاضطرار فيها.

و منها: رواية مثنى الحناط التي رواها الكليني عنه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال من اضطرّ الى ثوب و هو محرم و ليس معه الّا قباء فلينكسه و ليجعل أعلاه أسفله و يلبسه «1». قال الكليني: و في رواية أخرى: يقلب ظهره بطنه إذا لم

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 264

..........

______________________________

يجد غيره «1».

و منها: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال: و ان اضطرّ الى قباء من برد و لا يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا و لا يدخل يديه في يدي القباء «2».

و مثلها: رواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- مع التصريح بالمحرم بعنوان الفاعل «3». و قد وقع التقطيع في الرواية السابقة في الوسائل فالمذكور انّما هو ذيلها و امّا

صدرها و وسطها فهما مذكوران في بابين آخرين و هما قوله- ع- في رجل هلكت نعلاه و لم يقدر على نعلين: له ان يلبس الخفّين ان اضطر الى ذلك فيشق (و يشقه خ ل) عن ظهر القدم «4». و قوله- ع-: و ان لبس الطيلسان فلا يزرّه عليه «5». و الظاهر انّ الطيلسان نوع ثالث من الحذاء مغاير للخف و النعل و برزخ بينهما بلحاظ أزراره فإذا شدت يصير مثل الخف من جهة ستر ظاهر القدم و إذا لم تشدّ يصير كالنعل من جهة عدم السّتر لكن المذكور في كتاب الوافي: ان الطيلسان كساء اخضر يلبسه الخواص من المشايخ و هو من لباس العجم معرّب تالشان.

و منها: رواية محمد بن مسلم التي رواها الصدوق بإسناده عنه عن أبي جعفر- عليه السلام- في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل؟ قال نعم لكن يشق ظهر

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 4.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 5.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 6.

(4) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الواحد و الخمسون ح- 3.

(5) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس و الثلاثون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 265

..........

______________________________

القدم و يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء و يقلب ظهره لباطنه «1».

و هذه الرواية مثل رواية عمر بن يزيد المتقدمة الخالية عن عنوان الاضطرار و التعرض لوجوب لبس القباء مع عدم الرداء الظاهر في حال وجوب لبس الثوبين الذي هو حال شروع الإحرام قبل النيّة و التلبية.

و منها: غير ذلك من الروايات المشتملة على المضامين المتقدمة.

إذا

عرفت ذلك فالكلام يقع من جهات:

الجهة الاولى: انه لا شبهة في ان المستفاد من الروايات خصوصا ما وقع فيه التصريح بعدم كونه واجدا للرداء ان القباء أو القميص بدل اضطراري للرداء يقوم مقامه مع عدمه و مرجعه كما عرفت الدم سقوط التكليف بلبس الرداء مع عدمه رأسا بل يتحقق الانتقال الى مثل القباء غاية، الأمر مع التغيير في كيفية لبسه بنحو يأتي البحث عنه إن شاء اللّٰه تعالى و امّا ما يوهمه ظاهر عبارة الشرائع المتقدمة من كون جواز لبس القباء في مورد عدم وجدان الثوبين الإزار و الرداء معا فالظاهر عدم كونه مقصودا له خصوصا مع ما عرفت من تصريح بعض، الروايات بعدم وجدان الرّداء فالظاهر انه لا مجال للشبهة في هذا الكرض في الانتقال و امّا ما افاده صاحب جامع المدارك من ان الذي يظهر من اخبار الباب أن لبس القباء مقلوبا ليس من باب البدلية من ثوبي الإحرام بل النظر الى الترخيص في لبس المخيط الممنوع في حال الإحرام فلا يناسب ذكره في هذا المقام و الشاهد على هذا ترخيص لبس الخفين مع عدم وجدان نعلين فيرد عليه المنع بل الظاهر دلالتها على البدلية

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام أورد صدره في باب 51 ح- 5 و ذيله في باب 44 ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 266

..........

______________________________

الظاهرة في الوجوب و اشتمال الرواية على لبس الخفين مع عدم وجدان نعلين لا يصير قرينة على كون المفروض في الجملة التي موضوعها عدم الرداء مع كونه من ثوبي الإحرام و يعتبر لبسهما في حاله لبس المخيط في حال الإحرام و الترخيص فيه خصوصا مع لزوم رعاية النكس و

القلب فالإنصاف ظهور الروايات في البدلية الاضطرارية.

كما انه لو فرض كونه فاقدا للثوبين معا يتحقق الانتقال، إلى مثل القباء أو القميص الذي يستر ما يستره الثوبان المعهودان لأنّ القباء و كذا القميص المتداول بين الاعراب حتى اليوم كما انه يستر المنكبين كذلك، يستر ما بين السرّة و الركبة فكل منهما يقوم مقام الثوبين و لا دلالة لما ورد فيه الصريح بعدم كونه واجدا للرداء على كونه فاقدا له فقط بل فقدانه يجتمع مع فقدان الإزار أيضا و لعلّه لذا جعل المحقق في الشرائع مفروض المسألة ما عرفت فلا مناقشة في هذا الفرض أيضا و امّا لو فرض كونه فاقدا للإزار فقط دون الرداء من جهة كون المقدار المعتبر في ستر الرداء أقل من المقدار المعتبر في ستر الإزار و الموجود لا يكون وافيا بالثاني فعن المسالك جواز لبس القباء معه أيضا فهل مراده جواز لبسه بنحو يستر المنكبين أيضا فالمفروض ان الرّداء موجود فلا يشابه الفرضين الأولين أو ان مراده جواز لبسه مكان الإزار بحيث يتزر بالقباء فيمكن الموافقة معه نظرا إلى إلغاء الخصوصية من الرواية الدالة على الانتقال الى السراويل مع فقد الأرش و هي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عنيه السلام- قال: لا تلبس ثوبا له أزرار و أنت محرم الّا ان تنكسه و لا ثوبا تدرعه و لا سراويل الّا ان لا يكون لك إزار و لا خفّين الّا ان لا يكون لك نعلين «1». لكن الأنسب- ح- ذكر السراويل دون القباء و كيف كان

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 267

..........

______________________________

لا وجه للبس

القباء في هذه الصورة بنحو يستر المنكبين أيضا بل الظاهر لزوم الاتزار به مع الانحصار كما صرّح به في محكي كشف اللثام.

ثمّ انه لو فرض كونه واجدا للرّداء و الإزار معا لكنه اضطرّ الى لبس القباء- مثلا- لبرد أو مرض و عدم كونه واجدا للزائد على الثوبين مما يجوز لبسه في حال الاختيار أيضا لما عرفت من ان التحديد بالثوبين انّما هو بالإضافة إلى الأقل و امّا بالنسبة إلى الأكثر فيجوز تعدّد الرداء و الإزار و كيف كان فلو اضطرّ الى لبس مثل القباء زائدا على الثوبين فالظاهر انه يجوز لبسه غاية الأمر بالهيئة المعتبرة في لبسه في الصور المتقدمة و هي المقلوبية و المنكوسية و الدليل عليه بعض الروايات المتقدمة الذي وقع التعبير فيه بكون الاضطرار لأجل البرد كرواية أبي بصير و عليه فيجوز لبس القباء في هذا الفرض أيضا مقلوبا.

الجهة الثانية: انه قد وقع التعبير في الروايات المتقدمة بلزوم لبس القباء مقلوبا و منكوسا و قد وقع في بعضها تفسير النكس بان يجعل أعلاه أسفله كما في رواية مثنى الحناط و في كثير منها تفسير القلب بان يجعل ظهر بطنه و عن ابن إدريس و العلامة في القواعد و الشهيد التصريح بالأوّل بل في محكي المناسك الإجماع على الاجتزاء به و لازمة انه لا قائل بتعيّن الثاني، و عن ابن سعيد تبعا للعلّامة في بعض كتبه الاكتفاء بكل من الأمرين جمعا بين الروايات بالتخيير و قال في الجواهر: و لعلّ الاولى منه الجمع بين الأمرين لعدم المنافاة و قد احتاط في المتن برعاية الهيئة الثانية بعد الفتوى بجواز الاولى و وجوبها.

أقول: ظاهر بعض الروايات المتقدمة عدم إمكان الجمع فإن النهي عن إدخال اليدين

في يدي القباء بعد الحكم بلزوم النكس لا ينطبق الّا على قلب الظهر بطنا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 268

..........

______________________________

و لا ينطبق على جعل الصدر ذيلا فإنه في هذه الحالة لا يمكن إدخال اليدين في يدي القباء حتى يتعلق به النّهى و دعوى كون المراد هو النهي عن الإدخال في حال عدم القلب بحيث يكون تأكيدا للجملة التي قبلها الدالة على لزوم القلب كما احتملناه سابقا مدفوعة بكونها خلاف الظاهر جدّا فان الظاهر كونه حكما آخرا زائدا على أصل لزوم القلب و هو لا ينطبق على جعل أعلاه أسفله و عليه فالجمع غير ممكن و مقتضى القاعدة هو التخيير مع كون الاحتياط في رعاية الاولى و ترك الثانية للإجماع على الاجتزاء بها كما عرفت دعواه من المسالك.

الجهة الثالثة: في ان لزوم القلب و النكس هل يختص بالقباء كما هو مقتضى ظاهر أكثر الروايات المتقدمة أو يعمّ القميص أيضا فيه وجهان بل قولان نسب صاحب المسالك في محكيّه الأول إلى المشهور و يدل عليه ظاهر المتن و لكن قوىّ صاحب الجواهر تبعا للدروس الثاني و هو الظّاهر امّا لان ما ورد في القباء محمول على المثال و المراد منه المخيط في مقابل الرداء الذي يعتبر فيه ان لا يكون مخيطا و امّا لصحيحة عمر بن يزيد عن الصادق- ع- المتقدمة المشتملة على قوله- ع- ان لم يكن معه رداء طرح قميصه على عنقه (عاتقه خ) أو قباء (قباه ظ) بعد ان ينكسه «1» نظرا الى رجوع القيد الى كلا الأمرين و ثبوت الظهور من هذه الجهة في البين كما لا تبعد دعواه أو الى انّ القيد و ان لم يكن

ظاهرا في ذلك الّا ان وجوده يمنع عن ثبوت الإطلاق بالإضافة إلى القميص لانه يوجب الإجمال نظرا الى اشتمال الكلام على ما يصلح للقرينية و مع الإجمال لم ينهض دليل على كون القميص بدلا اضطراريا عن

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 269

[مسألة 26- لو لم يلبس ثوبي الإحرام عالما عامدا، أو لبس المخيط حين إرادة الإحرام]

مسألة 26- لو لم يلبس ثوبي الإحرام عالما عامدا، أو لبس المخيط حين إرادة الإحرام عصى لكن صحّ إحرامه، و لو كان ذلك عن عذر لم يكن عاصيا أيضا (1).

______________________________

الرداء مطلقا بل القدر المتيقن هي بدليته في حال لبسه مقلوبا و منكوسا فاللازم بمقتضى الاحتياط رعاية تغيير الهيئة فيه أيضا كالقباء.

و امّا لصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة المشتملة على قوله- ع- لا تلبس ثوبا له أزرار و أنت محرم الّا ان تنكسه الحديث «1». فانّ مقتضى إطلاق الثوب الشمول للقميص فتدل الرواية على لزوم رعاية النكس فيه أيضا و عليه فالظاهر ما قواه في الجواهر.

الجهة الرّابعة: في انه لا تجب الكفارة في لبس القباء أو القميص مقلوبا في موارد مشروعيته لان الظاهر بمقتضى ما عرفت كونه بدلا اضطراريا عن ثوبي الإحرام أو أحدهما و عليه فاللازم لبس مثل القباء كذلك و لا يجتمع اللزوم و الوجوب مع الكفارة نعم لو لم يغير الهيئة و لبس القباء بالكيفية المتعارفة من دون نكس و من دون اضطرار الى لبسه كذلك فالظاهر هو الوجوب.

و امّا لو اضطر الى لبسه بالنحو المتعارف فلا إشكال في الجواز و المشروعية و امّا الكفارة فيأتي البحث فيها إن شاء اللّٰه تعالى و ان كان يشعر المتن هنا بالعدم كما لا يخفى.

(1) قد مرّ البحث

في هذه المسألة مفصّلا و عرفت ان عدم لبس ثوبي الإحرام أمر و لبس المخيط حين إرادة الإحرام أمر آخر و ان لبس الثوبين المعهودين واجب مستقل غير دخيل في صحة الإحرام و لا يكون الإخلال به عن علم و عمد موجبا

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 270

[مسألة 27- لا يشترط في الإحرام الطهارة من الحدث الأصغر و لا الأكبر]

مسألة 27- لا يشترط في الإحرام الطهارة من الحدث الأصغر و لا الأكبر فيجوز الإحرام حال الجنابة و الحيض و النفاس (1).

______________________________

لبطلان الإحرام و لا يترتب عليه الّا العصيان و استحقاق العقوبة كما ان لبس المخيط حال الإحرام أيضا لا يكون قادحا في صحته و يدل عليه مثل صحيحة معاوية بن عمار و غير واحد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في رجل أحرم و عليه قميصه فقال ينزعه و لا يشقه، و ان كان لبسه بعد ما أحرم شقّه و أخرجه ممّا يلي رجليه. و مقتضى إطلاقه الشمول للعالم العامد و قد عرفت انه لا يصلح بعض الروايات التي ربّما يتخيل كونها مقيدة لأن يكون كذلك فراجع.

(1) قد مرّ اعتبار الطهارة في الثوبين حال إرادة الإحرام بل حال استدامته و مقتضى الأولوية اعتبار طهارة البدن أيضا و ان لم يكن عليه دليل خاص و امّا الطهارة من الحدث الأصغر و الأكبر فلم يقم على اعتبارها دليل و لا يظهر من الفتاوي أيضا بل مقتضى النصوص الكثيرة الواردة في إحرام الحائض عدم كون الحيض مانعا عن الإحرام كما ان الروايات الواردة في إحرام النفساء التي منها ما تقدمت في روايات حجة الوداع الحاكية لنفاس أسماء بنت عميس بعد ولادة محمد بن

أبي بكر عدم كون النفاس أيضا كذلك و عليه فيتحقق الفرق في باب الإحرام بين الطهارة من الحدث و بين الطهارة من الخبث باعتبار الثاني دون الأوّل هذا تمام الكلام في واجبات الإحرام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 271

القول في تروك الإحرام

اشارة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 273

القول في تروك الإحرام و المحرّمات منه أمور (1).

______________________________

(1) قد ظهر ممّا ذكرنا في بحث واجبات الإحرام وجود الفرق بين الواجبات المضافة إلى الإحرام و بين المحرمات المضافة إليه من جهة انّ الموضوع للمحرمات الذي يتقدم عليها رتبة تقدم الموضوع على الحكم انّما هو عنوان المحرم مطلقا أو المحرم الرجل أو المحرم المرأة ضرورة انّ المحرم يحرم عليه الصيد و الجماع و التظليل و أمثالها فعنوان المحرم بالإضافة إليها كعنوان الزوج و الزوجة بالإضافة إلى الأحكام الواجبة أو المحرمة أو غيرهما فان الزوج يجب عليه إنفاق الزوجة- مثلا- و الزوجة يجب عليها إطاعة الزوج في الاستمتاع و التمكين منه. و امّا الواجبات المضافة إلى الإحرام فقد عرفت انّها عبارة عن أمور ثلاثة: النية و التلبية و لبس الثوبين و الاولى فقط أو بضميمة الثانية دخيلة في ماهية الإحرام التي هو أمر اعتباري اعتبره الشارع بعدها فالإحرام متأخر عنها أو عنهما و الارتباط بينهما كارتباط عقد النكاح مع الزوجية فإنّها تعتبر عند العقلاء و الشارع بعد العقد و تكون متأخرة عنه طبعا و عليه فالنية و التلبية متقدمتان على اعتبار الإحرام نعم قد مرّ ان المستفاد من بعض الروايات ان النية مؤثرة في حدوث الإحرام و تحققه و التلبية مؤثرة في لزومه و عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحج، ج 3، ص: 274

[التاسع عشر: التظليل فوق الرأس للرجال دون النساء]

اشارة

التاسع عشر: التظليل فوق الرأس للرجال دون النساء فيجوز لهنّ بايّة كيفيّة، و كذا جاز للأطفال، و لا فرق في التظليل بين كونه في المحمل المغطّى فوقه بما يوجبه أو في السّيارة و القطار و الطائرة و نحوها المسقفة بما يوجبه و الأحوط عدم الاستظلال بما لا يكون فوق رأسه كالسّير على جنب المحمل أو الجلوس عند جدار السفينة و الاستظلال بهما و ان كان الجواز لا يخلو عن قوة (1).

______________________________

جواز نقضه و كيف كان فمعنى وجوب النية على المحرم ليس وجوبها عليه بعد تحقق الإحرام كما في محرّماته.

و كذا لبس الثوبين فإنه و ان كان واجبا مستقلا في حال شروع الإحرام و إنشائه و لا يكون دخيلا في ماهيته بوجه كما تقدم تحقيقه الّا ان اللازم وقوع النية و التلبية حال اللبس فهو متقدم عليهما فضلا عن الإحرام المتأخر عنهما.

ثم انه حيث يكون بعض محرمات الإحرام كالتظليل مما يكثر الابتلاء به سيّما في هذه الأزمنة التي يكون الركوب في السيّارة و الطيّارة و نحوهما. فرأينا تقديم البحث عنه على سائر المحرّمات خصوصا مع الاختلاف في جوازه في الليل و عدمه فيه أيضا و في بعض الجهات الأخر فالبحث فعلا في التظليل الذي جعله في المتن الأمر التاسع عشر من الأمور المحرّمة على المحرم و بعد تمامية البحث عنه و عن مسائله مطابقا لما في المتن نرجع الى الترتيب المذكور فيه من الأول إن شاء اللّٰه تعالى فنقول:

(1) يقع الكلام في هذا الأمر من جهات:

الجهة الأولى: أصل حرمة التظليل على المحرم في الجملة فالمحكي عن الدروس و غيرها انه المشهور بل عن الانتصار و الخلاف و المنتهي و التذكرة الإجماع

عليه و لم يحك الخلاف الّا عن ابن الجنيد الإسكافي حيث قال: «يستحب للمحرم ان لا يظلّل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 275

..........

______________________________

على نفسه لأنّ السنّة بذلك جرت فان لحقه عنت أو خاف من ذلك فقد روي عن أهل البيت- عليهم السلام- جوازه و روى أيضا انه يفدي عن كلّ يوم بمدّ، و روي في ذلك اجمع دم، و روى لإحرام المتعة دم و لإحرام الحج دم آخر».

و لا يخفى ان تفريع الجواز فيما لو لحقه عنت أو خاف من ذلك، على الاستحباب المذكور قبله شاهد على كون المراد به هو الوجوب و عدم جواز التظليل و الّا لا يلائم مع التفريع المذكور كما لا يخفى.

ثمّ انه قد ورد في حرمة التظليل طوائف مختلفة من الاخبار من جهة العناوين المأخوذة فيها و اللازم ملاحظتها لكن هنا ثلاث روايات ربما يتوهم منها الدلالة على الجواز لا بد من التعرض لها أوّلا فنقول:

الأولى: صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد الهّٰر- عليه السلام- عن المحرم يركب في القبّة قال: ما يعجبني الّا ان يكون مريضا قلت فالنساء؟ قال: نعم «1». لكن ظهور قوله- ع-: ما يعجبني في الكراهة و عدم الحرمة خصوصا مع كون السؤال عن أصل الجواز و خصوصا مع الروايات المستفيضة الآتية الظاهرة في الحرمة و عدم الجواز في مقابل العامّة القائلين بالجواز ممنوع جدّا.

الثانية: صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال لا بأس بالظلال للنّساء و قد رخّص فيه للرّجال «2».

و الظاهر ان قوله- ع- و قد رخص .. بعد الحكم بنفي البأس للنّساء شاهد على عدم جوازه للرجال مطلقا و الّا كان المناسب عطفهم

عليها من دون تغيير في التعبير

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الستون ح- 2.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الستون ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 276

..........

______________________________

مع ان التعبير بالترخيص يلائم الحكم الثانوي الثابت في مورد الاضطرار و نحوه و عليه فكلمة «قد» للدلالة على الترخيص في بعض الموارد و ان كان مدخولها الفعل الماضي.

الثالثة: صحيحة علي بن جعفر قال سألت أخي- عليه السلام- أظلّل و انا محرم؟ فقال نعم و عليك الكفّارة قال- يعني الراوي عن علي بن جعفر و هو موسى بن القاسم- فرأيت عليّا إذا قدم مكّة ينحر بدنة لكفارة الظلّ «1».

و حيث ان مورد السؤال هو تظليل شخص الراوي لا عنوان المحرم مطلقا فيمكن ان يكون الحكم بالجواز لأجل الخصوصية الموجودة فيه من المرض و غيره مع ان الحكم بوجوب الكفارة لا يلائم مع الجواز بحسب الحكم الاوّلي فإنه لو كان التظليل جائزا ذاتا في حال الإحرام كسائر الأمور المباحة لا يبقي مجال لوجوب الكفارة عليه نعم يجتمع ذلك مع الجواز بحسب الحكم الثانوي كاجتماع الحكم بالضمان مع جواز إتلاف مال الغير لأجل الضرورة كحفظ النفس من التلف و عليه فنفس الحكم بوجوب الكفارة شاهد على عدم كون الجواز انّما هو بنحو الإطلاق و بالإضافة إلى المحرم في جميع الحالات.

و قد ظهر انه لا يصلح شي ء من الروايات المتقدمة للاستدلال بها على نفي أصل الحكم و جواز التظليل فاللازم ملاحظة الروايات الكثيرة الدالة على النهي و هي على طوائف:

الطّائفة الأولى: ما تدلّ بظاهرها على النهي عن عنوان التظليل مثل:

صحيحة ابن المغيرة قال: قلت لأبي الحسن الأوّل- عليه السلام- أظلّل و

انا محرم؟ قال: لا، قلت أ فأظلّل و أكفّر.

______________________________

(1) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب السادس ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 277

..........

______________________________

قال: لا، قلت فان مرضت؟ قال: ظلّل و كفّر ثم قال: اما علمت ان رسول اللّٰه- ص- قال ما من حاجّ يضحي ملبّيا حتّى تغيب الشمس الّا غابت ذنوبه معها «1». و الاستشهاد بقول الرسول- ص- مع انه غير ظاهر في نفسه في وجوب الاضحاء و عدم جواز التظليل لأن غاية مفاده ترتب غيبوبة الذنوب على الاضحاء لا مطلقا بل مع ضم التلبية و ترتب ذلك لا يدل على الوجوب يدل على كون مراده- ص- هو الوجوب فتدبّر.

و يمكن ان لا يكون الاستشهاد به مرتبطا بالجملتين الأوليين الدالتين على عدم جواز التظليل و لو مع التكفير بل مرتبطا بالجملة الأخيرة الدالة على جواز التظليل مع الكفارة في حال المرض نظرا الى ان المرض و ان كان ترتفع به الحرمة و يصير التظليل جائزا- ح- الّا ان الإتيان به يوجب عدم ترتب الأثر الكثير المترتب على عدم التظليل و هو غيبوبة الذنوب كلّها و كيف كان فلا مناقشة في دلالة صدر الرواية على حرمة التظليل بعنوانه.

و موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يظلل عليه و هو محرم قال: لا الّا مريض أو من به علّة و الذي يطيق حرّ الشمس «2».

و يحتمل بعيدا ان يكون قوله: يظلّل عليه مبنيا للمفعول و بصيغة المجهول.

و رواية محمّد بن منصور التي هي مضمرة على نقل الشيخ و غير مضمرة على نقل الكليني بل منقولة عن أبي الحسن- عليه السلام- قال سألته عن الظلال للمحرم

قال لا يظلّل الّا من علة أو مرض «3».

و مرسلة عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه قال: قال أبو يوسف للمهدي

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرّابع و الستون ح- 3.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرّابع و الستون ح- 7.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرّابع و الستون ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 278

..........

______________________________

و عنده موسى بن جعفر- عليهما السلام- أ تأذن لي ان اسئله عن مسائل ليس عنده فيها شي ء؟ فقال له: نعم، فقال لموسى بن جعفر- ع- أسألك؟ قال: نعم قال: ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال: لا يصلح قال: فيضرب الخباء في الأرض و يدخل البيت؟ قال: نعم، قال فما الفرق بين هذين؟ قال أبو الحسن- ع- ما تقول في الطامث؟ أ تقضى الصلاة قال لا: قال فتقضي الصوم؟ قال: نعم قال: و لم؟ قال هكذا جاء فقال أبو الحسن- ع- و هكذا جاء هذا فقال المهدي لأبي يوسف ما أراك صنعت شيئا قال: رماني بحجر دامغ «1». و الدامغ بمعنى الكسر و أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة و هو أوّل من لقب ب «قاضى القضاة» بل قيل انه أول من صنف في أصول الفقه على مبنى أستاذه، و المهدي هو المهدي العباسي والد هارون الرشيد.

و مثلها رواية محمد بن الفضيل قال: كنّا في دهليز يحيى بن خالد بمكّة و كان هناك أبو الحسن موسى- عليه السلام- و أبو يوسف فقام إليه أبو يوسف و تربّع بين يديه فقال يا أبو الحسن جعلت فداك المحرم يظلل؟ قال: لا قال فيستظلّ بالحدار و المحمل و يدخل البيت و الخباء؟ قال: نعم قال: فضحك أبو

يوسف شبه المستهزئ فقال له أبو الحسن- ع- يا أبا يوسف انّ الدين ليس بقياس كقياسك و قياس أصحابك، انّ اللّٰه- عزّ و جلّ- أمر في كتابه بالطلاق و أكدّ فيه شاهدين و لم يرض بهما الّا عدلين، و أمر في كتابه بالتزويج و أهمله بلا شهود، فأتيتم بشاهدين فيما أبطل اللّٰه، و أبطلتم شاهدين فيما أكدّ اللّٰه- عزّ و جلّ- و أجزتم طلاق المجنون و السّكران، حجّ رسول اللّٰه- ص- فأحرم و لم يظلّل، و دخل البيت و الخباء و استظلّ بالمحمل

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس و السّتون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 279

..........

______________________________

و الجدار فقلنا (فعلنا خ ل) كما فعل رسول اللّٰه- ص- فسكت «1».

و يبعد تعدّد الواقعة و ان كان ظاهر الرّوايتين هو التعدد.

و رواية بكر بن صالح قال كتبت الى أبي جعفر الثاني- ع- انّ عمّتي معي و هي زميلتي و يشتدّ عليها الحرّ إذا أحرمت افترى أن أظلّل علىّ و عليها؟

فكتب- ع- ظلّل عليها وحدها «2».

و رواية الطبرسي في الاحتجاج قال سئل محمد بن الحسن أبا الحسن موسى بن جعفر- عليهما السلام- بمحضر من الرشيد و هم بمكّة فقال له: أ يجوز للمحرم ان يظلّل عليه محمله؟ فقال له موسى- ع- لا يجوز ذلك له مع الاختيار، فقال له محمد بن الحسن: أ فيجوز ان يمشي تحت الظلال مختارا؟ فقال له: نعم، فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك، فقال له أبو الحسن- عليه السلام- أ تعجب من سنّة النّبي- ص- و تستهزئ بها؟ ان رسول اللّٰه- ص- كشف ظلاله في إحرامه، و مشى تحت الظّلال و هو محرم، انّ احكام

اللّٰه يا محمد لا يقاس فمن قاس بعضها على بعض فقد ضل سواء السبيل فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا «3». و الظاهر ان المراد من محمد بن الحسن هو محمد بن الحسن الشيباني الذي كان فقيه العراق و هو الّذي قال في حقه الشافعي: كتبت من كتب الشيباني حمل بعير.

الطائفة الثانية: ما ظاهره النهى عن الاستظلال بعنوانه مثل:

رواية الحسين بن مسلم عن أبي جعفر الثاني- عليه السلام- انه سئل ما فرق بين الفسطاط و بين ظلّ المحمل؟ فقال لا ينبغي ان يستظلّ في المحمل و الفرق بينهما انّ المرأة تطمث في شهر رمضان فتقضي الصيام و لا تقضي الصلاة قال: صدقت

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس و السّتون ح- 2.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثامن و السّتون ح- 1.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس و السّتون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 280

..........

______________________________

جعلت فداك «1». قال الصدوق: يعني انّ السنّة لا يقاس.

و رواية جعفر بن محمد المثنى الخطيب عن محمد بن الفضيل و بشير (بشر خ ل) بن إسماعيل قال: قال لي محمد: إلا أسرّك (أبشرك خ ل) يا بن مثنى؟

فقلت: بلى فقمت اليه فقال: دخل هذا الفاسق آنفا فجلس قبالة أبي الحسن- ع- ثم اقبل عليه فقال يا أبا الحسن ما تقول في المحرم يستظلّ على المحمل؟ فقال له:

لا قال فليستظلّ في الخباء؟ فقال له نعم فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك يا أبا الحسن فما فرق بين هذا؟ فقال يا أبا يوسف انّ الدين ليس بقياس كقياسكم أنتم تلعبون، انّا صنعنا كما صنع رسول اللّٰه- ص- و قلنا كما قال رسول

اللّٰه- ص- كان رسول اللّٰه- ص- يركب راحلته فلا يستظلّ عليها و تؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض و ربما يستر وجهه بيده، و إذا نزل استظلّ بالخباء و في البيت و بالجدار «2». و الظاهر انّ هذه الواقعة هي الواقعة التي تقدم فيها الروايتان في الطائفة الاولى و لا تكون واقعة اخرى.

و رواية الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري انه سئل- يعني صاحب الزّمان (عجّ)- عن المحرم يستظلّ من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه و ما في محمله ان يبتل فهل يجوز ذلك؟ الجواب: إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم «3». و ظاهرها الحرمة في صورة الاختيار على ما يستفاد من الحكم بوجوب الكفارة عليه.

و مرسلة العباس بن معروف عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه- ع- (الرّضا- ع- خ ل) قال سألته عن المحرم له زميل فاعتلّ فظلّل على رأسه، أ له ان

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس و السّتون ح- 3.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس و السّتون ح- 1.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و السّتون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 281

..........

______________________________

يستظلّ؟ فقال: نعم «1». و الظاهر ان مورد السؤال هو الزميل المعتل لا المحرم غيره و عليه فالسؤال بنفسه يكشف عن مفروغية عدم جواز الاستظلال مع عدم الاعتلال و وجود الاختيار.

و رواية عبد الرحمن بن الحجّاج قال سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن الرجل المحرم كان إذا أصابته الشمس شقّ عليه و صدع فيستتر منها فقال هو اعلم بنفسه إذا علم انه لا يستطيع ان تصيبه الشمس فليستظلّ منها

«2».

الطائفة الثالثة: ما ظاهره النهى عن عنوان الاستتار عن الشمس مثل:

رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال: لا الّا ان يكون شيخا كبيرا أو قال: ذا علة «3».

و رواية سعيد الأعرج انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المحرم يستتر من الشمس بعود و بيده؟ قال: لا الّا من علة «4» قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية:

هذا محمول على الكراهة في اليد.

و رواية المعلّى بن خنيس عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: لا يستتر المحرم من الشمس بثوب، و لا بأس ان يستر بعضه ببعض «5». و قرينة المقابلة تقتضي ان لا يكون للثوب خصوصية بل المراد به غير أعضاء البدن خصوصا مع ذكر العود في الرواية المتقدمة.

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: لا بأس ان

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثامن و السّتون ح- 2.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و السّتون ح- 6.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و السّتون ح- 9.

(4) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و السّتون ح- 5.

(5) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و السّتون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 282

..........

______________________________

يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس، و لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض «1». و المتفاهم منها عرفا عدم جواز الاستفادة من غير أبعاض الجسد لأجل حرارة الشمس.

الطّائفة الرّابعة: ما ظاهره النهى عن مثل عنوان الركوب في القبة أو الكنيسة مثل:

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما- عليهما السلام- قال سألته عن المحرم يركب القبّة؟ فقال: لا

قلت: فالمرأة المحرمة؟ قال: نعم «2».

و صحيحة هشام بن سالم قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المحرم يركب في الكنيسة؟ قال: لا و هو في النّساء جائزة.

و رواية قاسم (ابن خ ل) الصيقل قال: ما رأيت أحدا كان أشد تشديدا في الظلّ عن أبي جعفر- عليه السلام- كان يأمر بقلع القبّة و الحاجبين إذا أحرم «3».

فإن المستفاد مفروغية ثبوت المحدودية للرجل المحرم بالإضافة إلى الظلّ و القدر المسلّم هي القبة غاية الأمر انّ أبا جعفر- ع- كان لأجل الأشدية في هذه الجهة يأمر بقلع الحاجبين أيضا اللذين يحجبان من أحد الجانبين حين سير المحمل.

و صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال لا بأس بالقبّة على النساء و الصبيان و هم محرمون الحديث «4». و ظهورها في الحرمة على الرجال المحرمين لا مناقشة فيه.

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس و السّتون ح- 1.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و السّتون ح- 3.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و السّتون ح- 1.

(4) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الستون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 283

..........

______________________________

الطّائفة الخامسة: ما يدلّ بظاهره على الأمر بالاضحاء مثل:

رواية عثمان بن عيسى الكلابي قال قلت لأبي الحسن الأوّل- عليه السلام- ان علىّ بن شهاب يشكو رأسه و البرد شديد و يريد ان يحرم، فقال: ان كان كما زعم فليظلّل، و امّا أنت فاضح لمن أحرمت له «1».

قال في الوافي بعد نقل الرواية: «فاضح لمن أحرمت له في الصّحاح: يرويه المحدّثون بفتح الالف و كسر الحاء، و قال الأصمعي انّما هو بكسر الالف و فتح الحاء من ضحيت اضحى

لأنه إنما أمره بالبروز للشمس و منه قوله تعالى وَ أَنَّكَ لٰا تَظْمَؤُا فِيهٰا وَ لٰا تَضْحىٰ».

و صحيحة حفص بن البختري و هشام بن الحكم جميعا عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال انه يكره للمحرم ان يجوز ثوبه انفه من أسفل و قال اضح لمن أحرمت له «2».

و رواية عبد اللّٰه بن المغيرة قال سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن الظلال للمحرم فقال: اضح لمن أحرمت له قلت انى محرور و انّ الحرّ يشتدّ علىّ فقال: اما علمت ان الشمس تغرب بذنوب المجرمين «3». و هذه الرواية تؤيد الاحتمال الثاني من الاحتمالين اللذين ذكرناهما في الرواية الاولى من الطائفة الاولى فتدبّر.

و المستفاد من مجموع الروايات انه لا تنبغي المناقشة في أصل الحكم بنحو الإجمال الذي كان هو المقصود في الجهة الأولى.

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الستون ح- 13.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الواحد و الستون ح- 2.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرّابع و السّتون ح- 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 284

..........

______________________________

الجهة الثانية: في اختصاص الحكم بالرجل المحرم و عدم شموله للنساء و كذا للصبيان و قد وقع التصريح بذلك في جملة من الروايات المتقدمة كصحيحة محمد بن مسلم المذكور في الطائفة الرابعة و رواية جميل بن دراج التي توهم دلالتها على الجواز للرجال أيضا و قد تقدم منعه و صحيحة هشام بن سالم المذكورة في الطائفة الرابعة أيضا و غيرها فلا مجال للارتياب في الاختصاص بالرجال.

الجهة الثالثة: في ما تعرض له في المتن في ذيل هذا الأمر و هو انّه هل يجوز الاستظلال بما لا يكون فوق الرأس كالاستظلال من أحد الجانبين في

المحمل أو في السفينة أو في السّيارة في زماننا هذا مع عدم السقف لشي ء منها أو يحرم هذا النحو أيضا من الاستظلال في حال السير و الحركة فالمحكي عن الخلاف و المنتهي جوازه بل في الثاني نسبته الى جميع أهل العلم قال: «و إذا نزل جاز أن يستظلّ بالسقف و الحائط و الشجرة و الخباء و الخيمة، فإن نزل تحت شجرة طرح عليها ثوبا يستتر به، و ان يمشي تحت الظلال، و ان يستظلّ بثوب ينصبه إذا كان سائرا و نازلا، لكن لا يجعله فوق رأسه سائرا خاصة لضرورة أو غير ضرورة عند جميع أهل العلم» و في العبارة و ان كان تشويش لان المفروض في أوّل الكلام صورة النزول و هو لا يجتمع مع الذيل الدالّ على جواز الاستظلال بثوب ينصبه سائرا و نازلا الّا انه لا مجال للمناقشة في دلالتها على الجواز فيما إذا لم يكن فوق رأسه و قد وقع التعبير بالفوق في المتن في أوّل الأمر و لا يبعد ان يكون مثل تعبير المحقق في الشرائع بقوله: تظليل المحرم عليه ناظرا إلى الفوقية لظهور كلمة «على» فيها و كيف كان فما استدل به

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 285

..........

______________________________

على الجواز مضافا الى الأصل و دعوى الإجماع بل فوقه المتقدمة في كلام المنتهى صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- يقول لأبي و شكا اليه حرّ الشمس و هو محرم و هو يتأذّى به فقال: ترى ان استتر بطرف ثوبي؟ قال لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك «1». و لعلّ الاستدلال بها مبني على ان المراد بإصابة الرأس هو وقوع

طرف الثوب فوق الرأس فتدل الصحيحة على نفي البأس مع عدم وقوعه فوقه مع انه من الواضح انّ الإصابة تغاير الفوقية و المقصود من الإصابة هي تحقق ستر الرأس بذلك الذي هو محرّم آخر على الرجل المحرم غير التظليل المحرّم عليه و عليه فالمراد من عدم البأس هو عدم البأس مطلقا بالإضافة الى ما هو محل البحث من دون فرق بين الفوق و غيره و لا بد- ح- من ان يقال بكون مورد الرّواية صورة الضرورة كما في الوسائل و غيرها و لا ترتبط بالمقام هذا و ربما يقال ان الفوقية مأخوذة في مفهوم التظليل المحرّم على الرجال و لكنه ممنوع و سيأتي تحقيقه إن شاء اللّٰه تعالى.

و امّا ما يستفاد منه المنع فعدّة أمور:

منها: إطلاق أدلة حرمة الاستتار عن الشمس خصوصا ما وقع فيه المقابلة بين الاستتار عنها بثوب و نحوه و بين ستر بعض الجسد بعضا مثل رواية المعلّى بن خنيس المتقدمة في الطائفة الثالثة فإنه- مضافا الى ان مقتضى إطلاق الاستتار عن الشمس بثوب و نحوه هو الاستتار عنها بالإضافة الى أحد الجانبين لعدم كون الشمس واقعة في الفوق في جميع أزمنة النهار- ان تعارف ستر الوجه باليد كما عرفت ان رسول اللّٰه- ص- ربما يستره بها يؤيد شمول الإطلاق لهذه الصّورة لأن ستر الوجه باليد انما يكون نوعا مع كون الشمس في أحد الجانبين.

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و السّتون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 286

..........

______________________________

و منها: إطلاق أدلّة وجوب الاضحاء خصوصا ما اشتمل منها على التعليل بان الشمس تغرب بذنوب المجرمين الظاهرة في لزوم الاضحاء الى غروب الشمس مع انّها لا

تكون فوق الرأس إلى الغروب بل في أحد الجانبين و هذا لا يفرّق فيه بين ان يكون التعليل راجعا الى المنع في صورة الاختيار و عدم الضرورة كما ربما يحتمل في بعض الروايات أو الى الجواز عند الضرورة و الاشتداد كما هو ظاهر رواية ابن المغيرة المتقدمة في هذه الطائفة.

نعم ربما يجعل خلو اخبار التكفير مع التظليل للضرورة عما لا يكون فوق الرأس دليلا على المنع أيضا لأنه لو كان جائزا اختيارا وجب الاقتصار عليه إذا اندفعت به الضرورة.

و لكن يدفعه- كما في الجواهر- انّ محطّ النظر في اخبار التكفير انّما هو بيان ثبوت الكفارة في التظليل المحرّم الذي يجب ان يجتنبه المحرم في حال الاختيار و اما في أيّ محلّ يكون محرّما و مع أية كيفية فلا دلالة لهذه الاخبار عليه أصلا.

و على ما ذكرنا فاللازم الالتزام بالحرمة مطلقا سواء كان فوق الرأس أو أحد الجانبين نعم هنا روايتان جعلهما صاحب الجواهر- قده- موميا الى الكراهة أو شاهدا عليها:

إحديهما: رواية قاسم الصيقل المتقدمة في روايات الطائفة الرابعة نظرا الى ان تشديد أبي جعفر- ع- في الظلّ و امره بقلع القبة و الحاجبين ظاهر في الزيادة على الواجب و انه كان المفروغ عنه عند الراوي ان الواجب هو قلع القبة دون الحاجبين اللذين عرفت ان المراد بهما هما الساتران من جانبي المحمل بل جعل صاحب الجواهر هذه المفروغية شاهدة على صحة الإجماع الذي ادّعاه العلامة و قيد به الإطلاقات المتقدمة المانعة عن الاستتار أو الآمرة بالاضحاء.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 287

..........

______________________________

و لكن: يرد عليه ان الرواية لا تكون معتبرة من حيث السند لأنّ قاسم الصيقل بهذا العنوان أو مع

وقوع «الابن» بينهما لا يكون موردا للتوثيق الخاص و لا لتوثيق العام كالوقوع في اسناد كتاب «كامل الزيارات» أو كتاب «تفسير على بن إبراهيم» فلا مجال للاعتماد عليه في تقييد تلك الإطلاقات الكثيرة و ان كان لا محيص عن التقييد لو فرض اعتبارها لعدم تحقق التنافي العرفي و التعارض العقلائي بين المطلق و المقيد بوجه كما قد حقق في محلّه.

ثانيتهما: صحيحة سعيد الأعرج المتقدمة في روايات الطائفة الثالثة الدالة على النهى عن الاستتار من الشمس بعود و بيده الّا من علّة و قد عرفت ان صاحب الوسائل حملها على الكراهة بالإضافة إلى اليد و لعلّ وجهه دلالة بعض الروايات المتقدمة على انه- ص- ربما يستر وجهه بيده و قد عرفت ان المتعارف في التظليل في ستر بعض البدن البعض هو ستر الوجه باليد هذا و لكن- بعد توجيه الكراهة في عمل الرّسول- ص- بأنه لعلّه كان لإزالة شبهة الحرمة و دفع توهم ان حرمة التظليل شاملة لهذا القسم منه و عليه فمقتضى القاعدة الصدور أحيانا لا مستمرا و لعلّه يدل عليه كلمة «ربما» في الرواية الحاكية لعمل الرسول بناء على ان يكون مفاده التقليل لا التكثير كما ربما يؤيده نفي البأس عن ستر الوجه بالذراع كما في بعض الروايات المتقدمة و هي صحيحة معاوية بن عمار المذكورة في الطائفة الثالثة.

نقول ان حمل الرواية على الكراهة بالإضافة إلى اليد لا يصير قرينة على حملها عليها بالنسبة إلى العود أيضا بل الظاهر حفظ ظهور النهي في الحرمة فيه خصوصا بعد إطلاق عنوان الاستتار المحرّم و إلغاء الخصوصية عن الاستتار بالثوب المحرّم أيضا و انه لا خصوصية للثوب و تؤيده المقابلة بينه و بين أبعاض الجسد كما لا

يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 288

[مسألة 37- حرمة الاستظلال مخصوصة بحال السّير و طيّ المنازل]

مسألة 37- حرمة الاستظلال مخصوصة بحال السّير و طيّ المنازل من غير فرق بين الراكب و غيره، و امّا لو نزل في منزل كمنى أو عرفات أو غيرهما فيجوز الاستظلال تحت السقف و الخيمة و أخذ المظلة حال المشي فيجوز لمن كان في منى ان يذهب مع المظلة الى المذبح أو الى محلّ رمى الجمرات و ان كان الاحتياط في الترك (1).

______________________________

و عليه فلا دلالة لهذه الرواية على الكراهة فيما هو محل البحث فالرواية الأولى غير معتبرة من حيث السند و الثانية غير ظاهرة الدلالة فكيف يمكن ان تكونا شاهدتين على الكراهة.

و الانصاف أن المسألة مشكلة جدّا من جهة انحصار الأدلة اللفظية الواقعة فيها بما يدل على المنع و لو بنحو الإطلاق و عدم ثبوت دليل على التقييد في مقابلها و من جهة انّ الإجماع المنقول و ان لم يكن حجة على ما قرّر في علم الأصول الّا انّ دعواه من مثل العلامة خصوصا مع اضافة الحكم بذلك الى جميع أهل العلم الظاهر في علماء المسلمين بأجمعهم و كذا الشيخ في الخلاف على ما حكى تبعد ان تكون خالية عن المستند فاللازم ان يقال مع ملاحظة ما افاده صاحب جامع المقاصد من ان نقل الشيخ و المصنف- يعني العلامة- الإجماع على الجواز لا سبيل الى ردّه و مع ملاحظة جعل الإجماع قرينة على تقييد الإطلاقات الناهية كما في الجواهر بان مقتضى الاحتياط و ان كان هو الاجتناب الّا ان الجواز غير خال عن القوة كما أفيد في المتن.

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في أمرين:

الأوّل: انه هل الحكم بحرمة الاستظلال يختص بالراكب أو

يعمّ الماشي أيضا مقتضى إطلاق جملة من العبارات الدالة على جواز المشي تحت الظّلال الأوّل و قد صرّح الشهيد الثاني بذلك في كتابيه «المسالك و الروضة»:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 289

..........

______________________________

قال في الأوّل: «يتحقق التظليل بكون ما يوجب الظلّ فوق رأسه كالمحمل فلا يقدح فيه المشي في ظلّ المحمل و نحوه عند ميل الشمس الى أحد جانبيه و ان كان قد يطلق عليه التظليل لغة و انما يحرم حالة الركوب فلو مشى تحت الظل كما لو مر تحت الحمل و المحمل جاز».

و قال في الثاني بعد قول الشهيد: و التظليل للرجل الصحيح سائرا: «فلا يحرم نازلا إجماعا و لا ماشيا إذا مرّ تحت المحمل و نحوه، و المعتبر منه ما كان فوق رأسه فلا يحرم الكون في ظلّ المحمل عند ميل الشمس الى أحد جانبيه».

و ما يمكن ان يكون مستندا لهذا القول روايتان:

إحديهما: رواية الاحتجاج المتقدمة المشتملة على سؤال محمد بن الحسن الشيباني عن موسى بن جعفر- ع- بقوله: أ فيجوز أن يمشي تحت الظّلال مختارا و جوابه- ع- بقوله: نعم «1».

ثانيتهما: صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال كتبت الى الرّضا- عليه السلام- هل يجوز للمحرم ان يمشي تحت ظلّ المحمل فكتب نعم «2» لكن الأولى مرسلة غير معتبرة مضافا الى عدم وضوح دلالتها كما يأتي بيانه في الصحيحة و ان كان بينهما فرق من جهة إضافة الظل في الصحيحة إلى المحمل و عدمها في هذه الرواية.

و الثانية و ان كان ظاهرها في بادى النظر هو المشي تحت ظلّ المحمل بحيث يكون ما يوجب الظلّ فوق رأسه في حال المشي الّا انه عند التأمل قد يمنع الظهور في

ذلك لأنّ المشي بهذه الكيفية تحت ظل المحمل قلّما يتحقق في الخارج فإن

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس و السّتون ح- 6.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و السّتون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 290

..........

______________________________

المحمل غالبا لا يكون الّا بيتا محقّرا من العود له ظرفية جلوس إنسان واحد و عليه فيصعب المشي تحته بحيث يقع المحمل في الفوق بل يكون ذلك ملازما لوقوعه في معرض اصابة ارجل البعير خصوصا في الطريق الكثير و السير الطويل و عليه فلا تبعد دعوى ظهور السؤال فيما هو المتعارف من المشي في ظل المحمل بحيث يكون الظلّ على أحد جانبيه من اليمين أو اليسار و لا أقل من عدم ظهور الرواية فيما استفاد منه الشهيد الثاني.

ثم انه على تقدير تسليم ظهور الرواية في الجواز بالإضافة إلى الماشي فحيث انه يكون الحكم على خلاف القاعدة المستفادة من الأدلة من إطلاق حرمة التظليل فاللازم الاقتصار على مورده كما افاده بعض الاعلام- قده- حيث استظهر من الرواية الجواز و لكن خصّه بالمشي تحت ظل المحمل و لا وجه لدعوى عمومية الحكم كما هو ظاهر الشهيد في الروضة حيث عطف قوله: أو نحوه على المحمل فان هذه الدعوى تبتني على إلغاء الخصوصية من المحمل المذكور في الرواية و لا وجه له بعد ما عرفت من كون الحكم على خلاف القاعدة و عليه فلا يجوز المشي تحت المظلة و الشمسية في حال السير و ان قلنا بجوازه تحت ظلّ المحمل.

ثم انه ظهر مما ذكرنا انه و ان لم يكن بين الراكب و الماشي فرق فيما إذا كان الظل من الفوق من حيث عدم الجواز

الّا انّ بينهما فرقا فيما إذا كان الظلّ من أحد الجانبين اليمين أو اليسار حيث انه لم يدل دليل لفظي على الجواز في الراكب بل مقتضى إطلاق الأدلة الناهية عدم الجواز لكن الإجماع الذي ادعاه الشيخ و العلامة اقتضي الجواز فيه و امّا في الماشي فالدليل اللفظي على الجواز متحقق فيه و هي صحيحة ابن بزيع المتقدمة سواء كان مفادها الجواز في خصوص هذه الصورة أو كان مفادها الجواز بالإضافة إلى الفوق فيدل على الجواز في المقام بطريق اولى و عليه فلا مجال للترديد في الماشي من هذه الجهة و ان كان له في الراكب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 291

..........

______________________________

مجال كما عرفت.

ثم انه هل يختص حرمة الاستظلال في حال السير و الحركة بما إذا كان الظلّ سائرا معه أيضا كسقف السيارة و القبة و الكنيسة أو يعمّ الظلّ الثابت و المستقرّ كالظلّ الحادث من القناطير المضروبة على الجادة التي لا محيص من العبور من تحتها خصوصا إذا كان في السّيارة و كالعبور بعد الإحرام لحج التمتع في مسجد الحرام عند المقام- مثلا- و في حجر إسماعيل من تحت واحد من السقوف المحيطة بفضاء المسجد لغرض السير الى عرفات بلا فصل و كالعبور من تحت الأشجار التي لها ظلّ و في زماننا العبور من الجادة التي تسمّى في الفارسية ب «تونل» في المسألة وجهان بل قولان فالمحكيّ عن فخر المحققين في شرح الإرشاد القطع بانّ المحرم عليه سائرا انّما هو الاستظلال بما ينتقل معه كالمحمل امّا لو مرّ تحت سقف أو ظل بيت أو سوق أو شبهه فلا بأس. لكن المحكيّ عن كشف اللثام انه بعد ما حكى كلام

الفخر قال: أكثر هذه تدخل في الضرورة.

أقول لازم الالتزام بالدخول في الضرورة ان يقال أوّلا بانحصار الجواز بما إذا كان الطريق منحصرا بذلك و لم يكن هناك طريق لا يشتمل على السقف أو مثله كالأشجار و ثانيا بترتب الكفارة عليه لما سيأتي من ان الضرورة المسوغة للتظليل لا تؤثّر في ارتفاع وجوب الكفارة الّا ان يقال بأن أدلة الكفارة قاصرة عن الشمول لهذا النوع من الضرورة.

و كيف كان فالظاهر هو القول بالجواز لانه مضافا الى قصور أدلة حرمة التظليل عن الشمول لهذا القسم من الظل خصوصا إذا قلنا بان معنى التظليل عبارة عن إيجاد الظلّ و احداثه لا الوقوع تحته مطلقا استمرار السيرة العمليّة على فعله كما يظهر من الموارد التي ذكرناها و لم يقع في شي ء من النصوص و الروايات الرّدع عنها و التنبيه الى حرمته كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 292

[مسألة 38- جلوس المحرم حال طيّ المنزل في المحمل و غيره مما هو مسقف]

مسألة 38- جلوس المحرم حال طيّ المنزل في المحمل و غيره مما هو مسقف إذا كان السير في الليل خلاف الاحتياط و ان كان الجواز لا يخلو من قوة فيجوز السّير محرما مع الطائرة السائرة في الليل (1).

______________________________

الأمر الثاني: انه لا مانع من الاستظلال حال النزول و في المنزل و قد عرفت في كلام الشهيد الثاني في الروضة ادّعاء الإجماع عليه و يدل عليه استمرار السيرة العمليّة على الوقوف في عرفات تحت الخيم و الأخبية و كذا في منى قبل الخروج عن الإحرام الذي يتحقق بالحلق أو التقصير بعد الذبح- مثلا- و رمى جمرة العقبة و التفكيك بين المنزل و بين حال السير عند الأئمة- ع- صار موجبا لاعتراض فقهاء غيرنا عليهم كما مرّ

في الروايات المتقدمة اعتراض أبي يوسف و كذا محمد بن الحسن الشيباني على موسى بن جعفر- عليهما السلام- و في رواية صحيحة وقعت حكاية اعتراض أبي حنيفة على الصادق- عليه السلام- بصورة السؤال قال أبو حنيفة: أي شي ء فرق ما بين ظلال المحرم و الخباء فقال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- انّ السنّة لا تقاس «1».

ثم انّه بعد عدم حرمة الاستظلال في المنزل هل يجوز الاستفادة من المظلة في منى من الخيمة إلى محلّ الرّمي و كذا في عرفات الى جبل الرحمة- مثلا- الظاهر ذلك لأنّ منى بأجمعها منزل و كذا عرفات فإذا كان الاستظلال في المنزل جائزا لا مانع من الاستفادة منها في الذهاب و الإياب لكن حيث يكون المقصد الإتيان بما هو الواجب عليه و السّير و الحركة انّما هو لأجله يكون الاحتياط في الترك و بذلك يتحقق الفرق بين الموردين اللذين ذكرنا هما فتدبّر.

(1) قد وقع الاختلاف بين الاعلام من المعاصرين في جواز التظليل المحرّم في

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس و الستون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 293

..........

______________________________

النهار للمحرم في الليل فمختار المتن ان الجواز لا يخلو عن قوة و قد صرّح بعض الاعلام- قده- بعدم جوازه و انه لا فرق في الحرمة بين الليل و النهار و اللازم ملاحظة الأدلة و الروايات المتقدمة الواردة في الباب بل و بعض الروايات الأخر أيضا فنقول:

قد عرفت ان الروايات الواردة في المقام خمس طوائف.

فطائفة تدل على ان متعلق التحريم هو عنوان الاستتار عن الشمس و ما يشابهه كان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس و من الواضح اختصاص هذه الطائفة بالنّهار و

لا مجال لها بالإضافة إلى اللّيل.

و طائفة تدل على الأمر بالاضحاء الذي معناه هو البروز و الظهور للشمس فان الضحى من شئون الشمس قال اللّٰه تعالى وَ الشَّمْسِ وَ ضُحٰاهٰا و يظهر من بعض الروايات المتقدمة أيضا المشتملة على قوله- ع- ما من حاج يضحي ملبيّا حتى تغيب الشمس .. حيث انّ ظاهره انتهاء الاضحاء بغيبوبة الشمس و غروبها و عليه فهذه الطائفة أيضا لا تشمل الليل نعم هنا رواية ربما يتوهّم دلالتها على عدم كون المراد بالاضحاء ما ذكرنا و سيأتي التعرض لها و البحث عنها.

و طائفة ثالثة تدل على عدم جواز ركوب الرجل المحرم في القبة و الكنيسة و مقتضى إطلاقها انه لا فرق في الحكم المذكور بين الليل و النهار و قد اعتمد على هذا الإطلاق بعض الاعلام- قده- و أيّده بتعارف حركة السّير و القوافل في الليالي لا سيّما في البلاد الحارّة كأراضي الحجاز و نحوها.

و لكن الظاهر انّ وضع القبة و الكنيسة المشتملتين على السقف و الستر من فوق انّما هو بلحاظ السير في النهار و التحفظ من حرارة الشمس و الّا فالسير في الليل في البلاد الحارّة يقتضي الخلو من السقف للاستفادة من الهواء الخارج فان البلاد الحارّة إذا أريد فيها الفرار من شدة الحرارة في الليل في الأزمنة السابقة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 294

..........

______________________________

لا محيص عن الوقوع في فضاء لا يكون له سقف و دعوى تعارف حركة السير و القوافل في الليل ممنوعة في نفسها لما عرفت من دلالة روايات كثيرة على عدم جواز الاستتار عن الشمس و على الأمر بالاضحاء و مقتضاها شيوع الحركة في النهار و كيف كان فمقتضى

ما ذكرنا انه لا مجال للاعتماد على هذا الإطلاق أصلا.

و طائفتان منها تدلان على حرمة التظليل أو الاستظلال و قد قيل ان الكلمتين مأخوذتان من الظلّة و هي شي ء يستتر به من دون فرق بين ما إذا كان ما يستتر منه شمسا أو حرّا أو بردا أو مطرا أو ريحا أو مثلها و لا يختصّ بالشمس بل ربما يقال ان الشمس مستظلة أي في السحاب مستترة و يدل على ذلك مضافا الى اللغة جملة من الروايات التي عبّر فيها بالاستظلال من غير الشمس مثل ما رواه في الاحتجاج عن محمّد بن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري انه كتب الى صاحب الزمان (عج) و سأله عن المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه و ما في محمله ان يبتلّ فهل يجوز ذلك؟ الجواب إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم «1».

و رواية عثمان بن عيسى الكلابي قال قلت لأبي الحسن الأوّل- عليه السلام- ان علي بن شهاب يشكو رأسه و البرد شديد و يريد ان يحرم فقال ان كان كما زعم فليظلّل، و امّا أنت فاضح لمن أحرمت له «2». و غير ذلك من الروايات الواردة في كفارة التظليل المشتملة بعضها على استعمال هذه الكلمة في غير الشمس نعم استثني القائل موردا من الحكم بالحرمة بعد جعله فرضا نادرا جدّا

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و الستون ح- 7.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الستون ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 295

..........

______________________________

و هو ما إذا كان رفع المظلة فوق رأسه لا يؤثر شيئا أبدا و لا يمنع عنه شيئا و كان

وجوده كعدمه نظرا الى عدم صدق الاستظلال و الاستتار على ذلك لان الممنوع ليس مجرّد وجود المظلة على رأسه بل هو التحفظ من الشمس و الريح العاصف و المطر و البرد و أشباهها فلا منع في غير هذه الصورة لكنه فرض نادر هذا و لكن في رواية عثمان اشكال و هو ان ظاهرها كون الاضحاء مقابلا للتظليل عن البرد مع انّك عرفت ان معناها هو البروز للشمس فهل مفادها عدم كون معناها ذلك بل مطلق البروز و عدم التستر و لو كان ذلك في الليل فينا في ما تقدم منا في معناها أو انّ أمر الرّاوي بالاضحاء في الذيل قرينة على كون مورد السؤال هو البرد الشديد المتحقق في النّهار و التعبير بالتظليل بلحاظ ملازمته مع التحفظ عن البرد فالاضحاء باقية على معناها و هو البروز للشمس و هذا هو الظاهر.

هذا و لكن التحقيق بالإضافة إلى هاتين الطائفتين يتوقف على بيان أمور:

الأمر الأوّل: ان المستفاد من اللغة انّ مادّتهما و هي الظلّ لا يتحقق إلّا في النهار فقد صرّح الراغب في مفرداته بانّ الظلّ ضدّ الضحّ و قد عرفت اختصاص الاضحاء و كل ما هو من هذه المادة بالنّهار لانه من شئون الشمس و خصوصياتها و في كتاب مقاييس اللغة لابن فارس الذي هو من المنابع الأصلية في باب اللغة ان ذكر انه يدل على ستر شي ء لشي ء و ان الظلّ ظل الإنسان و غيره و يكون بالغداة و العشيّ و الفي ء لا يكون إلا بالعشيّ لكنه قال: و الليل ظلّ الى ان قال و من الباب قولهم: ظلّ يفعل كذا و ذلك إذا فعله نهارا و انّما قلنا انه من الباب لان ذلك شي ء

يخصّ به النهار و ذلك ان الشي ء يكون له ظلّ نهارا و لا يقال ظلّ يفعل كذا ليلا لان الليل نفسه ظلّ.

و من الواضح انه لا يعقل التظليل في الظلّ و عليه فالمستفاد من اللغة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 296

..........

______________________________

اختصاص هذه المادة بالنهار و عدم شمولها لليل حتى بالإضافة إلى القمر في الليالي المقمرة التي تتبع الظلّ العرفي.

الأمر الثاني: انّ مسألة التظليل في الليل من المسائل التي كانت مبتلى بها من قديم الأيام و من زمان صدور الروايات الى يومنا هذا من دون فرق بين ان يكون المركب هو مثل المحمل أو مثل السّيارة المتداولة في هذه الأيام أو الطيارة و عليه لو كانت حرمة التظليل شاملة لليل و لم تكن مختصة بالنهار لكان اللازم الإشارة بل التصريح بالتعميم في الرّوايات مع انه لم يرد في شي ء منها لا سؤالا و لا جوابا و لا ابتداء بل و لم تقع الإشارة إليه في كلمات الفقهاء من المتقدمين و المتوسطين و دعوى ان عنوان التظليل و شبهه شامل للتظليل في الليل مدفوعة مضافا الى ما عرفت في الأمر الأوّل من دلالة اللغة على الاختصاص بالنّهار بأنه على تقدير الشمول و العموم لم يكن بمثابة من الوضوح بحيث لا تكون حاجة حتى إلى الإشارة إليه بل يظهر من كلمات بعض الفقهاء الاختصاص قال الشهيد في محكي الدروس: «فرع: هل التحريم في الظلّ لفوات الضحى أو لمكان السّتر فيه نظر لقوله- ع-: اضح لمن أحرمت له و الفائدة فيمن جلس في المحمل بارزا للشمس و فيمن تظلّل به و ليس فيه» و في كشف اللثام يعني يجوز الأوّل على الثاني دون

الأوّل و الثاني بالعكس. ثم قال فيهما و في الخلاف لا خلاف ان للمحرم الاستظلال بثوب ينصبه ما لم يمسّه فوق رأسه و عن نسخة «ما لم يكن» و قضيته اعتبار المعني الثاني.

و أنت خبير بان مورد كلا الاحتمالين و الثمرة الحاصلة في البين انّما هو النّهار من دون إشارة إلى الليل أصلا.

الأمر الثالث: انّك عرفت ان الروايات الواردة في المقام على خمس طوائف و الظاهر ان المتأمل فيها يحصل له الاطمئنان بأنّ الحكم من هذه الجهة ليس الّا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 297

..........

______________________________

حكما واحدا متعلقا بعنوان واحد و يؤيده بل يدل عليه عدم التعرض في شي ء من كلمات الفقهاء رضوان اللّٰه تعالى عليهم أجمعين- الّا لعنوان واحد فيما يرتبط بالتظليل و لا اشارة فيه فضلا عن الصراحة بثبوت حكمين و تعلّقهما بعنوانين أو أحكام ثلاثة- مثلا- متعلقة بعناوين ثلاثة كذلك و عليه فاحتمال كون لزوم تحمل المطر و عدم الممانعة عن اصابته الّا عند الضرورة كما حكى عن بعض المتأخرين زائدا على حرمة التظليل لا وجه له أصلا كما ان ما افاده بعض الأعاظم من المعاصرين على ما في تقريرات بحثه من ان المحرم حال الإحرام عنوانان بالاستقلال أحدهما الاستتار من الشمس بإيجاد ما يظل به و الالتجاء به أو التسبب و التعمد في الاستظلال و ان لم يكن إيجاد المظلة بيده و ثانيهما التظليل بالقبة و الهودج و الكنيسة و ما يضاهيها في النهار و الليل في اليوم الذي فيه غيم أو لم يكن و قد يفترق كل من العنوانين عن الأخر كما قد يجتمع ليس على ما ينبغي بعد ما عرفت من كون التأمل في

الروايات و ملاحظة الفتاوى يقتضيان بعدم ثبوت غير حكم واحد في هذا المقام.

الأمر الرّابع: ان عنوان التظليل الذي يكون متعلقا للحرمة يراد به التظليل الفعلي الحالي و هو إيجاد المانع عن وقوعه في معرض الشمس ببروزه لها و إطلاق المظلة على مثل الخيمة ليس بلحاظ كونها كذلك حتى في الليل و الغيم بل بلحاظ كونه موجبا لتحقق الظل في مقابل الشمس فلا يصدق على الوقوع تحتها عنوان التظليل إلّا في مورد وجود الشمس.

الأمر الخامس: انّه و ان كان مفاد جملة من الروايات عدم جواز الاستظلال من المطر و ثبوت الكفارة فيه كرواية الحميري المتقدمة التي نقلها في الاحتجاج و المكاتبة المضمرة لعلي بن محمد قال: كتبت اليه المحرم هل يظلل على نفسه إذا اذته الشمس أو المطر أو كان مريضا أم لا؟ فان ظلّل هل يجب عليه الفداء أم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 298

..........

______________________________

لا؟ فكتب يظلّل على نفسه و يهريق دما ان شاء اللّٰه «1».

و رواية محمد بن إسماعيل قال سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن الظلّ للمحرم من أذى مطر أو شمس فقال ارى ان يفديه بشاة و يذبحها بمنى «2».

و رواية إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرّضا- عليه السلام- المحرم يظلّل على محمله و يفدي إذا كانت الشمس و المطر يضرّان به قال: نعم قلت كم الفداء قال شاة «3». و من الظاهر انه لا يكون المراد إضرار الشمس و المطر معا في آن واحد لعدم إمكانه نوعا.

و بعض الروايات الأخر، الّا ان الظاهر ان هذه الروايات مع ضعف سند بعضها ناظرة إلى التوسعة في معنى التظليل الذي يكون متعلقا للحرمة على الرجل المحرم في

حال السّير و الحركة و ان العنوان المحرّم يكون شاملا للاستظلال من المطر بعد كون معناه العرفي و اللغوي هو الاستظلال من خصوص الشمس لا ان يكون في البين حكمان متعلقان بالظل من الشمس و من المطر كما عرفت حكاية احتماله عن بعض المتأخرين.

و دعوى أنّ التعبير بالظلّ بالإضافة إلى المطر قد وقع في الروايات في كلام السائلين و الرواة دون كلام الامام- عليه السلام- فمن اين يستفاد منه التوسعة المذكورة بل هو شاهد على عمومية معنى الاستظلال و عدم اختصاصه بالشمس.

مدفوعة مضافا الى انه يحتمل قويّا ان يكون الوجه في ذلك هو التغليب نظرا الى تحقق الشمس غالبا و وقوع المطر أحيانا خصوصا في تلك المناطق و البلاد التي

______________________________

(1) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب السادس ح- 1.

(2) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب السادس ح- 3.

(3) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب السادس ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 299

[مسألة 39- إذا اضطر الى التظليل حال السّير لبرد أو حرّ]

مسألة 39- إذا اضطر الى التظليل حال السّير لبرد أو حرّ أو مطر أو غيرها من الاعذار جاز و عليه الكفارة (1).

[مسألة 40- كفارة الاستظلال شاة و ان كان عن عذر على الأحوط]

مسألة 40- كفارة الاستظلال شاة و ان كان عن عذر على الأحوط و الأقوى كفاية شاة في إحرام العمرة و شاة في إحرام الحج و ان تكرّر منه الاستظلال فيهما.

______________________________

يسير فيها المحرم بأنّ منشأ التوسعة المذكورة هو تقرير الامام- عليه السلام- الكاشف عنها و كيف كان فمجرد حرمة التظليل من المطر لا دلالة لها على حرمة التظليل في الليل بوجه خصوصا بعد ما عرفت من اللغة و من عدم تعرض الروايات و الفتاوى للاستظلال في الليل بوجه و يؤيده الجمع في المتن بين الحكم بجواز التظليل في الليل و بين الحكم بثبوت الكفارة في التظليل من المطر كما في المسألة الآتية فالأقوى بمقتضى ما ذكرنا جوازه كما نفي خلوه عن القوة في المتن.

ثم ان مقتضى ما ذكرنا جواز الاستظلال في النهار إذا لم يكن الشمس ظاهرة بل كانت مستظلة بالسحاب و كان الغيم موجودا كجوازه في الليل على ما عرفت و امّا الاستظلال من المطر في النهار فهو غير جائز كما مرّ و امّا في الليل فهل المستفاد من الروايات إطلاق الحكم في المطر بالإضافة إلى اللّيل أو ان ذكر المطر في عداد الشمس لعلّه يصير قرينة على الاختصاص بالنهار فيه وجهان و مقتضى الاحتياط الأوّل لكن الظاهر انّ الاستظلال من المطر يرجع الى الالتجاء من اصابته إلى محلّ مسقف من المحمل أو السيارة و امّا لو كان فيهما ثم في الأثناء أمطرت السّماء لا يتحقق الاستظلال بالبقاء فيهما بحيث يكون الواجب عليه الخروج منهما أو رفع سقفهما فتدبّر.

(1) في هاتين المسألتين جهات

من الكلام:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 300

..........

______________________________

الجهة الاولى: في ثبوت الكفارة في التظليل المحرم في حال الاختيار و الظاهر انه لا يستفاد من الروايات الواردة في ثبوت الكفارة في حال الاضطرار ثبوتها في حال الاختيار أيضا نعم ربما يتوهم الثبوت بطريق اولى و الوجه في ذلك منع الأولوية و منع القياس و لا إشعار في شي ء منها بكون الكفارة مرتبطة بنفس التظليل فقط بحيث لم يكن فرق بين الحالتين خصوصا مع ما هو ثابت في الصيد من ثبوت الكفارة في المرة الاولى و عدم ثبوتها في المرة الثانية مع كونها أشد لقوله تعالى وَ مَنْ عٰادَ فَيَنْتَقِمُ اللّٰهُ مِنْهُ.

نعم ربما يدعي دلالة صحيحة على بن جعفر قال سألت أخي- عليه السلام- أظلّل و انا محرم؟ فقال: نعم و عليك الكفارة الحديث «1» على ثبوت الكفارة في حال الاختيار أيضا لإطلاق قول الراوي: أظلّل، نظرا إلى انه مطلق من حيث الاختيار و الاضطرار كما انه مطلق من حيث أسباب الاضطرار.

و لكن الظاهر انه لا مجال لدعوى الإطلاق من الجهة الأولى بعد عدم كون مورد السؤال هو تظليل المحرم بنحو الإطلاق بل تظليل شخص الراوي الذي كان أخا الإمام- ع- و هو عالم بحاله من جهة الاخوة أيضا.

و العجب من بعض الاعلام- قدّس سره- حيث ذكر في أصل المسألة و هو حرمة التظليل و عدمها انّ توهّم دلالة هذه الصحيحة على عدم الحرمة من رأس باطل نظرا الى ان تجويزه- ع- له بالاستظلال قضيّة شخصية في واقعة و لعلّ تجويزه له من أجل كونه مريضا أو كان يتأذى من حرّ الشمس بحيث كان حرجيّا و نحو

______________________________

(1) وسائل أبواب بقية كفارات

الإحرام الباب السادس ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 301

..........

______________________________

ذلك من الاعذار فلا يمكن الاستدلال بها لإثبات حكم كلّي و ذكر هنا انه يظهر ذلك- يعني ملازمة الكفارة للتظليل و ان التظليل في جميع الموارد لا يفارق الكفارة- بوضوح من صحيح على بن جعفر: أظلّل و انا محرم؟ فقال نعم و عليك الكفارة فإن قوله أظلّل كما انه مطلق من حيث الاختيار و الاضطرار كذلك مطلق من حيث أسباب الاضطرار فيعلم منه انّ التظليل مطلقا من اىّ سبب كان يلازم الكفارة و أنت ترى المناقضة بين الكلامين و الحق انه لا مجال لإنكار عدم دلالته على ثبوت الكفارة في التظليل المحرّم الصادر حال الاختيار لوضوح كونه قضيّة شخصية في واقعة.

كما انّ دعواه انه يظهر من بعض الروايات المعتبرة أن ملازمة الكفارة للتظليل كانت امرا متسالما عليه و مفروغا عنه و لذا يسأل من الامام- ع- انه يظلل اختيارا و يكفّر زعما منه ان الكفارة ترفع الحرمة فمنعه عن ذلك إلّا إذا كان مريضا ففي معتبرة عبد اللّٰه بن المغيرة قال قلت لأبي الحسن الأوّل- عليه السلام-:

أظلّل و انا محرم؟ قال: لا، قلت أ فأظلّل و أكفّر؟ قال: لا قلت فان مرضت؟ قال:

ظلّل و كفّر «1».

مدفوعة أوّلا بأنه لا ظهور للرواية في كون الملازمة بين الكفارة و التظليل امرا مفروغا عنه عند الرّاوي فإنه سئل أوّلا عن أصل جواز التظليل في حال الإحرام فأجيب بالمنع ثم سئل عن جوازه مع التكفير فأجيب بالمنع أيضا و لا إشعار في هذا السؤال فضلا عن الدلالة على الملازمة بين الكفارة و التظليل و ليت شعري انه كيف يدل على كون الملازمة امرا مفروغا

عنه.

و ثانيا بأن المفروغية عند السائل لا حجية فيها بعد كون مورد السؤال و الجواب

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الستّون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 302

..........

______________________________

امرا آخرا و هو جواز التظليل في حال الاختيار مع ضمّ الكفّارة و عدمه.

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا انه لا مجال لاستفادة ثبوت الكفارة في التظليل الاختياري الذي يكون محرّما من الروايات و الأدلة اللفظية الواردة في الباب اللّٰهم ان يكون مستنده الإجماع كما لا تبعد دعواه فتدبّر.

الجهة الثانية: في ثبوت الكفارة في التظليل الجائز الصادر عن اضطرار و نقول انّ العنوان المأخوذ موضوعا لعدم الحرمة في كثير من الكلمات هو الاضطرار كما في المتن لكن المحكي عن الشيخين و ابن إدريس اعتبار الضرر العظيم و من البعيد ان يكون مرادهم ثبوت خصوصية زائدة في المقام بحيث لم يكن مجرد الحرج و الضرر العرفي كافيا كما في سائر المقامات.

هذا و امّا الروايات الواردة في هذا الباب فظاهر كثير منها انّ المعيار في الجواز مطلق الأذية الشامل لما يتحمّل مثله نوعا كرواية على بن محمّد قال كتبت اليه:

المحرم هل يظلل على نفسه إذا اذته الشمس أو المطر أو كان مريضا أم لا؟ فان ظلّل هل يجب عليه الفداء أم لا؟ فكتب يظلّل على نفسه و يهريق دما ان شاء اللّٰه «1».

و رواية محمد بن إسماعيل قال سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن الظلّ للمحرم من أذى مطر أو شمس فقال ارى ان يفديه بشاة و يذبحها بمنى «2».

و رواية سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرّضا- عليه السلام- قال سألته

______________________________

(1) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب

السادس ح- 1.

(2) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب السادس ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 303

..........

______________________________

عن المحرم يظلّل على نفسه فقال: أمن علة؟.

فقلت: يؤذيه حرّ الشمس و هو محرم فقال هي علّة يظلّل و يفدي «1».

و رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرّضا- عليه السلام- قال و سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس و انا اسمع فأمره أن يفدي شاة و يذبحها بمنى «2». قال في الوسائل بعد نقلها عن الكليني: و رواه الشيخ بإسناده عن احمد بن محمد، و رواه الصدوق بإسناده عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن- ع- مثله الّا انه قال: في أذى من مطر أو شمس أو قال من علّة و زاد:

و قال: نحن إذا أردنا ذلك ظلّلنا و فدينا. و ذيل الرواية على نقل الصدوق ربما يشعر بكون الجواز أوسع من الأذى أيضا.

لكن في مقابلها ما يدلّ على تضييق دائرة الجواز مثل رواية عبد الرحمن بن الحجّاج قال سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن الرجل المحرم كان إذا أصابته الشمس شق عليه و صدع فيستتر منها فقال هو اعلم بنفسه إذا علم انه لا يستطيع ان تصيبه الشمس فليستظل منها «3».

و رواية إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يظلّل عليه و هو محرم قال: لا الّا مريض أو من به علة و الذي لا يطيق حرّ الشمس «4».

و مضمرة محمد بن منصور عنه- ع- قال سألته عن الظلال للمحرم فقال:

______________________________

(1) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب السادس ح- 4.

(2) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب السادس ح- 6.

(3) وسائل

أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و السّتون ح- 6.

(4) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و السّتون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 304

..........

______________________________

لا يظلّل الّا من علّة أو مرض «1».

و رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال سألت أبا عبد اللّٰه- ع- هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال لا الّا ان يكون شيخا كبيرا أو قال ذا علّة «2».

و أصرح من الكلّ رواية زرارة قال سألته عن المحرم أ يتغطّى؟ قال امّا من الحرّ و البرد فلا «3». و السؤال فيها في نفسه و ان كان يحتمل فيه ان يكون عن تغطية الرأس التي هي محرم آخر على الرجال غير الاستظلال كما عرفت الّا ان الجواب بلحاظ قوله- ع- من الحرّ يدل على كون المراد الاستظلال فتدبّر و مقتضى قاعدة حمل المطلق على المقيّد حمل الطائفة الأولى على الأذية التي لا تتحمل عادة و تكون مشقة و حرجا.

ثم ان كثيرا من الروايات المتقدمة كما تدل على الجواز في مورد الاضطرار كذلك تدل على ثبوت الكفارة و قد مرّ انه لا منافاة بين الجواز بحسب الحكم الثانوي و بين ثبوت الكفارة بوجه.

الجهة الثالثة: في جنس الكفارة و قد ظهر لك بملاحظة الروايات المتقدمة أنّها بين ما يدلّ على لزوم الكفارة بعنوانها و ما يدل على لزوم اراقة الدّم و ما يدل على لزوم الفدية بشاة و ما يكون ظاهره لزوم التصدق بمدّ لكلّ يوم و حيث ان الأخيرة رواية واحدة رواها على بن أبي حمزة البطائني عن أبي بصير و عليّ المذكور كذاب معروف فلا مجال للاستناد بها بل اللازم طرحها و عليه فمقتضى قاعدة حمل المطلق على

______________________________

(1) وسائل

أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و السّتون ح- 8.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و السّتون ح- 9.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و السّتون ح- 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 305

..........

______________________________

المقيّد الأخذ بما يدل على تعيّن الشاة و الحكم بلزوم اراقة دمها.

نعم قد عرفت في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى- عليهما السلام- انه بعد ما سوّغ له الامام- ع- التظليل و حكم عليه بوجوب الكفارة انّ الراوي عن علىّ قال: فرأيت عليّا إذا قدم مكّة ينحر بدنة لكفارة الظلّ «1». و قد حمله جملة من الأصحاب على الاستحباب لكنه ربما يقال: انه لا وجه له لانه بعد ما كان ظاهر الروايات تعين الشاة لا يكون غيرها مجزيا و لو كان إبلا و فعل على بن جعفر لا يكون حجة و لعلّه اجتهاد منه غير متبع عندنا.

و يبعد هذا القول انّ مثل على بن جعفر مع شدّة اتصاله بالإمام- ع- و كثرة رواياته عنه الحاكية عن إحاطته بالأحكام و المسائل لا يكاد يخفى عليه مثل ذلك خصوصا مع التفاوت الفاحش بين قيمتي البدنة و البقرة و عليه فالظاهر هو الحمل على الاستحباب ثم ان الظاهر ان قوله- قده- في المتن، على الأحوط راجع الى أصل كفارة الاستظلال لا خصوص ما إذا كان عن عذر لما عرفت من عدم دلالة شي ء من الروايات على ثبوت الكفارة للتظليل المحرّم غير الجائز و الوجه في الاحتياط دون الفتوى امّا وجود الرواية الدالة على التصدق و امّا إطلاقات الكفارة و الدّم التي يبعد تقييدها مع كثرتها فتدبّر.

الجهة الرّابعة: في تكرّر الكفارة بتكرر الاستظلال و عدمه و محل الكلام انّما

هو التكرر بالتكرر في إحرام واحد ضرورة انّه إذا كان في إحرامين و لو كانا لعمرة التمتع و حجّه المرتبطين اللذين يعدّان عملا واحدا كما مرّ مرارا لا خفاء في التعدّد لتعدّد

______________________________

(1) وسائل أبواب بقيّة كفارات الإحرام الباب السادس ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 306

..........

______________________________

الإحرام و لا مجال معه لاحتمال التداخل أصلا و لو كان سبب الاستظلال شيئا واحدا كالمرض- مثلا- كالافطار في يومين من شهر رمضان.

و الظاهر انّ المستفاد من الروايات و الفتاوى التداخل و عدم التكرّر لوضوح تكرر الاستظلال في مثل الشيخ الكبير و المريض سيّما إذا كان الإحرام من مسجد الشجرة الذي هو أبعد المواقيت و يكون الفصل بينه و بين مكة ما يتجاوز عن سبعين فرسخا و في هذا المسير يتحقق الخروج و الدخول في المحل كثيرا جدّا فإذا التزمنا بثبوت الكفارة لكل مرّة يلزم ثبوت مثل ثلاثين شاة في إحرام واحد و هذا مما يطمئن الإنسان بعدمه خصوصا مع عدم التعرض للزوم التكرير في شي ء من الرّوايات المتقدمة مع وضوح الحاجة الى البيان على تقديره بل بعضها ظاهر في عدم التكرر مثل ما يدل على انه يفدي بشاة و يذبحها بمنى الظاهر في شاة واحدة مع كون مورده تكرر الاستظلال كما لا يخفى.

هذا مضافا الى صحيحة على بن راشد الظاهرة في عدم اللزوم في إحرام واحد و في اللزوم في إحرامين و قد عرفت انه مقتضى القاعدة و هي ما رواه قال قلت له- ع- جعلت فداك انه يشتدّ عليّ كشف الظلال في الإحرام لأنّي محرور يشتدّ علىّ حرّ الشمس فقال: ظلّل و أرق دما فقلت له دما أو دمين؟ قال: للعمرة

قلت انّا نحرم بالعمرة و ندخل مكّة فنحلّ و نحرم بالحجّ قال: فارق دمين «1». و قد نوقش في سندها بأن الراوي عن علي بن راشد هو محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني و قد ضعّفه الشيخ- قده- مضافا الى انّ الرواية تكون مضمرة.

و لكن يدفع المناقشة مضافا الى ما عرفت من عدم كون مفاد الرواية مخالفا للقاعدة بل لولاها لكانت القاعدة تقتضي ذلك انه قد وثق النجاشي و غيره

______________________________

(1) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب السابع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 307

[الأوّل: صيد البرّ اصطيادا و أكلا]

الأوّل: صيد البرّ اصطيادا و أكلا و لو صاده محلّ، و اشارة و دلالة، و إغلاقا و ذبحا، و فرخا و بيضة، فلو ذبحه كان ميتة على المشهور و هو أحوط، و الطيور حتى الجراد بحكم الصّيد البرّي، و الأحوط ترك قتل الزنبور و النّحل ان لم يقصدا إيذائه، و في الصيد أحكام كثيرة تركناها لعدم الابتلاء بها (1).

______________________________

الرجل المذكور و هو باعتبار تبحره و تخصصه في هذا الفن يكون مقدّما على الشيخ الذي هو ذو فنون مع انه ربما يقال ان منشأ تضعيف الشيخ هو استثناء ابن الوليد و تلميذه الصدوق روايات الرجل المذكور عن خصوص يونس بطريق منقطع أو ما ينفرد بروايته عنه و الرواية التي رواها في المقام انما هي عن غير يونس فلا وجه لطرحها أصلا فالأقوى- ح- ما في المتن هذا تمام الكلام في التظليل و بعد البحث عنه نرجع الى الترتيب المذكور في المتن.

(1) في هذا الأمر الذي هو أوّل محرمات الإحرام بلحاظ ترتب أحكام كثيرة عليه خصوصا ما يتعلق بكفارته فقد جعل في الوسائل لخصوص كفارة الصيد

فصلا و عقد فيه ما يتجاوز عن خمسين بابا و لكفارة سائر المحرمات فصلا آخرا جهات من الكلام:

الجهة الاولى: في أصل حرمة صيد البرّ على المحرم و الظاهر تحقق الإجماع عليه بل عن المنتهى انه قول كل من يحفظ عنه العلم و لم يحك الخلاف من غيرنا إلّا في بعض الفروع مثل ما حكى عن الشافعي و أبي حنيفة من الخلاف في أكل ما صاده المحلّ و ذبحه من دون أمر و لا دلالة و لا اعانة.

و يدلّ عليه قبل الإجماع الكتاب و السنة امّا الكتاب فقوله تعالى في سورة المائدة (آية 95) يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ الى آخر الآية، و في الآية التي بعد هذه الآية:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 308

..........

______________________________

أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً وَ اتَّقُوا اللّٰهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ.

و امّا السنّة فروايات مستفيضة بل ذكر في الجواهر انه يمكن دعوى القطع بمضمونها ان لم تكن متواترة اصطلاحا.

الجهة الثانية: لا شبهة في حرمة الاصطياد و التعبير بالصيد انّما هو بملاحظته و ان كان الجمع بين الصيد و بين الاصطياد لعلّه غير ملائم و لذا جعل صاحب الجواهر التعبير بالاصطياد قرينة على كون عبارة الشرائع هو المصيد بعد حكايتها عن نسخة ثاني الشهيدين و كيف كان فلا إشكال في حرمة الاصطياد.

و امّا حرمة سائر الأفعال المتعلقة بالصيد المذكورة في المتن و مثله فيدل عليه الكتاب بملاحظة ان الصيد في الآية الاولى لا بد و ان يراد منه المصيد

بلحاظ النهي عن قتله ضرورة ان ما يجري فيه القتل انّما هو الحيوان و الظاهر- ح- ان المراد بالصيد في الآية الثّانية ما يراد منه في الآية الاولى و ان كان الظاهر ابتداء ان يكون المحرم هو فعل المكلف لكن الآية الأولى قرينة على تعلق الحرمة بنفس الحيوان المصيد خصوصا مع تقابله مع صدر الآية الدال على حلية صيد البحر و طعامه و عليه فالمقام نظير قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ الآية و سائر الموارد التي تعلق التحريم بنفس العين الخارجيّة و من الظاهر ان متعلق التحريم في مثل هذه الموارد جميع الأفعال المتعلقة بالعين المحرّمة فتدل الآية في المقام مضافا الى حرمة الاصطياد على حرمة الأكل من الصيد و لو كان الصائد محلا و لم يكن المحرم دخيلا في صيده بوجه و كذا حرمة الإشارة و الدّلالة المؤثرتين في تحقق الاصطياد و قد حكى عن صاحب المدارك في الفرق بين الإشارة و الدلالة ان الاولى أخص

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 309

..........

______________________________

من الثانية لصدق الدلالة على الكتابة و غيرها و اختصاص الإشارة بالإشارة الخارجية المتحققة بعضو من أعضاء البدن كاليد و العين و الرأس أو بغيره كالإشارة بالعصا.

و في هذا الفرق و ان كان نظر بلحاظ أن المغايرة بالعموم و الخصوص المطلق لا تصحّح العطف لأن ذكر العام يغني عن الخاص الّا انه حيث لا يكون الحكم متعلقا بالعنوانين بل يشمل كل ما له مدخلية في تحقق الاصطياد و لو كان مثل وضع سلاح الصائد في يده فضلا عن إعطاء السّلاح إياه فلا يهم البحث و التعرض الّا انه يأتي في البحث عن مفاد صحيحة الحلبي

ما يدل على الفرق بينهما.

و امّا السّنة فتدل على حرمة ما ذكر كلّا أو بعضا روايات أجمعها و أشملها:

صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: لا تستحلّن شيئا من الصيد و أنت حرام، و لا و أنت حلال في الحرم و لا تدلّن عليه محلا و لا محرما فيصطاده، و لا تشر اليه فيستحلّ من أجلك فإن فيه فداء لمن تعمّده «1».

و في الصحيحة بعد لزوم تقييد الصيد فيها بالصيد البرّي بمقتضى الآية الدالة على حلّية صيد البحر و طعامه و الروايات الآتية الواردة في ذلك و بعد ظهور الفقرة الأولى كالآية المتقدمة في عدم حليّة شي ء من الأفعال المتعلقة بالصيد من الأمور المذكورة في المتن و غيرها مما أشرنا إلى بعضها لوضوح كون المراد من الصّيد فيها هو المصيد لا الاصطياد تلزم الإشارة إلى نكتتين:

إحديهما: انه بعد دلالة الفقرة الأولى على سعة دائرة الحرمة و عمومها لكل فعل يتعلّق بالصيد يكون التعرض لحرمة الدلالة و الإشارة من قبيل ذكر الخاص بعد العام و الوجه فيه لعلّه كونهما من الافراد الخفيّة المفتقرة إلى التنبيه و البيان لأن

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الأوّل ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 310

..........

______________________________

مجرد الدلالة و الإشارة بعيد عن كونه من الأفعال المتعلقة بالصيد فيحتاج الى التعرض.

ثانيتهما: ظهور الرواية في الفرق بين الدلالة و الإشارة و المغايرة بينهما خصوصا مع تفريع قوله: فيصطاده على الاولى و تفريع قوله: فيستحلّ من أجلك على الثانية فإن اختلاف التفريعين ظاهر في ثبوت المغايرة الكاملة في البين و ان مرجع الدلالة الى عدم كون الدليل مريدا لتحقق الاصطياد في الخارج بل هو أمر قد

أراده الصائد و عزم عليه غاية الأمر ان الدليل يرشده الى الصيد و مكانه كدليل الطريق الذي لا يكون شأنه إلّا الإراءة و تبيينه من دون ان يكون غرضه متعلقا بالمقصد أصلا و امّا الإشارة فعلي ما يستفاد من تفريع الرواية يكون المراد بها هي الإشارة المؤثرة في أصل ارادة الاصطياد من الصائد فإن قوله: فيستحل من أجلك، أنّ الاصطياد و الاستحلال كان مستندا إلى الإشارة المحرّكة المؤثرة و عليه فمجرد الإشارة الخالية عن التشويق و التأثير داخل في الدلالة و لا تكون مقصودة من الإشارة في الرّواية هذا و لكن في جملة من الروايات الآتية المتعرضة لحرمة الدلالة و الإشارة قد اقتصر فيها على أحد العنوانين فهما كعنواني الفقير و المسكين إذا اجتمعا افترقا و إذا افترقا اجتمعا.

و امّا سائر الرّوايات فمنها: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: المحرم لا يدلّ على الصيد فان دلّ عليه فقتل فعليه الفداء «1».

و منها: رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: و اجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه و لا تأكل ممّا صاده غيرك و لا تشر اليه فيصيده «2».

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الأوّل ح- 3.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الأوّل ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 311

..........

______________________________

و منها: مرسلة ابن (أبي خ ل) شجرة عمّن ذكره عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في المحرم يشهد على نكاح محلّين قال: لا يشهد ثم قال: يجوز للمحرم ان يشير بصيد على محلّ «1». و الظاهر كما افاده الصدوق و الشيخ ان الذيل استفهام إنكاري جي ء به شاهدا على عدم جواز

كون المحرم شاهدا على النكاح و لو كان بين الزوج و الزوجة المحلّين.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: لا تأكل من الصيد و أنت حرام و ان كان اصابه محلّ «2». و قد نقل في الوسائل رواية أخرى لمعاوية بن عمار مفادها عين مفاد هذه الرواية و ان كان بينهما اختلاف يسير في التعبير و من الظاهر اتحاد الرّوايتين و عدم تعدّدهما.

و منها: صحيحة ابن أبي نصر عن أبي الحسن الرّضا- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يصيب الصيد بجهالة قال: عليه كفارة قلت فإن أصابه خطاء قال:

و أيّ شي ء الخطاء عندك؟ قلت ترى هذه النخلة فتصيب نخلة أخرى فقال نعم هذا الخطاء و عليه الكفارة قلت فإنّه (فإن خ ل) أخذ طائرا متعمدا فذبحه و هو محرم قال: عليه الكفارة قلت جعلت فداك الست قلت ان الخطاء و الجهالة و العمد ليسوا بسواء فبأيّ شي ء يفضل المتعمد الجاهل و الخاطي؟ قال انه اثم و لعب بدينه «3».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال ما وطئته أو وطأه بعيرك و أنت محرم فعليك فدائه و قال: اعلم انه ليس عليك فداء شي ء أتيته و أنت محرم جاهلا به إذا كنت محرما في حجّك أو عمرتك الّا الصيد فإن

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الأوّل ح- 8.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثاني ح- 3.

(3) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب الواحد و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 312

..........

______________________________

عليك الفداء بجهالة كان أو عمد «1». و منها غير ذلك من الروايات الدالة على حكم الصّيد.

الجهة

الثالثة: في حكم الفرخ و البيضة و الوجه في التعرض لخصوصهما مضافا الى التبعيّة عن الروايات المتعرضة لهما انّ البيضة لا يصدق عليها عنوان الصيد فإن بيضة الصيد غير الصيد و لا يشملها ما يدل على حرمة الصيد كما انّ الفرخ لأجل عدم قدرته على الامتناع عن الإنسان أو حيوان آخر يكون خارجا عن مفهوم الصيد الذي يعتبر فيه الامتناع و التوحش كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

فنقول المعروف بل المتسالم عليه عندهم هي حرمتهما كالأصل أكلا و إتلافا مباشرة و دلالة و اعانة و الظاهر انه لم يقم دليل على الحرمة بالمطابقة بل مقتضى الروايات المتعددة ثبوت الكفارة فيهما و قد عرفت ان ثبوتها يكشف عن الحرمة في مورد الحكم الاولى.

منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- في قيمة الحمامة درهم و في الفرخ نصف درهم و في البيض ربع درهم «2».

و منها: صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال في الحمام درهم و في الفرخ نصف درهم و في البيضة ربع درهم «3».

و مقتضى إطلاقهما ثبوت الحرمة لهما في مورد ثبوت الحرمة للحمام سواء كان محرما و لو في غير الحرم أو في الحرم و لو لم يكن محرما.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب الواحد و الثلاثون ح- 4.

(2) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب العاشر ح- 1.

(3) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب العاشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 313

..........

______________________________

و منها: رواية الحرث بن المغيرة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سئل عن رجل أكل من بيض حمام الحرم و هو محرم قال: عليه لكلّ بيضة

دم و عليه ثمنها سدس أو ربع درهم- الوهم من صالح يعني الراوي عن ابن المغيرة- ثم قال: ان الدّماء لزمته لأكله و هو محرم و ان الجزاء لزمه لأخذه بيض حمام الحرم «1».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في ذيل الجهة الثانية فإن ما يوطأ بسبب الإنسان أو البعير هو الفرخ و البيض غالبا كما لا يخفى.

و منها: صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر- ع- قال سألته عن رجل محلّ اشترى لرجل محرم بيض نعامة فأكله المحرم قال على الذي اشتراه للمحرم فداء و على المحرم فداء قلت: و ما عليهما قال على المحلّ جزاء قيمة البيض لكل بيضة درهم و على المحرم لكل بيضة شاة «2».

الجهة الرّابعة: في حكم الصيد الذي ذبحه المحرم و المشهور شهرة عظيمة بل كما في الجواهر: لم يحك الخلاف فيه بعض من عادته نقله و ان ضعف بل في المنتهى و عن التذكرة الإجماع عليه انه يكون اكله حراما مطلقا على المحرم و المحلّ و انه ميتة كما في جملة من العبارات أو كالميتة كما في جملة أخرى لكن المحكي عن الفقيه و ابن الجنيد و الشيخ المفيد و السيّد المرتضى حلّية اكله على المحلّ لكن الذي ينبغي الالتفات اليه انّ العنوان المأخوذ في كلمات المشهور القائلين بالحرمة هو عنوان الذبح و المأخوذ في كلمات القائلين بالحلّية للمحلّ ما صاده المحرم فقد قال المفيد في

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب العاشر ح- 4.

(2) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب الرابع و العشرون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 314

..........

______________________________

المقنعة: «و لا بأس ان يأكل المحلّ مما صاده المحرم و على المحرم

فدائه على ما ذكرناه» و مثله نقل عن الباقين.

و عمدة مستند المشهور رواية إسحاق بن عمّار الآتية و امّا مرسلة ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال قلت له المحرم يصيب الصيد فيفديه أ يطعمه أو يطرحه؟ قال إذا يكون عليه فداء آخر قلت: فما يصنع به؟ قال:

يدفنه «1».

فمضافا إلى إرسالها و عدم تمامية ما اشتهر من ان مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده لعدم الدليل عليه بل الدليل على خلافه كما قرر في محلّه- انّ الاستدلال بها على الحرمة على المحلّ أيضا مبني على كون قول السائل: أ يطعمه من باب الافعال و ناظرا إلى إطعام الغير من دون فرق بين ان يكون محرما أو محلا بل الحكم في الجواب بثبوت فداء آخر عليه قرينة على كون المراد بالغير هو المحلّ فتدبّر لانه لو كان القول المذكور من باب الثلاثي المجرد يكون السؤال ناظرا الى جعله طعاما لنفسه الذي يكون محرما كما هو المفروض في الرّواية و الظاهر ان عطف الطرح عليه قرينة على كون ذلك من باب الافعال لأن الطرح انّما هو سبب ناقص لتحقق أكل الغير و الّا لا يبقى فرق بينه و بين الدفن الذي أمر به في الجواب و لا مجال لاحتمال كون الفداء الآخر ناظرا الى خصوص قوله: أ يطعمه فان الظاهر ثبوت الفداء على كلا التقديرين كما لا يخفى.

و دعوى: ان الرّواية في مقام وجوب الفداء الآخر على المحرم لو أطعمه المحلّ و لا تدل على الحرمة المطلقة و امّا أمره بالدفن لأجل الفرار عن الفداء.

مدفوعة بأنه لو كان الصيد المزبور حلالا على المحلّ لم يكن وجه لثبوت الكفارة

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام

الباب العاشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 315

..........

______________________________

في إطعامه فالحكم بالثبوت لا ينطبق الّا على كونه حراما له.

كما انّ رواية وهب عن جعفر عن أبيه عن علي- عليهم السلام- قال إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال و الحرام و هو كالميتة و إذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلال ذبحه أو حرام «1». لا تصلح للاستناد إليها لضعف السند بوهب لانه على تقدير كونه هو وهب بن وهب كما لا تبعد دعوى انصراف إطلاقه إليه فهو من أكذب البريّة و على تقدير عدم الانصراف يكون مردّدا بين الثقة و غيره.

فيكون المستند الوحيد هو ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصفّار عن الحسن بن موسى الخشاب عن إسحاق عن جعفر- ع- انّ عليّا- عليه السلام- كان يقول إذا ذبح المحرم الصّيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محلّ و لا محرم، و إذا ذبح المحلّ الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محلّ و لا محرم «2». و المراد من إسحاق هو إسحاق بن عمار المعروف الفطحي الثقة و امّا الراوي عنه و هو الحسن بن موسى فقد قال النجاشي انه من وجوه أصحابنا و حكى عن البهبهاني- قده- في التعليقة روى عنه محمد بن احمد بن يحيى و لم يستثنه ابن الوليد.

و كيف كان فاستناد المشهور إليها يكفي في اعتبارها و لو فرض فيها ضعف من حيث السّند لكن صاحب المدارك قده- مال الى القول بالحلّ نظرا الى عدم اعتبار مثل هذه الرواية مما لا يكون رواتها إماميين عدولا خصوصا مع كون الروايات المقابلة صحاحا كما يأتي إن شاء اللّٰه تعالى هذا

بالنظر الى السند.

و أما من جهة الدّلالة فالمأخوذ في الرواية هو عنوان الذبح و لا إشكال في تحققه فيما إذا ذبح المحرم الصيد الذي اصطاده بنفسه أو اصطاده غيره و تصدى

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب العاشر ح- 4.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب العاشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 316

..........

______________________________

المحرم لذبحه فقط و امّا شموله لما إذا حصل موته بسبب الرّمي أو الكلب المعلّم بحيث لو لم يكن محرما لاتّصف بالتذكية فقد ذكر في الجواهر بعد ان حكى عن الشيخ احتمال التفصيل بين الذبح و التذكية بالرّمي بأن الأول ميتة بخلاف الثاني و عن قائل انه ظاهر اختيار المفيد في المقنعة: «يمكن دعوى الإجماع على كون المراد مطلق تذكية المحرم من الذبح نصّا و فتوى» و لكن الظاهر جريان المناقشة في هذا الكلام يأتي التعرض لها بعد إيراد الروايات المخالفة إن شاء اللّٰه تعالى.

و امّا قوله: فهو ميتة فظاهره أنه ميتة حقيقة لأن الميتة في اصطلاح الشرع ليست خصوص ما مات حتف انفه و بالموت الطبيعي بل المراد بها غير المذكى فلا يكون في الشرع الّا عنوانان: المذكى و الميتة فكل ما لم يكن مذكى بالتذكية الشرعية التي يعتبر فيها أمور مخصوصة كالتسمية و استقبال القبلة و فرى الأوداج الأربعة و غيرها من الأمور المعتبرة فيها يكون ميتة و عليه فلا وجه لاحتمال كون المراد هو التنزيل و التشبيه نظير قوله زيد أسد حيث لا محيص فيه عن التنزيل بل الظاهر كونه ميتة حقيقة و في نظر الشرع لا منزل منزلتها لكن قوله بعده:

لا يأكله .. يحتمل ان يكون من باب التعرض لبعض آثار الميتة التي

يقصد من الصيد نوعا و هو أكل لحمه من دون ان يكون ذلك موجبا للتقييد في قوله: فهو ميتة بل إطلاقه باق بحاله و الجملة التي بعدها من باب ذكر الخاص بعد العام لأجل الاهتمام بالخصوصيّة و يحتمل ان يكون قرينة على اختصاص الحكم بالأكل و عدم جريان سائر أحكام الميتة عليه و لكن الظاهر هو الأوّل و عليه فلو لم يكن في البين الا هذه الرواية لكان مقتضاها ترتب جميع أحكام الميتة عليه لفرض تحقق موضوعها شرعا بنحو الحقيقة و لكن هنا روايات أخرى يأتي التعرض لها إن شاء اللّٰه تعالى لعله يكون مفادها مخالفا مع هذه الرواية.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 317

..........

______________________________

و امّا ما يدلّ على جواز أكل المحلّ فعدّة روايات صحاح:

منها: رواية منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- رجل أصاب صيدا و هو محرم آكل منه و انا حلال؟ قال: انا كنت فاعلا، قلت له:

فرجل أصاب مالا حراما فقال ليس هذا مثل هذا يرحمك اللّٰه انّ ذلك عليه «1».

و منها: رواية حريز قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن محرم أصاب صيدا أ يأكل منه المحلّ؟ فقال: ليس على المحلّ شي ء إنّما الفداء على المحرم «2».

و منها: رواية معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل أصاب صيدا و هو محرم أ يأكل منه الحلال؟ فقال: لا بأس إنّما الفداء على المحرم «3».

و منها: رواية أخرى لمعاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- إذا أصاب المحرم الصيد في الحرم و هو محرم فإنّه ينبغي له ان يدفنه و لا يأكله أحد و إذا أصاب

في الحلّ فان الحلال يأكله و عليه الفداء «4». قال في الوسائل بعد نقل الرواية عن الكليني: و رواه الشيخ بإسناده عن حمّاد بن عيسى عن معاوية بن عمّار مثله الّا ان في نسخة «يدفنه» و في أخرى «يفديه».

و منها: رواية الحلبي قال المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه و يتصدق بالصيد على مسكين «5». و الظاهر ان المراد من الذيل هو التصدق بالصيد على المسكين فيدل على جواز اكله له و الّا لا وجه لوجوبه بل جوازه و احتمال كون الباء للسببيّة بحيث كان المراد هو لزوم التصدق على المسكين لأجل الصيد الذي قتله حراما

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث ح- 3.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث ح- 4.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث ح- 5.

(4) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث ح- 2.

(5) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب العاشر ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 318

..........

______________________________

و غير مشروع في غاية البعد لكن الإشكال في ان الحلبي لم ينقله عن المعصوم- عليه السلام- بل الظاهر كونه فتوى نفسه و ان كان يبعده ان مثل الحلبي لا يصدر منه الفتوى الّا بما سمع منه- ع- خصوصا بعد عدم كون الفتوى في تلك الأزمنة مغايرة للفظ الصادر عنه- ع- بخلاف مثل زماننا كما لا يخفى.

هذه هي الروايات الدالّة على الجواز التي يشترك جميعها سوى الأخيرة التي ربما يتأمل في كونها رواية في التعبير بإصابة المحرم الصيد.

و امّا الأخيرة فالتعبير فيها انّما هو بالقتل و امّا الرواية الدالة على المنع فقد عرفت انّ العنوان المأخوذ فيها هو الذبح و- ح- ان قلنا بثبوت التعارض بين الروايتين و

عدم إمكان جمع مقبول في البين فاللازم ترجيح دليل المشهور لأن الشهرة الفتوائية أوّل المرجحات في باب تعارض الخبرين كما قررنا في محلّه فلا محيص عن الالتزام بما عليه المشهور و الحكم بالحرمة مطلقا محلّا كان أو محرما و ان لم نقل بالمعارضة و قلنا بإمكان الجمع بينهما فاللازم ملاحظة وجه الجمع فنقول: يظهر من الجواهر إمكان الجمع بينهما بوجهين و ينبغي أوّلا التعرض لعبارته ثم توضيحها ثم بيان ما أورد أو يمكن ان يورد عليه قال بعد ترجيح الطائفة الأولى بالشهرة العظيمة و الإجماعات المحكية الجابرة على الطائفة الثانية و ان كانت صحيحة: «خصوصا بعد عدم الصّراحة في دلالة البعض لاحتمال ارادة غير القتل من الإصابة فيكون المحلّ هو المذكّى له و ان كان الذي رماه المحرم و كون الباء في «بالصيد»- يعنى الواقع في رواية الحلبي- للسببية و الصيد المصدرية أي يتصدق لفعله الصيد على مسكين أو مساكين خصوصا بعد ضعف القرينة المزبورة باختلاف النسخة في قوله: يدفنه على ما قيل فان بدلها في أخرى «يفديه» أو المراد جزاء الصيد أو غير ذلك بل عن الشيخ احتمال التفصيل بين الذبح و التذكية بالرمي فالأوّل ميتة بخلاف الثاني الذي يمكن حمل النصوص عليه بل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 319

..........

______________________________

قيل انّه ظاهر اختيار المفيد في المقنعة لكن يمكن دعوى الإجماع على كون المراد مطلق تذكية المحرم من الذبح نصّا و فتوى».

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 3، ص: 319

و مرجع الجمع الأوّل

إلى حمل مستند المشهور على تحقق الذبح و القتل من المحرم و حمل روايات الحليّة على كون المراد بالإصابة مجرّد الأخذ و الاستيلاء فقط و تحقق التذكية و الذبح من المحلّ فيكون ارتباط الصيد بالمحرم انّما هو في مجرّد أخذه ثم تسليمه الى المحلّ ليذبحه.

و مرجع الجمع الثاني الذي احتمله الشيخ الى حمل مستند المشهور على تحقق الذبح الخاص من المحرم من دون ان يكون شاملا للتذكية بالرمي أو بالكلب المعلم و شمول روايات الحليّة مضافة الى مجرد الأخذ و الاستيلاء للتذكية بأحدهما و عليه فيكون كل واحدة من الطائفتين شاملة للصورتين من الصور الأربع التي هي عبارة عن ذبح المحرم ما اصطاده بنفسه أو اصطاده غيره و ازهاقه روح الصيد بالرمي أو الكلب المعلّم و أخذه و استيلائه على الصيد و تسليمه الى المحلّ ليذبحه.

لكنه أورد صاحب الجواهر- قده- على هذا الجمع بأنه يمكن دعوى الإجماع على كون المراد مطلق تذكية المحرم من الذبح نصّا و فتوى و استشكل عليه بأنّه لو قلنا باعتبار الإجماع فإنّما نقول به في المسائل الفقهية و امّا الإجماع في استظهار المراد الراجع الى الفهم و الاستنباط فليس بحجة لأنه ليس في المسألة الفقهيّة.

أقول: بعد إخراج رواية الحلبي عن الروايات المخالفة لعدم كونها رواية عن المعصوم- عليه السلام- لعدم نقله عنه و لو بنحو الإضمار لا في الوسائل و لا في الكافي المطبوعين حديثا المشتملين على التذييلات و الرجوع الى المصادر الأصليّة بل نقل انه لم يكن موجودا في الكافي المطبوع و عليه فكيف رواه صاحب الجواهر عن الحلبي عنه- ع- الظاهر في ان المراد بمرجع الضمير هو أبو عبد اللّٰه- عليه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحج، ج 3، ص: 320

..........

______________________________

السلام- «1» فلا حاجة إذا إلى حمل قوله: و يتصدّق بالصيد على مسكين على خلاف ظاهره من ان المراد بالباء هو السببية أو كون المراد هو الجزاء و الفداء، يتعين الجمع الثاني لبعد إطلاق الذبح المأخوذ في دليل المشهور على التذكية بالرمي و نحوه و بعد حمل الإصابة في الروايات الكثيرة على مجرد الأخذ و الاستيلاء فقط مع تحقق التذكية بيد المحلّ و يؤيّده قوله- ع-: ان يدفنه في رواية ابن عمار المتقدمة على ما في رواية الكليني الذي هو أضبط من الشيخ- قده- في نقل الرّواية.

و بذلك يمكن الجمع بين الكلمات أيضا على ما ذكرنا في أوّل البحث فان العنوان المأخوذ في عبارات المشهور هو عنوان الذبح، و المأخوذ في عبارات المخالفين لهم هو عنوان الإصابة و ان كان يبعّده ان لازمة عدم تعرّض كل واحد من الطرفين لحكم العنوان الذي تعرض له الأخر و هو بعيد جدّا لكن الا بعد منه جعل عنوان الذبح شاملا لمجرد الأخذ و الاستيلاء الذي هو مورد الإصابة قطعا و القدر المتيقن من عنوانها.

و قد تحصّل من جميع ما ذكرناه انه على تقدير التعارض لا بد من ترجيح مستند المشهور و على تقدير عدمه يكون الترجيح مع الجمع الذي احتمله الشيخ- قده.

و كيف كان فقد عرفت انّ ظاهر رواية إسحاق المتقدمة التي هي دليل المشهور كون ذبيحة المحرم إذا كان صيدا ميتة حقيقة يترتب عليها جميع آثار الميتة و لا تختص الحرمة بالأكل و ان ذكره بعده انّما هو لأجل كونه الغرض المهم من الصيد و لكن وردت روايات متعددة فيما إذا اضطرّ المحرم الى الصيد و الميتة بحيث

______________________________

(1) لكن الشيخ و ان

رواه في التهذيب في موضع منه عن الكليني بهذا النحو لكنه رواه في موضعين آخرين منه و في موضع من الاستبصار عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال المحرم الى آخر الحديث مع زيادة قوله فان عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاؤه و ينتقم اللّٰه منه و النقمة في الآخرة فراجع.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 321

..........

______________________________

كان أمره دائرا بينهما و مقتضاها لزوم تقديم الصيد على الميتة و في مقابلها و ان كان بعض الروايات الدالة على تقديم الميتة على الصيد الّا انّ الظاهر كونها مخالفة للمشهور و لا بد من طرحها و ان كان المحكي عن الشيخ- قده- انه حملها على ما لا ينافي الطائفة الأولى كالحمل على عدم التمكّن الّا من الميتة و غيره من المحامل الّا انه على تقدير عدم صحّة المحامل المذكورة لعدم اقتضائها للخروج عن عنوان التعارض يكون الترجيح مع الطائفة الأولى لما عرفت.

و كيف كان ففي بعض هذه الطائفة- مضافا الى ان نفس ترجيح الصيد على الميتة قرينة على عدم كونه ميتة و الّا لكان اللازم ان يكون حاله أسوء منها لانه مضافا الى كونه ميتة يكون اصطياده أيضا محرّما بخلاف الميتة التي لا يكون فيها إلّا أثارها و ليس في اتصافها بذلك وقوع فعل محرّم حتى لو قتل ما يملكه من الغنم- مثلا- على غير طريق شرعي متعمدا كترك ذكر اسم اللّٰه عليه كذلك فإنه لا يكون في البين الّا الاتصاف بكونه ميتة و ترتب آثار الميتة عليه من دون ان يكون هناك عمل محرّم- ما يدل على كون الصيد

الذي ذبحه المحرم ملكا و مالا مضافا اليه و هذا لا يجتمع مع كونه ميتة لعدم ثبوت المالية بالنسبة إليه ففي رواية يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المضطرّ إلى الميتة و هو يجد الصيد قال:

يأكل الصيد، قلت انّ اللّٰه عزّ و جلّ قد أحلّ له الميتة إذا اضطرّ إليها و لم يحلّ له الصيد قال: تأكل من مالك أحب إليك أو ميتة؟ قلت من مالي قال: هو مالك لأنّ عليك فدائه قلت فان لم يكن عندي مال؟ قال تقضيه إذا رجعت الى مالك «1».

و رواية أبي أيّوب قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل اضطرّ و هو

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب الثالث و الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 322

..........

______________________________

محرم الى صيد و ميتة من أيّهما يأكل؟ قال يأكل من الصيد قلت فانّ اللّٰه قد حرّمه عليه و أحلّ له الميتة و قال: يأكل و يفدي فإنما يأكل من ماله «1».

و غيرهما من الروايات الدالة على هذا المعنى الذي مقتضاه ثبوت المالية للصيد و إضافتها إلى المحرم و لازمة عدم كونه ميتة يترتّب عليه جميع أحكامها فاللازم- ح- بمقتضى هذه الروايات التصرف في ظهور رواية إسحاق المتقدمة في كونه ميتة حقيقة و الحكم بأن ذبيحة المحرم انما تكون كالميتة في بعض الاحكام خصوصا مع عدم معروفية اشتراط كون المذكى محلّا و لو بالإضافة إلى الصيد و في بعض الروايات جواز استعمال جلود الصيد التي جعل فيها الماء مثل رواية ابن مهزيار قال سألت الرجل- ع- عن محرم يشرب الماء من قربة أو سقاء اتخذ من جلود الصيد هل

يجوز ذلك أولا فقال يشرب من جلودها «2».

نعم ربما يقال انّ هذا لا اثر له بالإضافة إلى الصلاة في اجزائه لأن صحتها مترتبة على حلية الأكل و عدم كونه غير المأكول من دون فرق بين ان تكون الحرمة بالذات كالحيوانات المحرمة بالأصل و ان تكون بالعرض كالمحلّل الذي صار محرما لأجل الجلل أو كونه موطوء للإنسان نعم ثمرته تظهر في مثل الانتفاع بجلده في اللبس و غيره.

لكن تفصيل البحث في المراد من غير المأكول موكول الى كتاب الصّلاة و قد تقدم سابقا فراجع.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا في هذه الجهة انّ الاحتياط الوجوبي المذكور في المتن بعد النسبة إلى المشهور ان كان راجعا إلى أصل الحكم و هي حرمة ذبيحة

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب الثالث و الأربعون ح- 6.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب التاسع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 323

..........

______________________________

المحرم إذا كانت صيدا مطلقا للمحرم و المحلّ فاللازم ان يقال بالتفصيل بين الصورتين من تلك الصور الأربع المتقدمة و هما ما إذا كان الذبح المتعارف صادرا من المحرم سواء كان اصطياده بيده أو بيد غيره و بين غيرهما من الصورتين الأخيرتين بالفتوى بالحرمة المطلقة في الأوليين و الاحتياط اللزومي في الصورة الثالثة و الجواز في الصورة الرابعة التي لم يتحقق من المحرم الّا مجرد أخذ الصيد و الاستيلاء عليه و تحقق الإزهاق من المحلّ.

و ان كان راجعا الى كون مذبوح المحرم ميتة يترتب عليها جميع آثار الميتة كما عرفت انّه مفاد رواية إسحاق المتقدمة التي هي دليل المشهور فهو و ان كان مطابقا للاحتياط الّا ان النسبة إلى المشهور في غير المحلّ و

ان استظهره بعض بل استقر به العلامة في محكي التحرير مع ان لزوم الاحتياط المزبور ممنوع لما عرفت من روايات ترجيح الصيد على الميتة إذا اضطر المحرم إلى أحدهما هذا و لكن الظاهر انّ مراد المتن هو الاحتمال الأوّل فتدبّر.

الجهة الخامسة: في حكم الطيور و الجراد و الظاهر انه لا خفاء في كونه الطيور بحكم الصيد البرّي بل من مصاديقه لأنّ لازم الطيران ذلك لعدم اجتماعه مع كونه من الحيوانات البحريّة و سيأتي المعيار في البحرية إن شاء اللّٰه تعالى.

و امّا الجراد فالتعرض له في النصوص و الفتاوى انّما هو لأجل كون أصله من الماء و لذا ربما يتوهّم كونه من صيد البحر و يجوز للمحرم أيضا فنقول امّا من حيث الفتوى فقد ذكر في الجواهر بعد قول المحقق: و الجراد في معنى الصيد البرّي.

«عندنا بل في المنتهى و عن التذكرة انه قول علمائنا و أكثر العامّة، و في المسالك لا خلاف فيه عندنا خلافا لأبي سعيد الخدري و الشافعي و احمد في رواية».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 324

..........

______________________________

و امّا من حيث الرواية فقد ورد فيها ثلاث طوائف من الروايات كلها مشتركة في الدلالة على الحرمة في صورة الاختيار بالمطابقة أو الالتزام:

الطائفة الأولى: ما تدل بالمطابقة على الحرمة للمحرم مثل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: مرّ عليّ- صلوات اللّٰه عليه- على قوم يأكلون جرادا فقال سبحان اللّٰه و أنتم محرمون فقالوا: انّما هو من صيد البحر فقال لهم: ارمسوه في الماء إذا «1». أي لو كان بحريّا لعاش فيه لا مجرد الرمس في الماء و لو آناً ما.

و صحيحة زرارة عن أحدهما- عليهما السلام-

قال: المحرم يتنكب الجراد إذا كان على الطريق فان لم يجد بدّا فقتل فلا شي ء عليه «2».

و التنكب في الرواية هو الاعراض و العدول عن الطريق.

و موثقة أبي بصير قال سألته عن الجراد يدخل متاع القوم فيدرسونه من غير تعمد لقتله، أو يمرّون به في الطريق فيطأونه قال ان وجدت معدلا فاعدل عنه فان قتلته غير متعمد فلا بأس «3».

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال ليس للمحرم ان يأكل جرادا و لا يقتله الحديث «4».

و غير ذلك من الروايات الواردة في هذه الطائفة.

الطائفة الثانية: ما تدل على ثبوت الكفارة فيه الدالة بالالتزام على الحرمة مثل:

صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في محرم قتل جرادة قال: يطعم

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع ح- 1.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع ح- 2.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع ح- 3.

(4) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 325

..........

______________________________

تمرة و تمرة خير من جرادة «1».

و صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن محرم قتل جرادا كثيرا قال: كفّ من طعام و ان كان أكثر فعليه شاة «2».

و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- انه قال: اعلم انّ ما وطئته من الدّبا أو أوطأه بعيرك فعليك فدائه «3». و الدّبا الصغير من الجراد.

الطائفة الثالثة: ما تدل على الجواز مع عدم إمكان التحرز و عدم ثبوت الكفارة في هذه الصورة و مع عدم التعمّد و لازمة الحرمة مع غيرهما مثل:

صحيحة معاوية قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام-

الجراد يكون في ظهر الطريق و القوم محرمون فكيف يصنعون؟ قال يتنكّبونه ما استطاعوا قلت فان قتلوا منه شيئا فما عليهم؟ قال لا شي ء عليهم «4». بل الجواب عن السؤال الأول يدل بالمطابقة على الحرمة بل على مفروغيتها عند السائل فقد ظهر ان النص و الفتوى متطابقان على الحرمة نعم يختص موردها بالجراد البرّي الذي يعيش في البرّ و لا يشمل الجراد البحري الذي يعيش في البحر كما لا يخفى.

الجهة السادسة: في انه هل يختص تحريم الصيد البري على المحرم بما إذا كان محلّل الأكل كالظبي و نحوه أو يعم محرم الأكل أيضا كالذئب- مثلا- ذكر الفاضل النراقي في المستند: «الصيد المحرم يشمل كل حيوان ممتنع بالأصالة سواء كان مما يؤكل أو لا

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب السابع و الثلاثون ح- 2.

(2) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب السابع و الثلاثون ح- 3.

(3) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب السابع و الثلاثون ح- 8.

(4) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب الثامن و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 326

..........

______________________________

وفاقا للشرائع و التذكرة بل جملة من كتب الفاضل و جمع من المتأخرين و عن الراوندي انه مذهبنا معربا عن دعوى الإجماع ثم أخذ في إقامة الدليل عليه و استثنى من العموم الأفعى و العقرب و الفأرة الى ان قال: قد خالف هنا جماعة في الصيد المحرم اكله بل في المفاتيح حكى عن الأكثر فقيدوا الصيد المحرّم بالمحلل من الممتنع فجوّزوا صيد كل ما لا يؤكل امّا مطلقا أو باستثناء الأسد و الثعلب و الأرنب و الضب و اليربوع و القنفذ و الزنبور و العظاية فحرّموا صيدها أيضا كجماعة استنادا الى

عدم وجوب كفارة في غير المأكول سوى الثمانية».

أقول المهمّ في هذه الجهة أمران لا بد من ملاحظتهما:

الأمر الأوّل: ان الصّيد بعد وضوح اختصاص مفهومه بالممتنع هل مفاده العموم لغة و عرفا بالإضافة إلى محرّم الأكل أيضا أم لا ربما يقال بالثاني لقولهم: سيد الصيد الأسد و للتعبيرات الواقعة في كلمات الأدباء نثرا و نظما سيّما ما وقع في كلام سيّدهم عليّ أمير المؤمنين- عليه أفضل صلوات المصلين- من قوله- على ما نسب اليه-: صيد الملوك ثعالب و أرانب .. و إذا ركبت فصيدي الابطال.

و أنت خبير بان الاستعمال أعم من الحقيقة و أصالة الحقيقة لا اثر لها إلّا في استكشاف المراد لا في كيفية الاستعمال بعد وضوح المراد مع انه يحتمل في كلام المولى- ع- ان يكون المراد بالثعالب و الأرانب هو الرجال غير الابطال الذين فيهم خصيصة الثعالب و الأرانب لا ما هو مفاد العنوانين حقيقة و تؤيده قرينة المقابلة فتدبر و ظهور كون الصيد الواقعي للملوك هو الظبي و مثله من الحيوانات المحلّلة نوعا لا مثل الثعالب و الأرانب إلّا نادرا و ان كان يمكن ان يقال بان مراده- ع- عدم اطلاع الملوك على فنّ الاصطياد أيضا.

الأمر الثاني: الآيتان الواردتان في أصل مسألة الصيد المتقدمتان في أول بحثه فنقول:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 327

..........

______________________________

اما الآية الثانية و هي قوله تعالى وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً فربما يقال باختصاص الصيد الواقع فيه بالحيوان المحلّل لان الحيوان المحرم لا تختص حرمته بحال الإحرام لأن ما لا يؤكل لحمه يحرم اكله مطلقا في حال الإحرام و عدمه مع ان ظاهرها الاختصاص بحال الإحرام فلا بد من الالتزام

بالاختصاص بالمحلّل.

و أورد عليه بعض الاعلام- قدّس سرّه الشريف- بان الصيد المذكور في الآية أريد به معناه المصدري و هو اصطياد الحيوان و الاستيلاء عليه لا الحيوان المصيد مستشهدا على ذلك بصدر الآية الشريفة أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ فإن المراد من الصيد فيه هو الاصطياد لانه لو كان المراد به هو المصيد لم يكن مجال لذكر قوله تعالى وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ فمعنى الآية، ان الاصطياد من البحر حلال مطلقا و الاصطياد من البرّ حرام في خصوص حال الإحرام و امّا في غيره فلا حرمة للاصطياد.

و الجواب عنه- مضافا الى ان قوله تعالى في الآية السابقة على هذه الآية:

«لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ ..» لا خفاء في كون المراد من الصيد الواقع فيه هو المصيد كما هو واضح و الظاهر اتحاد المراد من الصيد في الآيتين- ان لازم ما افاده كون مفاد الآية بيان الحكم في جانب الحلّية بالإضافة إلى الاصطياد و الانتفاع بالحيوان المصطاد معا و في جانب الحرمة بيان الحكم بالنسبة إلى الاصطياد فقط مع ان الغرض المهم في باب الصيد هي الاستفادة من الحيوان المصيد و من الواضح انه لا ملازمة بين حرمة الاصطياد و بين حرمة الأكل و حرمة الاصطياد لا تنافي ذكر اسم اللّٰه المعتبر في التذكية كتذكية الحيوان المغصوب فإنّه مع كونه محرمة لا تنافي صحة التذكية المؤثرة في حلية الأكل و الطهارة و غيرهما و عليه فالظاهر ان المراد بالصيد في صدر الآية هو المصيد أيضا غاية الأمر ان تعلق الحل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 328

..........

______________________________

و الحرمة بالذوات ظاهر في تعلق الحكمين بجميع الأفعال

المتعلقة بهما و لا ينافي ذلك خروج بعضها لدليل فالمراد من طعام البحر هو صيده أيضا.

لكن المراجعة إلى التفاسير ترشدنا الى ثبوت المغايرة بين الصيد و الطعام بعد اتّفاقها جلّا في كون المراد من الصيد هو المصيد قال القرطبي في تفسيره الكبير الموضوع للجهات الفقهية القرآنية المسمّى ب «الجامع لأحكام القرآن» بعد تفسير صيد البحر بكل ما صيد من حيتانه و ان الصيد يراد به المصيد: «هو- يعنى الطعام- عبارة عما قذف به البحر و طفا عليه، أسند الدار قطني عن ابن عباس في قول اللّٰه- عزّ و جلّ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ- الآية- صيده ما صيد و طعامه ما لفظ (البحر) و روى عن أبي هريرة مثله و هو قول جماعة كثيرة من الصحابة و التابعين، و روى عن ابن عبّاس طعامه ميتته و هو في ذلك المعنى و روى عنه انه قال: طعامه ما ملّح منه و بقي و قاله معه جماعة، و قال قوم طعامه ملحه الذي ينعقد من مائه و سائر ما فيه من نبات و غيره».

و شبيه هذا ما ذكره الطبرسي في مجمع البيان من دون ان يكون احتمال كون الصيد بمعنى الاصطياد منقولا فيه عن أحد من مفسّري الفريقين نعم لا مجال لاحتمال كون المراد من الطعام هي ميتة البحر على مذاق أصحابنا الإمامية.

و في تفسير العيّاشي عن زيد الشحام عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن قول اللّٰه أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ قال: هي الحيتان، المالح و ما تزودت منه أيضا و ان لم يكن مالحا فهو طعام.

و يدلّ أيضا على ان المراد بالصيد

في قوله تعالى أُحِلَّ .. هو المصيد لا الصيد بالمعنى المصدري انّ الظاهر كون قوله مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ ناظر إلى إحلال الصيد و الطعام معا لا الى خصوص الطعام و من الواضح انه لا ملاءمة بين حلية الصيد بالمعنى المصدري و بين قوله متاعا بل الظاهر ان قوله مَتٰاعاً لَكُمْ ناظر الى الصيد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 329

..........

______________________________

الذي يكون المراد منه هو الطّري الذي لا يكون صالحا للإبقاء من دون علاج و قوله لِلسَّيّٰارَةِ ناظر الى الطعام الذي يكون فيه صلاحية البقاء لأجل كونه مملوحا و عليه فلا مجال لدعوى كون المراد من الصيد في مورد الحلية هو الاصطياد و مقتضى وحدة السياق كون المراد من الصيد في قوله وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ .. أيضا ذلك و مقتضى تخصيص التحريم بحال الإحرام كون المراد هو الذي يكون محلّل الأكل و الّا لا يبقى فرق بين المحرم و المحلّ بعد كون الغرض المهم في باب الصيد هي الاستفادة من لحمه فلا دلالة للآية على أزيد من تحريم صيد الحيوان البرّي المحلّل نعم لا دلالة لها أيضا على عدم تحريم غيره بل هي ساكتة عن ذلك و لا بد في استفادة التحريم من الاستناد الى دليل آخر.

و امّا الآية السابقة على هذه الآية و هي قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ الى قوله:

وَ مَنْ عٰادَ فَيَنْتَقِمُ اللّٰهُ مِنْهُ وَ اللّٰهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقٰامٍ. فالمستفاد منه بعد وضوح كون الصيد فيه بمعنى المصيد ان حرمة القتل تختص بما كان فيه جزاء و

كفارة خصوصا بعد كون الجزاء مثل المقتول في القيمة و المالية لا المثل المقابل للقيمي و من الواضح انّ محرم الأكل لا كفارة فيه غير الموارد المنصوص عليها التي ذكرها في المستند في العبارة المتقدمة مع ان محرّم الأكل لا قيمة له و لا مالية فما لا كفارة فيه لا يحرم قتله و ما لا يحرم قتله لا يحرم صيده مطلقا.

و أورد عليه بمنع الملازمة بين حرمة القتل و ثبوت الكفارة و الآية صريحة في حرمة الإعادة و الانتقام منه الظاهر في عدم ثبوت الكفارة عليه كما وقع التصريح به في النصوص.

و الجواب ان الملازمة و ان كانت ممنوعة كما أفيد الّا ان ظهور الآية في الملازمة بين الحرمة و الكفارة في ابتداء القتل دون الإعادة لا مجال لإنكاره بمعنى ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 330

..........

______________________________

المستفاد من الآية الحرمة في مورد ثبوت الكفارة لا بمعنى دلالتها على عدمها عند عدم الكفارة بل بمعنى كونها ساكتة عن مورد عدم ثبوت الكفارة و انه لا يستفاد منها أزيد من الحرمة في مورد ثبوتها كما لا يخفى فهذه الآية أيضا لا تدل على عموم الحرمة للحيوان المحرم.

نعم ربما يستدل عليه ببعض الرّوايات و هي رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال: ثم اتّق قتل الدوابّ كلها إلّا الأفعى و العقرب و الفأرة، فأمّا الفأرة فإنّها توهي السقاء و تضرم على أهل البيت، و امّا العقرب فانّ رسول اللّٰه- ص- مدّ يده الى الحجر فلسعته فقال: لعنك اللّٰه لا برّا تدعينه و لا فاجرا، و الحيّة إن أرادتك فاقتلها و ان لم تردك فلا تردها و

الأسود الغدر فاقتله على كل حال و لدم الغراب و الحدأة رميا على ظهر بعيرك «1».

و لكنها- مضافا الى ان مقتضى عمومها لزوم اتقاء قتل الحيوانات الأهليّة المحللة الأكل مع انه لا إشكال في جوازه على المحرم و ان كان في الحرم كما إذا تصدى بنفسه لذبح الهدي يوم النحر بمنى مع عدم خروجه عن الإحرام بعد و الى انّ مدلولها ليس هي الحرمة بعنوان الصيد لعدم اشعار فيها به و ان كان يمكن ان يقال بأنه لا ينطبق عليه غير عنوان الصيد من العناوين المحرّمة في باب الإحرام- لا تنطبق على المدعى فإنه عبارة عن حرمة صيد المحرّم كالمحلّل بحيث كان متعلق الحرمة أعم من الاصطياد و الأكل و الدلالة و الإشارة و الاغلاق و غيرها و لا دلالة لهذه الرواية على أزيد من حرمة القتل و دلالة الآية المتعرضة لحرمة قتل الصيد على حرمة غيره من الأفعال انّما هي بمعونة النصوص و الروايات أو بقرينة الآية اللاحقة الظاهرة في تعلق الحرمة بالصيد بمعنى المصيد و الّا فالآية أيضا بمجرّدها

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الواحد و الثمانون ح- 2 و في التهذيب: و تضرم على أهل البيت البيت.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 331

..........

______________________________

لا تدل على أزيد من حرمة قتل الصيد و كيف كان فالرواية أيضا لا تنطبق على المقام.

لكن هنا أمر ينبغي التنبيه عليه و هو انه احتاط في المتن وجوبا ترك قتل الزنبور و النحل إذا لم يقصدا إيذائه و كان مأمونا من اذيهما مع انه يرد عليه انّ الزنبور ان كان من مصاديق الصيد الذي يكون محرّما على المحرم فلم اختص الاحتياط الوجوبي بترك

قتله دون مثل أخذه و الاستيلاء عليه و الاستفادة منه خصوصا في النحل الذي يكون المقصود منه غالبا هو العسل الذي يصنعه و ان لم يكن من مصاديق الصّيد المزبور فلا ارتباط له بمسألة الصيد حتى يذكر عقيبه مع انّ منشأ الاحتياط المذكور وجود رواية صحيحة في مورد قتل الزنبور الدالة على ثبوت الكفارة في تعمد قتله الملازمة لثبوت الحرمة و سيأتي التعرض لها إن شاء اللّٰه تعالى غاية الأمر عدم ثبوت الفتوى على طبقها مع ان هنا روايات تدل على عدم جواز قتل السّباع كلها في حال الإحرام مع عدم الخوف و الخشية منها و قد افتى الفقهاء على طبقها فلم لم يتعرض في المتن له و ان كان يرد على الفقهاء أيضا ان حرمة قتل السباع في الصورة المذكورة ان كانت مرتبطة بالصيد فلم لم يتعرضوا له في باب الصيد بل تعرضوا له في باب الكفارات و ان لم تكن مرتبطة بالصيد كما يؤيّده ما حكى عن الأكثر على ما عن المفاتيح من تخصيص الصيد المحرم بمحلّل الأكل و ما جعلوه عنوانا للمحرم في السباع من خصوص القتل فلم لم يجعلوها في عداد حرمة سائر محرمات الإحرام مع تعرضهم لما هو أدون منه كما لا يخفى.

و كيف كان فيدل على حرمة قتل الزنبور مطلقا صحيحة معاوية عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن محرم قتل زنبورا قال ان كان خطأ فليس عليه شي ء، قلت لا بل متعمّدا قال يطعم شيئا من طعام، قلت انه أرادني، قال: كل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 332

..........

______________________________

شي ء أرادك فاقتله «1».

و تؤيدها روايتا غياث بن إبراهيم عن أبيه «2» و

وهب بن وهب «3».

و امّا السباع فالكلام فيه هنا من جهة الحكم التكليفي و هو الجواز و عدمه و امّا من جهة الحكم الوضعي و هو ثبوت الكفارة و عدمه فموكول الى محلّ آخر فنقول امّا من جهة الفتاوى فظاهر الجواهر انه لا خلاف في الحرمة الّا من صاحب الرياض حيث اختار الكراهة بناء على عدم ثبوت الكفارة فيه.

و امّا من جهة النص فمقتضى الروايات المتعددة الحرمة و لا داعي إلى حملها على الكراهة بعد عدم ثبوت الاعراض عنها بل الفتوى على طبقها كما حكى عن بعضهم صريحا.

منها: رواية معاوية بن عمار المتقدمة الظاهرة في وجوب اتّقاء قتل الدواب كلها الّا ما استثنى من العناوين الثلاثة معلّلا لاستثناء الفأرة بأنّها توهي السقاء و تضرم على أهل البيت و المراد منه كما في شرح التهذيب المسمّى ب «ملاذ الأخيار» انّها تخرقه أو تحلّ رباطه فيذهب ما فيه ثم حكى عن القاموس: الوهي الشق في الشي ء و هي كوعى و ولى تخرق و انشق و استرخى رباطه ثم قال و الاضرام على أهل البيت لأنّها تجرّ الفتيلة الى جحرها فتحرق البيت.

قلت: يحتمل ان تكون هذه الجملة كناية عن الخسارة الكثيرة المتوجهة الى البيت و اهله من جهة الفأرة لا معناها الحقيقي فتدبر.

و امّا قوله: الى الحجر في تعليل استثناء العقرب فقد ذكر في الشرح ان المراد هو الحجر الأسود للاستلام ثم قال: و في بعض النسخ بتقديم الجيم و هو تصحيف

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الواحد و الثمانون ح- 9.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الواحد و الثمانون ح- 8.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الواحد و الثمانون ح- 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الحج، ج 3، ص: 333

..........

______________________________

و الحدأة كعنبة طائر معروف و الجمع حداء و حدا قاله في القاموس- و الظاهر انه الذي يسمّى في الفارسية ب «زغن»- و المراد من الأسود هو الحية العظيمة.

و كيف كان فلا شبهة في ان مقتضى عموم الرواية لزوم الاجتناب عن قتل السّباع ماشية و طائرة و خروج مثل الحيوانات الأهلية لا يقدح في لزوم العمل بالعموم في موارد عدم ثبوت الدليل على التخصيص نعم لا مجال لدعوى إلغاء الخصوصية من عنوان «القتل» المأخوذ في الرّواية و عليه فلا دلالة لها على حرمة أخذ السباع و الاستيلاء عليها في المواضع المعدّة لحفظها لمشاهدة الناس ايّاها- مثلا.

و منها: رواية حريز عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: كلّ ما يخاف المحرم على نفسه من السّباع و الحيّات و غيرها فليقتله و ان لم يردك فلا ترده «1». و الأمر بالقتل في الصورة الاولى و ان كان يمكن المناقشة في دلالته على الوجوب لكونه في مقام توهم الحظر الّا ان النهي عنه في الصورة الثانية لا مجال لرفع اليد عن ظهوره في الحرمة إلّا أن الاشكال في سند الرواية حيث انّه رواها الشيخ مسندة، صحيحة، عن حريز عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- و رواها الكليني عن حريز عمّن أخبره و لو لا كان الراوي شخصا واحدا لقلنا بأنه لا منافاة بين الطريقين و لا مجال لرفع اليد عن السند الصحيح الّا انه مع وحدة الراوي و هو حريز لا يبقي مجال لاحتمال التعدد خصوصا مع كون الراوي عن حريز في كلا الطريقين هو حمّاد حيث ان الكليني أضبط في نقل الرواية لتمحض فنّه فيه فالرواية مرسلة لا اعتبار بها أصلا.

و منها:

صحيحة عبد الرحمن العزرمي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- عن أبيه

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الواحد و الثمانون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 334

..........

______________________________

عن عليّ- عليهما السلام- قال: يقتل المحرم كلّما خشي على نفسه «1».

و على ما ذكرنا فاللازم الالتزام بحرمة قتل السباع على المحرم فيما إذا لم يخف على نفسه و إن لم تكن مرتبطة بمسألة الصيد.

الجهة السابعة: فيما يتعلق بصيد البحر و الكلام فيه في ضمن أمور:

الأمر الأوّل: انه لا شبهة في عدم حرمة صيد البحر على المحرم و في الجواهر: «بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه بل عن المنتهى دعوى إجماع المسلمين عليه و انه لا خلاف فيه بينهم».

و يدلّ عليه قبل الإجماع مجموع الآيتين الواردتين في الصيد فان قوله تعالى:

لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ و ان كان مطلقا شاملا لصيد البحر أيضا الّا ان قوله وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً قرينة على التقييد و اختصاص الأوّل بصيد البرّ لا لأجل ثبوت المفهوم بل لأجل كون الحكم المرتبط بالصيد الذي وقع التعرض له في الآيتين حكما واحدا فإضافة متعلقه الى البرّ تدل على كون الحكم محدودا بذلك نعم لا يلزم إثبات دلالة الآية على عدم حرمة غيره و ان كان قوله:

أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ .. مطلقا شاملا للمحرم و غيره و لا مجال لاحتمال كون قوله تعالى لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ قرينة على اختصاص الحلّية بغير المحرم.

و يؤيد ما ذكرنا استشهاد الامام- ع- بالآية على حلّية صيد البحر على المحرم و من الواضح ان مرجع الاستشهاد إلى إفادة الآية بنفسها لذلك لوضوح الفرق بين الاستشهاد و بين التفسير و

التبيين للآية و ان كان على خلاف ظاهرها.

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الواحد و الثمانون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 335

..........

______________________________

و الرّوايات الدالة على الحلية متعددة:

منها: رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: و اجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه و لا تأكل ممّا صاده غيرك و لا تشر اليه فيصيده «1».

و منها: رواية حريز عمن أخبره عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال لا بأس بأن يصيد المحرم السّمك و يأكل مالحه و طريّه و يتزود قال اللّٰه أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ قال مالحه الذي تأكلون و فصل ما بينهما، كل طير يكون في الإجام يبيض في البرّ و يفرخ في البر فهو من صيد البرّ، و ما كان من صيد البرّ يكون في البرّ و يبيض في البحر فهو من صيد البحر «2». و رواها الشيخ مسندة بطريق صحيح عن حريز و لكن عرفت انه مع وحدة الراوي تتردد الرواية بين الإرسال و غيرها و حيث ان الكليني أضبط فالرواية تكون مرسلة غير معتبرة.

و منها: صحيحة معاوية عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال:

و السّمك لا بأس بأكله طريّه و مالحه و يتزوّد قال اللّٰه تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ قال فليتخيّر الذين يأكلون و قال: فصلّ ما بينهما كل طير يكون في الإجام يبيض في البرّ و يفرخ في البرّ فهو من صيد البرّ، و ما كان من الطير يكون في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر «3».

و منها: رواية محمد بن مسلم عن أبي

جعفر- عليه السلام- قال: مرّ علىّ- صلوات اللّٰه عليه- على قوم يأكلون جرادا فقال سبحان اللّٰه و أنتم محرمون؟ فقالوا انّما هو من صيد البحر فقال لهم ارمسوه في الماء إذا «4». فإنّها تدل على مفروغية

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الأوّل ح- 5.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس ح- 3.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس ح- 1.

(4) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 336

..........

______________________________

عدم حرمة صيد البحر و ان إنكار الإمام- ع- بالنسبة إلى الجراد انّما هو من جهة عدم كونه من صيد البحر و الّا فالكبرى كانت مسلّمة.

و منها غير ذلك من الروايات الدالة على الحلية فلا شبهة في هذا الأمر.

و هنا فرعان: أحدهما: انه لو فرض ثبوت صنفين لنوع واحد يكون أحدهما بحريّا و الأخر برّيا يترتب على كل منهما حكمه فيحرم على المحرم صيد الثاني دون الأوّل و هذا كالجراد فان له صنفا بحريّا أيضا يسمّى بالخطّاف كما حكاه في كتاب «معجم الحيوان» للمعلوف عن الدميري و انّها سمكة ببحر سبتة لها جناحان على ظهرها أسودان تخرج من الماء و تطير في الهواء ثم تعود الى البحر و عن كتاب سلسلة التواريخ حيث قال: و ذكروا ان في ناحية البحر سمكا صغيرا طيّارا يطير على وجه الماء يسمّى جراد الماء ..

و الظاهر انه غير روبيان الذي عرّف بأنه برغوث البحر و كيف كان لا إشكال في أصل الحكم و ان الصنف البحري يجوز صيده للمحرم.

ثانيهما: انه لو كان حيوان ذا حياتين يعيش في البحر الذي يكون المراد به ما يعم النهر و يعيش في البر أيضا

كالبط فالظاهر جريان حكم صيد البرّ عليه و يدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- الجراد من البحر، و قال كل شي ء أصله في البحر و يكون في البرّ و البحر فلا ينبغي للمحرم ان يقتله، فان قتله فعليه الجزاء كما قال اللّٰه- عزّ و جلّ- «1».

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 337

..........

______________________________

الأمر الثاني: في المعيار و المناط في كون الصيد بحريّا فنقول قال المحقق في الشرائع بعد الحكم بأنه لا يحرم على المحرم صيد البحر: «و هو ما يبيض و يفرخ في الماء» و من الظاهر ان البيض و الفرخ منضمّا يكون من شئون الطير مع ان عمدة صيد البحر هو السمك و هو و ان كان يبيض الّا انه لا فرخ له فكيف يجعل المعيار في مطلق الصيد البحري ذلك نعم لا يرد هذا الاشكال على روايتي حريز و معاوية المتقدمتين فان صدرهما و ان كان متعرضا لحكم السمك و ان صيده حلال على المحرم و كذا اكله، مالحه و طريّه الّا ان مورد الذيل المتعرض لبيان الضابطة و هي ان يبيض و يفرخ في البحر أو في البرّ هو الطير، الذي يكون في الآجام و ان كان يرد عليهما انّ التعرض للضابطة بالإضافة إلى خصوص الطير الكذائي دون مطلق صيد البحر لا يرى له وجه الّا ان يقال بأنّ الضابطة انّما هي بالإضافة إلى الموارد المشكوكة و السمك الذي لا حياة له خارج الماء أصلا لا شبهة في كونه بحريّا بالمعنى الوسيع الشامل للبحر الذي أشرنا إليه آنفا.

و كيف كان فالإشكال على عبارة

الشرائع بحاله الّا ان يقال بان المراد من العبارة المذكورة هو المعنى الكنائي الذي يرجع الى ان توليد مثله يكون في البحر و ان لم يكن له فرخ كما في سائر التعبيرات الكنائية مثل زيد كثير الرماد أو مهزول الفصيل و مثلها هذا و امّا الرّوايات الواردة في هذا الأمر فعلى طائفتين:

الأولى: ما يدل على انّ المعيار في كل طير في الآجام هو ان يبيض و يفرخ في البحر و هي روايتا حريز و معاوية المتقدمتان.

الثانية: ما ورد في الجراد و هي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السلام- المتقدمة أيضا قال: مرّ على- صلوات اللّٰه عليه- على قوم يأكلون جرادا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 338

..........

______________________________

فقال: سبحان اللّٰه و أنتم محرمون فقالوا: انّما هو من صيد البحر فقال: لهم ارمسوه في الماء إذا «1».

فإنّ المستفاد من قول على- ع- ارمسوه .. انّ المعيار في الحيوان البحري هو التعيش في الماء و عدم هلاكه فيه و حيث انّ الجراد الذي كانوا يأكلونه في حال الإحرام لم يكن واجدا لهذه الخصوصيّة فلم يكن اكله حلالا في الحالة المزبورة.

و من المعلوم ان الجراد من الطيور فكلتا الطائفتين واردتان في الطير و لا اختلاف بينهما من هذه الجهة أصلا و كون المورد في الطائفة الاولى هو الطير الذي يكون في الآجام انّما هو بلحاظ وجود قسمين في الطير الكذائي لا بلحاظ خصوصية للكون في الآجام و امّا الصحيحة الأخرى لمعاوية بن عمار المتقدمة الواردة في الجراد و انه من البحر و كل شي ء أصله في البحر و يكون في البر و البحر، فلا ينبغي للمحرم ان يقتله فالظاهر انّ غرضها

افادة الحكم بالحرمة فيما يكون في البحر و البرّ معا من دون دلالة على بيان الضابطة و المعيار في البحرية و البرّية.

و كيف كان فقد ذكر بعض الاعلام- قده- انّ الرواية الأولى لمعاوية بن عمّار ليس كما نقلها صاحب الوسائل و التمييز بالفرخ و البيض في البحر أو البرّ غير موجود في كتاب التهذيب الذي هو مصدر الرّواية فالزيادة امّا اشتباه من صاحب الوسائل أو من النّساخ نعم هي مذكورة في رواية حريز المرسلة فإذا لم يثبت التمييز بالفرخ و البيض في البرّ أو البحر.

أقول: الأمر بالإضافة إلى رواية معاوية و ان كان كما افاده و قد نبّه على ذلك في حاشية الطبع الحديث من الوسائل و احتمل قويّا ان يكون الذيل من كلام المفيد- قده- الذي يكون التهذيب شرحا لمقنعته الّا ان رواية حريز التي اخترنا عدم

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 339

..........

______________________________

حجيّتها لترددها بين الإرسال و الاسناد رواها الصدوق أيضا مرسلا بالإرسال المعتبر عندنا على ما نبهنا عليه مرارا حيث قال بعد حكاية قول اللّٰه- عزّ و جلّ- أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ: «و قال الصادق- عليه السلام- هو مليحه الذي تأكلون و قال: فصّل ما بينهما كل طير يكون في الإجام يبيض في البرّ و يفرخ في البرّ فهو صيد البرّ، و ما كان من طير يكون في البرّ و يبيض في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر ..».

و عليه فحذف الرواية الدالّة على هذه الضابطة مستندا إلى الإرسال غير تام بل لا بد من ملاحظة الجمع بينها و بين

صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة الدالة على الضابطة الأخرى.

و قد جمع بينهما بما يلوح من كلام صاحب الجواهر و وقع التصريح به في تقريرات بعض الأعاظم- قده- بانّ مورد الضابطة الثانية المستفادة من صحيحة محمد بن مسلم هو الحيوان الذي لا يعيش إلّا في خصوص البحر أو البرّ فان كان لا يعيش إلّا في البحر فهو بحري و ان كان يعيش في البرّ فقط فهو برّي و مورد الضابطة الاولى هو الحيوان الذي يعيش في البر و البحر كليهما فالمرجع في إلحاق المشكوك بأحد الصنفين هذا الضابط.

هذا و لكن ذكر في الجواهر انّا لا نعرف من الطيور ما يبيض و يفرخ في نفس الماء فمن المحتمل الاكتفاء في كونه صيد بحر بالبيض و الفرخ في حوالي الماء أو في الآجام التي فيه أو نحو ذلك كما انه أفاد انه لم يجد المسألة منقحة في كلامهم.

و الذي يقوي في النظر انّ ثبوت ضابطة شرعية تعبديّة بالإضافة إلى عنواني:

صيد البحر و صيد البرّ و لو بالإضافة الى بعض مصاديقهما- على خلاف ما هو المتفاهم منهما عند العرف و اللغة- مستبعد جدّا فان عنوان الصيد عنوان معروف في العرف و كذا عنوان البحر و عنوان البرّ و اضافة الصيد إليهما لا توجب ثبوت معنى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 340

..........

______________________________

آخر غير ما يفهمه العرف منها و ليس العنوانان المأخوذان في الكتاب موضوعين للحلية و الحرمة مثل العناوين التي وقع البحث في علم الأصول في ثبوت الحقيقة الشرعية لها و عدمه فان المثبتين و النافين في ذلك البحث متفقون على ان المعنى المستعمل فيه لفظ «الصلاة» مثلا معنى مغاير للمعنى اللغوي غاية الأمر

ثبوت الاختلاف في كون الاستعمال فيه هل هو على نحو الحقيقة أو المجاز و الالتزام بثبوت مثله في المقام و لو بالإضافة الى بعض الافراد في غاية البعد خصوصا بعد وقوع العنوانين في القرآن المجيد و صدور الضابطة التعبدية بلسان الامام الصادق- ع- مع طول الزمان و بعد الفاصلة فلو كان المراد من العنوانين غير ما هو المتفاهم منهما عند العرف و لو بالإضافة الى بعض المصاديق لكان اللازم بيانه من أوّل الأمر مع كثرة الابتلاء بالحج و أهميّة الصيد المحرّم فيه و ابتلاء الحجّاج بمسألة الصيد لوقوع البحر قريبا من الجادّة خصوصا في طريق المدينة إلى مكة.

و يدل على ما ذكرنا ان قول على- ع- ارمسوه في الماء إذا في رواية محمد بن مسلم المتقدمة في مقام الجواب عن ادّعائهم كون الجراد صيد البحر ظاهر في ان الضابطة التي أفادها ضابطة عرفية و انه لا تعبّد في البين لان الاستدلال كالاستشهاد دليل على عدم ثبوت تعبد في هذه الجهة و لذا صاروا مفحمين بعد بيانه- ع- و لم يبق لهم مجال للاعتراض عليه لما رأوا من تمامية الضابطة و عدم انطباقها على الجراد الذي كانوا يأكلونه في حال الإحرام فالمستفاد من الصّحيحة انه لا ضابطة شرعية تعبدية في هذه الجهة بل صيد البحر عنوان يعرفه العرف غاية الأمر انه قد يغفل عن معناه العرفي و في هذا الحال يحتاج الى التنبيه عليه و التذكّر له كما في مورد الرواية. و عليه فيشكل الأمر بالنسبة إلى رواية حريز التي ظاهرها ثبوت ضابطة شرعية تعبديّة و ان حملناها على ان المراد بيان معنى عرفي بحيث كان مرجعه إلى الحكاية عما هو معنى العنوانين في العرف تخرج

الرواية عن الحجية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 341

..........

______________________________

و الاعتبار و لو فرض كونها مسندة بسند صحيح لعدم حجيّة خبر الثقة بل العادل في الموضوعات العرفية غير المستنبطة كما انه لا حجية لشهادته مع عدم التعدد على ما حققناه في محله و الذي تحصّل مما ذكرنا ان الأرجح في النظر ثبوت ضابطة واحدة مستفادة من الصحيحة و هي التعيش في الماء أو في خارجه و مع اجتماع كلا الأمرين يكون ملحقا بالبرّي في الحرمة لدلالة صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عليه.

الأمر الثالث: في حكم مورد للاشتباه و هو على قسمين فإن الشبهة قد تكون مفهومية و قد تكون مصداقية فالكلام يقع في موردين:

المورد الأوّل: الشبهة المفهومية التي معناها في المقام الشك في مفهوم صيد البحر و صيد البرّ و شموله بالنسبة الى بعض الموارد بعد وجود المصاديق المتيقنة لكل من العنوانين كالسّمك و الظبي- مثلا- و هذا من دون فرق بين القول بثبوت ضابطة تعبدية شرعية- كما عرفت انه مستبعد جدّا- و بين القول بان المراد من العنوانين هو معناهما العرفي و لكن شك في سعة دائرة ذلك المفهوم و ضيقها فنقول:

قد تقرر في الأصول انّ العام و كذا المطلق إذا خصص بمخصّص مجمل فان كان المخصص متّصلا يسري إجماله إلى العام من دون فرق بين ان يكون إجماله بالترديد بين المتبائنين أو بين الأقل و الأكثر و ان كان المخصص منفصلا ففي الدوران بين المتبائنين يسري إجماله إلى العام كما إذا ورد أكرم العلماء ثم ورد لا تكرم زيدا العالم و كان زيد المذكور مردّدا بين زيد بن عمرو و زيد بن بكر- مثلا- و في الدوران بين

الأقل و الأكثر كما إذا ورد دليل المخصص بصورة لا تكرم الفساق من العلماء و دار مفهوم الفسق بين الاختصاص بخصوص ارتكاب الكبيرة و بين الشمول لارتكاب الصغيرة أيضا وقع الاختلاف في سراية إجمال دليل المخصص الى العام و عدمها و نحن قد حققنا في محلّه عدم السراية الّا ان يكون لسان الدليل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 342

..........

______________________________

لسان الحكومة و النظر و الشرح كما إذا قال ان مرادي من أكرم العلماء هو خصوص غير الفاسقين منهم ففي هذه الصورة تتحقق السّراية المانعة من جواز التمسك بالعامّ و في غير هذا الصورة لا مانع من الرجوع اليه و التمسك به.

إذا عرفت ذلك فنقول ظاهر قوله تعالى لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ و ان كان هو الإطلاق لعدم تقييده بالبرّي الّا ان الآية الواقعة بعدها المتصلة بها و هو قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً هل تكون بمنزلة القرينة المتصلة الشارحة للآية السّابقة و ان الصيد إذا كان بحريّا فقد أحلّ لكم و إذا كان بريّا فهو محرم عليكم ما دمتم حرما فلا يكون في البين إطلاق و تقييد بل إجمال و تفصيل من دون وقوع فصل في البين فاللازم- ح- قصر النظر على الآية اللاحقة المشتملة على حكمين لعنوانين الحلية لصيد البحر مطلقا و الحرمة لصيد البرّ في حال الإحرام أو انه لا تكون كذلك بل هو بمنزلة دليل مقيد منفصل يجري فيه ما ذكرناه في المثال المتقدم و لازمة وجوب الرجوع الى إطلاق الآية السابقة الناهية في صورة الشبهة المفهومية و الحكم بحرمة

المورد المشكوك فيه وجهان.

و الظاهر هو الوجه الأوّل لأنه- مضافا الى ان تعاقب الآيتين ظاهر في اتصالهما و عدم وقوع فصل بينهما- انه على تقدير الوجه الأخر يشكل الأمر من جهة ان قوله تعالى وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً لا يصلح لتقييد الإطلاق في قوله تعالى لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ لعدم المنافاة بينهما بعد كونهما مثبتين و عدم ثبوت المفهوم للآية الثانية و عليه فالنسبة بين الآية السابقة و بين قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ .. تكون عموما من وجه لعدم اختصاص دليل الحلية بحال الإحرام و عدم اختصاص دليل الحرمة بصيد البحر فيقع التعارض في مادة الاجتماع و هو صيد البحر في حال الإحرام و عليه فلا يستفاد من الآية جواز صيد البحر في حال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 343

..........

______________________________

الإحرام مع ان الظاهر الذي يؤيده بعض الروايات المتقدمة التي وقع فيه الاستشهاد بالآية هو دلالتها على الجواز في المورد المذكور و هو لا ينطبق على الوجه الثاني و عليه فليس في الكتاب إطلاق حتى يجوز له الرجوع إليه في مورد الشك بل عنوانان أحدهما محكوم بالحلية و الأخر بالحرمة و لم يحرز شي ء منهما فلا مجال للرجوع إلى شي ء من الدليلين.

نعم يوجد في بعض الروايات المتقدمة في أصل البحث و هي حرمة الصيد على المحرم بعض المطلقات مثل صحيحة الحلبي المشتملة على قوله- ع-: لا تستحلّن شيئا من الصيد و أنت حرام .. فإنه مطلق شامل لصيد البحر و البرّ و يجب الرجوع إليه في مورد الشك بناء على ما هو مقتضى التحقيق.

ثمّ انه ربما يستدلّ على ثبوت الحرمة في مورد

الشك بوجهين آخرين:

إحديهما: ما هو المحكي عن المحقق النائيني- قده- من تأسيسه لقاعدة يكون المقام من مصاديقها و هو انه إذا كان هناك حكم إلزامي أعمّ من التكليفي أو الوضعي الذي يترتب عليه حكم إلزامي و كان في مقابله حكم ترخيصي معلق على أمر وجودي فإذا شك في ذلك الأمر الوجودي و لم يحرز عنوانه يؤخذ بذلك الحكم الإلزامي و الوجه في ذلك هو فهم العرف.

و لتلاميذه في توجيه الفهم العرفي وجهان مختلفان:

أحدهما: ما يظهر من بعض الأعاظم- قده- على ما في تقريرات بحثه من ان العرف يفهم الملازمة بين إنشاء الحكم المعلّق على الأمر الوجودي بعنوانه الواقعي و بين إنشاء الحكم الظاهري الذي هو ضدّ ذلك الحكم فيما إذا كان الأمر الوجودي مشكوكا فالحكم الأوّل مدلول مطابقي لدليل الترخيص و الحكم الثاني مدلول التزامي عرفيّ له.

ثانيهما: ما يظهر من بعض الاعلام- قده- على ما في تقريرات بحثه أيضا من ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 344

..........

______________________________

المتفاهم العرفي مدخلية الإحراز في الحكم بالجواز و انّه لا يترتب الحكم بالجواز ما لم يحرز الموضوع فإذا قال المولى لعبده لا تدخل عليّ أحدا إلّا أصدقائي لا يجوز له إدخال أحد على مولاه إلّا إذا أحرز كونه صديقا له و الّا فلا يجوز.

و الفرق بين الوجهين هو ظهور الوجه الأوّل في ثبوت أحكام ثلاثة اثنان منها واقعيان و الثالث حكم ظاهري مجعول للمولى في صورة الشك و عدم الإحراز و ظهور الوجه الثاني في عدم ثبوت الزائد على حكمين غاية الأمر مدخلية الإحراز في متعلق الحكم الثاني فالعنوان الوجودي لا يكون بنفسه مرخّصا فيه بل بضميمة الإحراز و بدونه لا يتحقق الترخيص

واقعا بل الحكم الثابت هو الحكم الإلزامي المجعول أوّلا من دون ان يكون في البين حكم ظاهري.

و قد رتّب المحقق المذكور على هذه القاعدة التي اسّسها فروعا كثيرة في أبواب الفقه:

منها: ما لو شك في ماء كونه كرّا أم لا فحكم بالنجاسة. و منها ما لو شك في كون اليد يد ضمان أم لا فحكم بالضمان، و منها ما لو شك في ماء أنه غسالة الاستنجاء أو غسالة سائر النجاسات فقد حكم بالنجاسة أيضا.

و عليه فمقتضى هذه القاعدة في المقام ثبوت الحرمة لأنّ إحلال صيد البحر في مقابل ما يدل على حرمة الصيد على المحرم لا بدّ في ثبوته من إحراز كونه صيد البحر و مع عدم الإحراز يترتب الحكم بالحرمة بأحد الوجهين المذكورين.

و الجواب: هو منع الكبرى و عدم ثبوت حكم العرف بشي ء من الوجهين فإن الملازمة بين الحكم الترخيصي المذكور الذي هو حكم واقعي في مقابل الحكم الواقعي الإلزامي و بين الحكم الظاهري الذي هو ضدّه في صورة الشك مما لم تثبت بوجه كما انّ حكم العرف بمدخلية الإحراز في متعلق الحكم الترخيصي مع انّ ظاهره كونه عنوانا وجوديّا واقعيا غير ثابت قطعا فلا مجال لهذه القاعدة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 345

..........

______________________________

خصوصا مع وجود قاعدة الطهارة و أصالة الحلية و البراءة في مقابلها كما في كثير من الموارد التي رتبها عليها في الفقه.

نعم ربما يجاب عنه في خصوص المقام بمنع الصغرى أيضا نظرا الى ان دليل الحرمة قد علق الحكم فيه أيضا على أمر وجودي و هو البريّة فيكون كلا الحكمين الحرمة و الحلية معلقين على أمر وجودي و عليه فكما لا يمكن الحكم بالحلّية إلا

بعد إحراز ذلك العنوان الوجودي كذلك الحكم بالحرمة أيضا لا يمكن الّا بعد إحراز العنوان الوجودي الذي يكون متعلقا له.

و يرد عليه- مضافا الى ان الظاهر لزوم إحراز العنوان في خصوص الحكم الترخيصي الواقع في مقابل الحكم الإلزامي لا لزوم إحراز العنوان في جميع الموارد فتدبر- ان الظاهر كما عرفت كون متعلق الحرمة في المقام هو نفس عنوان الصيد و ان كان هذا لا يظهر من الآيتين الواردتين في الصيد على ما تقدم وجهه الّا انه يكون في البين بعض الروايات الصحيحة الدالة على ذلك فالاستشكال عليه بمنع الصغرى في غير محلّه بل العمدة هي منع الكبرى.

الوجه الثاني: قاعدة المقتضى و المانع بتقريب أن الصيدية مقتضية للحرمة و البحرية مانعة عنها فإذا أحرز المقتضي لا يلزم في الحكم بوجود المقتضى (بالفتح) و ترتب الأثر من إحراز عدم المانع بل يكفي عدم العلم به و الشك في وجوده.

و الجواب عدم ثبوت هذه القاعدة بوجه في محلّ البحث عنها مضافا الى منع الصغرى لعدم الدليل على كون الصيدية مقتضية و الإطلاق و التقييد غير مسألة المقتضي و المانع كما هو ظاهر.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان الحكم في الشبهة المفهومية هي الحرمة التي هي مقتضى بعض الإطلاقات و لزوم الرجوع اليه على ما تقدم.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 346

..........

______________________________

المورد الثاني: الشبهة المصداقية التي مرجعها الى تردد الحيوان الخارجي بين كونه صيد البحر أو غيره و ظاهر الجواهر الحرمة مستندا الى مثل ما ذكرنا في الشبهة المفهومية من التمسك بالإطلاق مع انه غير خفي ان التمسك بالإطلاق في هذا المورد إنّما يبتنى على جواز التمسك بالعام أو المطلق في الشبهة

المصداقية للمخصص أو المقيد و هو و ان كان موردا للاختلاف الّا ان مقتضى التحقيق عدم الجواز كما قد قرّر في محلّه.

نعم القاعدة التي اسّسها المحقق النائيني- قده- و كذا قاعدة المقتضى و المانع المتقدمتان تشملان هذا المورد أيضا لكن عرفت عدم تماميتهما في المورد الأوّل أيضا.

و ما يختصّ به هذا المورد هو استصحاب عدم كون الحيوان المشكوك صيد البحر فان قلنا باعتباره كما اختاره المحقق الخراساني- قده- في مورد الشك في قرشية المرأة و عدمها و اختاره جماعة من المتأخرين عنه فاللازم هنا الأخذ به و إثبات عدم كونه صيد البحر فيترتب عليه الحرمة التي هي مقتضى الإطلاق و ان صار معنونا بعنوان غير المقيد و بنقيضه الذي هو عدم كونه صيد البحر. و ان لم نقل باعتباره كما حققناه في محلّه و نبهنا عليه في هذا الكتاب مرارا نظرا الى عدم تحقق وحدة القضيتين: المتيقنة و المشكوكة لان القضية المتيقنة هي السالبة بانتفاء الموضوع و القضية المشكوكة هي السالبة بانتفاء المحمول و لا مجال لدعوى وحدة السالبتين و لو بنظر العرف الذي يكون هو المعيار في تشخيص الوحدة و عدمها فاللازم بعد قصور اليد عن التمسك بالأدلة اللفظية و لو بمعونة الاستصحاب لعدم جريانه، الرجوع الى أصالة البراءة عن الحرمة و أصالة الحلية و الحكم بثبوتها في الشبهة المصداقية كما في سائر موارد الشبهات الموضوعية كالمايع المردد بين الخل و الخمر مع عدم ثبوت الحالة السابقة المتيقنة له و عليه فيفترق الموردان من جهة الحرمة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 347

..........

______________________________

و الحلية كما انهما يفترقان من جهة كون الحكم بالحرمة في المورد الأول مقتضى أصالة الإطلاق و

الحكم بالحلية في المورد الثاني مقتضى الأصل العملي.

الجهة الثامنة: لا شبهة في جواز ذبح الحيوانات الأهليّة غير الممتنعة بالأصالة الواقعة في مقابل الصيد للمحرم و لو كان في الحرم لأنّ مقتضى عموم قوله- ع- في بعض الروايات المعتبرة المتقدمة: اتّق قتل الدوابّ كلها إلّا الأمور الثلاثة المذكورة فيها: الأفعى و العقرب و الفأرة و ان كان لزوم اتقاء قتل الحيوانات الأهلية أيضا الّا انه لا شبهة في جوازه للنصوص الخاصة و للسيرة على ذبح الهدى أو نحره في منى قبل الخروج عن الإحرام المتحقق بالحلق أو التقصير بعده و للضابطة المستفادة من صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال المحرم يذبح ما حلّ للحلال في الحرم ان يذبحه و هو في الحلّ و الحرم جميعا «1». فإنه من الواضح جواز ذبح الحيوانات الأهلية للمحلّ في الحرم فيجوز للمحرم مطلقا و لو في الحلّ.

فرع: لو تردد حيوان بين كونه صيدا بريّا يحرم ذبحه و بين كونه حيوانا أهليّا يجوز ذبحه فاللازم الرجوع الى أصالة البراءة و أصالة الحلية بعد عدم جواز الرجوع الى الضابطة المستفادة من صحيحة حريز لانه شبهة مصداقية له و عدم جواز الرجوع الى العموم المذكور لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص فترجع الى الأصل العملي و هو ليس الّا مقتضيا للحلّية.

و لكنه ذكر بعض الاعلام- قده- انه يرجع الى الضابطة التي يدل عليها صحيحة حريز و هي ان كلّما جاز ذبحه للمحلّ في الحرم جاز ذبحه للمحرم في الحلّ

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثاني و الثمانون ح- 2 و الظاهر اتحادها مع الرواية الثالثة المذكورة فيها.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 348

..........

______________________________

و الحرم لان هذا الحيوان المشكوك المردّد بين الأهلي و الوحشي يجوز ذبحه للمحلّ في الحرم للبراءة فيجوز ذبحه للمحرم في الحلّ و الحرم للكلية المذكورة.

و يرد عليه- مضافا الى ان ظاهر الصحيحة كون المراد من الجواز للمحلّ في الحرم هو الجواز بعنوان الحكم الواقعي لا الأعم منه و من الحكم الظاهري كيف و لازمة الجواز للمحرم و لو مع عدم الشبهة له و ثبوت الشبهة للمحل و لا مجال للالتزام به فهل يحتمل الحكم بالجواز للمحرم مع العلم بعدم كونه أهليّا لأجل شك المحل و الحكم بالجواز عليه.

انّه لا حاجة الى ما افاده على فرض صحته لما عرفت من كون المرجع بعد عدم جواز الرجوع الى شي ء من الدليلين هو الأصل العملي و هو يقتضي الحلّية.

الجهة التاسعة: في انه هل العبرة في حرمة صيد البرّ على المحرم هي الحالة الأصليّة فلو تبدّل الامتناع و التوحش المأخوذ في مفهوم الصيد إلى الأهلية و عدم الامتناع كما في الظبي الذي صار أهليّا بالتربية و التمرين لا ينقلب الحكم إلى الحلية و كذا في جواز قتل الحيوان الأهلي للمحرم تكون العبرة بالحالة الأصليّة فلو صار متوحّشا لا ينقلب الى الحكم بالحرمة أو ان العبرة بالحالة الفعلية من الوحشية و الأهلية؟ المعروف و المشهور بقاء حكم الأصل و عدم التبدل لعدم خروج مثل الظبي بالأهلية عن عنوان الصيد بل المأخوذ في مفهومه الممتنع بالأصالة و كذا لا يصدق عنوانه على الإبل- مثلا- الذي صار وحشيّا بالعرض مع ان مقتضى إطلاق الأدلة الدالة على جواز ذبح الحيوانات الأهلية الجواز و لو مع عروض التوحش لها فهل يحتمل عدم جواز نحر الإبل الوحشي الذي أخذه و استولى عليه في منى

بعنوان الهدى فالظاهر انه لا يتحقق التبدل و انقلاب الحكم بوجه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 349

[الثاني: النساء وطءا و تقبيلا و لمسا و نظرا بشهوة]

اشارة

الثاني: النساء وطءا و تقبيلا و لمسا و نظرا بشهوة بل كل لذّة تمتع منها (1).

______________________________

ثم انه بقي في الصيد بعض أحكام أخر كما انه لم يقع التعرض في المتن لكفارات الصيد و قد عرفت في أوّل البحث انه عقد صاحب الوسائل فصلا خاصّا لكفارات الصيد و أورد فيه ما يتجاوز عن خمسين بابا و لعلّنا نتعرض لما بقي من احكام الصيد و لكفاراته في المحلّ المناسب له لو ساعدنا التوفيق إن شاء اللّٰه تعالى.

(1) في حرمة النساء في حال الإحرام جهات من الكلام:

الجهة الاولى: في الجماع و لا شبهة في حرمته في الإحرام بل هو أمر مقطوع به بين الأصحاب و الإجماع بقسميه عليه و الأصل في حرمته كالصيد هو الكتاب قال اللّٰه تعالى:

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ «1».

و الكلام في الآية يقع في مقامات:

المقام الأوّل: في معنى الرفث و المراد منه هو الجماع و يدل عليه مضافا الى انه معناه لغة و يؤيده قول صاحب مجمع البحرين فإنه بعد ان نسب الى القيل ان معناه هو الفحش من القول عند الجماع قال: و الأصحّ أنه الجماع و الى ان الظاهر كونه هو المراد من قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ «2». تفسير آية الحج بذلك في بعض الروايات الصّحيحة مثل صحيحة معاوية بن عمّار قال:

قال أبو عبد اللّٰه- ع- إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّٰه و ذكر اللّٰه و قلة الكلام الّا بخير فان تمام الحج و

العمرة ان يحفظ المرء لسانه الّا من خير كما قال اللّٰه- عزّ و جلّ-

______________________________

(1) سورة البقرة آية 197.

(2) سورة البقرة 178.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 350

..........

______________________________

فان اللّٰه يقول: فمن فرض فيهن الحجّ فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج فالرفث الجماع و الفسوق الكذب و السّباب و الجدال قول الرّجل لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه «1».

و صحيحة عليّ بن جعفر قال سألت أخي موسى- عليه السلام- عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو؟ و ما على من فعله؟ فقال الرفث جماع النساء، و الفسوق الكذب و المفاخرة، و الجدال قول الرجل: لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه قال فمن رفث فعليه بدنة ينحرها، و ان لم يجد فشاة و كفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله و هو محرم «2». قال في الجواهر بعد نقل الرواية: «و لعلّه سقط من الخبر شي ء كما احتمله في الوافي و عن قرب الاسناد للحميري: و كفارة الجدال و الفسوق شي ء يتصدق به فيمكن كون الساقط هنا «شي ء» و عن المنتقي انه تصحيف «يستغفر ربّه» و هو كما ترى».

و بالجملة لا شبهة في ان المراد بالرفث في آية الحج هو الجماع.

المقام الثاني: ان التعبير في الآية و ان كان بصورة الجملة الخبرية و بلسان «لا» النافية للجنس كقوله لا رجل في الدّار و لكن الظاهر انّ المراد به هو النهي و كون الآية في مقام بيان الحكم و قد تقرر في محلّه ان دلالة الجملة الخبرية الواقعة في مقام افادة البعث أو الزجر أقوى من دلالة صيغتي الأمر و النهي و عليه فالآية تدل على النهي عن

الرفث في الحج و عدم جوازه فيه و قد استظهر بعض مشايخ أساتيدنا من حديث نفي الضرر ذلك و ان المراد منه مجرد جعل حكم تحريمي اوّلي متعلق بالضرر و الضّرار و استشهد بهذه الآية التي لا محيص عن حملها على كون المراد منها ذلك و كيف كان لا شبهة أيضا في هذا المقام في ان المراد هو النهي و جعل الحكم

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثاني و الثلاثون ح- 1.

(2) أورد صدرها في الوسائل في أبواب تروك الإحرام الباب الثاني و الثلاثون ح- 4 و ذيلها في أبواب كفارات الاستمتاع باب 3 ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 351

..........

______________________________

خلافا لما ذكره القرطبي في تفسيره الكبير حيث قال: «قال ابن العربي المراد بقوله فَلٰا رَفَثَ نفيه مشروعا لا موجودا فانا نجد الرفث فيه و نشاهده و خبر اللّٰه سبحانه لا يجوز ان يقع بخلاف مخبره و انما يرجع النفي إلى وجوده مشروعا لا الى وجوده محسوسا الى ان قال: و هذه الدقيقة هي التي فاتت العلماء فقالوا ان الخبر يكون بمعنى النهي و ما وجد ذلك قطّ و لا يصح ان يوجد فإنهما مختلفان حقيقة و متضادان وصفا».

و يرد عليه- مضافا الى ان لازمة عدم صحة وقوع الجملة الفعلية الخبرية أيضا في مقام الإنشاء و افادة الحكم مع انه قد تقرّر في الأصول صحته و استعملت كذلك كثيرا في الروايات الواردة عن العترة الطاهرة- صلوات اللّٰه عليهم أجمعين- مثل يعيد و يغتسل و يتوضّأ و أشباهها و الى ان اختلاف الحقيقة و تضاد الخبر و الإنشاء وصفا لا يمنع عن استعمال أحدهما مكان الأخر مجازا أو كناية

فإنّ ماهية الأسد- مثلا- مختلفة مع ماهية الرجل الشجاع و بينهما التضاد بحسب الوصف مع ان استعمال الأوّل في الثاني استعارة صحيح مشتمل على اللطافة و الظرافة الخاصة- انّ نفي الفسوق مع عدم مشروعية في غير الحج أيضا ينفى حمل النفي على نفي المشروعية فلا محيص عن حمل الآية على ما ذكرنا و هذه دقيقة فاتت من صاحب التفسير و ان نسب فوتها الى العلماء.

المقام الثالث: انّ المدّعى في باب محرّمات الإحرام هي المحرمات التي يجب الاجتناب عنها على كل محرم سواء كان محرما بإحرام الحج أو بإحرام العمرة و سواء كانت العمرة عمرة التمتّع أو عمرة مفردة و ان كان بين المحرمات اختلاف من جهة ثبوت الكفارة و عدمه كما ان بينها فرقا من جهة إفساد الحج أو العمرة كما في الجماع في بعض صوره و عدم الإفساد بوجه، مع ان الآية بلحاظ التعبير بالحج فيها مكررا و كون الحج مذكورا في الكتاب في مقابل العمرة كقوله تعالى:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 352

..........

______________________________

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ و قوله تعالى فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا و غيرهما من الموارد و بلحاظ صدرها و هو قوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ مع ان الأشهر الخاصة مرتبطة بالحج لعدم اختصاص العمرة بشهر خاص و عليه فالآية لا تشمل العمرة المفردة و ان كان يمكن دعوى شمولها لعمرة التمتع لارتباطها بالحج و عدم صحة وقوعها في غير أشهر الحج الّا انّها لا تشمل العمرة المفردة غير المختصة بشهر خاص.

هذا و لكن يمكن استفادة العموم و ان الحكم مرتبط بالإحرام ايّ إحرام كان مضافا الى انه

أيضا مقطوع به بين الأصحاب من جملة من الروايات الواردة في الباب مثل:

صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في الرجل يقع على اهله بعد ما يعقد الإحرام و لم يلبّ قال: ليس عليه شي ء «1».

و مرسلة جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما- عليهما السلام- في رجل صلّى الظهر في مسجد الشجرة و عقد الإحرام ثم مسّ طيبا أو صاد صيدا أو واقع اهله قال ليس عليه شي ء ما لم يلبّ «2».

و صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل وقع على اهله فيما دون الفرج قال: عليه بدنة و ان كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه. الحديث «3». و ثبوت الكفارة في الأفعال التي لا يكون مضطرا إليها لضرورة كمرض و نحوه يستفاد منه الحرمة و يدل عليها بالملازمة كما أشرنا إليه مرارا كما ان الجواب قرينة على كون مورد السؤال هو حال الإحرام فتدبر.

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الحادي عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الحادي عشر ح- 2.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثاني عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 353

..........

______________________________

و صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في الرجل إذا تهيّأ للإحرام فله ان يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلبّ «1».

و مرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال الصادق- عليه السلام- ان وقعت على أهلك بعد ما تعقد الإحرام و قبل ان تلبّي فلا شي ء عليك الحديث «2».

و رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: سألته عن رجل باشر امرأته و هما

محرمان ما عليهما؟ فقال: ان كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدى جميعا و يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك و حتى يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، و ان كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء «3». و غير ذلك من الروايات و قد ورد في خصوص العمرة المفردة أيضا بعض الروايات مثل صحيحة بريد بن معاوية العجلي قال سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل اعتمر عمرة مفردة فغشي أهله قبل ان يفرغ من طوافه و سعيه قال عليه بدنة لفساد عمرته و عليه ان يقيم الى الشهر الآخر فيخرج الى بعض المواقيت فيحرم بعمرة «4». و غيرها من الروايات.

المقام الرّابع: الظاهر انه لا فرق في الجماع المحرّم حال الإحرام بين القبل و الدبر كما صرّح به في الجواهر و حكى انه لا خلاف فيه بل الإجماع بقسميه عليه و يدل عليه ان الجماع الذي هو معنى الرفث في الآية بمقتضى الروايات الصحيحة مطلق شامل للقبل و الدبر و لم يقع فيه التقييد بالأوّل و يؤيّده اشتراكهما في جلّ الاحكام و ثبوت الافتراق في بعض الموارد فقط.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الأوّل ح- 1.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الأوّل ح- 2.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الرابع ح- 1.

(4) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثاني عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 354

..........

______________________________

المقام الخامس: انه لا شبهة بمقتضى الآية و الرواية في ان الجماع مع الأهل الذي يكون حلالا في غير حال الإحرام محرّم في حال الإحرام و تكون حرمته من أحكام الإحرام و امّا الجماع المحرّم

مع قطع النظر عن الإحرام كالزنا بالأجنبيّة فهل تكون حرمته أيضا من أحكام الإحرام أم لا تكون له حرمة بهذا العنوان و لا تكون حرمته من أحكام الإحرام بوجه؟ ربما يقال بالثاني نظرا الى ان ما يكون محرّما في حدّ نفسه لا يمكن ان يصير محرّما أيضا بالحرمة الإحرامية لكون الحكم و هو الحرمة منتزعا عن إنشاء النسبة الذي لا يكون قابلا للشدة و الضعف حتى يقال بأشدية الحرمة في مجامعته مع الأجنبية في حال الإحرام من الحرمة المترتبة عليها في غير حال الإحرام.

و التحقيق ان يقال انه قد مرّ مرارا ان مثل النذر الذي يجب الوفاء به إذا تعلق بمستحب كصلاة الليل أو واجب كصلاة اليومية لا يوجب تعلّق حكمين وجوبين بمتعلق واحد بل متعلق الوجوب الجائي من قبل النذر عنوان الوفاء به و متعلق الاستحباب أو الوجوب صلاة الليل و صلاة الظهر- مثلا- و هما متغايران في عالم المفهومية الذي هو عالم تعلق الحكم و تحقق الوفاء بالصلاة و توقفه عليها لا يستلزم اتحاد متعلقي الحكمين ففي مثل النذر لا إشكال أصلا.

و امّا في مثل المقام الذي يكون العنوان المتعلق للحكمين واحدا و هو عنوان الرّفث فعلى ما حققناه في الأصول من ان العموم و الخصوص المطلق أيضا مثل العموم من وجه داخل في مسألة اجتماع الأمر و النهي لاختلافهما من جهة العنوانية فلا مانع في المقام ان يقال بان الرفث المنهي عنه في الآية بلسان نفى الجنس هو مطلق الرفث و طبيعته من دون قيد زائد و امّا المجامعة المنهي عنها في غير حال الإحرام هي المجامعة مع الأجنبيّة و لا مانع من ثبوت حكمين لاختلاف المتعلقين و لو بالإطلاق و التقييد

و عليه فمقتضى إطلاق الآية ثبوت حكم آخر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 355

..........

______________________________

و لازمة ان المجامعة مع الأجنبية في حال الإحرام تكون مخالفة لحكمين.

هذا و لكن الّذي يبعّد ما ذكر اشتمال الآية على النهى عن الفسوق في الحج أيضا مع ان حرمته مطلقة في غير حال الإحرام فكيف يجتمع حكمين مع عدم تعدد المتعلقين فانّ الفسوق- كما سيأتي- امّا بمعنى خصوص الكذب أو هو مع السباب أو المفاخرة التي ترجع الى السباب أيضا نعم فيه بعض الاحتمالات الضعيفة الأخر و لا يعقل تعلق حكمين بعنوان الكذب بعد عدم تحقق الاختلاف و لو بنحو الإطلاق و التقييد و عليه فاللازم حمل حرمة الفسوق في الآية على الشدة و التأكد في حال الإحرام و مقتضى وحدة السّياق حمل حرمة الرفث أيضا على ذلك.

هذا و لكن الظاهر انّ لزوم حمل حرمة الفسوق على ما ذكر لا يوجب حمل حرمة الرفث أيضا على ذلك بعد وجود الاختلاف في الرفث بين المتعلقين فان المجامعة مع الأجنبية المحرّمة في غير حال الإحرام أيضا تغاير مطلق المجامعة و لا مجال للحمل على التأكد.

و مما ذكرنا يظهر النظر فيما افاده بعض الأعاظم- قده- حيث انّه بعد حكمه باستحالة التأكد بناء على ما اختاره في معنى الحكم من انه هو إنشاء النّسبة كما أشرنا إليه آنفا، اختار في ذيل كلامه، انّ حرمة الرفث تاكيدية شاملة للمجامعة مع الأجنبية أيضا بقرينة حرمة الفسوق.

وجه النظر ان الأمر المستحيل لا يمكن ان يصار اليه بمجرد اقتضاء وحدة السياق له مع ان الوحدة ممنوعة أيضا لوجود الفرق بين الأمرين و المغايرة بين المتعلقين بالإطلاق و التقييد فان الممنوع في غير حال

الإحرام هو خصوص المجامعة مع الأجنبية غير المحللة و المحرم في حال الإحرام هو مطلق المجامعة و هذا المقدار يكفي في ثبوت الحكمين.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 356

..........

______________________________

المقام السادس: المشهور بل المدعى عليه الإجماع هو اختصاص الحكم بمجامعة النساء و لا يشمل وطي البهائم و ان كان محرّما في غير حال الإحرام أيضا و قد ورد تفسير الرفث في الآية في صحيحة علي بن جعفر- ع- المتقدمة بجماع النساء نعم ورد تفسيره في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة أيضا بمطلق الجماع و الظاهر لزوم حمل الثانية على الاولى و لا مجال لدعوي كونهما مثبتين و لا وجه لحمل المطلق على المقيد فيهما فان وقوع الصحيحتين في مقام التفسير و التحديد و بيان المراد من الآية الشريفة يوجب تحقق التهافت و التنافي المستلزم لحمل المطلق على المقيد و عليه فمقتضى القاعدة الحكم بالاختصاص بمجامعة النّساء و لا ينافي ما ذكرنا اضافة النساء الى الرفث في قوله تعالى. أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ نظرا إلى انه لو كان عنوان النساء مأخوذا في معنى الرفث لما كان وجه لذكر النّساء.

وجه عدم المنافاة أنّ ذكرهن انّما هو بلحاظ الإضافة إلى ضمير الجمع الموجب لاختصاص متعلق الحكم بخصوص المجامعة مع الأهل فإنه لو لم يقع التعرض لذلك لكان مقتضى الآية حلية مطلق الجماع في ليلة الصيام و لو مع غير الأهل و هذا لا يكون مرادا قطعا فلا محيص عن ذكرهن كذلك، ثم ان عدم شمول الحكم للمساحقة انما يكون بنحو أوضح لعدم كونها مصداقا للجماع بل هو عنوان آخر لا يشمله شي ء من الروايتين الواردتين في تفسير الآية.

المقام السّابع: انّه لا

شبهة في توقف حلّية الجماع في الحج و مثله من العمرة المفردة على طواف النساء بل هو من المقطوع به بين الأصحاب و طواف النساء و ان كان واجبا مستقلّا و لا يكون جزء للحج لانه يتحقق تماميته بالطواف و السعي بعد مناسك منى يوم النحر و عليه فالآية الدالة على حرمة الرفث في الحج لا يقتضي بقاء الحرمة بعد تماميّته و فرض عدم كون طواف النساء جزء له الّا ان عنوانه يدلّ على عدم حصول حلّية النساء قبله مضافا الى ما دل على ان تشريع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 357

..........

______________________________

طواف النساء منّة و عناية على الناس ليسوغ لهم الجماع و الى ما دلّ من الروايات الكثيرة على ثبوت الكفارة على من واقع قبل طواف النساء التي منها رواية خالد بيّاع القلانس قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل أتى اهله و عليه طواف النساء قال: عليه بدنة ثم جاءه آخر فقال عليك بقرة ثم جاءه آخر فقال:

عليك شاة فقلت بعد ما قاموا: أصلحك اللّٰه كيف قلت عليه بدنة فقال أنت موسر و عليك بدنة و على الوسط بقرة و على الفقير شاة» «1».

الجهة الثانية: في حرمة التقبيل حال الإحرام و الظاهر انه لا شبهة فيها في الجملة نصّا و فتوى إنّما الاشكال و الخلاف في انه هل يختص الحكم بالحرمة في التقبيل بما إذا كان بشهوة أو يعم ما إذا لم يكن بشهوة؟ ذكر في الجواهر ان صريح بعض و ظاهر آخر هو الثاني لكن المحكي عن الذخيرة انه استظهر الأول و تبعه في الرياض حاكيا له عن جماعة و اللازم ملاحظة الروايات في هذا

المجال فنقول:

منها: صحيحة مسمع أبي سيّار قال: قال لي أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- يا أبا سيّار انّ حال المحرم ضيّقة، ان قبّل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة، و ان قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر اللّٰه. و من مسّ امرأته و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، و ان مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي ء عليه «2».

و ظاهر الفقرة الاولى و ان كان هو ثبوت الكفارة على من قبّل امرأته على غير

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب العاشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثاني عشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 358

..........

______________________________

شهوة و لازمة ثبوت الحرمة له للملازمة التي أشرنا إليها مرارا الّا ان الظاهر انه لا يكون المراد بها هو التقبيل بغير شهوة و ذلك لان حملها على ظاهرها البدوي يقتضي ان لا تكون الرواية متعرضة لحكم الفرد الغالب من تقبيل الزوجة و هو التقبيل بشهوة من دون ان يتعقبه خروج المنيّ و هذا بخلاف الفرضين اللذين وقع التعرض لهما في الرواية و هما التقبيل من غير شهوة و التقبيل مع الشهوة و خروج المني بعده فإنهما من الموارد التي قلّما يتفق بالنسبة إلى الفرد الغالب المذكور و عليه فمن البعيد جدّا ان تكون الرواية متعرضة لحكم الفرضين المزبورين و لم يقع التعرض فيها لحكم الفرد الغالب خصوصا مع تعرضها في الذيل لحكم المسّ و الملازمة و النظر و ذلك يصير قرينة على ان المراد بالشهوة المضافة إليها لفظة «الغير» في الفقرة

الأولى هي الشهوة التي يتعقبها خروج المنيّ و لا أقل من ان يكون ما ذكر مانعا عن ثبوت الظهور لها في مطلق التقبيل أو خصوص التقبيل بغير أصل الشهوة.

و منها: رواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن- عليه السلام- قال سألته عن رجل قبّل امرأته و هو محرم قال: عليه بدنة و ان لم ينزل و ليس له ان يأكل منها «1».

و الرواية- مع كونها ضعيفة السند- لا دلالة لها على الإطلاق لأنه مضافا الى انه لا يبعد دعوى انصراف إطلاق تقبيل الزوجة إلى التقبيل مع شهوة يكون قوله- ع- في الجواب: و ان لم ينزل، شاهدا على كون المراد هو خصوص التقبيل بشهوة فتدبر.

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته قال: نعم يصلح عليها خمارها، و يصلح عليها ثوبها و محملها، قلت أ فيمسّها و هي محرمة؟ قال: نعم، قلت المحرم يضع يده بشهوة

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثامن عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 359

..........

______________________________

قال: يهريق دم شاة قلت فان قبّل قال هذا أشدّ ينحر بدنة «1».

و الظاهر ان المراد من السؤال الأخير هو التقبيل مع الشهوة لأنه مضافا الى ظهوره فيه على ما مرّ يكون الحكم بالأشدية في الجواب الموجبة للزوم نحر بدنة قرينة على كون المراد خصوص التقبيل بشهوة لأنه لا مجال لأشدية التقبيل من غير شهوة من وضع اليد مع الشهوة كما لا يخفى.

و منها: رواية العلاء بن الفضيل قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل و امرأة تمتّعا جميعا فقصّرت امرأته و لم

يقصّر فقبّلها قال: يهريق دما، و ان كانا لم يقصّرا جميعا فعلى كل واحد منهما ان يهريق دما «2».

و الرواية- مضافا الى ضعف سندها بمحمد بن سنان- لا إطلاق لها يشمل التقبيل من غير شهوة لما ذكرنا.

و منها: رواية الحسين بن حمّاد قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المحرم يقبّل امّه قال: لا بأس به، هذه قبلة رحمة، إنّما تكره قبلة الشهوة «3».

و حسين بن حمّاد من الموثقين بنحو العموم و عليه فالرواية معتبرة و قد استدل القائلون باختصاص التقبيل المحرّم في حال الإحرام بما إذا كان عن شهوة بهذه الرواية و الكلام في مفادها و مدلولها من جهات:

الاولى: الظاهر ان المراد بالكراهة المتعلقة بقبلة الشهوة هي الحرمة دون الكراهة الاصطلاحية الفقهية الواقعة في مقابل الحرمة.

الثانية: الظاهر ان المراد بقبلة الشهوة هي القبلة الناشئة عن الشهوة في مقابل

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع أورد صدرها في الباب السابع عشر ح- 2 و ذيلها في الباب الثامن عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثامن عشر ح- 6.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثامن عشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 360

..........

______________________________

قبلة الرحمة الناشئة عن محبة و عطوفة و لا مجال لما صنعه صاحب الجواهر- قده- من الحمل على إرادة: إنما يكره ما يحتمل الشهوة بخلاف الام و غيرها من المحارم، و مراده حمل الرواية على ان مراده تعلق القبلة بمن يجري في حقّها الشهوة نوعا و يحتملها كذلك من دون فرق بين ان تكون القبلة الخاصة الواقعة في حال الإحرام مع الشهوة أو بدونها.

و أنت خبير بوضوح فساد هذا الحمل و لا وجه لاحتماله أصلا فضلا

عن حمل الرواية عليه.

الثالثة: ان قوله: انما تكره .. في مقام بيان الضابطة و إفادة القاعدة خصوصا مع التصدير بكلمة الحصر فهل مورد هذه الضابطة خصوص الامّ التي هي مورد سؤال الرّواية أو يعم سائر المحارم النسبية كالأخت- مثلا- أو ان موردها مطلق التقبيل و لو كان الطرف هي الزوجة بل الأجنبية بل الغلام و الرجل إذا كان قبلتهما بشهوة؟ فيه وجوه و الظاهر هو الوجه الأخير لأنها كما تدلّ على ان مطلق قبلة الرحمة لا مانع منه في الإحرام كذلك تدلّ على حرمة كل قبلة وقعت بشهوة من دون فرق بين مواردها أصلا.

ثم انه لو فرض كون الروايات السّابقة على هذه الرواية دالّة على حرمة التقبيل مطلقا لكان مقتضى هذه الرّواية المشتملة على الضابطة المذكورة تقييد إطلاق تلك الروايات و الحكم باختصاص الحرمة بما إذا كان التقبيل عن شهوة كما هو ظاهر.

الرّابعة انّ مورد أكثر الروايات المتقدمة بل هذه الرواية أيضا هو تقبيل الرجل المرأة و امّا تقبيل المرأة المحرمة لزوجها- مثلا- فقد ذكر بعض الأعاظم- قده- على ما في تقريرات بحثه انه لا دليل على حرمته لان مورد النصوص هو تقبيل الرجل المحرم امرأته و لا وجه للتعدي عنه الى غيره الّا دعوى كون حرمة التقبيل من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 361

..........

______________________________

احكام المحرم مطلقا سواء كان رجلا أم امرأة لكن هذه الدعوى غير مسموعة لإناطتها بإلغاء خصوصية الرّجولية و هو موقوف على إحراز عدم دخل هذه الخصوصيّة، و كون الرجل مذكورا من باب المثال.

و أنت خبير بملاحظة ما ذكرنا ان تعميم الحكم للمرأة لا يتوقّف على إلغاء الخصوصيّة بوجه بل نفس هذه الضابطة المذكورة في رواية

حسين بن حمّاد تدل على انّ المحرّم على المحرم هو التقبيل بشهوة من دون فرق بين الرجل و المرأة بل قد عرفت شمولها لتقبيل الغلام و الرجل أيضا فلا مجال للترديد في الحكم.

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا ان حرمة القبلة بشهوة من أحكام الإحرام و لا فرق بين مواردها و بين الرجل و المرأة.

الجهة الثالثة: في حرمة مسّ المرأة و لمسها إذا كان بشهوة من دون فرق بين ان يتعقبه خروج المني و بين ما إذا لم يتعقبه الخروج و يدل على ذلك روايات متعددة:

منها: ذيل صحيحة مسمع أبي سيار المتقدمة في الجهة الثانية «1» المشتملة على التفصيل صريحا بين المس بشهوة و ثبوت دم شاة فيه و بين المس و الملازمة من دون شهوة و انه لا شي ء عليه.

و منها: صحيحة سعيد الأعرج انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن الرجل ينزل المرأة من المحمل فيضمّها اليه و هو محرم فقال: لا بأس الّا ان يتعمّد و هو أحق ان ينزلها من غيره «2». و الظاهر ان المراد من التعمد هو كون الضم مطلوبا له في

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثاني عشر ح- 3.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 362

..........

______________________________

نفسه لأجل اللذة و التمتع لا لأجل الإنزال من المحمل.

و منها: صحيحة الحلبي المتقدمة في الجهة الثانية «1» المشتملة على التفصيل في وضع اليد على المرأة بين ما إذا لم يكن بشهوة فلا شي ء عليه و بين ما إذا كان بشهوة فيهريق دم شاة و من المعلوم ان وضع اليد من مصاديق المسّ و اللمس و

لا خصوصية فيه بوجه.

و منها: صحيحة أخرى للحلبي قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- المحرم يضع يده على امرأته قال لا بأس، قلت فينزلها من المحمل و يضمّها اليه قال لا بأس، قلت فإنه أراد ان ينزلها من المحمل فلما ضمّها إليه أدركته الشهوة قال ليس عليه شي ء الّا ان يكون طلب ذلك «2».

و الظاهر اتحادها مع الرواية السابقة و عدم كونها رواية واحدة بعد كون السائل هو الحلبي و السؤال الأوّل عن وضع المحرم يده على امرأته غاية الأمر ان الراوي عن الحلبي في الرواية السّابقة هو الحماد و في هذه الرواية هو عبد اللّٰه بن مسكان و هو لا يوجب تعدد الرواية كما ان عدم اشتمال الاولى على السؤال على إنزالها من المحمل لا يوجب ذلك فتدبر.

ثم انّ مقتضى إطلاق هذه الروايات انه لا فرق في حرمة المس بشهوة بين صورة إنزال المني و صورة عدمه لكن هنا رواية ربما يتوهم دلالتها على الاختصاص بصورة الانزال و هي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن محرم نظر الى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم قال لا شي ء عليه و لكن ليغتسل و يستغفر ربّه، و ان حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى و هو محرم فلا شي ء

______________________________

(1) وسائل قد عرفت انه أورد صدرها في الباب السابع عشر من أبواب كفارات الاستمتاع ح- 2 و ذيلها في الباب الثامن عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 363

..........

______________________________

عليه، و ان حملها أو مسّها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم شاة،

و قال في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزّلها بشهوة حتى ينزل قال عليه بدنة «1». فان قوله- ع- و ان حملها أو مسّها بشهوة فأمنى .. و ان كان ظاهره بدوا مدخليّة الأمناء زائدا على الشهوة في حرمة المسّ و الحمل الّا ان التأمّل يقضي بعدم المدخلية أصلا بل الملاك هو مجرد كون اللمس بشهوة لوجهين: أحدهما عطف الإمذاء على الأمناء لان الإمذاء لا يترتب عليه أثر أصلا فهو قرينة على عدم مدخلية الأمناء أيضا. ثانيهما قوله- ع- بعد ذلك في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزلها بشهوة حتّى ينزل .. فان ظاهر الانزال فيه هو إنزال المني لأنه المنصرف اليه من إطلاق لفظ «الانزال» و عليه فمقتضى ثبوت البدنة و أشدية الحكم بالإضافة إلى لزوم دم شاة مع اشتراك الفقرتين في إنزال المرأة و حملها و اختصاص الفقرة الثانية بالنظر الذي هو أخف من المسّ، لا محالة عدم كون إنزال المني دخيلا في الفقرة الاولى و ثبوت المدخلية له في الفقرة الثانية الّا ان يقال ان التعبير بقوله: و قال، في الفقرة الأخيرة، لعلّه يكون قرينة على عدم صدورها متصلة بما قبلها و لكن الظاهر بعد هذا الاحتمال و الا يلزم ان تكون رواية أخرى مستقلة مع ان ظاهر الوسائل و غيرها العدم.

هذا و لو فرض ظهورها في مدخلية الأمناء لكن في مقابلها رواية صريحة في انه لا فرق بين صورة الأمناء و عدمها و هي رواية محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل حمل امرأته و هو محرم فأمنى أو أمذى قال ان كان حملها أو مسّها بشي ء من الشهوة فأمنى أو لم يمن، أمذى أو لم

يمذ فعليه دم يهريقه، فان حملها أو مسّها لغير شهوة فأمنى أو أمذى فليس عليه شي ء «2».

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 364

..........

______________________________

و قد رواها الشيخ بطريقين أحدهما صحيح و الأخر ضعيف باعتبار اشتماله على عليّ بن أبي حمزة البطائني الكذاب المعروف فهي قرينة على عدم مدخلية الأمناء في حرمة المس بشهوة و ان المناط نفس هذا العنوان. ثم انّ الظاهر بملاحظة روايات الباب انه لا دليل على حرمة مسّ المرأة الأجنبية بالحرمة الإحراميّة لورود الروايات في مسّ امرأته أو حملها أو ضمّها أو وضع اليد عليها و قول السائل في صحيحة الحلبي المتقدمة في مسألة التقبيل المحرم يضع يده بشهوة و ان كان ظاهره مطلقا الّا ان قوله في الصدر سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرئته قرينة على ان مورد هذا السؤال أيضا ذلك و مسّ المرأة الأجنبية و ان كان محرّما في غير حال الإحرام الّا ان الكلام في حرمته من حيث الإحرام و هنا محرمات كثيرة بل كبيرة لا ارتباط لها بالإحرام كالغيبة و شرب الخمر و مثلها كما ان الظاهر انه لا دليل على حرمة مسّ المرأة زوجها في حال الإحرام لورود الروايات في مسّ الرجل زوجته و لا دليل على التّسوية بينهما و قيام الدليل عليها في الجماع و التقبيل على ما عرفت لا يستلزم التساوي في المسّ و مثله مما اختص مورد دليله بعمل الرجل بالنسبة إلى زوجته.

الجهة الرابعة: في حرمة النظر و فيها أقوال ثلاثة الحرمة مطلقا من دون فرق بين

الشهوة و عدمها، و عدم الحرمة كذلك و التفصيل كما في المتن و قد صرّح به غير واحد منهم المحقق- قده- في الشرائع و ان قيل- كما في الجواهر- خلا كتب الشيخ و الأكثر عن تحريمه مطلقا اى التعرض لتحريمه و حكى القول الأوّل عن بعض و الثاني عن الصدوق و الميل اليه عن كشف اللثام.

و ربما استدل على التفصيل بوجوه أشار إليها في الجواهر:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 365

..........

______________________________

منها: نصوص الدعاء عند التهيؤ للإحرام المشتملة على تحريم الاستمتاع عليه بالنساء مثل صحيحة معاوية بن عمار «1» المشتملة على قوله: أحرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي و عظامي و مخّي و عصبي من النساء و الثياب و الطيب.

و قد اعتمد على هذا الوجه بعض الاعلام- قده- و استند اليه في حرمة تقبيل الزوجة عن شهوة نظرا الى ان المستفاد من هذه الكلمات حرمة مطلق الاستمتاع بجميع أعضائه و عدم اختصاصها بالعضو الخاص فجميع ما يستمتع به حرام لا خصوص الجماع ببعض الأعضاء و لكن يرد على هذا الوجه ان مثل هذه الرواية ليس في مقام البيان من هذه الجهة بل في مقام بيان بعض المحرمات بنحو الإجمال من ناحية و بيان كون دائرة الإحرام أوسع من الأعضاء و الجوارح الظاهرة من ناحية أخرى و يؤيد بل يدل على ما ذكرنا مضافا الى ظهورها في نفسها في ذلك ذكر الثياب عطفا على النساء مع ان المحرم منها خصوص الثياب المخيطة لا جميع الأعمال المتعلّقة بها مثل بيعها و شرائها و تنظيفها بل خصوص لبسها و لعمري ان هذا من الوضوح بمكان.

و منها: فحوى ما دلّ من النصوص

على حرمة المسّ و الحمل إذا كان بشهوة لا بدونها.

و يرد عليه انه ان أراد الاستدلال لعدم الحرمة في صورة النظر لا بشهوة فلا مانع منه و لكنه بعض المدّعى، و ان أراد الاستدلال على الحرمة في صورة النظر فمن الواضح منع الفحوى لو كان المراد بها الأولوية و كذا لو كان المراد بها إلغاء الخصوصيّة لأنه لا مجال له أيضا نعم لو ثبت حرمة النظر بشهوة من دليل لأمكن استفادة حرمة مطلق الالتذاذ من النساء سواء كان بالجماع أو بالتقبيل أو

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب السادس عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 366

..........

______________________________

باللمس أو بالنظر أو بغيرها و امّا مع عدم قيام الدّليل على حرمة النظر كذلك فالاستفادة المذكورة ممنوعة جدّا و لو بالإضافة إلى خصوص النظر.

و منها: صحيحة مسمع أبي سيار المتقدمة المشتملة على قوله (ع) و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، و من مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي ء عليه «1».

و لكن حيث ان موردها النظر بشهوة المتعقب للإمناء بدون عطف الإمذاء عليه حتى يصير العطف قرينة على عدم مدخلية الأمناء فلا مجال للاستدلال به على حرمة النظر بشهوة مطلقا و لو لم يكن متعقّبا للإمناء الّا ان يقال بعدم الفصل بينهما في أصل الحرمة.

و منها: و هو العمدة صدر صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة أيضا و هو قوله:

سألته- يعني أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن محرم نظر الى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم قال لا شي ء عليه و لكن ليغتسل و يستغفر ربّه الحديث «2».

بتقريب ان عطف الإمذاء على الأمناء شاهد على عدم مدخليّة

الأمناء بوجه لعدم ترتب اثر على الإمذاء و عليه فاللازم ان يقال انّهما كاشفان عن كون النظر بشهوة لعدم تحقّقهما بدونها نعم يبقى الإشكال في الحكم بوجوب الاغتسال الشامل لصورة خروج المذي أيضا مع انه لا يكون المذي موجبا للاغتسال و يمكن حمله على الأعمّ من الوجوب و الاستحباب و كيف كان فالحكم بوجوب الاستغفار الكاشف عن ثبوت الذنب و المعصية دليل على حرمة النظر بشهوة سواء ترتب عليه خروج المنيّ أم لم يترتب و ما افاده بعض الاعلام- قده- من انه يظهر من

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 3.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 367

..........

______________________________

استعمال الاستغفار في القرآن و الروايات و الأدعية المأثورة عن الأئمة- ع- عدم اعتبار ارتكاب الذنب في الاستغفار بل يصحّ الاستغفار في كل مورد فيه حزازة و مرجوحيّة و ان لم تبلغ مرتبة الذنب و المعصية و لو بالإضافة إلى صدور ذلك من الأنبياء و الأئمة- ع- فإنهم ربما يرون الاشتغال بالمباحات و الأمور الدنيوية منقصة و يعدونه خطيئة و قد ورد الاستغفار في كثير من الآيات الكريمة في موارد لا يمكن فيها ارتكاب المعصية كقوله تعالى مخاطبا لنبيّه- ص- فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ اسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كٰانَ تَوّٰاباً ..

فيرد عليه ان استعمال الاستغفار في الكتاب و السنة في موارد عدم إمكان ارتكاب المعصية لوجود القرينة لا يدلّ على كونه كذلك مطلقا مع كون ظاهر عنوانه الكشف عن الذنب و المعصية.

و يؤيّده بل يدل عليه كون الاستغفار كفارة لبعض محرّمات الإحرام و عليه فلا مجال لرفع اليد عن ظاهر الرواية في ثبوت الحرمة

و كون الكفارة هي الاستغفار و هو بضميمة وجوب الاغتسال استدراك بالإضافة إلى قوله- ع- لا شي ء عليه و مرجعه إلى انه لا شي ء عليه سوى الاغتسال و الاستغفار.

و قد استدل للقول بالجواز مطلقا بموثقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في محرم نظر الى امرأته بشهوة فأمنى قال ليس عليه شي ء «1». و تقريب الاستدلال بها ان عدم ثبوت شي ء عليه مع وقوع الأمناء عقيب النظر بشهوة يدل على عدم ثبوت شي ء عليه مع عدم الأمناء بطريق أولى فالأولوية في جانب النفي متحقّقة و ان لم يكن لها مجال في صورة الإثبات كما هو ظاهر و ذكر صاحب الوسائل بعد نقل الرّواية انّ الشيخ حملها على السهو دون العمد و قد وصفها

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 368

..........

______________________________

صاحب الجواهر- قده- بأنّها قاصرة عن معارضة غيره من وجوه ثم ذكر ان نفي الشي ء عليه لا يدل على نفي الحرمة.

و استبعد بعض الاعلام- قده- حمل الشيخ- قده- بان الظاهر ان السؤال عن المحرم بما هو محرم و ملتفت إلى إحرامه لا ذات المحرم و شخصه كما انه أورد على صاحب الجواهر بانّا لا نعرف الوجوه التي كانت في نظره الشريف.

و يدفع الاستبعاد مضافا الى منع الظهور الذي أفاده، انه يمكن ان يكون مراد الشيخ هو نسيان حرمة النظر إلى الزوجة بشهوة فتدبر لا نسيان أصل الإحرام.

كما انّه أورد بعض الأعاظم- قده- على صاحب الجواهر بان قوله- ع-: لا شي ء عليه يفيد العموم لدلالة النكرة الواقعة في حيّز النفي على العموم و عليه فهو يدل على نفي الحكم التكليفي

و الوصفي معا و نفي أحدهما بقرينة في مقام لا دلالة له على عدم العموم في مورد آخر.

أقول: انّه حيث يكون المفروض في مورد الرّواية وقوع النظر الكذائي خارجا و محطّ نظر الرواية انّما هو بيان الوظيفة بعد الوقوع لا يبقى مجال لحمل قوله- ع- لا شي ء عليه، على العموم المشتمل على الحرمة التكليفية ضرورة ان الحرام بعد ارتكابه لا تبقى حرمته بالإضافة إلى المحرّم الذي ارتكبه نعم لو كان مورد الرواية عبارة عن المحرم الذي يريد ان ينظر كذلك لكان مقتضى العموم نفي الحكم التكليفي أيضا لكن موردها فرض الوقوع و التحقق فلا موقع للعموم- ح- نعم يمكن ان يقال ان مقتضى العموم نفي وجوب التوبة عليه بعده أيضا و عليه فبناء على القول بوجوب التوبة عقيب ارتكاب المعصية يكون نفي الوجوب كاشفا عن عدم تحققها فيستكشف عدم ثبوت الحرمة لكن ظاهر كلام بعض الأعاظم استفادة نفي الحرمة بلا واسطة لا معها كما لا يخفى هذا و لكن الجواب عن صاحب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 369

..........

______________________________

الجواهر- قده- انه لو كان مورد الرواية هو مجرد النظر بشهوة من دون مدخلية التعقب للإمناء لكان حمل قوله- ع- لا شي ء عليه على نفي الكفارة غير الملازم لنفي الحرمة لعدم ثبوت الكفارة في جميع محرمات الإحرام في محلّه و امّا مع فرض كون مورد الرواية هو النظر بشهوة المتعقب للإمناء كما هو ظاهرها فلا يبقى مجال للحمل على نفي الكفارة مع صراحة روايات متعددة في ثبوت الكفارة في نفس هذا الفرض ففي ذيل صحيحة معاوية بن عمّار التي استدل بها للمشهور قال في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزلها بشهوة حتى

ينزل قال عليه بدنة.

و في ذيل صحيحة مسمع المتقدمة أيضا و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، و عليه فكيف يمكن حمل الموثقة على نفي الكفارة نعم لو لم يكن موردها مشتملا على ذكر الأمناء و كان مقصورا على مجرد النظر بشهوة لكان مقتضى الجمع بين دليل المشهور و الموثقة حمل قوله: لا شي ء عليه، على عدم ثبوت الكفارة و حمل دليل المشهور على مجرّد الحرمة مع الالتزام بعدم كون الاستغفار المأمور به فيه مأخوذا بعنوان الكفّارة و الّا فلا يبقي مجال للجمع أيضا.

و مما ذكرنا ينقدح انه لا بد من الاعراض عن الرواية للتسالم على ثبوت الكفارة في موردها حتى الصدوق القائل بجواز النظر بشهوة لا ينفى ثبوت الكفارة نعم سيأتي في شرح المسألة الثالثة انه قد حكى عن المفيد و المرتضى إطلاق القول بعدم ثبوت الكفارة و لعلّهما استندا الى هذه الرّواية و لكن موافقة الشهرة الفتوائية لسائر الروايات توجب الأخذ بها و طرح هذه الرّواية فلا تصلح لمعارضتها بوجه.

و هنا رواية أخرى استدل بها أيضا للقول المزبور و هي صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن- عليه السلام- قال سألته عن رجل قال لامرأته أو لجاريته بعد ما حلق و لم يطف و لم يسع بين الصفا و المروة: اطرحي ثوبك و نظر الى فرجها، قال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 370

..........

______________________________

لا شي ء عليه إذا لم يكن غير النظر «1». و يجري ما ذكره صاحب الجواهر من حمل نفي الشي ء عليه على الكفارة من دون ان يرد عليه ما أوردناه عليه في حمل الموثقة و يمكن ان يقال بدلالته على جواز النظر مطلقا

و إطلاقه يقيد بما يدل على حرمته إذا كان بشهوة و دعوى كون النظر الى الفرج المذكور في الرواية ملازما للشهوة مدفوعة بمنع ذلك و عدم كون الغلبة موجبة للانصراف كما حقق في محلّه و عليه فاللازم هو الالتزام بما هو المشهور من الحكم بحرمة النظر إذا كان بشهوة دون ما إذا لم يكن كذلك هذا كلّه في النّظر بشهوة إلى الزوجة أو الأمة.

و امّا النظر بشهوة إلى غيرهما فقد ذكر صاحب المدارك في شرح عبارة الشرائع التي هي مطلقة خالية عن الإضافة إلى الزوجة كعبارة الماتن- قدس سره الشريف- ما هذا لفظه: «قال الشارح- يعني صاحب المسالك- قده- و لا فرق في ذلك- يعني تحريم النظر بشهوة- بين الزوجة و الأجنبيّة بالنّسبة إلى النظرة الاولى ان جوّزناها و الّا فالحكم مخصوص بالزوجة، و كان وجه الاختصاص عموم تحريم النظر إلى الأجنبيّة على هذا التقدير و عدم اختصاصه بحالة الشهوة و هو جيّد الّا ان ذلك لا ينافي اختصاص التحريم الإحرامي بما كان بالشهوة كما أطلقه المصنّف- رحمه اللّٰه-». و قد تبعه في عدم المنافاة المذكور في ذيل كلامه صاحب الجواهر- قده- و ان كان صاحبا كشف اللثام و الحدائق قد تبعا الشهيد في الإطلاق بالإضافة إلى الأجنبيّة و انه لا فرق في حرمة النظر إليها في حال الإحرام بين صورة كونه بشهوة و عدم كونه كذلك.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 371

..........

______________________________

أقول هنا مطلبان: أحدهما: ان المستفاد من هذه الكلمات و كذا صريح كلام الجواهر ان عدم الفرق بين الزوجة و الأمة و بين كل امرأة يجوز النظر إليها في

غير حال الإحرام كالأمة التي يريد ابتياعها و المرأة المخطوبة التي يريد تزويجها و الأجنبيّة بالإضافة إلى النظرة الأولى على تقدير جوازها أمر مسلّم و انّ الجميع مشترك في التفصيل الموجود في الزوجة بين صورة الشهوة و صورة عدمها من دون ترديد.

مع انك عرفت ان مورد الروايات امّا الزوجة أو هي مع الأمة المملوكة للمحرم و مجرد اشتراكهما مع المذكورات في جواز النظر في غير حال الإحرام لا يوجب الاشتراك في الحرمة الإحرامية فمن الممكن ان لا يكون النظر إلى الأجنبيّة في حال الإحرام محرّما من جهة الإحرام بوجه و ان كان محرّما في نفسه و لذا نقول حيث ان مورد الروايات الرجل المحرم الّذي ينظر الى زوجته أو أمته لا مجال لدعوى تعميم الحكم بالإضافة إلى المرأة المحرمة إذا نظرت الى زوجها بشهوة و كذا الأمة المحرمة إذا نظرت الى مولاها كذلك لعدم الدليل على إلغاء الخصوصية و عدم الإحاطة بالملاك أصلا و بالجملة فهذه الجهة التي هي كالمسلّمة بينهم لم ينهض عليها دليل أصلا.

ثانيهما: في الأجنبية التي لا يجوز النظر إليها في غير حال الإحرام من دون فرق بين ما إذا كان بشهوة و ما إذا لم يكن كذلك فهل الحرمة الإحراميّة المتعلّقة بالنظر إليها مختصة بما إذا كان بشهوة كالزوجة أو تعم صورة عدم الشهوة أيضا، و البحث فيها انّما هو بعد الفراغ عن ثبوت حرمة إحرامية بالإضافة إليها و ذلك لوجود بعض الروايات الدالة على ذلك و لولاها لكان مقتضى القاعدة نفى هذا الحكم رأسا لما عرفت في المطلب الأوّل و عليه فاللازم ملاحظتها من هذه الجهة فنقول:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 372

..........

______________________________

امّا الرّوايات فمنها:

موثقة أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- رجل محرم نظر الى ساق امرأة فأمنى فقال ان كان موسرا فعليه بدنة و ان كان وسطا فعليه بقرة، و ان كان فقيرا فعليه شاة ثم قال: اما انّى لم اجعل عليه هذا لأنّه أمنى إنما جعلته عليه لانه نظر الى ما لا يحلّ له «1». و فيما رواه الصدوق بإسناده عن أبي بصير عطف قوله الى فرجها على ساق امرأة.

و قد ذكر بعض الاعلام- قده- ان مراده- ع- يعني من التعليل ان الحكم بالكفارة لم يجعل لمجرد الأمناء بل للإمناء المترتّب على النظر المحرم فموضوع الحكم بوجوب الكفارة، النظر المنتهى الى الأمناء لا الأمناء فقط و لو كان خاليا عن النظر المحرم و لا النظر المحرم وحده و بالجملة ليس معنى الرواية ان مجرد ارتكاب الحرام يوجب الكفارة بل معناها ان النظر المحرم المترتب عليه الأمناء يوجب الكفارة.

و يرد عليه أوّلا: ان كلامه يشعر بل يدلّ على انه جعل معنى التعليل الذي نفاه، كون ارتكاب الحرام موجبا للكفارة و ظاهره ان ارتكاب كلّ محرم يكون كذلك مع انه على هذا التقدير لا بدّ من فرض وجود النظر و تعميم الحكم في مورده بمعنى ان النظر الى كل ما لا يحلّ كذلك سواء كان ساق امرأة أجنبيّة أو بعض أعضائها الأخر أو عورة الرجل- مثلا- أو غيرها من الأمور التي لا يجوز النظر اليه.

و ثانيا: و هو العمدة- انّ ظاهره كون الرواية المشتملة على العلة المذكورة ظاهرة في نفسها في ثبوت الكفارة على النظر المحرم الذي يتعقّبه الأمناء مع ان الانصاف انّ الرواية لو خلّى و طبعها ظاهرة في كون العلة لثبوت الكفارة مجرد تحقق

النظر الى ما لا يحلّ له و لا مدخلية للإمناء فيه بوجه و حمل قوله- ع- اني لم اجعل عليه لأنّه أمنى، على كون المراد نفي مدخلية الأمناء فقط مع كون الضمير يرجع الى الرجل

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السادس عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 373

..........

______________________________

المحرم الذي نظر الى ساق امرأة أجنبية لا مطلق الرجل المحرم في غاية البعد كما ان حمل قوله- ع- انّما جعلته عليه لانه نظر الى ما لا يحلّ له على كون المراد هو النظر المحرم الذي يتعقبه الأمناء أيضا كذلك و لو كان المراد ذلك لما كان للنفي و الإثبات المذكورين في الرّواية مع كون موردها هو النظر المحرم الخاص مجال أصلا كما لا يخفى.

و بعبارة أخرى لو كان المراد من التعليل ما ذكر لما كان لدفع التوهم الواقع في ذيل الرواية فائدة أصلا لدلالة الصدر بنفسه على مدخلية النظر المحرم المتعقب للإمناء من دون حاجة الى الذيل فإنّه لا دلالة لها على ثبوت الكفارة على الأعمّ من موردها فتصير الرواية- ح- نظير صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل محرم نظر الى غير أهله فأنزل قال عليه جزور أو بقرة فان لم يجد فشاة «1».

هذا و لكن هنا رواية أخرى صحيحة تدل على ان المراد من التعليل الواقع في الموثقة ما افاده بعض الاعلام- قده- و هي ما رواه معاوية بن عمّار في محرم نظر الى غير أهله فأنزل قال عليه دم لانه نظر الى غير ما يحلّ له، و ان لم يكن انزل فليتق اللّٰه و لا يعد و ليس عليه شي ء «2».

و ربما يستشكل

في كونها رواية عن الامام- عليه السلام- لعدم التعرض له- ع- و لو بالإضمار و عليه فيحتمل كون الرواية فتوى شخص معاوية بن عمّار و هي فاقدة للحجية و الاعتبار.

و لكن يدفع الاشكال ظهور كون الرواية تتمة لصحيحة معاوية بن عمار

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السادس عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السادس عشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 374

..........

______________________________

المتقدمة المشتملة على الأسئلة المتعددة في نظر الرجل المحرم و لمسه و مسّه مع انّ الكليني- قده- الذي نقل الحديث التزم في ديباجة كتابه بان لا يروي فيه الّا ما كان منتهيا الى الإمام- ع- و الانصاف انه لا مجال لهذا الاشكال.

و امّا الدلالة فلا ينبغي الارتياب في كون مفادها عدم ثبوت الكفارة في صورة عدم الانزال مع النظر الى غير اهله و هذا يدل على ان المراد من التعليل الواقع في الفرض الأوّل هو النظر المتعقب للإنزال و ان لم يقع التعرض له في العلة بوجه و الحكم بوجوب الاتقاء و النهي عن العود لأجل كون النظر محرّما في ذاته من دون فرق بين ما إذا كان بشهوة و بين ما إذا لم يكن كذلك فهذه الرواية تصير قرينة على كون المراد من الموثقة ما افاده بعض الاعلام- قده.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انّه لا دلالة للموثقة و كذا صحيحة معاوية على ان النظر إلى الأجنبية إذا كان بشهوة، محرم حال الإحرام من دون فرق بين الأمناء و عدمها كما استفاد منهما صاحب الجواهر- قده- و تبعه بعض الأعاظم- قده- فإنه قد ظهر لك عدم انطباق الروايتين على المدّعى فان المدّعي التفصيل

بين صورة الشهوة و عدمها كما انه مطلق من جهة الأمناء و عدمها و الروايتان مطلقتان من جهة الشهوة و مقيدتان بالامناء و لا ملازمة بين الأمناء و بين الشهوة فإنه قد وقع التصريح في بعض الروايات بحصول الأمناء من دون شهوة مثل رواية محمد بن مسلم المتقدمة المشتملة على قوله- ع-: فان حملها- يعني امرأته- أو مسّها لغير شهوة فأمنى أو أمذى فليس عليه شي ء «1».

و كيف كان فظاهر قوله في المتن: أو نظرا بشهوة كما في الشرائع و نحوها و ان كان هو جريان التفصيل في الأجنبية من دون تقييد بالامناء كما في الزوجة إلّا

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 375

[مسألة 1- لو جامع في إحرام عمرة التمتّع قبلا أو دبرا، بالأنثى أو الذكر عن علم]

مسألة 1- لو جامع في إحرام عمرة التمتّع قبلا أو دبرا، بالأنثى أو الذكر عن علم و عمد فالظاهر عدم بطلان عمرته و عليه الكفارة لكن الأحوط إتمام العمل و استئنافه لو وقع ذلك قبل السّعي، و لو ضاق الوقت حجّ افرادا و اتى بعده بعمرة مفردة و أحوط من ذلك اعادة الحج من قابل، و لو ارتكبه بعد السّعي فعليه الكفارة فقط، و هي على

______________________________

انه لم ينهض دليل عليه بل مقتضى الدليل هو النظر المتعقب للإمناء و لو لم يكن بشهوة بخلاف الزوجة فتدبر.

الجهة الخامسة: في حرمة كل لذّة تمتّع من النساء قد ظهر لك مما ذكرنا في بعض الجهات السابقة انّه بعد دلالة الروايات المتقدمة على حرمة النظر بشهوة إلى الزوجة زائدا على اللمس و التقبيل كذلك يستفاد منها حرمة كل لذة تمتع منها و لو لم تكن بالنظر فضلا عن غيره فان المتفاهم العرفي

منها على هذا التقدير ذلك نعم لو لم ينهض دليل على حرمة النظر و لو كان بشهوة لما كان تحريم التقبيل و اللمس مستلزما عرفا لذلك و موجبا لفهمهم الحرمة المطلقة و امّا بعد قيام الدليل على حرمة النظر لكان المفهوم منها عرفا ذلك.

نعم هذا يتمّ بالإضافة الى الرجل المحرم بالنسبة إلى زوجته أو أمته و امّا بالإضافة إلى الأجنبيّة فلا مجال لاستفادة ذلك منها لعدم قيام الدليل على حرمة النظر إليها بشهوة بعنوان الإحرام كما عرفت آنفا كما ان نظر المرأة المحرمة الى الرجل و لو كان هو زوجها و كان النظر بشهوة لم يقم دليل على حرمته الإحرامية نعم مقتضى عموم التعليل في رواية القبلة عموم الحرمة فيها و لكن حرمة التقبيل لا دلالة لها عرفا على حرمة النظر فضلا عما هو دونه فتدبّر فان مقتضى إطلاق المتن الشمول للجميع مع انه لم يقم دليل عليه و لا سبيل إلى إدراك الملاك و لا لإلغاء الخصوصية بوجه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 376

الأحوط بدنة من غير فرق بين الغنيّ و الفقير (1).

______________________________

(1) ينبغي قبل التعرض لحكم الجماع في أثناء عمرة التمتّع بيان حكم الجماع في العمرة المفردة لوقوع التعرض لكليهما في الكلمات ظهورا أو نصّا و وقوع البحث عنه قبل عمرة التمتّع في كلام صاحب الجواهر «1». فنقول:

قال المحقّق في الشرائع: «و من جامع في إحرام العمرة قبل السّعي فسدت عمرته و عليه بدنة و قضائها و الأفضل ان يكون في الشهر الداخل» و مقتضى إطلاق «العمرة» في الصدر و ان كان هو الشمول لعمرة التمتع أيضا لكنه ربما استظهر صاحب الجواهر من قوله: و الأفضل .. ان

يكون المراد خصوص العمرة المفردة و لعلّ منشأ الاستظهار الروايات الواردة في العمرة المفردة الدالة على ان لكل شهر أو في كل شهر عمرة المتقدمة في بحث العمرة المفردة.

و يرد على هذا الاستظهار مضافا الى ان لازمة عدم التعرض لحكم الجماع في عمرة التمتع من مثل المحقق مع كونه من المسائل المهمّة و كثير الابتلاء لان وجوب حج التمتّع ثابت بالإضافة إلى جلّ المستطيعين مضافا الى كونه أفضل من قسيميه في صورة الدّوران و التخيير عدم كون الذيل قرينة على ما افاده بوجه لأن عمرة التمتع و ان كان ظرف وقوعها أشهر الحج كما مرّ الّا انه في صورة التعدد امّا لأجل فساد الأولى أو لجهة أخرى لا بدّ من دخول شهر آخر و قد تقدم في بعض المسائل السابقة بعض الروايات الواردة فيمن خرج من مكة بعد عمرة التمتّع و مضى من الميقات الدالّة على انّه ان كان رجوعه إلى مكة في غير شهر الخروج لا بد من الإتيان بعمرة التمتع ثانيا التي يكون شروعها من أحد المواقيت المعروفة أو محاذيه و عليه فالاستظهار المذكور ممنوع.

و قال العلّامة في القواعد: «و لو جامع في إحرام العمرة المفردة أو المتمتع بها

______________________________

(1) ج- 20 ص- 380.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 377

..........

______________________________

- على اشكال- قبل السّعي عامدا عالما بالتحريم بطلت عمرته و وجب إكمالها و قضائها و بدنة».

و كيف كان فالظاهر انّ فساد العمرة المفردة بالجماع قبل السعي سواء كان قبل الطواف أو بعده مما وقع التصريح به من غير واحد بل في المدارك: «هذا مذهب الأصحاب لا اعلم فيه مخالفا بل ظاهر عبارة المنتهى انه موضع وفاق، و نقل

عن ابن أبي عقيل انه قال: و إذا جامع الرجل في عمرته بعد ان طاف لها و سعي قبل ان يقصر فعليه بدنة و عمرته تامّة، فامّا إذا جامع في عمرته قبل ان يطوف لها و يسعى فلم احفظ عن الأئمة- عليهم السلام- شيئا أعرفكم به فوقفت عند ذلك و رددت الأمر إليهم- ع-».

و يدلّ على فساد العمرة المفردة بالجماع في الصورة المذكورة روايات متعددة:

منها: صحيحة بريد بن معاوية العجلي قال سألت أبا جعفر- ع- عن رجل اعتمر عمرة مفردة فغشي أهله قبل ان يفرغ من طوافه و سعيه قال: عليه بدنة لفساد عمرته، و عليه ان يقيم الى الشهر الأخر فيخرج الى بعض المواقيت فيحرم بعمرة «1».

و منها: صحيحة مسمع عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في الرجل يعتمر عمرة مفردة ثم يطوف بالبيت طواف الفريضة ثم يغشى أهله قبل ان يسعى بين الصفا و المروة قال: قد أفسد عمرته و عليه بدنة، و عليه ان يقيم بمكة حتّى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه ثم يخرج الى الوقت الذي وقّته رسول اللّٰه- ص- لأهله فيحرم منه و يعتمر «2».

و منها: رواية أحمد بن أبي علي عن أبي جعفر عليه السلام في رجل اعتمر عمرة مفردة و وطي اهله و هو محرم قبل ان يفرغ من طوافه و سعيه، قال: عليه بدنة لفساد

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثاني عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثاني عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 378

..........

______________________________

عمرته و عليه ان يقيم بمكّة حتى يدخل شهر آخر فيخرج الى بعض المواقيت فيحرم منه ثم يعتمر «1».

و هذه الروايات كما تدلّ

على فساد العمرة المفردة بالجماع قبل السعي و على ثبوت الكفّارة لأجله كذلك تدل على لزوم القضاء و انّه لا بد ان يؤتي به في غير الشهر الذي اعتمر فيه و هذه الجهة تؤيد ما ذكرنا سابقا في مبحث العمرة المفردة من ان الفصل المعتبر بين العمرتين هو عبارة عن تغير عنوان الشهر و خروج شهر و دخول آخر و لو كانت العمرتان في يومين متعاقبين كآخر شهر و أوّل شهر آخر كما انّها تدل على ان قوله- ع- لكل شهر عمرة يشمل ما إذا وقعت عمرة شهر فاسدة بالجماع و نحوه و لا يختص بما إذا كانت العمرتان صحيحتين.

و امّا لزوم الخروج الى بعض المواقيت فان كان المراد بالبعض ما يشمل ادنى الحلّ الذي هو ميقات العمرة المفردة امّا مطلقا لمن لم يمرّ على الميقات أو محاذيه أو في أكثر الموارد فلا بأس به و ان كان المراد به خصوص المواقيت الخمسة أو الستّة التي وقّتها رسول اللّٰه- ص- و قد مرّ البحث عنها تفصيلا فلا يبعد ان يقال باختصاص مورد الروايات بما إذا كان إحرام العمرة التي أفسدها منها و امّا لو فرض كون إحرامها من ادنى الحلّ كالتنعيم و الجعرانة و نحوهما فالظاهر أنّ إفسادها لا يوجب الخروج الى بعض تلك المواقيت فتدبّر هذا كله في العمرة المفردة.

و امّا عمرة التمتّع فقد قال صاحب المدارك: «انّ ظاهر الأكثر و صريح البعض عدم الفرق بينها- يعني العمرة المفردة- و بين عمرة التمتّع و ربما أشعر به صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل متمتّع وقع على امرأته و لم يقصّر قال: ينحر جزورا و قد خشيت ان

يكون ثلم حجّه ان

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثاني عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 379

..........

______________________________

كان عالما، و ان كان جاهلا فلا شي ء عليه «1» فان الخوف من تطرق الفساد الى الحج بالوقاع بعد السعي و قبل التقصير ربما اقتضى تحقق الفساد و بوقوع ذلك قبل السّعي».

و أورد عليه صاحب الجواهر- قده- أوّلا بأنه لم يعرف إطلاقا لغير المصنّف- يعني المحقق في الشرائع- بل قد يظهر من ذيل كلامه ارادة خصوص العمرة المفردة نعم عن أبي الصلاح التصريح بفساد المتعة بالجماع قبل طوافها و سعيها و انّ عليه بدنة.

و ثانيا بان الوقاع بعد السّعي قبل التقصير لا يوجب الفساد بل البدنة خاصّة بمقتضى الصّحيحة و غيرها فكيف يثلم به الحج و الفحوى لو تمسّك بها انما تكون حجة لو قلنا بحجية أصلها و الّا فلا كما هنا ثم مال الى وجود الإشعار في الرواية بالفساد في ذيل كلامه.

أقول: امّا الفتاوى فالظاهر عدم ثبوت شهرة على الفساد في عمرة التمتّع لما عرفت من انّ كلام المحقّق في الشرائع و ان كان يمكن استظهار العموم منه الّا ان صريح العلامة في القواعد الاستشكال فيه و ان حكى عن فخر المحقّقين في شرحه ان الاشكال في فساد الحج بعدها لا في فساد العمرة و ان الاشكال ينشأ من دخول العمرة في الحج، و من انفراد الحج بالإحرام و نسب ذلك الى تقرير والده لكنّه استضعفه صاحب المدارك بان حج التمتّع لا يعقل صحّته مع فساد العمرة المتقدمة عليه نعم وجّهه صاحب الجواهر بأن المراد بالفساد النقص و عدم الكمال و هو كما ترى في غاية البعد كما انّ ما

حكى عن الرياض من ان عدم إشكالهم في الفساد لعدم الخلاف فيه و الّا فالنصوص مختصة بالمفردة غير تام و كيف كان فلم تثبت الشهرة على الفساد بوجه.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 380

..........

______________________________

و امّا النص فالرواية المنحصرة في هذا الباب هي صحيحة معاوية المذكورة في كلام المدارك و امّا سائر الروايات فهي دالة على ثبوت الكفارة و لا ملازمة بينها و بين الفساد كما هو ظاهر و قد عرفت وقوع البحث فيها من حيث دلالتها على الفساد أو إشعارها به أو عدمهما معا لكن الّذي أوجب حمل الرواية على عمرة التمتع قول السائل: و لم يقصر بلحاظ تعين القصر في خصوص عمرة التمتّع مع انّ الظاهر كما نقل الرواية بعينها صاحب الوسائل في باب آخر ان قوله كان: و لم يزد مكان و لم يقصّر. و إليك بملاحظتها قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن متمتّع وقع على اهله و لم يزر قال ينحر جزورا و قد خشيت ان يكون قد ثلم حجّه ان كان عالما و ان كان جاهلا فلا شي ء عليه، و سألته عن رجل وقع على امرأته قبل ان يطوف طواف النساء قال عليه جزور سمينة، و ان كان جاهلا فليس عليه شي ء الحديث «1».

و أنت خبير بأن الرواية على هذا النقل واردة في حج التمتع و لا ارتباط لها بعمرته فان قوله لم يزر يكون المراد به عدم إتيانه بطواف الحج الذي يسمّى بطواف الزيارة كما ان سؤاله عن الوقاع قبل طواف النساء عقيب السؤال الأول يختص بالحج و الفرق بينه و بين السؤال الثاني

هو تحقق الوقاع في السؤال الأول قبل طواف الحج و في السؤال الثاني قبل طواف النساء و هذا يناسب مع التعبير بالثلمة في الحج و الّا فلا ارتباط ظاهرا بين تحقق الوقاع في العمرة و ثبوت خشية الثلمة في الحج كما لا يخفى نعم في نقل الصدوق: و لم يقصر لكن الرواية التي تردد نقلها بين أمرين لا يكون أحدهما مرتبطا بعمرة التمتّع لا مجال للتمسك بها كما هو ظاهر.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب التاسع ح- 1 و أورد ذيلها في باب 18 من هذه الأبواب ح- 2 و هو قوله سألته عن رجل قبل امرأته و قد طاف طواف النساء و لم تطف هي قال عليه دم يهريقه من عنده.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 381

..........

______________________________

نعم هنا وجوه أخر استدل بها لفساد عمرة التمتع ينبغي التعرض لها و ملاحظة صحّتها و سقمها فنقول:

منها: انّك عرفت ان مقتضى النص و الفتوى بطلان العمرة المفردة بالجماع قبل السّعي و الظاهر انه لا فرق بينها و بين عمرة التمتّع بعد كونهما طبيعة واحدة و اشتراكهما في جلّ الاعمال و مجرد الاختلاف في وجوب طواف النساء في الاولى و استحبابه في الثانية و في لزوم وقوع الثانية قبل الحج و في أشهره و ارتباطها بالحج دون الاولى لا يوجب الاختلاف في هذه الجهة التي هي مورد البحث.

و الجواب عنه واضح فإنه لم ينهض دليل على اشتراكهما في جميع الاحكام الّا ما خرج بدليل خاص و مجرّد اشتراكهما في عنوان العمرة و في جلّ الاعمال لا يقتضي ذلك بوجه كما هو ظاهر.

و منها: ما سيأتي من دلالة روايات متعددة على ان الجماع قبل

الوقوف بالمشعر يوجب فساده و لزوم إعادته في العام القابل و حيث انّ عمرة التمتّع جزء للحج و واقعة قبله يكون مقتضى إطلاق تلك الروايات الشمول للجماع فيها لانه يصدق عليه انّه جماع قبل الوقوف بالمشعر.

و فيه: مضافا الى ان مقتضى ذلك البطلان بسبب الجماع بعد السعي و قبل التقصير مع انّ الظاهر انه لم يقل به أحد انّ عمرة التمتّع و ان كانت جزء للحج الّا ان عنوان العمرة مطلقا مغاير لعنوان الحج في الكتاب و السنّة قال اللّٰه تعالى:

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ و قال أيضا فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ و قال أيضا في ذيل الآية الأولى: فمن تمتّع بالعمرة إلى الحج و عليه فالأحكام الثابتة في مورد الحج لا تشمل العمرة بوجه الّا مع قيام الدّليل فالمراد من تلك الروايات هو الجماع قبل الوقوف في الحجّ.

و منها: إطلاق بعض الرّوايات الدالة على الفساد و عدم اختصاصها بالحجّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 382

..........

______________________________

كصحيحة زرارة قال سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة قال: جاهلين أو عالمين؟ قلت: أجنبي في (عن خ) الوجهين جميعا قال: ان كانا جاهلين استغفرا ربّهما و مضيا على حجّهما و ليس عليهما شي ء، و ان كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحجّ من قابل، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتّى يقضيا نسكهما، و يرجعا الى المكان الّذي أصابا فيه ما أصابا، قلت فأيّ الحجتين لهما؟ قال: الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، و الأخرى عليهما عقوبة «1». فإن مقتضى إطلاق السؤال الشمول لعمرة التمتّع أيضا.

و أجاب عنه بعض

الاعلام بما حاصله: «ان كان المراد بالأمر بالحج من قابل فساد الحج الذي وقع فيه الجماع فسادا حقيقيا و مرجعه الى ان ما اتى به لا يحسب من الحج و ان وجب عليه إتمامه و يجب عليه الحج من قابل فعدم صحّة الاستدلال بالرواية بالنسبة إلى عمرة المتعة واضح جدّا لان فسادها لا يوجب عليه الحج من قابل لان تداركها أمر سهل غالبا فيخرج الى خارج الحرم كالتنعيم و نحوه و مع عدم التمكّن ينقلب حجّه الى الافراد فذكر الحج من قابل قرينة على وقوع الجماع في إحرام الحج.

و ان قلنا بان الحج الأوّل حجّة و الثاني عقوبة عليه و الحكم بالفساد تنزيلي باعتبار لزوم الإتيان به في القابل و لو عقوبة فهذا يمكن فرضه في عمرة المتعة بأن يجب عليه الحج من قابل عقوبة عليه و لكن الروايات لا تشملها لأن الأمر بالتفريق في الحج الثاني حتى يقضيا نسكهما و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا قرينة قطعية على وقوع الجماع في الحج لا العمرة إذ لا يتصور في عمرته الرجوع الى المكان المذكور غالبا بخلاف الحاجّ فإنه إذا حدث هذا الحدث في مكّة

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 383

..........

______________________________

- مثلا- يتحقّق بالنسبة إليها ذلك لان الغالب في الحجاج الرجوع الى مكّة و هذا المعنى لا يتحقق بالنسبة إلى المتمتع الذي يحرم من أحد المواقيت فإنه إذا جامع بعد الإحرام في طريقه الى مكة لا يتقيّد بالرجوع الى نفس هذا المكان بل يمكن ان يرجع من مكان آخر».

و يرد عليه- مضافا الى انه لا مجال للترديد في الرّواية

بالإضافة الى ان الحج الأول فاسد و الثاني واجبه أو بالعكس بعد تصريح ذيل الرّواية بالثاني في الجواب عن السؤال عن انّ ايّ الحجّتين لهما و الى انه لا تعرض فيها للفساد بالإضافة إلى الحج الأوّل حتى يحمل على الفساد التنزيلي نعم يجرى الترديد في مثل رواية جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن محرم وقع على اهله قال: عليه بدنة قال: فقال له زرارة: قد سألته عن الذي سألته عنه فقال لي: عليه بدنة، قلت: عليه شي ء غير هذا؟ قال عليه الحج من قابل «1»- انّ ما افاده من القرينة القطعية ممنوع جدّا فإنه كما يمكن وقوع الجماع في إحرام عمرة التمتّع في طريقه الى مكة كذلك يمكن وقوعه في إحرام حج القران أو الافراد في الطريق المذكور فانّ تعيّن وقوع إحرام عمرة التمتّع من أحد المواقيت الخمسة أو الستّة لا يلازم الانحصار فانّ مريد أحد الحجين إذا مرّ من أحدها يجب عليه الإحرام له منه كما هو ظاهر.

كما انه في عمرة التمتّع ربما يتحقق الجماع في مكّة الذي يجب على الحاج الرجوع إليها بعد قضاء المناسك فالقرينة المذكورة ممنوعة جدّا و في بعض الروايات بعد حكمه (ع) بلزوم التفريق حتى يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ذكر الرّاوي: قلت أ رأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أخرى يجتمعان

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 384

..........

______________________________

قال: نعم «1». لكن في بعض الروايات قوله: يفرق بينهما و لا يجتمعان في خباء حتى يبلغ الهدى محلّه «2». و هذا يختص بالحج و في كلامه-

قده- مواضع اخرى للنظر و الاشكال فتدبر.

و العمدة في الجواب ان يقال انّ الجواب المتعرض للحكم بوجوب الحج من قابل قرينة على كون مراد السائل الوقاع في إحرام الحج و ان كان مقتضى إطلاقه الشمول للعمرة و يؤيّده انه لا مجال للحكم المذكور بالإضافة إلى العمرة المفردة مع ان إطلاق السؤال شامل لها أيضا.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم ينهض دليل على بطلان عمرة التمتع بالجماع قبل السّعي كما انه لم يثبت شهرة فتوائية على ذلك و لكن يظهر من بعض الكلمات اقامة الدليل على الصّحة في خصوص صورة ضيق الوقت عن إعادة عمرة التمتّع و هو ما حكاه صاحب الجواهر- قده- من انه يلزم- اى على تقدير البطلان في الصورة المذكورة- أحد أمرين امّا تأخير الحج الى قابل أو الإتيان به مع فساد عمرته و هو يستلزم امّا فساده مع الإتيان بجميع أفعاله و التجنب فيه عن المفسد، أو انتقاله الى الافراد و إذا انتقل الى الافراد سقط الهدي و انتقلت العمرة مفردة فيجب لها طواف النساء و في جميع ذلك إشكال.

أقول: أمّا في صورة سعة الوقت فلا مانع من الالتزام بوجوب عمرة مستأنفة و الظاهر ان إحرامها لا بد و ان يكون من أحد المواقيت الخمسة أو الستّة المعروفة مع التمكّن لا ادنى الحلّ كالتنعيم و نحوه كما عرفت في كلام بعض الاعلام- قده.

و امّا في صورة الضيق عن الاستيناف فلا مانع من الانتقال الى الافراد كما في

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 14.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 385

..........

______________________________

نظائره مثل ما إذا ضاق

الوقت عن إتمام عمرة التمتّع بعد الإحرام لها من أحد المواقيت و قد تقدم البحث عنه تفصيلا حيث ينقلب الى الافراد فالمقام أيضا مثله و عليه فكما لم ينهض دليل على البطلان، لا مجال للاستدلال على الصحة بما ذكر لكن لا حاجة الى إقامة الدليل على الصّحة و مما ذكرنا ينقدح صحّة ما استظهره في المتن من عدم البطلان و لكن الظاهر انه لا يجتمع الاستظهار المذكور مع جعل الاحتياط في صورة الضيق الحج افرادا و الإتيان بعده بعمرة مفردة فإنه مع تعين حج التمتع عليه و استظهار عدم بطلان عمرته بالجماع كيف يكون الاحتياط في الحج الأفرادي الذي هو أدنى أنواع الحج كما لا يخفى نعم الإعادة في العام القابل لا شبهة في كونه أعلى مراتب الاحتياط. ثم انّه بعد استظهار صحّة العمرة بالجماع قبل السّعي تظهر صحّتها بالجماع بعد السعي و قبل التقصير بطريق أولى.

بقي الكلام في الكفارة فالمشهور انّها بدنة على الموسر و بقرة على المتوسط و شاة على الفقير و في المتن جعل الأحوط اللزومي البدنة مطلقا من دون فرق بين الغنيّ و الفقير و ظاهر العبارة المتقدمة المحكية عن ابن أبي عقيل تعين البدنة بنحو الفتوى و حكى عن سلّار وجوب البقرة لا غير و عن الصدوق في المقنع الاقتصار على الفتوى بمضمون صحيح التخيير. و الدليل على الكفارة بعد ما عرفت من كون مورد صحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة الحج و لا أقل من عدم ثبوت ورودها في عمرة التمتع ينحصر في روايتين:

إحديهما: صحيحة ابن مسكان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال قلت متمتع وقع على امرأته قبل ان يقصّر فقال عليه دم شاة «1».

ثانيتهما: صحيحة عمران الحلبي

انه سئل أبا عبد اللّٰه- ع- عن رجل طاف بالبيت

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث عشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 386

..........

______________________________

و بالصفا و المروة و قد تمتّع ثم عجل فقبل امرأته قبل ان يقصر من رأسه قال عليه دم يهريقه و ان جامع فعليه جزور أو بقرة «1». و احتمال كون الترديد من الرّاوي لا مجال للاعتناء به.

أقول: امّا الحكم بتعين البدنة فتوى أو احتياطا لزوميّا فمنشؤه ظاهرا صحيحة معاوية بن عمّار الّتي قد عرفت عدم ثبوت ورودها في عمرة التمتع فلا مجال للاتكال عليها.

و امّا الحكم بتعين البقرة فلعلّ وجهه عدم معقولية التخيير بين الأقل و الأكثر و انّ مرجعه الى وجوب الأقلّ و استحباب الزائد عليه.

و يرد عليه- مضافا الى ما حقق في محلّه من علم الأصول، انّ التخيير بين الأقل و الأكثر أمر معقول غير مستحيل و كما ان الأقل فيما إذا اقتصر عليه أحد طرفي الواجب و الإتيان به يكون مجزيا كذلك الأكثر يكون طرفا آخر للواجب و إذا اتى به يكون الجميع متصفا بالوجوب و الموافقة تحصل بالمجموع لا بالأقل الذي في ضمنه- انّ البقرة و الجزور ليسا من الأقل و الأكثر بل هما نوعان متباينان و ان اختلفا في المالية لكن الملاك ليس مجرد المالية بل نفس العنوانين و عليه فلا مجال لرفع اليد عن ظهور الرواية في التخيير بعد كونهما من الأمرين المتبائنين مضافا الى ظهور الصحيحة الاولى في أن الكفارة هي شاة التي هي أقل من البقرة بحسب الماليّة.

و اللازم الجمع بين الروايتين و هو يحصل بأحد وجهين:

أحدهما: ما ذهب اليه المشهور من الحمل على اختلاف حالات

المكلف من جهة كونه موسرا أو متوسطا أو فقيرا و يؤيده ورود هذا النحو من الكفارة فيمن

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث عشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 387

..........

______________________________

نظر الى ساق امرأة بشهوة فأمنى و في الجماع قبل طواف النساء في الحجّ.

و يرد عليه انه لا إشعار في شي ء من الروايتين بذلك و ثبوت مثله في مثل الموردين لا دلالة له على الثبوت في المقام مضافا الى ان قرينة المقابلة في الصحيحة الثانية الدالة على ثبوت مطلق الدم على من قبّل امرأته قبل ان يقصّر تقتضي عدم ثبوت الشاة في المقام بوجه فلا مجال لهذا الوجه و ان ذهب اليه المشهور.

ثانيهما: التخيير بين الأمور الثلاثة من دون فرق بين الغني و المتوسط و الفقير قال في الجواهر: و لو لا مخالفة خرق الإجماع كان المتجه التخيير مترتبة في الفضل.

قلت لا مجال لدعوى ثبوت الإجماع بعد ما عرفت من اختلاف الفتاوى الّا ان يراد به الإجماع المركب مع انه على تقديره لا مانع من مخالفته لاستناد المجمعين الى الروايات الواردة في المسألة فلا أصالة للإجماع و- ح- فالأظهر في مقام الجمع هو هذا الوجه فتدبر.

بقي في أصل المسألة أمور ينبغي التنبيه عليها: أحدها: انّ ظاهر المتن ثبوت الكفارة في الفرض الأوّل الذي هو الجماع قبل السعي مع ان الظاهر انه لم يقم دليل على ثبوت الكفارة في هذا الفرض الّا ان يستدل له بالأولوية نظرا الى ان ثبوتها في الجماع بعد السعي و قبل التقصير يقتضي ثبوتها في هذا الفرض بطريق اولى.

و لكن يرد عليه ان الأولوية القطعية ممنوعة و الأولوية الظنية غير معتبرة.

و يمكن ان يستدل

له بشمول إطلاق قوله قبل ان يقصر لقبل السعي أيضا و لم يقع الاستفصال في الجواب و لكن ذكر صاحب الجواهر- قده- في ذيل صحيحة معاوية بن عمار التي نقلها بصورة: و لم يقصر، ان المتبادر منها الوقاع بعد السعي قبل التقصير و لا يشمل إطلاقها لصورة ما إذا لم يتحقق منه السّعي هذا و لكن مع ذلك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 388

[مسألة 2- لو ارتكب ذلك في إحرام الحجّ عالما عامدا بطل حجّه]

مسألة 2- لو ارتكب ذلك في إحرام الحجّ عالما عامدا بطل حجّه ان كان قبل وقوف عرفات بلا اشكال، و ان كان بعده و قبل الوقوف بالمشعر فكذلك على الأقوى فيجب عليه في الصورتين إتمام العمل و الحج من قابل و عليه الكفّارة و هي بدنة، و لو كان ذلك بعد الوقوف بالمشعر فان كان قبل تجاوز النصف من طواف النساء صحّ حجّه و عليه الكفارة و ان كان بعد تجاوزه عنه صحّ و لا كفارة على الأصحّ (1).

______________________________

لا يبعد دعوى الإطلاق في مثل هذا التعبير و عليه فثبوت الكفارة لو لم يكن أقوى يكون مقتضى الاحتياط اللّزومي.

ثانيها: انّ الظاهر انه لا فرق في الجماع الموجب للكفارة بين ما إذا كان في القبل و ما إذا كان في الدبر لصدق الجماع على كليهما و دعوى الانصراف الى خصوص القبل ممنوعة خصوصا بعد اشتراكهما في مثل الزّنا و نحوه.

ثالثها: ان تعميم الحكم للجماع مع الذكر لم يقم عليه دليل لما عرفت في أوّل بحث كون الجماع من محرمات الإحرام انه قد فسر الرفث المنفي في الآية في الحج بجماع النّساء و لم يقم دليل على كون وطي الذكر من محرمات الإحرام كما انه لم ينهض دليل

على شمول الحكم للأجنبية و مجرد كونه أغلظ و أفحش لا يستلزم كونه من محرمات الإحرام و الّا يلزم ان تكون المعاصي خصوصا الكبيرة منها من محرّمات الإحرام و العجب من المتن انه جعل عنوان المحرّم في الإحرام «النساء» ثم صرّح في هذه المسألة بعدم الفرق بين الذكر و الأنثى فتدبّر.

(1) قد وقع عنوان المسألة في الشرائع هكذا: «فمن جامع زوجته في الفرج قبلا أو دبرا عامدا عالما بالتحريم فسد حجّه و عليه إتمامه و بدنة و الحج من قابل سواء كان حجته التي أفسدها فرضا أو نفلا» و هذا التعبير أحسن مما في المتن حيث ان ظاهره ان الاحكام الثلاثة وجوب الإتمام و الحج من قابل و لزوم الكفارة انّما هي متفرعة على الفساد في الصورتين الأوليين مع ان القائل بعدم الفساد أيضا يقول بترتب هذه الاحكام على الجماع فيهما و امّا تعبير الشرائع فخال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 389

..........

______________________________

عن هذا الاشكال للعطف بالواو مكان التفريع بالفاء.

و كيف كان ففي المسألة اربع صور:

الصورة الأولى: ما إذا تحقق الجماع عامدا عالما قبل الوقوف بعرفات بعد تحقق الإحرام قال في الجواهر بعد عبارة الشرائع بلا خلاف أجده فيه في الجملة بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص و يأتي التعرض لها في الصورة الثانية.

الصورة الثانية: ما إذا تحقق الجماع المذكور بين الوقوفين و في هذه الصورة أيضا قد حكى الإجماع عن الشيخ و السيدين و القاضي في شرح الجمل و الجواهر لكن المحكي عن المفيد و سلّار و الحلبي و السيّد في الجمل الخلاف حيث انهم اعتبروا تقدّمه على عرفة لما سيأتي.

و كيف كان يدل على ما

هو المشهور روايات مستفيضة:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل محرم وقع على اهله فقال ان كان جاهلا فليس عليه شي ء و ان لم يكن جاهلا فان عليه ان يسوق بدنة و يفرق بينهما حتى يقضيا المناسك و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا و عليه الحجّ من قابل «1».

و منها: صحيحة زرارة قال سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة قال جاهلين أو عالمين؟ قلت أجنبي في (عن خ) الوجهين جميعا قال ان كانا جاهلين

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 390

..........

______________________________

استغفرا ربّهما و مضيا على حجّهما و ليس عليهما شي ء و ان كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحج من قابل، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما، و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قلت فأيّ الحجتين لهما قال الأولى الّتي أحدثا فيها ما أحدثا و الأخرى عليهما عقوبة «1».

و منها: صحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في المحرم يقع على اهله، قال ان كان أفضى إليها فعليه بدنة و الحجّ من قابل، و ان لم يكن افضى فعليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل «2».

و الظاهر اتحادها مع روايته الاولى و عدم كونها رواية أخرى و ان كان بينهما الاختلاف في الجواب.

و منها: رواية عليّ بن أبي حمزة قال سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن محرم واقع اهله قال قد اتى عظيما قلت: أفتني (قد ابتلى) فقال: استكرهها

أو لم يستكرهها؟ قلت أفتني فيهما جميعا، قال ان كان استكرهها فغليه بدنتان و ان لم يكن استكرهها فعليه بدنة و عليها بدنة و يفترقان من المكان الّذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكة و عليهما الحج من قابل لا بدّ منه قال: قلت فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأته كما كانت فقال نعم هي امرأته كما هي فإذا انتهيا الى المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلّا فإذا أحلّا فقد انقضى عنهما فإنّ أبي كان يقول ذلك «3».

و منها: صحيحة جميل بن درّاج قال سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن محرم وقع على

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 9.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع ح- 2.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الرابع ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 391

..........

______________________________

اهله قال: عليه بدنة، قال فقال له زرارة: قد سألته عن الذي سألته عنه فقال لي عليه بدنة قلت عليه شي ء غير هذا قال عليه الحج من قابل «1».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا وقع الرجل بامرئته دون مزدلفة أو قبل ان يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل «2». و الفرق بين هذه الرواية و الروايات السّابقة ان شمول تلك الروايات لهذه الصّورة التي هي محلّ البحث انّما كان بالإطلاق و امّا هذه الرواية فالقدر المتيقن من موردها انّما هي هذه الصورة و ان كان مقتضى إطلاقه الشمول لما قبل الوقوف بعرفات و الظاهر ان الترديد انّما هو من الرّاوي لعدم الفرق بين التعبيرين في المدلول.

و منها: مرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال الصادق- عليه

السلام- ان وقعت على أهلك بعد ما تعقد الإحرام و قبل ان تلبّي فلا شي ء عليك، و ان جامعت و أنت محرم قبل ان تقف بالمشعر فعليك بدنة و الحج من قابل، و ان جامعت بعد وقوفك بالمشعر فعليك بدنة و ليس عليك الحج من قابل، و ان كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليك «3».

و قد ظهر لك بعد ملاحظة هذه الرّوايات انّ الظاهر ما ذهب اليه المشهور و تبعه المتن من اتّحاد الصورتين في الحكم و ترتّب الأحكام الثلاثة من لزوم الإتمام و ثبوت الكفارة و وجوب الحجّ من قابل على كلتيهما نعم لا بدّ من الالتفات الى ان أكثر الرّوايات المتقدمة مشتركة في ثبوت الحكمين الأخيرين و بعضها يدل على خصوص الحكم الأخير و امّا ما يدل على لزوم الإتمام فمضافا إلى

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 3.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 1.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع أورد صدرها في الباب الأوّل ح- 2 و وسطها في الباب السادس ح- 2 و ذيلها في الباب الثاني ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 392

..........

______________________________

انه لو لم يلزم الإتمام و كان الحج فاسدا غير واجب الإكمال يلزم ان يكون المفسد موجبا لحصول التحلل و الخروج عن الإحرام مع انّ التحلّل في الحج يتوقّف على قضاء مناسكه بأجمعها نعم قد يتحقق بدونه كما في مورد الإحصار و لكنه لم يعهد جعل مثل الجماع موجبا لحصول التحلّل و الى وجود روايات ظاهرا دالة على لزوم الإتمام في جميع الموارد سواء كان الحج صحيحا أو فاسدا ففي المقام مثل رواية زرارة المتقدّمة الدالة

على لزوم التفريق بينهما فان لزوم التفريق يدل بالدلالة الالتزامية على وجوب الإتمام ضرورة انه لا مجال مع فساد الحج و عدم لزوم الإتمام للزوم التفريق و عليه فالروايات مع ملاحظة مجموعها تدلّ على الأحكام الثلاثة.

و يدلّ على لزوم التفريق أيضا رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في المحرم يقع على اهله فقال: يفرق بينهما و لا يجتمعان في خباء الّا ان يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محلّه «1».

و امّا مستند القائلين باعتبار تقدم الجماع على الوقوف بعرفات في ترتّب الأحكام المذكورة فهو مثل ما روي من انّ الحجّ عرفة «2». و هو مع ضعفه لا يكون المراد به ما هو ظاهره قطعا و الّا يلزم كفاية الاقتصار على الوقوف في حال العمد و الاختيار و ترك سائر المناسك كلّها كذلك فاللازم الحمل على ان الوقوف بعرفات من أعظم أركان الحجّ و هو لا يستلزم عدم ترتب الأحكام المذكورة على الجماع بعده و قبل الوقوف بالمشعر و كيف يصح الاستدلال بمثله في مقابل الروايات الكثيرة المتقدمة الصريحة بعضها فلا محيص عن الأخذ بما عليه المشهور.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 5.

(2) المستدرك أبواب إحرام الحج الباب الثامن عشر ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 393

..........

______________________________

بقي الكلام في هاتين الصورتين في أمور:

الأمر الأوّل: في فساد الحج بالجماع فيهما و عدمه ففي المتن تبعا للمحقّق في الشرائع بل المحكي عن الأكثر بل قد ادعى الإجماع في محكي التنقيح عليه هو الفساد لكن قد حكى عن النهاية و الجامع و عن المحقق في النافع بل في الشرائع في أحكام الصيد عدم الفساد و ان الحج

الثاني عقوبة و اختاره غير واحد من متأخري المتأخرين و قد عرفت انه لا اختلاف بين القولين في ترتب الأحكام الثلاثة المذكورة بل الثمرة بينهما تظهر في أمور أخر.

منها: و هو العمدة النيّة فإنه لو كان الفرض هو الحجّ في العام القابل لكان اللازم حال الإحرام نيّة حجة الإسلام- مثلا- و لو كان الحج الثاني عقوبة لكان اللّازم نيّة ما وجب عليه بالإفساد.

و منها: ما لو مات بين العامين فعلى تقدير القول بفساد الأول كان الفرض و هي حجة الإسلام- مثلا- على عهدته و يعامل معه معاملة من مات و لم يأت بالحج أصلا مع استقراره عليه و على فرض القول بالصحة لكان التكليف المتعلّق بالحج المتوجه اليه قد امتثل و صارت الذمة بريئة بخلاف القول الأخر فإنه عليه عقوبة و كفارة لعلّها تخرج من الثلث لا من الأصل فتدبّر.

و منها: ما لو كان الجماع واقعا من الأجير الذي كان متعلق إجارته الحج في خصوص السنة الأولى فإنه لا يستحق الأجرة على تقدير فساده بخلاف القول بالصحة فإنه يستحق الأجرة و يجب عليه الحج في القابل من مال نفسه.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 3، ص: 393

و منها: غير ذلك من الثمرات المتعددة المترتبة على القولين المذكورة في مطاوي الكتب الفقهية.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن ذيل رواية زرارة المتقدمة ظاهر بل صريح في انّ الحج الذي وقع الجماع فيه هو واجبه و ان الثاني عقوبة و الاشكال فيها من جهة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3،

ص: 394

..........

______________________________

الإضمار لا يعتني به بعد كون المضمر هو زرارة و ليس من شأنه السؤال و الاستفتاء عن غير الامام- عليه السلام- هذا لو لم نقل بأن الإضمار وقع في الجامع الروائي و بيد مؤلّفه بلحاظ ذكر المروي عنه في الرواية السابقة و الإشارة بالضمير اليه و الّا فلا موقع له بوجه أصلا.

و يدلّ عليه أيضا موثقة إسحاق بن عمار الواردة في الحج النيابي قال سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطي رجل دراهم يحج بها عنه فيموت قبل ان يحج ثم اعطى الدّراهم غيره فقال: ان مات في الطريق أو بمكّة قبل ان يقضي مناسكه فإنه يجزى عن الأوّل قلت: فان ابتلى بشي ء يفسد عليه حجّه حتى يصير عليه الحج من قابل أ يجزى عن الأوّل قال نعم قلت لأن الأجير ضامن للحج؟ قال: نعم «1».

و إضمارها أيضا لا يقدح لما ذكر و دلالتها على صحة الحج الأوّل أظهر من دلالة رواية زرارة لأنّ الاجزاء عن المنوب عنه لا يكاد يتحقّق من دون اتصاف بالصحة كما ان السؤال فيها يدلّ على ان المرتكز في ذهن السائل من الفساد الذي عبّر عنه هو لزوم الحج عليه من قابل لا البطلان و الّا فلا مجال للجمع بين التعبير بالفساد و بين السؤال عن الاجزاء عن المنوب عنه الكاشف عن الشك فيه فان الباطل كيف يتوهّم كونه مجزيا.

و يؤيد الرّوايتين انه ليس في شي ء من الروايات الدالة على لزوم الحج عليه من قابل، التعبير بالإعادة الظاهر في البطلان كما في مثل حديث لا تعاد المعروف في باب الصلاة الدال على لزوم الإعادة بالإضافة إلى الأمور الخمسة المستثناة فيه الدالّ على بطلان الصلاة بسبب الإخلال بواحد من

تلك الأمور و مجرد اللزوم أي لزوم الحج عليه من قابل لا يساوق البطلان كما هو ظاهر.

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الخامس عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 395

..........

______________________________

و من جميع ما ذكرنا يظهر الجواب عن الاستدلال للبطلان بصحيحة سليمان بن خالد قال سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- يقول في الجدال شاة و في السباب و الفسوق بقرة و الرفث فساد الحجّ «1». فان كلمة «الفساد» و لو كانت ظاهرة في نفسها في البطلان كما في مثل الصلاة و الصوم الّا ان مقتضى الجمع بين هذه الصحيحة و بين الروايتين حمل الفساد فيها على التنزيل و كون الإطلاق من باب الاستعارة لأنه كما ان العبادة الباطلة يجب عليه قضائها و الإتيان بها ثانية كذلك الحج إذا وقع فيه الجماع يترتب عليه لزوم التكرار من دون ان يكون فاسدا بخلاف الجدال و الفسوق لعدم ترتب لزوم التكرار على مثلهما.

و يؤيد ما ذكرنا إطلاق عنوان الفساد في بعض الروايات في بعض الموارد الذي أجمع على عدم الفساد فيه مثل صحيحة حمران بن أعين عن أبي جعفر- ع- قال سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط ثم غمزه بطنه فخاف ان يبدره فخرج الى منزله فنقض ثم غشي جاريته قال يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان قد بقي عليه من طوافه و يستغفر اللّٰه و لا يعود و ان كان طوف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه و عليه بدنة و يغتسل ثم يعود فيطوف أسبوعا «2».

فإن الإجماع قائم على عدم بطلان الحج بالجماع

بعد الموقفين مع انه قد وقع التعبير بالفساد في الجماع أثناء طواف النساء قبل تجاوز النصف.

و من الروايات الّتي عبر فيها بالفساد مع كون المراد به هو عدم أداء الكفارة مع وضوح عدم كونه موجبا للفساد رواية أبي بصير انه سئل الصادق- عليه

______________________________

(1) وسائل أورد صدره فيه في الباب الأوّل من أبواب بقية كفارات الإحرام ح- 1 و ذيله في الباب الثاني منها ح- 1.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الحادي عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 396

..........

______________________________

السلام- عن رجل واقع امرأته و هو محرم قال عليه جزور كوماء فقال لا يقدر فقال ينبغي لأصحابه ان يجمعوا له و لا يفسدوا حجّه «1».

فإنها ظاهرة في إطلاق الفساد مع عدم أداء الجزور المذكور مع انه من الواضح عدم كونه موجبا للفساد بمعنى البطلان و لم يقل به أحد.

و قد انقدح مما ذكرنا ان الأظهر كون الحج الذي وقع فيه الجماع قبل الوقوف بالمشعر صحيح و ان كان قبل الوقوف بعرفة و ان الثاني عقوبة محضة.

الأمر الثاني: في لزوم التفريق بينهما و الكلام فيه يقع من جهات:

الجهة الاولى: في أصل اللزوم في الجملة و عدمه فالمحكي عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه قال في الجواهر بعد ذلك: و لعلّه كذلك إذ لا أجد فيه خلافا محقّقا و ان عبّر عنه في محكي النهاية و المبسوط و السرائر و المهذب بلفظ «ينبغي» فإنه يمكن ارادة الوجوب منه و يدل على الوجوب كثير من الروايات المتقدمة المتعرضة لذلك التي وقع فيها التعبير بقوله- ع- و يفرق بينهما .. أو يفترقان فإن الجملة الخبرية الواقعة في مقام افادة الحكم ظاهرة في الوجوب

بل لعلّه كانت دلالتها على الوجوب أشد و آكد من دلالة هيئة افعل كما قرر في محلّه و لا موجب لرفع اليد عن مقتضى ظاهرها و الحمل على الاستحباب بل قد عرفت انّ لزوم إتمام الحج الذي وقع فيه الجماع انّما استفيد من لزوم التفريق لأنّ لزوم التفريق لا يجتمع مع عدم لزوم الإتمام لعدم تعرض الروايات المتقدمة مع كثرتها للزوم الإتمام بالمطابقة و من البعيد ان لا يكون فيها تعرض للزوم الإتمام و لو بالدلالة الالتزامية مع ان الإتمام و عدمه أوّل ما يبتلى به من ارتكب الجماع فان لزوم الحج عليه في القابل و ثبوت الكفارة أمران متأخران عن مسألة الإتمام و عليه فلا مجال لدعوى عدم

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 397

..........

______________________________

وقوع التعرض له في الروايات بالكلية فاللازم الالتزام بلزوم التفريق حتى يكون طريقا إلى استفادة لزوم الإتمام فافهم و اغتنم.

الجهة الثانية: في العنوان الذي هو متعلق اللزوم فان التعبير الواقع في كثير من الروايات المتقدمة هو عنوان التفريق و في رواية علي بن أبي حمزة عنوان الافتراق و الظاهر ان متعلّق اللزوم هو العنوان الثاني الذي لازمة كون التكليف متوجّها الى نفس الزوجين دون الأوّل الذي لازمة كون التكليف متوجها الى الثالث لانّه- مضافا الى ان الجماع قلّ ما يتفق ان يطّلع عليه غير الزوجين خصوصا في حال الإحرام الذي يكون فيه محرّما بل من أعظم محرمات الإحرام و عليه فتوجيه التكليف الى الغير لا يترتب عليه اثر غالبا- تكون مناسبة الحكم و الموضوع مقتضية لتوجه التكليف الى الزوجين المرتكبين للمحرّم و عليه فالظاهر كون متعلق اللزوم

هو الافتراق كما وقع التعبير به في مثل الشرائع نعم لو اطلع عليه الغير و لم يفترقا يجب عليه ذلك من باب الأمر بالمعروف فتدبّر.

الجهة الثالثة: هل الواجب هو الافتراق في خصوص الحج الأوّل أو في خصوص الحج الثاني كما هو ظاهر الشرائع بل صريحها أو في كليهما؟ فنقول مقتضى روايتي معاوية بن عمار المتقدمتين الدالتين على التفريق هو كون التفريق في الحج الأوّل و مقتضى صحيحته الثالثة كون التفريق في الحج الثاني و هي ما رواه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن رجل وقع على امرأته و هو محرم قال ان كان جاهلا فليس عليه شي ء، و ان لم يكن جاهلا فعليه سوق بدنة و عليه الحج من قابل فإذا انتهى الى المكان الذي وقع بها فرّق محملا هما فلم يجتمعا في خباء واحد الا ان يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدى محلّه «1».

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 398

..........

______________________________

و لكن حيث ان الظاهر اتحاد هذه الرواية مع الروايتين كما ان الظاهر اتحادهما أيضا فالرواية التي رواها معاوية في هذه المسألة واحدة و عليه يتردد الأمر بين كون التفريق المأمور به هو التفريق في الأول أو التفريق في الثاني فلا يصح للاستدلال بها على خصوص واحد منهما.

نعم مقتضى جملة من الروايات كون التفريق في الأوّل من دون تعرض للتفريق في الثاني كمرفوعة ابان بن عثمان الى أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه- عليهما السلام- قالا: المحرم إذا وقع على اهله يفرق بينهما يعني بذلك لا يخلوان و ان يكون معهما ثالث «1». و قد نقلها في الوسائل في

موضعين و جعلها روايتين مع وضوح عدم تعدّد في البين.

و كصحيحة عبيد اللّٰه بن عليّ الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال: قلت أ رأيت من ابتلى بالجماع ما عليه؟

قال عليه بدنة و ان كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما بدنتان ينحرانهما، و ان كان استكرهها و ليس بهوى منها فليس عليها شي ء و يفرق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا قلت: أ رأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أخرى يجتمعان؟ قال نعم الحديث «2».

و رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السلام- في حديث قال قلت له:

أ رأيت من ابتلى بالرفث و الرفث هو الجماع ما عليه؟ قال يسوق الهدى و يفرق بينه و بين اهله حتى يقضيا المناسك و حتى يعودا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا فقلت أ رأيت إن أرادا أن يرجعا في غير ذلك الطريق قال فليجتمعا إذا قضيا المناسك «3».

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 6.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 14.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 399

..........

______________________________

و صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: سألته عن رجل باشر امرأته و هما محرمان ما عليهما؟ فقال ان كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدى جميعا و يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك و حتى يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، و ان كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء «1».

و ليس في شي ء

من الروايات الحكم بلزوم التفريق في خصوص الحج الثاني سوى صحيحة معاوية التي عرفت حالها نعم في روايتان ثبوت التفريق في كلا الحجين و هما صحيحة زرارة و رواية علي بن أبي حمزة المتقدمتان و عليه فاللازم الحكم على طبقهما و الفتوى باللزوم في كليهما نعم يمكن ان يقال بالفرق بينهما في غاية الافتراق و سيأتي البحث عنها إن شاء اللّٰه تعالى.

الجهة الرابعة: هل الحكم بلزوم التفريق ينحصر بما إذا كانت المرأة محرمة مطاوعة أو يشمل ما إذا كانت مكرهة على الوقاع؟ ظاهر الشرائع هو الأوّل حيث قال: «و لو كانت امرأته محرمة مطاوعة لزمها مثل ذلك- يعني الكفارة و الحج من قابل- و عليهما ان يفترقا إذا بلغا ذلك المكان حتى يقضيا المناسك إذا حجّا على تلك الطريق» فإنّها كما تدل على ان لزوم الافتراق انّما هو في الحج الثاني كذلك تدلّ على انّ مورده صورة المطاوعة فلا يجب في غير هذه الصّورة.

هذا و لكن مقتضى إطلاق بعض الروايات الشمول لصورة الاستكراه أيضا مثل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن أبي عبد اللّٰه- ع- في المحرم يقع على اهله فقال: يفرق بينهما و لا يجتمعان في خباء الا ان يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الرابع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 400

..........

______________________________

محلّه «1». نعم قد عرفت اتحاد الصحيحتين الآخرتين له و لازمة الترديد و عدم ثبوت ما هو الصادر منه- ع- مشخّصا فلا مجال للاستدلال بشي ء منهما على المقام و كذا المرفوعتان المتقدمتان اللتان عرفت وحدتهما أيضا تدلان بالإطلاق على ما ذكر.

و دعوى انصراف الإطلاق إلى صورة المطاوعة ممنوعة خصوصا بعد

كون المنشأ للانصراف هي غلبة الاستعمال لا مجرد غلبة الوجود كما قرّر في محلّه.

و أظهر من ذلك صحيحة عبيد اللّٰه بن على الحلبي المتقدمة آنفا فإنه بعد التفصيل بين صورتي الإعانة بشهوة مع شهوة الرجل و الاستكراه و الحكم بثبوت بدنتين عليهما في الاولى و عدم ثبوت شي ء عليها في الثانية، ذكر عقيبه: و يفرق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا «2». فإنّها تدل بالدلالة الظاهرة القوية على كون الحكم بلزوم التفريق مترتبا على كلتا الصورتين خصوصا بعد نفي ثبوت شي ء عليها.

و عليه فيظهر ان المراد من قوله- ع- في صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة كذلك: و ان كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء «3» هو نفي ثبوت الهدى لا هو مع لزوم التفريق كما هو ظاهر.

هذا و لكن ذكر في الجواهر انه قد يدلّ مفهوم مضمر زرارة- المتقدم في صدر البحث- على عدم الافتراق بينهما إذا لم يكونا عالمين سواء كانا جاهلين كما في صدر الرواية أو أحدهما عالما و الآخر جاهلا و المكره بحكم الجاهل و يؤيده انه على تقدير كون متعلق الحكم هو الافتراق الذي هو فعل الزوجين لا التفريق الذي ظاهره كونه فعلا للثالث يبعد كون المكره- بالفتح- متوجّها اليه حكم لزومي

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 5.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 14.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 401

..........

______________________________

خصوصا بعد عدم ثبوت الكفارة عليه و عدم لزوم الحجّ من قابل.

و لكنه مع ذلك كلّه لا مجال لرفع اليد عن الروايات

الدالة بالإطلاق على جريان الحكم في صورة الإكراه أو كالصريحة في ذلك على ما عرفت.

الجهة الخامسة: في معنى الافتراق فنقول مقتضى النصوص و كثيرة من الفتاوى عدم كون المراد بالافتراق هنا معناه الحقيقي الذي قد أريد في مثل: البيعان بالخيار حتى يفترقا فإذا افترقا وجب البيع بل المراد معناه الكنائي الذي مرجعه الى ان لا يخلوا الّا و معهما ثالث و قد وقع التصريح به في صحيحتي معاوية بن عمّار و مرفوعتي ابان المتقدّمان و مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع ان يكون المراد بالثالث هو المميّز المانع حضوره عرفا عن تحقق المواقعة فلا يشمل غير المميز و لا المميز غير المانع حضوره كذلك كالزوجة.

الجهة السادسة: في غاية الافتراق بعد وضوح كون مبدئه مكان المواقعة و المحلّ الذي أحدثا فيه فنقول قد انقدح لك من ملاحظة الروايات المتقدمة وجود الاختلاف بينها من جهة الغاية ففي بعضها جعلها بلوغ الهدى محله الذي معناه حصول التحلل له بالذبح في منى في الجملة و في بعضها جعلها قضاء المناسك الذي قد عبّر عنه بالانتهاء إلى مكة و حصول الإحلال لهما و في بعضها قد جعلت الغاية قضاء المناسك و الرجوع الى المحلّ الذي كان فيه ما كان و في بعضها نفر الناس و الرجوع الى المحل المذكور و المحكيّ عن الحدائق و الرياض: «انّ الذي يقتضيه النظر في الجمع بين هذه الاخبار حمل تعدّد هذه الغايات على تفاوت مراتب الفضل و الاستحباب فاعلاه الرجوع الى موضع الخطيئة و ان أحلّا و قضيا المناسك قبله ثم قضاء المناسك ثم بلوغ الهدي محلّه كما في الصحيحين و هو كناية عن الإحلال بذبح الهدي كما وقع التصريح به في بعض الاخبار المتقدمة

و لكن الاحتياط يقتضي المصير إلى المرتبة العليا ثم الوسطى سيّما في الحجّة الأولى لكثرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 402

..........

______________________________

أخبارها و اشتهارها».

و أورد عليهما صاحب الجواهر- قده- بأن الذي يقتضيه النظر في النصوص بعد تقييد المفهوم في بعضها بالمنطوق في آخر ان لم يكن إجماع كون الغاية العليا في الأداء و القضاء هي محل الخطيئة نعم يمكن تحصيل الإجماع على وجوب الافتراق في حجة القضاء الى قضاء المناسك لا أزيد.

و مراده ان ما دل على كون الغاية بلوغ الهدى محلّه يكون مفهومه عبارة عن انّه إذا بلغ الهدى محله لا يجب الافتراق و مقتضى إطلاق المفهوم انه لا فرق بين صورة قضاء المناسك بأجمعها و بين صورة عدمه و يقيد هذا الإطلاق بمنطوق ما دلّ على ان الغاية قضاء المناسك كما انّ إطلاق مفهومه يقيد بمنطوق ما دلّ على ان الغاية هو الرجوع الى محلّ المواقعة و الوصول اليه و مختاره- قده- هو كون الغاية هي محلّ الخطيئة و احتمل وجود الإجماع على وجوب الافتراق الى قضاء المناسك في حجة القضاء و ثبوت الاستحباب بعده الى محلّ الحدث إذا رجعا الى ذلك الطريق و ذكر في ذيل كلامه: «اللّٰهم الا ان يدعى ان المفهوم من النصوص اتّحاد الغاية فيهما و الفرض الإجماع على عدم وجوب الزائد على قضاء المناسك في القضاء فيكون الأداء مثله مؤيّدا ذلك بأنه لا إحرام بعد قضاء المناسك فليس الّا التعبد المحض فالأولى حمله على الندب فيهما».

هذا و قد أورد بعض الاعلام- قده- على الأوّلين بأنّ ظاهر الأوامر المذكورة في الرّوايات هو الوجوب فرفع اليد عنه و حمله على الاستحباب بلا موجب.

و على صاحب

الجواهر- قده- بان الظاهر من الروايات ان كل واحد من الأمور المذكورة عنوان مستقل فحمل أحدها على الآخر بلا وجه بل يقتضي إلغاء العنوان الأخر بالمرّة فإن مقتضى حمل بلوغ الهدى على محلّ الخطيئة عدم الاعتداد ببلوغ الهدى أصلا و ان العبرة بمحلّ الخطيئة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 403

..........

______________________________

ثم قال في تحقيق المسألة ما ملخّصه: «ان الروايات الواردة في هذا المجال على طوائف ثلاث:

الطائفة الأولى: ما جعل الغاية قضاء المناسك و الرجوع الى المكان الذي فيه الجماع مثل صحيحة زرارة و غيرها و مقتضى إطلاقها الشمول للمكان الذي هو قبل ارض منى و بعده يعني الحاج لمّا يتوجه من مكّة الى عرفات يذهب إليها من طريق منى لاستحبابه شرعا و عليه فالجماع قد يقع قبل الوصول إلى منى و قد يقع بعده كما انه يشمل ما إذا وقع الجماع بعد الميقات إذا كان الحج إفرادا أحرم له من الميقات.

و الطائفة الثانية: ما جعل الغاية بلوغ الهدى محلّه مثل صحيحتي معاوية بن عمار و مقتضى إطلاقها الشمول لجميع الموارد الّتي يشملها الطائفة الأولى فبينهما التعارض بالكلية.

و الطائفة الثالثة: ما تدل على ان الجماع إذا كان قبل الوصول إلى منى فغاية الافتراق يوم النفر و هو اليوم الثاني عشر كما في صحيحة الحلبي: و يفرق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، فإن ظاهرها ان مكان الجماع قبل الوصول إلى منى.

و عليه فهذه الصحيحة تخصص الطائفة الثانية فيكون موردها غير صورة وقوع الجماع قبل الوصول إلى منى فالجماع إذا وقع قبل الوصول إلى منى فغاية الافتراق يوم النفر و الرجوع الى محلّ الخطيئة و إذا

وقع بعد الوصول إلى منى فغايته بلوغ الهدى محلّه اي يوم النحر و بعد ذلك تكون نسبة الطائفة الثانية بعد التخصيص بالإضافة إلى الطائفة الأولى العموم و الخصوص مطلقا لانقلاب النسبة- بناء عليه- فيصير الحاصل من المجموع انّ الجماع إذا وقع قبل الوصول إلى منى كما إذا وقع في مكة أو في طريقه ما بين مكّة و منى فغاية الافتراق يوم النفر المذكور و إذا وقع بعد تجاوزه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 404

..........

______________________________

من منى الى عرفات فالغاية بلوغ الهدى محلّه.

ثمّ ان الجماع قد يقع قبل الوصول إلى مكة و بعد الإحرام كما في حج الافراد فاللازم ان يرجع الحاج بعد قضاء تمام المناسك الى محلّ الخطيئة و امّا إذا وقع في حج التمتع بعد الخروج من مكة فيقضى المناسك من الوقوفين و يرجع الى ذلك المكان و ينتهى الافتراق و لا حاجة الى إتيان الطواف و السعي لأن الظاهر من قضاء المناسك و الرجوع الى محلّ الجماع قضاء المناسك التي يأتي بها قبل الوصول الى ذلك المكان و ان كان مقتضى الاحتياط الاستمرار الى الفراغ عن تمام الاعمال».

و الظاهر انّ عدم تعرضه لما يدلّ عليه رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة من كون غاية الافتراق هو الانتهاء إلى مكة الذي قد فسّر في ذيلها بحصول الإحلال لهما انّما هو لأجل عدم اعتبارها بسبب علي بن أبي حمزة البطائني و الّا فكان في هذا المجال طائفة رابعة مغايرة للطوائف الثلث الاولى.

و يرد على ما افاده وجوه من النظر و الاشكال.

منها: انّ دعوى شمول الطائفة الأولى لما إذا تحقق الجماع بعد الحركة من منى بعد البيتوتة المستحبّة فيها ليلة عرفة

ممنوعة جدّا لانه- مضافا الى ان جعل المبنى في الحكم اللزومي الشديد الذي جعل عقوبة و مجازاة للعمل الذي عبّر عنه في الروايات بكون العامل اتى عظيما هو الأمر الاستحبابي الذي ربما يتحقق تركه لفرض الاستحباب ممّا لا مجال له انّ جعل غاية الافتراق هو قضاء المناسك و الرجوع الى محلّ الخطيئة و الجماع لا يجتمع مع وقوعها في طريق منى الى عرفات أو في نفس عرفات أو في المشعر لعدم رجوع الحاج الى واحد منها بعد قضاء المناسك و ظاهر انّ المراد هو الرجوع الى محل الخطيئة المتحقق بالطبع بعد قضاء المناسك بان يكون محل الجماع واقعا في طريق الرّجوع أو أحد طرقي الرجوع أو طرقه و من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 405

..........

______________________________

الظاهر انّ الحاج بعد قضاء المناسك لا يرجع الى الموقفين لعدم الحاجة إليه بوجه.

و منها: و هو العمدة انّ جعل الطائفة الثالثة مغايرة للطائفة الأولى ممّا لم يعلم وجهه لانّه بالنفر من منى يوم الثاني عشر يتحقق قضاء المناسك لانّه لو كان المراد بقضاء المناسك هو قضاء المناسك التي لا بد من الإتيان بها قبل الرجوع الى محل الجماع كما فسّره به في ذيل كلامه فبالنفر يتحقق قضاء المناسك بهذا المعنى و عليه فما الفرق بين جعل الغاية قضاء المناسك و الرجوع الى المحل المذكور و بين النفر في اليوم المذكور و الرجوع اليه الّا في مجرد العبارة و العنوان.

و ان كان المراد بقضاء المناسك هو قضائها بأجمعها الشامل لطواف الحج و السّعي- نعم طواف النساء خارج لعدم كونه من اعمال الحج و ان كان واجبا فيه و في العمرة المفردة و يتوقف عليه حلية

النساء- فنقول بعد كون المستحب بل مقتضى الاحتياط الوجوبي بل الفتوى هو الإتيان بهما يوم العيد بعد الفراغ عن مناسكه الثلاثة و هو رمي جمرة العقبة و الذبح أو النحر و الحلق أو التقصير لمن يتمكن من العود إلى مكة و الإتيان بهما يكون النفر في اليوم الثاني عشر مرجعه الى قضاء المناسك و لا فرق بينهما أيضا.

و الانصاف ان الطائفة الاولى و الطائفة الثالثة متحدتان من دون ان يكون بينهما فرق إلّا في مجرد التعبير و مقتضى ما ذكرنا بعد اعترافه باختصاص مورد الطائفة الثالثة بما إذا كان الجماع قبل منى لمن يريد الوقوفين و بعد كون الطائفة الأولى أيضا مختصة بهذه الصورة و لو فرضت المغايرة بين الطائفتين و بعد ثبوت الاتّحاد بينهما على ما ذكرنا ان تكون النسبة بينهما و بين الطائفة الثانية هو الخصوص و العموم مطلقا و اللازم تقييدها بهما و الحكم بالفرق بين ما إذا كان محلّ الجماع قبل منى فاللازم الافتراق الى الرجوع الى ذلك المحلّ بعد الإتيان بالأعمال و المناسك و بين ما إذا كان محلّه نفس مني أو بعده من الفروض المذكورة فاللازم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 406

..........

______________________________

الافتراق الى ان يبلغ الهدى محلّه كما لا يخفى.

و منها: انه بناء على ثبوت المغايرة بين الطائفتين كما ادّعاه- قده- ما الدليل على انّه إذا جامع في حج التمتّع بعد الخروج من مكّة كما إذا جامع بعد طيّ فرسخ منها يكون المرجع هي الطائفة الأولى التي جعلت الغاية فيها قضاء المناسك حتى يكون تفسيره بما لا بد من الإتيان به قبل الرجوع الى محل الجماع امرا لا بد من استظهاره فلم لا

يكون المرجع هي الطائفة الثالثة الظاهرة في ذلك من دون حاجة الى التفسير أصلا.

و الانصاف وجود الاضطراب في كلامه و ان كان مثل هذه الاضطرابات ينسب الى المقرّر نوعا على خلاف ما هو الواقع و اللّٰه العالم.

و قد انقدح لك مما ذكرنا لزوم التفصيل في غاية الافتراق بين ما إذا كان الجماع قبل منى سواء كان في طريق مكة إليها أو في مكة أو قبلها كما في غير حج القران و بين ما إذا كان في منى أو بعدها لمن يريد الحركة منها الى عرفات و منها الى المشعر من دون فرق بين أنواع الحجّ.

و امّا ما افاده صاحب الجواهر- قده- في عبارته المتقدمة من ثبوت الإجماع على كون الغاية في حج القضاء هو قضاء المناسك فقط لا أزيد فيرد عليه- مضافا الى انّه من المستبعد جدّا ثبوت الإجماع و انعقاده على ذلك- انّ الظاهر كون الإجماع في مثل هذه المسألة التي وردت فيها الروايات المتكثرة لا أصالة له بل هو مستند إليها و الى ما استفادوا منها فلا مجال للاتكال عليه في مقابل تلك الروايات خصوصا مع تعميم معقده بالنسبة إلى الحج الأوّل و الحكم بأن الغاية فيه هو قضاء المناسك لا أزيد لكون المفهوم من النصوص اتّحاد الغاية فيهما فالظاهر ان الحكم في المسألة هو التفصيل المتقدم المستفاد من الجمع بين الرّوايات من دون فرق بين العامين.

الجهة السّابعة: هل اللّازم في مورد كون الغاية هي قضاء المناسك و الرجوع الى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 407

..........

______________________________

محلّ الخطيئة ان يرجع من الطريق الذي يكون فيه محلّها حتى تتحقق غاية الافتراق بالبلوغ اليه أو انه لا يجب عليه ان

يكون رجوعه من تلك الطريق و عليه فلا بد ان تكون الغاية غير ذلك كما انّه في الحج من قابل، لا شبهة في انّه إذا كان من الطريق التي سلكها في الحج الأوّل و وقعت فيها المواقعة يجب ان يفترقا بمجرد البلوغ الى محلّ الخطيئة و استمراره الى قضاء المناسك و العود اليه على تقدير لزوم العود في الفرض الأول لكن البحث في انّه هل يجب سلوك تلك الطريق أو يجوز له السلوك من طريق آخر فلا يلزم فيه الافتراق أصلا فنقول:

امّا الفرض الأوّل: فمقتضى صحيحة الحلبي و موثقة محمد بن مسلم المتقدمتين عدم اللزوم و ان الغاية في هذه الصورة هو قضاء المناسك أو نفر الناس و قد عرفت اتّحاد المراد منهما لاشتمال الثانية بعد جعل الغاية قضاء المناسك و العود الى المكان الّذي أصابا فيه ما أصابا على قوله: فقلت أ رأيت إن أرادا أن يرجعا في غير ذلك الطريق قال: فليجتمعا إذا قضيا المناسك «1». و اشتمال الاولى بعد جعل الغاية نفر الناس و الرجوع الى ذلك المحلّ على قوله: قلت أ رأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أخرى يجتمعان؟ قال: نعم «2». فانّ المراد من الجواب في كلتيهما هو جواز الرجوع من غير ذلك الطريق و تحقق الغاية بمجرّد قضاء المناسك.

و امّا الفرض الثاني: فالتعبير الوارد في صحيحة زرارة المتقدمة التي هي العمدة في لزوم التفريق في الحج الثاني بعد الحكم بلزوم الحج عليهما من قابل في صورة كونهما عالمين قوله- ع- فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتى يقضيا نسكهما و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا «3». و من الظاهر انه لا

دلالة له على

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 15.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 14.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 408

..........

______________________________

لزوم سلوك تلك الطريق حتى يتحقق البلوغ اليه بل مدلولها انه على تقدير السلوك و البلوغ الى ذلك المكان لا بد من التفريق و مثلها صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة المشتملة على قوله: فإذا انتهى الى المكان الذي وقع بها فرّق محملاهما فلم يجتمعا في خباء واحد الّا ان يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدى محلّه «1». فانّ ظاهرها أيضا لزوم التفريق في العام القابل إذا انتهى الى ذلك المكان لا لزوم الانتهاء إليه أيضا لعدم وجوب تحصيل شرط الوجوب في القضية الشرطية.

ثم ان هذه الرّواية كما عرفت في مقام الجمع بين الروايات يختص موردها بما إذا كان الجماع واقعا بعد منى في طريقها الى عرفات أو في نفس عرفات أو في طريقها الى المشعر أو في نفس المشعر و عليه ففي الحج الثاني يمكن البلوغ الى محل الخطيئة فيلزم الافتراق الى بلوغ الهدي محله و يمكن ان لا يبلغ اليه كما إذا ذهب في الفرض الأول من طريق آخر الى عرفات نعم على تقدير الوقوع في نفس الموقفين يتحقق البلوغ لا محالة كما لا يخفى لكن مرّ الإشكال في أصل الرواية من جهة استظهار كونها هي الرواية الأخرى لمعاوية بن عمار المشتملة على لزوم التفريق في الحج الأوّل فقط.

الأمر الثالث: ظاهر جملة من النصوص المتقدمة و كذا ظاهر من اقتصر من الفقهاء مثل الشرائع و المتن على خصوص البدنة انه لا بدل لها مع العجز عنها

فيسقط لزومها و قد حكى التصريح بذلك عن ابن حمزة و سلار و انه لا بدل لها إلّا في صيد النعامة و انّما عليه الاستغفار و العزم على الأداء لو تمكن.

و المحكي عن الشيخ في الخلاف انّ من وجب عليه دم في إفساد الحج فلم يجد فعليه بقرة فان لم يجد فسبع شياة على الترتيب، فان لم يجد فقيمة البدنة دراهم أو

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 409

..........

______________________________

ثمنها يتصدق به فان لم يجد صام عن كلّ مدّ يوما و قال دليلنا إجماع الفرقة و اخبارهم و طريقة الاحتياط.

و أورد عليه بانّ الإجماع مخدوش بخلوّ الكلمات عنه بل تصريح ابن حمزة و سلّار بالعدم و اخبار الفرقة لم يعثر عليها الّا ما ورد في كفارة الصيد و يرد عليه أيضا اضطراب العبارة فإن الدم الواجب يشمل غير البدنة و ليس في الكلام ذكر المدّ حتى يصوم عن كلّ مدّ يوما. و عن الفقيه و ابن إدريس وجوب سبع شياة عند عدم وجدان البدنة.

هذا و لكن في المقام روايات واردة في هذه الجهة:

منها: صحيحة علي بن جعفر المتقدمة المشتملة على تفسير الرفث بجماع النّساء حيث انّ فيها: فمن رفث فعليه بدنة ينحرها فان لم يجد فشاة «1».

و منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي بصير انه سئل الصادق- عليه السلام- عن رجل واقع امرأته و هو محرم قال عليه جزور كوماء فقال: لا يقدر فقال ينبغي لأصحابه ان يجمعوا له و لا يفسدوا حجّه «2». و هذه الرواية أيضا شاهدة على ما تقدم من عدم كون المراد بإفساد الرفث هو بطلان الحجّ لأنّ

مفادها ان عدم نحر البدنة يوجب فساد الحج مع انه من الواضح عدم كونه كذلك بل الفساد على تقديره انّما يكون مستندا الى الجماع لا ترك النحر فالمراد بالفساد هو النقصان و انحطاط درجة الحج و مرتبته و عليه فالظاهر انّ المراد بقوله: ينبغي هو الاستحباب و الرواية- ح- لا تكون مخالفة للرواية المتقدمة لعدم التنافي بين مفادهما بوجه كما لا يخفى هذا و المراد من الكوماء السمينة كما ورد في بعض الروايات توصيف الجزور بها.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 16.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 410

..........

______________________________

و منها: ما رواه الكليني بعد رواية على بن أبي حمزة المتقدمة حيث قال: و في رواية أخرى: فان لم يقدر على بدنة فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مدّ فان لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما، و عليها أيضا كمثله ان لم يكن استكرهها «1». قال صاحب الوسائل بعد نقلها عن الكليني كذلك: و رواه الشيخ مرسلا أيضا.

و هذه الرواية بلحاظ الإرسال لا مجال للاتكال عليها فاللازم الأخذ بمفاد صحيحة علي بن جعفر المتقدمة و لم تثبت شهرة على خلافها هذا تمام الكلام في الصورتين الأولتين من المسألة.

الصورة الثالثة: ما إذا جامع بعد الوقوف بالمشعر قبل تجاوز النصف من طواف النّساء و المذكور في المتن تبعا للشرائع صحة الحج و ثبوت الكفارة عليه و في الجواهر: بلا خلاف أجده في الأوّل- يعني قبل الشروع في طواف النساء- بل الإجماع بقسميه عليه فهنا أمران:

أحدهما: ثبوت الكفارة و يدلّ عليه مضافا الى الإطلاقات الواردة الدالة على ثبوت الكفارة في مطلق الجماع في إحرام الحجّ و

قد تقدمت جملة منها بل أكثرها مثل صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن متمتّع وقع على اهله و لم يزر قال ينحر جزورا و قد خشيت ان يكون قد ثلم حجّه ان كان عالما، و ان كان جاهلا فلا شي ء عليه، و سألته عن رجل وقع على امرأته قبل ان يطوف طواف النساء قال عليه جزور سمينة، و ان كان جاهلا فليس عليه شي ء الحديث «2».

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الرابع ح- 3.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب التاسع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 411

..........

______________________________

و رواية زرارة قال سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل وقع على امرأته قبل ان يطوف طواف النساء قال عليه جزور سمينة الحديث «1».

و رواية سلمة بن محرز قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل وقع على اهله قبل ان يطوف طواف النساء قال ليس عليه شي ء فخرجت إلى أصحابنا فأخبرتهم فقالوا اتّقاك هذا ميسّر قد سأله عن مثل ما سألت فقال له عليك بدنة قال: فدخلت عليه فقلت جعلت فداك إني أخبرت أصحابنا بما أجبتني فقالوا اتّقاك هذا ميسّر قد سأله عما سألت فقال له: عليك بدنة فقال: انّ ذلك كان بلغه فهل بلغك قلت لا قال ليس عليك شي ء «2». و رواه الشيخ في الصحيح اليه مفصّلا «3». و غير ذلك من النصوص الواردة في هذا المجال فلا شبهة في هذا الأمر.

ثانيهما: صحّة الحج التي يكون المراد منها عدم لزوم الحج من قابل و بعبارة أخرى الصحة في مقابل الفساد بمعناه الحقيقي و كذا بالمعنى التنزيلي الذي مرجعه الى ترتب آثاره التي

عمدتها لزوم الإعادة و التكرار في العام القابل و يدل عليها مفهوم صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا وقع الرّجل بامرأته دون مزدلفة أو قبل ان يأتي مزدلفة فعليه الحجّ من قابل «4». فان المستفاد منه عرفا عدم لزوم الحج من قابل إذا كان الجماع واقعا بعد مزدلفة و الوقوف بها و لا تتوقف على القول بثبوت المفهوم في مطلق القضايا الشرطية و عدمه كما اخترناه في الأصول.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب العاشر ح- 3.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب العاشر ح- 2.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب العاشر ح- 5.

(4) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 412

..........

______________________________

و كذا صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن متمتع وقع على اهله و لم يزر قال: ينحر جزورا و قد خشيت ان يكون قد ثلم حجّه ان كان عالما، و ان كان جاهلا فلا شي ء عليه، و سألته عن رجل وقع على امرأته قبل ان يطوف طواف النساء قال عليه جزور سمينة، و ان كان جاهلا فليس عليه شي ء الحديث «1».

نظرا الى ان المراد بالزيارة هو طوافها الذي هو طواف الحج و زمان وقوعه بعد قضاء مناسك منى يوم النحر و مقتضى قوله: قد خشيت هي خشية وقوع الثلمة في الحج و مرجعه الى عدم وقوعها فلا مجال لإعادته و التكرار في العام القابل.

ان قلت: مقتضى ما مرّ في بحث الجماع في عمرة التمتع عدم جواز الاستدلال بهذه الصحيحة لا في عمرة التمتّع و لا في الحج لانه قد تقدّم اتّحاد هذه

الصحيحة مع صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن متمتع وقع على امرأته و لم يقصّر قال ينحر جزورا و قد خشيت ان يكون قد ثلم حجّه ان كان عالما، و ان كان جاهلا فلا شي ء عليه «2». لدوران مورد السؤال بين عمرة التمتّع و الحج فلا مجال للاستدلال بها في شي ء منهما نعم لو قلنا بتعدد الروايتين و ان الاولى واردة في الحج و الثانية في عمرة التمتّع كما هو ظاهر الوسائل و أصرّ عليه بعض الاعلام- قده- و حكى ان الكليني نقلهما في بابين مستقلين لجاز الاستدلال بها في المقام و لكنّه خلاف ما تقدم في بحث عمرة التمتع.

قلت: الظاهر هو الاتّحاد و عدم التعدّد و انّ «لم يقصر» «تصحيف» «لم يزر» و الرواية واردة في الحج لأنّ وقوع الجماع في عمرة التمتّع لا يكون فيه خشية وقوع الثلمة في

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب التاسع ح- 1.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 413

..........

______________________________

الحج بل غايته وقوعها في نفس العمرة و هي قابلة للتكرار و مع ضيق الوقت ينتقل الى حج الافراد فخوف وقوع الثلمة في الحج شاهد على كون الرواية واردة فيه لا في العمرة فهي صالحة للاستدلال بها في المقام هذا و يدل على الصحة في هذه الصورة أيضا الإطلاقات الواردة في الجماع حال الإحرام المقتصر فيها على ثبوت الكفارة فإن ظاهرها عدم ثبوت شي ء غير الكفارة و تقييدها بأدلة الصورتين الأوّلتين لا يقدح في بقاء إطلاقها بالإضافة الى هذه الصورة كما هو ظاهر و يدل على كلا الأمرين ذيل مرسلة

الصدوق المعتبرة المتقدمة قال: و ان جامعت بعد وقوفك بالمشعر فعليك بدنة و ليس عليك الحج من قابل.

الصورة الرّابعة: ما إذا جامع بعد الوقوف بالمشعر و بعد تجاوز النصف و في المتن انّ الأصح انه لا كفارة عليه أيضا بعد مفروغية الصحّة و عدم لزوم الإعادة.

و ليعلم انّ عنوان هذه الصورة على ما في المتن ما عرفت من وقوع الجماع بعد تجاوز النصف من طواف النساء و عنوانها في الشرائع هكذا: «و لو جامع بعد الوقوف بالمشعر و لو قبل ان يطوف طواف النساء أو طاف منه ثلاثة أشواط فما دون ..» و ذكر بعض الاعلام- قده- في مناسكه: «و كذلك- يعني تجب الكفارة دون الإعادة- إذا كان جماعه قبل الشوط الخامس من طواف النساء و امّا إذا كان بعده فلا كفارة عليه أيضا».

و المستند الوحيد في هذه الصورة- بعد عدم شمول الإطلاقات التي أشرنا إليها لهذه الصورة لعدم كون طواف النساء جزء للحج و معدودا من اعماله بل هو واجب ظرفه الحج و العمرة المفردة و يتوقف عليه حلية النساء من دون ان يكون الإحلال به إخلالا بالحج أو العمرة نعم مقتضى إطلاق ذيل صحيحة معاوية بن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 414

..........

______________________________

عمار المتقدمة في الصورة الثالثة الوارد في الجماع قبل طواف النساء الشمول للجماع قبل إكماله من دون فرق بين الأشواط- هي موثقة حمران بن أعين عن أبي جعفر- عليه السلام- قال سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط ثم غمزه بطنه فخاف ان يبدره فخرج الى منزله فنقض ثم غشي جاريته قال: يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان

قد بقي عليه من طوافه و يستغفر اللّٰه و لا يعود، و ان كان طوف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه و عليه بدنة و يغتسل ثم يعود فيطوف أسبوعا «1».

و ما في الجواهر من انّ الإجماع بقسميه عليه مع ضعفه مدفوع بان ذيلها الدال على الاقتصار على لزوم اعادة الطواف لفرض كون الخروج قبل تمامية الشوط الرّابع دليل على عدم كون المراد بالفساد فيه هو الفساد و لو بالمعنى التنزيلي بل مجرد النقص و انحطاط المرتبة و الرواية موثقة لكون حمران موثقا بالتوثيق العام و ان كان النظر الى وقوع «سهل» في طريقها فنقول انّ الرواة عنه رووها عن احمد بن محمد و سهل جميعا فلا يكون وجوده في الطريق بقادح مضافا الى الاستناد إليها لعدم كون التفصيل مستندا الى غيرها من دون فرق بين معانيه المختلفة على ما عرفت في عنوان هذه الصّورة.

ثم انه بعد ذلك يقع الكلام في مفاد الرواية و التحقيق فيه ان يقال:

انّ عنوان خمسة أشواط واقع في كلام السائل و في مورد سؤاله و مجرد الحكم بعدم ثبوت الكفارة فيه غاية الأمر وجوب الاستغفار لا دلالة له على كون هذا المقدار هو المعيار في الحكم.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الحادي عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 415

..........

______________________________

نعم لا بد من التأمل في الجملة الشرطية التي ذكرها الامام عليه السلام مع عدم كون الشرط فيها مذكورا في كلام السائل و مورد سؤاله بوجه و ان جعل الشرط فيها لترتب الجزاء و هو الحكم بثبوت الكفارة و الفساد بالمعنى المتقدم هو الطواف ثلاثة أشواط، هل يكون الغرض

منه شرطية العدد المذكور فما دون فلا يترتب على الزائد عنه و لو كان شوطا واحدا أو أقلّ منه أو يكون الغرض منه شرطيّة العدد المذكور فما فوق؟ الظاهر هو الأوّل لاستلزام الاحتمال الثاني ثبوت الكفارة في خمسة أشواط مع ان صدر الرواية ظاهر في خلافه مضافا الى انّ ثبوت الكفارة في الثلاثة فما فوقها و عدمها في الأقلّ مما لا مجال لاحتماله في نفسه فيتعين ان يكون المراد هو الاحتمال الأوّل فالمعيار في ثبوت الكفارة هو الثلاثة فما دون كما استفاد منه المحقق في الشرائع على ما هو ظاهر عبارته المتقدمة.

و العجب من بعض الاعلام- قده- انه جعل المعيار هي الخمسة مع انّك عرفت أنّها مأخوذة في عنوان مورد السؤال و المعيار ما ذكره الامام- عليه السلام- في الجملة الشرطية التي أضافها في الذيل.

و امّا العنوان المذكور في المتن و هو التجاوز عن النصف و عدمه فقد حكاه العلّامة في المختلف عن الشيخ- قده- و ذكر انه عوّل في ذلك على رواية حمران بن أعين مع انه من الواضح عدم دلالتها عليه بوجه نعم لو كانت كلتا الشرطيتين مذكورتين في كلام الامام- ع- لأمكن أن يستفاد منه ذلك على تأمل أيضا و امّا بهذه الصورة فلا مجال لتوهم دلالتها عليه أصلا.

و ما يمكن ان يستدل به على هذا العنوان أمران:

الأمر الأوّل: انّ هذا العنوان مأخوذ فيما يرتبط بصحة الطواف و بطلانه بمعنى انّ فقد ان شرط الصّحة كالطهارة من الحدث- مثلا- أو رفع اليد عن الطواف إذا كان قبل التجاوز عن النصف يوجب بطلانه رأسا و قد ورد هذا العنوان في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 416

..........

______________________________

روايات عروض

الحيض في أثناء الطواف و في روايات اخرى و الظاهر انّه الموضوع للمقام الذي يكون البحث فيه عن الكفارة و عدمها.

و الجواب انه لم ينهض دليل على الملازمة بين الأمرين فإن الصحة و البطلان أمر و ثبوت الكفارة و عدمها أمر آخر لا ارتباط بينهما.

الأمر الثاني: ما رواه الصدوق عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في رجل نسي طواف النساء قال إذا زاد على النصف و خرج ناسيا أمر من يطوف عنه، و له ان يقرب النساء إذا زاد على النصف «1». فان جواز المقاربة في صورة الزيادة على النصف يستلزم عدم ثبوت الكفارة في هذه الصّورة.

و لكن حيث انّ في السند علي بن أبي حمزة لا مجال للاعتماد على الرواية و الاستناد إليها بوجه مضافا الى ان مقتضى رواية حمران المتقدمة الدالة على وجوب الاستغفار بعد ما طاف خمسة أشواط عدم الجواز لانه لا معنى للاستغفار مع الجواز مع ان ظاهر أدلة توقف حلية النساء على طوافهن توقفها على إكمال الطواف و عدم تحققها قبل الإكمال.

فانقدح من جميع ما ذكرنا ان مقتضى التحقيق ما ذكره المحقق في الشرائع ممّا عرفت و لكن المحقق ذكر في الشرائع بعد ذلك: «و إذا طاف المحرم من طواف النّساء خمسة أشواط ثم واقع لم تلزمه الكفارة و بنى على طوافه و قيل يكفي في ذلك مجاوزة النصف و الأوّل مرويّ» و هو يشعر باختياره للأوّل و عليه فيرد عليه ما أوردناه على بعض الاعلام مما مرّ.

و العجب من صاحب الجواهر انّه مع تضعيفه رواية حمران و حكمه بثبوت الإجماع على خلافها ذكر في شرح هذا الكلام من المحقق ما حاصله انه لا مجال

______________________________

(1) وسائل

أبواب الطواف الباب الثامن و الخمسون ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 417

..........

______________________________

للمناقشة في سندها للانجبار و كونها رواية حسنة بل في سندها من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه و في دلالتها بأنه لا ينفى الكفارة لا عمية عدم الذكر من ذلك لكونها مدفوعة بأنه في مقام البيان وقت الحاجة و لم تعرف المناقشة في دلالتها.

أقول قد عرفت ما هو التحقيق في سند الرواية و دلالتها و لا نطيل بالإعادة.

و هاهنا فرع لم يقع التعرض له في المتن و هو ما لو جامع فيما دون الفرج في الصور الثلاثة التي كانت الكفارة فيها ثابتة و قد ورد فيه روايتان:

إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل محرم وقع على اهله فيما دون الفرج قال: عليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل، و ان كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه، و ان كان استكرهها فعليه بدنتان و عليه الحج من قابل «1». و المحكيّ عن التهذيب في ذيل الرواية:

«و عليهما (عليه) الحج» و في نقل صاحب الجواهر «عليهما» فقط.

و كيف كان فمقتضى إطلاق مورد السؤال و ترك الاستفصال في الجواب انه لا فرق بين وقوع الجماع المذكور قبل الوقوفين أو بينهما أو بعدهما نعم الظاهر خروج الصورة الأخيرة بلا شبهة و يؤيد بل يدل على عدم الفرق نفى وجوب الحج عليه من قابل الظاهر في انه في مقابل الصورتين اللتين وجب فيهما الحج من قابل.

نعم يبقى الإشكال في المراد من الجماع في القضية الشرطية في كلام الامام- ع- فإنه ان كان المراد به هو الجماع في الفرج الذي

ينصرف إليه إطلاق

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السّابع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 418

[مسألة 3- لو قبل امرأة بشهوة فكفارته بدنة]

مسألة 3- لو قبل امرأة بشهوة فكفارته بدنة، و ان كان بغير شهوة فشاة و ان كان الأحوط بدنة، و لو نظر الى أهله بشهوة فأمنى فكفّارته بدنة على المشهور، و ان لم يكن بشهوة فلا شي ء عليه، و لو نظر الى غير أهله فأمنى فالأحوط ان يكفر ببدنة مع الإمكان و الّا فببقرة و الّا فبشاة، و لو لا مسها بشهوة فأمنى فعليه الكفارة، و الأحوط بدنة و كفاية الشاة لا تخلو عن قوة، و ان لم يمن فكفارته شاة (1).

______________________________

لفظ الجماع يرد عليه انه لم يكن الجماع بهذا المعنى موردا للسؤال حتى يقع التعرض لصورة متابعة الزوجة و استكراهها بل كان مورده هو الجماع فيما دون الفرج.

فلا بدّ ان يقال بكون اللام في الجماع للعهد الذكرى و مراده الجماع المفروض في مورد السؤال و إطلاق الجماع عليه لا مانع منه إذا كان مع القرينة لكن في الجواهر انه لا قائل بما في الذيل لان وجوب الحج عليهما في صورة الاستكراه لم يكن ثابتا في الجماع الحقيقي فضلا عن المقام و التفصيل في الكفارة بين الصورتين لم يوجد مصرّح به هنا و لذا احتمل تطرق بعض التحريف من النساخ و كيف كان فإجمال ذيل الرواية أو الاعراض عنه لا يقدح في صحة الاستدلال بصدرها كما لا يخفى.

ثانيتهما: صحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في المحرم يقع على اهله قال: ان كان أفضى إليها فعليه بدنة و الحج من قابل، و ان لم يكن أفضى إليها فعليه

بدنة و ليس عليه الحجّ من قابل «1». و الرواية ظاهرة الدلالة على ان الجماع فيما دون الفرج يترتب عليه الكفارة فقط و مقتضى إطلاقها الشمول للصور الثلاثة.

(1) في هذه المسألة فروع:

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 419

..........

______________________________

الفرع الأوّل: التقبيل المحرّم في حال الإحرام و انه ما ذا يترتب عليه من الكفارة و ما في المتن موافق لما في الشرائع و لما هو المحكي عن النهاية و المبسوط و القواعد و التحرير و الدروس و غيرها بل نسب إلى الأكثر، و عن الصدوق في الفقيه إطلاق وجوب الشاة بالتقبيل، و عن المفيد و السيّد و الصدوق في المقنع إطلاق وجوب البدنة مع احتمال ارادة مع الشهوة خصوصا الأوّل منهم، و عن سلار و سعيد اعتبار الأمناء و عن ابن إدريس انه قال: «من قبّل امرأته بغير شهوة كان عليه دم فان قبّلها بشهوة كان عليه دم شاة إذا لم يمن، فإن أمنى كان عليه جزور.

و اللازم ملاحظة الروايات الواردة في هذا المجال التي تكون عمدتها روايتان لكن البحث فيهما تارة يقع على المبنى الذي اخترناه و هو عدم حرمة التقبيل إذا لم يكن بشهوة و ان القبلة المحرمة منحصرة بما إذا كان بشهوة و اخرى على المبنى الذي هو حرمة التقبيل مطلقا سواء كان بشهوة أو بدونها.

فنقول امّا الروايتان.

فإحداهما: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته قال: نعم يصلح عليها خمارها و يصلح عليها ثوبها و محملها قلت أ فيمسّها و هي محرمة؟ قال نعم، قلت المحرم يضع يده بشهوة

قال:

يهريق دم شاة، قلت فان قبّل، قال: هذا أشدّ ينحر بدنة «1». و الظاهر ان المراد من التقبيل الواقع في السؤال الأخير هو التقبيل بشهوة لأنه مضافا الى ان التقبيل

______________________________

(1) وسائل أورد صدرها في الباب السابع عشر من أبواب كفارات الاستمتاع ح- 2 و ذيلها في الباب الثامن عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 420

..........

______________________________

يكون غالبا بشهوة بخلاف وضع اليد و لأجله فرض السائل فيه صورتين دون القبلة يكون الحكم في الجواب باشديّته من وضع اليد بشهوة قرينة على كون المراد هي قبلة الشهوة لأن القبلة بدونها لا تكون أشد من وضع اليد بشهوة فالجواب قرينة على كون المراد خصوص هذه الصورة و تؤيّده المسبوقية بالسؤال عن وضع اليد بشهوة.

لكن الرواية مطلقة من جهة الأمناء و عدمه و ظاهره ثبوت كفارة النحر في كلتا الصورتين.

ثانيتهما: صحيحة مسمع أبي سيّار قال قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- يا أبا سيّار انّ حال المحرم ضيّقة، فمن قبّل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة، و من قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر ربّه الحديث «1».

و الاختلاف بين المبنيين انّما يكون مرتبطا بهذه الرواية و مبتنيا على مفادها و مدلولها و قد ذكرنا سابقا ان ظاهر ذيلها مدخليّة الأمناء في ثبوت كفارة الجزور و مقتضى قرينة المقابلة ان يكون المراد بالتقبيل في الصدر هو التقبيل مع شهوة مع عدم تحقق الأمناء بعده و ذلك لانه مضافا الى ما عرفت من كون الغالب في التقبيل هو صدوره عن شهوة يكون حمل الصدر على ظاهره موجبا للالتزام بعدم تعرض الرواية للفرض الغالب و تعرضها للفرضين غير

الغالبين و هما التقبيل على غير شهوة و التقبيل على شهوة مع الأمناء و لا مجال للالتزام به فاللازم الحمل على كون المراد من الصّدر هو التقبيل مع الشهوة بدون الأمناء فالرّواية على هذا التقدير تدل على التفصيل بين صورة الأمناء و عدمها مع اشتراك الصّورتين في الشهوة و عليه فلا بدّ من حمل الرواية الأولى الدالة على نحر البدنة على خصوص

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثامن عشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 421

..........

______________________________

صورة الأمناء و هي و ان كان ظهورها في نفسها في أشدية نفس التقبيل بشهوة عن وضع اليد كذلك الّا انه لا بد من الالتزام بخلاف هذا الظاهر بناء على ما ذكرنا.

هذا و امّا القائلون بثبوت الكفارة في مطلق التقبيل فقد استندوا الى هذه الرّواية مع حمل الذيل على عدم مدخليّة الأمناء في الكفارة الخاصة لأنه مضافا الى عدم كون القبلة بشهوة موجبة للإمناء نوعا تكون الرواية الأولى الظاهرة في أشدّية نفس التقبيل بشهوة و لو مع عدم الأمناء قرينة على عدم مدخلية الأمناء هذا و لكن التحقيق ما ذكرنا فتدبّر.

الفرع الثاني: النظر بشهوة و هو تارة يكون الى الأهل من الزوجة أو الأمة و اخرى الى غير الأهل كالمرأة الأجنبيّة ففي هذا الفرع صورتان:

الاولى النظر الى الأهل كذلك أي بشهوة و قد ورد في كفارته روايات:

إحداها: صحيحة مسمع أبي سيار المتقدمة المشتمل ذيلها على قوله- ع-: و من مسّ امرأته بيده و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة، و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، و من مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي ء عليه «1».

و هو ظاهر في ثبوت كفارة الجزور على النظر بشهوة مع تعقبه للإمناء و خروج المنيّ.

ثانيتها: ذيل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في بحث حرمة النظر و هو قوله:

و قال في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزلها بشهوة حتّى ينزل قال: عليه بدنة «2». و قد مرّ

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 3.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 422

..........

______________________________

في ذلك البحث التحقيق في وجه الجمع بين هذا الذيل و بين صدرها و هو قوله:

سألته- يعني أبا عبد اللّٰه عليه السلام- عن محرم نظر الى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم قال: لا شي ء عليه و لكن ليغتسل و يستغفر ربّه و ان قرينة الذيل و عطف الإمذاء على الأمناء شاهدان على كون المراد من النظر في الصدر المحكوم بالحرمة بلحاظ وجوب الاستغفار و عدم ثبوت الكفارة هو النظر بشهوة مع عدم تعقبه للإمناء و عليه فهذه الصحيحة تطابق الصحيحة المتقدمة في الحكم بثبوت البدنة التي هي عبارة عن الجزور الذي عبر به في الرواية السابقة.

ثالثتها: صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن- عليه السلام- قال سألته عن رجل قال لامرأته أو لجاريته بعد ما حلق و لم يطف و لم يسع بين الصّفا و المروة:

اطرحي ثوبك و نظر الى فرجها قال لا شي ء عليه إذا لم يكن غير النظر «1». و مفهومها و ان كان مطلقا من جهة ثبوت الكفارة إذا كان هناك غير النظر لكنّه يقيّد بالصحيحتين الأوليين بما إذا كان هناك شهوة و أمناء فلا تنافي بينها بوجه.

رابعتها: موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي

عبد اللّٰه- عليه السلام- في محرم نظر الى امرأته بشهوة فأمنى، قال: ليس عليه شي ء «2».

و هذه الرواية ظاهرة في نفي ثبوت الكفارة في مورد الروايات المتقدمة الدالة على الثبوت فيتحقق التعارض و لأجله حكى عن الشيخ- قده- انه بعد نقل الرواية حملها على صورة السّهو دون العمد و لعلّها تكون مستند المفيد و المرتضى فيما حكى عنهما من إطلاق نفي الكفارة و لكن حيث انّ الشهرة الفتوائية المحققة على طبق الروايات السّابقة و هي أوّل المرجحات في الخبرين المتعارضين فاللازم الأخذ بها

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 4.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 423

..........

______________________________

و طرح هذه الرّواية.

و قد انقدح من ذلك انه لا مجال للمناقشة في ثبوت كفارة البدنة فيما إذا كان النظر بشهوة متعقبا للإمناء و عدم ثبوتها في غير هذه الصورة و ان كان مطلق النظر بشهوة من محرمات الإحرام و عليه فيرد على المتن انّ النسبة إلى المشهور المشعرة بتردده فيه لا مجال لها كما ان الحكم بعدم ثبوت الكفارة في النظر بغير شهوة لا وجه للتعرض له بعد عدم كون النظر الكذائي محرّما أصلا و قد صرّح بتقييد النظر بالشهوة في عنوان المحرم الثاني من محرّمات الإحرام مع انه يرد عليه أيضا انّ مقتضاه عدم التعرض لحكم النظر بشهوة مع عدم تعقّبه للإمناء كما لا يخفى و كيف كان فمقتضى التحقيق ما ذكرنا.

الصورة الثانية: النظر الى غير الأهل و قد عرفت في بحث حرمة النظر في حال الإحرام انّ المحرّم منه بالإضافة إلى الأجنبيّة هو ما كان متعقّبا للإمناء و لو لم

يكن بشهوة و عليه فالكلام يقع في كفارته فنقول: ذكر في الشرائع: «و لو نظر الى غير أهله فأمنى كان عليه بدنة ان كان موسرا و ان كان متوسطا فبقرة و ان كان معسرا فشاة» و حكى في الجواهر اعتراف غير واحد بأنه خيرة الأكثر و قال بل هو المشهور.

و عن المفيد و سلّار و ابن زهرة انه ان عجز عن الشاة صام ثلاثة أيام و في محكيّ الرّياض الحكم به معلّلا له بأنه أصل عام.

و عن ابن حمزة ترك الشاة رأسا و عن المقنع الفتوى على طبق صحيحة زرارة الآتية الظاهرة في التخيير بين الجزور و البقرة و ان لم يجد فشاة و تبعه بعض متأخري المتأخرين، و عن بعض الناس قوة احتمال الاكتفاء بالشاة مطلقا استنادا الى بعض الروايات الآتية.

و مستند المشهور موثقة أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- رجل محرم نظر الى ساق امرأة فأمنى فقال ان كان موسرا فعليه بدنه،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 424

..........

______________________________

و ان كان وسطا فعليه بقرة، و ان كان فقيرا فعليه شاة ثم قال اما انّي لم اجعل عليه هذا لأنّه أمنى إنّما جعلته عليه لانه نظر الى ما لا يحلّ له، و في رواية الصدوق الى ساق امرأة أو الى فرجها فأمنى «1». و هي ظاهرة الدلالة على مرام المشهور نعم الاشكال انّما هو في الذيل المشتمل على التعليل و قد فصلنا الكلام فيه سابقا فراجع و مستند القائل بكفاية الشاة مطلقا صحيحة معاوية بن عمّار في محرم نظر الى غير أهله فأنزل، قال عليه دم لانه نظر الى غير ما يحلّ له، و ان لم يكن

انزل فليتق اللّٰه و لا يعد و ليس عليه شي ء «2».

هذا و لكن الرواية لو فرض كونها مطلقة و في مقام البيان و لم يكن بصدد ثبوت الدّم بنحو الإجمال في مقابل الشرطيّة الأخيرة التي يكون جزأيها مشتملا على عدم ثبوت الكفارة مع عدم الانزال لكان مقتضى قاعدة حمل المطلق على المقيد لزوم تقييدها بالموثقة الظاهرة في التفصيل كما هو مرام المشهور.

و مستند المقنع و من تبعه صحيحة زرارة قال سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل محرم نظر الى غير أهله فأنزل قال: عليه جزور أو بقرة فان لم يجد فشاة «3».

هذا و لكن اللازم بملاحظة الموثقة تقييد إطلاق قوله- ع- أو بقرة بما إذا لم يتمكن من الجزور لقاعدة حمل المطلق على المقيّد فاللّازم الأخذ بما عليه المشهور و الفتوى على طبقه.

نعم ربما يتوهّم أن الأمناء في الروايات المتقدمة قرينة على اقتران النظر بالشهوة خصوصا مع كون المنظور إليها امرأة أجنبية و لكن يدفع التوهم المزبور دلالة بعض الروايات على فرض الأمناء بدون الشهوة و هي رواية محمد قال

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السادس عشر ح- 2.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السادس عشر ح- 5.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السادس عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 425

..........

______________________________

سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن رجل حمل امرأته و هو محرم فأمنى أو أمذى قال ان كان حملها أو مسّها بشي ء من الشهوة فأمنى أو لم يمن، أمذى أو لم يمذ فعليه دم يهريقه، فان حملها أو مسّها لغير شهوة فأمنى أو أمذى فليس عليه شي ء «1». فان التفصيل في الجواب ظاهر في كون الأمناء

أعمّ من الشهوة و عليه فإطلاق الروايات المتقدمة بحاله و مجرد كون الغالب في النظر إلى الأجنبية خصوصا مع تعقب الأمناء هو كونه بشهوة لا يوجب الانصراف و لذا لم يقع هذا القيد في كلام المشهور و المتن و ان كان يرد على مثل المتن ممّا وقع فيه تقييد النظر بشهوة في أصل عنوان المحرم الثاني من محرمات الإحرام انه لا يجتمع التقييد هناك مع الإطلاق هنا فإنه مع عدم كون النظر واقعا بشهوة لا يكون محرّما حتى يترتب عليه الكفارة و الحرمة الأصلية المطلقة لا تستلزم الحرمة الإحرامية بوجه كما نبهنا عليه مرارا و حمل الأمناء في الروايات على خصوص صورة قصد خروج المني و انّ الكفارة انما هي لأجله مدفوع مضافا الى ان كلمة «الأمناء» لا دلالة فيها على وجود قصد خروج المني بل معناها مجرد الخروج و لو لم يكن مقرونا بالقصد بان موثقة أبي بصير بضميمة صحيحة معاوية بن عمار ظاهرة في مدخليّة النظر في ترتب الكفارة غاية الأمر مدخلية الإنزال أيضا و ان النظر المتعقب للإنزال يوجب الكفارة فلا يبقى مجال للحمل المذكور بوجه.

بقي في هذا الفرع أمران:

الأمر الأوّل: ذكر في المسالك بعد شرح كلام الشرائع: «هذا كلّه إذا لم يكن معتاد الأمناء عند النظر أو قصد الأمناء به و الّا كان حكمه حكم مستدعى المنيّ» و مراده حكم الاستمناء الذي تكون كفارته بدنة مطلقا و قد وقع فيه

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 426

..........

______________________________

الخلاف في فساد الحج به كالجماع الذي يترتب عليه لزوم الحج من قابل.

أقول ان كان مراده اختصاص الروايات الواردة في المقام

بذلك في نفسها فالظاهر انه لا مجال لدعويه لظهورها في الإطلاق و قد عرفت انه ليس معنى قوله:

فأمنى إلّا مجرد خروج المنى و القصد خارج عن معناه كما انّ عدم الاعتياد أيضا كذلك و ان كان مراده تقييد إطلاق هذه الروايات بما ورد في الاستمناء فاللازم ملاحظته و سيأتي البحث عنه إن شاء اللّٰه تعالى.

الأمر الثاني: ان ظاهر الموثقة التي عرفت انّها مستند المشهور انّ الاختلاف انّما هو بحسب اختلاف حالات المكلف من كونه موسرا أو متوسطا أو فقيرا و عليه فلا ترتيب في الكفارة بل لكل مكلف حكم يخصه و الرجوع في تشخيص العناوين الثلاثة انّما هو الى العرف كما في سائر الموارد و لكن ربما يقال بتنزيل ذلك على الترتيب و معناه وجوب البدنة على القادر عليها و مع عدم القدرة عليها فالبقرة و مع عدم القدرة عليها فالشاة و حكي عن العلامة و الشهيد القطع به و هو ظاهر المتن و الظاهر انّ الوجه في ذلك صحيحة زرارة المتقدمة المشتملة على قوله:

فان لم يجد فشاة حيث ان ظاهرها بعد التقييد الذي عرفت كون الانتقال إلى البقرة انّما هو مع عدم إمكان الجزور و الانتقال إلى الشاة انّما هو مع عدم إمكان البقرة.

و لكن الظاهر ان ظهور الموثقة في عدم الترتيب و كون الاختلاف في الكفارة انّما هو بحسب اختلاف حالات المكلف أقوى من ظهور الصحيحة في الترتيب و عليه فيحمل قوله- ع- فان لم يجد على عدم كونه واجدا للمال بهذا المقدار نوعا و لا محالة ينطبق على الفقير لا على العجز لعدم الوجدان أو لعدم القدرة المالية الشخصية فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 427

..........

______________________________

الفرع الثالث:

لمس الزوجة أو الأمة بشهوة و المنسوب إلى الأكثر بل المشهور ثبوت الشاة فيه من دون فرق بين صورة الأمناء و عدمها و حكى عن ابن إدريس التفصيل بين الصورتين بالحكم بثبوت البدنة مع الأمناء و الشاة مع عدمها و اللازم ملاحظة الروايات الواردة في هذه الجهة فنقول:

منها: صحيحة مسمع أبي سيّار قال: قال لي أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- يا أبا سيّار انّ حال المحرم ضيّقة ان قبل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة، و ان قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر اللّٰه، و من مسّ امرأته و هو محرم على شهوة، فعليه دم شاة، و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، و ان مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي ء عليه «1». و مقتضى إطلاق قوله:

و من مسّ .. ثبوت الشاة مطلقا من دون فرق بين صورتي الأمناء و عدمها و يؤيّد الإطلاق تقييد نظر الشهوة بالامناء في الفقرة اللاحقة في ثبوت كفارة الجزور فان قرينة المقابلة تقتضي ثبوت الشاة في المسّ بشهوة مطلقا لعدم التعرض للقيد المذكور فيه.

و منها: ذيل صحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة و هو قوله- ع- و ان حملها أو مسّها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم و قال في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزلها بشهوة حتى ينزل قال عليه بدنة «2». و الظاهر انه مستند ابن إدريس للتفصيل الذي ذكره نظرا الى انّ الأمناء في الفقرة الاولى لا مدخليّة لها أصلا لعطف الإمذاء عليها و عليه

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثاني عشر ح- 3.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 1.

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 428

..........

______________________________

فالحكم مترتب على نفس الحمل أو المس بشهوة و امّا الفقرة الأخيرة فالقيد فيها خصوص الانزال المنصرف إلى إنزال المنيّ فقط كما في سائر الروايات التي أطلق فيها الانزال فالرواية- ح- ظاهرة في ثبوت البدنة في المسّ بشهوة إذا كان متعقبا للإمناء و تصلح لان تكون مقيدة لإطلاق الصحيحة السّابقة و حمل قوله: حتى ينزل على الاستمناء في غاية البعد بل الظاهر ان المراد من التعبير ب «حتى» هو ترتب الانزال و الأمناء فقط.

و يظهر من الجواهر- قده- انّ النسخة التي حكى الرواية عنها كانت «واو» مكان «أو» في قوله- ع- أو ينزلها بشهوة حيث استظهر من الرّواية اعتبار النظر و النزول بشهوة حتى ينزل لا النزول خاصّة و استفاد منها انّ البدنة- ح- للنظر خاصّة و لكن يرد عليه مضافا الى انّ لازمة كون اضافة النزول الى النظر بلا وجه انّ الرواية في الوسائل المطبوعة بالطبع الحديث المشتملة على التذييلات الحاكية عن مراجعة المصادر الأصلية التي أخذ منها الرواية صاحبها تكون مشتملة على «أو» و ليس في الذيل إشارة إلى وجود «الواو» في الكافي أو التهذيب أو الاستبصار مع كونها منقولة في الجميع.

فالظاهر- ح- انّ الرواية تدل على ثبوت البدنة في المسّ بشهوة المتعقب للإمناء و تصلح ان تكون مستندة لابن إدريس نعم لا مجال للاستدلال له بأنه أفحش من النظر الذي فيه بدنة فان مثل هذا الاستدلال لو سلم و لم يكن خاليا عن الإشكال فإنّما يكون مورده ما إذا لم يكن دليل لفظي على الخلاف و لو كان هو الإطلاق فتدبر.

و منها: رواية محمد- يعنى ابن مسلم- قال سألت أبا عبد اللّٰه-

عليه السلام- عن رجل حمل امرأته و هو محرم فأمنى أو أمذى قال ان كان حملها أو مسّها بشي ء من الشهوة فأمنى أو لم يمن، أمذى أو لم يمذ فعليه دم يهريقه، فان حملها أو مسّها لغير

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 429

..........

______________________________

شهوة فأمنى أو أمذى فليس عليه شي ء «1». و في هذا الطريق علي بن أبي حمزة البطائني الكذاب المعروف لكن ذكر في الوسائل بعد نقل الرواية: «و عنه- يعني الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم- عن عبد الرحمن عن علاء عن محمّد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّٰه- ع- و ذكر مثله الّا انه قال في آخره فأمنى أو لم يمن- يعنى ترك قوله أمذى أو لم يمذ- و رواه الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم نحوه الّا انه قال: دم شاة، و رواه في المقنع كذلك» و عليه فالرّواية مروية بطرق ثلاثة و طريق الشيخ أي الثاني صحيح و المراد بعبد الرحمن فيه هو عبد الرحمن أبي نجران كما ان طريق الصدوق الى محمد بن مسلم أيضا ضعيف لوجود فردين غير موثقين فيه و هما على بن احمد و أبوه أحمد بن عبد اللّٰه.

و كيف كان فالرواية على الطريق الصحيح تشتمل على خصوصيتين: إحديهما إطلاق الدم فيها و عدم الإضافة إلى الشاة و ثانيتهما التصريح بعدم الفرق بين الأمناء و عدمه و عدم عطف الإمذاء على الأمناء إثباتا و نفيا.

و عليه فصحيحة معاوية بن عمار كما تكون صالحة لتقييد صحيحة مسمع كذلك تصلح لتقييد إطلاق الدم في هذه الرواية و حملها على خصوص البدنة في صورة الأمناء و الشاة في صورة عدمها كما لا يخفى

و التصريح بعدم الفرق انما هو بالإضافة إلى أصل ثبوت كفارة الدم لا خصوصيته.

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته قال نعم يصلح عليها خمارها و يصلح عليها ثوبها و محملها قلت: أ فيمسّها و هي محرمة؟ قال نعم، قلت المحرم يضع يده بشهوة قال

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 430

..........

______________________________

يهريق دم شاة قلت: فان قبّل قال هذا أشدّ ينحر بدنة «1».

و الظاهر في بادي النظر ان صحيحة معاوية بن عمار تصلح لتقييد هذه الرواية المصرحة بكون الكفارة دم شاة بما إذا لم يتحقق الأمناء عقيب وضع اليد بشهوة لكن مقتضى الدقة انه لا يجوز تقييدها بذلك لأنّك عرفت في مسألة كفارة التقبيل أن ملاحظة الروايات الأخر الواردة في كفارة التقبيل تقتضي حمل هذه الرواية على التقبيل بشهوة مع التعقب للإمناء و ان كان خلاف الظّاهر فإذا حملنا الفقرة السّابقة على وضع اليد بشهوة مع عدم تعقب الأمناء لا يبقى مجال للحكم بالأشدية الموجبة للزوم نحر البدنة لأنه لا يبقى فرق- ح- بين التقبيل و وضع اليد لأنه في كليهما تكون الكفارة البدنة مع الأمناء و الشاة مع عدمها فلا وجه لتوصيفه بالأشديّة.

و الانصاف أنّ الدّقة في هذه الرواية توجب المصير الى ما عليه المشهور من ثبوت الشاة في المس بشهوة الذي يكون وضع اليد كذلك أحد مصاديقه و عليه فيشكل الأمر في الكفارة في هذا الفرع من جهة ان مقتضى قاعدة حمل المطلق على المقيد في الرّوايات هو الأخذ بما عليه ابن إدريس من التفصيل

و من ان المشهور شهرة عظيمة بل كما في الجواهر: كادت تبلغ الإجماع هو ثبوت الشاة مطلقا فهل الشهرة الكذائية تعدّ بمنزلة الاعراض عن صحيحة معاوية بن عمار القادح في حجّيتها بالإضافة إلى الفقرة الأخيرة و ان كان لا يضرّ ذلك بالإضافة إلى النظر لوجود التعرض له في روايات أخرى أيضا و انه إذا كان بشهوة و متعقبا للإمناء تكون كفارته بدنة.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع أورد صدرها في الباب السابع عشر ح- 2 و ذيلها في الباب الثامن عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 431

[مسألة 4- لو جامع امرأته المحرمة فإن أكرهها فلا شي ء عليها]

مسألة 4- لو جامع امرأته المحرمة فإن أكرهها فلا شي ء عليها و عليه كفّارتان، و ان طاوعته فعليها كفارة و عليه الكفارة (1).

______________________________

أو ان الشهرة تكشف عن كون الرواية مطابقة لما حكاه في الجواهر من وجود «الواو» دون «أو» أو عن كون المراد بقوله: حتى ينزل هو الاستمناء كما مرّت الإشارة إليه فلا ترتبط الرواية بالمقام.

و كيف كان فالمسألة مشكلة من جهة ثبوت الشهرة الكذائية المؤيدة بما تقتضيه الدقّة في الرواية الأخيرة و من جهة كون الجمع الدلالي بين الروايات مقتضيا للأخذ بخلاف ما عليه المشهور فالأحوط وجوبا رعاية التفصيل و الفرق في الكفارة بين صورتي الأمناء و عدمها.

(1) قد نفي وجد ان الخلاف بل الإشكال في الجواهر في صحّة حجّ الزوجة المكرهة على الجماع و كذا في ثبوت كفارتين على الزوج المحرم المكره بل حكى عن الخلاف الإجماع على لزوم كفارتين بجماعها محرمين.

و الرّوايات الواردة في هذا المجال بين ما هو ظاهر الدلالة على كلا الحكمين و بين ما يدل على الحكم الأوّل و هو عدم ثبوت الكفارة على المكرهة و

بين ما لا تتضح دلالته و ربما تكون معرضا عنها.

امّا الأوّل: فالظاهر انحصاره في رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة قال سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن محرم واقع اهله قال: قد اتى عظيما، قلت أفتني «قد ابتلى» فقال استكرهها أو لم يستكرهها؟ قلت أفتني فيهما جميعا قال ان كان استكرهها فعليه بدنتان، و ان لم يكن استكرهها فعليه بدنة و عليها بدنة الحديث «1».

و حيث ان مستند المشهور منحصر في هذه الرّواية فلا محالة ينجبر ضعفها بعلي بن أبي حمزة و يكون الاستناد جابرا له على ما هو التحقيق عندنا.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الرابع ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 432

..........

______________________________

و امّا الثاني: فمثل صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- المتقدمة أيضا قال سألته عن رجل باشر امرأته و هما محرمان ما عليهما؟ فقال ان كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدى جميعا، و يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك و حتى يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، و ان كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء «1».

و صحيحة عبيد اللّٰه بن عليّ الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث المتقدمة أيضا قال: قلت أ رأيت من ابتلى بالجماع ما عليه؟ قال عليه بدنة، و ان كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما بدنتان ينحرانهما، و ان كان استكرهها و ليس بهوى منها فليس عليها شي ء الحديث «2». و لأجل عدم دلالة هذه الطائفة على أزيد من الحكم الأوّل حكى عن صاحب المدارك الدغدغة و الشبهة في ثبوت الحكم الثاني مع

انه لو كان الدليل منحصرا بهذه الطائفة لكان عدم التعرض للحكم الثاني كاشفا عن عدمه و امّا مع وجود الدليل و هي الرواية الأولى على ثبوته لا يبقى مجال للإشكال فيه الّا ان لا يكون استناد المشهور إلى رواية ضعيفة جابرا لضعفها لما عرفت من انحصار الدليل الظاهر في كلا الحكمين في خصوص تلك الرّواية.

و امّا الثالث: فصحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل محرم وقع على اهله فيما دون الفرج قال عليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل، و ان كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه، و ان كان استكرهها

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الرابع ح- 1.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 433

..........

______________________________

فعليه بدنتان و عليه الحج من قابل «1». هكذا في الوسائل و لكن حكي في حاشيتها عن الاستبصار انه ترك فيه قوله: و ان كانت الى آخر الحديث، و عن التهذيب تمام الحديث و في آخره: و عليهما «عليه» الحج، و في نقل صاحب الجواهر: و عليهما الحج من قابل.

و الاشكال في الرواية انه ان كان المراد بالجماع هو الجماع الحقيقي فيرد عليها مضافا الى عدم ارتباطه بما هو مورد السؤال و هو المواقعة فيما دون الفرج انّ ثبوت الحج عليه فقط من قابل ان كان في مورد المتابعة و المطاوعة فقد مرّت دلالة روايات كثيرة على ثبوت الحج عليهما من قابل و ان كان في مورد الاستكراه فلا مجال لتخصيص لزوم القضاء بهذه الصورة و ان كان الضمير بنحو التثنية فهو لا يتمّ في مورد الاستكراه

الذي دلت روايات متعددة على انه لا شي ء على المستكرهة.

و ان كان المراد بالجماع هو الجماع فيما دون الفرج الذي هو مورد السؤال نظرا الى صدق عنوان الجماع عليه لغة فمضافا إلى انه لم يقل أحد بثبوت القضاء فيه بل ذكر صاحب الجواهر- قده- ان وجوب البدنة عليها مع المطاوعة و تحمله عنها مع الإكراه لم أجد به مصرّحا هنا لا يبقى مجال للاستدلال بها على حكم الجماع الحقيقي الذي هو مورد البحث في المقام الّا ان يقال باستفادة حكم المقام من طريق الأولوية أو إلغاء الخصوصية و كلتاهما كما ترى فالإنصاف انّه لا مجال لاستفادة شي ء من الرواية بالإضافة الى هذه الجهة.

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا انّ الحقّ ما عليه المتن تبعا للمشهور.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 434

[مسألة 5- كلّ ما يوجب الكفارة لو وقع عن جهل بالحكم]

مسألة 5- كلّ ما يوجب الكفارة لو وقع عن جهل بالحكم أو غفلة أو نسيان لا يبطل به حجّه و عمرته و لا شي ء عليه (1).

______________________________

بقي في هذه المسألة أمران: أحدهما: انّ الظاهر خصوصا بملاحظة صحيحتي سليمان و الحلبي المتقدمتين انّ المراد بالاستكراه هنا أوسع من الإكراه المذكور في حديث الرّفع المعروف فانّ المراد بالإكراه هناك ما يكون مقرونا بالتوعيد على ترك المكره عليه بإيقاع الضرر النفسي أو العرضي أو المالي على المكره- بالفتح- إذا ترك المكره عليه و امّا الاستكراه هنا فالمراد به مجرد عدم كون المرأة معينة للزوج على الجماع و عدم وقوعه بهوى منها في مقابل ما إذا تحققت الإعانة و كونه بهوى منها كما في الرّوايتين و عليه فلا مجال لاستفادة حكم المقام من حديث الرفع

كما صنعه بعض الاعلام- قده- في بعض فروع المسألة.

ثانيهما: الظاهر اختصاص مورد التحمل بما إذا كان الإكراه متحققا من ناحية الزوج بالإضافة إلى الزوجة لأن التحمل أمر على خلاف القاعدة و اللازم الاقتصار فيه على مورد الدليل و الدليل في المقام وارد في خصوص هذا المورد و امّا إذا كان الإكراه من ناحية الزوجة بالنسبة إلى الزوج فالظاهر انه لا تتحمل عنه بوجه بل عليها كفارة واحدة نظير إكراه الزوج زوجته الصائمة على الإفطار في شهر رمضان فإنه يتحمّل عنها الكفارة و لا دليل على التحمل في العكس و امّا عدم ثبوت شي ء على الزوج المكره- بالفتح- فقد ادّعى في الجواهر ضرورة عدم الفرق و ان التعرض للعكس في الروايات باعتبار غلبة وقوع الإكراه من ناحية الزوج دون العكس و هذا هو الفرع الذي ذكر بعض الاعلام انه لا حاجة في استفادة حكمه الى النصوص بل حديث الرفع كاف في ذلك و قد مرّ ما فيه.

(1) قال في الجواهر في ذيل مسألة ثبوت الكفارة و مثلها في الجماع: «و لا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 435

..........

______________________________

خلاف في اعتبار العلم و العمد في ترتب الأحكام المزبورة فلا شي ء على الجاهل بالحكم و الناسي للإحرام و السّاهي بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه في الناسي ..».

أقول: امّا صورة الجهل و عدم العلم فيدل على عدم ثبوت شي ء فيها مضافا الى إطلاق قوله- ع- في صحيحة عبد الصمد المتقدمة الواردة فيمن كان محرما و قد دخل المسجد الحرام كذلك و عليه قميصه: ايّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه «1». روايات واردة في خصوص المقام:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار قال

سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل محرم وقع على اهله فقال: ان كان جاهلا فليس عليه شي ء و ان لم يكن جاهلا فان عليه ان يسوق بدنة، و يفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا و عليه الحجّ من قابل «2».

و منها: صحيحة زرارة المفصلة المتقدمة المشتملة على قوله- ع- ان كانا- يعني الزوج المحرم الذي غشي امرأته و هي محرمة- جاهلين استغفرا ربّهما و مضيا على حجّهما و ليس عليهما شي ء «3».

و لا إشكال في دلالة مثلها على صحة الحج و عدم لزومه من قابل و على عدم ثبوت الكفارة إنّما الإشكال في ان ظاهره وجوب الاستغفار و هو يكشف عن ثبوت الحرمة الفعلية مع الجهل المستتبعة للعصيان عند مخالفته و لذا استدللنا على ثبوت الحرمة في النظر الى زوجته بشهوة بدلالة الرواية على وجوب الاستغفار عقيبه مع تصريحها بأنه لا شي ء عليه اي لا يكون عليه كفارة و ذكرنا هناك ان ما

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 3.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 2.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 436

..........

______________________________

افاده بعض الاعلام- قده- من استعمال الاستغفار في الكتاب و السنّة كثيرا في غير موارد ثبوت المعصية ليس في محلّه لأنّ استعماله فيهما في غير تلك الموارد انما كان مقرونا بقرينة عقلية أو لفظية و امّا بدون القرينة خصوصا في مقام بيان الأحكام الفقهية و خصوصا في باب الحج الذي تكون كفارة بعض محرمات الإحرام مجرد الاستغفار فلا مجال لهذه الدعوى بل هو كاشف عن

ثبوت المعصية و المخالفة للحكم الفعلي و عليه فيشكل مفاد الرّواية و لا وجه لحمل قوله- ع- استغفرا ربّهما على الاستحباب خصوصا بعد عطف قوله- ع-: و مضيا على حجّهما، عليه لوضوح كون الإتمام و المضي واجبا عليهما و قوله: لا شي ء عليهما لا يصلح ان يكون قرينة على الاستحباب بعد كون الجمع بينه و بين ما ظاهره لزوم الاستغفار هو الحمل على كون المراد عدم ثبوت الكفارة و الحج من قابل و لزوم التفريق المذكورات في صورة كونهما عالمين.

نعم لو كان المذكور في الرّواية مجرد قوله: لا شي ء عليهما كما وقع التعبير بمثله في صحيحة معاوية بن عمّار لكان مقتضاه عدم لزوم الاستغفار أيضا و امّا مع الجمع بين الأمرين فالمتفاهم منهما ما ذكرنا من لزوم الاستغفار و عدم ثبوت شي ء آخر غيره.

و عليه فلزوم الاستغفار على الجاهل بعد رفع جهله يكشف عن تحقق المعصية الملازمة لثبوت الحرمة الفعلية مع ان المشهور كون العلم من شرائط فعلية التكليف و انّ الجاهل لا يكون التكليف بالإضافة إليه فعليّا فلا تتحقق منه المعصية فلا مجال لوجوب الاستغفار و الّذي يدفع الاشكال ما حققناه تبعا لسيدنا الأستاذ الامام- قدس سره الشريف- من عدم انحلال الخطابات العامة إلى الخطابات المتعددة المتكثرة حسب تعدد المكلفين المخاطبين بل الخطاب واحد و المخاطب متعدّد و لا تكون القدرة و العلم و مثلهما شرطا لثبوت التكليف و فعليته غاية الأمر كون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 437

..........

______________________________

مثل الجهل و العجز عذرا للمكلف بالنسبة إلى المخالفة و العصيان و الا فاصل العصيان متحقّق و عليه فمقتضى الصحيحة كون الجهل عذرا بالإضافة إلى أصل التكليف التحريمي المتعلق بالجماع

حال الإحرام و مرجعه الى عدم استحقاق العقوبة على المخالفة في هذه الصورة و هذا لا ينافي وجوب الاستغفار بعد ارتفاع الجهل لتحقق العصيان بالنسبة إلى التكليف الفعلي فالجاهل و ان كان معذورا في المخالفة لكن يجب عليه الاستغفار بعد زوال عذره و لهذا المبني ثمرات كثيرة في الفقه و الأصول قد تعرضنا لها في محالّها.

و مثلها رواية أخرى لزرارة قال قلت لأبي جعفر- عليه السلام- رجل وقع على اهله و هو محرم قال جاهل أو عالم؟ قلت جاهل، قال يستغفر اللّٰه و لا يعود و لا شي ء عليه «1»، و هي أيضا ظاهرة في لزوم الاستغفار و النهي عن العود معناه النهي عن العود بعد ما ارتفع جهله و صار عالما كما ان المراد بقوله لا شي ء عليه عدم ثبوت مثل الكفارة كما ذكرنا و امّا صورة الغفلة و النسيان فيدلّ على صحة العمل معهما و عدم ثبوت كفارة فيهما مضافا الى حديث الرفع في الجملة روايات خاصّة واردة فيهما:

منها: ذيل مرسلة الصدوق المعتبرة المتقدمة حيث قال: قال الصادق- عليه السلام- في حديث: ان جامعت و أنت محرم الى ان قال و ان كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليك «2».

و منها: رواية زرارة عن أبي جعفر- عليه السلام- في المحرم يأتي أهله ناسيا قال لا شي ء عليه انّما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان و هو ناس «3».

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثاني ح- 2.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثاني ح- 5.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثاني ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 438

[الثالث: إيقاع العقد لنفسه أو لغيره]

اشارة

الثالث: إيقاع العقد لنفسه أو لغيره و

لو كان محلّا، و شهادة العقد و إقامتها عليه على الأحوط و لو تحمّلها محلّا و ان لا يبعد جوازها، و لو عقد لنفسه في حال الإحرام حرّمت عليه دائما مع علمه بالحكم، و لو جهله فالعقد باطل لكن لا تحرم عليه دائما و الأحوط ذلك سيّما مع المقاربة (1).

______________________________

و منها: غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال.

(1) قد وقع التعرض في هذا الأمر لأحكام ثلاثة:

الحكم الأوّل: و هو المهمّ المقصود في محرّمات الإحرام التي هي الغرض في هذا المجال هي الحرمة التكليفية المتعلقة بإيقاع العقد لنفسه أو لغيره و لو كان محلا و كذا الشهادة و الإقامة على احتمال و قد ذكر في الجواهر بعد قول المحقق: و عقدا لنفسه أو لغيره: «بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكيّ منهما مستفيض ان لم يكن متواترا كالنصوص».

و المحكي عن أبي حنيفة و الثوري و الحكم جواز نكاحه لنفسه فضلا عن غيره و ذكر صاحب الجواهر بعد ذلك انه من جملة إحداثهم في الدين.

و العمدة في الروايات الواردة في هذا الباب صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المروية بطرق متعددة و مع اختلاف في التعبير و ثبوت الزيادة في البعض و لأجله جعلها صاحب الوسائل روايات متعددة و تبعه صاحب الجواهر حيث عبّر بصحاح ابن سنان مع انه من الواضح وحدة الرواية و عدم تعددها بوجه.

و هي على نقل الشيخ- قده- ما رواه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال ليس للمحرم ان يتزوّج و لا يزوّج، و ان تزوج أو زوّج محلا فتزويجه باطل «1». و رواه الصدوق بإسناده عن عبد اللّٰه بن سنان مثله الّا انه قال: و لا يزوج محلا

و زاد: و انّ

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 439

..........

______________________________

رجلا من الأنصار تزوج و هو محرم فأبطل رسول اللّٰه- ص- نكاحه «1».

هذا و قد ذكر بعض الاعلام- قده- أنّ نسخة الوسائل غلط جزما و ان الجملة الثانية معطوفة على الجملة الأولى بالفاء دون الواو كما في التهذيب في الطبعة الجديدة و القديمة و في الفقيه و في الاستبصار و عليه فدلالة الصحيحة على التحريم أظهر من العطف بالواو لان العطف بالواو يحتمل فيه التأكيد بخلاف العطف بالفاء لان الظاهر منها التفريع و لا معنى للتفريع على نفسه.

أقول: احتمال التأكيد في العطف بالواو خلاف الظاهر جدّا لانه مضافا الى ان الإتيان بجملة مستأنفة مستقلة بعنوان التأكيد خلاف الظاهر تكون الفقرة الأولى ظاهرة في نفسها على ما هو المتفاهم منها عند العرف في ان التزوج و التزويج من محرّمات الإحرام فإنّ حقيقة الإحرام و ان لم تكن عبارة عن ترك المحرمات المعهودة أو نية الترك على ما سلف من التحقيق في ماهية الإحرام إلّا ان العمدة فيه هي حرمة تلك المحرمات و لزوم الاجتناب عنها و عليه فإذا سمع العرف انه ليس للمحرم ان يفعل كذا و كذا لا يفهم منه الّا الحرمة التكليفية المتعلقة به من دون فرق بين ان يكون ذلك الأمر المحرم امرا قابلا للاتصاف بالصحة و الفساد كالعقد أو لا يكون قابلا لذلك كالجماع و الاستمناء- مثلا.

و بالجملة لو كان المذكور في الرواية خصوص الفقرة الأولى لما كان مجال للإشكال في دلالتها على الحكم التكليفي و اضافة الفقرة الثانية بصورة الجملة المستأنفة لا توجب ضعف هذا الظهور بوجه.

و

يؤيد ما ذكرنا انه قد وقع في أحد نقلي الشيخ عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 440

..........

______________________________

عبد اللّٰه- ع- قوله: سمعته يقول ليس ينبغي للمحرم ان يتزوّج و لا يزوّج محلا «1». فان قوله ليس ينبغي بعد وضوح عدم كون المراد منه هي الكراهة دون الحرمة لا ينطبق الّا على الحرمة التكليفية و لا يجري فيه احتمال البطلان بوجه كما لا يخفى.

ثمّ انّه و ان وقع التعبير في كلمات الفقهاء- رض- بإيقاع العقد لنفسه الّا انه ليس المراد ان يكون اجراء العقد و إنشائه بلسان المحرم بل المراد هو تزوج المحرم و صيرورته زوجا في حال الإحرام و ان شئت قلت ان إيقاع العقد كذلك أعم من ان يكون مباشرة أو تسبيبا و عليه فكما انّه لو تحقق التوكيل في إجراء الصيغة فقط أو في تحصيل الزوجة له ثم إنشاء العقد في حال الإحرام و تحقق من الوكيل ذلك في هذا الحال يكون المحرم قد ارتكب محرّما لأجل تحقق التزوج كذلك لو تحقق التوكيل كذلك قبل الإحرام و تحقق متعلق الوكالة في حال الإحرام يتحقق متعلق الحرمة التكليفية الإحرامية لصدق عنوان التزوج حاله نعم لو تحقق التوكيل في حال الإحرام و لم يكن متعلّق الوكالة مقيدا بحال الإحرام بل كان مقيّدا بما بعد الإحرام أو مطلقا و لكن تحقق التزويج من الوكيل بعد الإحرام لا يوجب ذلك تحقق المحرّم الإحرامي لفرض كون الاتصاف متحققا بعده و لم ينهض دليل على كون مجرد التوكيل محرّما على المحرم لعدم تحقق عنوان التزوج بمجرده و عدم تحقق

إيقاع العقد لنفسه الذي قد وقع التعبير به في كلمات الفقهاء على ما عرفت.

نعم لو كانت الوكالة مقيدة بحال الإحرام أو مطلقة و لكن وقع العمل من الوكيل في حال الإحرام لا مجال لتوهّم عدم الحرمة بوجه كما هو ظاهر و امّا إيقاع العقد لغيره الذي وقع التعبير عنه بالتزويج اي تزويج الغير فلا شبهة في تحققه إذا

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 441

..........

______________________________

صار المحرم وكيلا عن الغير و لو في مجرد إيقاع الصيغة و ذلك لأنّ تعبير الوكيل كذلك بقوله: زوجت و أنكحت شاهد على صدق عنوان التزويج و الإنكاح على الوكيل و لا يتوقف صدقه على كون الزوج متصديا لإجراء الصيغة بالمباشرة و عليه فلا إشكال في صدقه على الوكيل و لو كذلك.

نعم هنا شبهة و هي انه لو فرض انّ المحرم اذن في حال الإحرام في ان تتزوج ابنته مع رجل و تحقق النّكاح بينهما من دون ان يكون المحرم مباشرا لإجراء العقد و إيقاع الصيغة و قلنا بمدخليّة إذن الأب في نكاح البنت فلا إشكال في انّه لا يتحقق العنوان المأخوذ في الفتاوى و هو إيقاع العقد لغيره لان المفروض عدم تحقق العقد منه و امّا العنوان المأخوذ في الروايات مثل الصحيحة المتقدمة و هو تزويج الغير فالظاهر تحققه لأنّ صدق عنوان التزويج على الأب خصوصا مع مدخلية اذنه في نكاح بنته لا مجال لإنكاره مع انّ الظاهر عدم التزامهم بذلك و عدم حكمهم بان مجرّد الاذن محرّم على المحرم و لأجله يتحقق الاشكال من جهة ان العنوان المأخوذ في الكلمات لم يقم عليه دليل و

لو فرض ثبوت الإجماع فالظاهر كونه مستندا الى الروايات الواردة في المسألة التي ادّعى صاحب الجواهر- قده- تواترها و العنوان المأخوذ في النص الظاهر تحقّقه فإنّه إذا كان الوكيل في مجرد إجراء الصيغة يصح له اسناد التزويج الى نفسه فالأب المذكور يصدق عليه ذلك بطريق اولى و لذا عدّ في الرواية المعروفة المشتملة على انّ الآباء ثلاثة عنوان الأب الذي زوّجك من جملتهم فانّ مصداق الأب الكذائي يكون المورد المفروض من افراده قطعا و الّا فلا يبقي له مورد أصلا و إطلاق الأب عليه و ان كان على نحو التسامح و التجوّز الّا انّ وصف كونه مزوّجا انّما هو على نحو الحقيقة كالتوليد و التعليم و عليه فالظاهر صدق عنوان المزوّج على الأب في المورد المفروض و مقتضاه عدم جواز الاذن له فيه و ان كان ظاهر الفتاوى لا يساعده بوجه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 442

..........

______________________________

و أظهر من ذلك ما لو تحقق التزويج من المحرم بعنوان الولاية كما إذا زوّج ابنته الصّغيرة بأن وكّل محلا في تزويجها مع رعاية الغبطة فإنه يصدق عليه عنوان المزوّج مع انه لم يتحقق منه إيقاع العقد لغيره و لعلّه لذا استقرب في محكي القواعد جواز توكيل الجدّ المحرم محلّا في تزويج المولّي عليه و الظاهر وقوعه في حال إحرام الجدّ.

لكنّه أورد عليه صاحب الجواهر- قده- مضافا الى انه لا خصوصية للجدّ في ذلك بل الجواز على تقديره يعمّ الأب أيضا بأنّ الوكيل نائب الموكّل و لا نيابة فيما ليس له فعله من التزويج المنهي عنه في النصوص الذي يشمل التوكيل و لذا قطعوا بحرمة توكيل المحرم على التزويج لنفسه و بطلان العقد.

هذا و

الجواب الظاهر عن القواعد ما عرفت من صدق عنوان «المزوّج» على الوليّ حقيقة و امّا ما افاده صاحب الجواهر من انّه لا نيابة فيما ليس له- اى للموكّل- فعله فيرد عليه انّه قد لا يجوز للموكّل العمل مع انه يجوز للوكيل إيقاعه و تصحّ الوكالة فيه كما إذا استأجرت الحائض التي لا يجوز لها كنس المسجد غيرها الذي يجوز له ذلك فإنه لا إشكال في جواز الاستيجار و الاستنابة في مثله فالعمدة ما ذكرنا في الجواب.

هذا و الظاهر انه لو زوّج المحرم للغير فضوليّا من الجانبين أو من الجانب الواحد فالحكم هي الحرمة لتطابق العنوانين المأخوذين في النص و الفتوى عليه امّا عنوان إيقاع العقد لغيره فواضح و امّا عنوان التزويج فالظاهر أيضا صدقه و لذا يقول الفضولي في الصيغة «زوّجت» كما يقول في البيع «بعت» و لأجله وقع النهي عن بيع ما ليس عنده سواء كان المراد به هو الفساد مطلقا بحيث لا تؤثر فيه الإجازة اللّاحقة كما يقول به القائل ببطلان الفضولي بالمرّة أو كان المراد به هو الفساد بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود عليه اى عدم وقوع التمليك و التملك بمجرد تمامية العقد بحيث لا ينافي التأثير مع الإجازة اللّاحقة كما استظهره منه الشيخ الأعظم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 443

..........

______________________________

الأنصاري- قدس سرّه- و لو أريد بالنّهي المذكور مجرد الحكم التكليفي على خلاف ما هو ظاهر النواهي المتعلقة بالمعاملات من كونها إرشادا إلى الفساد لكان دالا على ما ذكرنا أيضا من صدق عنوان البائع على البائع الفضولي كما لا يخفى و عليه فصدق عنوان تزويج الغير على المحرم العاقد فضوليّا لا مجال للمناقشة فيه فيكون محرّما

بالحرمة الإحراميّة.

هذا و لو انعكس الأمر بأن عقد الفضولي للمحرم فأراد المحرم ان يجيزه في حال الإحرام فإن قلنا بأن الإجازة ناقلة أي جزء للسّبب المؤثر و لا يتم السبب بدونها و لا يتحقق التأثير إلّا بعد وجودها و من زمنها فلا إشكال في حرمتها لصدق عنوان «التزوج» عليها لانه يصير متزوجا بسببها في حال الإحرام و لا فرق بين ان يتزوج بنفسه أو يجيز عقد الفضولي بناء على ذلك.

و ان قلنا بأن الإجازة كاشفة فإن وقع العقد و الإجازة كلاهما في حال الإحرام فلا شبهة في حرمة الإجازة لأنّها على جميع الأقوال و المباني قد تحقق تزوج المحرم في حال الإحرام و هو منهي عنه في الرواية من دون فرق بين الالتزام بما عليه المشهور من الكشف الحقيقي و التزام كون الإجازة شرطا متأخرا و ان اعترض عليهم جمال المحققين في حاشيته على الرّوضة بأن الشرط لا يتأخر و بين الالتزام بكون الشرط تعقب العقد بالإجازة لا نفس الإجازة و لازمة جواز التصرف قبل الإجازة لو علم تحققها فيما بعد و بين الالتزام بالكشف الحكمي و هو إجراء أحكام الكشف بقدر الإمكان مع عدم تحقق الملك في باب البيع في الواقع الّا بعد الإجازة كما اختاره شريف العلماء- قده- في بعض تحقيقاته، و ذلك لما عرفت من تحقق التزوّج في حال الإحرام على جميع الأقوال كما هو واضح.

و لو وقع العقد من الفضولي في حال الإحرام و صدرت الإجازة بعد الإحلال و الخروج من الإحرام فلا إشكال في جوازها تكليفا و وضعا لو قلنا بأن الإجازة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 444

..........

______________________________

ناقلة بالمعنى الذي أشرنا إليه لتحقق التزوج

بالإضافة إلى الزوج بعدها و المفروض كونه خارجا عن الإحرام حال الإجازة و الظاهر ان الأمر يكون كذلك بناء على الكشف الحكمي.

و امّا بناء على الكشف الحقيقي بأحد المعنيين فالظاهر انه لا مجال لاحتمال كون الإجازة محرّمة التكليفية الإحرامية التي هي محلّ البحث فعلا لكون المفروض صدورها بعد الخروج من الإحرام و مجرد تأثيرها في حصول التزويج و التزوج من حين العقد الصادر من الفضولي لا يوجب اتصاف الإجازة بالحرمة بعد كون زمن وقوعها حال عدم الإحرام نعم يمكن البحث فيه من جهة الحكم الوضعي و هو البطلان لوقوع التزوج في حال الإحرام و هو موضوع للحكم بعدم الصحة كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى و الانصاف وقوع الخلط في الكلمات بين الحكمين مع انه لا ملازمة بينهما و بالجملة لا وجه لدعوى ثبوت الحرمة التكليفية بعد كون الأمر المستند الى الزوج هي الإجازة الصادرة منه في غير حال الإحرام.

هذا و لو انعكس الأمر بأن وقع العقد من الفضولي قبل الإحرام و صدرت الإجازة في حال الإحرام فإن قلنا بكون الإجازة ناقلة فالظاهر حرمتها لتحقق التزوج بسببها فيصدق العنوان المنهي عنه في الرّواية و كذا على تقدير القول بالكشف الحكمي.

و امّا على تقدير القول بالكشف الحقيقي بأحد المعنيين فيمكن ان يقال بعدم الحرمة لأن ظرف حصول التزوج انّما هو حال العقد و هو لا يكون محرما حينه و مجرد تأثير الإجازة في ذلك بنحو الشرط المتأخر أو بنحو التعقب لا دليل على حرمته لعدم نهوض دليل على حرمة كل ما له تعلق بالنكاح و التزوّج و الّا لكان اللازم الحكم بحرمة التوكيل في التزويج حال الإحرام إذا كان متعلق الوكالة صدور العمل من الوكيل بعد

الإحرام مع انه من الواضح عدم الحرمة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 445

..........

______________________________

اللّٰهم الّا ان يقال بما ذكره بعض الاعلام- قده- من ان التقدم للمتعلّق و الّا فنفس الزوجية حاصلة حال الإجازة و بعد الإحرام فإنه من الان يتزوج و ان كانت الزوجية تحصل من السّابق.

هذا و يظهر من الجواهر التفصيل بين هذين الوجهين حيث قال: «بل لا تؤثر إجازته في حال الإحرام للعقد الفضولي الواقع حال الحلّ في وجه من وجهي الكشف بل يحتمل مطلقا بناء على انه نوع تعلق في النكاح ممنوع منه الى ان قال و يحتمل الجواز لانه ليس تزويجا حال الإحرام بناء على الكشف و الأحوط الأوّل و ان كان الثاني لا يخلو من قوة».

و الظاهر ان مراده من الوجه من وجهي الكشف هو الذي اختاره في بحث الإجازة في بيع الفضولي و هو الوجه الثاني الذي عبّر عنه هناك بكون الشرط حصول الرّضا و لو في المستقبل الذي يعلم بوقوعه من المالك أو بإخبار المعصوم أو نحو ذلك لكن الظاهر انه لا فرق بين الوجهين من هذه الجهة مضافا الى ان قوله في الذيل: لانه ليس تزويجا حال الإحرام بناء على الكشف لا يخلو عن تهافت مع الصدر و الا لكان اللازم التعبير بقوله: مطلقا لتحقق المقابلة بين هذا الاحتمال و بين التفصيل الذي ذكره أوّلا فتدبّر جيّدا.

بقي الكلام في الحكم التكليفي في ثلاثة عناوين وقع التعرض لاثنين منها في المتن هنا و للثالث في المسألة الآتية.

العنوان الأوّل: ما عبّر عنه في المتن بشهادة العقد و في الشرائع ب «شهادة على العقد» عطفا على الوطي و اللمس و مثلهما مما يتعلق بالنساء و تعبير

المتن أولى لأنّ المراد مجرد الحضور عند عقد النكاح الصادر من غيره و يكون بين محرمين أو محلّين أو مختلفين و الشهادة بهذا المعني الذي يرجع الى مجرّد الحضور و التحمل لا تتوقف الّا على وجود شاهد و مشهود فإذا شهد شرب الخمر الصادر من زيد- مثلا- فهو شاهد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 446

..........

______________________________

و شرب خمره مشهود و عليه فالشهادة بهذا المعنى تضاف الى العقد من دون الافتقار إلى وساطة حرف الجر بخلاف الشهادة في مقام الأداء و الإقامة كما سيأتي توضيحه إن شاء اللّٰه تعالى.

و كيف كان فقد ذكر في الجواهر: «بلا خلاف محقق أجده فيه بل في المدارك نسبته الى قطع الأصحاب بل عن محتمل الغنية الإجماع عليه بل عن الخلاف دعواه صريحا».

و قد ورد في هذا المجال روايتان:

إحديهما: ما رواه الشيخ بإسناده عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن على عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يشهد فان نكح فنكاحه باطل. قال في الوسائل: و رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا عن احمد بن محمّد مثله و زاد: و لا يخطب «1».

ثانيتهما: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى عن ابن (أبي- خ ل) شجرة عمّن ذكره عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في المحرم يشهد على نكاح محلّين قال لا يشهد ثم قال: يجوز للمحرم ان يشير بصيد على محلّ قال في الوسائل: «و رواه الصدوق مرسلا أقول ذكر الشيخ و الصدوق ان هذا إنكار و تنبيه على انه لا يجوز «2».

أقول: امّا ضعف سند

الروايتين بالإرسال فهو منجبر باستناد المشهور إليهما لأنه لو لم تكن المسألة اجماعية و لا ممّا قطع به الأصحاب كما ربما يؤيده عدم التعرض لها في جملة من الكتب الفقهية كالمقنع و المقنعة و جمل العلم و العمل و غيرها و ان

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 7.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الأوّل ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 447

..........

______________________________

ذكر في الجواهر انه لا يقتضي الخلاف فيه لكن الظاهر لزوم التعرض لكل ما يكون محرّما في حال الإحرام الّا انه لا مجال للمناقشة في ثبوت الشهرة الفتوائية مستندة الى هاتين الروايتين فالضعف فيهما منجبر و العجب ممّن لا يرى استناد المشهور إلى رواية ضعيفة جابرا لضعفها و لا الشهرة الفتوائية حجة في نفسها كما قد قرّر في محلّه كيف حكم بالاحتياط الوجوبي في هذا العنوان مع انّ مقتضى مرامه الحكم بالاحتياط الاستحبابي دون الوجوبي.

و امّا الدّلالة فالظاهر ان المراد من قوله- ع- و لا يشهد في الرواية الأولى بعد وضوح عدم كون المراد هي حرمة مطلق الشهادة و لو كان المشهود غير النكاح بل المراد بقرينة السّياق هي شهادة العقد بل في الجواهر نقل الرواية هكذا:

«و لا يشهد النكاح، هو مقام التحمل و الحضور و الشهود لا مقام الأداء و الإقامة و لا الأعم منهما و ان كان الأعم يكفي لنا في مقام الاستدلال لكن الظاهر اختصاصها بهذا العنوان و ذلك لما عرفت من ان الشهادة المطلقة الخالية عن ذكر حرف الجر معها مثل اللّام و على يكون المتفاهم العرفي و اللغوي منها مجرد الحضور و الشهود و لا يحتاج الى غير المشهود بخلاف

الشهادة في مقام الأداء و الإقامة فإنّها تحتاج مضافة الى ذلك الى المشهود له و المشهود عليه و عليه لا مجال لإنكار ظهور هذه الرواية في المقام.

و امّا الرواية الثانية فظاهرها أيضا ذلك و ان وقع التعبير فيها بالشهادة على نكاح محلّين الّا ان المراد كون النكاح بينهما مشهودا لان اللام و على الدالتين على النفع و الضرر انما تكونان مرتبطتين بالمدعى و المنكر لا بالدعوى و مورد الادّعاء و عليه فهذه الرّواية أيضا ظاهرة فيما ذكرنا و يؤيده عدم ذكر كلمة «على» في نقل صاحب الجواهر- قده.

فإذا كان حضور نكاح محلّين محرّما على المحرم فحضور نكاح محرمين أو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 448

..........

______________________________

مفترقين يكون محرّما بطريق اولى نعم يبقي الكلام في هذه الرّواية في التنظير و التشبيه بإشارة المحرم الصيد على المحلّ الذي قد عرفت كون الحكم بالجواز فيها في الرواية انما هو على سبيل الإنكار و التنبيه و سيأتي التكلم فيه في العنوان الثاني و لكن لو فرض دلالة الرواية على حكم ذلك العنوان فالرواية الأولى كافية في المقام و مقتضاها مجرد حرمة الحضور مطلقا لا خصوص الحضور لأجل الشهادة كما عن المدارك من انه ينبغي قصر الحكم عليه فتدبّر نعم ربما احتمل فيها ان يكون قوله: لا يشهد بصيغة المجهول فلا دلالة له على حرمة الشهادة على المحرم لا تحملا و لا اقامة و لكن هذا الاحتمال خلاف الظاهر جدّا و لا يعبأ به بوجه.

العنوان الثاني: إقامة الشهادة على عقد النكاح في حال الإحرام و نفي البعد عن جوازها في المتن و لو تحملها محلّا و ان احتاط قبله و ظاهره الاحتياط الاستحبابي و لكن

المحقق- قده- في الشرائع عطف الإقامة على الشهادة في الحرمة و صرّح بالتعميم لما إذا تحمّلها محلّا و في محكيّ الرياض نسبة الحرمة إلى المشهور بل عن الحدائق استظهار الاتفاق عليه و لكن ذكر صاحب الجواهر- قده- انّ النسبة إلى الشهرة لم نتحقّقها و عليه فالظاهر عدم ثبوت شهرة محققة في هذا العنوان.

و ما يمكن ان يستدل به للحكم بالحرمة في هذا العنوان أمران:

أحدهما: دعوى ان قوله- ع- في مرسلة ابن فضال المتقدمة: و لا يشهد، مطلق يشمل أداء الشهادة و إقامتها كما يشمل تحمّلها الراجع الى مجرّد الشهود و يؤيده عطف الإقامة على التحمل بعد كلمة الشهادة فيقال كما في بعض كلمات الفقهاء: الشهادة تحملا و أداء فيدل ذلك على ان إطلاق هذه الكلمة كما في الرواية يشمل كلتا الجهتين و حيث ان سند الرواية منجبر بما عرفت فلا يبقى مجال للإشكال في الاستدلال بالرواية في هذا المقام أيضا.

و يرد على هذا الأمر ما عرفت من ان الشهادة المطلقة الخالية عن التعقب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 449

..........

______________________________

لحرف الجرّ ظاهرة في نفس الحضور و الشهود و لا تحتاج الّا الى شاهد و مشهود بخلاف الإقامة و الأداء و عليه فدعوى الإطلاق ربما ترجع الى استعمال اللفظ في معنيين كما لو فرض ثبوت الحرمة لعنوان السجود في مورد فإنّه حيث يكون في السجود أمران أحدهما ما يسجد عليه و ثانيهما ما يسجد له أو من يسجد له و لا ارتباط بين الأمرين بوجه لا مجال لدعوى التمسك بالإطلاق و إثبات الشمول لكلا الأمرين بل ما نحن فيه اولى لعدم افتقار تحمل الشهادة إلى عنوان غير الشهادة الراجعة إلى الحضور

و الشهود بخلاف الأداء و الإقامة فدعوى الإطلاق غير صحيحة بل الرواية ظاهرة في العنوان المتقدمة كما مرّ.

ثانيهما: مرسلة ابن أبي شجرة المتقدمة بلحاظ اشتمالها على كلمة «على» بعد الشهادة حيث يقول في المحرم يشهد على نكاح محلين و بلحاظ التشبيه و التنظير الواقع في ذيلها نظرا الى ان تنظير مجرد الحضور في مجلس العقد مع عدم مدخليته في صحة النكاح عندنا بالإشارة بالصيد من المحرم على محلّ ممّا لا يكون له وجه لأنّ الإشارة دخيلة في تحقق الصيد بحيث لو لا الإشارة لما كان يتحقق الصيد من المحل بخلاف مجرّد الحضور في مجلس العقد الّذي لا يترتب عليه أثر بالنسبة إلى صحته و تأثيره في الزّوجية و هذا بخلاف أداء الشهادة و إقامتها فإنّها دخيلة في إثبات النكاح عند الحاكم فالمناسبة المصحّحة للتنظير موجودة فيه.

و العجب من المجلسي الأوّل في شرح من لا يحضره الفقيه حيث فسّر ذيل الرواية هكذا: «اي كما انه لا يجوز ذلك و ان لم يكن هو الصائد كذلك لا يجوز عقد المحلين و ان لم يكن هو المجامع و كما انّ ذلك مقدّمة و سبب للصيد كذلك العقد بالنظر الى الجماع و ليس هنا من القياس بل هو تشبيه حكم بحكم للتفهيم أو للمباحثة مع العامة».

و ذلك لانّه لا إشعار في الرّواية بصدور العقد من المحرم أصلا حتى يكون شبيها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 450

..........

______________________________

بإشارته إلى الصيد بل الموجود في الرّواية الشهادة سواء كان معناها الأداء أو التحمل أو كليهما و الشهادة غير العقد كما هو ظاهر.

و يرد على هذا الأمر- مضافا الى عدم ثبوت كلمة «على» في نقل الصدوق و كذا

في نقل صاحب الجواهر و الى انه على تقدير الثبوت يكون مجرورها النكاح الواقع بين محلين و أداء الشهادة و إقامتها في مقام الترافع و التخاصم انّما يكون المشهور عليه فيها هو الشخص المنكر كما ذكرنا- انّ التنظير على كلا التقديرين لا يكون تامّا امّا على التقدير الأوّل فواضح كما مرّ و اما على التقدير الثاني فلان الإقامة دخيلة في الإثبات و ربما لا يكون النكاح بحسب الواقع بثابت بخلاف الإشارة التي لها دخل في أصل وجود الصيد و تحققه الّا ان يقال انّ مجرد الإشارة أيضا لا يوجب تحقق الاصطياد تكوينا لانه ربما لا يتحقق الصيد من المحلّ عقيبها أو لا يصيب سهمه- مثلا- اليه.

هذا و لو فرض غمض النظر عن هذا الاشكال و قلنا بان التنظير في الإقامة أنسب من التحمل و لذا تحمل الرّواية عليه لا مجال للإشكال على الرواية بالإرسال و عدم ثبوت الجابر له لعدم تحقق شهرة على الحرمة في هذا العنوان و ذلك لانه بعد المراجعة إلى الفقيه ظهر ان الرّواية و ان كانت منقولة فيه بنحو الإرسال الّا انها من قسم المرسلات المعتبرة حيث انه يسند الصدوق الرواية الى الامام- ع- بقوله و قال- ع- في المحرم .. و عليه فالرواية معتبرة في نفسها و لا تحتاج إلى الشهرة الجابرة لكن دلالتها غير واضحة خصوصا مع ملاحظة ما عرفت من عدم اشتمال نقل الصدوق على اضافة كلمة «على» و عليه فلا دليل على الحرمة و هو يكفي دليلا على العدم و لا حاجة الى استفادة عدم الحرمة من أدلة حرمة كتمان الشهادة و وجوب أدائها عند الحاجة و لا الى التمسك بكون الشهادة خبرا لا إنشاء مثل إيقاع

العقد لنفسه أو لغيره و الخبر الصادق إذا لم يترتب عليه ضرر لا يحسن تحريمه و لا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 451

..........

______________________________

الى لزوم ترتب مفاسد عظيمة على عدم الشهادة لأنه ربما يترتب على العدم الحكم بالخلاف الموجب لترتب مفاسد عليه و لا إلى أولوية جواز الإقامة من جواز الرجوع في طلاق المعتدة بالعدة الرجعية لأنّه رجوع الى النكاح و كأنه بمنزلة العقد فإذا كان جائزا تكون إقامة الشهادة عليه جائزة بطريق اولى.

و ذلك لجريان المناقشة في جميع ما ذكر فإنه يمكن ان يقال بتخصيص أدلّة حرمة الكتمان و وجوب الأداء بالدليل الدال على الحرمة في المقام لو فرض وجوده و كون الشهادة خبرا لا تنافي حرمتها فانّ الحضور بمجرّده مع عدم ترتب اثر عليه أصلا كان محرّما مع انّه ليس بخبر و لا إنشاء و القائل بالحرمة انّما يقيدها بما إذا لم يترتب على تركها مفسدة عظيمة لانّه- ح- يكون الترجيح بعد ثبوت المزاحمة بين الحكمين للمزاحم الأهم.

نعم مع إمكان تأخير الحكم الى ما بعد الإحرام يتعين ذلك و بالجملة البحث انّما هو في صورة عدم ترتب المفسدة الكذائية و أولوية المقام من مسألة جواز الرجوع في العدة مضافا الى منعها لكون الرجعية لم تخرج من الزوجية و لذا يجب على الزوج النفقة و السكنى لا تكون قطعية و اولى من هذه الأولويّة مقايسة الإقامة بالتحمل الذي لا يترتب عليه اثر نظرا إلى انه لو كان التحمل حراما فالإقامة محرمة بطريق اولى و لكن مع ذلك لا مجال لها لما ذكرنا من عدم كونها قطعية.

لكن الذي يسهّل الخطب ما ذكرنا من انه لا حاجة بعد عدم قيام الدليل

على الحرمة إلى استفادة الجواز من مثل الوجوه المذكورة.

ثم انه أشار في المتن بعد الحكم بالاحتياط في الإقامة و ان تحمّلها محلّا الى خلاف الشيخ- قده- حيث انه قد قيد الحكم بحرمة الإقامة بما إذا تحمّلها و هو محرم و ظاهره ثبوت الإطلاق من جهة كون الزوجين محلّين أو محرمين أو مفترقين و لكن الظاهر انه على تقدير القول بالحرمة لدلالة الرواية أو غيرها لا مجال لهذا التقييد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 452

..........

______________________________

و لذا قال في الجواهر: «ثم على التحريم قيل تحرم الإقامة حاله و لو تحمّلها محلا أو كان بين محلّين لانتفاء دليل المخصص و ان تأكد المنع إذا تحمّلها محرما أو كان على محرمين».

ثمّ ان هنا اشكالا يرد على كل من قال بحرمة الإقامة و من قال بعدمها في خصوص ما إذا تحمّلها محرما و هو انه بالتحمل يصير فاسقا لفرض الحرمة فلا تسمع شهادته و لو قيل بحرمة الإقامة أيضا يتحقق موجبان للفسق و لو تحملها محلا يرد الاشكال المزبور على خصوص القائل بحرمة الإقامة فقط.

و لكن يدفع الاشكال ما في كلام صاحب الجواهر- قده- من انه يمكن ان يكون الحضور جهلا و غفلة أو علما مع التوبة بعده لأنّ ارتكاب الصغيرة مع عدم الإصرار المتحقق بالتوبة لا يقدح في العدالة بوجه كما انه يمكن أداء الشهادة أيضا كذلك اي جهلا أو غفلة و لا يلزم على الحاكم رفع الجهل أو الغفلة لو فرض عدم علمه بكونه محرما بل و مع العلم أيضا فتدبّر فلا مجال لهذا الاشكال.

العنوان الثالث: الخطبة سواء كانت لنفسه أو لغيره محلّين كانا أو محرمين أو مفترقين و قد حكم في

المتن في المسألة الآتية بجوازها ثم قال: و الأحوط تركها قال في الجواهر: «و تكره للمحرم الخطبة كما في القواعد و محكيّ المبسوط و الوسيلة للنهي عنه في النبوي: لا ينكح المحرم و لا ينكح و لا يشهد و لا يخطب، و المرسل السابق المحمول عليها بعد القصور عن إثبات الحرمة مؤيّدا بأنها تدعو الى المحرم كالصرف الداعي إلى الرّبا فما عن ظاهر أبي علي من الحرمة واضح الضعف ..».

و مراده بالنبوي ما رواه البيهقي في السنن الكبرى لكن ليس فيه: و لا يشهد، و بالمرسل هي مرسلة ابن فضّال المتقدّمة لكن عرفت انّ المرسلة المزبورة انّما تكون مشتملة على قوله: و لا يخطب فيما رواه الكليني و امّا على نقل الشيخ- قده- فخالية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 453

..........

______________________________

عن هذه الجملة و- ح- فان عدّت روايتين فنقول انّ ما يكون ضعفه مجبورا باستناد المشهور اليه و الفتوى على طبقه انّما هي الرّواية التي رواها الشيخ- قده- لكونها موافقة لفتوى المشهور و امّا الرواية التي رواها الكليني المشتملة على النهي عن الخطبة فلا جابر لضعف سندها بعد عدم حكاية القول بالحرمة الّا من أبي على نعم ظاهر صاحب الوسائل أيضا ذلك لعطفه الخطبة على إيقاع العقد لنفسه أو لغيره أو الشهادة في الحرمة فرواية الكليني ضعيفة غير منجبرة.

و ان لم تعدّ روايتين بل لا يكون في البين إلّا رواية واحدة غاية الأمر كونها مروية بكيفيتين فنقول ان استناد المشهور الجابر للضعف انّما يجدي بالمقدار الذي يكون موافقا لفتوى المشهور و امّا الخارج عن ذلك المقدار فلا تكون الرواية الضعيفة حجة بالإضافة إليه أيضا فلو فرض كون رواية واحدة ضعيفة

مروية بطريق واحد فقط مشتملة على حكمين مستقلين غير مرتبطين و لا متلازمين و كان فتوى المشهور مطابقا لأحدهما فقط دون الآخر لا يجدي ذلك في اعتبار الرواية بالنسبة إلى كلا الحكمين بحيث يجوز التمسك بها للحكم الآخر أيضا فتدبّر و عليه فهذه المرسلة لا تصلح لإثبات الحرمة بوجه.

نعم يمكن التمسك بمرسلة الصدوق المتقدمة التي عرفت كونها معتبرة في نفسها بحيث لا تحتاج الى الانجبار نظرا الى ان موردها و ان كان هي الشهادة و قد حكم فيها بالنهي عنها الظاهر في الحرمة الّا ان ذيلها المشتمل على الاستفهام الإنكاري الذي هو بمنزلة التعليل للحكم ربما يدل على حرمة الخطبة بل انطباق التعليل على الخطبة أوضح من انطباقه على الشهادة تحمّلا و أداء و ذلك لأنّ تحمل الشهادة الذي معناه مجرد الحضور و الشهود لا دخالة له لا في أصل تحقّق النكاح و لا في اتصافه بالصّحة لأن مرجعه الى مجرد النظارة دون الدخالة و أداء الشهادة و إقامتها و ان كان له مدخلية لكن مدخليته انّما هي بالإضافة إلى مقام الإثبات عند

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 454

..........

______________________________

الحاكم بخلاف الإشارة إلى الصيد و امّا الخطبة فمدخليتها في أصل النكاح و تحققه انّما هي كمدخلية الإشارة في وجود الصيد و تحققه لأن الخطبة من مقدمات النكاح و وجوده فهي أشبه بالإشارة من الشهادة و عليه فيمكن التمسك بهذه المرسلة المعتبرة للقول بالحرمة.

و لكن يمكن الإيراد عليه بان كون الذيل بمنزلة التعليل الذي كان الحكم دائرا مداره سعة و ضيقا محلّ نظر لان لازمة الحكم بحرمة الإعانة على تحقق النكاح و لو بين محلّين باية كيفية سواء كانت اعانة مالية

أو إرشادية أو نحوهما و لا يمكن الالتزام به.

و مع ذلك فالاحتياط في ترك الخطبة انّما هو على سبيل الوجوب دون الاستحباب كما في المتن.

ثمّ انه لو لم نقل بحرمة الخطبة لعدم نهوض دليل معتبر عليها فالظاهر انه لا دليل على الكراهة أيضا لأنّ منشأ الكراهة امّا قاعدة التسامح و امّا ما أشار إليه في الجواهر من انّها تدعو الى الحرام كالصرف مع انّ قاعدة التسامح إنّما تجري في السنن و المستحبات و لا تشمل رواياتها للكراهة بوجه و الدعوة الى الحرام مع أنها ممنوعة صغرى في بعض الموارد لان النكاح قد يقع بين محلين و العاقد غير محرم ممنوعة كبرى لانه لا دليل على كراهة شي ء يدعو الى الحرام بعد كون الدعوة لا تتجاوز عن حدّ الاعداد كما لا يخفى فلا وجه للكراهة على تقدير عدم الحرمة هذا تمام الكلام في الحكم الأوّل من الأحكام الثلاثة التي وقع التعرض لها في هذا الأمر.

الحكم الثاني: هي الحرمة الأبدية و القدر المتيقن من موردها ما إذا تزوج المحرم لنفسه و كان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 455

..........

______________________________

عالما بالحرمة التكليفية الإحرامية المتقدمة و ان لم يدخل بها و في الجواهر: إجماعا بقسميه بل المحكي منه مستفيض أو متواتر.

و المحكيّ عن المرتضى و سلّار تعميم الحكم لصورة الجهل أيضا مطلقا من دون فرق بين صورة الدخول و عدمه لكن المحكيّ عن الخلاف و الكافي و الغنية و السرائر و الوسيلة الحكم بالتحريم في صورة الجهل فيما إذا تحقق الدخول كذات العدّة بل عن الخلاف الإجماع عليه و ان نفى في الجواهر تحققه في المقام.

و كيف كان فاللازم ملاحظة الروايات الواردة في الباب

و هي على ثلاث طوائف:

الطّائفة الأولى: ما ظاهره بمقتضى الإطلاق تحقق الحرمة الأبدية مطلقا من دون فرق بين صورتي العلم و الجهل مثل صحيحة أديم بن الحرّ الخزاعي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال ان المحرم إذا تزوج و هو محرم فرّق بينهما و لا يتعاودان ابدا، و الذي يتزوج المرأة و لها زوج يفرق بينهما و لا يتعاودان ابدا «1».

و رواية إبراهيم بن الحسن عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال ان المحرم إذا تزوج و هو محرم فرّق بينهما ثم لا يتعاودان ابدا «2». و الرواية ضعيفة لأن إبراهيم بن الحسن مجهول لكن يغلب على الظنّ انّها هي الرواية المتقدمة و ان إبراهيم تصحيف أديم و الحسن تصحيف الحرّ لشدة شباهتهما في الكتابة و يؤيده اتحادهما في المتن و التعبير و كذا كون الراوي عن كليهما هو ابن بكير و عليه فلا تكون هذه رواية ضعيفة بل متحدة مع الرواية السّابقة.

و مرسلة الصدوق المعتبرة قال قال- عليه السلام- من تزوج امرأة في إحرامه

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس عشر ح- 2.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 456

..........

______________________________

فرق بينهما و لم تحلّ له «1». و لكن يمكن المناقشة في دلالتها بعد ظهورها في الحرمة الأبدية لأنه يمكن ان يكون المراد هو عدم كونها حلالا له بالإضافة الى هذا النكاح لا مطلقا لكن الرواية الأولى كافية لتماميتها سندا و دلالة كما انه بعد المراجعة إلى المصدر و هو كتاب الفقيه ظهر ان فيه زيادة قوله- ع- ابدا و عليه فهذه الرواية أيضا تامة كذلك.

الطائفة الثانية: ما تقابل الطائفة

الاولى و تدل على عدم تحقق الحرمة الأبدية مطلقا و هي صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر- ع- قال: قضى أمير المؤمنين- عليه السلام- في رجل ملك بضع امرأة و هو محرم قبل ان يحلّ فقضى ان يخلّي سبيلها، و لم يجعل نكاحه شيئا حتى يحلّ فإذا أحلّ خطبها ان شاء، و ان شاء أهلها زوّجوه و ان شاءوا لم يزوجوه «2».

و لا مجال للمناقشة في إطلاقها بأنه يمكن ان يكون المورد الذي قضى أمير المؤمنين- ع- فيه بما في الرواية خصوص صورة الجهل و ذلك لما ذكرنا مرارا من انه لو كان الحاكي لمثل هذا القضاء هو الامام- عليه السلام- و كان غرضه من الحكاية بيان الحكم و افادته من هذا الطريق الذي هو أحد الطرق في مقام بيان الحكم لا بد من الأخذ بإطلاق كلامه ضرورة انه مع مدخلية المقيد كان عليه البيان كما في سائر الطرق فالرواية مطلقة في نفسها.

الطائفة الثالثة: ما تدل على عدم ثبوت شي ء على المحرم في صورة الجهل مطلقا أو على مدخلية العلم في الحرمة الأبدية في المقام فالأولى مثل صحيحة عبد الصّمد بن بشير المتقدمة المشتملة على قوله- ع- ايّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس عشر ح- 4.

(2) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب الثامن ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 457

..........

______________________________

عليه. فان النكرة في سياق النفي تفيد العموم و لا مجال لدعوى اختصاصه بالكفارة فإنّ الحرمة الأبدية أشد من الكفارة بمراتب.

و الثانية ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد و عن محمد بن يحيى، (و ظ) عن

احمد بن محمّد جميعا عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن المثنى عن زرارة بن أعين و داود بن سرحان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- و عن عبد اللّٰه بن بكير عن أديم بياع الهروي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في الملاعنة إذا لاعنها زوجها لم تحلّ له ابدا الى ان قال: و المحرم إذا تزوج و هو يعلم انه حرام عليه لم تحلّ له ابدا «1». و الظاهر ان أديم- بضم الالف و فتح الدال- بياع الهروي هو أديم بن الحرّ الخزاعي المتقدم و ليسا برجلين و الرواية معتبرة و مدلولها مدخلية العلم بالحرمة الإحرامية في ثبوت الحرمة الأبدية كمدخلية التزوج لنفسه و عليه فالرواية تدل على التفصيل و لا تتوقف دلالتها على التفصيل على القول بثبوت المفهوم للقضية الشرطية الراجع الى كون الشرط علة منحصرة لثبوت الجزاء و لم يكن الجزاء متحققا بدونه أصلا بل بعد وضوح انه لا يكون في هذا المقام الّا حكم واحد فإذا كان مقتضى القضية الشرطية مدخلية أمرين في ثبوته: التزوج لنفسه و كون المحرم المتزوج عالما بحرمة التزوج في حال الإحرام فلا محالة يكون الحكم منتفيا بانتفاء واحد منهما.

و عليه فهذه الرواية المفصلة كما انّها تصلح لتقييد الطائفة الثانية النافية للحرمة الأبدية مطلقا و مقتضى التقييد اختصاصها بصورة عدم العلم و ان كان مقتضاها في نفسها هو الإطلاق كما عرفت كذلك تصلح لتقييد الطائفة الأولى المثبتة للحرمة الأبدية مطلقا لأنّهما و ان كانا مثبتين الّا انه حيث يكون الحكم

______________________________

(1) وسائل أبواب ما يحرم بالمصاهرة و نحوها الباب الواحد و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 458

..........

______________________________

واحدا

غير متعدد يتحقق التقييد لا محالة كما في سائر موارد وحدة الحكم في المطلق و المقيد المثبتين سواء كان الكاشف عنها وحدة السبب أو غيرها من الأمور الأخر.

و قد انقدح مما ذكرنا انّ الرواية المفصلة شاهدة للجمع في نفسها و تتصرف في كلتا الطائفتين في عرض واحد فلا حاجة الى جعلها مقيدة للطائفة الثانية و جعل تلك الطائفة بعد التقييد و انقلاب النسبة مقيدة للطائفة الأولى بحيث يكون التصرّف فيها طولا كما لا يخفى.

ثم انّ هذه الرواية المفصلة تكون مطلقة من جهتين إحديهما الدخول و عدمه و مقتضاها ثبوت الحرمة الأبدية في كلتا الصورتين في فرض العلم، ثانيتهما كون المرأة المتزوج بها محرمة أم محلّة و على كلا التقديرين عالمة أم غير عالمة و من الفروض كونها محلة جاهلة بإحرام الزوج أو بحرمة تزوجه في حال الإحرام.

كما ان الطائفة الثانية التي عرض لها التقييد و صارت مقيدة بصورة الجهل يكون مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين صورة الدخول و عدمه فإذا دخل مع الجهل لا تتحقق الحرمة الأبدية و التشبيه بالتزوج في حال العدة لم ينهض عليه دليل فانّ المقدار الذي يوجب دليل التفصيل التضييق في هذه الطائفة هو التحديد بصورة الجهل فقط و امّا إطلاقها من جهة الدخول و عدمه فباق بحاله كإطلاقها من سائر الجهات.

نعم هنا كلام يأتي التعرض له إن شاء اللّٰه تعالى في بعض المسائل الآتية و هو انّه إذا تزوجت المرأة المحرمة بزوج في حال الإحرام مع علمها بحرمة التزوج في حال الإحرام هل يترتب على ذلك الحرمة الأبديّة أم لا بل يختص موردها بما إذا كان المتزوج المحرم هو الرجل فانتظر.

ثم ان الظاهر كما قد صرّح به غير واحد- على

ما حكى- انه لا فرق في ثبوت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 459

..........

______________________________

الحرمة الأبديّة بين ما تحقق التزوج في أثناء الإحرام الصحيح أو تحقق بعد إفساده كما لو تحقق بعد الجماع مع زوجته عالما عامدا قبل أحد الوقوفين و قلنا بان الحج الذي يجب عليه قضائه في العام القابل هو فرضه و انّ الأوّل فاسد غاية الأمر وجوب إكماله و لزوم إتمامه فإنّ الظاهر- ح- انه كما يكون سائر محرّمات الإحرام حراما عليه كذلك يكون إيقاع العقد لنفسه أيضا حراما و يترتب عليه ما يترتب على الإيقاع في الإحرام الصحيح من الحرمة الأبدية كما ان الظاهر ترتب الكفارة عليه إذا اتى بموجبها فعلى ذلك لا فرق بين الإحرامين من هذه الجهة أيضا.

ثمّ انه حكى عن العلّامة في التحرير انه استظهر ان مراد علمائنا بالعقد في المحرم و ذات العدّة انّما هو العقد الصحيح الذي لو لا المانع لترتب عليه أثره.

و أورد عليه بان لفظ التزويج و النكاح موضوع للأعم من الصحيح و الفاسد.

و يدفعه انّ الوضع للأعم لا ينافي كون المتفاهم العرفي و المنساق من النصوص و الفتاوي العقد الصحيح في نفسه الذي لو لا هذه الجهة لكان مؤثرا في حصول الزوجية و تحقق النكاح فإذا كانت ذات العدّة أخت زوجة العاقد لها لنفسه مع بقائها في حبالته فهل يؤثر ذلك في تحقق الحرمة الأبديّة فإنّها لو لم تكن ذات العدة لما كان نكاحها مؤثرا لحرمة الجمع بين الأختين و كذلك بالإضافة إلى سائر شرائط الصحة المعتبرة فيها بحيث لولاها لم يتحقق النكاح الصحيح كما إذا قلنا باعتبار العربية- مثلا- في صحة عقد النكاح فهل العقد بغير العربية يؤثر

في حرمة ذات العدة و مثلها.

نعم لو اجتمع عنوانان يكفى كل واحد منهما في ثبوت الحرمة الأبدية كما إذا تزوج المحرم بذات العدة عالما بالحرمة من الجهتين فالظاهر عدم كون اجتماع العنوانين مانعا عن ثبوتها بل المتفاهم العرفي بعد ملاحظة أدلة العنوانين ثبوت الحرمة الأبدية بطريق أولى فإن الظاهر انه لا يكون المتفاهم من أدلة المحرم اعتبار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 460

..........

______________________________

استقلال الإحرام في إيجاب الحرمة الأبدية و كذلك من أدلة ذات العدة غاية الأمر ان المقام يصير من قبيل العلل التكوينية التي يكون اجتماعها مانعا عن التأثير في المعلول بوصف الاستقلال بل المعلول يصير- ح- مستندا الى كليهما و مترشحا من مجموعهما و المقام الذي لا يتجاوز عن كونه امرا اعتباريا أيضا كذلك فالحرمة الأبدية في المثال مستندة الى كلا الأمرين من دون ان يكون هناك ترجيح في البين و يؤيد ذلك رواية الحكم بن عيينة قال سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن محرم تزوّج امرأة في عدّتها قال يفرق بينهما و لا تحلّ له ابدا «1».

الحكم الثالث: هو البطلان و عدم تأثير عقد المحرم في تحقق الزوجية و لو بين محلّين و الدليل عليه في مورد ثبوت الحرمة الأبدية و هو ما إذا تزوج لنفسه عالما بالحرمة التكليفية الإحرامية هو نفس ثبوت هذه الحرمة الأبدية فإنّها لا تجتمع مع الصحّة بوجه فالدليل عليها دليل عليه أيضا كما في سائر موارد الحرمة الأبديّة المسببة عن النكاح فانّ لازمها البيّن عدم الصحة.

و امّا في غير مورد ثبوتها فروايات كثيرة واردة في هذا المجال بعد وضوح ان الروايات الدالة على الحكم الأوّل أعني الحرمة التكليفية الإحرامية لا دلالة لها

على البطلان لما قرّر في محلّه من الأصول من انّ النّهي المتعلق بالمعاملة بالمعنى الأعم الشامل لمثل النكاح إذا لم يكن إرشادا إلى فساد المعاملة و عدم ترتب الأثر المترقب مع وجود متعلق النّهي بل كان مفيدا لمجرد الحكم التكليفي التحريمي لا دلالة له على الفساد لعدم الملازمة بين الحرمة و الفساد بخلاف الحرمة الأبدية

______________________________

(1) وسائل أبواب ما يحرم بالمصاهرة الباب السابع عشر ح- 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 461

..........

______________________________

التي لا تتصور مع الصحة بوجه و عليه فاللازم اقامة الدليل على البطلان في غير مورد الحرمة الأبدية و هي روايات متعددة على ما أشرنا إليه:

منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة التي رواها الشيخ- قده- بطريقين عنه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال ليس للمحرم ان يتزوج و لا يزوّج، و ان تزوج أو زوّج محلّا فتزويجه باطل «1». و فيما رواه الصدوق بإسناده عنه مثله الّا انه قال:

و لا يزوّج محلّا و زاد: و ان رجلا من الأنصار تزوج و هو محرم فأبطل رسول اللّٰه- ص- نكاحه «2» فان صدر الرواية ظاهر في الحرمة الإحرامية و ذيلها صريح في البطلان و التعبير بالتزويج في الجزاء في الذيل مع ان المذكور في الشرط التزوج و التزويج معا انّما هو لأجل كون المراد به الأعم من ان يكون لنفسه أو لغيره كما هو ظاهر، و لا فرق في دلالة الذيل على البطلان بين ان يكون عطفها على الجملة الأولى بالواو أو بالفاء كما جزم به بعض الاعلام- قده- فيما تقدّم.

و منها: صحيحة أبي الصباح الكناني قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن محرم يتزوّج، قال: نكاحه باطل

«3».

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار قال: المحرم لا يتزوج و لا يزوّج فان فعل فنكاحه باطل «4». و التعبير في التفريع بقوله: فان فعل شامل لكلا الأمرين التزوج و التزويج و هو اولى من التعبير بالتزويج الوارد في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان و ان كان المراد منه الأعم أيضا على ما عرفت.

و منها: ذيل رواية مرسلة ابن فضال المتقدمة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام-

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 2.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 3.

(4) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 462

..........

______________________________

قال: المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يشهد، فان نكح فنكاحه باطل «1». و التعبير في القضية الشرطية بالنكاح مع ان المنهي عنه في الفقرة الأولى النكاح و الإنكاح معا يمكن ان يكون المراد به الأعم بقرينة الصدر و الغرض كون البطلان من آثار نكاح المحرم في مقابل الشهادة التي لا تؤثر في البطلان بوجه و ان كانت محرمة بالحرمة التكليفية الإحرامية على ما عرفت و يمكن ان يكون المراد به التعرض لهذا الفرض من دون ان يكون له مفهوم الّا على القول بثبوت مفهوم اللقب الذي لا طريق إليه أصلا.

ثم انه لو فرض ثبوت المفهوم له بالإضافة إلى الإنكاح أيضا كالشهادة فنقول انه لا جابر لإرسالها و ضعف سندها من هذه الجهة كما عرفت بالإضافة إلى الزيادة الواقعة في نقل الكليني- قده- و هو قوله: و لا يخطب على ما مرّ.

و هنا رواية ربما يتوهم دلالتها على عدم البطلان

و هي صحيحة عمر بن أبان الكلبي قال: انتهيت الى باب أبي عبد اللّٰه- ع- فخرج المفضل فاستقبلته فقال:

مالك؟ قلت: أردت أن أصنع شيئا فلم اصنع حتى يأمرني أبو عبد اللّٰه- ع- فأردت أن يحصن اللّٰه فرجي و يغضّ بصري في إحرامي فقال: كما أنت، و دخل فسأله عن ذلك فقال: هذا الكلبي على الباب و قد أراد الإحرام و أراد ان يتزوّج ليغض اللّٰه بذلك بصره إن أمرته فعل و الّا انصرف عن ذلك فقال لي: مره فليفعل و ليستتر «2».

و لكن الظاهر ان المراد من مورده صورة وقوع النكاح قبل دخوله في الإحرام لأنّ السؤال كان في المدينة و الظاهر الذي يساعده العرف ارادة وقوع النكاح فيها

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 7.

(2) نقل صدرها في حاشية الوسائل عن التهذيبين و ذيلها في متن الوسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 463

[مسألة 6- تجوز الخطبة في حال الإحرام و الأحوط تركها]

مسألة 6- تجوز الخطبة في حال الإحرام و الأحوط تركها و يجوز الرجوع في الطلاق الرجعي (1).

______________________________

مع انّ كون الهدف ان يغض اللّٰه بذلك بصره لا يكاد يتحقق الّا مع وقوع النكاح قبل الشروع في الإحرام و الّا فبعد الشروع يكون الخوف باقيا في الآنات السّابقة و عليه فلا دلالة للرواية على عدم بطلان نكاح المحرم بوجه بل ذكر في الوافي انّ الأمر بالاستتار يرشد إلى انّه أراد تزويج المتعة و من المعلوم انه لا يلائم النكاح في حال الإحرام.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا في الأحكام الثلاثة ان مورد الحكم التكليفي التحريمي أوسع من موردي الحكمين الآخرين لشموله مضافا الى النكاح و الإنكاح

للشهادة بل الخطبة على احتمال.

و مورد الحكم الوسط و هي الحرمة الأبدية أضيق الموارد لاختصاصه بما إذا كان مشتملا على قيدين: كون التزوج لنفسه و كونه عالما بالحرمة الإحرامية و مورد الحكم الأخير هو الوسط بين الموردين لشموله النكاح و الإنكاح معا و عدم شموله للشهادة و الخطبة ضرورة ان الشهادة و ان كانت محرمة على المحرم الّا انّها لا تؤثر في بطلان العقد الواقع بين محلّين كما ان الظاهر شمول مورده لصورة الجهل كصورة العلم فإنه لا فرق في الحكم بالبطلان بين الصّورتين.

كما انك عرفت ان النكاح أعم من ان يكون بالمباشرة أو بالتوكيل أو بالإجازة في الفضولي على ما مرّ تفصيله و الإنكاح أعم من ان يكون بالولاية أو بالوكالة أو بالفضولي كما مرّ أيضا.

(1) امّا الخطبة فقد وقع البحث عن جوازها و عدمه في المسألة الخامسة المتقدمة في ذيل البحث عن الحكم التكليفي الإحرامي و تقدم ان مقتضى الاحتياط الوجوبي تركها.

و امّا جواز رجوع المحرم في الطلاق الرجعي الذي أنشأه قبل الإحرام أو في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 464

[مسألة 7- لو عقد محلّا على امرأة محرمة فالأحوط ترك الوقاع و نحوه]

مسألة 7- لو عقد محلّا على امرأة محرمة فالأحوط ترك الوقاع و نحوه و مفارقتها بطلاق، و لو كان عالما بالحكم طلّقها و لا ينكحها ابدا (1).

______________________________

حاله لعدم حرمة التطليق عليه فالوجه فيه كما مرّت الإشارة إليه أيضا عدم كون الرجوع تزوجا و نكاحا بل رفعا للطلاق و آثاره فان المعتدة الرجعية زوجة حقيقة قبل انقضاء العدة و لا معنى لحصول الزوجية ثانيا بالرجوع و لو فرض عدم كونها زوجة حقيقة بل بحكم الزوجة فالأمر أيضا كذلك لان الرجوع يوجب بقاء اثر النكاح المتحقق قبل الطلاق

و لا يكون تزوّجا جديدا حتى تشمله الأخبار المانعة عن تزوّج المحرم.

و الظاهر عدم اختصاص الحكم بالطلاق الرجعي بالأصالة بل يشمل الطلاق الخلعي إذا رجعت الزوجة في بذلها حيث ان رجوعها موجب لثبوت حق الرجوع للزوج في الطلاق فالفرق بين الطلاقين انّما هو في ثبوت حق الرجوع في أحدهما مطلقا و ثبوته في الآخر مشروطا برجوعها في البذل و امّا ماهية الرجوع فلا اختلاف فيها بينهما و انّها لا تكون تزوجا جديدا أصلا.

(1) ما مرّ من الأحكام الثلاثة في المسألة الخامسة كان موردها ما إذا كان المحرم رجلا و أراد ان يتزوّج أو يزوج- مثلا- و امّا إذا كان المحرم مرأة و أراد المحلّ ان يعقد عليها و يتزوّجها فالظاهر انه لم تتحقق المناقشة في ثبوت الحرمة التكليفية الإحرامية بالإضافة إلى المرأة المحرمة و كذلك في ثبوت الحكم الوضعي أي البطلان و الفساد و قد نفي السيد- قده- في العروة تبعا لصاحب الجواهر- قده- الإشكال في البطلان في هذه الصورة مع انه لم يرد فيهما نص بالخصوص و لو كان ضعيفا بل المستند فيهما الروايات المتقدمة الواردة في تزوج المحرم الدالة على حرمته و بطلانه و هذا يكشف عن ان مفاد الروايات عندهم انّما هو ثبوت الحكم للشخص المتصف بوصف الإحرام من دون فرق بين كونه رجلا أو مرية نعم يظهر من المتن الشبهة في ثبوت البطلان حيث جعل مقتضى الاحتياط الوجوبي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 465

..........

______________________________

عدم ترتيب آثار الزوجية من الوقاع و نحوه و مفارقتها بسبب الطلاق و يرد عليه انه ما الفرق بين الحكم الوضعي و بين الحرمة التكليفية الإحرامية مع كون المورد لكليهما عنوان المحرم

و التزوج و التزويج بل مثل صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة مشتملة على كلا الحكمين بعنوان واحد و عليه فلم لم يناقش المتن في الحكم التكليفي و ناقش في الحكم الوضعي و لو كان الحكم التكليفي مختصّا بالرجل المحرم لكان اللازم التصريح به كما في بعض المحرمات الذي يختص بالرجال كالتظليل و نحوه و بعض المحرمات الذي يختص بالنساء كما في ستر الوجه و نحوه فإنه مع عدم التعرض للاختصاص يكون الظاهر عدمه و- ح- فيرد عليه سؤال الفرق بين الحكمين و الحكم بنحو العموم في التحريم الإحرامي و المناقشة في الحكم الوضعي كما لا يخفى.

و امّا الحرمة الأبدية في هذا الفرض فقد ذكر في الجواهر: «صرّح غير واحد بعدم الحرمة ان عقد عليها و هي محرمة و هو محلّ للأصل خلافا للخلاف فحرّمها أيضا مستدلا عليه بالإجماع و الاحتياط و الاخبار و ردّه في الرّياض بأن الاخبار لم نقف عليها و دعوى الوفاق غير واضحة و الاحتياط ليس بحجة».

و مما ذكرنا يظهر الجواب عن إيراد الرياض بأن الاخبار لم نقف عليها فإنّ الأخبار الدالة على الحرمة الأبدية التي عرفت انّ ملاحظة الطوائف الثلاث الواردة فيها هو ثبوتها فيما إذا تزوج المحرم لنفسه و كان عالما بالحرمة الإحرامية يكون موردها أيضا تزوّج المحرم و هذا العنوان كما يصدق على الزوج كذلك يصدق على الزوجة لأن الزوجية- و التزوج- متقومة بالطرفين فإذا أضيفت إلى الزوج يكون معناها اتخاذه زوجة و إذا أضيفت إلى الزوجة يكون معناها اتخاذها زوجا و لم يرد في شي ء من الاخبار الدالة على الحرمة الأبدية اضافة التزوج الى المرأة حتى يقال بأنه لا دلالة عليها في غير موردها نعم وردت في

مرسلة الصدوق المتقدمة التي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 466

[مسألة 8- لو عقد لمحرم فدخل بها فمع علمهم بالحكم]

مسألة 8- لو عقد لمحرم فدخل بها فمع علمهم بالحكم فعلى كلّ واحد منهم كفارة و هي بدنة، و لو لم يدخل بها فلا كفارة على واحد منهم و لا فرق فيما ذكر بين كون العاقد و المرأة محلّين أو محرمين، و لو علم بعضهم الحكم دون بعض يكفّر العالم عن نفسه دون الجاهل (1).

______________________________

عرفت كونها معتبرة قوله: من تزوج امرأة في إحرامه فرّق بينهما و لم تحلّ له ابدا و لكن ذلك لا ينافي إطلاق الروايات الأخر الوارد في موردها عنوان المحرم و التزوج الشامل للمذكر و المؤنث كما عرفت في الحكمين الآخرين و هذا كما في التزويج في العدّة و نكاح ذات البعل حيث انه لا اشكال عندهم- كما في الجواهر- بين نكاح الرّجل إحديهما و بين نكاح إحديهما الرجل و ان اختلفا في أوّليّة الحرمة ابدا من العالم القادم و تبعيّة الآخر له لكن لا اختلاف في أصل الحرمة الأبديّة.

فالإنصاف انّه لا مجال للمناقشة في هذا الحكم و لا للمناقشة في البطلان كما انه لم يناقش أحد في الحكم التكليفي الإحرامي فلا وجه للاحتياط الوجوبي في المتن في هذا الحكم أيضا كما يظهر من الجمع بين الطلاق و بين عدم نكاحها ابدا فتدبّر.

بل الظاهر كون الحكم بصورة الفتوى ثم الظاهر ان قوله- قده- في المتن: و لو كان عالما بالحكم من سهو القلم لان ثبوت الحرمة الأبدية في صورة كون المرأة محرمة سواء كانت بنحو الفتوى كما اخترناه أو بنحو الاحتياط الوجوبي كما اختاره- قده- انّما يكون موردها التزوج لنفسه مع كون المحرم عالما بالحرمة الإحرامية

و المفروض انّ المحرم في هذا الفرض هي المرأة فاللازم اعتبار علمها كما انه في العكس يعتبر علم الرجل المحرم.

و قد وقع التعبير في المتن في كتاب النكاح الذي تعرض فيه لهذا الفرض بكون المرأة المحرمة عالمة بالحرمة و هو الصحيح كما عرفت.

(1) أقول عنوان المسألة في الشرائع هكذا: «و إذا عقد المحرم لمحرم على امرأة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 467

..........

______________________________

و دخل بها المحرم فعلى كل واحد منهما كفارة، و كذا لو كان العاقد محلا على رواية سماعة» و يظهر منه ان الفرض الأوّل مما لا مجال للتوقف فيه و ان الفرض الذي ورد فيه رواية سماعة محلّ للشك و الترديد بل عن العلامة في المنتهى: و في سماعه قول و عندي في هذه الرواية توقف بل عن الإيضاح ان الأصل خلافه للأصل و لانه مباح بالنسبة اليه و تحمل الرواية على الاستحباب.

و كيف كان فالرواية الوحيدة الواردة في هذا المجال رواية سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: لا ينبغي للرجل الحلال ان يزوّج محرما و هو يعلم انه لا يحلّ له، قلت: فان فعل فدخل بها المحرم، فقال: ان كانا عالمين فان على كل واحد منهما بدنة، و على المرأة ان كانت محرمة بدنة، و ان لم تكن محرمة فلا شي ء عليها الّا ان تكون هي قد علمت ان الّذي تزوّجها محرم، فان كانت علمت ثم تزوجت فعليها بدنة «1».

و الكلام فيها تارة من جهة السّند و اشتماله على سماعة و اخرى من حيث الدلالة.

امّا من الجهة الأولى: فالظاهر انه لا إشكال في وثاقته و قد صرّح النجاشي بكونه ثقة ثقة بل عدّه

الشيخ المفيد- قده- في رسالته العددية من الاعلام الرّؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام و الفتيا و الاحكام الذين لا يطعن عليهم و لا طريق الى ذمّ واحد منهم مضافا الى وروده في اسناد كتاب كامل الزيارات و تفسير علي بن إبراهيم القمي و عليه فهو من الموثقتين بالخصوص و العموم و لم يناقش أحد في وثاقته بل وقع الكلام في انه واقفي أم لا فالمحكي عن الصّدوق في الفقيه انه واقفي و تبعه الشيخ في رجاله و لكن عدم تعرض النجاشي و الكشي و البرقي و ابن الغضائري

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 468

..........

______________________________

لوقفه يكشف عن عدمه خصوصا الأوّل الذي مرّ انه صرّح بتكرير الثقة و يؤيده أيضا بعض الروايات و الظاهر ترجيح هذا على تصريح الصدوق و الشيخ لعدم تمحضهما في خصوص علم الرجال خصوصا الشيخ الذي يكون جامعا لجميع العلوم الإسلامية و مؤلّفا فيه و لذا يقال في ترجيح رواية الكليني على رواية الشيخ مع الاختلاف ان الكليني أضبط من الشيخ لما ذكرنا من تمحض الأول في علم الحديث دون الثاني.

هذا مع ان الوثاقة بمجرّدها تكفي في حجية الرواية و اعتبارها و لا تتوقف الحجية على كون الراوي عادلا كما قرّر في محلّه و عليه فلا مجال للإشكال في الرواية من جهة السّند مع انّها على تقدير الضعف منجبرة بالشهرة المحكية عن غير واحد كما في الجواهر بل في محكي التنقيح نسبته الى عمل الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه نعم على هذا التقدير يمكن المناقشة في تحقق الشهرة و ان كانت منقولة فتدبّر.

و امّا من جهة الدّلالة: فظاهر

صدرها ان تزويج المحلّ للرجل المحرم حرام مع العلم بأنّه لا يحلّ له و مقتضى إطلاقه انه لا فرق في ذلك بين صورة تحقق الدخول و عدمه و عليه فالحكم التكليفي التحريمي لا يتوقف على الدخول بل الموضوع نفس التزويج المزبور مع العلم فالفرق- ح- بين حرمة تزويج المحرم لنفسه أو لغيره و بين حرمة تزويج المحلّ للمحرم انّما هو من جهتين: إحديهما أن تزويج المحرم للمحلّ أيضا حرام بخلاف تزويج المحلّ فإن الحرمة فيه تختص بما إذا كان التزويج لمحرم، ثانيتهما اختصاص المقام بصورة العلم بحرمة التزوج للمحرم و عدم اختصاص الحرمة الإحرامية بهذه الصّورة كما لا يخفى و لأجل هذه الجهة الثانية لا يمكن تعميم مفاد هذه الفقرة المتضمنة للحكم التكليفي غير المسبوقة بالسؤال بالإضافة الى ما كان العاقد محرما أيضا نظرا إلى الأولوية القطعية و ذلك لان حرمة التزويج علي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 469

..........

______________________________

العاقد المحرم لا تختص بصورة العلم بل لا تختص بما إذا كان الزوج محرما لما عرفت من ان إيقاع المحرم العقد و لو بين محلّين حرام فالحرمة لا تكون مقيدة بالعلم و ان كان ترتب العقوبة على مخالفتها و ثبوت الكفارة في موارده متفرعين على العلم.

و العجب من المتن تبعا لسائر المتون حيث لم يتعرضوا للحكم التكليفي المستفاد من صدر الرواية المقيد بالعلم و غير المشروط بالدخول مع ظهور الرواية أوّلا في هذا الحكم و دلالتها على ثبوت الكفارة في الفقرة الثانية الواقعة جوابا عن سؤال الدخول بعد وقوع العقد المحرم المذكور في الصّدر و لا مجال لاحتمال كون كلمة «لا ينبغي» غير ظاهرة في الحرمة خصوصا مع وقوع التعبير بها

في أصل الأمر الثالث من الأمور المحرمة في حال الإحرام و هو إيقاع العقد لنفسه أو لغيره على ما عرفت في الروايات المتقدمة و خصوصا مع ثبوت الكفارة في بعض صورها نعم لا ينبغي المناقشة في ظهور الصدر في اعتبار مدخلية العلم بالموضوع و هو كون الزوج محرما أيضا و لا يكفى مجرد العلم بالكبرى مع عدم العلم بالصغرى كما لا يخفى و امّا الجملة الثانية المشتملة على ثبوت الكفارة على العاقد المحلّ و الزوج المحرم إذا كانا عالمين فالظاهر ان الحكم بالإضافة إلى كليهما يكون على خلاف القاعدة امّا العاقد فلكونه محلّا و ان كان تزويج المحرم حراما عليه بمقتضى الفقرة الأولى إلّا انك عرفت انّ دائرة الحكم التكليفي المشروط بالعلم أوسع من دائرة الكفارة المشروطة به و بالدخول معا، و امّا الزوج فلفرض بطلان العقد و عدم كون المدخول بها زوجة له شرعا و الاخبار المتقدمة في باب الجماع الدالة على ثبوت الكفارة فيه مع العلم و العمد انّما كان موردها الجماع مع الزوجة أو الأمة و اغلظية الزنا و اشديته لا يقتضي الارتباط بباب الإحرام من جهة أصل الحرمة الإحرامية و من جهة الكفارة و الّا لكانت المعاصي الكبيرة بل السبع التي هي أكبرها محكومة بالأمرين في باب الإحرام بطريق اولى و عليه فالحكم بثبوت الكفارة بالإضافة إلى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 470

..........

______________________________

الزوج المحرم في المقام لا يكاد يستفاد من الأدلة الواردة في الجماع المتقدمة في بحثه و لكن حيث ان الرواية الموثقة بل الصحيحة تدل على الثبوت بالإضافة إلى كليهما لكان اللازم الالتزام به.

و في هذا المجال يمكن دعوى ثبوت الأولوية بالنسبة إلى العاقد

المحرم أيضا فإنه إذا كان العاقد المحلّ ثابتا عليه الكفارة في صورة العلم يكون العاقد المحرم كذلك بطريق اولى لا بالأولوية الظنية التي لا دليل على اعتبارها بل بالأولوية التي يعتمد عليها العرف فيما يتفاهم من الكلمات و مع قطع النظر عن هذه الأولوية فدعوى كون هذا الفرض مسلّما بينهم أو إجماعيّا لديهم كما ربما يظهر من عبارة الشرائع المتقدمة بعيدة جدّا. و امّا ذيل الرواية المتعرض لحكم المرأة فمفاده ثبوت الكفارة عليها ان كانت محرمة و لم يقع فيه التقييد بصورة العلم الّا ان تقييد ثبوت الكفارة على الزوج المحرم و العاقد بكونهما عالمين قرينة على ثبوت هذا القيد في هذا الفرض لانه لا مجال لتوهم الفرق بين الرجل المحرم و المرأة المحرمة من هذه الجهة بعد اشتراكهما في هذا الأمر المحرّم من محرّمات الإحرام كما وقع البحث فيه سابقا.

و دعوى ان التقييد بصورة العلم يوجب ان لا يكون فرق بين المحرمة و بين غيرها حيث علق الحكم بثبوت الكفارة فيه على العلم مع ظهور الرواية في الفرق بينهما كما لا يخفى.

مدفوعة- مضافا الى انه يعتبر في المرأة المحرمة علم واحد و هو العلم بأنها لا يجوز لها ان تتزوج في حال الإحرام و في المرأة المحلّة علمان: علم بالصغرى و علم بالكبرى لما عرفت من ان المستفاد من قوله- ع-: ان كانا عالمين هو اعتبار كلا العلمين- بانّ المعلوم الذي تعرض له في الرواية و تكون هي ناظرة إليه مختلف بالنسبة إليهما فإن المعلوم في المرأة المحرمة هو عدم جواز التزوج لها في حال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 471

..........

______________________________

الإحرام و لا يعتبر العلم بكون زوجها محرما

لعدم الفرق في حرمة تزوج المحرمة بين كون الزوج محرما أو محلّا كما في العكس حيث انه لا فرق في تزوج المحرم بين كون الزوجة محرمة أو محلّة، و امّا المعلوم في المرأة المحلّة كون زوجها محرما لأنه الأساس في هذه الجهة الراجعة إلى ثبوت الكفارة فالفرق بين الصورتين واضح.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 3، ص: 471

و مما ذكرنا ظهر انّ ما في المتن من الحكم بثبوت الكفارة على الثلاثة مع علمهم بالحكم غير تام بل اللازم ثبوت العلم بالموضوع في العاقد و المرأة المحلّة و لا يكفي مجرد العلم بالحكم بعد عدم العلم بالموضوع خصوصا مع كون المصرح به في الرواية في المرأة هو اعتبار العلم بالموضوع و ان كان قد عرفت دلالة نفس الرواية على اعتبار العلم بالحكم أيضا فتدبّر.

كما انه مما ذكرنا ظهرت المناقشة فيما جعله الشهيد الثاني- قده- ضابطا حيث قال في المسالك: «و الضابط ان الزوجين لا يجب عليهما الّا مع إحرامهما و الدخول و العلم، و العاقد لا يجب عليه شي ء إلّا مع إحرام الزوج و دخوله ففيه ما مرّ».

وجه المناقشة انه لا يعتبر في ثبوت الكفارة على الزوجة ان تكون محرمة بل يكفي علمها بكون الزوج محرما و انه لا يجوز له ان يتزوج في حال الإحرام فتخصيص الحكم بثبوتها عليهما بما إذا كان كلاهما محرمين لا وجه له كما ان الحكم في الذيل بثبوت الكفارة على العاقد في صورة إحرام الزوج و دخوله لا ينطبق على الرواية إذ مقتضاها اعتبار

العلم أيضا فهذه الضابطة غير تامّة.

ثم انه هل يمكن تسرية حكم الرّواية الى ما لو عقد لمحرمة مع العلم بأنّها محرمة سواء كان الزوج محلا أم محرما فيحكم بثبوت الحرمة و بعدها بثبوت الكفارة مع الشرائط المذكورة في الرواية أم لا؟ الظاهر هو الثاني لأن الحكم في الرواية على خلاف القاعدة و اللازم الاقتصار فيه على موردها و لا دليل لإلغاء الخصوصية أصلا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 472

[مسألة 9- الظاهر عدم الفرق فيما ذكر من الاحكام بين العقد الدائم و المنقطع]

مسألة 9- الظاهر عدم الفرق فيما ذكر من الاحكام بين العقد الدائم و المنقطع (1).

______________________________

(1) وجه الظهور كون النكاح على مذهب فقهائنا- رضوان اللّٰه تعالى عليهم أجمعين- على نوعين: الدائم و المنقطع و عليه يكون مقتضى إطلاق الروايات الواردة في الأمر الثالث الدالة على النهي عن تزوج المحرم و تزويجه و كذا تعبير الفقهاء بإيقاع العقد لنفسه و لغيره الشمول للعقد المنقطع أيضا فيثبت فيه الأحكام الثلاثة المتقدمة و هي الحرمة التكليفية الإحرامية و الحكم الوضعي و الحرمة الأبديّة بلا اشكال.

هذا تمام الكلام في الجزء الثالث من شرح مباحث الحج من كتاب تفصيل الشريعة الذي هو شرح تحرير الوسيلة للإمام الراحل الخميني قدس سره الشريف و قد وقع الفراغ من هذا الجزء في اليوم الثالث عشر من شهر جمادى الآخرة من شهور سنة 1414 من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف الثناء و التحيّة بيد العبد المفتاق إلى رحمة ربّه الغنيّ محمد الفاضل اللنكراني ابن العلّامة الفقيه الفقيد آية اللّٰه الشيخ فاضل اللنكراني تغمده اللّٰه بغفرانه و أسكنه بحبوحات جنانه و حشره اللّٰه مع من يحبّه و يتولاه من النبي و الأئمة المعصومين- عليه و عليهم الصلوات- و الرجاء من فضل اللّٰه

العميم ان يكون مقبولا عنده و من الفضلاء و المشتغلين ان ينظروا اليه بعين الإغماض و ان يتفضلوا عليّ بموارد الاشكال و الخطاء و الاشتباه فإنه ليس المعصوم الّا من عصمه اللّٰه تعالى و اصطفاه لهذه الفضيلة.

كما انّ الرجاء الواثق منه تعالى ان يحشر سيدنا الأستاذ الأعظم الماتن- قده- مع أجداده الطيبين الطاهرين المعصومين صلوات اللّٰه عليهم أجمعين و ان يوفقني لإتمام هذا الشرح الذي يمكن ان يكون ذخيرة ليوم فقري و فاقتي يوم لا ينفع مال و لا بنون الّا من اتى اللّٰه بقلب سليم و الحمد للّٰه رب العالمين.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

الجزء الرابع

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

[تتمة القول في تروك الإحرام]

[الرابع: الاستمناء بيده أو غيرها بأيّة وسيلة]

الرابع: الاستمناء بيده أو غيرها بأيّة وسيلة فإن أمنى فعليه بدنة و الأحوط بطلان ما يوجب الجماع بطلانه على نحو ما مرّ (1).

______________________________

(1) ظاهر المتن ان الحرمة الإحرامية يكون موضوعها هو عنوان الاستمناء الذي هو أعم مما إذا تحقق الأمناء بسببه و مما إذا لم يتحقق غاية الأمر ان ثبوت البدنة و الكفارة انّما هو في خصوص صورة الأمناء و قد خالفه في ذلك مثل المحقق (قده) في الشرائع حيث انه ذكر في محرمات الإحرام عنوان الاستمناء و ذكر في باب الكفارات:

و في الاستمناء بدنة، و ظاهره ثبوت الكفارة في مطلقه و قد نفى صاحب الجواهر (قده) وجدان الخلاف في المقام ثم استدلّ ببعض الروايات التي يأتي التعرض لها إن شاء اللّٰه تعالى و ظاهره انّ المستند هي الرواية دون الإجماع و التسالم.

و عليه فاللازم أوّلا ملاحظة ان الروايات الواردة في هذا المجال هل يستفاد منها انّ متعلق الحرمة الإحرامية هو عنوان الاستمناء الذي يكون مضيّقا من جهة اعتبار القصد و إرادة الانزال و خروج المني فيه و موّسعا من جهة أخرى و هي عدم اعتبار الانزال خارجا و خروج المني عقيب القصد و الإرادة أو لا يستفاد منها ذلك فنقول ما يستفاد منه الحرمة و الكفارة روايتان:

إحديهما: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج التي رواها الشيخ و الكليني قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله و هو محرم حتى يمني من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان ما ذا عليهما؟ قال عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع «1».

______________________________

(1) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب الرابع عشر ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج،

ج 4، ص: 16

..........

______________________________

و ثانيتهما: موثقة إسحاق بن عمار التي رواها عنه صباح الحذاء و هو من الموثقين بالخصوص عن أبي الحسن عليه السّلام ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال أرى عليه مثل ما على من أتى أهله و هو محرم، بدنة و الحج «1».

و الروايتان و ان كان يستفاد منهما الحرمة الإحرامية من طريق ثبوت الكفارة لأن ثبوتها في مورد لا ينطبق عليه بفعل الثانوية القوية مثل الاضطرار و الإكراه يكشف عن ثبوت الحرمة التكليفية كما مرّت الإشارة إليه غير مرّة إلّا أنّه لا يستفاد منهما كون المتعلق عنوان الاستمناء الذي عرفت اشتماله على جهتين لأن موردهما صورة تحقق الأمناء خارجا أوّلا و لا اشعار فيهما فضلا عن الدلالة بثبوت القصد و ارادة الانزال ثانيا و لا تكون الملازمة و لو الغالبية بين الملاعبة مع الأهل و الانزال و كذا العبث بالذكر معه حتى يقال ان تعلق القصد بهما يستلزم تعلّق القصد به أيضا إلّا ان يقال بالفرق بينهما فإن الملاعبة مع الأهل يترتب عليه التمتع و التلذذ و لو لم يتحقق الأمناء فيمكن ان تكون مقصودة في نفسها بدونها و هذا بخلاف البعث بالذكر الذي لا يترتب عليه شي ء من دون تحقق الأمناء.

و على أيّ حال فالروايتان لا تنطبقان على المدعى لأنه لا مجال لدعوى إلغاء خصوصية الأمناء عن موردهما فان القيود المأخوذة في كلام السائل و ان كان لا دلالة لها على المدخلية في ترتب الحكم بخلاف القيود المذكورة في كلام الامام عليه السّلام إلّا انه لا يستفاد عدم المدخلية و ثبوت الحكم مع فقدان بعضها إلّا مع استفادة العرف عدم المدخلية بوجه كما في قوله: رجل شك بين الثلاث

و الأربع و مثله، و في المقام لا مجال لدعوى عدم مدخلية الأمناء لو لم نقل بظهورهما في الاتكاء على هذا القيد.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب الخامس عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 17

..........

______________________________

ثم انه وردت روايات دالة على نفي الكفارة في بعض موارد الأمناء لا بدّ من ملاحظتها و الجمع بينها و بينهما فنقول:

منها: موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال في محرم استمع على رجل يجامع أهله فأمنى، قال: ليس عليه شي ء «1».

و منها موثقة أخرى لسماعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في المحرم تنعت له المرأة الخلقة فيمني، قال: ليس عليه شي ء «2».

و منها رواية أبي بصير قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل يسمع كلام امرأة من خلف حائط و هو محرم فتشاهى حتى انزل قال ليس عليه شي ء «3».

أقول: هذه الروايات الثلاثة الدالة على عدم ثبوت الكفارة مشتركة في ان مواردها لا يكون المقصود بشي ء منها الأمناء و لا يتحقق صدورها ناشيا عن هذا القصد نوعا و ان ترتب عليها الأمناء من دون قصد و عليه فمقتضى الجمع بينها و بين الروايتين الدالتين على ثبوت الكفارة بعد عدم اختصاصهما بموردهما الذي هو العبث بالأهل أو بالذكر هو حملهما على صورة قصد الأمناء و قد عرفت ان العبث بالذكر يكون غالبا مقرونا بهذا القصد لعدم تحقق تلذذ و تمتع بدونه بخلاف العبث بالأهل لكنه أيضا بقرينة هذه الروايات محمول على هذه الصورة و ان لم يكن بنفسه ظاهرا في الاختصاص.

و بالجملة بعد اشتراك جميع الروايات الخمسة في تحقق الأمناء في مواردها و اختلافها في أمرين ثبوت

الكفارة و عدمها و كون موارد هذه الروايات الثلاثة لا يقصد

______________________________

(1) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب العشرون، ج 4.

(2) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب العشرون، ح 1.

(3) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب العشرون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 18

..........

______________________________

بها الأمناء نوعا يكون مقتضى الجمع ما ذكرنا من حمل ما دلّ على ثبوت الكفارة على وجود قصد الإمناء أيضا و لا مجال لدعوى اختصاصه بموردهما لأن المتفاهم العرفي مدخلية القصد و الأمناء دون خصوصية العبث بالأهل أو بالذكر بل لو تخيّل بقصد الأمناء فأمنى أو نظر الى تمثال مرأة جميلة بهذا القصد فأمنى و مثلهما يكون مقتضى الروايتين ثبوت الكفارة الكاشفة عن الحرمة الإحرامية و ان لم يكن حراما في نفسه كالعبث بالأهل و يؤيد عدم الاختصاص اختلاف نفس الروايتين في المورد لأنه من البعيد ان يكون الملاك في كل منهما مغايرا لما هو الملاك في الآخر كما أنه يؤيّده ان الأصحاب لم يفهموا منهما ذلك.

نعم سيجي ء ان بعضهم خصّ الحكم بلزوم اعادة الحج من قابل الذي يدل عليه الموثقة بخصوص موردها و هو العبث بالذكر، و يأتي البحث إن شاء اللّٰه تعالى.

و قد ظهر مما ذكرنا انه لا وجه لتقويم المعارضة بين الطائفتين نظرا الى اشتراكهما في تحقق الأمناء و عدم تقيد شي ء من مواردهما بصورة القصد كما انه على هذا التقدير يكون الجمع بينهما بالتفصيل بين صورتي القصد و عدمه يكون جمعا تبرعيّا لا شاهد له بخلاف ما ذكرنا فان مرجعه الى حمل المطلق على المقيّد الذي هو خارج عن دائرة التعارض عند العرف و العقلاء.

كما انه ظهر مما ذكرنا أيضا انّ عنوان الاستمناء المذكور في

كلمات الفقهاء قدّس سرّه هنا و في باب الكفارات لا يكون مذكورا في شي ء من الروايات الواردة في هذا الباب سواء قيل باعتبار تحقق الأمناء فيها زائدا على القصد أو قيل بعدم اعتباره بل المحرّم هو ما يقصد به الأمناء و تحققت بعده و عليه فيرد على المتن ان التفكيك بين الحرمة الإحرامية و بين الكفارة بالحكم بكون متعلق الاولى لا يعتبر فيه الأمناء بخلاف الثانية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 19

..........

______________________________

لا يعلم له وجه.

و قد انقدح انّ الاستمناء المحرم في باب الإحرام و الموجب لثبوت كفارة البدنة هو ما يكون متعقبا بالامناء، و امّا البطلان الموجب للزوم الحج عليه من قابل فهو مورد للاختلاف فالمحكي عن الشيخ في التهذيب وجوب القضاء و هو المحكي عن المهذب و الوسيلة و الجامع و العلّامة في المختلف و قد استظهر عن التنقيح اختياره كالشهيدين و الكركي بل في الأوّل نسبته إلى الأكثر.

و عن ابن إدريس و الحلبي و جماعة بل ربما نقل عن الشيخ في الخلاف و الاستبصار عدم وجوب القضاء و جعله المحقّق في الشرائع أشبه.

و العمدة في الدليل على الوجوب موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة المصرّحة بثبوت البدنة و الحج عليه من قابل و لا مناقشة في اعتبارها إلّا على مبنى مثل صاحب المدارك ممّن لا يكتفي بمجرد الوثاقة في الاعتبار و الحجّية و لذا حمله على الاستحباب.

نعم ذكر العلّامة في المختلف: «و قال أبو علي بن الجنيد: و على المحرم إذا أنزل الماء امّا بعبث بحرمته أو بذكره أو بإدمان نظره مثل الذي يجامع في حديث الكلبي عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام».

و

هذه الرواية على تقدير ثبوتها صحيحة لأن المسمع المذكور و هو أبو سيار الملقب بكر دين بكسر الكاف لكن لم نظفر بهما في مثل الوسائل من الجوامع الحديثية و حمل العبارة على كون المراد مفاد صحيحة أبي سيار المفصّلة المتقدمة في باب النظر و القبلة و اللمس خلاف الظاهر جدّا مع انه على تقدير ثبوتها بهذه العبارة لا ظهور فيها في لزوم الحج عليه من قابل زائدا على الكفارة التي هي البدنة و ان كانت فيها المماثلة المشعرة بذلك خصوصا مع اشتمالها على النظر الذي لا يقتضي الإفساد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 20

..........

______________________________

بوجه. نعم صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة التي وقع فيها التعبير بالكفارة خالية عن الإشعار أيضا لعدم معهودية إطلاق الكفارة على اعادة الحج و تكراره في القابل.

فالدليل- على ما ذكرنا- ينحصر بالموثقة الصريحة في ذلك لكنه ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه انّ المعارضة متحققة بينها و بين الصحيحتين الواردتين في المواقعة فيما دون الفرج الصريحتين في عدم لزوم الحج عليه من قابل.

إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل محرم وقع على أهله فيما دون الفرج، قال: عليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل .. «1».

ثانيتهما: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في المحرم يقع على اهله قال: ان كان أفضى إليها فعليه بدنة و الحج من قابل، و ان لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل. الحديث .. «2»

نظرا الى ان موردهما و هو الجماع فيما دون الفرج امّا يكون أغلظ من الاستمناء أو انه فرد منه كما ان الموثقة

لا صراحة لها في الاستمناء و ان كانت تجامع معها في بعض الأحوال.

هذا و لكن بعد ما عرفت من انّ مورد الموثقة صورة الأمناء المصرّحة بها و ان مقتضى الجمع بينها و بين الروايات الثلاثة المتقدمة النافية للكفارة رأسا هو حمل مورد الموثقة على صورة قصد الإمناء أيضا يظهر انه لا مجال لدعوى ثبوت المعارضة بينها و بين الصحيحتين حتى ترجّحا عليها أو يرجح الى الأصل على فرض التكافؤ و ذلك لاعتبار خصوصيتين في مورد الموثقة مع عدم إشعار في الصحيحتين باعتبار واحدة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب السابع، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب السابع، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 21

..........

______________________________

منهما فضلا عن كلتيهما فان المواقعة فيما دون الفرج لا تلازم قصد الأمناء و لا تحققها بوجه و محط النظر فيهما انما هو نفس عنوان المواقعة فيما دون الفرج كما ان مورد النصوص الواردة في الجماع الحقيقي نفس هذا العنوان و لو لم يقصد به الإنزال أو لم يتحقق خارجا و عليه فلا معارضة بوجه.

فالإنصاف انه لا محيص عن الأخذ بالموثقة و الفتوى على طبقها، نعم المحكي عن الشيخ الذي هو الأصل في القول بوجوب القضاء و الحكم به هو الاقتصار على موردها و هو اللعب بالذكر و قد قوّاه صاحب الرياض نظرا إلى انه لا موجب للتعدية هنا حتى رواية المسمع التي ذكرها الإسكافي لما عرفت من عدم ظهورها في البطلان و ان كان موردها لا يختص باللعب بالذكر و اختار الاختصاص أيضا بعض الاعلام من المعاصرين في رسالته في المناسك و لكن الظاهر عدم الاختصاص و شمول الحكم لجميع موارد الاستمناء المتعقب للإمناء

و لا يرى وجه للفرق بين الصحيحة و الموثقة من جهة إلغاء الخصوصية من مورد الأولى و تعميم الحكم الصورة التخيل و النظر الى التمثال و استماع صوتها بالشرطين و عدم إلغاء الخصوصية من مورد الثانية كما صنعه بعض الاعلام حيث انه أصرّ على عدم الاختصاص بالإضافة إلى الاولى و أفتى بمفاد الثانية في خصوص موردها.

و يؤيد عدم الاختصاص التشبيه في الصحيحة العبث بالأهل بالجماع فإنه لو كان المقصود مجرد ثبوت البدنة و عدم لزوم الحج عليه من قابل لكان هناك أمور اخرى أهون من الجماع و مع ذلك يترتب عليه كفارة البدنة فالتشبيه بالجماع يؤيد عدم كون الحكم المترتب عليه مجرد البدنة.

و كيف كان فالظاهر عدم الاختصاص و ثبوت الأمرين في جميع الموارد و مع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 22

[الخامس: الطيب بأنواعه]

اشارة

الخامس: الطيب بأنواعه حتى الكافور صبغا و اطلاء و بخورا، على بدنه أو لباسه، و لا يجوز لبس ما فيه رائحته و لا أكل ما فيه الطيب كالزعفران، و الأقوى عدم حرمة الزنجبيل و الدارصيني، و الأحوط الاجتناب (1).

______________________________

التنزل فمقتضى الاحتياط الوجوبي ذلك كما في المتن ثم انه هل يختص الحكم في باب الاستمناء بالرجال و لا يعمّ النساء أو يعمّ النساء أيضا و لا يبعد ان يقال بالثاني فإنه و ان كان العنوانان المذكوران في الروايتين و هما العبث بالأهل أو بالذكر لا يصدقان في مورد النساء بخلاف عنواني التزوّج و التزويج المذكورين في الأمر المتقدم إلّا ان الظاهر على ما هو المتفاهم عند العرف كون الملاك هو قصد الأمناء و تحقق الأمناء بعده و لا خصوصية للعنوانين.

و يؤيّده عدم ثبوت الإضافة إلى الرجال في العبارات

و ان كان تفسير الاستمناء بخصوص ما كان باليد كما عن الفاضلين في بعض كتبهما ربما يؤيّد الاختصاص لكنه مضافا الى الإيراد عليهما بأنه لا وجه لهذا التفسير كما في الجواهر بل هي عامة لما كانت باليد أو بغيرها من أيّة وسيلة كما في المتن لا دلالة على الاختصاص كما لا يخفى فالظاهر شمول الحكم للنساء أيضا.

(1) في هذا الأمر جهات من الكلام:

الجهة الأولى:

هل المحرّم في باب الإحرام هو عنوان الطيب بجميع أنواعه و بنحو العموم أو الإطلاق أو خصوص جملة من أنواعه فنقول بعد كون أصل الحرمة في الجملة مجمعا عليه بين المسلمين فضلا عن المؤمنين بل النصوص متواترة فيه كما في الجواهر انه قد نسب في محكي الذخيرة العموم الى أكثر المتأخرين بل في المنتهى كذلك إلى الأكثر بل في الرياض أيضا نسبته إلى الشهرة العظيمة و قد اختاره المتن و استظهره المحقق في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 23

..........

______________________________

الشرائع و قوّاه صاحب الجواهر في شرحها.

لكن المحكي عن الشيخ في النهاية و ابن حمزة في الوسيلة ما ظاهره الاختصاص بستّة أنواع: المسك و العنبر و الزعفران و العود و الكافور و الورس، بل عن خلاف الشيخ الإجماع على أنّه لا كفارة في غيرها، نعم عدم وجوب الكفارة أعمّ من عدم الحرمة بخلاف الثبوت حيث انه يكشف عن ثبوتها كما مرّ غير مرّة. و الورس بفتح الواو و سكون الراء نبات كالسمسم ينحصر باليمن و يؤخذ لحرمة الوجه و بعض الأمور الأخر و سحيقه كسحيق زعفران.

و المحكيّ عن الجمل و العقود و المهذب و الإصباح و الإشارة حصره في خمسة بإسقاط الورس بل في الغنية نفي الخلاف عن

حرمتها، و هو لا يدل على عدم ثبوت الحرمة لغيرها كما لا يخفى.

و اختار بعض الاعلام قدّس سرّهم الخمسة بإسقاط الكافور من تلك الستة.

و عن الصدوق في المقنع بل المحكيّ عن التهذيب و ابن سعيد حصره في أربعة:

المسك و العنبر و الزعفران و الورس و ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه ان هذا القول في غاية الندرة حتى ان الشيخ الذي قال به في التهذيب قد رجع عنه في المبسوط الى العموم و في الخلاف إلى الستّة.

و اللازم في هذه الجهة ملاحظة الروايات الواردة في الباب و ينبغي قبل ذلك التنبيه على أمرين:

الأمر الأوّل: انه لا مجال لاحتمال كون الطيب في زماننا هذا له مفهوم آخر غير الطيب في زمن صدور الروايات حتى نفتقر في الحكم ببطلانه الى استصحاب القهقرى و ذلك لعدم خصوصية لهذا العنوان بين العناوين المشابهة له فالطيب من الألفاظ العربية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 24

..........

______________________________

التي وضع لمعنى مخصوص و لا سبيل الى احتمال تغيّر معناه الموضوع له بوجه.

الأمر الثاني: انه لا شبهة في ان تفسير الطيب كما يأتي في بعض الروايات لا يكون من قبيل التعريف الواقع في اللغة غير المرتبط بباب الاحكام فان هذا المعنى ليس من شأن الأئمة عليهم السّلام في مقام بيان الحكم و ان كانوا هم أعرف من كل لغويّ بالمراد من اللفظ لكن مقام بيان الحكم لا يلائم مع ذلك فكما ان تفسير الصعيد في بعض الروايات لا يرجع إلّا الى كون المراد من الصعيد الواقع في آية التيمم ما ذا، من دون ان يكون مرجعه الى توضيح اللغة بالنحو المتداول في كتب اللغة كذلك تفسير الطيب أيضا ببعض الأنواع

لا يكون مرجعه إلّا الى ان ما ترتب عليه الحكم في باب الإحرام ما ذا غاية الأمر انّ هذا النحو من التعبير انما يكون لسانه بنحو الحكومية كقوله لا شك لكثير الشك على ما قرّر في محلّه.

و بعد هذين الأمرين نقدّم البحث عن الروايات التي استدل بها على عدم العموم فنقول:

عمدتها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا تمسّ شيئا من الطيب و أنت محرم، و لا من الدهن و أمسك على أنفك من الريح الطيبة، و لا تمسك عليها من الريح المنتنة، فإنه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة، و اتّق الطيب في زادك، فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليعد غسله، و ليتصدق بصدقة بقدر ما صنع، و انّما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء: المسك و العنبر و الورس و الزعفران، غير انه يكره للمحرم الأدهان الطيّبة إلّا المضطرّ الى الزيت أو شبهه يتداوى به «1». و حكى عن التهذيب: «فعليه غسله» مكان: «فليعد غسله» و هو الظاهر و العجب من صاحب الوسائل حيث انه جعل هذه

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 25

..........

______________________________

الرواية أربع روايات أوردها في باب واحد و الذي دعاه الى ذلك الاقتصار في اثنتين منهما على صدر هذه الرواية و في الثالثة على ذيلها مع ان الراوي عن معاوية في اثنتين هو صفوان مع فضالة أو مع ابن أبي عمير و في الآخرتين هو إبراهيم النخعي و من الواضح هي الوحدة المشتملة على ما نقلنا.

و منها: موثقة ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: الطيب: المسك

و العنبر و الزعفران و العود «1».

و منها: موثقة عبد الغفار قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: الطيب: المسك و العنبر و الزعفران و الورس .. «2» و قد رواها في الوسائل في أبواب تروك الإحرام عن الشيخ بهذا النحو و لكنه رواها في أبواب آداب الحمام عن الكليني و فيها العود مكان «3» الورس ..

و الظاهر كما مرّ ان هذا النحو من التعبير ناظر الى الحكم المترتب على الطيب في الشريعة و هو ليس إلّا الحرمة الإحرامية المعهودة بين المسلمين فضلا عن المؤمنين و لسانه لسان الحكومة و انّ الطيب المحرّم على المحرم و ان كان مذكورا بنحو الإطلاق في دليل التحريم أي الدليل المحكوم لكن المراد به خصوص الأنواع الأربعة.

و قد اشترك جميع هذه الروايات في ان المراد هي أربعة أنواع لكن الاختلاف بينها انّما هو في النوع الرابع و انه هل هو الورس أو العود فمقتضى رواية معاوية بن عمّار و رواية عبد الغفار على أحد نقليها ان الرابع هو الورس و مقتضى رواية ابن أبي يعفور و رواية عبد الغفار على النقل الآخر ان الرابع هو العود.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 15.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 16.

(3) أبواب آداب الحمام، الباب السابع و التسعون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 26

..........

______________________________

و على أيّ حال فهذه الروايات مختلفة من هذه الجهة.

و ربما يقال كما قاله جملة من المحققين بأنه لا تعارض بينها في الحقيقة لأن دلالة كل من الطرفين على حرمة خصوص المذكورات فيها انّما هي بالصراحة و على عدم حرمة ما عداها انّما هي بالظهور

فيتصرف في ظهور كل منهما بنصّ الآخر بمقتضى قاعدة حمل الظاهر على الأظهر أو النص فإن صحيحة معاوية بن عمّار و ان كانت مشتملة على اداة الحصر و متعرضة لعنوان الأربعة مضافا الى كون الأنواع المذكورة فيها أربعة إلّا ان كل ذلك لا يوجب صراحتها في عدم حرمة عنوان خامس غير العناوين الأربعة المذكورة فيها بل مقتضى الوضع و كون كلمة «انّما» موضوعة للحصر لا يتجاوز عن الظهور كظهور الأسد في معناه الحقيقي المستند الى الوضع و كذا عنوان «الأربعة» و عدّ العناوين كذلك فإن شيئا منهما و كذا المجموع لا يوجب الصراحة في نفي الخامس بل لا يكون في البين إلّا مجرّد الظهور، و كذا الروايتان الآخرتان فإنهما و ان كانتا بلسان الحكومة و ناظرتين الى تفسير عنوان الطيب الذي وقع متعلقا للحرمة الإحرامية في أدلّة التحريم إلّا ان دلالتهما لا تبلغ حدّ الصراحة في جانب النفي و ان كانت صريحة بالإضافة إلى جانب الإثبات فمقتضى الجمع هو الحكم بكون المحرّم هو العناوين الخمسة.

و من أضاف إليها الكافور فمستنده ما دلّ على يمنع الميّت المحرم منه فالحيّ أولى و ان كان مخدوشا لمنع الأولوية فإن المحرم إذا عرض له الموت لا يبقى له وصف المحرمية بوجه بل الظاهر انه حكم تعبدي لا يجوز التعدّي عن مورده.

هذا و يمكن المناقشة في الجمع المذكور بعدم كونه مقبولا عند العقلاء و العرف موجبا لخروج الطرفين عن عنوان المتعارضين الذي هو الموضوع في الأخبار العلاجية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 27

..........

______________________________

مثل مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة.

نعم ما يترتب على الجمع المزبور هو وجود الضعف في دلالة هذه الأخبار في مقابل الأخبار الدالة

على حرمة مطلق الطيب و لا بدّ من ملاحظتها أيضا ثم النظر فيما يقتضيه الجمع فنقول:

منها: صحيحة محمد بن إسماعيل- يعني ابن بزيع- قال: رأيت أبا الحسن عليه السّلام كشف بين يديه طيب لينظر اليه و هو محرم فأمسك بيده على أنفه بثوبه من ريحه «1».

و الظاهر انه لا يستفاد منها حرمة الطيب بنحو الإطلاق لأنّ الحاكي لفعل الامام عليه السّلام هو الرّاوي لا امام آخر حتى يمكن التمسك بإطلاق كلامه في مقام الحكاية إذا كان بصدد بيان الحكم كما نبّهنا عليه مرارا و من الظاهر ان الطيب المكشوف بين يدي الإمام عليه السّلام كان نوعا خاصا فلا دلالة لهذه الرواية على الإطلاق.

و منها رواية سدير قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام ما تقول في الملح فيه زعفران للمحرم؟ قال: لا ينبغي أن يأكل شيئا فيه زعفران، و لا شيئا من الطيب .. «2» و في نسخة من الوسائل: و لا يطعم شيئا من الطيب و الظاهر ان «لا» في هذه النسخة للنهي لا زائدة و على كلتا النسختين فلا شبهة في كون المراد لا ينبغي هي الحرمة لحرمة الزعفران.

و منها رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا تمسّ ريحانا و أنت محرم، و لا شيئا فيه زعفران و لا تطعم طعاما فيه زعفران «3». و نقل مثلها عن الشيخ في الوسائل و جعلهما روايتين و أوردهما في باب واحد.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني عشر، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 28

..........

______________________________

و منها

مرسلة حريز عمّن أخبره عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال لا يمسّ المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان و لا يتلذّذ به و لا بريح طيبة فمن ابتلى بذلك فليتصدق بقدر ما صنع قدر سعته «1».

و قد رواها في الوسائل عن الكليني هكذا و لكنه رواها عن الشيخ مسندا و جعلها رواية أخرى أورد كلتيهما في باب واحد مع وضوح وحدة الرواية و كون الاختلاف في المتن يسيرا جدّا حيث لا تكون الرواية الثانية مشتملة على قوله: و لا بريح طيبة و ذكر فيها مكان «قدر سعته»: بقدر شبعه يعني من الطعام، و الظاهر ان قربهما في الكتابة يوجب الظن بكون أحدهما تصحيف الآخر.

و منها رواية النضر بن سويد عن أبي الحسن عليه السّلام في حديث ان المرأة المحرمة لا تمسّ طيبا «2». و من الواضح عدم اختصاص الحكم بالمرأة المحرمة لأنه لا قائل بالفرق بينها و بين الرجل في هذا الحكم و المناقشة في السند باعتبار اشتماله على سهل بن زياد مدفوعة بكون استناد المشهور الى مثلها جابرا لضعفها.

و منها رواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا كنت متمتعا فلا تقربنّ شيئا فيه صفرة حتى تطوف بالبيت «3». و الظاهر ان المراد من الصفرة الزعفران و الورس و لا تشمل الرواية غيرهما.

و منها رواية حمران عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّٰه- عزّ و جلّ- ثم ليقضوا تفثهم قال: التفث حفوف الرجل من الطيب فإذا قضى نسكه حلّ له الطيب «4».

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 6.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 7.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر،

ح 12.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 17.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 29

..........

______________________________

و المراد من الحفوف بعد العهد بسبب الإحرام من تطييب الرجل الذي كان معمولا في تلك الأزمنة و عليه فالمراد من الآية انه بعد قضاء مناسك الحج يجوز لهم العود الى ما كانوا عليه و الرواية ظاهرة في حرمة الطيّب حال الإحرام و ان حليته متوقفة على قضاء النسك.

و منها مرسلة الصدوق المعتبرة قال: و كان علي بن الحسين عليهما السّلام إذا تجهّز إلى مكّة قال لأهله: إيّاكم ان تجعلوا في زادنا شيئا من الطيب و لا الزعفران نأكله أو نطعمه «1».

و لكنه، حيث يكون الحاكي لفعل الامام عليه السّلام هو غيره من الرواة فلا دلالة في الحكاية على كون العلّة في النهي هي حرمة الطيب مطلقا و من الممكن ان يكون بعض أنواعه مكروها غير محرّم عنده عليه السّلام و كانت الكراهة هي العلّة في النهي كما لا يخفى.

و منها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم، فان كان ناسيا فلا شي ء عليه و يستغفر اللّٰه و يتوب اليه «2». و هذه الرواية من أحسن الروايات التي يمكن الاستدلال بها للمشهور و لا مجال لحملها على الكراهة بوجه حيث انّها لا تجتمع مع ثبوت الكفارة خصوصا كفارة الدّم.

و منها رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل مسّ الطيب ناسيا و هو محرم قال: يغسل يده و يلبّي «3».

و السؤال ظاهر في كون حرمة الطيب على المحرم مفروغا عنها عند السائل و انما السؤال عن خصوص

حال النسيان و الجواب تقرير له، مضافا الى ظهوره في وجوب

______________________________

(1) أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 18.

(2) الوسائل، أبواب بقيّة كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 1.

(3) الوسائل، أبواب بقيّة كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 30

..........

______________________________

غسل اليد بعد زوال النسيان.

و منها رواية الحسن بن زياد قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام وضّأني الغلام و لم أعلم «بدستشان» فيه طيب، فغسلت يدي و انا محرم، فقال: تصدّق بشي ء لذلك «1».

قيل: دستشان معرب دست شود و يحتمل كونه مصحف الأشنان الذي وقع التعرض له في بعض الروايات، و يحتمل ان يكون مجموع الكلمة فارسيّا قد استعمل لكون السائل من الفرس.

و منها رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يمسّ الطيب و هو نائم لا يعلم. قال: يغسله و ليس عليه شي ء. و «سألته خ ل» عن المحرم يدهنه الحلال بالدهن الطيب و المحرم لا يعلم ما عليه، قال: لا شي ء يغسله أيضا و ليحذر .. «2».

و منها رواية أخرى للحسن بن زياد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قلت له: الأشنان فيه الطيب أغسل به يدي و انا محرم؟ فقال إذا أردتم الإحرام فانظروا مزاودكم فاعزلوا الذي لا تحتاجون اليه، و قال: تصدّق بشي ء كفارة للأشنان الذي غسلت به يدك «3».

و من المحتمل قويّا ان تكون هذه الرواية هي رواية الحسن بن زياد المتقدمة و عليه فيظهر ان الكلمة في تلك الرواية أشنان لا الاحتمالات الأخر و اشتمال هذه على بعض الأمور الأخر لا ينافي الاتحاد بوجه.

و منها مرسلة المفيد قدّس سرّه في المقنعة و

هي معتبرة أيضا قال: قال عليه السّلام: كفارة مسّ

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقيّة كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 4.

(2) الوسائل، أبواب بقيّة كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 7.

(3) الوسائل، أبواب بقيّة كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 31

..........

______________________________

الطيب للمحرم ان يستغفر اللّٰه .. «1».

و منها غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال.

ثمّ ان صاحب الجواهر قدّس سرّه تبع المحقق صاحب الشرائع في جعل القول بالعموم هو الأظهر و قال بعد توصيف القول بالأربعة بكونه في غاية الندرة: «و منه يعلم المناقشة في الحصر في الصحيح بالأربعة المشتمل على ما لا يقول به أحد من الكفارة بأنه لا بد من صرفه عن ظاهره بالنسبة إلى الكافور و العود لما عرفت فيكون مجازا بالنسبة الى ذلك و هو ليس بأولى من إبقاء العموم على حاله و حمله على ما هو أغلظ تحريما أو المختص بالكفارة بل لعلّه أولى و ان كان التخصيص بالترجيح أحرى من المجاز حيث ما تعارضا، فان ذلك حيث لا يلزم إلّا أحدهما، و اما إذا لزم المجاز على كلّ تقدير فلا ريب في انّ اختيار فرد منه يجامع العموم أولى من الذي يلزم معه التخصيص كما لا يخفى و العمدة كثرة النصوص المزبورة مع عمل المشهور بمضمونهما و اشتمال بعضها على التعليل بأنه لا ينبغي للمحرم المزبورة مع عمل المشهور بمضمونها و اشتمال بعضها على التعليل بأنه لا ينبغي للمحرم التلذذ بذلك المناسب لمعنى الإحرام و لما ورد في دعائه من إحرام الايف و غيره فيكون الظنّ بها أقوى ..».

و محصله- مع تقريب منّا- انه في الدوران بين المجاز و التخصيص و

ان كان الترجيح مع الثاني امّا لعدم كون التخصيص مستلزما للمجازية كما قد حقق في الأصول لأنّه تصرف في الإرادة الجدية و مانع عن جريان أصالة التطابق بين الإرادتين:

- الاستعمالية و الجدية- و لا يستلزم التصرف في الإرادة الاستعمالية بحيث يكون كاشفا عن ان المستعمل فيه غير العموم، و امّا لكونه أغلب من المجاز نظرا إلى انه ما من عام إلّا و قد خصّ كما اشتهر إلّا ان مورد هذا الترجيح، ما إذا لم يكن التخصيص في مورد

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقيّة كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 32

..........

______________________________

مستلزما للمجازية أيضا و امّا في صورة الاستلزام فالترجيح مع عدمه لبقاء أصالة المعموم على حالها و المقام من هذا القبيل للزوم التصرف في روايات الأربعة جميعا حتى الصحيحة المشتملة على أداة الحصر الظاهر في الحصر الحقيقي خصوصا مع التعرّض لعنوان «الأربعة» لأنك عرفت ان مقتضى الجمع بين هذه الروايات جعل الأنواع المحرّمة خمسة و بضميمة الكافور ستة و عليه فالتخصيص أيضا يوجب الحمل على خلاف الظاهر فلا يبقى مجال لترجيح التخصيص على المجاز مع استلزام الطرفين له، امّا التخصيص فلما عرفت، و امّا العموم فلأن حمل هذه الروايات على تأكد الحرمة و أشديتها أو على كون المراد من الطيب المذكور هو الطيب المحرّم الموجب للكفّارة على خلاف الظاهر فالمجازية لازمة على كلا التقديرين و الترجيح مع المجاز الذي لا ينافي انحفاظ أصالة العموم خصوصا مع وجود الشهرة المؤيدة و سائر المؤيدات المذكورة في كلامه.

و قد أورد على هذا الكلام بعض الأعاظم قدّس سرّهم على ما في تقريرات بحثه بما حاصله: «انه لا يلزم من تخصيص العمومات

بالحصر المذكور في صحيحة معاوية بن عمّار مجاز أصلا لا في العام لعدم كون التخصيص مستلزما للمجازية في العام و لا في الحصر نظرا الى لزوم حمله على الإضافي بالنسبة إلى العود و الكافور لأن أدوات الحصر كألفاظ العموم تدلّ على حصر متلوّها فان قيل ما جاءني إلّا زيد يكون مفاد «ما و إلّا» حصر المجي ء في زيد، و ان قيل إلّا زيد و عمرو يكون الحصر ثابتا في اثنين و هكذا فأداة الحصر نظير ألفاظ العموم حيث انه لا فرق فيها بين ان يقول: أكرم كلّ رجل، و بين ان يقول أكرم كل رجل عالم و عليه فكلمة «انّما» في الصحيحة انما تفيد الحصر و امّا كون المحصور فيه خصوص الأربعة فمنوط بعدم دليل على حرمة غيرها و معه يكون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 33

..........

______________________________

المحصور فيه أزيد من الأربعة فاتضح انه لا يلزم في صورة التخصيص مجاز أصلا كما انه على تقدير عدمه و الحمل على الأغلظية أو خصوص ما يوجب الكفارة و ان كان يرد عليه انه بلا شاهد لعدم وضوح كونه جمعا عرفيّا لكنه لا يوجب المجازية بوجه فالمجاز لا يلزم على شي ء من التقديرين».

و الجواب عن هذا الإيراد امّا في صورة التخصيص فلأنّ أداة الحصر و ان كانت تدلّ على حصر متلوّها كما أفاده قدّس سرّه إلّا انّها إذا استعملت مع متلو واحد- مثلا- فقال:

ما جاءني من العدم إلّا زيد ثم أخبر بكلام منفصل باشتراك عمرو مع زيد في المجي ء من دون ان يكون في الخبر اشعار بالعدول عمّا أخبر به أوّلا و انه قد نسي مجي ء عمرو مثلا فهل يمكن ان يقال بان

هذا الخبر الثاني لا ينافي ظاهر ما اشتمل على أداة الحصر و يكون مثل ما إذا أخبر أوّلا بمجي ء زيد من دون الاشتمال على أداة الحصر، الظاهر انه لا مجال للالتزام بذلك، لأنّ مرجعه الى توقف دلالة القول الأوّل على حصر المجي ء في خصوص زيد على عدم مجي ء دليل آخر على مجي ء عمرو- مثلا- و من الظاهر عدم إمكان الالتزام بذلك خصوصا في مثل الصحيحة التي تكون مشتملة على عنوان «الأربعة» زائدا على كلمة «إنّما» فإن مقتضى ما أفاده عدم ظهور الصحيحة في نفسها في الحصر في الأربعة و توقف دلالتها عليه على عدم ثبوت عنوان خامس أو أزيد فالإنصاف ان التخصيص يستلزم خلاف الظاهر من هذه الجهة.

و امّا في صورة انحفاظ العام و عدم التخصيص فالظاهر ان حمل النهي على الأغلظية مخالف لما هو ظاهره لأن مفاده أصل الحرمة لا تأكّدها كما ان تخصيص مورده بخصوص ما يوجب الكفارة أيضا كذلك و تجري مثل ذلك فيما اشتمل على تفسير الطيب بالأربعة من الروايات المتقدمة فإن الظاهر كون اللام في «الطيب» إشارة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 34

..........

______________________________

الى ما هو المحرم في حال الإحرام المعهود عند المسلمين لما عرفت من كون حرمة الطيب في الجملة في حال الإحرام من الأمور المسلّمة بين الفريقين و حمله على الطيب الذي يكون آكد في الحرمة و أغلظ فيها أو الذي يكون موجبا للكفارة من بين الأنواع المشتركة في أصل الحرمة الإحرامية خلاف الظاهر جدّا فانقدح انه لا يرد اشكال على صاحب الجواهر قدّس سرّه من هذه الجهة.

هذا، و الذي يقتضيه التحقيق في مقام الجمع بين الطائفتين من الروايات الواردة في المقام هو

حمل الطائفة الدالة على حرمة الطيب مطلقا و بجميع أنواعه على الكراهة و تخصيص الحرمة بخصوص العناوين الخمسة الواردة في الطائفة الثانية و ذلك لأنّ لسان هذه الطائفة امّا لسان الحصر و ان كان المحصور فيه زائدا على الأربعة المذكورة لاقتضاء الجمع بين روايات نفس هذه الطائفة لذلك كما في صحيحة معاوية بن عمّار.

و امّا لسان التفسير و الحكومة و مرجعه الى بيان ان الطيب الذي تكون حرمته في حال الإحرام معهودة عبارة عن الأربعة المذكورة فيه و ان كان مقتضى الجمع بين الدليلين الحاكمين هو وجود عنوان خامس إلّا انّ زيادة عنوان آخر لا يوجب التزلزل في أصل الحكومة و لا رفع اليد عن مفاد كلمة «إنّما» الذي هو عدم عمومية الحرمة لجميع أنواع الطيب فمقتضى الجمع الدلالي الذي يوجب الخروج عن عنوان «المتعارضين» و لا تصل النوبة إلى المرجحات حتى الشهرة الفتوائية هو الحكم باختصاص الحرمة بالأنواع الخمسة و حمل ما دلّ على النهي عن المطلق على الكراهة و اللازم على هذا التقدير حمل ما دلّ على ثبوت الكفارة في مطلق الطيب على كون المراد واحدا من تلك الأنواع الخمسة و كيف يجتمع لسان الحكومة الموجود في أكثر هذه الطائفة مع عموم النهي كما انه لا يجتمع معه لسان الحضر الموجود في الصحيحة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 35

..........

______________________________

و يؤيد ما ذكرنا التدبّر في نفس صحيحة معاوية بن عمار المشتمل صدورها على النهي عن مسّ شي ء من الطيب و كذا الدهن الذي يكون المراد به بقرينة الذيل هو الدهن الطيّب و ذيلها على أمرين: أحدهما حصر المحرم من الطيب في الأربعة، و ثانيهما كراهة الادهان الطيبة لغير المضطر.

و من الواضح انّ المراد من الكراهة في مقابل الحرمة هي الكراهة المصطلحة فهل الجمع بين المصدر المذكور في الرواية و بين الذيل الذي أشير إليه، يستلزم التهافت و التنافي أو انّ مقتضاه كون الذيل قرينة على ان المراد بالصدر هي الكراهي كما انه قد صرّح بها بالنسبة إلى الدهن و هل يمكن حمل الكراهة الواقعة في مقابل الحرمة على الحرمة فلا محيص عن حمل النهي في المصدر على الكراهة.

و يؤيده التعليل بأنّه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة فإنه لو لم تكن الرواية مشتملة على الذيل المذكور الموجب لحمل النهي في الصدر على الكراهة لما كان هذا التعبير منافيا للحرمة بوجه إلّا ان الاشتمال على الذيل كما انّه أوجب حمل الصدر على الكراهة كذلك يوجب حمل التعليل على ما يناسب الكراهة.

كما أنه يؤيد ما ذكرنا جعل الكفارة قبل بيان الأنواع المحرّمة هو التصدق بصدقة بقدر ما صنع مع ان كفارة الطيب المحرم كما دلّ عليه بعض الروايات المتقدمة، هو الدم و عليه الفتوى فاللازم ان يقال بان هذه الكفارة كفارة المكروه و لا تكون واجبة بل مستحبة. فالتدبّر في نفس هذه الصحيحة يرشدنا الى الجمع الذي ذكرنا و إلّا يلزم التهافت أو الاضطراب في الرواية.

بقي الكلام في هذه الجهة في معنى الطيب و مفهومه سواء قلنا بتعلّق الحرمة بعنوانه بنحو الإطلاق أو قلنا بثبوت الكراهة في غير العناوين الخمسة المحرّمة فإنّه على هذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 36

..........

______________________________

التقدير أيضا لا بدّ من معرفة معنى الطيب فنقول:

الظاهر انه من العناوين التي يرجع في تشخيص معناها و فهم المراد منها الى العرف و اللغة، لعدم ثبوت معنى خاص

له في الشريعة و تعرّض جملة من أعيان الفقهاء لتعريفه و تفسيره لا يرجع الى ثبوت معنى مخصوص له فيها بل بيان لما هو المتفاهم منه عند العرف و لا بأس بالإشارة إلى نقل جملة منها فنقول:

قال العلّامة قدّس سرّه في محكي التذكرة: «انه ما تطيب رائحته و يتخذ للشمّ كالمسك و العنبر و الكافور و الزعفران و ماء الورد و الأدهان الطيّبة كدهن البنفسج و الورس، و المعتبر ان يكون معظم الغرض منه التطيّب أو يظهر فيه هذا الغرض».

و قال الشهيد الأوّل: «يعني به كل جسم ذي ريح طيبة بالنسبة إلى معظم الأمزجة أو الى مزاج المستعمل له غير الرياحين».

و قال في المسالك: «هو الجسم ذو الريح الطيبة المتخذة للشمّ غالبا غير الرياحين كالمسك و العنبر و الزعفران و ماء الورد و الكافور».

و العمدة ما عرفت من ان المعيار هو المعنى العرفي و اللغوي و التعاريف المزبورة ناظرة اليه و سيأتي الكلام في بعض المصاديق إن شاء اللّٰه تعالى. هذا تمام الكلام في الجهة الأولى.

الجهة الثانية: في تنقيح متعلق الحرمة من الأفعال المتعلقة بالعناوين الخاصة أو بالطيب بنحو الإطلاق و لنقدم في هذه الجهة أمرا و هو انه ربما يقال كما في تقريرات بعض الأعاظم قدّس سرّهم بكون أدلّة المقام ظاهرة في تعلق الحكم ابتداء بنفس الأعيان فتصير نظير قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ .. غاية الأمر لا بدّ من الالتزام بعدم كون المراد ذلك لعدم إمكان تعلق الحكم بنفس الأعيان.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 37

..........

______________________________

و يرد عليه بطلان ما أفاده لعدم كون أدلّة المقام نظيرا للآية المزبورة، و ذلك لأن صحيحة معاوية

بن عمّار المشتملة على الحصر ناظرة إلى نفي ثبوت الحرمة فيما عدا الأربعة المذكورة فيها، و امّا تعلّق الحرمة بنفس العناوين المتعددة التي وقعت موردا لتعرضها، فلا دلالة لها عليه أصلا. و بعبارة أخرى مفادها تضييق دائرة متعلق الحكم التحريمي و تخصيصها بالأربعة.

و امّا كون الأربعة بذواتها متعلقة للحرمة فلا يستفاد منها بوجه. و أوضح منها الروايات الدالة على تفسير الطيب التي قد عرفت ان لسانها لسان الحكومة، و التوضيح فان مفادها انّ الطيب الذي يكون محرّما في حال الإحرام و تكون حرمته معهودة عبارة عن الأربعة المذكورة فيها و امّا كون المتعلّق نفس العناوين فلا دلالة لها عليه أصلا فالمقام لا يكون نظيرا للآية المذكورة حتى يجري فيه احتمال كون حذف المتعلق مفيدا للعموم.

نعم على القول بحرمة الطيب بإطلاقه يكون بعض الروايات المتقدمة الدالة على هذا الحكم مشعرة بتعلق الحكم بعنوانه و ان كان أكثرها دالة على التعلّق بالفعل المتعلق به مثل المسّ المذكور في كثير منها.

و كيف كان فالتحقيق في أصل هذه الجهة ان يقال انه لا شبهة في خروج بعض الأفعال المتعلّقة بالطيب المحرّم عن دائرة الحرمة كالنظر اليه و بيعه و شرائه و مثل ذلك من الأفعال التي لا يفهم العرف كونها أيضا محرّمة و لم يقع الفتوى بها من أحد. كما ان الظاهر انه لا ينبغي الارتياب في كون الاستشمام و تعلق الشم بالطيب المحرّم محرّما لأنه القدر المتيقن الذي يدلّ عليه مفهوم الطيب و معناه كما مرّ في التعاريف المتقدمة فإن كونه عبارة عمّا يتخذ للشمّ غالبا أو انه ذو الريح الطيبة يرشد الى ان تعلق الحرمة به

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 38

..........

______________________________

يرتبط بهذه الجهة قطعا فحرمة الشم هو القدر المتيقن، كما ان القدر المتيقن من تعلّق الحرمة بالميتة في الآية الشريفة هو حرمة أكل لحمها و الاستفادة منها من هذه الجهة بل ما نحن فيه أولى من الآية، لأن الأكل لم يؤخذ في مفهوم الميتة و معناها، لا في معناها العرفي و لا في معناها الشرعي بناء على ثبوت معنى شرعي لها و امّا الطيب فقد عرفت انه قد أخذ في مفهومه الاتخاذ للشمّ و عليه فلا شبهة في ان هذا العنوان محرم و لا يبقى مجال للبحث فيه و الترديد في انه هل يصدق على الشمّ عنوان «الاستعمال» أو لا يصدق كما في بعض الكلمات، فإنه لا فرق فيما ذكرنا بين الصدق و عدمه خصوصا مع عدم دلالة شي ء من الروايات على تعلّق الحرمة بعنوان الاستعمال كما هو الظاهر.

هذا و مقتضى رواية زرارة المتقدمة الدالة على ثبوت الكفارة على من أكل طعاما فيه طيب هو كون الأكل أيضا مما تعلق به التحريم في باب الطيب من دون فرق بين القول بحرمة مطلق الطيب كما عليه المشهور أو بحرمة بعض أنواعه كما رجّحناه و احتمال كون الأكل في الرواية لا مدخلية له بل ذكره انّما هو لأجل استلزامه للشمّ مدفوع مضافا الى منع الاستلزام لإمكان كونه فاقدا لحاسة الشمّ أو ممسكا لأنفه في حال الأكل بأنّ ظاهر الرواية كون الأكل له الموضوعية و المدخلية و لا وجه للحمل على خلاف الظاهر و عليه فتتسع دائرة متعلق الحرمة، و يجب الحكم بكون الأكل أيضا محرّما كالشمّ على ما عرفت.

انّما الاشكال و البحث في مسّ الطيب و قد ذكر بعض الأعاظم قدّس سرّهم على ما في تقريراته انه

لا ينبغي الإشكال في حرمته من جهة الاخبار الناهية عن مسّ مطلق الطيب كقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمّار المتقدم: لا تمسّ شيئا من الطيب و أنت محرم و لا من الدهن .. و في صحيح حريز: لا يمسّ المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 39

..........

______________________________

و نحوهما غيرهما من الاخبار فحرمة المسّ لا تختص بالأربعة بل كل ما كان من الطيب و يصدق عليه انه منه يحرم مسّه للأخبار المتقدمة.

و عن التذكرة التصريح بذلك حيث قال: «شمّا و مسّا علق به البدن أو عبقت به الرائحة و احتقانا و اكتحالا و استعاطا لا لضرورة و لبسا لثوب مطيب و افتراشا له بحيث يشمّ الريح أو يباشر بدنه أو ثياب بدنه» بل قال: «لو داس بنعله طيبا فعلق بنعله وجبت الفدية».

و الذي يقوي في النظر بعد التأمل في صحيحة معاوية بن عمّار انّ المسّ المنهي عنه فيها في صدر الرواية و شروعها لا يراد به ما يقابل الشمّ بل ذكره انّما هو لأجل كون الاستفادة من الطيب بشمّه انّما تتحقق نوعا بمسّه على البدن أو الثوب خصوصا في مثل المرأة التي وقع السؤال في بعض الروايات المتقدمة عن مسّها الطيب فانّ مسّها للطيب انما يكون غالبا لأجل كونه مطلوبا لزوجها و موجبا لحصول الرغبة الزائدة إليها و مؤثرا في كمال التمتع منها.

و يؤيد ما ذكرنا في مفاد الصحيحة انه لو كان المسّ له موضوعية مستقلة في مقابل الشمّ لكان اللازم رعاية لمناسبة الحكم و الموضوع التعرض في الطيب أوّلا لحكم الشمّ الذي قد عرفت انه الفعل الظاهر المتعلق به مع انه لم

يقع التعرض له في الرواية كذلك كما ان الظاهر ان قوله: فإنه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة تعليل لجميع الأحكام المذكورة لا لخصوص قوله و أمسك أنفك من الريح الطيبة و على تقدير كون المسّ عنوانا مستقلا في تعلّق الحكم به لكان الأولى ذكر العلّة له لأنه بعيد عن الأذهان بخلاف الشمّ الذي تكون علّة حرمته ظاهرة.

هذا مع انّ حمل الصدر على تحريم مسّ مطلق الطيب و الذيل على انحصار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 40

..........

______________________________

الحرمة في الأربعة من دون تعرّض للشم فيها مستبعد جدّا بل الظاهر في الجمع بين الصدر و الذيل ما قدّمنا و انّ المسّ لا موضوعية له بحيث لو لم يستلزم الشمّ لجهة يكون محرّما أيضا.

و لأجل الجمود على ظاهر الأدلة الحاكم بحرمة المسّ و انه لا فرق فيه بين الحدوث و البقاء وقع الكلام بينهم في انه إذا تطيب بعد الإحرام هل يجوز له ان يزيله بيده أم لا بل يجب ان يزيله بآلة أو أمر غير المحرم بالإزالة لئلا يمسّ الطيب فالمحكي عن الدروس انه أمر الحلال بغسله أو غسله بآلة و المحكي عن التهذيب و التحرير التصريح بجواز إزالته بمباشرته و بنفسه و هو الموافق للروايات المتعددة الواردة في هذه المسألة و لا مجال لحملها على حال الضرورة و هو يؤيد ما ذكرنا من عدم كون المسّ بعنوانه محرّما كما في الموارد الأخرى التي وقع متعلقا للحكم كمسّ الميت الذي يترتب عليه وجوب الغسل فان تحقق مسمّاه يكفي في إيجاب الغسل فهل يكون المقام أيضا كذلك نعم لو وقع التدهين بالدهن الطيب يكون هذا محرّما موجبا للكفارة بل يظهر من

محكي المنتهى ان عليه إجماع أهل العلم و لكن التدهين بنفسه عنوان آخر من الأمور المحرّمة للمحرم في عرض الطيب و سائر الأمور، و امّا المسّ المجرد عن الشم و عن التدهين فالظاهر انه لا يمكن الالتزام بحرمته خصوصا لو قلنا بحرمة الريحان أيضا زائدا على الطيب كما أفيد في المتن في المسألة الآتية و قد وقع معطوفا على الطيب في مثل صحيحة حريز المتقدمة فإن اللازم- ح- الالتزام بكون مجرّد مسّ الريحان و لو لم يكن مستلزما لشمّه محرما أيضا مع انه من الواضح عدم إمكان الالتزام به.

ثم ان العناوين الثلاثة الواقعة في المتن من الصبغ و الاطلاء و البخور يكون المراد بالأوّل بناء على كسر الصّاد هو الإدام المائع الذي يتخمر فيه الخبز و قد ورد في قوله

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 41

[مسألة 10- يجب الاجتناب عن الرّياحين]

مسألة 10- يجب الاجتناب عن الرّياحين أي كلّ نبات فيه رائحة طيبة إلّا بعض أقسامها البرّية كالخزامى- و هو نبت زهرة من أطيب الأزهار على ما قيل- و القيصوم و الشيح و الإذخر، و يستثنى من الطيب خلوق الكعبة و هو مجهول عندنا فالأحوط الاجتناب من الاجتناب من الطيب المستعمل فيها (1).

______________________________

تعالى وَ صِبْغٍ لِلْآكِلِينَ و بناء على فتح الصاد يكون المراد به هو الصبغ بمعنى إيجاد اللون و هو يكون مستلزما لاستشمام رائحته كما ان الأول يكون مستلزما لأكله. و امّا الاطلاء فهو بمعنى المسح الملازم للشمّ و البخور بمعنى التبخير كذلك.

الجهة الثالثة: في عدم حرمة الزنجبيل و الدارصيني امّا بناء على اختصاص الحرمة ببعض أنواع الطيب فواضح و امّا بناء على ما ذهب اليه المشهور من الإطلاق فلأجل عدم كونهما من

أنواع الطيب بعد ما عرفت من مدخلية الاتخاذ للشمّ غالبا في معناه نعم سيأتي من المبسوط كلام يظهر منه انّ جميع هذه الأمور يصدق عليه عنوان الطيب و ان كان بين أنواعه اختلاف في الحكم فانتظر ..

(1) يقع الكلام في المسألة في أمرين:

الأمر الأوّل: في الرياحين و لنقدم قبل التعرض لحكمها كلاما محكيّا من الشيخ في المبسوط فنقول قال فيه: «الطيب على ضربين: أحدهما «ماظ» تجب فيه الكفارة و هي الأجناس الستّة التي ذكرناها: المسك و العنبر و الكافور و الزعفران و العود و الورس.

و الضرب الآخر على ثلاثة أضرب:

أولهما: ينبت للطيب و يتخذ منه الطيب مثل الورد و الياسمين و الجبزي (و الخبزي خ ل) و الكازي و النيلوفر فهذا يكره و لا يتعلق باستعماله كفارة إلّا ان يتخذ منه الأدهان الطيبة فيدهن بها فيتعلق بها كفارة.

و ثانيها: لا ينبت للطيب و لا يتخذ منه الطيب مثل الفواكه كالتفاح و السفرجل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 42

..........

______________________________

و النارنج و الأترج و الدارصيني و المصطكي و الزنجبيل و الشيح و القيصوم و الإذخر و حبق الماء و السعد و نحو ذلك، و كل ذلك لا تتعلق به كفارة و لا هو محرم بلا خلاف و كذلك حكم أنوارها و أورادها و كذلك ما يعتصر منها من الماء و الأولى تجنب ذلك للمحرم.

الثالث: ما ينبت للطيب و لا يتخذ منه الطيب مثل الريحان الفارسي و لا تتعلق به كفارة و يكره استعماله و فيه خلاف».

و مراده من الكراهة في الموردين هو مجرد الحرمة الخالية عن الكفارة الكراهة المصطلحة فإنّ الشيخ كما مرّ يقول في المبسوط بمقالة المشهور و هي حرمة

مطلق الطيب غاية الأمر أنّه يخصّص الكفّارة بخصوص الأجناس الستة التي ذكرها كما انه يعمّمها للتدهين. و ظاهره انّ المقسم لجميع هذه الضروب الأربعة هو عنوان الطيب فاللازم ان يقال بعدم كون مراده هو الطيب بالمعنى العرفي الذي قد عرفت تعريفه في كلمات جماعة من الفقهاء- فإنه لا يشمل الجميع كما هو واضح.

إذا عرفت ذلك فاعلم انّ الروايات الواردة في الرياحين على طائفتين:

إحداهما: ما تدلّ على الحرمة بنحو الإطلاق و هي ثلاث روايات:

الأولى: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عليه السّلام قال: لا تمسّ ريحانا و أنت محرم، و لا شيئا فيه زعفران، و لا تطعم طعاما فيه زعفران «1». و هذه الرواية كما أنّها معتبرة من حيث السّند ظاهرة من حيث الدلالة على ان مسّ الريحان و شمّه حرام في حال الإحرام و انّ الريحان مغاير للطيب و لا يكون من مصاديقه كما ان الظاهر انّ المراد بالريحان هو الريحان العربي الذي هو عبارة عن مطلق النبات الذي يكون فيه رائحة طيبة لا الريحان الفارسي الذي هو نوع خاص مثل النعناع و غيره و لا فرق في الريحان المطلق بين البرّي

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 43

..........

______________________________

و بين ما ينبته الآدمي.

الثانية: مرسلة حريز عمّن أخبره عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا يمسّ المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به و لا يربح طيبة فمن ابتلى بذلك فليتصدّق بقدر ما صنع قدر سعته «1».

الثالثة: صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا يمسّ المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان و

لا يتلذذ به فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع شبعه يعني من الطعام .. «2»

و لا شبهة في اتّحاد الروايتين و ان كلمة «شبعه» تصحيف ل «سعته» أو بالعكس لقربهما في الكتابة و لأجل الاتحاد استشكل في اعتبار سند الرواية لأجل ترددها بين كونها مسندة أو مرسلة كما انه بناء على ما اخترناه من عدم حرمة مطلق الطيب لا بدّ من حمل النهي فيها على الكراهة بخلاف الصحيحة الأولى الظاهرة في الحرمة لكون الزعفران من الأنواع التي لا شبهة في حرمته.

نعم بناء على مختار المتن من حرمة مطلق الطيب تكون الروايتان ظاهرتين من حيث الدلالة على الحرمة و ان كان ربما يقع الإشكال في الدلالة بناء عليه من جهة الكفارة المذكورة فيهما حيث ان كفارة استعمال الطيب كما سيأتي هو دم شاة إلّا ان يحمل قوله: فمن ابتلى على غير صورة العمد و الالتفات و يأتي البحث فيها إن شاء اللّٰه تعالى و كيف كان ففي الصحيحة الأولى كفاية لما عرفت من خلوها عن المناقشة من حيث السند و الدلالة.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 6.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 44

..........

______________________________

ثانيتهما: ما تدلّ على جواز شمّ جملة من الرياحين و هي صحيحة معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام لا بأس ان تشمّ الإذخر و القيصوم و الخزامي و الشيخ و أشباهه و أنت محرم «1». و قد رواها المشايخ الثلاثة عنه.

و هل المراد بقوله: و أشباهه هي أشباه المذكورات من خصوص النباتات البرية التي لها رائحة طيبة فتدلّ على عدم

حرمة خصوص تلك النباتات أو ان المراد به مطلق الرياحين أعم من البريّة و غيرها.

فعلى الأوّل يكون مقتضى الجميع بين الطائفتين حمل الطائفة الأولى على النباتات غير البرية كالريحان الفارسي و النعناع و غيرهما و الحكم بعدم حرمة خصوص النباتات البريّة التي لها رائحة طيبة و هذا هو الطريق الذي سلكه الماتن قدّس سرّه.

و على الثاني يكون مقتضى الجمع هو حمل الأولى على الكراهة لأنه بعد دلالة الثانية على نفي البأس عن مطلق الرياحين لا بدّ من حمل الأولى على الكراهة و الحكم بعدم حرمتها على المحرم زائدة على الطيب و يؤيده قوله عليه السّلام في بعض الروايات المتقدمة في الطيب فإنه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة و قد اختار هذا الوجه بعض الاعلام قدّس سرّهم.

هذا و لكن الظاهر هو الطريق الأوّل و لو بناء على المختار من اختصاص الحرمة في الطيب ببعض الأنواع و ذلك لأنه لو كان المراد من أشباهه مطلق الرياحين لكان التعرض لما ينبته الآدمي ممّا هو محل الابتلاء نوعا أولى و لا ملاءمة بينه و بين التعرّض للعناوين الخاصة من النباتات البرية و إفادة إطلاق الحكم و عمومه بمجرد قوله «و أشباهه» مع ان حمل الصحيحة الأولى على الكراهة مع عطف الزعفران على الريحان مسّا و طعاما

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 45

..........

______________________________

لا مجال له بعد وضوح ثبوت الحرمة في الزعفران.

و امّا ما أفاده البعض المتقدم من انه لا يحتمل ان الريحان أشدّ من سائر أفراد الطيب و العطور فيردّ عليه بعد كون مثل هذه الاحكام من الأحكام التعبدية التي لا طريق

الى استكشاف ملاكها إلّا بالظنون غير المعتبرة انّ مثل هذا الإيراد يرد على نفسه أيضا فإن سائر أفراد الطيب و العطور ربما يكون أشدّ في الجهة المطلوبة من الطيب من الأنواع الخمسة التي خص الحكم بالحرمة بها.

نعم ما أورده على صاحب الحدائق بعد حكاية اضافة الريحان إلى الأنواع الخمسة عنه الظاهرة في كون مراده هو الريحان الفارسي من ان الريحان في لغة العرب اسم لكل نبات له رائحة طيبة و يجمع على رياحين فالرواية الأولى ظاهرة في حرمة مطلق الريحان في نفسها صحيح لا مجال للخدشة فيه.

و قد انقدح مما ذكرنا صحة ما أفيد في المتن من التفصيل في الرياحين و ان قلنا باختصاص حرمة الطيب ببعض الأنواع.

الأمر الثاني في استثناء خلوق الكعبة و المحكي عن المغرب و المعرب انه ضرب من الطيب مائع فيه صفرة، و عن النهاية انه طيب معروف مركب من الزعفران و غيره من أنواع الطيب و تغلب عليه الحمرة و الصفرة. و عن ابن خبر له في منهاجه: «ان صفته زعفران ثلاثة دراهم، قصب الذريرة خمسة دراهم، اشند درهمان، قرنفل و قرفد من كلّ واحد درهم يدقّ ناعما و ينخل و يعجن بماء و رد و دهن و رد حتى يصير كالرّهشي في قوامه، و الرهشي هو السمسم المطحون قبل ان يعصر و يستخرج دهنه».

و الظاهر انه كان معروفا في زمن صدور الروايات و انه كان طيبا مركّبا من أنواع الطيب و من أجزائه الركنية الزعفران كما ان طلى الكعبة به يرشد الى اشتماله على بعض

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 46

..........

______________________________

الأدهان و المناسب كونه دهن الورد كما عن المنهاج.

هذا و لكن أفاد الماتن

قدّس سرّه ان خلوق الكعبة مجهول عنده بمعنى انه لا يعلم كونه من أي قسم من أقسام الطيب و انه مركب من أزيد من قسم واحد أو غير مركّب بعد كون استثنائه مقتضى النص و الفتوى بل في المنتهى و محكيّ الخلاف الإجماع عليه و ظاهر المتن انه مع الجهالة يكون مقتضى القاعدة لزوم الاحتياط عن الطيب المستعمل في الكعبة حيث انه فرّع الاحتياط عليها و يرد عليه انه على هذا التقدير يكون مقتضى القاعدة عدم لزوم الاحتياط و ذلك لأنّ أدلّة استثناء الخلوق بمنزلة المقيد للأدلّة الدالة على حرمة الطيب بقول مطلق بناء على مختاره أو خصوص الأنواع الخمسة بناء على ما اخترناه و إذا كان الدليل المقيد مجملا بحسب المفهوم و كان دائرا بين المتبائنين- مثلا- دون الأقل و الأكثر لا مجال للرجوع إلى أصالة الإطلاق أو أصالة العموم في شي ء منهما بل تجري أصالة البراءة فإذا قال المولى أكرم العلماء ثم قال بدليل منفصل لا يجب إكرام زيد العالم و كان زيد العالم مرددا بين زيد بن عمرو و زيد بن بكر لكون كليهما عالمين تجري أصالة البراءة عن وجوب إكرام كل منهما لمعارضة أصالة العموم في كل واحد مع أصالة العموم في الآخر و ليس هنا علم الجمالي بثبوت التكليف في البين و لا ما يقوم مقامه مثل البنية بل ليس في البين إلّا أصالة العموم و هي في كل واحد منهما معارضة مع الأخرى و لازم التعارض التساقط و الرجوع الى أصالة البراءة و المقام من هذا القبيل.

و كيف كان فالروايات الواردة في هذا الباب متعددة مثل:

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن خلوق

الكعبة يصيب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 47

..........

______________________________

ثوب المحرم قال: لا بأس و لا يغسله فإنه طهور «1». و المراد بالطهور بعد كون مقتضى صيغته هو الطاهر بنفسه المطهر لغيره و بعد وضوح عدم كون المراد هنا التطهير من النجاسة الخبيثة التي يجب الاجتناب عنها في الصلاة و غيرها هو ما يوجب زوال الأوساخ و القذارات العرفية الملتصقة بالكعبة لأجل كثرة استلامها و مسّها من الطوائف المختلفة من المسلمين مع اختلافهم في رعاية النظافة و عدمها فالخلوق يوجب زوال تلك الأوساخ و عدم التلطّخ بها بعد الزوال سريعا لأنه ليس مثل الماء بل أمر باق يمنع عن التلطّخ كذلك و عليه فمرجع التعليل إلى انه ليس المراد من طلي الكعبة بالخلوق هو حصول الريح الطيبة لها بل الغرض كونه مطهّرا لها عن الأوساخ العرفيّة و لأجله لا بأس بأن يصيب ثوب المحرم و لا يجب عليه غسله و في هذه الأزمنة يستعمل ما الورد في هذه الجهة و تستعمل كلمة «شست شو» بالفارسية التي هي عبارة عن المطهرية عن الأوساخ.

و صحيحة يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة قال: لا يضرّه و لا يغسله «2». و يستفاد من هذه الرواية كون الزعفران من الأجزاء الركنية للخلوق و الظاهر ان الوجه فيه اشتمال الزعفران على خصوصيتين الرائحة و اللون الجالب، و احتمال كون الزعفران في الرواية أمرا آخر غير مرتبط بالخلوق في غاية البعد.

و صحيحة حمّاد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن خلوق الكعبة و خلوق

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و العشرون، ح 1.

(2)

الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 48

..........

______________________________

القبر يكون في ثوب الإحرام فقال: لا بأس بهما، هما طهوران «1». و قد أفتى باستثناء خلوق القبر أيضا ابن سعيد استنادا الى هذه الرواية و الظاهر بمقتضى ما ذكرنا ان المراد هي القبور التي كانت مزارا لجماعة من المسلمين و كانت الزيادة لانتقال بعض الأوساخ إليها لارتفاعها عن سطح الأرض، كما كانت متعارفة في تلك الأزمنة و في بلادنا في هذه الأزمنة أيضا.

و موثقة سماعة أنه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يصيب ثوبه زعفران الكعبة و هو محرم فقال لا بأس به و هو طهور فلا تتّقه ان تصيبك «2».

و موثقة سماعة أنه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يصيب ثوبه زعفران الكعبة و هو محرم فقال لا بأس به و هو طهور فلا تتّقه ان تصيبك «3».

و مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سئل عن خلوق الكعبة للمحرم أ يغسل منه الثوب قال لا هو طهور ثم قال ان بثوبي منه لطخا «4».

انه بملاحظة هذه الروايات لا يبقى مجال للإشكال في أصل الحكم و مورد الجميع و ان كان هي اصابة الخلوق أو الزعفران الذي فيه ثوب المحرم و انه لا بأس بهما و لا يجب غسل ما أصاب منه اليه إلّا انّه يستفاد منها انه لا مانع من شمّ الطيب الذي في الخلوق لأنه و ان أريد به الطهورية بالمعنى الذي ذكرنا إلّا انه لا يخلو من الرائحة الطيبة لا محالة فاستلام الكعبة و مسّها يلازم الشمّ عادة و

لا مجال لاحتمال كون مفاد الروايات مجرد نفي البأس عن اصابة الثوب و لا دلالة لها على جواز الشم أيضا فإن المتفاهم العرفي منها كون الخلوق مستثنى بجميع الأفعال المحرّمة المتعلقة بالطيب لا خصوص اصابة الثوب و إلّا يلزم ان تكون اصابة البدن أيضا محرّمة لخروجها عن مورد الروايات

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و العشرون، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و العشرون، ح 4.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و العشرون، ح 4.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و العشرون، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 49

[مسألة 11- لا يجب الاجتناب عن الفواكه الطيبة]

مسألة 11- لا يجب الاجتناب عن الفواكه الطيبة كالتّفاح و الأترج أكلا و استشماما،.

______________________________

مع ان وضوح خلافه لا شبهة فيه.

ثمّ انّ قوله عليه السّلام فإنه طهور في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان الظاهر في كونه علّة للحكم بعدم وجوب الاجتناب يدلّ على عدم اختصاص الحكم بالخلوق لدوران الحكم سعة و ضيقا مدار العلّة كذلك فكل طيب يكون متّصفا بالطهورية لا يلزم الاجتناب عنه و عليه فماء الورد المستعمل في تطهير الكعبة في هذه الأزمنة يكون مستثنى من الطيب المحرّم بناء على مقالة المشهور لوجود العلّة فيه و هذا بخلاف التجمير الذي يحمل على الخلوق و يكون زائدا عنه فان هذه الروايات لا دلالة لها على جواز شمّه لعدم كونه طهورا بالمعنى الذي ذكرناه.

و عليه فيشكل حكمه بل المحكي عن المسالك انه حرّم غير الخلوق إذا طيبت به الكعبة بالتجمير أو غيره اقتصارا على المنصوص.

قال: لكن لا يحرم عليه الجلوس فيها و عندها- ح- و انّما يحرم الشمّ و لا كذلك الجلوس في سوق العطّارين

و عند المتطيّب فإنّه يحرم.

هذا و لكن يردّ عليه مضافا الى انّ التجنب عن شمّه عسر و مناف لاحترام الكعبة لاستلزامه الإمساك بالأنف و القبض عليه بل يستفاد من الأدلة الدالة على جواز الجلوس عندها بل استحبابها عدم لزوم القبض على الأنف خصوصا مع عدم إشعار شي ء منها بذلك.

انّ الرواية الواردة في جواز شمّ المحرم الطيب من ريح العطارين بين الصفا و المروة ربما يستفاد منها جواز شمّ طيب الكعبة بالأولوية أو بإلغاء الخصوصية و هي صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سمعته يقول لا بأس بالريح الطيبة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 50

و ان كان الأحوط ترك استشمامه (1)

______________________________

فيما بين الصفا و المروة من ريح العطارين و لا يمسك على أنفه «1».

و دعوى انه لا مجال للتعدي عن موردها في غاية الاستبعاد نعم الظاهر اختصاص الحكم بالجواز في الموردين بما إذا لم يكن غرضه من الذهاب الى المسعى أو الجلوس عند الكعبة هو الاستشمام و الالتذاذ من الريح الطيبة الموجودة فيهما بل كان الغرض الجلوس عند الكعبة الذي هو أمر مستحب بل جائز، و لو فرض عدم استحبابه بل ربما يحتمل اختصاص مورد الرواية بما إذا كان في حال السعي أو في أثنائه و لو كان جالسا لأجل التعب، و امّا لو لم يكن كذلك بل كان غرضه العبور من بين الصفا و المروة مع عدم إرادة السعي فلا يجوز بل يجب الإمساك على الأنف- ح- هذا و لكن دعوى ثبوت الإطلاق في الرواية من هذه الجهة غير بعيدة و مقتضى الاحتياط الوجوبي الترك.

و كيف كان فالظاهر عدم حرمة شمّ طيب الكعبة و

ان لم يكن حلوقا و لا طهورا.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في أمرين:

الأمر الأوّل: في جواز أكل الفواكه الطيبة الريح و يدلّ عليه رواية عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن المحرم يأكل الأترج قال: نعم، قلت له رائحة طيبة قال: الأترج طعام ليس هو من الطيب «2»: و مورد السؤال و ان كان هو أكل الأترج إلّا ان الجواب الثاني يدلّ على ضابطة كليّة و هي ان ما كان الغرض المهمّ منه هو الأكل و يعدّ من الأطعمة لا بأس بأكله و ان كان له رائحة طيبة فتدلّ على جواز أكل جميع الفواكه المتّصفة بهذا الوصف و على جواز أكل الرياحين التي تقدم وجوب الاجتناب عنها و ان حرمة الأكل تختص بما كان طيّبا كالزعفران الذي وقع التصريح بثبوت الكفارة على

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب العشرون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 51

..........

______________________________

أكله في بعض الروايات المتقدمة في الطيب.

ثم ان صاحب الوسائل أورد في هذا الباب مضافا الى رواية عمّار روايتين آخرتين مع ان الأولى منهما لا تكون رواية بل هي نقل فتوى ابن أبي عمير و الثانية رواية مرسلة رواها ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن التفاح و الأترج و النبق و ما طاب ريحه فقال: يمسك على شمّه و يأكله «1». و اتحاد هذه الرواية مع فتواه يكشف عن كون الفتوى أيضا انما هي بعينها الرواية المرسلة و قد مرّ غير مرّة ان مراسيل ابن أبي عمير كسائر المراسيل

و لا تكون حجّة.

و النبق هي ثمرة السّدر يشبه العنّاب قبل ان تشتد حمرته و المراد من قوله: و ما طاب ريحه، هو ما طاب ريحه من الفواكه التي هي أطعمة معدّة للأكل لا مطلق ما طاب ريحه، و المراد من قوله: يمسك على شمه، يحتمل ان يكون المراد هو الإمساك في حال الأكل و يحتمل ان يكون المراد هو الإمساك على شمّه مستقلا بحيث كان الغرض منه هي حرمة الاستشمام و لو لم يكن مقرونا بالأكل كما إذا أخذ تفّاحا لأجل شمّه دون أكله و لكن حيث ان الرواية غير معتبرة لا تصلح لإفادة حكم إلزامي و كيف كان لا شبهة في جواز أكل الفواكه المذكورة و لو لم يكن في المقام إلّا هذه الرواية لكان المستفاد منها جواز الاستشمام الملازم للأكل لقرب عضويهما فاللازم ملاحظة الأمر الثاني.

الأمر الثاني: في جواز استشمام الفواكه الطيبة الريح و عدمه و قد عرفت ان الاستشمام تارة يكون مقرونا بالأكل و ملازما معه و اخرى يكون مستقلّا خاليا عن الأكل كما في المثال المتقدم.

و الظاهر انه لو قلنا بانحصار دائرة حرمة الطيب بخصوص الأنواع الخمسة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و العشرون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 52

..........

______________________________

المتقدمة لا مجال للحكم بحرمة استشمام الفواكه المذكورة لأنّه و ان كان قد ورد في روايتين الأمر بالإمساك من الريح الطيبة إلّا انه لا بدّ بناء على هذا القول من الحمل على الاستحباب و الروايتان هما صحيحة معاوية بن عمار المفصلة المتقدمة في الطيب التي ذكرنا ان ذيلها قرينة على كون النهي عن مسّ مطلق الطيب اما يراد به خصوص الأنواع المذكورة

في ذيلها أو محمول على الكراهة و على كون الأمر بالإمساك كذلك و يؤيد الاحتمال الثاني التعليل بقوله عليه السّلام: فإنه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة.

و صحيحة الحلبي و محمد بن مسلم جميعا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال المحرم يمسك على أنفه من الريح الطيبة و لا يمسك على أنفسه من الريح الخبيثة «1». و على ما ذكرنا تصير الصحيحة الأولى قرينة على حمل هذه الصحيحة أيضا على الاستحباب و قد انقدح انه بناء على هذا القول الذي اخترناه يكون الإمساك المزبور مستحبا لما عرفت.

و امّا بناء على عموم دائرة حرمة الطيب كما اختاره المتن تبعا للمشهور فالظاهر انه لا محيص عن الحكم بوجوب الإمساك و رواية عمار بن موسى لا تكون بإزاء ما دلّ على الوجوب لأن محط النظر فيها سؤالا و جوابا هو مجرد الأكل و لا ملازمة بين جوازه و بين جواز الاستشمام و ان قلنا بان المتفاهم العرفي منها هو جواز الاستشمام أيضا إلّا ان هذه الدلالة انما هي مع عدم وجود الدليل على وجوب الإمساك و المفروض وجوده ثم انه على تقدير الدلالة، فغايتها الدلالة على جواز الاستشمام الملازم مع الأكل و امّا الاستشمام مستقلّا فلا دلالة لهما على جوازه بوجه و مما ذكرنا ينقدح الاشكال على المتن حيث انه جمع بين الحكم بحرمة مطلق الطيب و بين جعل الاحتياط في ترك الاستشمام استحبابيّا فتدبّر.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 53

[مسألة 12- يستثنى ما يستشم من العطر في سوق العطارين بين الصفا و المروة]

مسألة 12- يستثنى ما يستشم من العطر في سوق العطارين بين الصفا و المروة فيجوز ذلك (1).

[مسألة 13- لو اضطر الى لبس ما فيه الطيب أو أكله أو شربه يجب إمساك أنفسه]

مسألة 13- لو اضطر الى لبس ما فيه الطيب أو أكله أو شربه يجب إمساك أنفسه، و لا يجوز إمساك أنفه من الرائحة الخبثية نعم يجوز الفرار منها و التسخي عنها (2).

______________________________

(1) الدليل على جواز ما مرّت الإشارة إليه في بحث استثناء خلوق الكعبة من صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سمعته يقول لا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا و المروة من ريح العطارين و لا يمسك على أنفه «1». و قد رواها المشايخ الثلاثة و أفتى الأصحاب على طبقها و قد مرّ ان القدر المتيقن من موردها بل لعلّه المتفاهم عند العرف منها ما إذا كان في حال السعي الشاملة للجلوس للاستراحة عند التعب لإدامة السعي أيضا و امّا المرور من السوق في غير تلك الحال فشمول الرواية له مشكل و الاحتياط الوجوبي يقتضي الترك كما انه لو كان غرضه من الذهاب الى السوق المزبور مجرد الاستشمام لا تشمله الرواية و مورد الجواز هو استشمام الريح المنتشرة في فضاء السوق المذكور فلو أخذ قارورة من أحد الدكاكين و استشمها لا يجوز قطعا.

ثم انه على تقدير الإطلاق و عدم الاختصاص بحال السعي لا يبعد ان يقال بعدم اختصاص الحكم بالسوق الواقع بين الصفا و المروة الذي كان في الأزمنة السالفة و لا يكون منه أثر في هذه الأزمنة بل يشمل سائر أسواق العطارين الواقعة في طريق الحجاج و المحرمين نوعا.

(2) لا خفاء في انه لو اضطر إلى الاستفادة من الطيب بالإضافة الى بعض استعمالاته كالأكل أو الشرب لا يكون سائر الاستعمالات غير

المضطر إليها جائزا بسبب الاضطرار المذكور لأن محدودة رفع الحكم التحريمي انّما هي ما اضطر اليه من فعله

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 54

..........

______________________________

و لا مجال لتوهم ان يكون الاضطرار موجبا لتوسعة الرفع بالنسبة إلى الخارج عن دائرته، و عليه فالاضطرار إلى الأكل. لا يسوّغ الاستشمام أيضا بل يجب عليه إمساك أنفه تحرّزا عن الشم غير المضطر اليه و هذا من الوضوح بمكان فان الاضطرار إلى أكل الميتة لأجل حفظ النفس لا يجوز إلّا الأكل بالمقدار الذي يتوقف حفظ النفس عليه و لا يسوغ به أزيد من ذلك المقدار و لذا نرى في جملة من الروايات الإرجاع في مقام العلاج و المداواة الى الأدهان غير المشتملة على الريح الطيبة ففي صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا خرج بالمحرم الخراج أو الدّمل فليبطه و ليداوه بسمن أو زيت «1».

و في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال سألته عن محرم تشققت يداه قال فقال يدهنها بزيت أو بسمن أو إهالة «2». و المراد بالأخير هو الشحم المذاب.

و نرى في بعض الروايات تجويز الاستعاط بالطيب في خصوص صورة الضرورة و هي رواية إسماعيل بن جابر التي رواها الشيخ بطريقين و الصدوق بإسناده عنه و قد جعله في الوسائل ثلاث روايات مع انه من الواضح كونها واحدة و ان كان بينها اختلاف من حيث العبارة و هي على نقل الصدوق قد وقع التصريح في موردها بالاضطرار حيث انه سئل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم إذا اضطر الى سعوط فيه مسك من ريح تعرض له

في وجهه و علّة تصيبه فقال استعط به «3».

هذا و امّا عدم جواز إمساك الأنف من الرائحة الخبيثة فقد دلّ عليه من الروايات

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الثلاثون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الثلاثون، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 55

[مسألة 14- لا بأس ببيع الطيب و شرائه و النظر اليه]

مسألة 14- لا بأس ببيع الطيب و شرائه و النظر اليه لكن يجب الاحتراز عن استشمامه (1).

______________________________

المتقدمة صحيحة معاوية بن عمّار التي فصلنا الكلام فيها في البحث الذي كان موردا للاختلاف بين المشهور و غيره و هو ان الحرام هل هو مطلق الطيب أو خصوص بعض أنواعه و كذا صحيحة الحلبي و محمد بن مسلم المتقدمة أيضا و قد وقع في كلتيهما الجمع بين لزوم الإمساك على الأنف من الريح الطيبة و حرمة الإمساك على الأنف من الريح الخبيثة فإن قلنا بان المحرّم في باب الطيب هو مطلقة فالأمر و النهي في الجملتين باقيان على ظاهرهما من الوجوب و الحرمة و ان لم نقل بذلك بل باختصاص الحرمة ببعض أنواع الطيب فاللازم كما ذكرنا حمل الأمر على الاستحباب خصوصا مع التعليل في الصحيحة الأولى بأنه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة و عليه فهل مقتضى وحدة السياق حمل النهي أيضا على الكراهة أو ان اشتمال كل من الجملتين على حكم خاص يمنع عن التصرف في الظهور الذي لم ينهض دليل على التصرف فيه و الظاهر هو الثاني خصوصا لو قلنا بمثله في جملة واحدة كما في قوله اغتسل للجمعة و الجنابة فإن قيام الدليل على استحباب الأوّل لا يوجب ثبوت

الاستحباب للثاني أيضا فتدبّر.

(1) قد مرّ البحث في ذلك فيما تقدم في تنقيح متعلق الحرمة في الأفعال المضافة إلى الطيب و ذكرنا ان مثل هذه الأفعال خارج عن دائرة المتعلق و يدلّ على جواز النظر خصوص صحيحة محمد بن إسماعيل يعني ابن بزيع قال رأيت أبا الحسن عليه السّلام كشف بين يديه طيب لينظر اليه و هو محرم فأمسك بيده على أنفه بثوبه من رائحته (ريحه خ ل) «1». فإنّها ظاهرة في الاقتصار على الإمساك على الأنف من دون اضافة غمض العين و عدم النظر خصوصا مع كون الغرض من الكشف هو النظر اليه فتدلّ على

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 56

[مسألة 15- كفارة استعمال الطيب شاة على الأحوط]

مسألة 15- كفارة استعمال الطيب شاة على الأحوط، و لو تكرّر منه الاستعمال فان تخلّل بين الاستعمالين الكفارة تكرّرت و إلّا فإن تكرّر في أوقات مختلفة فالأحوط الكفارة، و ان تكرّر في وقت واحد لا يبعد كفاية الكفارة الواحدة (1).

______________________________

عدم حرمته بوجه.

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الجهة الأولى:

في أصل ثبوت الكفارة في استعمال الطيب في الجملة و لا شبهة فيه نصّا و فتوى و ستأتي النصوص الدالة عليه إن شاء اللّٰه تعالى.

الجهة الثانية:

ظاهر المتن تبعا لأكثر الأصحاب ثبوت الكفارة في جميع أنواع استعمال الطيب من الشمّ و الأكل و غيرهما بعنوان واحد و قد صرّح بذلك المحقق في الشرائع حيث قال:

«فمن تطيّب كان عليه دم سواء استعمله صبغا أو اطلاء، ابتداء أو استدامة أو بخورا أو في الطعام» و ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه بعده: بلا خلاف أجده فيه بل عن المنتهى الإجماع عليه بل حكى عن

التذكرة و التحرير زيادة عناوين اخرى حتى انه قال في الأولى لو داس بنعله طيبا فعلق بنعله وجبت الفدية و كيف كان فاللازم في هذه الجهة ملاحظة الروايات فنقول انّها في بادئ النظر على طوائف أربع:

الطائفة الأولى ما ظاهره ثبوت كفارة الدم أو دم شاة في مورد الأكل و في هذه الطائفة روايتان:

إحداهما صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم، فان كان ناسيا فلا شي ء عليه و يستغفر اللّٰه و يتوب اليه «1». و لا يبعد

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 57

..........

______________________________

دعوى إلغاء الخصوصية من عنوان «الأكل» في هذه الرواية لو لم يكن في البين ما يدلّ على الخلاف و لذا استفيد منها أصل الحرمة بالإضافة إلى مثل الشمّ أيضا.

ثانيتهما صحيحة أخرى له قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: من نتف إبطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمدا فعليه دم شاة «1». فإن قوله:

أكل طعاما .. مطلق شامل لأكل الطعام الذي فيه الزعفران أو غيره من أنواع الطيب المحرّم و لا مجال لدعوى اختصاصه بخصوص أكل الصيد لكن لا يجري فيه الدعوى المذكورة في الصحيحة المتقدمة فتدبّر.

الطائفة الثانية ما يتوهم فيه المعارضة للطائفة الأولى و ان كفارة الدم لا تكون ثابتة في مورد الأكل و هي موثقة الحسن ابن هارون عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال قلت له

أكلت خبيصا فيه زعفران حتى شبعت «و انا محرم» قال: إذا فرغت من مناسك و أردت الخروج من مكّة فاشتر بدرهم تمرا ثم تصدق به يكون كفارة لما أكلت، و لما دخل عليك في إحرامك ممّا لا تعلم «2». و لكن ذيل الرواية لو لم نقل بظهور السؤال في نفسه في عدم كون أكل الخبص المشتمل على الزعفران مع التعمد و الالتفات الى حرمته و يؤيده قوله: حتى شبعت، ظاهر بل صريح في ان ما دخل عليه في إحرامه كان ناشيا عن الجهل و عدم العلم و انّه لو كان عالما بذلك لم يقع منه الأكل المذكور فلا تعارض الطائفة المتقدمة بوجه بل يحمل الأمر بالتصدق بالتمر الذي اشتراه بدرهم على الاستحباب لعدم تحقق مخالفة التكليف الفعلي و يمكن توجيهه بما وجهنا به الأمر بالاستغفار

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثالث، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 58

..........

______________________________

و التوبة في صحيحة زرارة الأولى ممّا تقدم و كيف كان فهذه الطائفة لا تعارض الطائفة الأولى بوجه.

الطائفة الثالثة ما يتوهّم صحة الاستدلال به لثبوت كفارة الدم في غير مورد أكل الطيب أيضا و هي روايتان:

إحداهما صحيحة معاوية بن عمّار في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج قال: ان كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين، و ان كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه .. «1»

و يرد على الاستدلال بها مضافا الى ان الظاهر عدم كونها رواية عن المعصوم عليه السّلام و لو بنحو الإضمار بل كونها فتوى معاوية بن عمار، و الفتوى لا تصلح للاستناد إليها، ان الأظهر عدم كون

دهن بنفسج من الطيب أصلا و ان الحرمة التي تكشف عنها الكفارة إنّما يكون متعلقها الأدهان الذي هو عنوان مستقل من محرّمات الإحرام و سيأتي البحث عنه إن شاء اللّٰه تعالى و لأجله يرد على صاحب الوسائل عدم انطباق عنوان الباب و هو ثبوت الكفارة في أنواع استعمال الطيب على هذه الرواية.

و يدلّ على عدم كون دهن البنفسج من أنواع الطيب رواية أبي الحسن الأحمسي قال سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام سعيد بن يسار عن المحرم تكون به القرحة أو البثرة أو الدمل فقال: اجعل عليه بنفسج و أشباهه ممّا ليس فيه الريح الطيبة «2».

ثانيتهما ما رواه في قرب الاسناد عن عبد اللّٰه بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال لكلّ شي ء خرجت من حجّك فعليه «فعليك خ ل» فيه

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 5.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الثلاثون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 59

..........

______________________________

دم يهريقه «تهريقه خ ل» حيث شئت «1». و حكى عن الكتاب المذكور مكان «خرجت»: «فيه خرجت».

هذا و الظاهر ان الرواية مضافا الى ضعف سندها لما عرفت مرارا من عدم توثيق عبد اللّٰه بن الحسن لا مجال للاستدلال بها لأنه على تقدير كون النسخة «خرجت» و كون المراد بالخروج من الحج هو إكمال الحج و الفراغ عنه يكون مفاد الرواية ان كل شي ء صار ارتكابه موجبا لثبوت الدم و لزوم إهراقه يجوز لك ان تهريقه أيّ مكان شئت و لا خصوصية لمكّة و منى لأنّه على هذا التقدير يكون قوله: فعليه فيه دم تتمة للموضوع و

له دخل في ثبوته و لا مجال لتوهم التمامية بمجرد قوله لكل شي ء خرجت من حجّك.

نعم على تقدير كون النسخة «جرحت» التي يكون معناها عروض الجرح و النقص في الحج و لو بارتكاب بعض ما لا يجوز ارتكابه فيه أو كون المراد بالخروج هو الخروج عن الطريق التي يجب عليه طيّها و المشي عليها حيث انه يطلق على العاصي انه الخارج من أطاعه أو أمر اللّٰه و نواهيه يمكن ان يقال بكون الرواية مسوّقة لإفادة ثبوت الدم بسبب الجرح أو الخروج بالمعنى المذكور لتمامية الموضوع بمجرد قوله جرحت من حجّك أو خرجت منه بهذا المعنى و لا ينافيه الدلالة على ثبوت حكم ثان و هو جواز اراقة الدم حيث شاء و ايّ مكان أراد.

كما انه على هذا التقدير أيضا يمكن ان يكون تتمة للموضوع و ناظرا الى موارد ثبوت الدم فتكون الرواية مسوّقة لإفادة حكم واحد و لا دلالة لها على ان الدم في أي مورد ثابت بل لا بدّ من نهوض الدليل عليه.

و كيف كان فالرواية مخدوشة سندا و دلالة و لا تصلح لإفادة ثبوت الدم بنحو

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 60

..........

______________________________

الضابطة في جميع موارد التخلف و ارتكاب شي ء من محرّمات الإحرام حتى يكون المقام من مصاديقه لفرض عدم اختصاص الحرمة بأكل الطيب كما عرفت.

الطائفة الرابعة ما يتوهم دلالتها على ان كفارة الطيب مطلقا أكلا و استشماما و غيرهما من الاستعمالات، هو التصدق دون الدم و هي روايات متعددة.

الأولى صحيحة معاوية بن عمار المفصلة المتقدمة المشتملة على قوله عليه السّلام فمن ابتلى بشي ء من ذلك فعليه غسله و

ليتصدق بصدقة بقدر ما صنع و انما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء إلخ «1».

و لكن الظاهر عدم دلالتها على كون الكفارة هو التصدق امّا على ما اخترناه من اختصاص الحرمة في الطيب ببعض الأنواع فلما مرّ سابقا من لزوم حمل الأمر بالتصدّق في استعمال مطلق الطيب الذي وقع النهي عنه قبل ذلك في الرواية على الاستحباب خصوصا مع انه لا مناسبة بين الأمر بالتصدق أوّلا ثم الحكم بالحرمة و بيانها كما في الرواية فلا محيص على هذا القول عن الحمل على الاستحباب.

و اما على ما اختاره المتن تبعا للمشهور من عموم حرمة الطيب بجميع أنواعه فالظاهر أن قوله: فمن ابتلى بشي ء من ذلك يكون المتفاهم منه عرفا صورة الجهل أو النسيان و لا يشمل صورة العمد كما في مثل حديث لا تعاد المعروف في باب الصلاة فإن التعبير بالإعادة و عدمها انما يكون مورده المصلّي الذي يريد الامتثال و الإتيان بالصلاة مع الاجزاء و الشرائط و سائر الخصوصيات غاية الأمر أنه منعه عن ذلك الجهل و النسيان و صار موجبا للإخلال ببعض ما يكون معتبرا فيها و المقام من هذا القبيل و ان لم يكن بذلك الوضوح.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 61

..........

______________________________

الثانية صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال لا يمسّ المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليتصدق بقصد ما صنع بقدر شبعه يعني من الطعام «1». و يردّ على الاستدلال بها ما أوردناه على الاستدلال بالرواية المتقدمة على كلا المبنيين هذا مضافا الى ثبوت الاشكال هنا

من حيث السند لأن الرواية بعينها هي مرسلة الحريز عمّن أخبره عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام «2» و لا اختلاف بينهما إلّا يسيرا و قد مرّ ان تردد رواية واحدة بين الإرسال و الاسناد يخرجه عن الحجية و الاعتبار.

الثالثة موثقة الحسن بن زياد التي رواها الكليني عنه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال قلت له: الأشنان فيه الطيب اغسل به يدي و انا محرم؟ فقال: إذا أردتم الإحرام فانظروا مزاودكم فاعزلوا الذي لا تحتاجون اليه و قال تصدّق بشي ء كفارة للأشنان الذي غسلت به يدك «3».

و الظاهر ان مورد السؤال صورة النسيان و يدلّ عليه أمران:

أحدهما: قوله عليه السّلام: إذا أردتم الإحرام فانظروا مزاودكم .. فانّ ذكره قبل الحكم بالتصدق بشي ء كفارة لا مناسبة له أصلا إلّا على تقدير كون المراد انه عند إرادة الإحرام انظروا المزاود و اعزلوا الذي لا تحتاجون اليه لئلا يتحقق الاستعمال المحرّم في حال النسيان.

ثانيهما: ان هذه الرواية بعينها رواها الصدوق بإسناده عن الحسن بن زياد قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام وضّأني الغلام و لم أعلم بدستشان فيه طيب فغسلت يدي و انا محرم

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 11.

(2) الوسائل، أبواب تروك الصلاة، الباب الثامن عشر، ح 6.

(3) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 62

..........

______________________________

فقال تصدّق بشي ء لذلك «1».

فان الظاهر كون قوله: بدستشان مصحف به أشنان و احتمال كونه باللغة الفارسية التي تستعمل في بعض الروايات أحيانا كما استظهره بعض الاعلام قدّس سرّه في غاية الضعف بل لا يجتمع مع قوله: فيه طيب فتدبّر كما ان احتمال كونه

معرب «دست شو» أيضا كذلك بل المطمئن به لو لا المقطوع كونه مصحف أشنان المذكور في رواية الكليني و عليه فالتصريح بعدم العلم في هذه الرواية مع اتحادها مع السابقة يفيد كون المورد صورة عدم العلم و التعمّد. نعم ربما يناقش في صحة إسناد الصدوق الى الحسن المذكور لعدم تعرّضه له في المشيخة و التحقيق في محلّه.

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا انّ العمدة في باب الكفارة هي الطائفة الأولى و قد عرفت انه لا تبعد دعوى إلغاء الخصوصية من عنوان الأكل الوارد في موردها و ان المراد مطلق استعمال الطيب المحرّم و عليه فلا يبعد الذهاب الى ما عليه المشهور من ثبوت كفارة الدم مطلقا في الأكل و غيره و على تقدير التنزل فالحكم في الأكل انما هو على سبيل الفتوى و في غيره على نحو الاحتياط الوجوبي.

و منه يظهر الاشكال على المتن حيث انّه جعل ثبوت الدم بنحو الاحتياط الوجوبي مطلقا من دون فرق بين الأكل و غيره مع انّ الطائفة الأولى الدالة على ثبوته في الأكل لا مجال للمناقشة فيها سندا و لا دلالة هذا تمام الكلام في الجهة الثانية.

الجهة الثالثة:

في تكرر الكفارة بتكرر استعمال الطيب و عدمه فنقول قد فصّل في المتن بين صورة تخلل الكفارة بين الاستعمالين فحكم بثبوت التكرر و بين صورة عدم التخلل

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 63

..........

______________________________

فاحتاط وجوبا ثبوت التكرر فيما إذا كان في أوقات متعددة و نفي البعد عن كفاية الكفارة الواحدة فيما إذا كان في وقت واحد و الظاهر ثبوت هذا التفصيل في جميع موارد ثبوت الكفارة و

لا يختص بالطيب و ان مستنده القاعدة دون الرواية و ان وردت الرواية في بعض الموارد كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

و كيف كان فالظاهر انه لا شبهة في التكرر في صورة التخلل لأن السبب الثاني محرّم موجب للكفارة و لا مجال لتوهم كون الكفارة الواقعة قبل تحققه كفارة له أيضا و لا دليل في مقابل الإطلاقات الدالة على الحرمة و الكفارة على عدم كون السبب الثاني حراما أو على عدم كونه موجبا للكفارة كما ان الظاهر اتفاق الفتاوى على التكرر في هذه الصورة، و امّا صورة عدم التخلل، فالمستفاد من الفتاوى ثبوت التكرّر فيها في الجملة لكن ظاهر الكلمات مختلف من جهة انّ الملاك في التعدد و عدمه، تعدد المجلس و عدمه أو ان الملاك تعدد الوقت و وحدته، ظاهر المتن الثاني كما عن جماعة من الفقهاء منهم الشيخ الطوسي في كتابي المبسوط و الخلاف:

قال في محكي الأوّل: «الثالث الاستمتاع باللباس و الطيب و القبلة فإن فعل ذلك دفعة واحدة بأن لبس كل ما يحتاج اليه أو تطيب بأنواع الطيب أو قبّل و أكثر منه لزمه كفارة واحدة فإن فعل ذلك في أوقات متفرّقة لزمه عن كلّ دفعة كفارة سواء كفّر عن الأوّل أو لم يكفر».

و في محكي الثاني: «تتكرر الكفارة بتكرر اللبس و الطيب إذا فعل ثم صبر ساعة ثم فعل ثانية و هكذا كفر عن الأوّل أو لا» و استدل بأنه لا خلاف انه يلزمه بكلّ لبسة كفارة فمن ادّعى تداخلها فعليه الدلالة و بالاحتياط.

و ظاهر المحقق في أواخر الكفارات من الحج، الأول قال: «و لو تكرر منه اللبس أو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 64

..........

______________________________

الطيب

فان اتّحد المجلس لم تتكرّر و ان اختلف تكرّرت» و حكى مثله عن النهاية و الوسيلة و المهذب و الغنية و السرائر.

و يظهر من المسالك اتحاد القولين حيث انه ذكر بعد عبارة الشرائع: هكذا أطلق الأصحاب و من المدارك عدم الاتحاد و ثبوت قولين بل عن المنتهى ثبوت التكرر و لو مع اتحاد الوقت إذا اختلف صنف الملبوس حيث قال: و من لبس قميصا و عمامة و خفين و سراويل وجب عليه لكل واحد فدية لأن الأصل عدم التداخل. فإن حرمة القميص و السراويل من جهة واحدة و هي كونهما مخيطين بخلاف العمامة المستلزمة لستر الرأس و الخف المستلزم لستر ظاهر القدم كلّا أو جلّا.

و كيف كان فالبحث في المسألة تارة يقع من جهة القاعدة و اخرى من جهة بعض الروايات التي يمكن ان يستدلّ أو يستأنس بها لبعض فروض المسألة.

فنقول بعد كون الظاهر اتفاق الفتاوى في باب الإحرام على كون الأنواع المتعددة الموجبة للكفارة و الماهيّات المتنوعة المستلزمة لها يترتب عليها تعدد الكفارة حسب تعددها و ان الخلاف و الاشكال في المقام انّما هو في افراد طبيعة واحدة و مصاديق ماهية فأرده و ان كانت مختلفة من جهة الصنف كالسراويل و القميص بالإضافة إلى لبس المخيط للرجال و أصناف الطيب المحرم كالزعفران و المسك أو أصناف استعماله كالاستشمام و الأكل انه قد حققنا في الأصول انّ مقتضى القاعدة في مبحث التداخل هو عدمه على حسب ما يكون المتفاهم عند العرف من مثل القضية الشرطية الظاهرة في سببية الشرط لثبوت الجزاء فان المنسبق الى أذهان العرف من مثل قوله إذا بلت فتوضأ هو كون كل مصداق من طبيعة البول سببا لوجوب الوضوء و عليه فمقتضى

القاعدة المبتنية على فهم العرف الذي هو الملاك في ظهور الألفاظ هو عدم التداخل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 65

..........

______________________________

إلّا ان الذي لا بدّ من التعرض له في هذا المقام هو ان المعيار في تشخيص وحدة الفرد و تعدده و كون الواقع هو مصداقا واحدا أم متعددا هو العرف أيضا فكل مورد حكم العرف فيه بالتعدد يترتب عليه تعدد الكفارة و كل مورد حكم فيه العرف بالوحدة لا يترتب عليه إلّا كفارة واحدة لأنّ السبب يكون من الموضوعات الخارجية التي يكون تشخيصها بيد العرف و نظره. و عليه فالظاهر انه ليس من شأن الفقه و الفقيه بيان انه في أيّ مورد يتحقق التعدد و في أيّ مورد لا يتحقق و ان الملاك هو اتّحاد المجلس أو اتّحاد الوقت أو أمر آخر بل اللازم المراجعة إلى العرف و الحكم على طبق نظره، هذا بلحاظ القاعدة.

و امّا بالنظر الى الروايات فما يمكن ان يستدلّ أو يستأنس بهما لحكم المقام روايات لا بدّ من التعرض لها و ان لم يقع الاستناد إليها إلّا الى بعضها في الكلمات و الكتب حتى الجواهر.

فمنها موثقة الحسن بن هارون المتقدمة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال قلت له: أكلت خبيصا فيه زعفران حتى شبعت «و انا محرم» قال إذا فرغت من مناسكك و أردت الخروج من مكة فاشتر بدرهم تمرا ثم تصدق به يكون كفارة لما أكلت و لما دخل عليك في إحرامك مما لا تعلم .. «1».

فان موردها و ان كان صورة الجهل كما مرّ و الصدقة المأمور بها فيها و ان كانت مستحبة إلّا ان ظهورها في كون الأكل المذكور فيه واحدا غير متعدد

و ان ادامه الى ان شبع و لازمة أكل لقمات متعددة متعاقبة لا مجال لإنكاره و هذا هو الذي يساعد عليه العرف فإنه لا يرى الأكل المزبور إلّا واحدا و هذا بخلاف ما إذا تحقق أكل الخبيص

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثالث، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 66

..........

______________________________

المذكور مرات متعددة تحقق بينهما الفصل.

و منها صحيحة زرارة المتقدمة أيضا عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم .. الحديث «1». و يستفاد منها وحدة الكفارة و ان كان السبب فردين لكون الأكل مستلزما للاستشمام غالبا لعدم تعارف القبض على الأنف عند الأكل و عدم إشعار في الرواية بتعدد الكفارة فتدلّ على ان اجتماعهما لا يترتب عليه إلّا كفارة واحدة نعم في خصوص صورة التقارن المفروض فيها فلو فرض وقوعهما في زمانين مختلفين لا دلالة في الرواية على الوحدة.

و منها صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المحرم إذا احتاج الى ضروب من الثياب يلبسها، قال عليه لكل صنف منها فداء «2». و ذكر في الجواهر انه لا محيص عن العمل به بعد ان كان جامعا لشرائط الحجية و انه يعم لبسها دفعة و دفعات.

أقول مقتضى إطلاقها و ان كان هو ما أفاده إلّا انه لا بدّ من تقييدها بما إذا كان اللبس دفعات متعددة و ذلك لدلالة الروايتين السابقتين على عدم التعدد مع الوقوع دفعة واحدة و ان كان الصنف مختلفا كالأكل و الاستشمام على ما هو مقتضى الصحيحة فلا مجال للأخذ بإطلاقها.

و منها صحيحة زرارة بن أعين قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام.

يقول: من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء و من فعليه متعمدا فعليه دم شاة «3».

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب التاسع، ح 1.

(3) أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 67

[السادس: لبس المخيط للرجال]

اشارة

السادس: لبس المخيط للرجال كالقميص و السراويل و القباء و أشباهها، بل لا يجوز لبس ما يشبه المخيط كالقميص المنسوج و المصنوع من اللّبد، و الأحوط الاجتناب من المخيط و لو كان قليلا كالقلنسوة و التكّة، نعم يستثنى من المخيط شدّ الهميان المخيط الذي فيه النقود (1).

______________________________

و ظاهرها وحدة الكفارة مع وحدة اللبس و ان كان الملبوس متعدّدا و على تقدير الإطلاق و الشمول لصورة التعدد المتحققة بالدفعات لا بدّ من تقييدها بصورة الوحدة لما تقدم.

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا صحة ما في المتن مع تبديل الاحتياط الوجوبي بالفتوى نظرا الى نهوض دليل معتبر على التعدد في الأوقات المختلفة.

ثم انه ذكر صاحب الجواهر انه لم يجد في الروايات أثرا من اتحاد المجلس و عدمه مع انه ورد في رواية تعبير انه إن كان فعل ذلك- يعني قلّم أظافير يديه و رجليه جميعا- في مجلس واحد فعليه دم و ان كان فعله متفرّقا في مجلسين فعليه دمان «1». و الظاهر ان المراد به هو الوقت الواحد.

(1) يقع الكلام في هذا الأمر في مقامات:

المقام الأوّل في أصل حرمة لبس المخيط على الرجال و قد حكى

نفي وجدان الخلاف في تعلّق الحرمة بهذا العنوان عن جملة من الكتب الفقهية بل عن التذكرة و موضع من المنتهى إجماع العلماء كافة عليه، و ظاهره إجماع علماء الفريقين لكن الظاهر عدم تعلّق الحكم بهذا العنوان في شي ء من الروايات الواردة في الباب كما قاله الشهيد في محكي الدروس من انه لم يقف الى الآن على رواية بتحريم عين المخيط انّما نهى عن القميص و القباء و السراويل و تبعه صاحب الجواهر في ذلك.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 68

..........

______________________________

أقول بناء على ذلك يشكل الحكم بالحرمة بهذا النحو لأنه لو كان المستند فيه هو الإجماع المتقدم فيرد على الاستناد اليه مضافا الى انّ المفيد قدّس سرّه في محكي المقنعة لم يذكر اجتناب المحرم المخيط و انما ذكر انه لا يلبس قميصا، و الى ان الإجماع المنقول لا يكون حجّة كما قرّر في محلّه، انه على تقدير ثبوت الإجماع و تحققه يحتمل بل يظن قويّا ان مستند المجمعين هي الروايات الواردة في مثل القميص بضميمة استنباط عنوان كلي و هو المخيط لا ان يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليه السّلام و فتواه بثبوت الحرمة و تعلقها بعنوان المخيط، و بالجملة فلا مجال للاستناد إلى الإجماع هنا بل لا بدّ من ملاحظة الروايات فنقول انّها على أقسام ثلاثة:

القسم الأول ما ظاهره حرمة لبس مطلق الثياب أو عمومها كالروايات التي تقدم بعضها الواردة في كيفية الإحرام الدالة على إحرامه بجميع أعضائه و جوارحه من النساء و الثياب و الطيب، و الروايات الدالة على ان ميقات الصبيان هو فخّ الذي يكون بينه و بين

مكة فرسخ واحد تقريبا و هو المكان الذي وقعت فيه حادثة فخ الفجيعة التي تكون بعد واقعة كربلاء أفجع الحوادث و التعبير فيها انه يجرّد الصبيان في ذلك المكان إذا أحرم بهم وليّهم، و كذا الروايات الواردة في حال شروع الإحرام الآمرة بالتجرد في إزار و رداء و كذا صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة أنفا الواردة في محرم احتاج الى ضروب من الثياب الظاهرة في عدم الجواز مع عدم الاحتياج و ان كانت الكفارة ثابتة على كلا التقديرين، و لو كان في البين هذا القسم فقط لكان مقتضاه حرمة لبس الثياب مطلقا إلّا ان يناقش في بعضها بكون الثياب إشارة الى ما هو المحرّم منها على المحرم لا مطلقها فتدبّر.

القسم الثاني ما دلّ على حرمة لبس عناوين خاصة كالقميص مثل الرواية المتقدمة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 69

..........

______________________________

سابقا الحاكية لقصة رجل دخل محرما في مسجد الحرام ملبيّا و عليه قميص حيث حكم عليه أبو عبد اللّٰه عليه السّلام بالإخراج من الرأس لأنه كان لبسه له قبل التلبية و تحقق الإحرام «1».

فإن دلالتها على حرمة لبس القميص ظاهرة خصوصا مع قوله عليه السّلام أيّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه.

و كالقباء مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا اضطرّ المحرم الى القباء و لم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا و لا يدخل يديه في يدي القباء .. «2»

و كالسراويل مثل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا تلبس و أنت تريد الإحرام ثوبا تزره و لا تدرعه و لا تلبس سراويل إلّا ان لا يكون لك أزرار، و لا خفين

إلّا أن لا يكون لك نعلان .. «3»

و كالثوب المزرور أي المشتمل على الزّر الذي هو بالفارسية بمعنى التكمة و كالدرع الذي يعبّر عنه بالمدرعة و الظاهر ان الخصوصية الموجودة فيه أمران أحدهما انه يلبس فوق جميع الثياب و عليها و ثانيهما اشتماله على الكمين و لأجلها يعبّر عمّا يستفاد منه في الحرب بالدرع و الدليل عليهما هي صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة و بعض الروايات الأخر.

و القسم الثالث ما يدلّ على جواز لبس مطلق الثياب إلّا الدّرع و هي صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال سألته عمّا يكره للمحرم ان يلبسه فقال: يلبس كل ثوب إلّا ثوبا يتدرعه «4». و الظاهر ان المراد من الكراهة في السؤال هي الحرمة فالجواب راجع الى

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الأربعون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و الأربعون، ح 1.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الثلاثون، ح 2.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الثلاثون، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 70

..........

______________________________

نفي الحرمة في غير الدرع.

هذا و الظاهر ان القسم الأخير لا مجال للأخذ به بوجه لأنه لا وجه مع دلالة القسم الثاني على حرمة عناوين خمسة على تخصيص الحكم بالحرمة، بخصوص الدرع خصوصا بعد ظهور الاتفاق على حرمة مثل القميص و القباء و السراويل و عليه فان التزمنا بتخصيص عموم هذا القسم بجميع تلك العناوين يلزم تخصيص الأكثر المستهجن لأنّه لا يبقى تحت العام إلّا أفراد قليلة مثل الأزرار المخيط و ما يشبه المخيط بناء على جوازه و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى و ان لم نلتزم بالتخصيص

لا مساغ للأخذ به بعد تطابق النص و الفتوى فاللازم إخراج هذا القسم و الالتزام بكونه معرضا عنه فيبقى القسم الأوّل.

فنقول بعد الإغماض عن المناقشة التي أشرنا إليها بالنسبة إلى القسم الأوّل و هي انه يحتمل في بعض رواياتها ان لا يكون لها دلالة على عموم حرمة لبس الثياب على الرجل المحرم بل كانت إشارة إلى الثياب المحرّمة المعهودة المبينة في محلها و وجه الإغماض عدم جريان هذه المناقشة في الروايات الآمرة بالتجرّد في إزار و رداء و كذا الروايات الدالة على تجريد الصبيان في ميقات فخ و على هذا التقدير يكون مقتضى هذا القسم حرمة مطلق الثياب سواء كانت مخيطة أم غير مخيطة و دعوى انصراف الثوب الى خصوص المخيط ممنوعة خصوصا بعد ملاحظة استعماله في ثوبي الإحرام فتدبّر.

و بعد الإغماض عن المناقشة التي تجري في بعض روايات القسم الثاني و هي ما يدل على حرمة الثوب المزبور نظرا الى ان ظاهرها عدم حرمة لبس الثوب الذي له إزار بل ظاهرها حرمة زرّ الإزار فإن قوله: لا تلبس و أنت تريد الإحرام ثوبا تزرّه ظاهره ذلك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 71

..........

______________________________

و سيأتي مثله في الروايتين أو أزيد الواردتين في الطيلسان الذي له إزار الدالتين على حرمة أن يزرها المحرم و وجه الإغماض استفادة كون الحرمة لأجل كون وجود الإزار مستلزما للمخيطيّة و كذا ما يدلّ على حرمة لبس الدرع الظاهر في كون المانع الأدراع لا المخيطيّة، انه لا شبهة بملاحظة اتفاق الفتاوى قطعا على ان لبس الثوب غير المخيط لا يكون محرّما على الرجل المحرم بوجه فلا بد من تخصيصها بذلك و الحكم بان العموم في القسم

الأوّل يختص بالثوب المخيط و امّا القسم الثاني فإنه و ان ورد فيها عناوين خاصّة إلّا ان الجامع بينها حيث يكون هو عنوان المخيطية فيحتمل ان يكون المحرم هو ذلك العنوان العام فيكون مقتضاه ثبوت الحرمة في الأثواب المخيطة الخارجة عن تلك العناوين أيضا. نعم يحتمل ان يكون المحرم خصوص تلك العناوين كما اختاره بعض الاعلام قدّس سرّهم و ان احتاط وجوبا بالإضافة إلى غيرها، و مع الشك لا محيص عن الرجوع الى عموم القسم الأوّل و الحكم بثبوت الحرمة للبس مطلق الثوب المخيط كما اختاره في المتن تبعا للمشهور و عليه لا يبقى مجال لدعوى عدم قيام الدليل على حرمة غير العناوين الخمسة و لا لما أفاده الشهيد في عبارته المتقدمة في صدر المسألة.

نعم يبقى الكلام في أمور ثلاثة مذكورة في المتن:

الأمر الأوّل: لبس ما يشبه المخيط كالقميص المنسوج أو المصنوع من اللبد و قد حكم في المتن بعدم جوازه و الوجه فيه بناء على الطريق الذي سلكناه واضح فان مقتضى عموم القسم الأوّل من الروايات بعد منع انصراف الثياب المذكورة الممنوعة فيها الى الثياب المخيطة هي حرمة مطلقها و لم ينهض دليل في مقابله على جواز لبس ما يشبه المخيط كالمثالين المذكورين و قيام الدليل على جواز لبس غير المخيط و ما يشابهه لا يقتضي ذلك و عليه فكما ان مقتضى أصالة العموم حرمة لبس المخيط مطلقا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 72

..........

______________________________

من دون ان تختص بالعناوين الخمسة المذكورة في القسم الثاني كذلك مقتضاها حرمة لبس ما يشبه المخيط بعد عدم قيام الدليل على الجواز.

و امّا بناء على القول باختصاص الحرمة بتلك العناوين الخمسة فالوجه فيه صدق

مثل عنوان القميص و السراويل و القباء على المنسوج منها فإنه لا ينبغي الارتياب في انّه كما ان القميص المخيط قميص كذلك، القميص المنسوج المتداول في هذه الأزمنة و حتى يستعمل فيه في الفارسية هذا العنوان و لا مجال لدعوى اختصاصها بخصوص المخيط منها بحيث يخرج ما يشبه المخيط منها، نعم لازم هذا المبنى الاقتصار على خصوص هذه العناوين فيما يشبه المخيط أيضا فلو فرض ثبوت عنوان سادس يكون مشابها للمخيط لا دليل على حرمته بخلاف المبنى الذي اخترناه.

نعم لو قيل بأن الأصل في دليل هذا الأمر هو الإجماع على حرمة لبس المخيط كما استدلّ به صاحب الجواهر و يؤيده عدم ورد هذا العنوان في شي ء من الروايات حتى لا يكون للإجماع أصالة و استقلال لكان لازمة الاقتصار على القدر المتيقن و هو خصوص المخيط و عدم تسرية الحكم الى ما يشابهه أيضا. و لكن قد عرفت المناقشة في الاستناد إلى الإجماع فالأقوى ما في المتن من عدم جواز لبس ما يشبه المخيط مطلقا.

الأمر الثاني: المخيط القليل كالقلنسوة و التكّة و احتاط في المتن وجوبا بالاجتناب عنه من دون ان يقع موردا للفتوى و الظاهر انه لا فرق في الحكم بالحرمة بين ما إذا كانت خياطة الثوب كثيرة و بين ما إذا كانت قليلة فان المراد بالثوب المخيط كما صرح به بعض الاعلام قدّس سرّهم هو ما خيط بعض الثوب بالبعض الآخر منه، بمعنى كون الخياطة لها دخل في الهيئة التركيبية التي يشمل الثوب عليها بحيث لو لم تتحقق الخياطة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 73

..........

______________________________

لا تتحقق تلك الهيئة و هذا المعنى لا فرق فيه بين صورتي الكثرة و

القلّة بوجه و لعلّ وجه الشبهة ورود بعض الروايات في الطيلسان المشتمل على الإزار الدالّة على جواز لبسه مع عدم شدّ إزاره فتوهم ان الجواز فيه انما هو لأجل كون الخياطة فيه قليلة لأجل أن التصاق الزّر فيه به انما هو بالخيط و امّا أصله فهو خال عن الخياطة و التفصيل فإنه ثوب من صوف أو سداه منه ملبد أو منسوج و ربما يقال انه معرب تالشان.

مع ان الطيلسان ليس ثوبا مخيطا بوجه لما عرفت من معنى الثوب المخيط و على تقديره لا فرق بين شدّ إزاره و عدمه مع انّ الروايات الواردة تدلّ على التفصيل بين الصورتين.

منها صحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور؟ فقال: نعم و في كتاب علي عليه السّلام لا تلبس طيلسانا حتى ينزع إزاره فحدّثني أبي انه انما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل عليه .. «1».

و مثلها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام مع زيادة قوله عليه السّلام فامّا الفقيه فلا بأس ان يلبسه .. «2»

و منها رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال: و ان لبس الطيلسان فلا يزرّه عليه «3».

و قد ظهر مما ذكرنا انه لا دليل على جواز لبس الثوب المخيط و ان كانت خياطته قليلة كما انه ظهر ان لبس الطيلسان جائز مع عدم شدّ إزاره من دون فرق بين صورتي

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الثلاثون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الثلاثون، ح 3.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الثلاثون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج،

ج 4، ص: 74

..........

______________________________

الاختيار و الضرورة و ان حكى عن صاحب الوسائل انه قيّد الجواز بالضرورة في عنوان الباب فيما قبل هذه الطبعة الحديثة منها.

الأمر الثالث: الهميان المخيط الذي يحفظ فيه النقود فإنه قد استثنى من حرمة لبس المخيط على ما هو المتسالم عليه عند الفقهاء و يدل عليه روايات متعددة:

منها صحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يصير الدراهم في ثوبه قال نعم و يلبس المنطقة و الهميان «1». و السؤال في نفسه محتمل لأن يكون محطّه اشتمال الدراهم على التماثيل و ان يكون محطّه كون محل حفظه مثل الهميان المخيط.

و الجواب ناظر الى الجواز من كلتا الجهتين و قوله عليه السّلام فيه و يلبس المنطقة و الهميان هل المراد منه جواز لبس كلا العنوانين فيجوز شدّ المنطقة لأجل التحفظ على الإزار لا النقود أم المراد من المنطقة هي الهميان و يؤيد الثاني صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في المحرم يشدّ على بطنه العمامة؟ قال: لا، ثم قال: كان أبي يشدّ على بطنه المنطقة التي فيها نفقته يستوثق منها فإنّها من تمام حجّة .. «2»

و الذي يسهّل الخطب انّ المتداول في هذه الأزمنة ما يحفظ فيه النقود منطقة لا أمرا آخر.

و منها رواية يعقوب بن سالم قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام يكون معي الدراهم فيها تماثيل و انا محرم فاجعلها في هميان و أشدّه في وسطي فقال لا بأس أو ليس هي نفقتك

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الأربعون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الأربعون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4،

ص: 75

..........

______________________________

و عليها اعتمادك بعد اللّٰه- عزّ و جلّ «1».

و منها رواية يونس بن يعقوب قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام المحرم يشدّ الهميان في وسطه؟ فقال نعم، و ما خيره بعد نفقته «2». و الظاهر ان المراد بالجملة الأخيرة التي هي بمنزلة التعليل انه بعد ذهاب نفقته بسبب عدم التحفظ عليه بجعله في الهميان و شدّه في وسطه لا يبقى له خير و لا سبيل له إلى إتمام الحج و قضاء المناسك نوعا.

ثم ان الظاهر اختصاص مورد الجواز بما إذا انحصر الهميان في المخيط و امّا الهميان المتداول في هذه الأزمنة الذي لا يكون مخيطا بل مصنوعا بالجهات الصناعية الفاقدة للخياطة فالظاهر انه مع وجوده و التمكن من تحصيله لا تصل النوبة إلى الهميان المخيط لأنه من الواضح انّ الحكم بالجواز في الروايات انّما هو لأجل كون الهميان في زمن صدورها منحصرا بالمخيط إلّا ان يقال بان الهميان المتداول فعلا و ان لم يكن مخيطا إلّا انه يشبه المخيط و الفرض انه لا فرق في أصل الحكم بالحرمة بينهما كما عرفت. ثم انه يستفاد من التعليل الوارد في مثل رواية يونس المتقدمة جواز لبس ما يسمى بالفارسية ب «فتق بند» لمن كان يبتلى بالفتق و يحتاج إلى شدّة لأنه بدونه لا يكون له القدرة على إتمام العمل و قضاء المناسك و لا فرق بينه و بين الهميان لو لم نقل بأنه أولى كما لا يخفى.

ثمّ ان هنا عنوانا لم يتعرض له في المتن باعتبار عدم كونه مخيطا و لا ما يشبه المخيط و هو شدّ العمامة على البطن و الروايات فيه مختلفة فظاهر رواية أبي بصير المتقدمة عدم الجواز.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك

الإحرام، الباب السابع و الأربعون، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الأربعون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 76

[مسألة 16- لو احتاج الى شدّ فتقه بالمخيط جاز]

مسألة 16- لو احتاج الى شدّ فتقه بالمخيط جاز لكن الأحوط الكفارة، و لو اضطر الى لبس المخيط كالقباء و نحوه جاز و عليه الكفارة (1).

______________________________

و في صحيحة عمران الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انه قال: المحرم يشدّ على بطنه العمامة، و ان شاء يعصّبها على موضع الأزرار و لا يرفعها الى صدره .. «1»

و هل المفروض في هذه الصحيحة الفروض الثلاثة: الشدّ على البطن و التعصيب على موضع الإزار و الرفع الى الصّدر و عليه فالرواية تدلّ على جواز الأولين بعد وضوح كون المراد من قوله: يشدّ، هو الجواز لا الوجوب، لأنه في مقام توهّم الحظر و على حرمة الفرض الثالث أو انّ المفروض فيها عنوانان الشدّ على البطن الشامل للصّدر و التعصيب على موضع الإزار بحيث كان قوله: و لا يرفعها .. تتمة للجملة السابقة دون ان تكون متعرضة لبيان الحكم، و معناه انه يجوز له ان لا يرفعها الى صدره بل يعصبها على موضع الإزار فيه وجهان.

مقتضى الوجه الأوّل جعل هذه الصحيحة مقيدة لرواية أبي بصير الدالّة على عدم الجواز مطلقا و تصير النتيجة اختصاص المنع بما إذا رفع العمامة إلى الصدر و امّا إذا شدّها على ما دونه فلا مانع منه.

و مقتضى الوجه الثاني جعل الصحيحة قرنية على كون المراد من النهي في رواية أبي بصير هي الكراهة فشدّ العمامة على البطن بالمعنى الأعم الذي يشمل الرفع الى الصدر مكروه غير محرّم.

ظاهر صاحبي الحدائق و الوسائل هو الأوّل و لكنه استظهر

بعض الاعلام قدّس سرّهم الوجه الثاني و الظاهر هو الأوّل فتدبّر.

(1) وقع التعرض في هذه المسألة لفرعين و لنقدم الفرع الثاني فنقول: لو اضطر الى

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و السبعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 77

..........

______________________________

لبس المخيط فلا إشكال في ان الاضطرار يرفع الحرمة بمقتضى حديث رفع ما اضطروا إليه كسائر المحرمات التي يضطر إليها كما ان ظاهر الحديث رفع الكفارة أيضا لكن المتسالم عليه بين الأصحاب، ثبوتها و نفي صاحب الجواهر وجدان الخلاف فيه، بل ذكر ان الإجماع بقسميه عليه و الظاهر انّ مستند المجمعين الروايات الواردة في هذا المجال نعم ربما يستدل بقوله تعالى فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ بعد كون المراد بالنسك هو دم شاة نظرا الى عموم قوله من كان منكم مريضا الشامل لمثل اللبس و التطيّب أيضا.

و لكن تفريعه على قوله تعالى وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، الوارد في مورد الإحصار يمنع عن الاستدلال به للمقام خصوصا بعد عدم ثبوت التخيير في كفارة اللبس و لم يعرف قائل به.

و امّا الروايات فمنها صحيحة زرارة بن أعين قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول من نتف إبطه، أو قلّم ظفره، أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمدا فعليه دم شاة «1». و دعوى كونها مطلقة من حيث الاضطرار و عدمه و عليه فيكون حديث الرفع حاكما عليها مدفوعة بإباء الرواية عن

التقييد و لو بنحو الحكومة لظهورها في التعرض لجميع فروض المسألة صورها و لازم التقييد عدم التعرض لفرض الاضطرار نعم تجري هذه الدعوى في رواية سليمان بن العيص (الفضيل خ ل) قال سألت أبا عبد اللّٰه عن المحرم يلبس القميص متعمدا قال: عليه دم .. «2»

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 78

..........

______________________________

و منها صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المحرم إذا احتاج الى ضروب من الثياب يلبسها قال: عليه لكل صنف منها فداء .. «1»

و أورد على الاستدلال بها بعض الاعلام قدّس سرّهم بأن الحاجة أعم من الاضطرار لصدقها على الحاجة العرفية أي الغاية العقلائية و ان لم تبلغ مرتبة الاضطرار.

و الجواب عنه مضافا الى ان عنواني الحاجة و الاضطرار المأخوذين في الصحيحة و حديث الرفع عنوانان عرفيّان و الظاهر اتحادهما و عدم كون عنوان الحاجة أوسع من عنوان الاضطرار، انه لا تنبغي المناقشة في دلالة الصحيحة على ثبوت الجواز في موردها مع انّ مجرد الحاجة غير البالغة حدّ الاضطرار لا يجوّز اللبس بوجه، فثبوت الجواز يكشف عن كون المراد من الحاجة هو الاضطرار و قد انقدح مما ذكرنا تمامية الاستدلال بالرواية و لا تصل النوبة إلى الإجماع حتى يناقش في اعتباره كما مرّ.

هذا و امّا الفرع الأوّل و هو شدّ الفتق بالمخيط فقد حكم فيه بالجواز في صورة الاحتياج و احتاط وجوبا بالإضافة إلى الكفارة و قد تقدم انّ المستفاد من التعليل الوارد في بعض روايات جواز شدّ الهميان المخيط هو جواز شدّ الفتق به أيضا

لتوقف إتمام الحج و قضاء المناسك عليه كتوقفه على بقاء النفقة و تحفظها في الهميان لو لم نقل بان المقام أولى. و الظاهر على هذا التقدير مضافا الى الجواز التكليفي عدم ثبوت الكفارة فيه كعدم ثبوتها في الهميان.

و- ح- يرد على المتن انّ المراد بالجواز فيه هل هو الجواز بالإضافة إلى الحكم الاوّلي و كونه مستثنى كالهميان، فلا وجه- ح- للحكم بثبوت الكفارة و لو بنحو الاحتياط الوجوبي أو الجواز بطريق الحكم الثانوي الثابت بمثل حديث الرفع. و عليه فالمراد

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب التاسع، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 79

[مسألة 17- يجوز للنّساء لبس المخيط بأيّ نحو كان]

مسألة 17- يجوز للنّساء لبس المخيط بأيّ نحو كان، نعم لا يجوز لهنّ لبس القفازين (1).

______________________________

بالاحتياج الذي وقع التعبير به في هذا الفرع هو الاضطرار المعبّر عنه به في الفرع الثاني فالظاهر- ح- ثبوت الكفارة بنحو الفتوى كما صرّح به طبقا لما هو المتسالم عليه بينهم، و عليه فالجمع بين الجواز و بين الحكم بالكفارة بنحو الاحتياط الوجوبي لا مجال له و الحقّ ما مرّ من ثبوت الجواز بنحو الحكم الأولي و عدم ثبوت الكفارة إلّا على سبيل الاحتياط الاستحبابي و يجري فيه ما تقدم في الهميان.

(1) قال المحقق في الشرائع بعد الحكم بعدم جواز لبس الرجال المخيط: «و في النساء خلاف و الأظهر الجواز اضطرارا و اختيارا» و في الجواهر عقيبه: «بل هو المشهور شهرة عظيمة بل لا يبعد دعوى الإجماع معها لندرة المخالف الذي هو الشيخ في النهاية التي هي متون اخبار و معروفية نسبه ..» أقول كونها متون الاخبار لا يوجب القدح بل يوجب الاعتضاد.

و كيف كان فقد قال في محكي

النهاية: «و يحرم على المرأة في حال الإحرام من لبس الثياب جميع ما يحرم على الرّجل، و يحلّ لها جميع ما يحلّ له ثم قال بعد ذلك:

و قد وردت رواية بجواز لبس القميص للنساء و الأفضل (الأصل خ ل) ما قدّمناه و امّا السراويل فلا بأس بلبسه لهنّ على كل حال» و قد رجع عنه في ظاهر محكي المبسوط بالنسبة إلى القميص بل عن موضع آخر منه مطلق المخيط مع ان تردد التعبير بين الأفضل و الأصل يورث الشك لأنّ الأول ظاهر في الجواز و مع ذلك فاللازم ملاحظة الروايات الواردة في المسألة و قبل التعرض لها ينبغي التنبيه على أمر و هو انّ الروايات الدالة على حرمة لبس المخيط أو خصوص أنواع خاصة منه لا مجال لإلغاء الخصوصية منها بالإضافة الى النساء سواء كان بصورة الخطاب إلى الراوي الذي يكون رجلا أو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 80

..........

______________________________

بصورة بيان حكم عنوان المحرّم فإنه بعد ما علم من الشرع اختلاف النوعين في السترين الستر التكليفي النفسي و الستر الشرطي في مثل الصلاة لا يبقى مجال لإلغاء الخصوصية فيما يرتبط بهذه الجهة لا مطلقا بل في خصوص جانب النفي كما في المقام و امّا في جانب الإثبات كلبس ثوبي الإحرام فقد مرّ لزوم رعاية ذلك بالإضافة الى النساء و لو على سبيل الاحتياط الوجوبي و عليه فالروايات الدالة على النهي عن لبس مثل السراويل أو القميص في حال الإحرام لا تشمل النساء بوجه.

و كيف كان فهنا عناوين متعددة قد وقع التصريح في الروايات بجواز لبس النساء لها:

منها السراويل الذي نفي اللباس عن لبسه حتى الشيخ في النهاية في عبارته المتقدمة

و يدل عليه صحيحة محمد بن عليّ الحلبي انّه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المرأة إذا أحرمت أ تلبس السراويل؟ قال: نعم انما تريد بذلك الستر .. «1»

و منها القميص و يدلّ عليه مثل رواية يعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام المرأة تلبس القميص تزرّه عليها و تلبس الحرير و الخز و الديباج فقال نعم لا بأس به، و تلبس الخلخالين و المسك .. «2»

و منها الغلالة بكسر الغين و هي ثوب رقيق يلبس تحت الثياب و المتعارف لبس الحائض لها لأنها تتقي ثيابها من النجاسات و قد ادّعى المحقق في الشرائع الإجماع على جوازه لها و قد صرّح به الشيخ أيضا في النهاية الظاهرة في المخالفة في أصل المسألة يدلّ عليه صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال تلبس المحرمة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخمسون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 81

..........

______________________________

الحائض تحت ثيابها غلالة «1».

و اما ما يدلّ على جواز لبس مطلق الثياب لهنّ ما دون القفازين فروايات:

منها رواية النضر بن سويد عن أبي الحسن عليه السّلام قال سألته عن المحرمة أيّ شي ء تلبس من الثياب؟ قال: تلبس الثياب كلّها إلّا المصبوغة بالزعفران و الورس و لا تلبس القفازين «2».

و القفاز كرمان و هو شي ء يعمل لليد يحشى بقطن و يكون له أزرار تزر على الساعدين من البرد تلبسه المرأة في يديها و حكى عن بني دريد و فارس و عباد انه من جنس الحلّي لليدين و الرجلين و يؤيده التعرض لهما في مورد النساء

فقط مع انه لو كان الغرض منهما التحفظ عن البرد لا يكون فرق بينها و بين الرجل و يؤيده أيضا شيوع استعمالهما في هذه الأزمنة في النساء أيضا لغرض التزيّن.

و كيف كان فالرواية ظاهرة في جواز لبس الثياب كلّها للنساء إلّا المصبوغة بالطيب لأجل كون الطيب من محرمات الإحرام مطلقا و في حرمة لبس القفازين عليهن في حال الإحرام.

و منها رواية أبي عينية عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته ما يحلّ للمرأة ان تلبس و هي محرمة؟ فقال: الثياب كلّها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير الحديث .. «3»

و قد تقدم البحث في جواز لبس النساء للحرير في بحث ثوبي الإحرام و الظاهر ان حرمة البرقع لكونه ساترا للوجه الذي يجب على المرأة أسفاره في حال الإحرام لأنه

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الخمسون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 82

[مسألة 18- كفارة لبس المخيط شاة]

مسألة 18- كفارة لبس المخيط شاة فلو لبس المتعدد في كل واحد شاة، و لو جعل بعض الألبسة في بعض و لبس الجميع دفعة واحدة فالأحوط الكفارة لكل واحد منها، و لو

______________________________

لا فرق بينه و بين النقاب من هذه الجهة و العجب ان صاحب الجواهر قدّس سرّه بعد ان حكى عن التذكرة الفتوى بحرمة البرقع قال: «و لكن لم يحضرني الآن موافق له على تحريم ذلك» و على ما ذكرنا فلا ارتباط لحرمة البرقع بالمقام.

و منها رواية يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام انه كرّه للمرأة

المحرمة البرقع و القفازين .. «1»

و الظاهر انّ المراد من الكراهة ليس هي الكراهة المصطلحة المقابلة للحرمة بل خصوص الحرمة أو الأعم منها و من الكراهة فيحمل على الحرمة بقرينة الروايات الأخر الظاهرة في الحرمة و عليه لا مجال لاحتمال الكراهة في القفازين كما حكى عن بعض متأخري المتأخرين.

و منها صحيحة عيص بن القاسم قال قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين الحديث «2».

أضف الى ما ذكرنا استمرار سيرة المتشرعة من النساء على لبس المخيط في حال الإحرام و من الواضح اتصال هذه السيرة بزمان الأئمة المعصومين عليهم السّلام و عدم إنكارهم لها مع ان التستر المطلوب منهنّ لا يتحقق نوعا بدون لبس المخيط فلا إشكال في الجواز أصلا.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 6.

(2) الوسائل، أبواب الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 83

اضطر الى لبس المتعدد جاز و لم تسقط الكفارة (1).

[مسألة 19- لو لبس المخيط كالقميص- مثلا- و كفّر ثم تجرد عنه]

مسألة 19- لو لبس المخيط كالقميص- مثلا- و كفّر ثم تجرد عنه و لبسه ثانيا أو لبس قميصا آخر فعليه الكفارة ثانيا، و لو لبس المتعدد من نوع واحد كالقميص أو القباء فالأحوط تعدد الكفارة و ان كان ذلك في مجلس واحد.

[السابع- الاكتحال بالسّواد ان كان فيه الزينة]

اشارة

السابع- الاكتحال بالسّواد ان كان فيه الزينة و ان لم يقصدها، و لا يترك الاحتياط بالاجتناب عن مطلق الكحل الذي فيه الزينة، و لو كان فيه الطيب فالأقوى حرمته (2).

______________________________

(1) في هاتين المسألتين وقع التعرض لأمرين:

أحدهما ان كفارة لبس المخيط شاة و يدل عليه الروايات المتقدمة في شرح المسألة السادسة عشر الواردة في ثبوت الكفارة في صورة الاضطرار و انه لا فرق بين الصورتين من جهة الكفارة و ان كان بينهما فرق من جهة الحرمة و الجواز و من تلك الروايات صحيحة محمد بن مسلم الواردة فيمن احتاج الى ضروب من الثياب الدالة على مفروغية ثبوت الفدية التي يكون المراد بها الشاة في صورة الاختيار.

ثانيهما تعدد الكفارة و عدمه و قد تقدم البحث عنه أيضا في المسألة الخامسة عشر مفصّلا فراجع و العجب من المتن انه هناك قد فصّل في كفارة استعمال الطيب مع التكرر و عدم تخلل الكفارة بين ما إذا كان في أوقات مختلفة و بين ما إذا كان في وقت واحد و هنا احتاط بالتعدد و ان لبس الجميع مع جعل بعض الألبسة في بعض دفعة واحدة أو كان ذلك في مجلس واحد مع ظهور كون مراده من الوقت و المجلس واحدا و لا مجال لتوهّم الفرق بين المخيط و بين الطيب من هذه الجهة و قد ذكرنا ما هو مقتضى التحقيق عندنا من جهة مقتضى القاعدة و الجمع بين

الروايات فراجع.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 4، ص: 83

(2) قال المحقق في الشرائع في عداد محرمات الإحرام: «و الاكتحال بالسواد على قول أو بما فيه طيب و يستوي في ذلك الرجل و المرأة» و ظاهره الترديد في حرمة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 84

..........

______________________________

الاكتحال بالسواد و الفتوى بحرمته بما فيه طيب و الأوّل محل خلاف فقد حكم القول بالحرمة عن المفيد و الشيخ و سلّار و بني حمزة و إدريس و سعيد و غيرهم، و القول بالكراهة عن الاقتصاد و الجمل و العقود و الخلاف و الغنية و النافع بل عن الشيخ دعوى إجماع الفرقة عليه و الثاني هو المشهور شهرة عظيمة قد ادعى الإجماع عليه و اللازم ملاحظة الروايات الكثيرة الواردة في هذا المقام:

منها صحيحة معاوية بن عمار التي رواها عنه فضالة و صفوان جميعا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس ان يكتحل و هو محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فأمّا للزينة فلا «1». و هي تدلّ بمفهوم الجملة الأولى على ثبوت البأس الظاهر في الحرمة في الاكتحال بما كان فيه طيب يوجد ريحه و بمنطوق الجملة الثانية على حرمة ما إذا اكتحل بقصد الزينة و لا محالة يكون ما يكتحل به زينة إذ لا معنى لقصد الزينة بما ليس بزينة فالقصد لا ينفك عنها بخلاف العكس و يحتمل ان يكون المراد من الجملة الثانية النهي عن الاكتحال بما وضع للزينة سواء كان قصدها الزينة

أم لا.

و منها صحيحة أخرى لمعاوية رواها عنه فضالة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال:

لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود إلّا من علّة «2».

و منها مضمرة زرارة عنه عليه السّلام قال: تكتحل المرأة بالكحل كلّه إلّا الكحل الأسود للزينة «3». و الاستثناء قرنية على كون المراد هي المرأة في حال الإحرام مع انه حكى عن المصدر: «المرأة المحرمة» كما انه رواه الصدوق في المقنع مرسلا بلام واحدة،

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 85

..........

______________________________

و يجري على تقدير اللازمين الاحتمالان المتقدمان في الرواية الأولى السابقة و على تقدير لام واحدة يتعين الاحتمال الأول كما لا يخفى و منها صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد انّ السواد زينة «1». و هذه الرواية بلحاظ اشتمالها على التعليل تدلّ من جهة على سعة دائرة حرمة الاكتحال بالسّواد لما إذا قصد به الزينة و ما إذا لم يقصد به ذلك كما انه تدل من جهة أخرى على عموم الحكم للاكتحال بكل زينة و ان لم يكن سوادا.

و منها صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: يكتحل المحرم ان هو رمد بكحل ليس فيه زعفران «2». و ليس معناها النهي عمّا فيه زعفران و ان توقف العلاج عليه كما يوهمه بعض الفتاوى فإنه ليس بأولى من الاضطرار الى استعمال الطيب شمّا أو أكلا بل المراد عدم الاكتحال بما فيه الزعفران

مع التمكن من التداوي بغيره.

و منها رواية هارون بن حمزة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران، و ليكحل بكحل فارسي «3». و حكى عن المصدر التعبير بالاكتحال في كلا الموردين.

و منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام: سألته عن الكحل للمحرم فقال: امّا بالسّواد فلا و لكن بالصبر و الحضض «4». و الحضض دواء قيل انه يعقد من أبوال الإبل و قيل عصارة شجر، منه مكّي و منه هندي.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 4.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 5.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 6.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 86

..........

______________________________

و منها مرسلة أبان عمّن أخبره عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا اشتكى المحرم عينيه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا طيب .. «1»

و منها رواية عبد اللّٰه بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سأله رجل ضرير و انا حاضر فقال: اكتحل إذا أحرمت؟ قال: لا، و لم تكتحل؟ قال اني ضرير البصر و إذا أنا اكتحلت نفعني و ان لم اكتحل ضرّني قال: فاكتحل قال فإني أجعل مع الكحل غيره قال: و ما هو؟ قال أخذ خرقتين فأربعهما فاجعل على كل عين خرقة و أعصبهما بعصابة إلى قفاي فإذا فعلت ذلك نفعني و إذا تركته ضرّني قال فاصنعه «2».

و منها رواية النضر بن سويد عن أبي الحسن عليه السّلام في حديث: ان المرأة المحرمة لا تكتحل إلّا من

علّة .. «3»

و هذه الرواية كالسابقة ظاهرة في حرمة مطلق الاكتحال في غير حال الضرورة.

و منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: يكتحل المحرم عينيه ان شاء بصبر ليس فيه زعفران و لا ورس .. «4»

و منها رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس للمحرم ان يكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا كافور إذا اشتكى عينيه و تكتحل المرأة المحرمة بالكحل كلّه إلّا كحل أسود لزينة «5».

و منها صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المرأة تكتحل و هي محرمة؟

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 9.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 10.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 11.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 12.

(5) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 87

[مسألة 20- لا تختص حرمة الاكتحال بالنّساء]

مسألة 20- لا تختص حرمة الاكتحال بالنّساء فيحرم على الرجال أيضا (1).

______________________________

قال لا تكتحل قلت بسواد ليس فيه طيب قال: فكرهه من أجل أنه زينة و قال إذا اضطرّت اليه فلتكتحل «1».

هذه هي الروايات الواردة في الباب و المستفاد من ملاحظة مجموعها ثبوت الحرمة في موردين بلا شبهة: أحدهما الاكتحال بالسواد مع قصد الزينة ثانيهما الاكتحال بما فيه طيب يوجد ريحه مع عدم وجود الاضطرار في شي ء من الموردين.

و امّا المورد الثالث و هو الاكتحال بالسواد مع عدم قصد الزينة فالمستفاد من التعليل في بعض الروايات و من إطلاق النهي عن الاكتحال بالسواد في البعض الآخر هي الحرمة أيضا و قد

وقع التصريح به في المتن.

كما ان المورد الرابع و هو الاكتحال بغير السواد الذي يكون فيه الزينة فقد احتاط وجوبا فيه بتركه و الاجتناب عنه مع ان مقتضى التعليل بكون السواد زينة كما في صحيحة حريز و في الرواية الأخيرة بعد ظهور كون المراد من الكراهة الحرمة و هو الحكم بالحرمة و لعلّ منشأ التنزل الى الاحتياط الوجوبي هي دلالة مثل صحيحة زرارة على استثناء خصوص الكحل الأسود من الحكم بجواز الاكتحال و لكن الظاهر هو لزوم الأخذ بمقتضى التعليل خصوصا إذا كان مقرونا بقصد الزينة لصلاحيته لتقييد إطلاق مثل رواية زرارة و امّا المورد الخامس و هو ما إذا لم يكن بالسواد و لا بما فيه طيب و لا بما فيه زينة فلا إشكال في جوازه لتقييد المطلقين بغيرهما مما ذكر.

(1) الوجه في عدم اختصاص حرمة الاكتحال بالنساء و ان كانت جملة من الروايات المتقدمة واردة فيهنّ مضافا الى إطلاق عنوان «المحرم» في بعضها ورود بعض الروايات في الرجل المحرم و تصريح الصحيحة الثانية لمعاوية بن عمار المتقدمة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 88

[مسألة 21- ليس في الاكتحال كفارة]

مسألة 21- ليس في الاكتحال كفارة لكن لو كان فيه الطيب فالأحوط التكفير (1).

[مسألة 22- لو اضطر الى الاكتحال جاز]

مسألة 22- لو اضطر الى الاكتحال جاز (2).

[الثامن: النظر في المرأة من غير فرق بين الرجل و المرأة]

اشارة

الثامن: النظر في المرأة من غير فرق بين الرجل و المرأة، و ليس فيه الكفارة لكن يستحبّ بعد النظر ان يلبّي، و الأحوط الاجتناب عن النظر في المرأة و لو لم يكن للتزيين (3).

______________________________

بكلا العنوانين.

(1) امّا عدم ثبوت الكفارة في الاكتحال بغير الطيب فلعدم الدليل عليها إلّا رواية علي بن جعفر المتقدمة التي يستدلّ بها على ثبوت الكفارة لكلّ خلاف المشتملة على كلمة مرددة بين «خرجت» و «جرحت» «1». و قد تقدمت المناقشة في الاستدلال بها سندا و دلالة في المسألة الخامسة عشر فراجع.

و اما الاكتحال بما فيه الطيب فان قلنا باعتبار وصف وجدان الريح فيه كما ذكرنا فالظاهر ثبوت الكفارة فيه لا من باب الاكتحال بل من باب شمّ الطيب الذي قد عرفت ثبوت الكفارة فيه كما انه ان قلنا بحرمة مسّ الطيب و لو بالإضافة إلى الباطن كما في الاحتقان بالطيب فالظاهر فيه أيضا ثبوت الكفارة من ذلك الباب و امّا لو لم نقل بحرمة مسّ الطيب أو قلنا بها بالإضافة إلى خصوص الظاهر فلا مجال للحكم بثبوت الكفارة و لو بنحو الاحتياط الوجوبي و مما ذكرنا ينقدح النظر فيما في المتن فإنه على تقدير لا بدّ من الفتوى بالتكفير و على تقدير آخر لا وجه له نعم الحكم به بنحو الاحتياط الاستحبابي لا مانع منه أصلا.

(2) الوجه فيه واضح.

(3) من محرّمات الإحرام النظر في المرآة و الكلام فيه يقع من جهات:

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 89

..........

______________________________

الجهة الأولى في أصل حرمته في الجملة في مقابل الكراهة مطلقا فنقول: قال المحقق

في الشرائع: و كذا- يعني لا يجوز في حال الإحرام- النظر في المرآة على الأشهر. و نسبه في محكي المدارك بل غير واحد إلى الأكثر لكن عن جملة من كتب القدماء كالجمل و العقود و الوسيلة و المهذب و الغنية انه مكروه كالمحقق في النافع بل ربما نسب الى الخلاف لكن استدلاله على الكراهة مضافا الى الإجماع بطريقة الاحتياط يدلّ على ان مراده من الكراهة هي الحرمة لأنها ربما تستعمل فيها.

و كيف كان فالظاهر انه لا مجال لدعوى الكراهة بعد كون جميع ما ورد في الباب من الروايات الثلاثة أو الأربعة ظاهرة في الحرمة أعم مما عبر فيها بالجملة الإنشائية و ما عبّر فيها بالجملة الخبرية و ليس في مقابلها ما يقتضي الحمل على الكراهة فلا محيص عن الأخذ بظاهرها و سيأتي التعرض لها إن شاء اللّٰه تعالى في الجهة الآتية.

الجهة الثانية في انّ المحرم هل هو النظر في المرآة مطلقا أو انه يختص بما إذا كان النظر للزينة ظاهر الكلمات هو الأول لكن المحكيّ عن الذخيرة تقييد الحكم بالقيد المذكور و يستفاد من صاحب الوسائل ذلك أيضا حيث انه قيّد عنوان الباب بذلك و اللازم ملاحظة الروايات فنقول:

منها صحيحة حمّاد يعني ابن عثمان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا تنظر في المرآة و أنت محرم فإنّه من الزينة .. «1»

و أصل الحكم المذكور في الصدر و ان كان مطلقا و ظاهره حرمة النظر في المرآة كذلك إلّا ان التعليل بقوله فإنّه من الزينة يوجب التضييق و الاختصاص بما إذا كان الغرض من النظر الزينة لا أمرا آخر فان الظاهر ان مرجع الضمير في قوله: فإنّه هو النظر

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام،

الباب الرابع و الثلاثون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 90

..........

______________________________

لا المرآة بداهة أنّ المرآة لا تكون بنفسها زينة بل النظر إليها ربما يكون لغرض التزيين و إلّا فنفس النظر أيضا لا يكون زينة و ليس النظر كالاكتحال الذي تقدم الذي يكون زينة بنفسه. و عليه، فلا مجال لاحتمال كون مرجع الضمير هي المرآة كما ان الظاهر في مثل المقام مما تكون العلّة عنوانا معلوما لدى العرف و معرّفا في اللغة، ان لا تكون أمرا تعبديا حتى ترجع الى حكم الشارع بثبوت العلّة تعبّدا و ان كان على خلاف ما هو الثابت عند العرف و اللغة.

و على ما ذكرنا فالعلّة المذكورة في الرواية توجب اختصاص الحكم بالحرمة بما إذا كان الغرض من النظر في المرآة الزينة فاحتمال كون العلّة أمرا تعبديا غير موجب لتضييق دائرة الحكم كما أفاده بعض الأعاظم قدّس سرّهم لا سبيل إليه أصلا كما ان ما أفاده بعض الاعلام قدّس سرّهم من انه لو قيل بالإطلاق و عدم دخل الزينة في الحكم فمعناه ان مجرد النظر إلى الزينة حرام و هذا ليس بحرام قطعا إذ لا نحتمل ان النظر إلى الزينة كالنظر إلى الحلّي و نحوه حرام شرعا، من عجائب الكلام إذ لو فرض ثبوت الإطلاق و عدم اقتضاء التعليل للتقييد يكون مقتضاه إطلاق حرمة النظر في المرآة و لا ارتباط لذلك بالنظر الى المرآة الذي لم يقع التعرّض له في الرواية بوجه و مرجع الإطلاق إلى انه لا فرق في الحرمة المذكورة بين ان يكون النظر في المرآة لغرض التزيين و بين ان يكون لغرض آخر كالسائق الذي ينظر في المرآة ليرى خلفه من السيارات

و غيرها.

و منها صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال لا تنظر في المرآة و أنت محرم لأنه من الزينة «1». و البحث فيها كالبحث في الصحيحة المتقدمة من دون فرق.

و منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا تنظر المرأة المحرمة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و الثلاثون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 91

..........

______________________________

في المرآة للزينة «1». و الظاهر كون اللام للغاية لا للتعليل و عليه فظهورها في الاختصاص أقوى من السابقتين.

و منها صحيحة أخرى له قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام لا ينظر المحرم في المرآة لزينة فإن نظر فليلب «2». و هي على تقدير كونها رواية أخرى و ان كان يحتمل قويّا اتحادها مع السابقة و ان كان بينهما الاختلاف في التعبير يكون ظهورها أقوى من الجميع لعدم جريان احتمال التعليل فيه بوجه كما لا يخفى.

إذا عرفت الروايات الواردة في الباب فاعلم ان المحكي عن السبزواري صاحب الذخيرة ان مقتضى قاعدة حمل المطلق على المقيّد هو حمل المطلق منها على ما ظاهره التقييد بصورة ما إذا كان الغرض من النظر الزينة.

و أورد عليه صاحب الجواهر بما يرجع الى انه حيث لا منافاة بين المطلق و المقيد هنا لا مجال للحمل المذكور و عبّر عن هذا بعض الأعاظم قدّس سرّهم بأنه حيث يكونان مثبتين أي غير مختلفين في الإثبات و النفي لا تجري قاعدة الحمل المذكورة و لكنك بملاحظة ما عرفت من التحقيق في معنى الروايات و انّها بين ما يكون مشتملا على التعليل المقتضى للتضييق و بين ما وقع فيه التقييد بما إذا كان الغرض

من النظر الزينة يظهر لك انه ليس في المقام مطلق أصلا حتى يتكلم في لزوم حمله على المقيد و عدمه بل الروايات بأجمعها تدلّ على مدخلية القيد امّا من طريق التعليل و امّا من طريق التقييد.

نعم يبقى الكلام- ح- فيما أفاده في المتن من ان مقتضى الاحتياط الوجوبي ترك النظر في المرآة و لو لم يكن للتزيين فإنه بعد عدم دلالة الروايات على الإطلاق و كون

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و الثلاثون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و الثلاثون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 92

..........

______________________________

مقتضى أصالة الجواز هو عدم الحرمة لا مجال لإيجاب الاحتياط و يمكن ان يكون الوجه فيه عدم القول بالتفصيل قبل صاحب الذخيرة من دون فرق بين القائلين بالحرمة في أصل المسألة و بين القائلين بالكراهة ففي الحقيقة يكون الإجماع المركب على خلافه و- ح- يشكل التفصيل و ان كان تقتضيه النصوص المتقدمة فتدبّر.

ثم انه ذكر في الجواهر انه لا بأس بالنظر في المرآة في غير المعتاد فعله للزينة و الظاهر انه لا مجال لهذا الاستثناء بناء على مختاره من ثبوت الحرمة بنحو الإطلاق سواء كان المراد به هو الفرق بين الناظرين من جهة اعتياد النظر للزينة و غيره أو كان المراد به هو الفرق بين المرائي من جهة كونها معدة للنظر إليها للزينة أو موضوعة للنظر إليها لغيرها كما في المثال المتقدم و هي المرآة التي يرى فيها السائق السيارات الأخر.

الجهة الثالثة في عدم اختصاص هذا المحرم بالرجال و اشتراك النساء معهم فيه و الدليل عليه مضافا الى ظهور أكثر الروايات المتقدمة في ان الموضوع للحكم هو عنوان

المحرم و ان الحرمة انّما هي مترتبة على نفس الإحرام إحدى صحيحتي معاوية بن عمار الواردة في المرأة المحرمة و التعرض لها انّما هو لأجل ارتباطها مع المرآة نوعا فلا يكون له مفهوم أصلا كما لا يخفى.

الجهة الرابعة في عدم ثبوت الكفارة في هذا المحرّم و الوجه فيه عدم دلالة شي ء من الروايات المتقدمة الدالة على أصل الحكم على ثبوت الكفارة في صورة المخالفة نعم قد مرّ انّ مقتضى بعض الروايات و هي رواية علي بن جعفر عليه السّلام ثبوت الكفارة في جميع موارد التخلف لكن تقدمت المناقشة فيها من حيث السند و كذا من حيث الدلالة لتردّد العبارة بين قوله: خرجت و بين قوله: جرحت و الدلالة انّما هي على التقدير الثاني و هو غير ثابت.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 93

[مسألة 23- لا بأس بالنظر الى الأجسام الصقيلة و الماء الصافي]

مسألة 23- لا بأس بالنظر الى الأجسام الصقيلة و الماء الصافي ممّا يرى فيه الأشياء، و لا بأس بالمنظرة ان لم تكن زينة و إلّا فلا تجوز (1).

______________________________

الجهة الخامسة قد عرفت ان ظاهر الصحيحة الثانية لمعاوية بن عمّار وجوب التلبية و لكن حيث ان المتسالم عليه هو عدم الوجوب فلا بد من حمل الأمر على الاستحباب و الكلام في هذه الجهة انّما هو في انّ الاستحباب هل يكون ثابتا بنحو الإطلاق فلا فرق فيه بين العالم و الجاهل و الناسي كما ربما يقال أو انّ مورده خصوص العالم العامد الذي يكون فعله محرّما بالحرمة الفعليّة.

الظاهر هو الثاني، لأن التلبية انّما لأجل التدارك و الجبران و ان كان مستحبة و الجاهل و الناسي لم يتحقق منهما المخالفة المقتضية للتدارك فتدبّر و ان شئت قلت ان قوله عليه السّلام

في الرواية: فإن نظر فليلب بصورة التفريع ظاهر في النظر المتعلق للحكم بالحرمة المذكور في صدر الرواية فيختص بصورة العلم و العمد.

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لفرعين:

الفرع الأول: النظر الى مثل المرآة من الأجسام الصيقلية و الماء الصافي و غيرهما مما يرى فيه الأشياء و لكنّه لم يعدّ للنظر كالمرآة و الظاهر ان كل من تعرض لهذا الفرع قد نفى البأس عن النظر إليه في حال الإحرام و مقتضى الإطلاق انه لا بأس و لو كان الغرض الزينة و الوجه فيه انّ عنوان المحرّم هو النظر في المرآة و لا مجال للتعدي إلى غيرها و ان كان يرى فيه الأشياء خصوصا بعد عدم كونه معدّا للنظر.

و لكن يمكن المناقشة فيه بانّ ما اشتمل من الروايات المتقدمة على التعليل كصحيحتي حمّاد و حريز يشمل هذه الأشياء أيضا لجريان العلّة فيها و العلّة تعمّم كما انها تخصّص و عليه فمقتضى العلّة ان كل نظر يكون من الزينة بالمعنى الذي ذكرنا و هو كونه مقدمة لها و بقصد التزيين يكون محرّما نعم ما اشتمل منها على حرمة النظر في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 94

[التاسع: لبس ما يستر جميع ظهر القدم كالخفّ و الجورب]

التاسع: لبس ما يستر جميع ظهر القدم كالخفّ و الجورب و غيرهما، و يختص ذلك بالرجال و لا يحرم على النساء، و ليس في لبس ما ذكر كفارة، و لو احتاج الى لبسه فالأحوط شقّ ظهره (1).

______________________________

المرآة للزينة أو لزينة لا يدلّ على الحرمة في غير المرآة لعدم الدليل على التعدي.

الفرع الثاني: النظر بسبب المنظرة و الظاهر انه لا ارتباط لهذا الفرع بالمقام أصلا لأنّ المنظرة انما تكون وسيلة للنظر بها و رؤية البعيد و

القريب بسببها على اختلاف الأعين و اختلاف المناظر و هذا لا يرتبط بالنظر في المرآة بوجه بل يكون داخلا في بحث الزينة التي سيأتي التكلّم فيها إن شاء اللّٰه تعالى.

ثم ان الظاهر ان المراد بقوله في المتن: «ان لم تكن زينة»، هو عدم كون الغرض منها الزينة لا نفس عدم كونها زينة و يأتي البحث في هذه الجهة أيضا في محلّه.

(1) قال المحقق في الشرائع في عداد محرمات الإحرام: «و لبس الخفين و ما يستر ظهر القدم» و قال في الجواهر في شرحه: «اختيارا كما في الاقتصاد و الجمل و العقود و الوسيلة و المهذب و النافع و القواعد و الإرشاد و غيرها على ما حكى عن بعضها بل في الذخيرة نسبته الى قطع المتأخرين بل في المدارك إلى الأصحاب بل في الغنية نفى الخلاف قال فيها: و ان يلبس ما يستر ظاهر القدم من خفّ أو غيره بلا خلاف بل ظاهره نفيه بين المسلمين فضلا عن إرادة الإجماع منه».

و المستند هي الروايات المتعددة الواردة في هذا المقام:

منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال: و لا تلبس سراويل إلّا ان لا يكون لك إزار و لا خفّين إلّا ان لا يكون لك نعلان «1».

و منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال و أيّ محرم هلكت نعلاه فلم يكن

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 95

..........

______________________________

له نعلان فله ان يلبس الخفين إذا اضطرّ الى ذلك. و الجوربين يلبسهما إذا اضطرّ الى لبسهما «1».

و منها رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه

عليه السّلام في رجل هلكت و لم يقدر على نعلين قال: له ان يلبس الخفين ان اضطرّ الى ذلك فيشق «و ليشقه خ ل» عن ظهر القدم الحديث «2».

و منها رواية رفاعة بن موسى انه سئل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يلبس الجوربين قال نعم و الخفين إذا اضطر إليهما «3».

و منها رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل؟ قال نعم لكن يشق ظهر القدم «4».

إذا عرفت ذلك فالكلام في مفاد الروايات يقع من جهات:

الجهة الأولى: انّ العنوان المحرم المأخوذ فيها، هو لبس الخفين و الجوربين فهل الحكم يختص بهما أو يتعدى عنهما الى غيرهما مما يشابههما. ظاهر العبارات المتقدمة و صريح المتن عدم الاختصاص بل هو معقد الإجماع الذي ادّعاه صاحب الغنية بل اتفاق المسلمين لكن المحكي عن المقنع و التهذيب الاقتصار على الخفّ و الجورب بل عن كشف اللثام و النهاية الاقتصار على الخفّ نعم في محكي المبسوط و الخلاف و الجامع اضافة الشمشك و عطفه على الخفّ، و الشمشك بضم الشين و كسر الميم يكون ظاهرا معرّب چمشك أو چمش و هو حذاء يستر ظاهر القدم و باطنه فقط

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الخمسون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الخمسون، ح 3.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الخمسون، ح 4.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الخمسون، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 96

..........

______________________________

من دون ان يستر من السّاق شيئا و من هذه الجهة يغاير الخف و الجورب اللذين يستران من السّاق

أيضا شيئا و قد أفتى الأصحاب في كتاب الصلاة بعدم جواز الصلاة في الشمشك و لا النعل السندي بخلاف النعل العربية التي تجوز الصلاة فيها، بل تكون مستحبة.

و كيف كان فقد ذكر بعض الأعاظم قدّس سرّهم على ما في تقريرات بحثه في الحج انه بعد ما كان المذكور في الروايات هو العنوانان المتقدمان لا مجال لدعوى ظهور اللفظ في المثال و كون الموضوع للحكم بالحرمة هو كل ما يستر ظهر القدم لكونه منوطا بإلغاء الخصوصية و كون العنوانين مذكورين من باب المثال و لا سبيل لنا إلى إحراز ذلك و لم يحصل لنا القطع بوحدة المناط و الظن بها بعد عدم حجيته لا يغني من الحقّ شيئا فإذا لا وجه للتعدي عن العنوانين بل اللازم الاقتصار عليهما كما عرفت في بعض الكلمات.

و قد وقع العنوانان موضوعا للحكم بالحرمة في كلام بعض الاعلام قدّس سرّهم و ان احتاط وجوبا بالاجتناب عن كل ما يستر ظهر القدم هذا و الظاهر هو عدم الاختصاص لأنه مضافا الى ثبوت الشهرة العظيمة الفتوائية عليه كما عرفت في الكلمات نقول انّ المتفاهم عند العرف بعد ملاحظة انّ الحكم الثابت في هذا المقام هو حكم واحد بمعنى انّه ليس لبس كل واحد منهما موضوعا لحكم تحريمي مستقل بحيث كان هنا محرّمان في باب الإحرام و ملاحظة اشتراك العنوانين في الجهات المتعددة و الخصوصيات المتكثرة و هي الساترية لظاهر القدم و لباطنه و لمقدار من السّاق و هو كون المتعلق للحرمة هي تلك الجهات و الخصوصيات لا نفس العنوانين. نعم قد علم من الخارج ان الساترية لباطن القدم لا تكون دخيلة في ذلك لأن النعل العربية يجوز الإحرام فيها قطعا مع أنّها ساترة

لباطن القدم فتبقى الساترية للظاهر و لمقدار من السّاق و عليه فكل ما يكون واجدا للوصفين لا يجوز لبسه في حال الإحرام فيخرج الشمشك أيضا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 97

..........

______________________________

لما عرفت لكن يستفاد من الجواهر شبهة تحقق الإجماع على عدم مدخلية الساترية للسّاق فيكون موضوع الحكم- ح- ما يستر ظهر القدم كما في المتن و غيره.

الجهة الثانية: انه حيث يكون الخف و الجورب ساترين لجميع ظهر القدم فمقتضى التعدّي عنهما الى غيرهما الحكم بحرمة كلّ ما يستر الجميع و امّا ما يستر البعض فقط و لو كان هو الأكثر فلا دليل على حرمته، فما عن الرّوضة من ان الظاهر ان بعض الظهر كالجميع إلّا ما يتوقف عليه لبس النعلين، لا مجال له أصلا لعدم الدليل على ان حكم البعض حكم الكلّ و لعلّه توهم ان الحكم انحلالي كما في باب العموم الاستغراقي الذي يكون لكل فرد من الأفراد حكم مستقلّ و له موافقة و مخالفة كذلك مع ان الظاهر في المقام تعلّق حكم واحد بستر الجميع على سبيل العموم الاستيعابي و لا يكون له إلّا موافقة واحدة و مخالفة كذلك.

ثم انه لم يعلم انّ مراده من المستثنى خصوص ما يتوقف عليه لبس النعلين أو مقدار ذلك و لو كان في غير النعلين.

الجهة الثالثة: انه هل يكون الحكم مختصّا بالرجال أو يعم النساء أيضا ظاهر مثل المحقق في الشرائع و هو كثير من الفتاوى حيث لم يقع في كلامه تقييد الحكم بالرجل عدم الاختصاص و الإمكان اللازم التقييد كما في لبس المخيط.

و يدلّ على العموم انّ الموضوع للحكم بالحرمة في الروايات هو عنوان «المحرم» بنحو الإطلاق أو العموم و

على كلا التقديرين يشمل النساء و ظاهره انّ الحرمة مترتبة على نفس الإحرام من دون فرق بين ان يكون المتصف به هو الرجل أو المرأة نعم في بعض الروايات، ذكر عنوان «الرجل» كما في رواية أبي بصير و لكنه ذكر بعض الأعاظم قدّس سرّهم انه لا يتحقق في المقام ضابطة باب الإطلاق و التقييد المقتضية لحمل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 98

..........

______________________________

الأول على الثاني لعدم التنافي الموجب للحمل و كونهما مثبتين و قد حكى ذلك عن المبسوط و النهاية و أظهر منهما الوسيلة، نعم جزم بالاختصاص الشهيد حاكيا له عن الحسن.

و لكن يدلّ على الاختصاص مضافا الى ان السيرة العملية في النساء و المتشرعات عدم رعاية هذا الأمر بل ستر الجميع بالجورب و نحوه و لم يعلم الاعتراض عليهن بوجه و الى ان مذاق الشرع في باب النساء ربما لا يلائم مع إظهار ظاهر القدم مثل صحيحة عيص بن القاسم قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين «1».

نظرا الى ظهور المستثنى في جواز لبس النساء ما شاءت من الثياب و دلالة المستثنى على كون القفازين اللذين هما لباس اليدين ثيابا و إلّا يلزم ان يكون الاستثناء منقطعا و هو خلاف الظاهر و من المعلوم انه لا فرق بين لباس اليدين و لباس الرجلين كالجوربين من هذه الجهة أصلا فتخصيص المستثنى بلباس اليدين ظاهر في كون لباس الرجلين و القدمين داخلا في المستثنى منه كما ان استثناء الحرير دليل على ان المستثنى منه عام من حيث المادة و الهيئة نعم قد عرفت الخلاف في جواز لبس النساء للحرير في

حال الإحرام و ان كان الظاهر الاتفاق على الجواز في حال الصلاة.

و يؤيد الاختصاص ما ربما يحتمل أو يقال في أصل المسألة من ان حرمة لبس الخف و الجورب سواء قيل بالاختصاص أو بالتعدي انّما هي من أجل كونهما مخيطا أو شبه مخيط لا لأجل نفس العنوانين و قد تقدم في باب حرمة لبس المخيط الاختصاص بالرجال و لكن هذا الكلام أو الاحتمال مردود بظهور الفتاوى و النصوص في كون لبس

______________________________

(1) أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 99

..........

______________________________

الأمرين محرّما مستقلا و غير مرتبط بلبس المخيط و ان كان الخف مخيطا و الجورب شبه مخيط لكن الحرمة ليست لأجل ذلك بل لأجل العنوانين بنفسهما أو من جهة كونهما ساترين لظهر القدم.

نعم لازم ما ذكرنا، ان لبس أحد الأمرين يوجب تحقق عنوانين محرّمين و لا بأس بالالتزام به و ترتيب آثار كليهما من الكفارة و غيرها كما لا يخفى.

و كيف كان الظاهر ما في المتن بالاختصاص كما في لبس المخيط و ان كانا أمرين مستقلين من الأمور المحرّمة في باب الإحرام.

الجهة الرّابعة: في ثبوت الكفارة في لبس ما يستر ظهر القدم و عدمه صريح المتن و ظاهر الفتاوى باعتبار عدم التعرض لثبوت الكفارة في المقام و هو العدم نعم حكى عن جماعة القول بثبوت الكفارة كما انّ ظاهر الروايات المتقدمة الواردة في أصل المسألة أيضا ذلك لعدم التعرّض له فيها أصلا و لكن الظاهر انّ ثبوت الكفارة لو لم يكن أقوى لكان مقتضى الاحتياط الوجوبي.

و ذلك لأن رواية علي بن جعفر المتقدمة التي ربما يمكن ان يستدلّ بها لثبوت الكفارة في كل محرّم

إحرامي و ان كانت ضعيفة من حيث السّند و غير تامة من حيث الدلالة للدوران بين «خرجت» و «جرحت» إلّا ان هنا روايتان صحيحتان و ان كان الظاهر وحدتهما و كونهما رواية واحدة تدلان على ثبوت دم شاة في المقام و هما صحيحة زرارة بن أعين قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول من نتف إبطه، أو قلّم ظفره، أو حلّق رأسه، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة «1».

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 100

..........

______________________________

و صحيحته الأخرى عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمدا فعليه دم «1».

و الظاهر كما عرفت وحدة الروايتين خصوصا مع كون الراوي عن زرارة في كلتيهما هو علي بن رئاب، و الراوي عن ابن رئاب هو الحسن بن محبوب، و مقتضى إطلاق قوله عليه السّلام لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه الشمول للمقام كما انه يشمل لبس المخيط و قد مرّ انه لا مجال للمناقشة في إطلاق الثوب على مثل الخف و الجورب بعد إطلاقه على القفازين في صحيحة عيص المتقدمة، لأنه لا فرق بين لباس اليدين و الرجلين من هذه الجهة، و إطلاق الدم في الرواية الثانية ينصرف الى دم الشاة كما في جميع الروايات المطلقة الواردة في الكفارة و عليه فالأحوط لو لم يكن أقوى ثبوت الكفارة في

المقام.

الجهة الخامسة: في انه لا مجال للإشكال في جواز لبس الخفين في صورة الاضطرار الذي من مصاديقه عدم وجود النعلين له و يدلّ على الجواز مضافا الى انه مقتضى حديث الرفع كثير من الروايات الواردة في خصوص المقام، لكن حيث ان بعضها يدل على أمر زائد و هو لزوم شقّ ظهر القدم في صورة لبس الخفين فالبحث يقع في أمرين:

أحدهما انّ الشق المذكور هل هو واجب أو مستحب. فنقول امّا من جهة الفتاوى فقد ذكر المحقق في الشرائع بعد نقل القول بوجوب الشق: و هو متروك، و هو كما في الجواهر يشعر بالإجماع على العدم كما حكى التصريح به عن ابن إدريس لكن المحكىّ عن المبسوط و الوسيلة و الجامع لابن سعيد و العلّامة في المختلف و الشهيدين في

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 101

..........

______________________________

الدروس و المسالك و المحقق الكركي في حاشية الشرائع، هو القول بالوجوب و ظاهر المتن، ثبوته بنحو الاحتياط الوجوبي، و كيف كان فالظاهر ثبوت الشهرة على العدم.

و امّا من جهة الروايات فمقتضى ظهور روايتي أبي بصير و محمد بن مسلم المتقدمتين الوجوب و بهما يقيّد إطلاق سائر الروايات الواردة في المقام و لا مجال لدعوى انّ وقوع المطلقات في مقام البيان يمنع عن عروض التقييد لها فانّ جميع موارد حمل المطلق على المقيّد يكون المطلق فيها واردا في مقام البيان لأنه لا مجال لحمل الكلام الذي كان مجملا أو مهملا على التقييد، فلا تنبغي المناقشة من هذه الجهة أصلا.

نعم الإشكال في الروايتين انّما هو من جهة السّند فإن الراوي عن أبي بصير هو علي بن أبي

حمزة البطائني الكذاب المعروف و الرواية الثانية رواها الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم و سنده اليه ضعيف كما قرّر في محلّه و حيث انّ الشهرة على عدم الوجوب كما عرفت فلا يكون في البين جابر لضعف الخبر و لعلّ من قال بالوجوب تخيّل ان رواية محمد بن مسلم صحيحة كما وقع التعبير عنها بها في تقريرات بعض الأعاظم قدّس سرّهم و كيف كان فلا مجال للفتوى بالوجوب و لا لجعله مقتضى الاحتياط الوجوبي، بل غاية الأمر الاستحباب لقاعدة التسامح في أدلّة السّنن.

ثانيهما في المراد من عنوان الشقّ سواء كان واجبا أو مستحبّا فنقول بان العنوان المأخوذ في الفتاوى و الكلمات مختلف، فعن الشيخ في المبسوط: يشقّ ظهر قدميهما.

و عن الخلاف يقطعهما حتى يكون أسفل من الكعبين، و مثله ما عن ابن الجنيد حيث قال: يقطعهما إلى أسفل الكعبين. و عن ابن حمزة انه يشقّ ظاهر القدمين، و ان قطع الساقين كان أفضل. و ظاهره ان المراد بالطرف الثاني الذي جعله أفضل هو القطع من دون شقّ فيدلّ- كما في الجواهر- على ثبوت المغايرة بين العنوانين، غاية الأمر ثبوت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 102

..........

______________________________

التخيير و كون القطع أفضل الفردين.

لكن فيها ان ظاهر المنتهى و التذكرة كون الشّق هو القطع حتى يكونا أسفل من الكعبين الذي رواه العامة بل حكى عن الفاضل في التحرير و موضع من المنتهى و التذكرة القطع بوجوب هذا القطع، و عن موضع آخر من المنتهى انه أولى خروجا من الخلاف و أخذا بالتقيّة.

و كيف كان فالعنوان المأخوذ في روايتي أبي بصير و محمد بن مسلم هو الشقّ الذي ظاهره عدم قطع شي ء من الخفين،

بل إزالة الهيئة الاتصالية بالإضافة إلى ظهره من دون ان ينقص منه شي ء لكن في رواية مرسلة: لا بأس للمحرم إذا لم يجد نعلا و احتاج ان يلبس خفّا دون الكعبين «1». كما ان في النبوي العامي: فان لم يجد نعلين فليلبس خفين و ليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين «2». و مقتضى هاتين الروايتين قطع الساق من الخفين، بل مقدار من ظهرهما حتى يكونا أسفل من الكعبين. و من الواضح ثبوت المغايرة بين العنوانين فان قلنا بالاستحباب فلا مانع من كون المستحب أحد الأمرين أخذا بنحو التخيير بجميع الروايات الواردة في هذه الجهة.

و ان قلنا بالوجوب يشكل الأمر فإن المستند- ح- ليس إلّا رواية محمد بن مسلم التي وقع التعبير فيها بشقّ ظاهر القدم و حمل الشقّ على القطع أو الأعم منه ممّا لا سبيل اليه، بعد عدم اعتبار سائر الروايات، بل لا محيص عن الالتزام بلزوم الشقّ بالمعنى الذي ذكرنا. نعم لو قطع الساق و بعض الظهر لا يبقى إشكال في جواز الاكتفاء به، لعدم كونه ساترا لظهر القدم، لكن البحث انّما هو في لزومه و لو على نحو الوجوب التخييري.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الأربعون، ح 2.

(2) السنن الكبرى للبيهقي 5: 51.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 103

[العاشر: الفسوق و لا يختص بالكذب]

العاشر: الفسوق و لا يختص بالكذب بل يشمل السباب و المفاخرة أيضا، و ليس في الفسوق كفّارة بل تجب التوبة عنه، و يستحب الكفارة بشي ء و الأحسن ذبح بقرة (1).

______________________________

ثم انّ هنا شبهة و هي انّه على تقدير كون الواجب هو الشقّ بالمعنى المذكور يكون لازمة عدم تحقق ستر ظاهر القدم و مع عدمه لا معنى

لتعليق جواز لبس الخف مقيّدا بالشقّ بعدم وجدانه النعل.

و بعبارة أخرى لا يكون جواز لبسه مشروطا بالاضطرار بل يجوز في حال الاختيار و وجدان النعل أيضا، مع انك عرفت ثبوت التعليق في الفتاوى و النصوص.

و الجواب امّا على مبنى كون العنوانين و هما الخفّ و الجورب لهما موضوعية و مدخلية في ثبوت أصل الحكم بالحرمة كما اختاره بعض الأعاظم على ما تقدم فواضح لأن الشقّ و ان كان يوجب خروج ظاهر القدم عن المستورية إلّا انه لا يوجب زوال عنوان الخفيّة- مثلا- فهو بعد الشق أيضا يكون خفّا لا يجوز لبسه إلّا في حال الضرورة.

و امّا على المبنى الآخر الذي اخترناه و هو عدم ثبوت الموضوعية للعنوانين و كون المحرّم هو كل ما يستر ظهر القدم و لو كان مثل الشمشك فالجواب ان يقال امّا بعدم كون الشقّ مستلزما لخروج ظاهر القدم عن المستورية فإن مرجع الشقّ إلى إزالة الهيئة الاتصالية المتحققة في ظهر الخفّ، و هذا لا يوجب ظهور ظاهر القدم بوجه.

و امّا بانّ الشقّ و ان كان مستلزما لما ذكر إلّا انه يكفي في المنع كون الخف موضوعا لستر ظاهر القدم، و من شأنه ان يكون كذلك فهذا المقدار يكفي في ثبوت متعلق الحرمة و ان لم تكن مستوريّة بالفعل فتدبّر.

(1) قد نفى صاحب الجواهر وجدان الخلاف في حرمته قال بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكي منه مستفيض كالنصوص مضافا الى الكتاب.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 104

..........

______________________________

و مراده من الكتاب قوله تعالى فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ «1» و التعبير فيه و ان كان بصورة الجملة النافية لكن المراد منه النهي الذي

هو مفاد الجملة الإنشائية و دلالته على النهي أقوى من دلالة صيغة «لا تفعل» كما قد قرر في محلّه و قد حمل بعض المشايخ من المعاصرين قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: لا ضرر و لا ضرار في الإسلام على مثل هذه الآية و ان المراد منه النهي التكليفي عن الضرر و الضرار استشهادا بهذه الآية.

و كيف كان فلا تنبغي المناقشة في كون المراد من الآية هو النهي و التحريم و موردها و ان كان هو الحج خصوصا بقرينة تفريعه على قوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ .. إلّا ان الظاهر و لو بقرينة عدم الفصل قطعا انه لا فرق بين الحج و بين العمرة و فيها بين عمرة التمتع و العمرة المفردة فالحرمة المذكورة مرتبطة بالإحرام كسائر محرمات الإحرام.

ثم انّ المهم في هذا الأمر معنى الفسوق و مفاده و ظاهر الكلمات انه محلّ اختلاف جدّا.

فعن المقنع و النهاية و المبسوط و الاقتصاد و الجامع و النافع و ظاهر المقنعة و الكافي و صريح الشرائع و المحكي عن تفسير علي بن إبراهيم بل المنسوب الى المشهور ان الفسوق هو الكذب و قد اختاره صاحبا الحدائق و المدارك و كون الكذب محرّما في غير حال الإحرام أيضا يوجب تأكد الحرمة في حال الإحرام أيضا يوجب تأكد الحرمة في حال الإحرام و شدّتها.

و عن الجمل و العقود انه الكذب على اللّٰه تعالى.

و عن الغنية و المهذب و الإصباح و الإشارة أنه الكذب على اللّٰه تعالى و رسوله أو

______________________________

(1) البقرة: 193.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 105

..........

______________________________

أحد الأئمة- عليهم الصلاة و السلام- كما في باب الصوم.

و عن جمل العلم

و العمل و المختلف و الدروس انه الكذب و السباب و اليه يرجع ما عن الحسن من انه الكذب و البذاء و اللفظ القبيح.

و عن تبيان الشيخ الطوسي و فقه القرآن للراوندي ان الاولى حمله على جميع المعاصي التي نهى المحرم عنها. و الظاهر انّ مرادهما منها محرّمات الإحرام مطلقا و لو لا الروايات الواردة في تفسير الفسوق لكانت الآية بنفسها شاهدة على بطلان هذا القول لانّه لا يبقى- ح- مجال لعطف الفسوق على الرفث و لا لعطف الجدال على الفسوق إلّا بضرب من التوجيه. و اختار صاحب الجواهر ان الفسوق عبارة عن الكذب و السباب و المفاخرة مثل ما في المتن.

و حكى انه قد حكى الشهيد قدّس سرّه في بعض حواشيه انه عبارة عن المفاخرة خاصّة.

و المهمّ ملاحظة الروايات الواردة في هذا المجال فنقول المعتبرة منها روايتان:

إحداهما صحيحة علي بن جعفر قال: سألت أخي موسى عليه السّلام عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو؟ و ما على من فعله؟ فقال: الرفث: جماع النساء، و الفسوق الكذب و المفاخرة، و الجدال قول الرجل لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه الحديث «1».

ثانيتهما صحيحة معاوية بن عمّار و هي على ما رواه الشيخ بطريقين صحيحين عنه قال قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّٰه و ذكر اللّٰه و قلّة الكلام إلّا بخير، فان تمام الحج و العمرة ان يحفظ المرء لسانه إلّا من خير كما قال اللّٰه- عزّ و جلّ- فان اللّٰه يقول: فمن فرض فيهنّ الحج فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج فالرفث

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الثلاثون، ح 4.

تفصيل الشريعة في

شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 106

..........

______________________________

الجماع، و الفسوق الكذب و السباب، و الجدال قول الرجل لا و اللّٰه بلى و اللّٰه «1».

و على ما رواه الكليني أيضا بسندين صحيحين أيضا عنه قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام و ذكر مثل ما في رواية الشيخ و زاد: و قال اتّق المفاخرة، و عليك بورع يحجزك عن معاصي اللّٰه فان اللّٰه- عزّ و جلّ- يقول ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: من التفث ان تتكلم في إحرامك بكلام قبيح فإذا دخلت مكّة و طفت بالبيت تكلمت بكلام طيب فكان ذلك كفارة، قال: و سألته عن الرجل يقول: لا لعمري و بلى لعمري قال ليس هذا من الجدال و انّما الجدال لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه «2».

قال في الوسائل بعده و رواه الصدوق بإسناده عن معاوية بن عمّار مثله من قوله:

اتق المفاخرة إلى قوله فكان ذلك كفارة لذلك.

و ليس في نقل الصدوق بل و لا في نقل الكليني اشعار فضلا عن الدلالة بكون لزوم اتقاء المفاخرة مرتبطا بلزوم الاجتناب عن الفسوق حتى تكون المفاخرة داخلا في معناه أيضا و يؤيده عطف قوله: و عليك بورع يحجزك عن معاصي اللّٰه على قوله: اتق المفاخرة و عليه فصحيحة معاوية بن عمار على النقلين الأولين ظاهرة في ان المراد بالفسوق هو الكذب و السباب فقط كما ان الصحيحة المتقدمة ظاهرة في ان المراد به هو الكذب و المفاخرة فبينهما التعارض حسب الظاهر.

و حكى عن المدارك ان الجمع بين الصحيحين يقتضي المصير الى الفسوق هو الكذب خاصة لاقتضاء إحديهما نفي المفاخرة و الأخرى نفي السباب و

لكنه عن

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الثلاثون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الثلاثون، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 107

..........

______________________________

الحدائق أنهما متفقتان في الكذب و متعارضتان في المفاخرة و السباب و لازم التعارض التساقط و الأخذ بما هو المتفق عليه بينهما و هو الكذب.

و يؤيده بعض الروايات الظاهرة في ان الفسوق هو الكذب خاصة و ان كانت مخدوشة من حيث السند مثل رواية زيد الشحام الضعيفة بالمفضل بن صالح قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرفث و الفسوق و الجدال قال: امّا الرفث فالجماع، و امّا الفسوق فهو الكذب ألا تسمع لقوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهٰالَةٍ، و الجدال هو قول الرجل لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه و سباب الرجل الرجل «1».

و مرسلة العيّاشي في تفسيره عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في قول اللّٰه- عزّ و جلّ- الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ فالرفث الجماع و الفسوق الكذب و الجدال قول الرجل لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه «2».

و يغلب على الظن ان هذه المرسلة هي صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة و ان لم تكن مشتملة على ذكر السباب و ما عن الفقه الرضوي من ان الفسوق الكذب فاستغفر اللّٰه عنه و تصدّق بكف من طعام «3».

و يرد على صاحبي الحدائق و المدارك انّ المعارضة بين المنطوق من الصحيحتين و المفهوم من الأخرى لا بين المنطوقين لأنّهما مثبتان و لا منافاة

بينهما بل التنافي بين المفهوم الذي هي قضية سالبة مع المنطوق من الآخر و الدلالة على المفهوم انّما هي من جهة الوقوع في مقام التحديد و التعريف الظاهر في سلب الغير و نفيه، فمفهوم احدى

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الثلاثون، ح 8.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الثلاثون، ح 9.

(3) المستدرك، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 108

..........

______________________________

الصحيحتين خروج المفاخرة و مفهوم الأخرى خروج السباب و حيث ان الدلالة المفهومية انّما هي بالظهور و من باب الإطلاق فاللازم رفع اليد عنها بالمنطوق الذي هو الأظهر و من باب التقييد، و عليه فيتحصّل انّ الفسوق يكون عبارة عن الأمور الثلاثة الكذب و السباب و المفاخرة كما في المتن تبعا لصاحب الجواهر.

ثم ان المفاخرة تكون على قسمين، لأنها تارة تكون لإثبات فضيلة لنفسه مع استلزام الحطّ من شأن الآخرين و بيان وجود منقصة فيهم أو سلب رذيلة عن نفسه مع الاستلزام المذكور و هذا يكون محرّما في غير حال الإحرام أيضا.

و اخرى تكون لمجرد إثبات الفضيلة أو سلب الرذيلة عن نفسه من دون نظر الى الغير و لا يكون فيه الاستلزام المذكور فيه أصلا.

ربما يقال كما حكى عن العلّامة في المختلف انّ القسم الأوّل من المفاخرة مرجعه الى السباب و لا تكون منفكة عنه فلا تكون مغايرة معه.

و لكن الجواب منع عدم الانفكاك فإن جملة من الفضائل لا تكون إثباتها للنفس و لو كان مستلزما لتنقيص الغير و حطّا من شأنه و ماسّا لكرامته لا ينطبق عليه عنوان السباب الذي كان له معنى عرفي خاص فإن إثبات الاجتهاد- مثلا-

لنفسه بنحو يكون مستلزما لسلب هذه المرتبة عن الغير و فرض كون السلب عنه منقصة بالإضافة إليه لا يعدّ سبابا بوجه.

كما انه ذكر بعض الأعلام قدّس سرّهم ان القسم الثاني من المفاخرة فلو فرض صدق عنوانها عليه لا بدّ من إخراجه من المفاخرة الممنوعة في حال الإحرام لأنه لا يحتمل حرمة هذا النحو من المفاخرة مع ان الصحيحة في مقام تفسير الفسوق و الخروج عن الجادة المستقيمة و هذا القسم من المفاخرة ليس من الفسوق و لا ينطبق عليه هذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 109

..........

______________________________

العنوان.

و يرد عليه ان منشأ عدم الاحتمال ان كان هو مجرد عدم الحرمة في غير حال الإحرام فكثير من محرمات الإحرام لا يكون محرّما في غير حال الإحرام بل ربما يكون مستحبا كالنظر في المرآة و غيره و ان كان هو عدم انطباق عنوان الفسوق عليه.

فالروايتان ظاهرتان في عدم كون المراد بالفسوق معناه اللغوي و العرفي الذي يرجع الى جميع المعاصي المخرجة للفاعل أو التارك عن حجر الشرع و الجادة المستقيمة الإلهية. و عليه فلا مانع من ان تكون المفاخرة بهذا النحو داخلة في الفسوق المحرم في حال الإحرام و ان لم تكن محرمة في نفسها فتدبّر.

بقي الكلام في هذا الأمر في ثبوت الكفارة فيه و عدمه و ظاهر الجواهر مضافا الى عدم حكاية القول بالثبوت من أحد ادّعاء القطع بالعدم، لكن ذهب صاحب الوسائل إلى الثبوت حيث قال في عنوان الباب الثاني من أبواب بقيّة كفارات الإحرام: باب انه يجب على المحرم في تعمّد السباب و الفسوق بقرة و المحكي عن الحدائق أيضا الوجوب لكن في صورة اجتماع السباب و الكذب لا عند

انفراد كل منهما على الآخر.

و مستند الوجوب صحيحة سليمان بن خالد قال سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول:- في حديث- و في السباب و الفسوق بقرة و الرفث فساد الحجّ «1».

و لا خفاء في ظهورها في ثبوت كفارة البقرة في السباب و الفسوق و ظاهرها الثبوت في كل واحد منهما مستقلّا و منفردا لا عند اجتماعهما سيّما على القول بان عطف الفسوق على السباب انّما هو من قبيل ذكر العام بعد الخاص الذي يوجد حتى في الاستعمالات القرآنية كذكر الخاص بعد العام، فإنه على هذا التقدير مجال لاحتمال

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 110

..........

______________________________

مدخلية الاجتماع بوجه.

نعم على القول بان ظهور العطف في المغايرة يقتضي ان يكون المراد بالفسوق هو الكذب لما مرّ في بعض الروايات من تفسيره بخصوص الكذب مستشهدا بآية النبإ، يمكن القول بمدخلية الاجتماع في الثبوت لكنه أيضا خلاف الظاهر و ما هو المتفاهم عند العرف.

و تظهر ثمرة الاحتمالين أيضا في ثبوت الكفارة في المفاخرة التي هي القسم الثالث من أقسام الفسوق فإنه على التقدير الأول تثبت الكفارة فيه بخلاف التقدير الثاني و كيف كان فلا إشكال في دلالة الرواية على ثبوت الكفارة كما انها تدلّ على عدم تحقق الفساد للحج بسبب الفسوق و ان الفساد انّما يترتب على الرفث خلافا لما حكى عن المفيد قدّس سرّه من ان الكذب مفسد للإحرام.

و في مقابلها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال أ رأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال: لم يجعل اللّٰه له حدّا يستغفر اللّٰه و يلبّي «1». قال في الوسائل بعد

نقل هذه الرواية: هذا محمول على عدم التعمّد لما مرّ من عدم وجوب الكفارة على غير العامد إلّا في الصّيد.

هذا و لكن الظاهر عدم تمامية هذا الحمل لأنّ ظاهر الرواية عدم تحقق جعل الحدّ من اللّٰه تعالى في مورد الفسوق و هذا لا يلائم مع الجاهل الذي لا يكون خارجا عن دائرة الجعل على تقديره بل يكون الحكم مرفوعا و موضوعا فالرواية الدالة على عدم الجعل ظاهرة في عدم ثبوت الكفارة رأسا مضافا الى ان التعبير بالابتلاء و الحكم بوجوب الاستغفار لا يلائمان مع الجهل فلا تنبغي المناقشة في ظهور الرواية في العدم

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 111

[الحادي عشر: الجدال]

اشارة

الحادي عشر: الجدال و هو قول: لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه، و كل ما هو مرادف لذلك في أيّ لغة كان إذا كان في المقام إثبات أمر أو نفيه، و لو كان القسم بلفظ الجلالة أو مرادفه فهو جدال، و الأحوط إلحاق سائر أسماء اللّٰه تعالى كالرحمن و الرحيم و خالق السماوات و نحوها بالجلالة، و امّا القسم بغيره تعالى من المقدسات فلا يلحق بالجدال (1).

______________________________

مطلقا، غاية الأمر وجوب الاستغفار و التلبية التي لم يقل أحد بوجوبها.

و ذكر بعض الاعلام قدّس سرّهم ان الصحيح حمل صحيحة سليمان بن خالد على الاستحباب لصراحة صحيح الحلبي في عدم الوجوب كما تحمل لذلك صحيحة علي بن جعفر عليه السّلام المروية عن قرب الاسناد أيضا الدالة على التصدّق بشي ء على الاستحباب فقد روى علي بن جعفر عليه السّلام عن أخيه موسى عليه السّلام و كفارة الفسوق شي ء يتصدق به إذا فعله و هو

محرم. و في نسخة اخرى: و كفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله و هو محرم «1».

أقول الظاهر انه لا مجال لحمل صحيحة سليمان بن خالد على الاستحباب بعد عدم كون التعبير فيها بصيغة أفعل أو بالجملة لخبرية الواردة في مقام بيان التكليف و إفادة حكم إنشائي و ذلك لظهورها في ثبوت الاشتغال الذي هو حكم وضعي و لا معنى فيه للحمل على الاستحباب.

فالحق ان يقال بثبوت المعارضة في البين و عدم إمكان الجمع الدلالي بين الصحيحين و حيث ان الشهرة العظيمة المحققة الفتوائية توافق صحيحة الحلبي فاللازم الأخذ بها و طرح الأخرى. نعم لا مجال للشبهة في حسن الاحتياط و ان مقتضاه ذبح بقرة كما في المتن.

(1) قد وقع التعرّض في هذا الأمر لجهات:

الجهة الاولى: في أصل حرمة الجدال و كونه من محرّمات الإحرام و الظاهر انه

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 112

..........

______________________________

لا ريب فيه نصّا و فتوى و الأصل فيه قوله تعالى فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ بالتقريب المتقدم في الفسوق.

الجهة الثانية: في معنى الجدال المحرّم بعد كون معناه اللغوي و العرفي هو المخاصمة و المنازعة و قد ورد بهذا المعنى في الكتاب في مواضع متعددة مثل قوله تعالى وَ جٰادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.

و لكن الروايات المستفيضة الواردة في هذا المجال تدلّ على ان المراد من الجدال المحرّم في الحج هو قول: لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه و في بعضها كلمة «إنّما» الدالة على الحصر و انه ليس الجدال غيره. و اللازم البحث في ان المحرم هل هو نفس هذا القول على

الإطلاق و في كل مورد أو انه يحرم في موارد خاصة فنقول:

انّه لا شبهة في عدم كون نفس التلفّظ بهذا اللفظ محرّما إذا لم يكن في مقام الخصومة و النزاع بل و لا في مقام إثبات أمر أو نفيه بحيث كان من قبيل الأذكار المستحبة التي يستحب التلفظ بها فكما ان التلفظ بكلمة لا إله إلّا اللّٰه- مثلا- مستحب كذلك التلفظ بهذا القول في حال الإحرام يكون محرّما و ذلك لأنّه مضافا الى عدم فهم العرف من الروايات المفسّرة له بما ذكر ما يشمل هذه الصورة قد وقع التعبير عن الجدال بالحلف في بعض الروايات الآتية و من الواضح ان الحلف أمر إنشائي يعتبر فيه القصد و لا يكفي مجرّد اللفظ الخالي عن قصد معناه فهذه الصورة خارجة قطعا.

كما انه لا شبهة في كون القول المزبور في مقام الخصومة و النزاع للإثبات و النفي جدالا و انه هو القدر المتيقن من معنى الجدال و لم يناقش فيه أحد.

إنّما الإشكال فيما إذا كان القول المزبور في غير مورد المخاصمة بل واقعا في مقام الجواب عن السؤال- مثلا- كما إذا سئل عنه هل أنت مجتهد فقال بلى و اللّٰه أو سئل عنه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 113

..........

______________________________

هل تحبّ زيدا- مثلا- قال لا و اللّٰه بحيث لم تكن مخاصمة في البين بل نفي أو إثبات مؤكّد باليمين المزبورة و مقرونا معها، فان قلنا بكون هذه الصورة أيضا جدالا فاللازم الالتزام بثبوت الحقيقة الشرعية للجدال مغايرة لما هو مقتضى المعنى اللغوي أو العرفي أو ان الاستعمال الشرعي يكون بهذه الكيفية، و ان لم نقل بثبوت الحقيقة الشرعية و ان لم نقل بكون

هذه الصورة جدالا يصير الجدال المحرّم على المحرم بعض مصاديق الجدال اللغوي كما في الفسوق.

يظهر من صاحب الغنية القول الأوّل حيث ان المحكي عنه انه قال بعد ذكر ان الجدال من محرّمات الإحرام: «و هو عندنا قول لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه بدليل إجماع الطائفة و طريقة الاحتياط، و قول المخالف: ليس في لغة العرب ان الجدال هو اليمين ليس بشي ء لأنه ليس يمتنع أن يقتضي العرف الشرعي ما ليس في الوضع اللغوي كما تقوله في لفظ الغائط» و مراده من المقيس عليه انه كما ان لفظ الغائط معناه اللغوي عبارة عن الأرض المنخفضة مع ان المراد منه في الشريعة ما يخرج من الدّبر كذلك الجدال.

و يؤيّده بعض الروايات الظاهرة في ان الجدال هي اليمين كما حكاه صاحب الغنية عن المخالف ففي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام بعد تفسير الجدال بقول الرجل لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه قال: و اعلم ان الرجل إذا حلف بثلاثة ايمان و ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه و يتصدّق به، و إذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل و عليه دم يهريقه و يتصدّق به قال: و سألته عن الرجل يقول: لا لعمري و بلى لعمري فقال: ليس هذا من الجدال و انّما الجدال قول الرجل لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه «1». و قرينة المقابلة تقتضي بأن المراد بالحلف بثلاثة أيمان هو الحلف صادقا و على أيّ حال

______________________________

(1) أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأوّل، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 114

..........

______________________________

فالرواية ظاهرة في ان اليمين

هو الركن الاساسي في معنى الجدال المحرّم على المحرم و مثلها موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا حلف الرجل ثلاثة ايمان و هو صادق و هو محرم فعليه دم يهريقه و إذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل فعليه دم يهريقه «1». و ليس المراد اختصاص الجدال بصورة الكذب كما هو ظاهر.

الجهة الثالثة: هل يعتبر في الجدال مضافا الى اليمين التي عرفت انّها الركن الاساسي فيه، اشتماله على احدى الكلمتين: لا و بلى أم يكفي فيه مجرد اليمين و لو كانت خالية عنهما، قولان: ظاهر المشهور هو الأوّل و المحكي عن صريح المحقق في النافع و الشهيد في الدروس هو الثاني و هو ظاهر المتن فان المراد بقوله و لو كان القسم بلفظ الجلالة أو مرادفه فهو جدال، هو القسم الخالي عن الكلمتين، و إلّا لا يكون مغايرا مع تفسيره للجدال بقول: لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه كما هو ظاهر.

و يدلّ على ما هو المشهور، ظاهر الروايات الكثيرة المفسّرة للجدال بالقول المذكور المشتمل على احدى الكلمتين، فإنه لو لم يكن لهما مدخلية في معنى الجدال لما كان وجه لذكرهما في تعريفه خصوصا بعد ما عرفت من مغايرة معناه الشرعي للمعنى اللغوي و العرفي المقتضية للاقتصار على خصوص ماله الدخل في معناه و عدم ذكر ما ليس له مدخلية.

و بالجملة لا شبهة في ان ظاهر الروايات المفسرة بالقول المذكور، مدخلية إحدى الكلمتين خصوصا ما اشتمل منها على مثل كلمة «انّما».

لكنه ربما يقال بانّ مثل الروايتين المتقدمتين أنفا في الجهة الثانية ظاهرة ان الجدال مجرد الحلف من دون مدخلية شي ء من الكلمتين فيه حيث انّ مقتضاهما ان

______________________________

(1) الوسائل، أبواب

بقية كفارات الإحرام، الباب الأول، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 115

..........

______________________________

الحلف بثلاثة أيمان ولاء صادقا جدال يترتب عليه الكفارة و بواحدة كاذبا أيضا كذلك.

و الحقّ انّ التأمل فيهما يقضي ببطلان هذا القول فإنّ صحيحة معاوية بن عمار قد اشتمل صدرها و ذيلها على تفسير الجدال بالقول المخصوص و عليه فالمراد بالحلف الواقع في الشرطيتين هو الحلف المعهود المذكور أوّلا المشتمل على احدى الكلمتين لا الحلف المطلق الشامل لما يكون غير مقرون بشي ء منهما و يؤيده سؤال الراوي في الذيل عن ان قول لا لعمري و بلى لعمري هل يكون جدالا أم لا، فإنه ظاهر في ثبوت المفروغية عنده بالإضافة إلى مدخلية إحدى الكلمتين، غاية الأمر انه كان من المحتمل عنده ان تغيير القسم بالجلالة بالقسم المذكور أيضا يوجب تحقق الجدال فأجاب عليه السّلام بالنفي، و امّا الموثقة فلا تكون بصدد تفسير الجدال بل بصدد التفصيل في الجدال الموجب للكفارة بين الصادق و الكاذب من جهة التعدد و عدمه و إلّا فاللازم الالتزام بعدم كون اليمين الصادقة جدالا أصلا إلّا إذا بلغت ثلاثا، و هو مع كونه مخالفا لسائر الروايات، لم يقل به أحد، فاللازم ان يقال بعدم كونهما في مقام بيان معنى الجدال بل ذكره انّما هو تمهيد لثبوت الكفارة المترتبة عليه و التفصيل بين صورتي الصدق و الكذب.

ثم انّ لمعاوية بن عمّار صحيحة أخرى ظاهرها ما ذكرنا من كون المفروغ عنه عنده لزوم اشتمال الجدال على احدى الكلمتين قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل يقول لا لعمري و هو محرم قال: ليس بالجدال انّما الجدال قول الرجل: لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه،

و امّا قوله: لا ها فإنما طلب الاسم و قوله: يا هناه فلا بأس به و امّا قوله: بل شانيك فإنّه من قول الجاهلية «1».

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الثلاثون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 116

..........

______________________________

و قد وقع شرح ذيل الرواية في كلام العلّامة المجلسي قدّس سرّه في كتاب: «ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الاخبار» قال ما لفظه: «قوله: لا ها، يمكن ان يكون المراد الحلف ب «لاه» و هو من أسمائه تعالى بل قال سيبويه أن الجلالة اشتقت منه فيكون المراد انّهم يطلبون به اسم اللّٰه تعالى و هو من الجدال، أو هو من الحلف و ليس من الجدال. و يمكن ان يكون «لا» حرف نفي و «ها» حرف تنبيه و المراد انّهم يوردون هذا مكان النداء بالاسم للتنبيه الى ان قال: و في النهاية: ها مقصورة كلمة تنبيه للمخاطب ينبّه بها على من يساق اليه الكلام و قد يقسم بها فيقال: لا ها اللّٰه ما فعلت أي لا و اللّٰه أبدلت الهاء من الواو.

و فيه أيضا: يا هنتاه اي يا هذه و في المذكر هنّ و هنان و هنون و لك ان تلحقها الهاء لبيان الحركة فتقول يا هنه و ان تشبع الحركة فتصير ألفا فنقول يا هناه و قيل يا هنتاه يا بلهاء كأنها نسبت إلى قلّة المعرفة بمكايد الناس و شرورهم انتهى.

أقول: لما كانوا يذكرون يا هناه بمعنى يا فلان في صدر الكلام مكررا كان مظنة لأن يتوهم انه قسم فأزال عليه السّلام ذلك الوهم.

قوله: لا بل شانيك الظاهر انه كان لا أب لشانئك كما في الدروس و قولهم لا أب

لشانئك و لا أبا لشانئك أي لمبغضك قال ابن السكيت: «و هي كناية عن قولهم لا أبا لك» كذا ذكره الجواهري. أقول لعلّ مراده انه أسند عدم الأب إلى مبغضة، و المراد نسبته إليه رعاية للأدب فيكون المراد بالخبر الحلف بهذا كان يقول لا أب لشانئك ان لم يكن كذا اي لا أب لك فآل بكثرة الاستعمال الى ما ترى.

و يمكن ان يكون المراد لا أقسم بشي ء هين، بل اقسم بشانيك و الشأنان العرقان المكتنفان بالرأس، فيكون القسم بعرقي رأسه الملزومين لحياته كما في قولهم لعمرك،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 117

..........

______________________________

أو يكون لا نفيا لما ذكره المخاطب و يكون حرف القسم في شانئك مقدرا أو يكون المراد أنا شانئك و مبغضك ان لم يكن كذا و اللّٰه يعلم».

الجهة الرابعة: في انه بعد عدم كفاية مجرد اليمين و لو بصيغتها و هي قول: و اللّٰه في تحقق الجدال و لزوم كونها مقرونة به كلمة «لا» أو «بلى» يقع الكلام في لزوم اعتبار نفس احدى هاتين الكلمتين أو يكفي بيان مؤدّاها و لو كلمة اخرى مثل «ما فعلت» في مقام النفي أو «فعلت» في مقام الإثبات صرّح في الجواهر بالثاني حيث قال: «نعم لا يعتبر لفظ لا و بلى نحو قوله عليه السّلام: انّما الطلاق: أنت طالق فإن صيغة القسم هو قول:

و اللّٰه و امّا لا و بلى فهو المقسوم عليه فلا يعتبر خصوص اللفظين في مؤدّاه و لو بشهادة الصحيح المزبور بل تكفي الفارسية و نحوها فيه و ان لم تكف في لفظ الجلالة فتأمّل جيّدا».

و مراده بالصحيحة ما رواه أبو بصير يعني ليث بن البختري قال: سألته عن المحرم

يريد ان يعمل العمل فيقول له صاحبه و اللّٰه لا تعمله فيقول: و اللّٰه لأعملنّه فيحالفه مرارا يلزمه ما يلزم الجدال؟ قال: لا انّما أراد بهذا إكرام أخيه انما كان ذلك ما كان للّٰه عزّ و جلّ فيه معصية «1».

و يرد عليه انّ مجرد كون صيغة القسم هو قول: و اللّٰه كون الكلمتين هما المقسوم عليهما، لا يقتضي عدم اعتبار خصوص اللفظين إلّا على تقدير ثبوت كون الجدال من مصاديق اليمين، غاية الأمر أنها يمين واقعة في مقام النفي و الإثبات مع انّك عرفت في الجهة الثالثة، ان الحلف و ان كان ركنا اساسيا في معنى الجدال لكن مفهومه المستفاد من الروايات المتعددة المفسرة له هو اليمين التي تتعقب احدى الكلمتين و مقرونة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الثلاثون، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 118

..........

______________________________

بتقدم أحد اللفظين، و عليه فلا يجوز التعدّي عن ظاهر تلك الروايات في مدخلية نفس اللفظتين في المعنى الشرعي للجدال المركب منها و من اليمين، و امّا التشبيه بقوله عليه السّلام انما الطلاق أنت طالق فيرد عليه انّ التوسعة فيه انّما هي لأجل قيام الدليل على جواز توكيل الغير في إجراء صيغته و لو مع عدم حضور الزوجة و على جواز طلاق الزوج الغائب الذي لا يمكن فيه الخطاب بقوله أنت ففي الحقيقة قيام الدليل صار موجبا للحكم بعدم انحصار صيغته الطلاق بما ذكر و لم يقم في المقام دليل على التوسعة حتى يرفع اليد بسببه عن ظاهر الروايات المفسرة كما هو ظاهر.

و امّا الصحيحة فربما يستدلّ بها على ان الجدال مطلق الحلف باللّه تعالى و ما يسمى يمينا و ان

لم تكن مشتملة على احدى الكلمتين أصلا فضلا عن عدم كفاية ما يؤدّى مفادهما نظرا الى ان تعليل نفي الجدال بأنه انّما أراد إكرام صاحبه دون فقد الصيغتين أوضح شاهد على انه لو لا إرادة الإكرام لثبت الجدال بمطلق و اللّٰه كما هو المفروض في السؤال.

و لكن صاحب الجواهر قدّس سرّه أجاب عن هذا الاستدلال، بان التعليل في الصحيح المزبور لا ينافي وجود علّة أخرى، و مراده انه يكفي في جانب النفي عدم وجود شي ء ممّا له مدخلية في الإثبات بخلاف الإثبات الذي يحتاج الى تحقق جميع ماله المدخلية فتعليل النفي بنفي واحد من ذلك لا ينافي وجود علّة أخرى.

و يرد عليه هنا نفس هذا الجواب، و ان التعليل لا يقتضي ما استفاده من عدم اعتبار خصوص اللفظين في مؤدّاة على ان الصحيحة لا تكون في مقام تفسير الجدال حتى يكون لها إطلاق بل في مقام بيان ان الحلف الاكرامي لا مانع منه و لا يترتب عليه ما يترتب على الجدال من الكفارة و الظاهر ان المراد من قوله- ما كان للّٰه فيه معصية- هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 119

[مسألة 24- لو كان في الجدال صادقا فليس عليه كفارة]

مسألة 24- لو كان في الجدال صادقا فليس عليه كفارة إذا كرّر مرتين و في الثالث كفارة و هي شاة، و لو كان كاذبا فالأحوط التكفير في المرّة بشاة و في المرّتين ببقرة و في ثلاث مراتب بدنة بل لا يخلو عن قوّة (1).

______________________________

الجدال المشتمل على احدى الكلمتين الذي يكون محرّما.

و كيف كان فالظاهر اعتبار خصوص اللفظين و منه يظهر ان مثل الفارسية لا يكفي و ان كان مطابقا لمعناه و مرادفا له حقيقة لأن ظاهر الروايات اعتبار

نفس القول المزبور و من خصوصياته، العربية و لا دليل على التعدّي إلى سائر اللغات. نعم مقتضى ما ذكرنا من ان اعتبار يكون واقعا في مقام النفي أو الإثبات ان يكون المحرم عارفا بهذه الخصوصية و ان لم يكن عالما باللغة العربية بوجه. كما ان مما ذكرنا ظهر ان تبديل لفظ الجلالة بسائر أسماء اللّٰه تعالى كالمذكورات في المتن يقدح في تحقق الجدال، فضلا عن القسم بغيره تعالى من المقدسات في الشريعة كالقرآن و الرسول و الأئمة عليهم السّلام.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأول: في حكم الجدال الصادق من جهة ثبوت الكفارة فيه و عدمه و قد استفاضت الروايات الدالة على عدم الثبوت إذا لم يتجاوز عن مرتين و الثبوت إذا تجاوز عنهما و انّها هي شاة و قد تقدمت في تفسير الجدال صحيحة معاوية بن عمار و موثقة أبي بصير الظاهرتين في ترتب الكفارة على ما إذا بثلاثة أيمان صادقا و انّها لا تترتب على الأقل من الثلاث و من هذه الروايات صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال سألته عن الجدال في الحج فقال: من زاد على مرّتين فقد وقع عليه الدّم، فقيل له: الذي يجادل و هو صادق؟ قال عليه شاة و الكاذب عليه بقرة «1».

و منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال: قلت: فمن ابتلى

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأول، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 120

..........

______________________________

بالجدال ما عليه؟ قال: إذا جادل فوق مرّتين فعلى المصيب دم يهريقه و على المخطئ بقرة «1».

و منها غير ذلك من الروايات الدالة عليه.

لكن في

مقابلها اطلاقان:

أحدهما إطلاق ما دلّ على ثبوت الشاة في الجدال من دون فرق بين الثلاث و غيره و هي صحيحة سليمان بن خالد قال سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول في الجدال شاة الحديث «2».

ثانيهما إطلاق ما دلّ على عدم ثبوت الكفارة في الجدال كذلك و هي صحيحة يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يقول: لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه و هو صادق، عليه شي ء؟ قال: لا «3».

لكن الروايات المفصّلة مقيدة لكلا الإطلاقين و شاهدة لحمل الإطلاق الأول على الثلاث و الثاني على الأقل كما لا يخفى.

المقام الثاني: في حكم الجدال الكاذب و المشهور فيه بين الأصحاب كما في الجواهر بل قيل انه لا خلاف يعتدّ به فيه، هو التفصيل المذكور في المتن الذي جعله مقتضى الاحتياط الوجوبي بل نفى خلوّه عن القوة و هو انّ في المرّة الأولى، شاة و في المرة الثانية، بقرة و في المرّة الثالثة بدنة، و لكن لا يستفاد من النصوص التي بأيدينا هذا التفصيل بل يدلّ عليه فقه الرّضا و المحكي من رسالة علي بن بابويه التي كان

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأول، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأول، ح 1.

(3) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأول، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 121

..........

______________________________

الأصحاب قد رجعوا إليها عند إعواز النصوص لكن فقه الرضا لم يثبت اعتباره بل لم يثبت كونه رواية حتى ينجبر ضعفه في مثل المقام بموافقة فتوى المشهور، و الرسالة المذكورة انما كانت مرجعا عند إعواز النصوص مع ان النصوص في المقام موجودة، بل كثيرة،

و لا بدّ من ملاحظتها فنقول:

امّا ثبوت الشاة في المرّة الأولى فيدلّ عليه مضافا الى إطلاق صحيحة سليمان بن خالد الدالّ على ان في الجدال شاة، صحيحة معاوية بن عمار و موثقة أبي بصير المتقدمتان الظاهرتان في التفصيل بين الجدال الصادق و الجدال الكاذب و انه يكون ثبوت كفارة الدم في الأوّل فيما إذا حلف بثلاثة ايمان و في الثاني بيمين واحدة.

نعم مقتضى إطلاق رواية أخرى لأبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا جادل الرّجل و هو محرم فكذب متعمّدا فعليه جزور «1»، ثبوت الجزور في المرة الأولى أيضا لكن حيث انّ الرواية قد رواها الشيخ بإسناده عن العباس بن معروف و في هذا الإسناد أبو المفضّل و ابن بطة و هما ضعيفان فلا تصلح الرواية للاستناد إليها و لا تكون شهرة جابرة في هذا الفرض فاللازم الحكم بثبوت الشاة.

و امّا المرة الثانية فمقتضى إطلاق صحيحة سليمان بن خالد ثبوت شاتين فيها لدلالتها على ثبوت الشاة عند تحقق طبيعة الجدال و المرة الثانية جدال آخر يترتب عليه شاة كالمرة الأولى، و ليس مثل المقام من الأحكام الوضعية داخلا في بحث التداخل و عدمه كما هو ظاهر.

نعم يدلّ على ثبوت البقرة في المرة الثانية ما رواه العياشي في تفسيره عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: من جادل في الحج فعليه إطعام ستة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأول، ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 122

..........

______________________________

مساكين لكل مسكين نصف صاع ان كان صادقا أو كاذبا فان عاد مرتين فعلى الصادق شاة و على الكاذب بقرة لأنّ اللّٰه تعالى قال فَلٰا

رَفَثَ و لا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج. الرفث الجماع و الفسوق الكذب و الجدال قول لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه و المفاخرة «1».

بتقريب ان الرواية و ان كانت مرسلة من حيث السند و معرضا عنها من حيث المفاد من جهات مختلفة إلّا انّه يمكن ان يقال بان قوله: و على الكاذب بقرة أي في المرة الثانية مجبور باستناد المشهور اليه و موافقته للشهرة الفتوائية كما في الجواهر و لا يعارضها رواية أبي بصير الدالّة بإطلاقها على ثبوت الجزور في المرة الثانية أيضا بعد ما عرفت من ضعفها و عدم الانجبار لها في هذه الجهة.

و اما المرة الثالثة فمقتضى طائفة من الروايات ثبوت البقرة فيها مثل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال سألته عن الجدال في الحج فقال: من زاد على مرّتين فقد وقع عليه الدّم فقيل له: الذي يجادل و هو صادق؟ قال عليه شاة و الكاذب عليه بقرة «2».

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال قلت فمن ابتلى بالجدال ما عليه؟ قال إذا جادل فوق مرّتين فعلى المصيب دم يهريقه و على المخطئ بقرة «3».

و مقتضى إطلاق رواية أبي بصير ثبوت الجزور في هذه المرّة أيضا و هي في هذه الجهة موافقة لفتوى المشهور و ان كان تعبيرهم انّما هو بالبدنة و تعبير الرواية بالجزور و بينهما الفرق من بعض الجهات.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأوّل، ح 10.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأوّل، ح 6.

(3) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأوّل، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 123

..........

______________________________

كما ان مقتضى إطلاق صحيحة سليمان بن خالد ثبوت ثلاث شياة في هذه المرتبة.

و- ح- ان قلنا بعدم كون الشهرة الفتوائية جابرة لضعف السند بوجه فاللازم ان يقال بثبوت شاتين في المرة الثانية و ثبوت البقرة في المرة الثالثة لعدم حجيّة مرسلة العياشي هناك و عدم اعتبار رواية أبي بصير هنا و إطلاق الصحيحة يقيد بالطائفة الدالة على ثبوت البقرة في خصوص المرّة الثالثة و هذا هو الذي اختاره بعض الاعلام قدّس سرّهم.

و ان قلنا بكون الشهرة الفتوائية جابرة فاللازم الالتزام في المرة الثالثة بثبوت الجزور بعد الالتزام بكون الشهرة المزبورة جابرة لضعف سند رواية أبي بصيرة و قادحة في الطائفة الدالة على ثبوت البقرة و موجبة لحمل إطلاق رواية أبي بصير على خصوص المرة الثالثة لعدم ثبوت الجزور في غيرها و الالتزام بكون الشهرة مؤثرة بهذا المقدار مشكل و لأجله يشكل الفتوى على طبقها خصوصا بعد ما عرفت من اختلاف تعبير الرواية و تعبير المشهود و عليه فمقتضى الاحتياط الوجوبي في هذه المرة الجزور، كما ان تأثير الشهرة في المرة الثانية في جبران ضعف سند المرسلة و حذف الأحكام الكثيرة المذكورة فيها مضافا الى اضطراب متنها لعدم كون الآية الشريفة التي استشهد بها فيها دالة على مسألة الكفارة بوجه لأن مفادها مجرد حرمة العناوين الثلاثة المذكورة فيها في الحج و امّا ترتب الكفارة فلا اشعار فيها إليه أصلا، مشكل أيضا بل مقتضى الاحتياط الوجوبي، ثبوت البقرة فيها و لو أريد الاحتياط التام فاللازم الجمع بين البقرة و الجزور في المرة الثالثة و بين البقرة و الشاة بل الشاتين في المرة الثانية.

و امّا ما أفاده المحقق النائيني قدّس سرّه في مناسكه من ان مقتضى الاحتياط

الكامل ثبوت البدنة في الكاذب مطلقا و في جميع المراتب، فيرد عليه انه لا وجه لذلك، فإن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 124

..........

______________________________

رواية أبي بصير ان كانت معتبرة، يجب الفتوى على طبقها و ان لم تكن معتبرة فلا وجه للحكم بالجزور في المرة الأولى بعد كون مقتضى إطلاق صحيحة سليمان بن خالد و دلالة روايات خاصة ثبوت الشاة و كذا في المرة الثانية بعد كون مقتضاه ثبوت شاتين و لم ينهض دليل على كفاية الجزور عن الشاة في صورة تعيّنها و ان كان الجزور أكثر قيمة و أعظم نفعا مع ان رفع اليد عن الطائفة الدالّة على ثبوت البقرة في المرة الثالثة مع كونها روايات صحيحة كيف يكون مقتضى الاحتياط فالظاهر ان مقتضى الاحتياط التام ما ذكرنا لا ما أفاده قدّس سرّهم.

نعم ذكر صاحب الجواهر في ذيل كلامه في بحث الجدال الذي يأتي التعرّض له إن شاء اللّٰه تعالى في بحث تخلل التكفير انه ان لم يكن إجماع أمكن كون المراد من النص و الفتوى وجوب الشاة بالمرّة ثم هي مع البقرة بالمرتين ثم هما مع البدنة في الثالث إلّا ان يكون قد كفّر عن السابق فتجب البقرة خاصة أو البدنة.

و ظاهره دلالة نفس النصّ و الفتوى على ذلك مع قطع النظر عن الاحتياط الذي عرفت و لكن سيأتي الكلام فيه عند ذلك البحث فانتظر.

«تتميم» هل يعتبر في الجدال الصادق الذي تترتب الكفارة على المرتبة الثالثة منه على ما عرفت التتابع و وقوع الثلاث متواليات و في مورد واحد و موضوع فأرد، بأن كان الإثبات في الجميع راجعا إلى شي ء واحد و النفي في الجميع أيضا كذلك، أم لا

يعتبر بل الملاك مجرد الجدال الصادق ثلاث مرّات من دون فرق بين صورتي التوالي و عدمه و بين صورتي وحدة الموضوع و تعدّده.

قال في الجواهر بعد نقل الميل إلى الأوّل عن بعض متأخري المتأخرين و انه حكاه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 125

..........

______________________________

عن العماني: إلّا انه نادر يمكن دعوى اتفاق الأصحاب على خلافه خصوصا بعد ان كان المحكي عنه يعمّ الصادق و الكاذب قال: من حلف ثلاث ايمان بلا فصل في مقام واحد فقد جادل و عليه دم. و لم يفصل.

و كيف كان فظاهر بعض الروايات المتقدمة كصحيحة معاوية بن عمّار و رواية أبي بصير عن أحدهما عليهما السّلام قال إذا حلف بثلاث ايمان متعمدا متتابعات صادقا فقد جادل و عليه دم، و إذا حلف بيمين واحدة كاذبا فقد جادل و عليه دم «1»، هو اعتبار التتابع بل و وقوعها في مقام واحد، و لكن جملة من الروايات الواردة فيه المتقدمة خالية عن شي ء من القيدين.

قال في الجواهر ما حاصله: ان قاعدة الجمع بين الإطلاق و التقييد و ان كانت تقتضي حمل المطلق على المقيّد إلّا ان قوّة النصوص المطلقة على وجه لا تكافئها المقيدة توجب الأخذ بالمطلقة و حمل المقيدة على ارادة كونها أحد الأفراد أو على إرادة بيان اتحاد الجدال و تعدده بالنسبة إلى المجادل فيه و نحو ذلك.

و مراده من قاعدة الجمع بين الإطلاق و التقييد هنا بعد كونهما مثبتين هو ان مفهوم النصوص المقيدة يقيد إطلاق منطوق النصوص المطلقة كما ان مراده من قوة النصوص المطلقة هو اعتضادها بالفتوى و الشهرة المحققة و- ح- يرد عليه انه ان كان المراد كون الشهرة مرجّحة لإحدى الطائفتين

المتعارضتين على الأخرى فالجواب انّ المطلق و المقيد ليسا من الخبرين المتعارضين أو المختلفين الذي هو الموضوع في الاخبار العلاجيّة مثل مقبولة ابن حنظلة لثبوت الجمع الدلالي بينهما فاللازم ان يقول امّا بكون الشهرة المذكورة قرينة على عدم ثبوت المفهوم للقضية الشرطية هنا لأن ثبوت

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأوّل، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 126

..........

______________________________

المفهوم لها انّما هو بالظهور و القرينة المذكورة شاهدة على خلافه فلا مفهوم لها هنا.

و امّا ان يقول بأنّ إعراض المشهور عن النصوص المقيدة صار موجبا لسقوطها عن الحجّية و الاعتبار فلا يكون في البين إلّا النصوص المطلقة.

و التحقيق انه لا إشكال في عدم اعتبار القيدين بناء على عدم ثبوت المفهوم للقضية الشرطية كما اخترناه في المباحث الأصولية لعدم التنافي بين الطرفين بعد كونهما مثبتين.

و امّا بناء على ثبوت المفهوم فقد أفاد بعض الاعلام قدّس سرّهم بأنه لا دلالة له على عدم ثبوت الكفارة مع انتفاء أحد القيدين نظرا الى ان الشرط إذا كان متعدّدا أي مركّبا تدلّ القضية بالمفهوم على نفي الحكم عند نفي أحدهما كما إذا قال: إذا جاء زيد من السفر و كان مجيئه في يوم الجمعة افعل كذا فلو فرض انه جاء في يوم السبت ينتفي الحكم بنفي الشرط كما إذا كان الشرط واحدا.

و إذا كان الشرط غير متعدد بل كان أحدهما مقيّدا بالآخر كما إذا قال إذا جاء زيد في يوم الجمعة بحيث كان الشرط هو المجي ء المقيّد بيوم الجمعة، فلا تدلّ القضية إلّا على انتفاء الحكم عند نفي المجي ء و لا دلالة على الانتفاء عند نفي خصوص القيد بل القضية ساكتة عن ذلك، و

لذا استشكل جماعة في التمسك بمفهوم آية النبأ لحجية خبر العادل نظرا الى ان المفهوم عدم مجي ء الفاسق بالنبإ لا مجي ء غير الفاسق به، و روايات المقام من هذا القبيل نعم لا بدّ من الالتزام بترتب فائدة على ذكر القيد و لعلّ الفائدة في المقام هو التعرّض للفرد الخفي حيث ان المرتكز في أذهان الناس خصوصا العوام منهم، ان المرة الثانية تأكيد للمرة الأولى و لا يرون ذلك تأسيسا و الروايات دلّت على انّ المعتبر تعدد الحلف و ان كان ولاء و واردا في موضوع واحد.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 127

[مسألة 25- لو جادل بكذب فكفّر ثم جادل ثانيا]

مسألة 25- لو جادل بكذب فكفّر ثم جادل ثانيا فلا يبعد وجوب شاة لا بقرة، و لو جادل مرّتين فكفّر ببقرة ثم جادل مرّة أخرى فالظاهر ان كفارته شاة، و لو جادل في الفرض مرّتين، فالظاهر أنّها بقرة لا بدنة (1).

[مسألة 26- لو جادل صادقا زائدا على ثلاث مرّات، فعليه شاة]

مسألة 26- لو جادل صادقا زائدا على ثلاث مرّات، فعليه شاة، نعم لو كفّر بعد الثلاث ثم جادل ثلاثا فما فوقها يجب عليه كفارة أخرى، و لو جادل كاذبا عشر مرات أو الزيادة فالكفارة بدنة نعم لو كفر بعد الثلاثة أو الزيادة ثم جادل تكرّرت على الترتيب المتقدم.

______________________________

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا انه لا مجال للحكم باعتبار التوالي و الورود في مقام واحد أصلا كما هو المفتي به عند الأصحاب مع كون الروايات بمرئي و مسمع منهم.

(1) قال في الجواهر فيما يتعلق بهاتين المسألتين ما لفظه: «و المحكي عن صريح جماعة من غير خلاف يظهر فيه: انّه انما تجب البقرة بالمرّتين و البدنة بالثلاث إذا لم يكن كفّر عن السّابق فلو كفّر عن كل واحدة فالشاة ليس إلّا أو ثنتين فالبقرة، و الضابط اعتبار العدد السابق ابتداء أو بعد التكفير فللمرة شاة و للمرتين بقرة و للثلاث بدنة على معنى انه لو حلف يمينا كاذبة فكفّر لها بشاة ثم الثانية و كفّر لها بشاة أيضا ثم الثالثة، اما إذا لم يكفّر و كانا اثنتين فبقرة أو ثلاثا فبدنة و لو كنّ أزيد من ثلاث و لم يكن قد كفّر فليس إلّا بدنة واحدة و كذا في ثلاث الصدق. قلت ان لم يكن إجماع أمكن كون المراد من النص و الفتوى وجوب الشاة بالمرة ثم هي مع البقرة بالمرتين ثم هما مع البدنة

في الثلاث إلّا أن يكون قد كفّر عن السابق فتجب البقرة خاصة أو البدنة كما انه يمكن ان يقال ان الشاة في ثلاث الصدق دون ما دونه امّا ما زاد فان بلغ الثلاث وجب شاة أخرى و ان لم يكن قد كفر عن الأوّل و إلّا فليس إلّا الشاة الاولى و كذا الكلام في ثلاثة الكذب الشاة و البقرة و البدنة و هكذا فتأمّل جيدا».

و قد ذكر بعض الاعلام قدّس سرّهم بعد نقل كلا القولين انه لا يمكن المساعدة على شي ء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 128

..........

______________________________

منهما و قال في بيانه ما يلخّصه ان المستفاد من مثل صحيحة سليمان بن خالد ثبوت الشاة لكل جدال و مقتضى إطلاقها انه لا فرق بين الصّادق و الكاذب و كذا بين المرّات خرجنا عنه في الحلف الصادق بالإضافة إلى المرّة الاولى و الثانية حيث انه لا يجب فيهما شي ء.

و امّا فيما زاد على مرّتين فالواجب هي الشاة و مقتضى الإطلاق وجوبها في المرة الرابعة و الخامسة و هكذا و لا وجه لاحتساب كل ثلاث ثلاث بل العبرة بفوق اثنين و كذا مقتضى الإطلاق انه لا فرق بين التكفير سابقا و عدمه لأن كل جدال موضوع للحكم و امّا الحلف الكاذب فالأوّل فيه شاة و الثاني فيه شاة أخرى على المختار عندنا من دون فرق بين ما إذا كفّر عن الأول أم لا، و تجب البقرة في الثالث على المختار عندنا كذلك و لا يختص الحكم بالثلاث بل موضوع الحكم ما زاد على الاثنين فتثبت البقرة في الثالث و كذلك في الرابع و الخامس و هكذا و لا دليل على احتساب كل ثلاث

لما عرفت من مقتضى العمل بالروايات و لا إجماع في المقام على الخلاف.

أقول امّا في الجدال الكاذب فمقتضى التأمل في الروايات ما أفاده صاحب الجواهر بالإضافة إلى المرة الثانية و الثالثة فإنه لا شبهة بمقتضى الإطلاق و الروايات الخاصة المتقدمة في ثبوت الشاة في المرة الأولى و كذا مقتضى ما رواه العياشي الذي هو الدليل الوحيد المتعرض للمرة الثانية في الجدال الكاذب بقوله عليه السّلام: فان عاد مرّتين فعلى الصادق شاة و على الكاذب بقرة. ان ثبوت البقرة انما يكون موضوعه العود و تكرار الجدال الكاذب و امّا ما ترتب على الجدال الأوّل من الشاة فهو باق بحاله و عليه يكون فيما إذا لم يكفّر عن الأوّل الشاة و البقرة، غاية الأمر ان الشاة ترتبط بالأوّل و البقرة بالثاني و ليس معنى الرواية ثبوت البقرة مع عدم التكفير بشاة كما في قوله تعالى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 129

..........

______________________________

في آية الصيد «وَ مَنْ عٰادَ فَيَنْتَقِمُ اللّٰهُ مِنْهُ» حيث ان معناه لا يرجع الى ان العود يترتب عليه الانتقام و لا يجب معه الكفارة الثابتة قبل العود.

و كذا مقتضى رواية أبي بصير المتقدمة المنجبرة بالشهرة الدالة على ان المحرم إذا جادل فكذب متعمدا فعليه جزور، ثبوت الجزور في مطلق الجدال الكاذب، غاية الأمر عروض التقييد للإطلاق بالإضافة إلى المرة الاولى و كذا المرة الثانية، و امّا بالإضافة إلى المرة الثالثة فتدلّ على ثبوت الجزور في المرة الثالثة من دون فرق بين تحقق التكفير بالإضافة إلى المرتين السابقتين و عدمه. فإذا لم يتحقق، فاللازم ثبوت الشاة و البقرة و البدنة غاية الأمر ان الاولى للأولى و الثانية للثانية و الثالثة للثالثة

كما افاده صاحب الجواهر قدّس سرّه و امّا بالإضافة إلى المرات اللاحقة على الثالثة فظاهر ذيل كلامه جريان حكم الثلاث الأولى فيه، يعني يكون في الرابعة الشاة و في الخامسة البقرة و في السادسة البدنة، و هكذا، مع ان مقتضى إطلاق رواية أبي بصير، ثبوت البدنة في الثالثة و ما بعدها فكما انّ في الثالثة بدنة يكون في الرابعة أيضا بدنة و في الخامسة أيضا كذلك و هكذا و لا فرق بين تخلل التكفير و عدمه فلو كنّا نحن و الروايات و لم يكن هنا إجماع و قلنا بانجبار رواية العياشي و كذا رواية أبي بصير لكان مقتضاها ما ذكرنا هذا في الجدال الكاذب.

و اما الجدال الصادق فمقتضى ما في المتن تبعا للمشهور بل للمجمع عليه احتمالا أن تكرر الكفارة فيه انّما يتحقق بالثلاث بعد التكفير نظرا الى ان الكفارة توجب انّ الواقع كأنّه لم يتحقق و لم يقع كما يناسبه معناها بحسب اللغة الذي هو عبارة عن الستر و الإخفاء و لذا يطلق على الزارع الكافر كما في الكتاب العزيز نظرا إلى أنه يستر البذر في بطن الأرض و جوفها كما ان إطلاق عنوان الكافر على الكافر في مقابل المسلم انّما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 130

..........

______________________________

هو لأجل كونه ساترا للحق و الواقع.

و كيف كان مقتضى كلام المشهور ان موجب التكرّر انّما هو الثلاث بعد التكفير فإذا جادل صادقا و لو عشر مرات من دون ان يكفر أصلا لا يجب عليه إلّا كفارة واحدة و إذا كفّر بعد الثلاث الأوّل فالموجب للتكرّر هو الثلاث الثاني و إذا كفّر بعده فالموجب هو الثلاث الثالث و مع عدم تخلل التكفير

لا تجب إلّا واحدة.

و مقتضى ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه في كلامه المتقدم هو ان الاعتبار بالثلاث، سواء تحقق التكفير أم لم يتحقق فإذا لم يكفر عن الثلاث الأول يكون في الثلاث الثاني كفارتان إحداهما للأول و الثانية للثاني هكذا في الثلاث الثالث.

و مقتضى ما ذكره بعض الاعلام قدّس سرّهم انّ الملاك هو تحقق عنوان الزيادة على الاثنتين و عنوان فوقهما و لازم ذلك بعد تقييد إطلاق صحيحة ابن خالد الدالة على ثبوت الكفارة في مطلق الجدال و إخراج المرة الأولى و كذا المرة الثانية منه، ترتب الكفارة على العنوان المذكور الذي يكون أول مصاديقه المرة الثالثة، و عليه فكما انه فيها شاة كذلك في المرّة الرابعة و كذا في المرّة الخامسة و هكذا بمعنى ثبوت الشاة في كل مرّة من الثلاث و ما بعدها و يحتمل ضعيفا ان يكون مراده عدم التكرار أصلا من دون فرق بين ما إذا كفّر بعد الثلاث و ما إذا لم يكفّر.

و التحقيق بناء على الطريق الذي سلكناه انّ الدليل في المقام لو كان منحصرا بما ورد في اليمين الثالث في الجدال الصادق، من الروايات المتقدمة، لأمكن الذهاب الى ما أفاده صاحب الجواهر لكن صحيحتي الحلبي و محمد بن مسلم المتقدمتان و ان قلنا بثبوت الاعراض عنهما في اليمين الكاذبة لدلالتهما على ثبوت البقرة في الثالثة على خلاف المشهور إلّا أنه لم يتحقق الاعراض عنهما بالإضافة إلى الجدال الصادق في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 131

[مسألة 27- يجوز في مقام الضرورة لإثبات حق]

مسألة 27- يجوز في مقام الضرورة لإثبات حق أو إبطال القسم بالجلالة و غيرها (1).

______________________________

الزائد على اثنين و عليه تكون الصحيحتان مفسرتين لما وقع فيه التعبير

بالثلاث، و مقتضاهما ان الملاك في ثبوت الكفارة ليس هو عنوان الثلاث و الخصوصية الموجودة فيه بل الملاك هو عنوان الزيادة على الاثنين و الفوقية المضافة إليهما و- ح- لا بدّ من ملاحظة ان من جادل أربع مرّات- مثلا- هل يتحقق منه مصداقان للعنوان المذكور كما انه قد تحققت مصاديق أربعة لطبيعة الجدال و ماهيته أو لا يكون في البين إلّا مصداق واحد.

و الظاهر الذي يساعده فهم العرف هو الثاني فإنه لو أمر المولى عبده بان يجيئه بأزيد من رجلين فلا فرق في تحقق الموافقة و حصول الطاعة بين ان يجي ء بثلاثة أو بأربعة أو بخمسة أو بأزيد و ليس في الأربعة موافقتان و في الخمسة موافقات ثلاث و هذا من دون فرق في المقام بين تخلل التكفير و عدمه فان كون الكفارة موجبة لصيرورة ما وجد و تحقّق كان لم يوجد و لم يتحقق، أمر يحتاج الى دليل، و مع عدمه يكون مقتضى الإطلاق عدم الفرق في ذلك.

و قد ظهر من ذلك انّ الجمود على مقتضى الروايات مع غمض النظر عن الفتاوى يقتضي الالتزام بعدم ثبوت كفارة واحدة في الجدال صادقا ثلاثا كان أو أزيد تخلّل التكفير أو لا، و قد مرّ انه يحتمله ضعيفا كلام بعض الاعلام قدّس سرّهم المتقدم.

(1) حكى عن الدروس و غيرها انه استقرب الجواز و انتفاء الكفارة فيما لو اضطر الى اليمين لإثبات حق أو نفي باطل و الظاهر انه ليس المراد من الحقّ مثل الدين الذي له على الغير في مقابل الباطل بهذا المعنى بل المراد من الحق و الباطل ما يرتبط بالشرع من الأمور الاعتقادية و الأحكام العملية و أشباههما و الدليل على الجواز انصراف أدلّة

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 132

[الثاني عشر: قتل هوامّ الجسد]

الثاني عشر: قتل هوامّ الجسد من القمّلة و البرغوث و نحوهما، و كذا هوامّ جسد سائر الحيوانات، و لا يجوز إلقائها من الجسد، و لا نقلها من مكانها الى محلّ تسقط منه، بل الأحوط عدم نقلها الى محلّ يكون معرض السقوط، بل الأحوط الأولى ان لا ينقلها الى مكان يكون الأوّل أحفظ منه، و لا يبعد عدم الكفارة في قتلها لكن الأحوط الصدقة بكفّ من الطعام (1).

______________________________

حرمة الجدال على المحرم عن مثل هذا الجدال المؤثّر في إثبات الحق و إبطال الباطل و امّا رواية أبي بصير المتقدمة الدالة على الجواز فيما إذا كان المقصود منه إكرام أخيه فلا دلالة لها على الجواز في المقام بلحاظ قوله في الذيل: «امّا ما كان فيه معصية» فلا بناء على المعنى الذي ذكرنا للذيل نعم لو كان المراد منه تخصيص الجدال المحرّم بما كان فيه معصية كالكذب و الغيبة و نحوهما يمكن الاستدلال بها- ح- لكن لازمة عدم حرمة الجدال مطلقا على المحرم مع ان المفروض ثبوتها و ترتب الكفارة في مطلقه مع الخصوصيات المتقدمة فتدبر جيدا.

(1) في هذا الأمر مباحث:

المبحث الأوّل: في قتل القمّلة و المنسوب الى المشهور عدم جوازه على المحرم.

نعم اقتصر جماعة من القدماء على حرمة الإلقاء من دون التعرّض للقتل و لكن الظاهر عدم كون مرادهم جواز القتل. نعم صريح ما حكى عن ابن حمزة التفصيل بين القتل و الإلقاء عن الجسد بجواز الأوّل دون الثاني.

و يدلّ على القول المشهور روايات دالة بالخصوص أو العموم على الحرمة مثل:

صحيحة زرارة قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام هل يحكّ المحرم رأسه و يغتسل بالماء قال:

يحكّ رأسه ما لم يتعمد قتل دابة الحديث «1». و من الظاهر انّ الدابة التي يمكن ان

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 133

..........

______________________________

يتعمّد قتلها بالحكّ ليست إلّا القملة التي تتولد و تتكون في الجسد فالرواية ظاهرة في حرمة قتل القمّلة مع التعمد.

و معتبرة أبي الجارود قال سأل رجل أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل قملة و هو محرم قال: بئس ما صنع قلت فما فدائها قال لا فداء لها «1». و أبو الجارود و ان كان من الزيدية إلّا انه موثق بالتوثيق العام و كذا بالتوثيق الخاص من الشيخ المفيد قدّس سرّه و لا تنبغي المناقشة في ظهور الجواب في الحرمة فإن التعبير بقوله: بئس لا يناسب الكراهة بوجه.

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: اتق قتل الدواب كلّها و لا تمس شيئا من الطيب الحديث «2».

و لا مجال للخدشة في كون القملة من الدواب بعد تعبير صحيحة زرارة المتقدمة عنها بالدابة كما لا يخفى.

نعم ربما يمكن ان يقال بدلالة صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار على عدم الحرمة قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام ما تقول في محرم قتل قمّلة؟ قال: لا شي ء عليه في القمل و لا ينبغي ان يتعمد قتلها «3». و قد رواه بعينها صاحب الوسائل في بعض الأبواب الأخر فتوهم انهما روايتان مع انها ليست إلّا رواية واحدة و ان كان الراوي عن معاوية مختلفا و الظاهر انّ محطّ السؤال ما يلزم على المحرم الذي قتل قملة بعد وقوعه و تحققه و هذا يكشف عن كون الحرمة مفروغا

عنها عند السائل و ان مورد السؤال ما يترتب على فعله من الكفارة فالجواب ناظر الى عدم ثبوت شي ء أي كفارة عليه فعليه فقوله: «و لا ينبغي

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الخامس عشر، ح 8.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 9.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 134

..........

______________________________

ان يتعمد قتلها» انما يكون تأكيدا لما هو المفروغ عنه عند السائل فاللازم ان يكون المراد من قوله لا ينبغي هي الحرمة و ان أبيت عن ذلك و قلت بأنّ السؤال انّما هو عن الجواز التكليفي و الكفارة معا و الجواب ناظر الى نفي الثاني و ثبوت الأوّل، غاية الأمر ثبوت الكراهة.

فنقول أوّلا منع كون لا ينبغي ظاهرا في نفسه في خصوص الكراهة أو الأعم منها و من الحرمة بل الظاهر كونه ظاهرا في الحرمة إلّا في مورد ثبوت القرينة على الخلاف.

و ثانيا على فرض تسليم ظهورها في عدم الحرمة ليس ظهورها فيه بأقوى من ظهور الروايات المتقدمة في الحرمة و لا في رتبته بل الروايات المتقدمة تصير قرينة على كون المراد من قوله: «لا ينبغي» هي الحرمة كما هو ظاهر.

ثم انه يدلّ على عدم جواز قتل القملة أيضا ما يدلّ على عدم جواز إلقائها من الجسد و رميها منه مثل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال: المحرم يلقي عنه الدواب كلّها إلّا القملة فإنها من جسده، و ان أراد ان يحوّل قملة من مكان الى مكان فلا يضرّه «1».

و رواية الحسين بن أبي العلاء قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام:

لا يرمي المحرم القملة من ثوبه و لا من جسده متعمّدا فان فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما قلت: كم؟ قال:

كفّا واحدا «2».

نظرا الى ان المتفاهم من مثلهما عند العرف عدم جواز القتل أيضا لا للأولوية حتى يناقش فيها بأن الظنية منها لا تجدي و القطعية غير محققة، بل للاستفادة العرفية من

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 5.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 135

..........

______________________________

نفس الرواية خصوصا مع ملاحظة القلّة المذكورة في الصحيحة و هو كونها من الجسد فان مقتضى كون المعيار و الملاك هو النشو من الجسد و التكون منه، هو عدم جواز قتلها أيضا كإلقائها و رميها.

لكن في مقابلهما رواية مرّة مولى خالد قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يلقي القملة فقال: ألقوها أبعدها اللّٰه غير محمودة و لا مفقودة «1». لكن ضعف سند الرواية بجهالة مرّة يمنع عن صلاحيتها للمعارضة مضافا الى ما قيل من انه يمكن ان يكون ألفوها بالفاء من الألفة أي لا تلقوها و ان كان هذا الاحتمال في غاية البعد خصوصا مع قوله عليه السّلام بعده: أبعدها اللّٰه.

نعم هنا بعض الروايات الدالة على جواز قتل القملة في الحرم مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس بقتل النمل و البق في الحرم و لا بأس بقتل القملة في الحرم «2».

و مرسلة ابن فضال عن بعض أصحابنا عن زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس بقتل البرغوث و القملة و البقة في الحرم «3».

و لكن حيث ان

محل البحث في المقام هو الأمور المحرمة على المحرم و الروايتان واردتان في الحرم و من المعلوم تغاير العنوانين و ثبوت أحكام خاصة بالإضافة إلى المحرم و احكام اخرى بالإضافة إلى الحرم و ان كانا قد يجتمعان في بعض الاحكام، فلا وجه لتوهم المعارضة بين الروايتين الواردتين في الحرم مع الروايات الواردة في

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 6.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الثمانون، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و الثمانون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 136

..........

______________________________

المحرم كما هو ظاهر.

نعم ربما يستفاد من بعض الروايات جواز القتل مع إرادة القملة إيذاء المحرم مثل مرسلة المفيد المعتبرة، قال: سئل عليه السّلام عن قتل الذئب و الأسد فقال: لا بأس بقتلهما للمحرم ان إرادة (ده خ ل) و كل شي ء أراده من السباع و الهوام فلا حرج عليه في قتله «1».

و ما رواه ابن إدريس نقلا من نوادر احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن جميل قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يقتل البقة و البراغيث إذا أذاه قال: نعم «2».

و لكن الرواية الأولى ظاهرة فيما إذا كان الإرادة متعلقة بالقتل كما يدلّ عليه ذكر الذئب و الأسد و السباع و عليه فالمراد من الهوامّ ما يكون قاتلا كالعقرب و نحوه.

و الرواية الثانية مضافا الى ضعف سندها لجهالة طريق ابن إدريس إلى نوادر البزنطي، موردها البقة و البراغيث و لم يرد فيها ذكر القمّلة و التقييد بصورة الإيذاء لا دلالة فيه على ثبوت الجواز في القملة في هذه الصورة أيضا مع ان الإيذاء لو كان

على حدّ يوجب المشقة و الحرج، لكان مقتضى القاعدة الجواز و ان كان الحكم الاوّلي هي الحرمة كما لا يخفى.

المبحث الثاني: في قتل البقة و البرغوث و غيرهما من هوامّ الجسد غير القملة التي مر البحث فيها تفصيلا و الظاهر انه محل خلاف من حيث الجواز و الحرمة و لا تكون فيه شهرة على المنع كالشهرة المحققة في القملة.

و يدلّ على الحرمة مضافا الى صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الظاهرة في وجوب اتقاء قتل الدواب كلها و شهادة بعض الروايات الواردة في القملة بكون مثلها

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الثمانون، ح 13.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 137

..........

______________________________

دابة، صحيحة زرارة المتقدمة في القملة الدالة على جواز حكّ الرأس للمحرم ما لم يتعمد قتل دابة، نظرا الى ان الإتيان بكلمة الدابة بصورة النكرة من دون إضافتها إلى الضمير حتى يحتمل ان تكون لدابة الرأس خصوصية يقتضي عدم جواز قتل مطلق الدابة سواء كان محلّها الرأس أو غيره.

و قد مرّ انّ الروايات الدالّة على جواز قتلها في الحرم لا ارتباط لها بالمقام الذي يكون البحث فيه عن محرّمات الإحرام نعم هنا رواية ربما يستدلّ بها على الجواز و هي ما رواه زرارة عن أحدهما عليهم السّلام قال سألته عن المحرم يقتل البقة و البرغوث إذا رآه؟

قال: نعم «1».

هكذا في الوسائل و لكن المذيّل حكى عن الكافي ان فيه: إذا إرادة. و هو الظاهر لأنّ إفراد الضمير على النقل الأوّل لا يناسب مع كون السؤال عن البقة و البرغوث كما ان تعليق الحكم بالرؤية مما لا يعرف له وجه.

و عليه فالظاهر كون النسخة الصحيحة: إذا إرادة لكن يرد على الاستدلال بالرواية مضافا الى ضعف سندها بسهل بن زياد ما أشرنا إليه من ان الحكم بالجواز في صورة تحقق الإيذاء غير القابل للتحمل عرفا لا ينافي كون الحكم الاولي بحسب أدلّة المنع هو المنع ضرورة قاعدة نفي الحرج حاكمة على أدلّة محرمات الإحرام أيضا.

و مثلها رواية جميل المتقدمة التي تكلمنا فيها سندا و دلالة و على ما ذكرنا فالظاهر حرمة قتل البقة و البرغوث و نحوهما أيضا.

المبحث الثالث: في قتل هوامّ الغير إنسانا كان أو حيوانا كالحشرات الموجودة في البعير و الشاة و نحوهما و الظاهر بمقتضى عموم صحيحة معاوية بن عمار و إطلاق

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و السبعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 138

..........

______________________________

صحيحة زرارة المتقدمتين حرمة قتلها أيضا و انه لا فرق بين هوام الجسد و بين هوامّ الغير بعد كونها مصاديق لعنوان الدابة كما ان مقتضى إطلاق السؤال في بعض الروايات عن محرم قتل قملة، و ترك الاستفصال في الجواب انه لا فرق بين قمّلة النفس و قمّلة الغير.

نعم التعليل الوارد في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الدالة على جواز ان يلقى المحرم الدواب كلّها إلّا القملة بقوله فإنّها من جسده، ربما يوهم اختصاص الحكم بما يرتبط بجسد المحرم و امّا ما يرتبط بالغير سواء كان إنسانا أو حيوانا فلا دليل فيه على المنع و لكن الظاهر انه لا مدخلية للإضافة إلى نفس المحرم فتدبّر.

المبحث الرابع: في عدم جواز إلقاء هوامّ الجسد منه و ظاهر المتن كما نسب الى المشهور انه لا فرق في ذلك بين القملة و غيرها لكن

الروايات الدالّة على عدم الجواز، موردها القمّلة، بل لعلّه يستفاد من بعضها الاختصاص بها نظرا الى التعليل الوارد فيها و هي عبارة عن:

رواية الحسين بن أبي العلاء قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: لا يرمي المحرم القملة من ثوبه و لا من جسده متعمّدا فان فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما قلت: كم؟ قال:

كفّا واحدا «1».

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال: المحرم يلقي عنه الدّواب كلّها إلّا القملة فإنّها من جسده، و ان أراد ان يحوّل قمّلة من مكان فلا يضرّه «2».

و ربما يقال باستفادة التعميم من العلّة المذكورة في الرواية مع انه عجيب فان المراد من العلّة هو التكون من الجسد و النشوة و التولد منه و هذا منحصر بالقملة، ضرورة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 139

..........

______________________________

ان مثل البقة و البرغوث لا يكون كذلك و لو حملت لفظة «من» على التبعيض بلحاظ الارتباط بالجسد الذي يراد به الأعم من الثوب، لا يبقى- ح- للمستثنى منه مورد فان الحكم بالجواز مورده، إلقاء المحرم الدواب عن جسده أو ثوبه كما لا يخفى.

و صحيحة حماد بن عيسى قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام: عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها قال: يطعم مكانها طعاما «1».

و صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها قال يطعم مكانها طعاما «2» بناء على ما ذكرنا غير مرة من ان ثبوت الكفارة دليل على

الحرمة التكليفية بالنسبة إلى الحكم الاولي و لكن في مقابلها رواية مرّة مولى خالد المتقدمة قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يلقي القملة فقال ألقوها أبعدها اللّٰه غير محمودة و لا مفقودة «3». لكن عرفت ضعفها بمرّة مضافا الى اختلاف النسخة و ان كان هو بعيدا.

و قد ظهر مما ذكرنا انه لا دليل على عدم جواز إلقاء غير القملة من سائر هوامّ الجسد، بل ربما يستفاد من رواية جميل جواز إلقائه قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يقتل البقة و البراغيث إذا آذاه؟ قال: نعم «4».

نظرا الى انّ جواز قتلهما يستلزم جواز إلقائهما بطريق اولى و لكن الرواية مضافا الى ضعف سندها كما عرفت، تدلّ على ان عدم جواز القتل في صورة عدم الإيذاء كان مفروغا عنه عند الراوي و عليه فالحكم بالجواز في صورة الإيذاء المستلزم للحرج

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تبقية كفارات الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 7.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 140

..........

______________________________

و المشقة لا يدلّ على الجواز مطلقا و عليه فالرواية لا دلالة لها على حكم الإلقاء بوجه.

المبحث الخامس: في جواز النقل من مكان الى آخر و عدمه، فنقول ان كان المحلّ المنقول اليه موجبا للسقوط قطعا فهو بحكم الإلقاء بل إلقاء حقيقة و ان كان في معرض السقوط فالظاهر انه بحكم الإلقاء و ينصرف عنه دليل جواز النقل و هي صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في المبحث الرابع المشتملة على قوله: و

ان أراد ان يحوّل قملة من مكان الى مكان فلا يضرّه كما انه لا اشكال بحسب الرواية في جواز النقل الى مكان أحفظ و أحرز من المكان الأوّل، و كذا في جواز النقل الى مكان مساو للمكان الأوّل، و امّا النقل الى مكان يكون الأوّل أحفظ منه فمقتضى إطلاق الرواية الجواز و ان كان مقتضى الاحتياط الخلاف و دعوى انصراف الرواية عن هذا الفرض ممنوعة.

ثم انه لو قلنا بجواز الإلقاء في غير القملة فجواز النقل فيه مطلقا ظاهر و ان قلنا بحرمة الإلقاء فيه فلا دليل على حرمة النقل إلّا في مورد يكون إلقاء حقيقة دون غيره من بقية الموارد.

المبحث السادس: في ثبوت الكفارة و عدمه و ظاهر المتن نفي البعد عن عدم ثبوت الكفارة و ان مقتضى الاحتياط الاستحبابي الصدقة بكف من طعام و مورد نفي البعد الاختصاص بالقتل من جهة الظاهر في ان مورد الشك صورة القتل فقط لا ما يشمل الإلقاء و مثله و العموم من جهة و هي مطلق هو أمّ الجسد من دون خصوصية للقملة من بينها مع انّ الروايات الواردة في الكفارة تدلّ على عكس ذلك و هو الاختصاص بالقملة بمعنى ورودها فيها و عدم الاختصاص بالقتل بل موردها الإلقاء الذي يكون ثبوت الكفارة فيها مستلزما للثبوت في القتل عند العرف و لو لم يكن أولى فإنّ منها:

صحيحة حمّاد بن عيسى قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يبيّن القملة عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 141

..........

______________________________

جسده فيلقيها قال يطعم مكانها طعاما «1».

و مثلها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن المحرم ينزع القملة عن

جسده فيلقيها، قال: يطعم مكانها طعاما «2». و غيرهما من الروايات الواردة في القملة الدالة على ثبوت الكفارة في نزعها و إلقائها بل في بعضها الثبوت في صورة الخطاء و هي رواية حسين بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام المتقدمة، لكن بناء على نقل الشيخ في التهذيب قال: المحرم لا ينزع القملة من جسده و لا من ثوبه متعمدا و ان قتل «فعل و هو الظاهر» شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده «3».

لكن في مقابلها ما يدل على عدم ثبوت الكفارة و الفداء في قتل القملة المستلزم لعدم ثبوتها في الإلقاء أيضا مثل صحيحة معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام ما تقول في محرم قتل قملة قال: لا شي ء عليه في القملة و لا ينبغي ان يتعمّد قتلها «4».

و معتبرة أبي الجارود قال: سأل رجل أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل قملة و هو محرم قال: بئس ما صنع قلت فما فدائها قال: لا فداء لها «5».

و الجمع بين الطائفتين امّا يحمل نفي الشي ء و نفي الفداء في قتل القملة بين الطائفتين امّا بحمل نفي الشي ء و نفي الفداء في قتل القملة على نفي ما هو المتداول في باب كفارات الإحرام و الغالب فيه و هو الدّم الذي أقلّه الشاة فلا ينافي ثبوت الإطعام بطعام و بقبضة من يده و امّا بحمل الروايات الدالة على النفي على صورة عدم التعمّد

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الخامس عشر، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الخامس عشر، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الخامس عشر، ح 3.

(4) الوسائل، أبواب بقية

كفارات الإحرام، الباب الخامس عشر، ح 6.

(5) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الخامس عشر، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 142

[الثالث عشر: لبس الخاتم للزينة]

الثالث عشر: لبس الخاتم للزينة، فلو كان للاستحباب أو لخاصية فيه لا للزينة لا اشكال فيه، و الأحوط ترك استعمال الحناء للزينة، بل لو كان فيه الزينة فالأحوط تركه و ان لم يقصدها بل الحرمة في الصورتين لا تخلو من وجه، و لو استعمله قبل الإحرام للزينة أو لغيرها لا اشكال فيه و لو بقي أثره حال الإحرام، و ليس في لبس الخاتم و استعمال الحناء كفارة و ان فعل حراما (1).

______________________________

و يؤيده قوله عليه السّلام في الصحيحة في الذيل: «و لا ينبغي ان يتعمد قتلها» كما انه يبعده قوله عليه السّلام في المعتبرة: «بئس ما صنع» و حمل الروايات الدالّة على الثبوت على صورة التعمد، و امّا بجعل الروايات النافية قرينة على التصرف في الروايات المثبتة بحملها على الاستحباب، كما في الموارد المشابهة لكن يبعد هذا الحمل ما أشرنا إليه مرارا من انّه لو كان الإثبات بصيغة افعل لكان حملها على الاستحباب غير بعيد و امّا لو كان بالجملة الخبرية التي هي آكد في الدلالة على الوجوب من الصيغة المذكورة لكان الحمل في غاية البعد.

و بذلك يظهر انّه لو لم نقل بنفي البعد عن ثبوت الكفارة في قتل القملة و إلقائها فلا أقل من الالتزام بكونه مقتضى الاحتياط الوجوبي فتدبّر جيّدا.

(1) في هذا الأمر جهات من الكلام:

الجهة الاولى: في حرمة لبس الخاتم و المشهور شهرة عظيمة هي حرمة لبسه للزينة و عدم حرمته لغيرها كالاستحباب أو لخاصيّة فيه أو لحفظه من الضياع و نحوها لكن المحكي

عن النافع و الجامع عدم الحرمة و ثبوت الكراهة.

و الرواية الوحيدة الدالة على الحرمة في اللبس للزينة هي رواية مسمع عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام (في حديث) قال: و سألته أ يلبس المحرم الخاتم؟ قال: لا يلبسه للزّينة «1».

______________________________

(1) الوسائل، الباب السادس و الأربعون من أبواب تروك الإحرام، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 143

..........

______________________________

و في سندها صالح بن السندي و هو لم يوثق بالخصوص بل له توثيق عام و هو الوقوع في اسناد كتاب كامل الزيارات و لكن لو لم يكن له هذا التوثيق أيضا لكان استناد المشهور إليها جابرا لضعف سندها لأنّها الرواية الوحيدة في الباب الدالة على التفصيل المشهور.

و امّا من جهة الدلالة فالظاهر كون لا يلبسه انّما هو بصيغة النهي و اللام في قوله للزينة لام الغاية و الغرض، لا لام التعليل الذي مرجعه الى ان علّة الحرمة هو كون اللبس بنفسه زينة و ان لم تكن الزينة مقصودة من لبسه كما في بعض الروايات المتقدمة الواردة في مثل الاكتحال بالسواد.

و عليه فالرواية ظاهرة في اختصاص الحرمة بما إذا كان الغرض من اللبس خصوص الزينة لكن في مقابلها بحسب الظاهر روايات متعددة:

منها رواية نجيح عن أبي الحسن عليه السّلام قال: لا بأس بلبس الخاتم للمحرم «1» فان مقتضى إطلاقها انه لا فرق بين كون المقصود هي الزينة أو غيرها لكن الرواية ضعيفة بنجيح لأنه لم يوثق بوجه.

و منها صحيحة محمد بن إسماعيل قال: رأيت العبد الصالح عليه السّلام و هو محرم و عليه خاتم و هو يطوف طواف الفريضة «2».

و منها صحيحة أخرى له قال رأيت علي أبي الحسن الرضا عليه السّلام و هو

محرم خاتما «3».

______________________________

(1) الوسائل، الباب السادس من أبواب تروك الإحرام، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الأربعون، ح 3.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الأربعون، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 144

..........

______________________________

و دلالتهما على جواز لبس المحرم الخاتم في الجملة لا شبهة فيها إلّا انّ في الرواية الأولى اشكالا من جهة ظهورها في كون الحج الواجب على العبد الصالح عليه السّلام انّما هو بعد إمامته و تصدّيه لها مع انّ موطنه الشريف كانت هي المدينة المنورة و من المستبعد جدّا عدم تحقق الاستطاعة الموجبة للحج له قبل ذلك مع قلّة الفاصلة و تحقق الاستطاعة المالية بالمقدار اليسير و لا مجال لحمل طواف الفريضة على الطواف الواجب بالشروع و ان كان أصل العمل مستحبا فان قوله و هو محرم يكفي في الدلالة على ذلك كما ان الحمل على الحج الواجب بالنذر و شبهه لا وجه له بعد ما مرّ مرارا من ان النذر لا يؤثر في صيرورة المنذور متعلقا للوجوب، بل الواجب في مثله هو عنوان الوفاء و الفعل المنذور باق على حكمه قبل تعلق النذر.

و كيف كان مقتضى قاعدة حمل المطلق على المقيد كون رواية مسمع مقيدة لإطلاق دليل الجواز و كاشفة عن كون عمل المعصوم عليه السّلام انّما هو اللبس لغير الزينة بل للسنّة كما انه بنفسه يناسب السنّة دون الزينة و ان كانت غير محرمة مع قطع النظر عن الإحرام و امّا جعل هذه الروايات قرينة على حمل النهي في رواية مسمع على الكراهة، فلا وجه له خصوصا بعد كون الرواية المطلقة ضعيفة و الروايتان الحاكيتان لفعل الإمامين عليهما السّلام لا إطلاق

لهما فاللازم بمقتضى القاعدة المذكورة، حمل المطلق على المقيد و الالتزام بالتفصيل الذي ذهب اليه المشهور.

ثمّ ان المعيار في كون اللبس للزينة أو لغيرها و المرجع في الفرق بينهما هو القصد كما عن الذخيرة و جماعة من الأصحاب لأنه ليس لكل منهما هيئة خاصة وضعت لأجله بل ليس في البين غلبته بالنسبة إلى أحدهما فإن كثيرا من الناس يلبسون الخاتم للزينة كما ان كثيرا منهم سيما المتدينون المتعبدون يلبسونه للسنّة كما انه يوجد بعض

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 145

..........

______________________________

الأغراض الأخر أحيانا على ما أشرنا اليه، و ليس الفارق إلّا القصد. و عليه فلو كان المقصود خصوص الزينة بحيث لم يكن داع و محرّك غيرها فلا اشكال بمقتضى الرواية في الحرمة كما انه لو كان الداعي و المحرّك خصوص مثل السنّة فلا شبهة في عدم الحرمة.

و امّا لو كان الداعي مركبا منهما امّا بان كان اجتماعهما دخيلا في اللبس بحيث لو لم يكن أحدهما، لم يتحقق في الخارج و امّا بان كان كل منهما داعيا تامّا و مستقلا بحيث، لو لم يكن الآخر لكان مؤثرا في الإيجاد لكن اجتماعهما و عدم ثبوت الرجحان من جهة التأثير أوجب استناد المعلول إليهما معا لعدم إمكان اجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد، فهل المستفاد من الرواية الحرمة بلحاظ مدخلية الزينة و ثبوت قصدها و لو في الجملة، أو ان المستفاد منها، العدم بلحاظ ظهورها عند العرف في انه لا يكون في البين إلّا قصد الزينة فيه وجهان لا يبعد القول بالوجه الثاني و على فرض عدم ظهور الرواية في أحد الوجهين و ثبوت الإجمال في البين يكون المرجع أصالة الحليّة في الصورتين

كما لا يخفى.

ثمّ ان مقتضى الجمع بين ما يستفاد من الروايات الواردة في لبس الخاتم للمحرم من التفصيل المذكور و بين مقتضى عموم التعليل الوارد في بعض روايات الاكتحال بالسواد المتقدمة مثل قول أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في صحيحة حريز: لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ان السّواد زينة و كذا بعض ما ورد في النظر في المرآة مما يشتمل على التعليل مثل قوله عليه السّلام في صحيحة الحلبي المتقدمة: لا تنظر في المرآة و أنت محرم فإنه من الزينة و ان ناقشنا في هذا العموم الثاني فيما سبق انّما هو بأحد أمرين:

الأمر الأوّل: ان يقال بالفرق بين الاكتحال بالسواد و بين لبس الخاتم فإن الأوّل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 146

..........

______________________________

وضع للزينة و يكون الغرض الغالبي منه هي الزينة و قلّما يتفق ان يراد به غيرها كالمداوى أو حفظ البصر عن التأذي عن نور الشمس- مثلا- بخلاف لبس الخاتم الذي لم يوضع للزينة، بل قد عرفت اختلاف الأغراض في لبسه جدّا بل لعلّ كون الغرض منه هي السنّة امرا غالبيّا فيه و عليه فالكبرى المطوية في الصحيحة التي يكون مقتضاها حرمة لبس المحرم كل زينة لا يكون لبس الخاتم صغرى لها بوجه، بل الصغرى هو ما وضع للزينة مثل الاكتحال بالسّواد خصوصا بعد ظهور عدم كون التعليل بأمر تعبدي بل بما هو مورد لقبول العرف و العقلاء.

الأمر الثاني: ان يقال انه على تقدير تسليم كون لبس الخاتم من مصاديق الزينة و صغرياتها لا مانع من الالتزام بتخصيص تلك الكبرى المطوية الظاهرة في حرمة الزينة مطلقا و لو لم يقصد بها الزينة بأدلّة المقام التي مقتضاها التفصيل بين الصورتين،

و لا مجال لتوهم كون الكبرى بلحاظ وقوعها في مقام التعليل لا تصلح لعروض التخصيص لها، ضرورة أن وقوعها في المقام المذكور لا يخرجها عن القابلية له و تطبيقها على الصغرى المذكورة في العلّة انما هو بلحاظ عدم كونها من موارد التخصيص و عليه فالجمع بين أدلّة المقام و بين مقتضى التعليل هو إخراج لبس الخاتم عن العموم و الالتزام بالتفصيل.

و مما ذكرنا ظهر انه لو قطع النظر عن أدلّة المقام و فرضت المناقشة في صحة الاستدلال برواية مسمع التي عرفت انها الدليل الوحيد، لما كان وجه للالتزام بالتفصيل المذكور، بل لا بدّ امّا ان يقال بالجواز مطلقا أو يقال بعدمه كذلك، و عليه فجعل التعليل مستندا مع قطع النظر عن دليل المقام كما يظهر من بعض الاعلام قدّس سرّهم لا وجه له إلّا على تقدير كون المراد هي الحرمة المطلقة فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 147

..........

______________________________

ثم ان الظاهر انه لا فرق في حرمة لبس الخاتم على المحرم و جريان التفصيل فيه بين الرجل و المرأة لأن عنوان «المحرم» الذي يراد به الجنس شامل لكليهما، و عليه فلا بد من تقييد إطلاق ما دلّ على الجواز في المرأة المحرمة و هي رواية عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: تلبس المرأة المحرمة الخاتم من ذهب «1». و الحكم بانّ المراد هو ما إذا كان اللبس لغير الزينة كما لو كان الخاتم المذكور ثمينا جدّا و كان الغرض من لبسه حفظه من الضياع أو كان الغرض شيئا آخر.

الجهة الثانية: في استعمال الحناء و قد عدّه المحقق في الشرائع في عداد مكروهات الإحرام مع التقييد بقصد الزينة الظاهر في عدم

الكراهة أيضا بدون قصدها فقال:

«و استعمال الحناء للزينة و كذا للمرأة قبل الإحرام إذا قارنته» و في المدارك و كشف اللثام و غيرهما على ما حكى اسناد الحكم الأول إلى الأكثر، و لكن المحكي عن المقنعة و الاقتصاد و العلّامة في المختلف، القول بالحرمة.

و الرواية الواردة في استعمال الحناء بعد الإحرام رواية واحدة صحيحة رواها المشايخ الثلاثة باسنادهم عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن الحناء فقال: انّ المحرم ليمسّه و يداوي به بغيره (بعيره ظ) و ما هو بطيب، و ما به بأس «2».

و مورد السؤال و ان لم يكن فيه إشارة إلى المحرم و لم يقع التعرض له إلّا انه حيث يكون استعمال الحناء في غير حال الإحرام أمرا جائزا بل كان استحباب الخضاب ظاهرا لدى المتشرعة، فاللازم- ح- حمل السؤال على المورد الذي كان الجواز فيه محل الشبهة و هو حال الإحرام مضافا الى دلالة الجواب عليه.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الأربعون، ح 5.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 148

..........

______________________________

و امّا الجواب فالظاهر ان قوله عليه السّلام «ان المحرم ليمسّه» حكم مستقل مرجعه الى جواز استعمال الحناء مطلقا للزينة أو لغيرها و ليس عطف قوله: «و يداوي به بعيره» قرينة على كون المراد من المسّ، ما يرتبط بتداوي البعير و معالجته. و يؤيده كون العطف بالواو دون الفاء كما أنه يؤيده بل يدل عليه قوله «و ما هو بطيب» فان نفي كونه من مصاديق الطيب ناظرا الى عدم حرمة مسّه و استعماله كما يحرم مسّ الطيب و

استعماله، وجه الدلالة انه لو فرض كونه من الطيب لكان مسّه لتداوي البعير جائزا أيضا خصوصا مع انحصار طريق التداوي به و استلزامه للمسّ.

و أظهر من الجميع في إفادة إطلاق الحكم بالجواز قوله في الذيل «و ما به بأس» بعد ظهور كون مرجع الضمير هو الحناء الذي نفي كونه من الطيب في الجملة السابقة عليه لا التداوي به بعيره، و عليه فنفي البأس عن الحناء في حال الإحرام ظاهر في جوازه مطلقا سواء كانت زينة أو غيرها، قصد به الزينة أم لم يقصد، و لو لا الرواية الآتية التي يستفاد منها الكراهة لكان مقتضى هذه الرواية عدم الكراهة أيضا، كما انه لو قلنا باختصاص تلك الرواية بالمرأة التي هي موردها كما يستفاد من عبارة الشرائع المتقدمة لا دليل على الكراهة في المقام بالإضافة الى الرجل و تلك الرواية هي ما رواه أبو الصباح الكناني عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن المرأة خافت الشقاق فأرادت أن تحرم هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك قال: ما يعجبني ان تفعل «1».

لكن الظاهر عدم اختصاص الحكم في الرواية بالمرأة كما ان الظاهر اختصاصه بمثل الحناء الذي يبقى أثره الى ما بعد الإحرام، فلو فرض زوال أثره عند الشروع فيه لا مجال فيه لدعوى الكراهة كما ورد في بعض الروايات المتقدمة في النيّة و التلبية من

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 149

..........

______________________________

انه عليه السّلام أكل خبيصا فيه زعفران بعد النية و قبل التلبية، و عليه فإذا كان استعمال الحناء قبل الإحرام بلحاظ بقاء أثره مكروها يكون استعماله بعد الإحرام مكروها بطريق

أولى.

هذا و لكن في دلالة الصحيحة الواردة في المقام شبهة و هي ان المستفاد منها ان الشبهة الموجودة في الحناء الموجبة للسؤال عن حكمه انّما هي احتمال كونه من مصاديق الطيب و افراده، و لذا صرّح عليه السّلام في الجواب بنفي كونه من الطيب مع ان العمدة في الحناء انما هو انطباق عنوان الزينة عليه و كون الاستعمال الغالبي فيه هي الزينة بخلاف لبس الخاتم الذي مرّ انه لم يوضع للزينة و لو غالبا و لأجل ذلك يجري فيه التعليل المذكور في رواية الاكتحال بالسواد بقوله فإنه زينة و ما ورد في النظر إلى المرآة من قوله فإنه من الزينة و لو لا اشتمال رواية المقام على نفي كون الحناء من الطيب لكان الحكم بالجواز في الحناء مخصّصا للتعليل المشتمل على الكبرى المطوية و هي ان كل زينة حرام على المحرم و لازم التخصيص هنا إخراج استعمال الحناء عن الكبرى المذكورة مطلقا سواء كان المقصود به الزينة أو كان المقصود غيرها بخلاف لبس الخاتم الذي عرفت ان مقتضى الرواية الواردة فيه التفصيل بين قصد الزينة و بين قصد غيرها و امّا اشتمالها على عدم كون الحناء من الطيب فربما يوجب الإشكال في المسألة من جهة احتمال كون الجواز من هذه الجهة فلا ينافي الحرمة من جهة أخرى و لعلّه لذا نفي خلوّ الحرمة عن الوجه في المتن في الصورتين و ان كان يرد عليه انّ مجرد احتمال ذلك لا يقاوم ظهور الرواية في الجواز بعد كون السؤال عن أصل استعمال الحناء نعم الاحتمال المذكور مؤثر في جعل مقتضى الاحتياط الوجوبي الترك في الصورتين.

كما انه مما ذكرنا ظهر ان الجمع بين كراهة استعمال المحرم للحناء بقصد

الزينة و بين تخصيص الحكم بالكراهة بالمرأة فيما إذا كان الاستعمال قبيل الإحرام و عند

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 150

[الرابع عشر: لبس المرأة الحلّي للزينة]

الرابع عشر: لبس المرأة الحلّي للزينة فلو كان زينة فالأحوط تركه و ان لم يقصدها، و لا بأس بما كانت معتادة به قبل الإحرام و لا يجب إخراجه لكن يحرم عليها إظهاره للرجال حتى زوجها، و ليس في لبس الحلّي كفارة و ان فعلت حراما (1).

______________________________

إرادته كما عرفت في عبارة الشرائع مما لا يستقيم، فإنه لو كان خبر أبي الصباح المتقدم مختصّا بالمرأة التي هي مورده لا دليل على ثبوت الكراهة بالنسبة إلى الرجال بعد الإحرام لأنّك عرفت ان ثبوت الكراهة بعده انّما هو من طريق الأولوية و المفروض ان مورد الكراهة الأولية خصوص المرأة كما تدلّ عليه عبارته.

الجهة الثالثة: أنه لبس في لبس الخاتم المحرّم و هو ما إذا كان المقصود به الزينة و كذا في استعمال الحناء على تقدير حرمته كفارة لعدم دلالة شي ء من أدلّة الحرمة على ثبوت الكفارة و الدليل العام الدال على ثبوت كفارة الدم في جميع المحرمات قد عرفت ضعفه سندا و دلالة و انه لا ينهض لإثبات ذلك كما مرّ فلا كفارة في المقام بوجه.

(1) الظاهر انه لا إشكال في حرمة لبس المرأة الحلّي للزينة في حال الإحرام و في الجواهر: كما صرّح به غير واحد بل لعلّه المشهور بل في المدارك نفي الاشكال فيه و لو لا الروايات الخاصة الواردة في المقام لكان المستفاد من الكبرى المطوية في التعليل الوارد في الاكتحال بالسواد بقوله عليه السّلام فإنه زينة و كذا في بعض روايات النظر في المرآة حرمة لبس المرأة الحلّي

الذي يكون زينة بنفسه مطلقا من دون فرق بين صورة ما إذا كان المقصود هو التزيّن به أو كان الغرض غيره، لكن وردت في الباب طوائف من الروايات.

الاولى: ما ظاهره حرمة لبس المرأة للحلّي مطلقا من دون فرق بين صورة قصد الزينة و صورة عدمه و كذا من دون فرق بين أنواع الحلّي و اقسامه مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال: المحرمة لا تلبس الحلّي و لا المصبغات إلّا صبغا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 151

..........

______________________________

لا يردع «1».

الثانية: ما ظاهره التفصيل، و ان كان بينهما اختلاف في التفصيل أيضا مثل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: المحرمة تلبس الحلّي كلّه إلّا حليّا مشهورا للزينة «2». و ظاهره ان المستثنى من الحكم بالجواز لبس الحلّي المشتمل على خصوصيتين، إحداهما كونه مشهورا اي ظاهرا بارزا كما في مثل قوله شهر فلان سيفه ثانيتهما كون المقصود من لبسه هي الزينة و احتمال كون اللام في قول للزينة للتعليل مضافا الى انه خلاف الظاهر في نفسه يلزم منه الحكم بعموم الحرمة لجميع موارد المستثنى منه لأن مطلق الحلّي زينة فلا يبقى مورد للجواز.

و صحيحة الكاهلي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انه قال: تلبس المرأة المحرمة الحلّي كلّه إلّا القرط المشهور و القلادة المشهورة «3». و المراد من القرط بالضم ما يلقى في شحم الأذن و من القلادة ما يجعل على العنق و يعبّر عن الأوّل في الفارسية ب «گوشواره» و عن الثانية ب «گردن بند».

و من الواضح اختلاف الصحيحتين في المستثنى و كون النسبة عموما من وجه فإن الأوّل عام بالإضافة

الى كل حليّ مشهور و خاص من جهة التقييد بقصد الزينة و الثاني عام من جهة عدم التقييد بالقصد المزبور و خاص من جهة الاختصاص بالقرط و القلادة فالقدر المتيقن من مورد الحرمة صورة اجتماع كلا العنوانين، و امّا مادتا الافتراق فمورد للاختلاف لكن حيث انه لم يقل أحد بالتفصيل بين القرط و القلادة و بين غيرهما من

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 4، ص: 151

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الأربعون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الأربعون، ح 4.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الأربعون، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 152

..........

______________________________

أنواع الحلّي، فاللازم الأخذ بإطلاق صحيحة محمد بن مسلم و الحكم بثبوت الحرمة بالنسبة الى جميع الأنواع و مرجع ما ذكرنا امّا الى كون الشهرة الفتوائية مرجّحة بعد ثبوت التعارض و امّا الى ان التعارض و ان كان موجبا للتساقط لكن اللازم بعد التساقط الرجوع الى مثل صحيحة الحلبي المتقدمة في الطائفة الأولى الظاهرة في حرمة لبس الحلّي مطلقا.

و الطائفة الثانية: ما يمكن ان يقال بدلالته على الجواز مطلقا مع استثناء صورة الإظهار للرجال و هي صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة يكون عليها الحلّي و الخلخال و المسكة و القرطان من الذهب و الورق تحرم فيه و هو عليها و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجّها، انتزعه (اتنزعه ظ) إذا أحرمت أو تتركه

على حاله؟ قال: تحرم فيه و تلبسه من غير ان تظهره للرجال في مركبها و مسيرها «1».

بناء على كون محطّ نظر السائل هو جواز لبس المرأة الحلّي في حال الإحرام و عدمه و عليه فالجواب دالّ على الجواز و استثناء صورة الإظهار للرجال لكن التأمّل في الرواية يقضي بان محطّ نظر السائل بعد كون المفروغ عنه عنده هي حرمة لبس الحلّي في حال الإحرام و انه لا فرق في ذلك بين القرط و بين الخلخال و المسكة التي هي السوار و غيرهما انّه إذا كان الحلّي على المرأة في حال الإحرام مع كون لبسه مستمرّا في بيتها قبل ذلك و كانت معتادة له فهل يجب عليها الانتزاع أو يجوز ان تحرم فيه و يدلّ على ان مورد السؤال ما ذكرنا قوله، و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجّها فانّ التعبير ب «كانت» الظاهر في الاستمرار من جهة و اضافة هذه الجملة بعد كون الجملة الأولى دالة على وجود الحلّي في حال الإحرام و لم تكن حاجة الى إضافة الجملة الثانية من جهة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الأربعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 153

..........

______________________________

اخرى شاهد على كون هذه الجملة دخيلة فيما هو محطّ نظر السائل و انّها النقطة المهمة فيما هو مورد السؤال و هو يكشف عن كون أصل الحكم و هو حرمة لبس الحلّي مطلقا مفروغا عنه عند الراوي فالرواية من أدلّة الحرمة و الفرق بينها و بين صحيحة الحلبي كون دلالة هذه الرواية بالعموم و دلالة تلك بالإطلاق.

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا انه لا فرق بين أنواع الحلّي في الحرمة

و امّا التقييد بقصد الزينة الذي هو مفاد صحيحة محمد بن مسلم فالظاهر انّه لا معارض لها من هذه الجهة إذ النسبة بعد رفع اليد عن خصوصية القرط و القلادة بينها و بين سائر الأدلّة المانعة هو الإطلاق و التقييد، و اللازم رفع اليد عن الإطلاق بسبب دليل التقييد بل بالصحيحة ترفع اليد عن إطلاق صحيحة ابن الحجاج الدالّ على جواز عدم نزع ما كانت معتادة للبسه في بيتها قبل حجّها و جواز ادامة لبسه من دون فرق بين صورتي قصد الزينة و عدمه. و يحكم بالاختصاص بما إذا لم يكن المقصود من الإدامة و عدم النزع هي الزينة كما يشعر به نفس عنوان الاعتياد، مضافا الى استلزام النزع في بعض الموارد للمشقة و الحرج و الفرق بين صورة الاعتياد و عدمه عدم جريان شبهة الحرمة في الاولى مع عدم القصد بعد تصريح صحيحة ابن الحجاج بالجواز و ظهور الروايات المانعة في عدم الاعتياد أو تقييد إطلاقها على فرضه بالصحيحة.

نعم يقع الكلام في التقييد بقيد الشهرة الذي وقع التصريح به في صحيحتي ابن مسلم و الكاهلي و الظاهر ان المراد بها هي البروز و الظهور في مقابل ما إذا كان مستورا تحت لباس و نحوه كما ان الظاهر ان هذا القيد له دخل في اتصاف الحلّي بكونه زينة واقعا فإن الزينة الواقعية لا تجتمع مع الخفاء و المستورية كما ان أصل اللبس له دخل في تحقق الزينة و حصولها ضرورة انه بدونه لا يكون الحلّي زينة و إطلاقها عليه باعتبار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 154

..........

______________________________

كونها صالحة لأن يتزيّن به لا انه بالفعل تكون زينة، و عليه فالمشهورية كأصل

اللبس لها مدخلية في الاتصاف بكون الحلّي زينة، فالرواية تدلّ على ان لبس الزينة الواقعية إذا كان بقصد التزين يكون ممنوعا و امّا إذا لم يكن مقرونا بالقصد المذكور كما إذا أرادت حفظها من الضياع و نحوه فلا مانع منه و قد عرفت انّه بهذه الرواية يخصّص عموم التعليل المستفاد من رواية الاكتحال المتقدمة و تصير النتيجة انّ الحلّي فيما إذا كانت زينة واقعا يكون لبسه محرّما إذا قصد به الزينة نعم لا ينبغي ترك الاحتياط بترك لبس الزينة مطلقا و المسألة بعد في غاية الإشكال كما في الجواهر.

ثم ان صحيحة ابن الحجاج تدلّ على تقييد الجواز في صورة الاعتياد بما إذا لم تظهرها للرجال في مركبها و مسيرها و مقتضى عموم الرجال الشمول للزوج و المحارم و الأجانب كما ان مفادها جواز الإظهار للنساء و الظاهر ان الإظهار أمر و قصد الزينة أمر آخر فإنّ الإظهار من الأمور الواقعية غير القصدية و النسبة إلى الفاعل لا دلالة لها على كونه من الأمور القصدية بخلاف قصد الزينة الذي يكون تقوّمه بالقصد في مقابل قصد التحفظ عن الضياع و غيره من الأمور الأخر.

نعم في بعض الروايات المانعة اعتبار خصوص قصد التزيّن للزّوج و هي رواية النضر بن سويد عن أبي الحسن عليه السّلام قال سألته عن المرأة المحرمة أي شي ء تلبس من الثياب قال: تلبس الثياب كلّها إلّا المصبوغة بالزعفران و الورس، و لا تلبس القفازين و لا حليا تتزين به لزوجها و لا تكتحل إلّا من علّة و لا تمسّ طيبا و لا تلبس حلّيا و لا فرندا، و لا بأس بالعلم في الثوب «1».

لكن الرواية مضافا الى وقوع سهل بن زياد في سندها يكون

قوله عليه السّلام فيها في

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الأربعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 155

[الخامس عشر: التدهين و ان لم تكن فيه طيب]

الخامس عشر: التدهين و ان لم تكن فيه طيب، بل لا يجوز التدهين بالمطيب قبل الإحرام لو بقي طيبه الى حين الإحرام و لا بأس بالتدهين مع الاضطرار، و لا بأكل الدهن ان لم يكن فيه طيب، و لو كان في الدهن طيب فكفارته شاة حتى للمضطرّ به و إلّا فلا شي ء عليه (1).

______________________________

الذيل و لا تلبس حلّيا قرينة على عدم مدخليّة القيد المذكور في الصّدر و هو التزيّن به للزوج مع انه لا مفهوم له في نفسه، و فرندا ثوب معروف و هو معرّب.

ثم انه حيث لا يكون في شي ء من الروايات الواردة في لبس الحلّي ما يدلّ على ثبوت الكفّارة فيه فلا وجه لاحتمال ثبوتها فيه إلّا بناء على الرواية العامة التي مرّت الإشارة إليها مرارا التي كانت ضعيفة من حيث السند و الدلالة.

(1) قد وقع عنوان هذا الأمر في الشرائع هكذا: «و استعمال دهن فيه طيب محرّم بعد الإحرام و قبله إذا كان ريحه يبقى إلى الإحرام، و كذا ما ليس بمطيب اختيارا بعد الإحرام و يجوز اضطرارا».

و المستفاد من كلا العنوانين انّ ما هو الأصل في هذا الأمر و القدر المتيقن الذي لا يعتريه ريب ما يتعلق بالدهن الذي فيه طيب من التدهين به كما في المتن أو استعماله كما في الشرائع مع انك عرفت انه من الأمور المحرمة على الطيب صبغا و اطلاء و بخورا على بدنه أو لباسه و انه لا يجوز لبس ما فيه رائحته و لا أكل ما فيه الطيب

كالزعفران فيقع الكلام- ح- في الفرق بين الأمرين فهل الفرق بناء على تعبير المتن ان المتعلق للحكم بالحرمة هنا عنوان التدهين و انّ لهذا العنوان أصالة و بناء على تعبير الشرائع ان المتعلق للحكم بها هو الاستعمال المضاف الى الدهن الذي فيه طيب بخلاف ما هناك فان المتعلق له هو الطيب بجميع أنواعه أو ببعضها.

فان كان الفرق ما ذكر يرد على المتن ان الحكم بعدم جواز التدهين بالمطيب قبل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 156

..........

______________________________

الإحرام لو بقي طيبه الى حال الإحرام قرينة على عدم كون عنوان التدهين له موضوعية بل الملاك هو اشتمال الدهن على الطيب الذي قد عرفت ان الرائحة الموجودة فيه متقوّمة لمعناه و مأخوذة في تعريفه و عليه فهو المعيار و الملاك لا عنوان التدهين و ان كان هذا العنوان مأخوذا في معقد الإجماع الذي ادّعاه في محكي المنتهى حيث قال:

اجمع علمائنا على انه يحرم الادهان في حال الإحرام بالادهان الطيبة كدهن الورد و البان و الزئبق و هو قول عامة أهل العلم و تجب له الفدية إجماعا.

كما انه يرد على الشرائع انّ الاستعمال و ان كان شاملا للأكل أيضا بخلاف الادهان إلّا انه قد مرّ هناك حرمة الأكل أيضا.

و على ما ذكرنا فالظاهر ان يقال بانّ ما هو الأصل هنا هو الادّهان بدهن ليس فيه طيب أصلا و اللازم البحث فيه فنقول ان المشهور كما في الجواهر هي الحرمة بل عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه لكن ظاهر المحكي عن الجمل و العقود و الكافي و المراسم بل صريح المحكي عن المفيد عدم الحرمة.

و يدلّ على الحرمة صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال

لا تدّهن حين تريد ان تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر من أجل أنّ رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم، و ادّهن بما شئت من الدهن حين تريد ان تحرم، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحلّ «1». و روى مثله علي بن أبي حمزة كما في الوسائل مع اختلاف يسير فان مقتضى إطلاق الذيل الحرمة مطلقا من دون فرق بين ما كان الدهن فيه طيب و بين ما إذا لم يكن و تفريع الإطلاق في الحكم بالحرمة بعد الإحرام على التفصيل المذكور قبل الإحرام يمنع عن احتمال الاختصاص بما فيه طيب كما انّ التعرض للادهان بالدهن قبل

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 157

..........

______________________________

الإحرام قرنية على كون متعلق الحرمة بعد الإحرام أيضا هو الادهان فلا يشمل مثل أكل الدهن الذي لا يكون فيه طيب كما لا يخفى.

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال لا تمسّ شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك الحديث «1». فان عطف الدهن على الطيب الظاهر في المغايرة يقتضي الحكم بحرمة مسّ الدهن و ان لم يكن فيه طيب.

هذا و يظهر من بعض الاعلام قدّس سرّهم تبعا لصاحب الجواهر انّ ما يكون في مقابل دليل المشهور من الروايات المانعة هو طائفتان من الروايات إحداهما ما وردت في مورد الاضطرار الذي لا يرتبط بما هو محل البحث فعلا و ثانيتهما ما وردت في التدهين بعد الغسل قبل الإحرام و هي أيضا غير مرتبطة بالمقام الذي هو الادهان بعد الإحرام مع ان التتبع في الروايات يقضي بان

ما يكون في مقابل دليل المشهور هي بعض الروايات الصحيحة الظاهرة في الكراهة مثل صحيحة معاوية بن عمّار المفصلة المتقدمة في بحث الطيب المشتملة على قوله عليه السّلام: و انّما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء المسك و العنبر و الورس و الزعفران غير انه يكره للمحرم الأدهان الطيبة إلّا المضطر الى الزيت أو شبهه يتداوى به «2». فان التعبير بالكراهة في لسان الروايات و ان لم يكن ظاهرا بنفسه في الكراهة المصطلحة إلّا ان التعبير بها في مقابل الحرمة كما في الصحيحة يوجب ظهورها في الكراهة المصطلحة في الفقه و عند الفقهاء و عليه فالرواية ظاهرة في الحرمة و ليس المراد بالادهان الطيبة ما كانت مشتملة على الطيب المحرم لاستثناء صورة الاضطرار الى الزيت مع انه لا يكون مشتملا على الطيب بوجه فمثل هذه

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و العشرون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 158

..........

______________________________

الصحيحة دليل على الكراهة في مقابل المشهور.

لكن على هذا التقدير أيضا لا بدّ من الالتزام بما هو المشهور من الحرمة لأنّ الشهرة الفتوائية هي أوّل المرجحات في الخبرين المتعارضين على ما استفدناه من مثل مقبولة ابن حنظلة المعروفة فلا محيص من الحكم بالحرمة.

بقي الكلام في المقام في أمور:

الأمر الأوّل انه لا يجوز الادّهان بالمطيب قبل الإحرام إذا كان ريحه يبقى إلى الإحرام كما في محكيّ القواعد و النهاية و السرائر بل في المدارك نسبته إلى الأكثر خلافا للمحكيّ عن الجمل و العقود و المهذب و الوسيلة حيث انّهم ذهبوا الى الكراهة نظرا الى جوازه ما دام محلّا غايته وجوب الإزالة

فورا بعد الإحرام و ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه انه كالاجتهاد في مقابلة النص نظرا الى ظهور الحلبي المتقدمة في الحرمة و التفصيل قبل الإحرام بين المطيب و غيره معلّلا للحكم بالحرمة في الأوّل بقوله عليه السّلام: من أجل أنّ رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم.

و هذا التعليل يجري فيه احتمالان:

إحداهما ان الرائحة تبقى قهرا و لا يمكن الإزالة بحيث تنعدم الرائحة بل يحتاج الانعدام الى مرور زمان و مضي مدّة من الإحرام.

ثانيهما ان الرائحة تبقى لو لم يتصد المحرم للإزالة مقارنا للإحرام و إلّا فمع التصدي لها تنعدم الرائحة و لا يبقى منها شي ء فان كان المراد هو الاحتمال الأوّل فلا يجتمع ذلك مع قول القائلين بالكراهة في مقابل المشهور بوجوب الإزالة ضرورة ان وجوبها مشروط بإمكانها و عليه فحكمهم بوجوب الإزالة شاهد على ان مورد النزاع صورة الإمكان كما هو ظاهر، و ان كان المراد هو الاحتمال الثاني فالظاهر انه لا يجتمع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 159

..........

______________________________

مع قول صاحب الجواهر في ذيل البحث حيث انه قال: «ثم لا يخفى عليك ان تحريم الادهان بالمطيب الذي يبقى أثره انما يتحقق مع وجوب الإحرام و تضييق وقته و إلّا لم يكن الادّهان محرما و ان حرم إنشاء الإحرام قبل زوال أثره كما هو واضح» فان مقتضى هذا الكلام ارادة تطبيق الحكم في الرواية على القاعدة و انّها تقتضي التحريم في صورة وجوب الإحرام كما إذا كان لحجة الإسلام و تضييق الوقت و عدم إمكان التأخير مع انه لو كان المراد صورة إمكان الإزالة عند الإحرام و مقارنة معه لا حاجة الى فرض وجوب الإحرام و تضييق وقته

بل مقتضى القاعدة لزوم الإزالة و لو مع عدم الشرطين فالجمع بين كون مراد القائلين بالكراهة وجوب الإزالة و بين التطبيق على القاعدة بالنحو المذكور كما في الجواهر ممّا لا يستقيم.

هذا و لكن الظاهر ان المراد من التعليل هو الاحتمال الأوّل الذي مرجعه الى بقاء الأثر قهرا و لازمة عدم الحرمة مع عدم بقاء الرائحة من دون فرق بين بقاء العين و عدمه فانّ المحرّم في الادهان بغير المطيب بعد الإحرام انّما هو المعنى المصدري و هو إحداث الادّهان بعد الإحرام لا المعنى الاسم المصدري الذي يرجع الى كون المحرّم هو اتصافه بكونه مدهنا و لو كان حدوثه قبل الإحرام و ذلك لظهور صحيحة الحلبي المتقدمة الدالة على جواز الادهان بغير المطيب قبل الإحرام بأيّ دهن كان في جواز الادهان قبيل الإحرام أيضا و عدم وجوب الإزالة حاله مع انه تبقى عينه نوعا كما لا يخفى هذا مضافا الى الروايات الدالة على جواز الادهان قبل غسل الإحرام و معه و بعده.

الأمر الثاني انه يجوز الادهان بعد الإحرام في صورة الضرورة لأجل التداوي و العلاج و يدلّ عليه روايات متعددة مثل صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 160

..........

______________________________

قال إذا خرج بالمحرم الخراج أو الدمّل فليبطه و ليداوه بسمن أو زيت «1». و في بعض النسخ كما في الجواهر الجراح مكان الخراج كما ان المحكي عن الكافي فليربطه مكان فليبطه و الخراج- كما في مجمع البحرين- بضم المعجمة و كسرها و خفّة الراء ما يخرج في البدن من القروح و الورم و الواحدة خراجة كما انّ البط بمعنى الشقّ و معنى الربط

واضح.

و صحيحة محمد بن مسلم عن إحداهما عليهما السّلام قال سألته عن محرم تشققت يداه قال فقال يدهنها بزيت أو بسمن أو إهالة «2». و الإهالة هو الشحم المذاب.

و امّا رواية أبي الحسن الأحمسي قال سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام سعيد بن يسار عن المحرم تكون به القرحة أو البثرة أو الدمّل فقال اجعل عليه بنفسج و أشباهه مما ليس فيه الريح الطيّبة «3». فلا بد من ان تحمل على عدم انحصار التداوي بما يكون فيه الريح الطيبة و دوران الأمر بينه و بين مثل البنفسج و امّا في صورة التوقف و الانحصار فالظاهر الجواز كما لا يخفى نعم ورد في مورد البنفسج رواية دالة على ثبوت الكفارة يأتي التعرض لها في الأمر الآتي إن شاء اللّٰه تعالى.

الأمر الثالث أنه لا بأس بأكل الدهن بعد الإحرام إذا لم يكن فيه طيب و ذلك لما عرفت من ان المتعلق للحكم بالحرمة في مثل صحيحة الحلبي هو عنوان الادهان حيث قال عليه السّلام فيها: فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحلّ و قد مرّ ان الحكمين المذكورين السابقين على هذه الفقرة الواردين في مورد الادّهان قرنية على كون المراد

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الثلاثون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الثلاثون، ح 3.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الثلاثون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 161

..........

______________________________

من هذا الحكم تعلق الحرمة بالادهان بعد الإحرام دون عنوان الدهن حتى يشمل الأكل أيضا نعم عبارة الشرائع ظاهرة في حرمة مطلق الاستعمال و هو شامل للأكل لكنه لم ينهض دليل عليه.

الأمر الرابع في ثبوت

الكفارة الظاهر انه لا خلاف و لا إشكال في عدم ثبوت الكفارة في الادهان بدهن ليس فيه طيب و امّا بما فيه طيب فالظاهر ان المشهور فيه ثبوت كفارة الشاة و قد مرّت حكاية الإجماع على لزوم الفدية عن العلّامة في المنتهى و قد وقع التصريح كما في المتن بثبوت الكفارة حتى للمضطرّ به.

و قبل البحث في ذلك نقول انه قد ذكر المحقق في باب الكفارات في كفارة الطيب: «المحظور الثاني الطيب فمن تطيب كان عليه دم شاة سواء استعمله صبغا أو اطلاء ابتداء أو استدامة أو بخورا أو في الطّعام».

و قال في كفارة الادهان: «و من استعمل دهنا طيّبا في إحرامه و لو في حال الضرورة كان عليه شاة على قول» و عليه فقد أورد عليه بأنه لا يمكن الجمع بين الجزم بلزوم دم شاة في التطيب و بين الترديد الذي يدلّ عليه قوله: على قوله في استعمال الدّهن الطيب.

و قد تصدى بعض الاعلام قدّس سرّهم للتوفيق بين الكلامين بما يرجع محصّله الى انّ الادهان بالدهن الطيب ليس من استعمال الطيب المتعارف المسمّى في عرفنا بالعطور فان الطيب اسم لجسم خاص تكون فائدته الاستشمام و التطيب به و ليس مجرد وجود رائحة طيبة في جسم موجبا لدخوله في عنوان الطيب و العطور فإذا يقع الكلام في تقييد الدهن بكونه طيبا في كلام المحقق فنقول ان الدهن على قسمين قسم لا يعد للأكل بل يتنفر منه الطبع و انما يستعمل للإسراج أو العلاج و نحو ذلك كالدهون المتخذة من النفط و قسم يعدّ للأكل و له رائحة طيبة لطيفة كدهن الزيت و غيره من الدهون المعدّة للأكل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج،

ج 4، ص: 162

..........

______________________________

التي يقبله الطبع و لكن مع ذلك لا يدخل في عنوان الطيب و العطور فالمراد بالدهن الطيب هو الذي يستعمل في الأكل ثم أخذ في الاشكال على المحقّق بما يأتي البحث فيه.

و يرد عليه مضافا الى انّ دخول العطور المتعارفة في الطيب المحرم على المحرم محلّ خلاف و إشكال فإن القدر المتيقن منه كما اختاره قدّس سرّه بنفسه هو مثل الزعفران و المسك و العنبر و العود كما تقدم البحث فيه مفصّلا.

انّ حمل كلام المحقق في كفارة المقام على استعمال الدهن الذي لا يكون فيه طيب محرم بل يشتمل على رائحة طيبة لطيفة ممنوع جدّا ضرورة انّ الموضوع للكفارة هو الذي ذكره في محرمات الإحرام و جعل تركه من التروك الواجبة في حال الإحرام مع انك عرفت ان عبارته في هذا المقام مشتملة أوّلا على اتصاف الدهن بكونه فيه طيب و من الواضح وجود الفرق بين ثبوت الطيب فيه و بين كونه له رائحة طيبة، و ثانيا على حرمة استعمال الدهن المزبور إذا كانت رائحته تبقى الى ما بعد الإحرام، مع ان الدليل عليه هي صحيحة الحلبي التي وقع التعبير فيها بكون الدهن فيه مسك أو عنبر و هما من الأنواع المسلّمة للطيب التي لا يرتاب فيه و لا مجال لدعوى كون المراد من المحرم الإحرامي غير ما هو الموجب للكفارة هنا انّ المراد من قوله في عداد محرّمات الإحرام و استعمال دهن فيه طيب محرم بعد الإحرام و قبله إذا كان ريحه يبقى إلى الإحرام غير ما هو المراد في موجب الكفارة من قوله «و من استعمل دهنا طيّبا»، ضرورة وضوح الاتحاد و ظهوره، فالتوفيق بالوجه المزبور مما لا يستقيم بوجه.

نعم

يقع الكلام في الدليل على ثبوت الكفارة بالادهان بالدهن الذي يكون فيه طيب أي يكون مشتملا على مثل الزعفران و المسك و العنبر خصوصا بعد ما عرفت منّا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 163

..........

______________________________

هناك من ان الأكل يكون فيه الكفارة بنحو الأقوى، و غير الأكل لا دليل على ثبوت الكفارة فيه، غاية الأمر الحكم بالثبوت بنحو الاحتياط الوجوبي و من المعلوم ان الادهان لا يشمل الأكل بوجه.

و كيف كان فان قلنا في ذلك البحث بثبوت الكفارة في مطلق استعمال الطيب و الانتفاع به فالحكم بثبوتها في المقام لا يحتاج الى دليل خاص لشمول ذلك الدليل للمقام أيضا نعم يقع الكلام على هذا التقدير في تعميم الحكم بثبوت الكفارة لصورة الضرورة أيضا كما وقع التصريح به في المتن هنا تبعا للسرائر و النهاية.

و ان لم نقل بذلك بل باختصاص الكفارة بخصوص الأكل الذي لا يصدق على الادّهان بوجه فربما يقال ان المستند في ثبوت الكفارة في المقام، ما رواه ابن أبي عمير عن معاوية بن عمّار في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج، قال: ان كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين و ان كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه «1».

قال في الجواهر بعد نقل الرواية: «و المناقشة بكونه مقطوعا يدفعها الانجبار بالعمل كاندفاع الإضمار بظنّ إرادة الإمام عليه السّلام منه ان لم يكن القطع و كذا دعوى أخصيّته من المدعى و اشتماله على ما لا يقول به الأصحاب من الكفارة على الجاهل يدفعها عدم القول بالفصل و عدم خروج الباقي عن الحجية و- ح- فلا مناص عن القول بوجوبها فيه».

و لكن يرد على الاستدلال بالرواية وجوه من الإشكال أكثرها

غير قابل للجواب أصلا:

الأوّل: انّ ما ذكر لا يكون رواية لمعاوية بن عمار بل ظاهره كون ما ذكره فتوى منه

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 164

..........

______________________________

اجتهادا، و له نظائر كثيرة خصوصا بعد ملاحظة ثبوت الاجتهاد في ذلك الرمان و أمر الإمام عليه السّلام بعض أصحابه بالجلوس في المسجد و الإفتاء للنّاس و عليه فالظاهر كون المنقول غير الرواية، بل هو النظر و الرأي و إذا لم تكن رواية فهي غير قابلة للانجبار لأن الشهرة الجابرة انّما تكون جابرة للرواية للضعيفة من بعض الوجوه و لا تكون جابرة للفتوى إلّا على تقدير القول بحجية الشهرة الفتوائية في نفسها و هي مع انها غير ثابتة كما حقق في محلّه توجب ان تكون هي المستند في المقام دون الرواية.

الثاني: انّ دهن بنفسج ليس فيه طيب و لا له رائحة طيبة كما قد وقع التصريح به في رواية الأحمسي المتقدمة في ذيل الأمر الثاني و لم يقل أحد بثبوت الكفارة في الدهن الذي لا يكون فيه طيب و لا له رائحة طيبة أصلا.

الثالث: اشتماله على ثبوت الكفارة على الجاهل أيضا و هو مما لا يقول به الأصحاب كما عرفت في عبارة الجواهر المتقدمة أنفا. نعم لو أغمض النظر عن الإشكالات المذكورة، لكانت دلالة الرواية على ثبوت الكفارة في صورة الضرورة و التداوي واضحة، و منه يظهر الثبوت في صورة الاختيار بطريق أولى كما لا يخفى.

ثم انه استدلّ صاحب الجواهر قدّس سرّهم في ذيل كلامه لوجوب الكفارة برواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال اللّٰه تعالى في كتابه «فَمَنْ كٰانَ

مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ»، فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فصيام ثلاثة أيام و الصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام و النسك شاة يذبحها فيأكل و يطعم و انّما عليه واحد من ذلك «1».

و لكن الرواية مضافا الى ضعف سندها بمحمد بن عمر بن يزيد، واردة في تفسير

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 165

[السادس عشر: ازالة الشعر، كثيره و قليله حتى شعرة واحدة]

اشارة

السادس عشر: ازالة الشعر، كثيره و قليله حتى شعرة واحدة عن الرأس و اللحية و سائر البدن بحلق أو نتف أو غيرهما بأيّ نحو كان و لو باستعمال النورة سواء كانت الإزالة عن نفسه أو غيره و لو كان محلّا (1).

______________________________

الآية الشريفة التي موردها الإحصار بقوله تعالى «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» و ما بعده تفريع عليه و لا تشمل مثل المقام مع انّ الكفارة المخيّرة بين الأمور الثلاثة لم يقل به أحد فيما نحن فيه فلا مجال للاستدلال بها هنا.

(1) لا خلاف في حرمة إزالة الشعر على المحرم في حال الاختيار بل قال في الجواهر: الإجماع بقسميه عليه بل في التذكرة و المنتهى إجماع العلماء و الظاهر انه لم ينهض دليل لفظي على حرمة هذا العنوان بنحو الإطلاق بل هي مستفادة من ملاحظة مجموع ما ورد في الباب فنقول:

امّا ما يدل على حرمة الحلق المضاف إلى الرأس فهو قوله تعالى «وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ»، و مورده و ان كانت صورة الإحصار التي

يدل عليها قوله تعالى قبله «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»، لكن الظاهر انّ حرمة حلق الرأس لا تكون حادثة بسبب الإحصار بل المراد ان الإحصار لا يوجب ارتفاع الحرمة المتحققة بالإحرام بل هي باقية الى ان يبلغ الهدى محلّه فتدلّ الآية على انّ حرمة حلق الرأس من أحكام الإحرام و اثاره سواء كان إحرام الحج أو إحرام العمرة.

و امّا ما يدلّ على حرمة حلق غير الرأس بالمطابقة أو بالملازمة من طريق ثبوت الكفارة فهي صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟ قال: لا إلّا أن لا يجد بدّا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم «1».

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 166

..........

______________________________

و صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق أو تقطع الشعر «1». و هما و ان كانتا متعارضتين في جواز الحجامة و عدمه إلّا ان المقصود هنا استفادة حرمة الحلق المضاف الى غير الرأس منهما و هما مشتركتان في ذلك و غيرهما من الروايات الدالة على ذلك.

و امّا ما يدلّ على حرمة غير عنوان الحلق أيضا من العناوين الأخر فمثل صحيحة حريز التي عطف فيها القطع على الحلق و صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا، فلا شي ء عليه، و من فعله متعمدا فعليه دم «2».

و لا يخفى ان صاحب الوسائل أورد هذه الرواية بصورة أربع روايات في باب واحد مع انه من الواضح وحدتها.

و صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا

عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم كيف يحكّ رأسه؟ قال بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر «3». و الوجه في لزوم الحكّ بالأظافير عدم تحقق تغطية الرأس التي هي من محرّمات الإحرام من دون فرق بين الجميع و بين البعض و كذا بين الستر بأعضاء البدن أو بأشياء أخر.

و رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس بحكّ الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر و يحكّ الجسد ما لم يدمه «4». و لكنها ضعيفة بمحمد بن عمر بن يزيد.

و موثقة الهيثم بن عروة التميمي قال سأل رجل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يريد

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 5.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب العاشر، ح 1.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 1.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 167

..........

______________________________

إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو شعرتان فقال: ليس بشي ء مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «1». فإن السؤال في نفسه يدلّ على مفروغية حرمة الإزالة اختيارا و ان مورد الشبهة هو السقوط من غير اختيار في حال الوضوء و الجواب ظاهر في ان الدافع للحرمة هو الحرج غير المجعول في الشريعة و لولاه لكانت باقية بقوّتها.

و كذا الروايات الدالّة على ثبوت الكفارة مثل صحيحة معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة و الثنتان قال: يطعم شيئا «2».

و غير ذلك من الروايات المتعددة الواردة في الكفارة.

و المستفاد من جميع ما ذكرنا حرمة

الإزالة سواء كانت بنحو الحلق أو النتف أو القطع أو الإلقاء أو غيرها كالقصّ و استعمال النورة و حتى مثل الإحراق كما انه يستفاد مما ذكرنا انه لا فرق بين الرأس و اللحية و الإبط و مكان الحجامة و غيرها من سائر أعضاء البدن.

بقي الكلام فيما أفاده في المتن في الذيل بقوله: سواء كانت الإزالة عن نفسه أو غيره و لو كان محلّلا فنقول:

امّا إذا كان الغير محلّا فهو و ان كان محلّ خلاف من حيث الجواز و عدمه حيث انّ المحكي عن الشيخ قدّس سرّه في الخلاف الجواز في التهذيب عدم الجواز إلّا انه قد ورد فيه رواية صحيحة رواها الكليني و الشيخ عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال:

لا يأخذ المحرم من شعر الحلال «3». و روى في الوسائل رواية أخرى مرسلة معتبرة عن

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب السادس عشر، ح 6.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب السادس عشر، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الستون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 168

[مسألة 28- لا بأس بإزالة الشعر للضرورة كدفع القملة و إيذائه للعين]

مسألة 28- لا بأس بإزالة الشعر للضرورة كدفع القملة و إيذائه للعين- مثلا-

______________________________

الصدوق قال: قال عليه السّلام لا يأخذ الحرام من شعر الحلال «1». و لكن الظاهر عدم كونها رواية أخرى بل اتحادها مع الرواية الأولى كما ان الظاهر ان المراد من الأخذ المنهي عنه أو المنفي الذي تكون دلالته على الحرمة أقوى من النهي معناه الكنائي الذي يرجع الى الإزالة. و عليه فلا مجال للإشكال في الدلالة على الحرمة بالإضافة إلى المحل.

و امّا بالنسبة إلى المحرم الذي نفس في الجواهر الخلاف بل

الإشكال في عدم جوازه بل حكى عن المدارك الإجماع عليه، فالدليل عليه هي الأولوية القطعية لأنه لا مجال لاحتمال كون الحكم في المحلّ أشدّ من المحرم.

و لكن ذكر بعض الاعلام قدّس سرّهم انه يمكن الاستدلال له بوجه آخر و هو ان الحكم إذا كان عامّا شاملا لأفراد قد يفهم منه عرفا عدم جواز التسبيب إليه أيضا و عدم اختصاصه بالمباشرة نظير ما إذا قال المولى لعبيدة لا تدخلوا عليّ في هذا اليوم، فان المتفاهم من ذلك، عدم جواز إدخالهم الغير أيضا و ان هذا الفعل مبغوض من كلّ أحد و لا يختص بالمباشرة و دخول العبيد أنفسهم.

و الظاهر انّ هذا هو مراد صاحب الجواهر حيث استدلّ بعد الإجماع بقوله مضافا الى ما يفهم من الأدلة من عدم جواز وقوع ذلك من أيّ مباشر كان.

و مقتضى كلاهما عدم جواز تحقق الإزالة من المحلّ بالنسبة إلى المحرم أيضا، و الظاهر انه لا يقول به أحد مع ان مرجع التسبيب إلى مدخلية المحرم الذي يؤخذ من شعره في تحقق الإزالة و المدعى حرمتها و لو كان المحرم المأخوذ عنه نائما أو غافلا فتدبّر فالظاهر انه لا محيص عن الرجوع الى الأولوية المذكورة.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الستون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 169

و لا بأس بسقوط الشعر حال الوضوء أو الغسل بلا قصد الإزالة (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فرعان:

الفرع الأوّل: جواز إزالة الشعر للضرورة من حيث الحكم التكليفي قال في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه.

و يدلّ على الجواز قوله تعالى بعد النهي عن حلق الرأس حتى يبلغ الهدي محلّه «فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ

بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ» فانّ مدلوله المطابقي و ان كان هو ثبوت الفدية بالإضافة إلى المريض أو من به أذى من رأسه إلّا ان مراده ارتفاع الحرمة بذلك و ثبوت الفدية فنفس الآية تدلّ على الجواز في حال الضرورة في مورد حلق الرأس الذي هو المصداق الكامل لإزالة الشعر ففي سائر الموارد يكون بطريق أولى.

مع انّ مقتضى قاعدة نفي الحرج أيضا ذلك و لكنه مع ذلك قد ورد في الروايات المتعددة التي بعضها واردة في شأن نزول الآية ما يدل على الجواز.

ففي صحيحة حريز التي رواها الشيخ عنه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: مرّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله على كعب بن عجرة الأنصاري و القمل يتناثر من رأسه «و هو محرم» فقال أ تؤذيك هو أمّك؟ فقال: نعم، قال فأنزلت هذه الآية «فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ»، فأمره رسول اللّٰه بحلق رأسه، و جعل عليه الصيام ثلاثة أيام و الصدقة على ستّة مساكين لكل مسكين مدّان، و النسك شاة قال:

و قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام و كل شي ء في القرآن «أو» فصاحبه بالخيار يختار ما شاء، و كل شي ء في القرآن «فمن لم يجد فعليه كذا» فالأول بالخيار «1». يعني لا بدّ و ان يختار الأوّل ابتداء و مع عدم وجدانه ينتقل الى الثاني و هكذا بخلاف ما إذا كان بصورة العطف بأو فإنه مخيّر من أوّل الأمر بين الطرفين أو الأطراف هذا و لكن في اتصاف سند الرواية

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج،

ج 4، ص: 170

..........

______________________________

بالصحة اشكالا من جهة انّ الشيخ و ان كان رواها عن حريز بطريق صحيح و هو عن الامام عليه السّلام من دون واسطة لكن الكليني رواها بعينها من دون فرق إلّا في عدم ثبوت الباء في قوله في آخر الرواية بالخيار عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام و عليه فالرواية من هذا الطريق تكون مرسلة و حيث انّ الرواية واحدة و الراوي لها هو حريز و نقله مردّد بين الإرسال و غيره فلا تتصف الرواية بالاعتبار و الحجّية لأن موضوعها الرواية المسندة الصحيحة- مثلا- و هذا الموضوع غير محرز في المقام.

نعم لو كان الراوي متعددا لم يقدح إرسال إحداهما في صحة الأخرى، كما انه لو كانت رواية الصدوق لها في المقنع بنحو الإرسال من قبيل المرسلات المعتبرة التي أشرنا إليها مرارا لكانت معتبرة لكن لا يحضرني فعلا كتاب المقنع حتى أراجعه، مع انّك عرفت انه لا حاجة الى الرواية أصلا بعد دلالة الآية بوضوح على ارتفاع الحرمة لمن كان مريضا أو به أذى من رأسه، مضافا الى قاعدة نفي الحرج و ان كانت قاعدة نفي الضرر محلّ خلاف و اشكال.

الفرع الثاني: انه لا بأس بسقوط الشعر حال الوضوء أو الغسل مع عدم قصد الإزالة و يدلّ عليه مضافا الى قاعدة نفي الحرج، موثقة الهيثم بن عروة التميمي، قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو شعرتان فقال: ليس بشي ء، مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «1». و من الواضح انه لا فرق بين الوضوء و الغسل كما ان الظاهر انه لا فرق بين الوضوء الواجب على تقدير

وجوبه و بين الوضوء المستحب و كذا في باب الغسل و الاستدلال في الرواية على عدم الحرمة بقاعدة نفي الحرج لا يوجب الانحصار بالوضوء و الغسل الواجبين كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب السادس عشر، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 171

[مسألة 29- كفّارة حلق الرأس ان كان لغير ضرورة شاة]

مسألة 29- كفّارة حلق الرأس ان كان لغير ضرورة شاة على الأحوط بل لا يبعد ذلك، و لو كان للضرورة اثنا عشر مدّا من الطعام لستة مساكين لكل منهم مدّان، أو دم شاة أو صيام ثلاثة أيام، و الأحوط في إزالة شعر الرأس بغير حلق، كفارة الحلق (1).

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في أمور:

الأمر الأوّل: كفارة حلق الرأس في حال الاختيار و عدم الضرورة. و المشهور بل ربما يستظهر من المنتهى، الإجماع على عدم الفرق في الفدية التي تدلّ عليها الآية الشريفة و هي المخيّرة بين الأمور الثلاثة، بين الضرورة و غيرها و في كلام المحقّق إطلاق الحكم حيث قال: «الخامس حلق الشعر و فيه شاة أو إطعام عشرة مساكين لكل منهم مدّ و قيل ستّة لكل منهم مدّان أو صيام ثلاثة أيام».

و التحقيق انّ الآية الشريفة لا تدلّ على ثبوت الكفارة في حلق الرأس اختيارا و ثبوتها في صورة الضرورة لا تستلزم الثبوت في صورة الاختيار فضلا عن الدلالة بصورة الأولوية و على تقدير الدلالة لا دلالة لها على وحدة الكفّارتين و عدم ثبوت المغايرة في البين فلا بد في استفادة كفارة صورة الاختيار من الرجوع الى ما يدلّ عليه من الروايات و إلّا فالآية و الروايات الواردة في تفسيرها و بيان شأن نزولها قاصرة عن بيان كفارة الاختيار، فانظر إلى صحيحة

زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فآذاه رأسه قبل ان ينحر هديه فإنه يذبح شاة في المكان الذي أحصر فيه أو يصوم أو يتصدق على ستّة مساكين، و الصوم، ثلاثة أيام، و الصدقة، نصف صاع لكل مسكين.

و تؤيدها رواية حريز المتقدمة المرددة بين المسندة الصحيحة و المرسلة.

و كيف كان فالذي يمكن ان يستدلّ به لحكم صورة الاختيار صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا، فلا شي ء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 172

..........

______________________________

عليه، و من فعله متعمدا فعليه دم «1».

فان الظاهر بقرينة المقابلة سيما مع الجاهل ان المراد بالمتعمد ليس هو الملتفت القاصد فقط بل هو مع عدم المشروعية في حقّه فتدلّ على ثبوت الدم في الحلق الاختياري غير المشروع و الظاهر ان ثبوت الدم انّما هو بعنوان التعين لا بعنوان أحد الأمور الثلاثة المخيّرة.

و الظاهر اتّحاد هذه الرواية مع الرواية التي جعلت رواية أخرى لزرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: من نتف إبطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء، و من فعله متعمّدا فعليه دم شاة «2».

و على ما ذكرنا يظهر اختلاف الصورتين من جهة الكفارة فإن كان هناك إجماع على الاتحاد، فلا بدّ من الأخذ به و ان لم يكن كما هو الظاهر، فمقتضى الدليل عدم الاتحاد، و لأجله نفي البعد في المتن عن ثبوت الدم في صورة الاختيار في المتن.

الأمر الثاني:

كفارة حلق الرأس في صورة الضرورة و صريح الآية ثبوت الكفارة المخيرة فيه بين الصيام و الصدقة و النسك و لا اشكال و لا خلاف في ان الصيام ثلاثة أيام و ان المراد بالنسك هي الشاة و امّا الصدقة فالأشهر في الرواية و الفتوى كما في الجواهر حاكيا عن كشف اللثام ما في المتن من كون الصدقة على ستّة مساكين لكل مسكين مدان و يدلّ عليه مضافا الى رواية حريز المتقدمة المرددة بين المسندة و الصحيحة، صحيحة زرارة على نقل الشيخ في التهذيب عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا أحصر الرجل

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب العاشر، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 173

..........

______________________________

فبعث بهديه فاذاه رأسه قبل ان ينحر هديه فإنه يذبح شاة في المكان الذي أحصر فيه أو يصوم أو يتصدق على ستة مساكين و الصوم ثلاثة أيام و الصدقة نصف صاع لكل مسكين «1».

لكن في مقابلها مرسلة الصدوق المعتبرة قال مرّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله على كعب بن عجرة الأنصاري و هو محرم و قد أكل القمل رأسه و حاجبيه و عينيه فقال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله ما كنت أرى ان الأمر يبلغ ما أرى فأمره فنسك نسكا لحلق رأسه لقول اللّٰه عز و جل فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك، فالصيام ثلاثة أيام و الصدقة على ستة مساكين لكل مسكين صاع من تمر «2». قال روى مدّ من تمر و النسك شاة لا يطعم منها أحدا إلّا

المساكين «3».

هذا و لكن حيث ان الظاهر انه لم يقل أحد من الأصحاب بالصدقة على ستة مساكين لكل مسكين صاع الذي هو أربعة أمداد فاللازم طرح المرسلة و ان كانت في نفسها معتبرة.

هذا و ظاهر عبارة الشرائع المتقدمة ترجيح إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مدّ و لعلّ مستنده رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال اللّٰه تعالى في كتابه:

«فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فصيام ثلاثة أيام و الصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام و النسك شاة يذبحها فيأكل و يطعم و انّما

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع عشر، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع عشر، ح 4.

(3) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع عشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 174

..........

______________________________

عليه واحد من ذلك «1» بناء على كون المدّ ملازما غالبا للإشباع. و لكن الرواية ضعيفة سندا بمحمد بن عمر بن يزيد و دلالة حيث ان مفادها جواز الأكل من الشاة بل وجوبها مع ان الظاهر عدم جواز الأكل من الكفارة كما يدلّ عليه ذيل مرسلة الصدوق المعتبرة، فلا مجال للأخذ بها. و لكن الشيخ حملها على التخيير في كمية الإطعام بين ان يطعم ستّة مساكين لكل مسكين مدّان و بين ان يطعم عشرة يشبعهم.

و عن النافع التخيير بين عشرة أمداد لعشرة و اثني عشر لستّة، و عن النهاية و المبسوط الاحتياط بإطعام عشرة و عن المختلف الأحوط الستّة لكل واحد

مدان، و عن المقنعة و النهاية و المبسوط و السرائر ستّة أمداد لستّة و يدلّ عليه ذيل مرسلة الصدوق حيث قال و روى مدّ من تمر.

و لكن بعد الإحاطة بما ذكرنا يظهر انه لا محيص عن الأخذ بما في المتن لصحة مستنده و وجوه الشهرة على طبقه بل قال في الجواهر لا ريب في ان الأقوى الستّة لكل واحد مدان.

الأمر الثالث: هل في إزالة شعر الرأس بغير الحلق كالنتف أو النورة أو الإحراق كفارة أم لا ظاهر المحكيّ عن التذكرة ان المراد بالحلق مطلق الإزالة كما وقع التعبير بها من بعضهم و لا يبعد الالتزام به لأنّ العرف لا يرى لعنوان الحلق المضاف إلى الرأس خصوصية و ان كانت الخصوصية بلحاظ المضاف اليه و هو الرأس متحققة و لذا عطف نتف الإبط على حلق الرأس في بعض الروايات الواردة في الكفارة. و الظاهر ان المغايرة التي يدلّ عليها العطف من جهة المضاف اليه لا من جهة المضاف، و عليه فالأحوط لو لم يكن ثبوت كفارة الحلق في الإزالة من دون فرق بين صورتي الاختيار

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 175

..........

______________________________

و الاضطرار.

كما انّ تحريم الحلق على المحرم مع ملاحظة انّ حلق الرأس لا يكاد يمكن ان يتحقق من نفس الشخص بالمباشرة نوعا يرشد الى ان مجرد الإضافة اليه و لو بالرّضا أو الاستيجار و نحوهما، يكفي في تحقق المحرم و ان لم يكن هو المباشر و لأجله يصدق هذا العنوان على من حلق رأسه كذلك نعم لا يصدق لو حلق رأسه في صورة النوم و الإغماء و نحوهما كما ان

ثبوت الحرمة للمحرم بالإضافة الى رأس نفسه يقتضي عدم الثبوت على الحالق سواء كان محرما أو محلّا كما انه لا تثبت للمحرم فيما إذا حلق رأس غيره و عليه فلا كفارة أيضا.

ثم انّ الظاهر ان الحلق الموجب للكفارة هو حلق جميع الرأس أو ما يصدق عليه عرفا حلق الرأس فلو أبقى جزء يسيرا منه بحيث لا يقدح في صدق حلق الرأس يكفي في تحقق موضوع الحرمة و ثبوت الكفارة.

امّا فيما إذا حلق نصف الرأس- مثلا- ففي الجواهر: أمكن القول بوجوب دم عليه إذا كان مساويا لنتفه الإبط أو أزيد و ان كان لا يخلو من نظر ثم حكى عن المنتهى انه قال: و الكفارة عندنا تتعلق بحلق جميع الرأس أو بعضه قليلا كان أو كثيرا لكن يختلف ففي حلق الرأس دم و كذا فيما يسمّى حلق الرأس و في حلق ثلاث شعرات صدقة بمهما كان.

أقول ان ثبوت الكفارة في حلق الرأس و في نتف الإبطين و الإبط الواحدة و في سقوط شعرة أو أزيد إذا مسّ لحيته أو رأسه كما يأتي البحث في الأخيرتين في المسألة الآتية إن شاء اللّٰه تعالى و ان كان يؤيد ثبوتها في حلق الرأس غير ما يصدق عليه حلق الجميع عرفا أيضا إلّا ان الاقتصار على مقتضى الدليل يقتضي عدم الثبوت خصوصا مع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 176

[مسألة 30- كفارة نتف الإبطين شاة]

مسألة 30- كفارة نتف الإبطين شاة، و الأحوط ذلك في نتف إحداهما، و إذا مسّ شعره فسقط شعرة أو أكثر فالأحوط كف طعام يتصدق به (1).

______________________________

ملاحظة ان نتف بعض الإبط لا يترتب عليه كفارة كما صرّح به صاحب الجواهر قدّس سرّه و عليه فمقتضى القاعدة

عدم ثبوت شي ء و ان كان الاحتياط في خلافه.

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في أمرين:

الأمر الأوّل: في كفارة نتف الإبط و المعروف انه لو نتف أحد إبطيه أطعم ثلاثة مساكين و لو نتفهما لزمه شاة، بل قال في الجواهر: بلا خلاف أجده في الثاني منهما بل و الأوّل إلّا من بعض متأخري المتأخرين.

و الروايات الواردة في هذا الأمر ثلاث:

أحدهما صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمدا فعليه دم «1».

ثانيتها ما رواه الشيخ في التهذيب بطريق صحيح عن حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام (أبي جعفر خ ل) قال: إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم «2». قال في الوسائل بعد النقل المزبور و رواه الصدوق بإسناده عن حريز مثله إلّا انه قال: إبطه بغير تثنية.

ثالثتها رواية عبد اللّٰه بن جبلة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في محرم نتف إبطه قال: يطعم ثلاثة مساكين «3».

و عبد اللّٰه من رجال كامل الزيارات فهو موثق بالتوثيق العام و هو حجّة إذا لم يعارضه قدح خاص و تضعيف كذلك مع انّه على تقدير الضعف يكون منجبرا بفتوى

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب العاشر، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الحادي عشر، ح 1.

(3) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الحادي عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 177

..........

______________________________

المشهور على طبقه و الاستناد اليه حيث انّ إطعام ثلاثة مساكين لا يوجد في غير هذه الرواية.

ثمّ انّ التحقيق في الجمع بين الروايات ان يقال انه تارة يفرض كون

صحيحة حريز مشتملة على حكم نتف الإبطين كما في نقل الشيخ قدّس سرّه و اخرى يفرض كونها مشتملة على حكم نتف الإبط بصورة الافراد دون التثنية كما في نقل الصدوق الذي هو أضبط من الشيخ كالكليني.

فعلى التقدير الأوّل تكون صحيحة حريز دالة على ثبوت الدم في نتف الإبطين و لا تنافيها صحيحة زرارة الدالة على ثبوت الدم في مطلق النتف سواء تعلق بابط واحدة أو بابطين إذ ليس لصحيحة حريز مفهوم من جهة العدد بل مطلقا على ما حققناه في محلّه من بحث المفاهيم. نعم تنافيها رواية ابن جبلة، تنافي الإطلاق و التقييد، فيقيد إطلاقها بالصحيحة.

و اما بالإضافة إلى نتف إبط واحدة فالمعارضة واقعة بين صحيحة زرارة الظاهرة في تعين الدم و بين رواية ابن جبلة الظاهرة في تعيّن إطعام ثلاثة مساكين، فيرفع اليد عن ظهور كلتيهما بصراحة الأخرى في جواز الاقتصار على مفادها، و عليه فاللازم هو القول بالتخيير في نتف إبط واحدة بين الدم و بين الإطعام.

و العجب من بعض الاعلام قدّس سرّه حيث انه بعد ان جعل مقتضى الجمع هو الحمل على الوجوب التخييري قال: و بما ان الأمر دائر بين التعيين و التخيير فمقتضى الاحتياط هو التعيين بوجوب الشاة فالاكتفاء عنها بالإطعام مما لا وجه له و خلاف الاحتياط.

و ذلك لأنّ أصالة الاحتياط الجارية في مورد الدوران بين التعيين و التخيير انّما يكون مجراها صورة الشك بينهما كما لو فرض العلم إجمالا في يوم الجمعة بأن الواجب امّا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 178

..........

______________________________

خصوص صلاة الجمعة و امّا التخيير بينها و بين صلاة الظهر فمقتضى أصالة الاحتياط الإتيان بصلاة الجمعة و امّا في المقام فلا

يكون شك في البين بعد كون مقتضى الجمع بين الدليلين هو الحمل على التخيير و لو فرض ثبوت الشك بلحاظ الفتاوى فقد عرفت ان الشهرة المحققة انما هي على الإطعام في نتف الإبط الواحدة فلا يكون مقتضى الاحتياط هو الدم.

و على التقدير الثاني الذي يكون مورد جميع الروايات نتف الإبط بصورة الإفراد فاللازم حمل الصحيحتين على نتف الإبطين لأنه مضافا الى كون الغالب في نتف الإبط هو نتفهما لا نتف واحدة منهما ان العلم بثبوت الدم في نتف الإبطين على نحو التعيّن كما عرفت انه لا خلاف فيه يقتضي حمل رواية عبد اللّٰه بن جبلة على نتف الواحدة و حمل الأخريين على نتف الإبطين فينطبق على ما هو المشهور من التفصيل.

ثم انّه على تقدير الشك في كون صحيحة حريز واردة في مورد المفرد أو التثنية يدور الأمر في نتف الواحدة بين تعيّن الإطعام و بين التخيير و بينه و بين الدم و مقتضى أصالة الاحتياط في دوران الأمر بين التعيين و التخيير هو الأخذ بالإطعام دون الدم.

الأمر الثاني: في مسّ الشعر الموجب لسقوط شعرة أو أزيد قال في الشرائع: و لو مسّ لحيته أو رأسه فوقع منهما شي ء أطعم كفّا من طعام و أضاف إليه في الجواهر قوله:

كما في النافع و القواعد و محكي الغنية و السرائر بل في المدارك نسبته الى قطع الأصحاب بل عن ظاهر المنتهى و التذكرة الإجماع عليه.

و الروايات الظاهرة في ثبوت الكفارة فيه كثيرة قد جمعها صاحب الوسائل في الباب السادس عشر من أبواب بقيّة كفارات الإحرام:

منها صحيحة منصور عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في المحرم إذا مسّ لحيته فوقع منها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج،

ج 4، ص: 179

..........

______________________________

شعرة قال: يطعم كفّا من طعام أو كفين «1».

و منها صحيحة معاوية بن عمّار قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة و الثنتان قال: يطعم شيئا «2». و هذه قرنية على عدم لزوم مقدار الكف أيضا.

و منها رواية الحسن بن هارون قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام اني أولع بلحيتي و انا محرم فتسقط الشعرات، قال: إذا فرغت من إحرامك فاشتر بدرهم تمرا و تصدّق به فإن تمرة خير من شعرة «3».

و منها غير ذلك من الروايات الدالة على لزوم التصدّق بكف من طعام أو كف من سويق أو بكفّ من كعك أو سويق أو لزوم ان يطعم مسكينا في يده.

إحداهما رواية جعفر بن بشير و المفضل بن عمر قال: دخل النّباجي على أبي عبد اللّٰه عليه السّلام فقال: ما تقول في محرم مسّ لحيته فسقط منها شعرتان؟ فقال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان عليّ شي ء «4».

و الرواية بهذا السند لا مجال للمناقشة فيها من حيث السند لأنّ منشأ المناقشة وجود المفضل فيه مع انه على هذا التقدير يكون نقل الرواية مشتركا بينه و بين جعفر بن بشير الذي هو ثقة.

لكن المحكيّ عن التهذيب جعفر بن بشير عن المفضل بن عمر و يؤيده انه على تقدير التعدد لكان اللازم ان يقول: قالا مكان قال مع ان اختلاف طبقتهما يقتضي عدم

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب السادس عشر، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب السادس عشر، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب السادس عشر، ح 3.

(4) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام،

الباب السادس عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 180

[السابع عشر: تغطية الرجل رأسه بكلّ ما يغطّيه]

اشارة

السابع عشر: تغطية الرجل رأسه بكلّ ما يغطّيه حتى الحشيش و الحناء و الطين و نحوها على الأحوط فيها، بل الأحوط ان لا يضع على رأسه شي ء (شيئا ظ) و يغطي به رأسه، و في حكم الرأس بعضه، و الاذن من الرأس ظاهرا فلا يجوز تغطيته، و يستثنى من الحكم عصام القربة كما انه يستثنى منه عصابة الصداع (1).

______________________________

كونهما راويين عن امام واحد و- ح- ان قلنا بضعف المفضل فالرواية ساقطة عن درجة الاعتبار و لا تصلح لمعارضة ما تقدم من الروايات و ان قلنا بوثاقته كما هو الظاهر و يؤيده كتاب توحيده المعروف فلا بد- ح- من الجمع بينهما و بينه و سيأتي وجهه.

ثانيتهما رواية ليث المرادي قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل يتناول لحيته و هو محرم يعبث بها فينتف منها الطاقات يبقين في يده خطاء أو عمدا فقال لا يضرّه «1».

و الرواية ضعيفة بمفضل بن صالح مع ان ظاهرها عدم الإضرار في صورة العمد أيضا مع وضوح ترتب العقاب و استحقاقه في هذه الصورة.

و مع قطع النظر عن ذلك يكون مقتضى الجمع هو حمل الروايات المتقدمة على الاستحباب خصوصا مع ملاحظة الاختلاف بينهما أيضا على ما عرفت و لكن الاحتياط الوجوبي التصدق بكف من طعام كما في المتن.

ثم ان مورد هذه المسألة ما إذا لم يكن ذلك في حال الوضوء أو الغسل و إلّا فقد عرفت في بعض المسائل السابقة انّه لا كفارة في سقوط الشعرة أو أزيد في إحدى الحالتين و ورد فيه رواية دالة على الجواز مستدلّة بآية نفي الحرج.

(1) في

هذا الأمر جهات من الكلام:

الجهة الاولى: في أصل الحكم بنحو الإجمال و كون تغطية الرجل رأسه في الجملة من محرمات الإحرام و في الجواهر بعد المتن: بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه

______________________________

(1) أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب السادس عشر، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 181

..........

______________________________

عليه، بل عن التذكرة و المنتهى إجماع العلماء عليه بل النصوص فيه مستفيضة حدّ الاستفاضة ان لم تكن متواترة، و مراده من لتواتر الذي احتمله هو التواتر المعنوي أو الإجمالي الذي يرجع الى العلم بصدور بعض الروايات الواردة في هذا المجال و لا بأس بنقل بعضها فنقول:

منها صحيحة عبد اللّٰه بن ميمون عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: المحرمة لا تتنقب، لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه «1».

و وقوع هذه العبارة في مقام التعليل على النهي عن التغطية و التنقب للمرأة يرشد إلى أمرين: أحدهما حرمة تغطية الرأس على الرجل المحرم الذي هو المهم في هذه الجهة و ثانيهما بيان المراد من هذه العبارة التي لو لا وقوعها في مقام التعليل لكانت مجملة في نفسها، فان كون إحرام المرأة في وجهها لا معنى له بعد ما عرفت في البحث عن ماهية الإحرام من انّها أمر اعتباري يعتبره الشارع عقيب النية فقط أو بضميمة التلبية، و هذا الأمر الاعتباري لا يرتبط الى الوجه في المرأة و الرأس في الرجل. نعم يحتمل ان يكون المراد هو استكشاف إحرام الرجل و المرأة من هذا الطريق، و فيه أيضا ما لا يخفى، هذا و لكن وقوعها تعليلا للنهي عن التغطية يبين المقصود منها و ان المحرمة لا يجوز لها تغطية وجهها

و المحرم تغطيته رأسه.

و منها صحيحة حريز قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن محرم غطّى رأسه ناسيا قال:

يلقي القناع عن رأسه، و يلبّي و لا شي ء عليه «2». و السؤال فيها يدلّ على مفروعية حرمة التغطية عند السائل و ان مورد شكّه ما إذا وقع نسيانا.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 182

..........

______________________________

و مثلها صحيحة الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يغطي رأسه ناسيا أو نائما فقال يلبّي إذا ذكر «1». و المراد هي التغطية في حال النوم لا في حال إرادته و الشروع فيه.

و منها صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام الرجل المحرم يريد ان ينام يغطّي وجهه من الذباب؟ قال: نعم و لا يخمّر رأسه، و المراد لا بأس ان تغطّي وجهها كلّه «2».

و الجملة الأخيرة محمولة على صورة الضرورة من جهة إيذاء الذباب أو ساقطة باعتبار كون مقتضى النص و الفتوى عدم جواز تغطية المرأة وجهها.

و منها صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول لأبي و شكا اليه حرّ الشمس و هو محرم و هو يتأذّى به فقال: ترى ان استتر بطرف ثوبي؟ قال لا بأس بذلك ما لم يصيبك رأسك «3». و مفادها حرمة إصابة الرأس و لو بعضه فضلا عن الجميع.

و منها غير ذلك من الروايات و عليه فلا مجال للشبهة في أصل الحكم.

الجهة الثانية: في عموم الحرمة لكلّ ما يغطّي الرأس حتى مثل الأشياء المذكورة في المتن و عدمه فنقول حكى

في الجواهر عن تصريح غير واحد الأوّل و قال بل لا أجد فيه خلافا بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا.

و في المدارك بعد ان حكى التصريح المذكور عن العلامة و غيره قال و هو غير واضح لأنّ المنهيّ عنه في الروايات المعتبرة تخمير الرأس و وضع القناع عليه و الستر بالثوب لا مطلق السّتر مع ان النهي لو تعلّق به لوجب حمله على ما هو المتعارف منه

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 6.

(2) أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 5.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الستون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 183

..........

______________________________

و هو السّتر بالمعتاد إلّا ان المصير الى ما ذكروه أحوط، و تبعه في محكي الذخيرة و أورد عليه صاحب الجواهر قدّس سرّه بقوله: «و فيه- مضافا الى قوله عليه السّلام- إحرام الرجل في رأسه و غيره من الإطلاقات و استثناء عصام القربة و غير ذلك- ان النهي عن الارتماس في الماء و إدخال الرّأس فيه- بناء على انه من التغطية أو بمعناها و لذا لا يختص ذلك بالماء- ظاهر في عدم اعتبار المتعارف من السّاتر و كذا ما تسمعه من منع المحرمة تغطية وجهها بالمروحة بناء على انّها من غير المتعارف و على تساويهما في ذلك و ان اختلف محلّ إحرامهما بالوجه و الرأس و غير ذلك و لعلّه لذا و نحوه كان الحكم مفروغا منه عند الأصحاب بل ظاهر بعضهم الإجماع عليه بيننا».

و يمكن دفع الإيراد بأنّ مثل قوله عليه السّلام إحرام الرجل في رأسه قد عرفت انه مع قطع النظر عن وقوعه تعليلا للنهي عن

تنقب المرأة المحرمة التي إحرامها في وجهها لا يمكن استفادة شي ء منه و لا يكون له مفهوم مبيّن و معنى ظاهر، فلا بد من ملاحظته مع الوصف المذكور و من الظاهر انّه بهذه الملاحظة لا دلالة له على حرمة مطلق التغطية و لو بغير المتعارف بعد كون متعلق الحكم المعلل هو التنقب بالنقاب الذي يكون سترا متعارفا نعم مقتضى عموم التعليل عدم اختصاص الحكم بخصوص النقاب بل يشمل سائر أصناف الستر المتعارف.

و امّا استثناء عصام القربة و عصابة الصداع فمن الواضح ان العصابة هي الثوب الذي يكون من الستر بالمتعارف و امّا عصام القربة فالنص و ان دلّ على جوازه إلّا ان كون عنوانه هو الاستثناء، الظاهر في الاستثناء المتصل، محل اشكال لعدم ورود هذا العنوان في الرواية بل ورد في مثل المتن و لا شاهد عليه.

و امّا النهي عن الارتماس في الماء الذي قد ورد فيه الرواية الصحيحة فاستكشاف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 184

..........

______________________________

حكم المقام منه و ان دائرة التغطية المحرّمة واسعة، مبنى علي ثبوت أمرين و هما عدم اختصاص حرمة الارتماس بخصوص الماء، بل يعمّ سائر المائعات و كون الارتماس من مصاديق التغطية و ان الحرمة المتعلقة، انّما هي لأجل تحقق التغطية به و في كلا الأمرين نظر خصوصا الأمر الثاني و سيأتي البحث عنه في المسألة الآتية ان شاء اللّٰه تعالى و قد ذكر المحقق في الشرائع بعد الحكم بحرمة التغطية: و في معناه الارتماس و هو يشعر بل يدلّ على عدم كون الارتماس من مصاديق التغطية.

نعم ما أفاده أخيرا من منع المحرمة تغطية وجهها بالمروحة يمكن الاستيناس به للتعميم و ان كان يمكن المناقشة

فيه أيضا بأنّ الظاهر كون المروحة ساترا متعارفا لوجه المرأة و لو في بعض الأحيان.

و كيف كان فلم ينهض دليل على عمومية الحكم خصوصا بعد ما حكى عن التحرير و المنتهى من جواز التلبيد بان يطلي رأسه بعسل أو صمغ ليجتمع الشعر و يتلبّد فلا يتخلّله الغبار و لا يصيبه الشعث و لا يقع فيه الذبيب و قال: روى ابن عمر قال: «رأيت رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله يهلّ ملبّدا» و حكاه في محكي التذكرة عن الحنابلة. و في بعض رواياتنا الصحيحة إشعار بذلك، و انه كان معروفا في السابق كما في الجواهر و من الواضح ان التلبيد المذكور موجب لغطاء الرأس كلّا أو جلّا.

و ينقدح بملاحظة ما ذكرنا انه لا مجال للفتوى بالحكم بالعموم بل غايته الاحتياط الوجوبي كما في المتن.

الجهة الثالثة: في حكم ما إذا حمل شيئا على رأسه و كان الحمل ملازما لتغطية الرأس كلّا أو بعضا و اللازم قبل البحث في هذه الجهة من البحث في ان تغطية بعض الرأس محرّمة فيما إذا كانت تغطية الكل كذلك كالثوب و نحوه و الدليل عليه بعد عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 185

..........

______________________________

شمول أدلّة حرمة تغطية الرأس لصورة تغطية البعض، لظهورها في تغطية الكلّ من دون ان يكون لها مفهوم، هي صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة الظاهرة في النهي عن الاستتار بطرف الثوب إذا أصاب رأسه لأن الإصابة أعمّ من تغطية الكلّ كما في سائر موارد استعمال هذه اللفظة كما في صحيحة زرارة المعروفة في باب الاستصحاب و حجّيته المذكورة في علم الأصول التي تكون مشتملة على سؤال زرارة بمثل قوله أصاب ثوبي دم

رعاف أو غيره أو شي ء من المني .. فإنه من الظاهر ان الإصابة أعمّ من اصابة الجميع و كذلك في الموارد الأخر، و عليه فاصابة طرف الثوب الرأس أعمّ من اصابته الجميع فالصحيحة ظاهرة في حرمة تغطية بعض الرأس أيضا.

إذا عرفت ذلك فاعلم انّ صاحب الجواهر قدّس سرّه ذكر حمل المتاع أو الطبق أو نحوه في عداد الطين و الدواء و الحناء، و ظاهره عدم وجدان الخلاف بل النسبة إلى علمائنا كما في التذكرة فيه أيضا و عليه فمقتضى ما ذكر عمومية الحكم لما إذا كان الحمل مستلزما لستر بعض الرأس أيضا.

و لكنّه فصّل بعض الاعلام قدّس سرّهم في خصوص الحمل بين صورتي الكل و البعض و ذكر في وجهه ما ملخّصه: «ان حمل الشي ء على رأسه إذا كان ساترا لجميع رأسه و تمامه كحمل الحشيش و نحوه فلا كلام في المنع لشمول الإطلاقات المانعة لذلك بعد ما عرفت من انه لا خصوصية لنوع من أنواع الساتر، و اما إذا كان موجبا لتغطية بعض الرأس كحمل الطبق و الكتاب فلا دليل على المنع لأنّ ما دلّ على المنع من اصابة بعض الرأس انّما يدلّ عليه في خصوص ما إذا كان الستر و لو ببعض الرأس مقصودا و امّا إذا لم يكن قاصدا لستر الرأس بل كان قاصدا لأمر آخر و ذلك يستلزم الستر فلا يكون مشمولا، فالذي يستفاد من النص ان يكون الستر مقصودا في نفسه و امّا المطلقات فالمستفاد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 186

..........

______________________________

منها عدم جواز ستر تمام الرأس و الحاصل انه لو كنّا نحن و المطلقات فقط فلا دليل على منع ستر بعض الرأس و انّما

منعنا عنه لخصوص صحيحة عبد اللّٰه بن سنان و المستفاد منها ان يكون الستر بنفسه مقصودا لكن حيث ان المشهور حكموا بالمنع فلا ينبغي ترك الاحتياط».

و يرد عليه أوّلا ان شمول المطلقات لصورة الحمل محل نظر بل منع و ان قلنا بشمولها لمثل الستر بالحشيش و الطين و الحناء لما أفاده من الظهور فيما إذا كان الستر مقصودا و متعلقا للإرادة بنفسه من دون فرق بين مثل الثوب و بين الأمور المذكورة و هذا ليس لأجل كون الستر من العناوين القصدية التي يعتبر في تحققها القصد إليها كعنواني التعظيم و التوهين، ضرورة ان مثل عنوان الستر لا يكون من العناوين القصدية بوجه بل لأجل كون المتفاهم العرفي من المطلقات ما إذا تعلّق القصد بالستر و الاستتار و التنقب في المرأة و الخمار على الرأس في الرجل بل و بالستر بالحشيش و نحوه على تقدير التعميم و عليه فدعوى كون المطلقات شاملة لصورة الحمل مع عدم تعلق الغرض إلّا به لا بالستر الذي يكون ملازما للحمل ممنوعة جدّا.

و ثانيا انه على تقدير شمول المطلقات لصورة الحمل فالتفصيل بين الكل و البعض في غاية الإشكال ضرورة ان التعبير الوارد في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان ليس هو السّتر حتى يقال بطهوره فيما إذا كان مقصودا بنفسه بل التعبير انّما هو بإصابة طرف الثوب رأس الرجل و من الواضح ان الإصابة لا يعتبر فيها القصد أصلا و بعبارة أوضح ان عبارة السؤال و ان كانت مشتملة على الاستتار المضاف الى الرجل المحرّم لكن المنهي عنه في الجواب هو عنوان الإصابة المتحقق في الحمل كما هو واضح و الظاهر انّه قدّس سرّه قصّر النظر على عبارة السؤال و لم

يدقّق في تعبير الجواب و عليه فلا مجال للتفصيل المذكور

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 187

..........

______________________________

بوجه بل الظاهر انه لو قلنا بشمول المطلقات للحمل أيضا لا يكون فرق فيه بين الكلّ و البعض لكن قد عرفت ان أصل الشمول محل نظر بل منع.

الجهة الرابعة: في حكم تغطية الأذنين من حيث الحرمة و عدمها و الكلام فيه تارة مع قطع النظر عن النصّ الوارد فيه و اخرى مع ملاحظته فنقول:

امّا من الحيث الأوّل فقد ذكرنا في الشهيدين قدّس سرّهما في المسالك انّ الرأس- الذي نهى عن تغطيته للرجل المحرم في الروايات المتقدمة الواردة في أصل المسألة- عبارة عن منابت الشعر حقيقة أو حكما و فرّع عليه عدم وجوب تغطية الأذنين و حكاه في المدارك عن جمع من الأصحاب، و المحكي عن ظاهر التذكرة و المنتهى التردّد في الأذنين لكن في التحرير الوجه دخولهما.

و الظاهر انّ البحث فيه من هذه الحيثية يقتضي المصير الى ما في المسالك فانّ اختصاص بعض أجزاء عضو واحد باسم مخصوص غير اسم نفس ذلك العضو كالرجل- مثلا- حيث ان لكل من أبعاضه اسما مخصوصا و مع ذلك يطلق الرجل على الجميع و ان كان لا مانع منه إلّا ان ذلك لا يقتضي كون الاذن بعضا للرأس و منطبقا عليه هذا العنوان فانّ من ابتلى بمرض في الاذن لا يقال عليه ان رأسه مبتلى بذلك المرض و عليه فلا دلالة للنصوص الناهية عن تغطية الرأس على النهي عن تغطية الإذن أيضا فالحقّ في هذه الجهة مع صاحب المسالك، لكن يرد عليه، انّه لم افتى بعدم وجوب تغطية الأذنين مع وجود النص الصحيح الدال عليها أي على حرمة

التغطية.

و اما من الحيث الثاني، فالنصّ الوارد فيه هو ما رواه صفوان عن عبد الرحمن- الذي قد عرفت ان المراد به ابن الحجّاج الذي هو ثقة- قال سألت أبا الحسن عليه السّلام- عن ......

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 188

..........

______________________________

المحرم يجد البرد في أذنيه يغطّيهما؟ قال: لا «1». و الجواب قرينة على ان المراد بوجدان البرد فيهما ليس بمرحلة يبلغ حدّ الحرج و المشقة غير القابلة للتحمل عادة ضرورة انه في هذه الصورة يرتفع الحكم بالحرمة لقاعدة نفي الحرج.

و هل المستفاد من الرواية ان النهي عن تغطية الأذنين انّما هو لكونهما من أبعاض الرأس و تكون تغطيتها موجبة لتغطية بعض الرأس التي قد عرفت انّها أيضا محرّمة كتغطية الكلّ أو انه لا يستفاد من الرواية أزيد من حرمة تغطية الأذنين من دون ان تكون مرتبطة بحرمة تغطية الرأس بل يكون هذا حكما آخر و محرّما مستقلا من محرمات الإحرام، غاية الأمر اشتراكه مع حكم تغطية الرأس في الاختصاص بالرّجل المحرم يظهر الأوّل من المتن بل ربما يظهر منه انه لو لا النص، لكان الحكم فيهما الحرمة لأنّهما جزء من الرأس.

هذا و لكن الظاهر انه لا ظهور في الرواية بل لا اشعار فيها بالاحتمال الأوّل لا سؤالا و لا جوابا بل ربما تكون ظاهرة في الاحتمال الثاني، و يؤيده انه لو لا ذلك لكان اللازم حمل الرواية على بيان أمر تعبدي لا يساعده اللغة و العرف لما عرفت من مغايرة عنوان الأذنين مع عنوان الرأس و عدم صحة توصيف الرأس بالوصف الذي يعرض الأذنين.

و تظهر ثمرة الاحتمالين في تغطية بعض الاذن لو قلنا بشمول الرواية و دلالتها على حرمة تغطية اذن

واحدة نظرا الى ما هو المتفاهم عند العرف من الرواية و ان كان في استفادة ذلك منها نظر و تأمل فإنه على تقدير كون حرمة تغطية الأذنين من شئون حرمة تغطية الرأس لكان اللازم حرمة تغطية بعض أذن واحدة لعموم حرمة تغطية الرأس للكلّ و البعض ......

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 189

..........

______________________________

و امّا على تقدير عدم الارتباط فلا يستفاد من الرواية الحرمة المذكورة لظهورها في حرمة تغطية الجميع كما انّك عرفت ان أدلّة حرمة تغطية الرأس لا دلالة لها في نفسها على حرمة تغطية البعض بل الدليل على العموم هي صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة الظاهرة في النهي عن إصابة الرأس و الإصابة لا تختص بإصابة الجميع كما مرّ.

و تظهر الثمرة أيضا في بعض المواضع الذي لا يكون من الاذن و لا يكون منبتا للشعر حقيقة أو حكما كالموضع الواقع بين فوق الاذن و بين المنبت فإنه على تقدير كون مفاد الرواية جزئية الأذنين للرأس لكان مفادها جزئية الموضع المذكور بطريق أولى فلا تجوز تغطيته أيضا بخلاف ما إذا كان مفاد الرواية هو الاحتمال الآخر فإنه لم ينهض دليل على حرمة تغطيته و قيام الدليل عليها في الرأس و في الأذن لا يستلزم ثبوت الحرمة فيه و قد ذكر في الجواهر انه لم يجد من ذكر وجوب غير الأذنين زائدا على المنابت، و قال بل لعلّ السيرة أيضا على خلافه.

و كيف كان فلا دلالة للرواية على الارتباط بين الحكمين و ان حرمة تغطية الرأس شاملة لحرمة تغطية الأذنين و عليه فالظاهر لا يساعد ما في المتن.

الجهة الخامسة: في

الأمرين اللذين استثناهما في المتن فنقول:

الأمر الأوّل: عصابة الصداع فإنّها قد نفي البأس عنها في صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس بأن يعصّب المحرم رأسه من الصّداع «1». و الظاهر ان نفي البأس انّما هو بحسب الحكم الاولي لا بحسب الحكم الثانوي المستند إلى قاعدة نفي الحرج و عليه فاللازم الحكم بثبوت الاستثناء بعد كون العصابة ثوبا داخلا في أدلّة حرمة تغطية الرأس و عليه فلا مجال للإشكال في أصل الحكم و كذا في كونه بنحو ......

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 190

..........

______________________________

التخصيص و الاستثناء المتصل.

الأمر الثاني: عصام القربة فقد روى الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يضع عصام القربة على رأسه إذا استسقى؟ فقال: نعم «1».

هذا و في السند اشكال من جهة وجود علي بن أحمد بن عبد اللّٰه البرقي و كذا أبوه فيه و هما غير موثّقان لكن الظاهر ان كل من تعرّض لهذا الأمر حكم بجوازه و استند الى هذه الرواية و ان لم يقع التعرّض له في مثل الشرائع و عليه فيمكن دعوى الانجبار فتدبّر.

و اما من جهة الدلالة فالحكم بالجواز المستفاد من الجواب و ان كان ظاهره هو الجواز بحسب الحكم الاوّلي كما في الرواية السابقة إلّا انه لا دلالة في الرواية بل و لا اشعار فيها بكون الحكم انّما هو على سبيل الاستثناء من الأدلّة الناهية عن تغطية الرأس لما عرفت من الإشكال في شمول تلك الأدلّة للحمل نظرا الى عدم كون الغرض فيه متعلّقا بالستر و التغطية

و عليه فيمكن ان يكون الحمل جائزا مطلقا غاية الأمر انّ مورد السؤال حيث كان هو عصام القربة كان الحكم بالجواز و أراد فيه من دون ان يكون الإثبات فيه نافيا لغير مورده من موارد الحمل كحمل غير العصام أو الحمل المستلزم لستر جميع الرأس و عليه فالتعبير بالاستثناء كما في المتن لا شاهد عليه أصلا.

هذا و لو لم نقل بحجيّة الرواية و قلنا بشمول الأدلّة الناهية للحمل أيضا و عدم الاختصاص بالحمل المستلزم لستر جميع الرأس لكان الدليل على الجواز في خصوص عصام القربة للمستسقى هي السيرة المستمرة إلى زماننا و عدم الإنكار من ناحية الأئمة عليهم الصلاة و السلام.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 191

[مسألة 31- لا يجوز ارتماسه في الماء و لا غيره من المائعات]

مسألة 31- لا يجوز ارتماسه في الماء و لا غيره من المائعات، بل لا يجوز ارتماس بعض رأسه حتى اذنه فيما يغطّيه و لا يجوز تغطية رأسه عند النوم فلو فعل نسيانا أزال فورا و يستحبّ التلبية- ح- بل هي الأحوط، نعم لا بأس بوضع الرأس عند النوم على المخدّة و نحوها، و لا بأس بتغطية وجهه مطلقا (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة أيضا جهات من البحث:

الجهة الاولى: في حكم الارتماس و قد نفى وجدان الخلاف في حرمته إذا كان بالماء بل ذكر ان الإجماع بقسميه عليه، و الأصل في ذلك، الروايات المتعددة الواردة في المقام.

منها صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال سمعته يقول: لا تمسّ الريحان و أنت محرم و لا تمسّ شيئا فيه زعفران، و لا تأكل طعاما فيه زعفران و لا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك «1».

و منها رواية حريز

عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال: و لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم «2». و قد جعلها في الوسائل ثلاث روايات مع وضوح انّها رواية واحدة و حيث انّ حريز روى في إحداها عمّن أخبره عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام تسقط الرواية عن الحجية رأسا كما مرّ نظيره فيما تقدم.

و منها صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم «3».

و منها رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام هل يدخل الرجل

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الخمسون، ح 1، لكنه أورد جزء منه في الباب 18، ح 10.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الخمسون، ح 2- 3- 5.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الخمسون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 192

..........

______________________________

الصائم رأسه في الماء قال: لا و لا المحرم و قال: مررت ببركة بني فلان و فيها قوم محرمون يترامسون فوقفت عليهم فقلت لهم انكم تصنعون ما لا يحلّ لكم «1».

و هل المستفاد من الروايات انّ حرمة الارتماس في الماء انّما هو لأجل كونه من مصادق تغطية الرأس أو انّ ظاهرها كونه محرّما مستقلا من محرمات الإحرام و لا بدّ من الاقتصار فيه على خصوص ما هو مفادها.

و تظهر الثمرة في الاختصاص بالرجل و عمومه لكلّ محرم و كذا في سعة دائرة الحرمة لغير الماء من الماء المضاف و سائر المائعات و عدمها و كذا في سعتها لارتماس بعض الرأس و عدمها، فمقتضى الاحتمال الأوّل الاختصاص بالرجل و العموم من

الجهتين الآخرتين و مقتضى الاحتمال الثاني انعكس لأن عنوان «المحرم» جنس صادق على المرأة المحرمة أيضا و ظاهر الروايات خصوص الارتماس في الماء كما ان ظاهرها إدخال جميع الرأس.

ظاهر المتن تبعا لصاحب الجواهر قدّس سرّه هو الأوّل و ربما يظهر من الشرائع أيضا حيث انه جعل الارتماس في معنى التغطية و بمعناها و ان تعرّض في باب الكفارات لخصوص الارتماس في الماء.

هذا و لكن الظاهر هو الثاني خصوصا مع عطف الصائم على المحرم مع انه لا يكون الارتماس في المائعات محرّما على الصائم نعم احتاطوا في الماء المضاف كما انه لا يكن ارتماس بعض الرأس و لو في الماء بمحرّم على الصائم و لا دلالة، بل و لا إشعار في شي ء من الروايات على ارتباط مسألة الارتماس بموضوع التغطية بوجه.

و يؤيّد بل يدل على ما ذكرنا انّ مقتضى النصوص المتعددة و الفتاوى بل في

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الخمسون، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 193

..........

______________________________

الجواهر نفي الاشكال و الخلاف فيه، جواز غسل الرأس بإفاضة الماء عليه، بل عن التذكرة الإجماع عليه و من الواضح انّها تغطية لبعض الرأس و لو في زمان قليل و دعوى انه ليس تغطية و لا في معناها كما في الجواهر واضحة المنع.

و من الروايات، صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا اغتسل المحرم من الجنابة صبّ على رأسه الماء يميّز الشعر بأنامله بعضه عن بعض «1».

و صحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يغتسل؟

فقال: نعم يفيض الماء على رأسه و لا يدلكه «2». و حملها على التخصيص و الاستثناء في

غاية البعد.

الجهة الثانية: في حكم تغطية الرأس عند النوم ففي المتن تبعا للفتاوى عدم الجواز و يدلّ عليه- مضافا الى إطلاق الروايات الناهية عن تغطية الرأس الرجل المحرم الشاملة لحال ارادة النوم و عدم الاستفصال في بعضها- صحيحتان واردتان في هذا الغرض:

إحداهما صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام الرجل المحرم يريد ان ينام يغطّي وجهه من الذباب؟ قال: نعم و لا يخمّر رأسه، و المرأة لا بأس ان تغطّي وجهها كلّه «3». و قد وجّهنا ذيل الرواية سابقا لكن هذا انّما هو على نقل الشيخ و امّا في نقل الكليني ففيه اضافة كلمة «عند النوم» في آخرها «4» و يجي ء البحث في هذه الجهة في مسألة حرمة تغطية المرأة وجهها ان شاء اللّٰه تعالى.

ثانيتهما: صحيحة الحلبي التي رواها الصدوق بإسناده عنه انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و السبعون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و السبعون، ح 1.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 5.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 194

..........

______________________________

عن المحرم يغطّي رأسه ناسيا أو نائما فقال: يلبّي إذا ذكر «1». و لا إشكال في كون المراد من قوله: أو نائما ليس هي التغطية في حال النوم بل في حال إرادته و لو لا الجواب لكان ظاهره التغطية كذلك في حال الالتفات و التوجه و لكن الجواب بملاحظة قوله عليه السّلام إذا ذكر قرنية على كون المراد هي التغطية في حال ارادة النوم نسيانا كما لا يخفى و على التقديرين تدلّ على الحرمة،

غاية الأمر انه على أحد التقديرين تكون دلالتها بالمطابقة و على الثاني بالمفروغية عند السائل بالإضافة الى حال الذكر و تقرير الامام عليه السّلام له.

لكن في مقابلهما ما رواه الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد اللّٰه عن موسى بن الحسن (الحسين خ ل) و الحسن بن عليّ عن احمد بن هلال و محمد بن أبي عمير و أميّة بن عليّ القيسي عن عليّ بن عطية عن زرارة عن أحدهما عليهما السّلام في المحرم قال: له ان يغطي رأسه و وجهه إذا أراد أن ينام «2».

و في الجواهر بعد ان عبّر عنه بالخبر و وصفه بأنّه لا يكون جامعا لشرائط الحجية ذكر ان ما فيه مطرح أو محمول على حال التضرر بالتكشف أو على التغطية التي هي تظليل أو غير ذلك، و لكن الظاهر صحّة سند الرواية فإن موسى بن الحسن بن عامر بن عمران الأشعري، ثقة و موسى بن الحسين و ان كان مجهولا إلّا انّ الراوي في هذه الطبقة حيث يكون اثنين و الحسن بن علي بن الفضال الذي هو الراوي الآخر ثقة لا يقدح ضمّ المجهول إليه في اعتبار الرواية و حجيّتها، كما ان اشتراك الطبقة السابقة بين ثلاثة، أحدهم محمد بن أبي عمير الذي هو ثقة بلا ريب، لا يكون قادحا فيه، لما ذكر، و امّا علي بن عطية فهو الحناط الكوفي الثقة فلا ينبغي الإشكال في صحة الرواية و المناقشة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 6.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 195

..........

______________________________

فيها أصلا، كما ان دلالتها على الجواز في صورة إرادة

النوم ظاهرة بحيث لو لم يكن في مقابلها الصحيحتان المتقدمتان لكان اللازم الالتزام بتقييد المطلقات بهذه الرواية و جعل هذه الصورة مستثناة من أصل الحكم، لكن معارضتهما معها توجب الأخذ بهما لأن الشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجحات على ما اخترناه موافقة لهما، فاللازم الأخذ بهما دونها و الجمع الدلالي بينهما غير ممكن و على ما ذكرنا فلا إشكال في الحكم.

بقي الكلام في هذه الجهة في أمرين:

أحدهما: لزوم رفع التغطية لو فعلها نسيانا بمجرد رفع النسيان فورا لعدم اختصاص حرمتها بالابتداء بل تشمل الاستدامة أيضا فاللازم الإزالة فورا بمجرد التذكر و رفع النسيان.

ثانيهما: ظاهر بعض الروايات الواردة في مورد النسيان كصحيحة الحلبي المتقدمة أنفا و صحيحة حريز قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن محرم غطّى رأسه ناسيا قال: يلقي القناع عن رأسه و يلبّي و لا شي ء عليه «1»، وجوب التلبية بعد إلقاء القناع و حصول التذكر لكن المحكيّ عن المدارك و غيرها انه لا قائل بالوجوب و أورد عليه في الجواهر بان الوجوب محكيّ عن ظاهر الشيخ و ابني حمزة و سعيد.

و كيف كان فلم يثبت اعراض المشهور عمّا يدلّ على الوجوب و عدم فهمهم الوجوب منه لا يكون حجّة فالأحوط لو لم يكن أقوى هي رعاية التلبية كما في المتن.

الجهة الثالثة: في انه يجوز وضع الرأس عند النوم على المخدّة و الوسادة كما صرّح به جماعة و الوجه فيه امّا عدم صدق التغطية و الستر و لو بالإضافة الى بعض الرأس على

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 196

..........

______________________________

الوضع المذكور و امّا انصراف الأدلّة الناهية عن

ستر الرأس للرجل المحرم عن هذا النوع من الستر و تدلّ عليه السيرة القطعية المستمرة عند المتشرعة على النوم بالنحو الطبيعي المستلزم عادة لوضع الرأس على شي ء و ان كان هو الأرض الخالية و عليه لا مجال لتوهم اختصاص الجواز بصورة كون النوم بغير النحو الطبيعي موجبا للحرج و المشقة بل يجوز مطلقا و لو مع عدم المشقة في ذلك.

و المناسب في هذه الجهة التعرّض لما لم يقع التعرض له في المتن و هو انه هل يجوز تغطية الرأس ببعض أعضاء الجسد كاليد- مثلا- أو لا يجوز.

المحكي عن المبسوط و المنتهى و التذكرة جواز الستر باليد و عن الدروس ان الاولى المنع و استدلّ له في الجواهر بان السّتر بما هو متّصل به لا يثبت له حكم الستر و لذا لو وضع يديه على فرجه لم يجزه في الصلاة و بأنه مأمور بمسح رأسه في الوضوء و ببعض الروايات التي يجي ء التعرض لها.

أقول عدم ثبوت حكم الستر للستر بما هو متصل بالبدن أوّل الكلام و عدم أجزاء وضع اليدين على الفرج في حال الصلاة لا دلالة له على ذلك و لذا يكفي التستّر باليد في الستر الواجب النفسي.

و امّا مسح رأسه باليد في الوضوء الذي هو مأمور به فالظاهر تماميّة دلالته بعد ملاحظة عدم لزوم الاقتصار على أقل ما يتحقق به المسح و جواز المسح بالزائد عن الأقل و بعد ملاحظة عدم كون الجواز انّما هو بنحو التخصيص المستلزم للدخول في الدليل المطلق بل الظاهر كون الجواز انّما هو بنحو التخصص الذي مرجعه الى عدم شمول الأدلة الناهية لهذا النوع من الستر.

و امّا الروايات فمنها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام

قال: لا بأس

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 197

..........

______________________________

ان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس، و لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض «1». و ذيله مسوق لبيان ضابطة كلية و من الواضح انّ مورده ما إذا كان الستر بغير الجسد محرّما على المحرم فيشمل تغطية الرجل الرأس و المرأة الوجه و يدلّ على الجواز إذا كان ببعض الجسد كاليد- مثلا- و ذكر في الدروس انه لا يكون صريحا في الدلالة مع ان الظهور يكفي فيها.

و منها رواية زرارة قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام هل يحك المحرم رأسه و يغتسل بالماء؟ قال: يحكّ رأسه ما لم يتعمد قتل دابة «2». و امّا صحيحة معاوية بن عمار الأخرى قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم كيف يحكّ رأسه؟ قال: بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر «3»، فلا دلالة لها على اختصاص الجواز بالأظافير بل الظاهر ان المراد هو الجواز باليد مطلقا و انّ خصوصية الأظافير انّما هي لتحقق الحكّ بها نوعا كما لا يخفى.

الجهة الرابعة: في تغطية الرجل المحرم الوجه و انّها هل تكون جائزة أم لا كما في المرأة المحرمة فنقول المشهور هو الجواز بل عن الخلاف و التذكرة و المنتهى الإجماع عليه و المحكيّ عن ابن أبي عقيل، عدم الجواز و ان فيه كفارة إطعام مسكين، و عن الشيخ في التهذيب الجواز مع الاختيار غير انه تلزمه الكفارة بل قال: و متى لم ينو الكفارة لم يجز له ذلك.

و الدليل على الجواز مضافا الى ما دلّ على ان إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه بعد ما عرفت من

ارتباطه بمسألة حرمة التغطية فإن التفصيل قاطع

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الستون، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 4.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 198

..........

______________________________

للشركة و لا ينطبق إلّا على اختصاص كل واحد من الرجل و المرأة بشي ء من الأمرين روايات متعددة مثل:

رواية منصور بن حازم قال: رأيت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام و قد توضّأ و هو محرم ثم أخذ منديلا فمسح به وجهه «1».

و رواية عبد الملك القمي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام الرجل يتوضّأ ثم يجلل وجهه بالمنديل يخمّره كلّه. قال: لا بأس «2». و الظاهر ما ذكرنا من قوله: يجلل- بالجيم- لا كما في الوسائل من قوله: يخلل- بالخاء- و معناه هو التغطية.

و رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام قال المحرم يغطّي وجهه عند النوم و الغبار الى طرار شعره «3».

لكن ظاهر بعض الروايات الكراهة مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: يكره للمحرم ان يجوز بثوبه فوق أنفه و لا بأس ان يمدّ المحرم ثوبه حتى يبلغ أنفه. قال الصدوق يعني من أسفل «4».

و صحيحة حفص بن البختري و هشام بن الحكم جميعا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال انه يكره للمحرم ان يجوز ثوبه أنفه من أسفل و قال: اضح لمن أحرمت له «5».

و ربما يستشهد لابن أبي عقيل برواية صحيحة للحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال المحرم إذا غطّى وجهه فليطعم مسكينا في يده و لا بأس ان ينام

المحرم على وجهه على

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الستون، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الخمسون، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 8.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الستون، ح 1.

(5) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الستون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 199

..........

______________________________

راحلته «1».

و الاشكال في الرواية من وجهين:

إحداهما: انّ المنقول في الوسائل و ان كان بصورة الإسناد لكن المحكيّ عن التهذيب الذي هو مصدر الرواية انّها مضمرة و قد وصفها بذلك صاحب الجواهر أيضا إلّا انّ الإضمار من مثل الحلبي لا يقدح في اعتبار الرواية و حجّيتها و ان لم يبلغ مرتبة الإضمار من مثل زرارة.

ثانيهما: انّ صدر الرواية فنقول في الوسائل بهذا السند في أبواب بقية كفارات الإحرام لكن فيه الرأس بدل الوجه «2» و النقل بهذه الكيفية و ان كان بعيدا في نفسه بملاحظة ذيل الرواية الظاهر في جواز النوم على الوجه في الراحلة مع انه على هذا التقدير تجوز التغطية للوجه اختيارا أيضا و بملاحظة انه لم يقل أحد بأن كفارة تغطية الرأس هو إطعام المسكين في يده بل الكفارة فيها على تقدير ثبوتها هو دم شاة إلّا انه مع ذلك يوجب الترديد في الرواية من جهة كون موردها تغطية الوجه أو تغطية الرأس التي هي محرّمة للرجل المحرم على ما عرفت.

ثم انه لو فرض كون مورد الرواية هي تغطية الوجه و دلالتها على حرمتها للملازمة بين الكفارة و بين الحرمة على ما عرفت مرارا لا تصلح الرواية للنهوض في مقابل الأدلّة الكثيرة المتقدمة خصوصا ما دلّ منها

على ان إحرام الرجل في رأسه في مقابل إحرام الامرأة حيث يكون في وجهها سيما مع اعتضادها بفتوى المشهور بل الإجماع المحكي على ما عرفت فالظاهر- ح- ما في المتن من جواز تغطية الوجه للرجل المحرم مطلقا

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، أورد صدره في الباب 55 ح 4 و ذيله في الباب 60، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الخامس، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 200

[مسألة 32- كفارة تغطية الرّأس بأيّ نحو شاة]

مسألة 32- كفارة تغطية الرّأس بأيّ نحو شاة، و الأحوط ذلك في تغطية بعضه، و الأحوط تكرّرها في تكرّر التغطية و ان لا يبعد عدم وجوبه حتى إذا تخلّلت الكفارة و ان كان الاحتياط مطلوبا فيه جدّا (1).

______________________________

في حالة النوم و غيرها و في الراحلة و غيرها.

(1) ذكر في الشرائع في باب الكفارات: «و كذا- يعني تجب الشاة- لو غطّى رأسه بثوب أو طيّنه بطين يستره أو ارتمس في الماء أو حمل ما يستره» و ذكر بعده صاحب الجواهر قدّس سرّه: «بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك كما عن المنتهى و المبسوط و التذكرة الاعتراف به بل في المدارك و غيرها هو مقطوع به في كلام الأصحاب بل عن الغنية الإجماع عليه صريحا».

و العمدة في مستند هذا الحكم هو الإجماع لعدم تمامية غيره من الأدلة التي يأتي التعرض لها ان شاء اللّٰه تعالى و الظاهر انّ الإجماع أيضا غير تام لعدم تعرض جملة معتنى بها من المتون الأصلية الفقهية لثبوت الكفارة في التغطية كالمقنع و النهاية و جمل العلم و العمل و المقنعة و المراسم و المهذب و السرائر و الجامع و عدم التعرض يكشف عن عدم الثبوت

و إلّا لكان اللازم التعرض كما في سائر موارد ثبوت الكفارة كالصيد و الجماع و لبس المخيط و التظليل و غيرها، و لو سلّمنا عدم الكشف و احتمال ثبوت الكفارة عندهم أيضا لكن مجرد الاحتمال لا يكفي في تحقق الإجماع الذي يكون مبنى حجّيته هو الكشف عن رأي المعصوم عليه السّلام و موافقة فتواه لفتواهم و لا مجال لما ذكره صاحب الجواهر قدّس سرّه ان ذلك ليس خلافا.

و يؤيّد عدم ثبوت الإجماع ما أفاده صاحب الوسائل في عنوان الباب الخامس من أبواب بقية كفارات الإحرام من انّ المحرم إذا غطّى رأسه عمدا لزمه طرح الغطاء و طعام مسكين و أورد فيه رواية الحلبي المتقدمة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 201

..........

______________________________

و قد استدلّ صاحب الجواهر مضافا الى الإجماع بثلاث روايات:

إحداها: صحيحة زرارة بن أعين قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول من نتف إبطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمّدا فعليه دم شاة «1».

و رواها في الوسائل بسند آخر و جعلهما روايتين مع وضوح كونهما رواية واحدة و قد أورد بعض الاعلام قدّس سرّهم على الاستدلال بها بعد توصيفه بأنه ينبغي ان يعدّ من الغرائب بان اللبس شي ء و التغطية و ستر الرأس شي ء آخر فإنه قد يتحقق اللبس بلا تغطية الرأس كما إذا لبس القميص و نحوه، و قد يتحقق ستر الرأس و تغطيته بدون اللبس كما إذا طيّن رأسه أو حمل على رأسه و قد يتحقق الأمران كما إذا لبس

قلنسوة و نحوها و كلامنا في الستر و التغطية و ان لم يتحقق عنوان اللبس.

و ظاهره انّ النسبة بين العنوان الموجب للكفارة في الصحيحة و بين ما هو المدّعى في المقام عموم من وجه و يجتمعان في مادة الاجتماع و عليه فيمكن ان يجيب صاحب الجواهر قدّس سرّه عن الإيراد بأنه لو دلّت الصحيحة على الكفارة في مادة الاجتماع فيمكن تعميمها لمادة الافتراق من ناحية المقام بضميمة عدم الفصل جزما فيتم الاستدلال- ح- لكن التحقيق في الإيراد على الاستدلال بالصحيحة أن محطّ النظر في هذه الجملة فيها الى لبس ما يكون منشأ المنع فيه و كان الملبوس مشتملا على خصوصية لا يصلح لأن يلبسه المحرم و هذا العنوان لا ينطبق على المقام بوجه فان الساتر للرأس و لو كان هو الثوب لا يشتمل على هذه الخصوصية لأن المحرّم هو الستر به و لا يرتبط ذلك بالساتر، و عليه ففي مثل القلنسوة إذا كانت مخيطة تكون فيها الخصوصية التي يدل

______________________________

(1) أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 202

..........

______________________________

عليها الرواية و يدخل في لبس المخيط و امّا إذا لم تكن كذلك فلا تشمله الرواية بوجه و ان كان لا فرق بينهما من الحيثية المبحوث عنها في المقام فالرواية أجنبية عن الدلالة على وجوب الكفارة هنا بل ترتبط بلبس المخيط و نحوه كالحرير- مثلا.

ثانيتها: رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: لكلّ شي ء خرجت من حجّك فعليه (فعليك في ل) فيه دم يهريقه (فيهريقه) حيث شئت «1». و قد مرّ مرارا ان الرواية ضعيفة من حيث السند بعبد اللّٰه بن الحسن

العلوي و من حيث الدلالة لتوقف الاستدلال بها على كون المتن جرحت مكان خرجت و هو لم يثبت مع انه لا يناسب قوله من حجّك فتدبّر.

ثالثتها: مرسلة الخلاف قال في محكيه: «إذا حمل مكتلا أو غيره لزمه الفداء دليلنا عموم ما روى فيمن غطى رأسه انّ عليه الفدية» و المكتل كمنبر هو الزنبيل الكبير قال في الجواهر يكفي هذا المرسل المنجبر بما عرفت مع الإجماع المحكي صريحا و ظاهرا دليلا في الحكم خصوصا بعد اعتضاده بنفي الخلاف الذي يشهد له التتبع.

و أورد على الاستدلال بها بعدم نقلها في شي ء من الكتب الفقهية و الروائية حتى ان الشيخ قدّس سرّه بنفسه لم يذكره في كتابي التهذيب و الاستبصار، فلم يحرز وجود الرواية حتى يكون استناد المشهور إليها جابرا لضعفها بالإرسال.

و لكن يرد على الاستدلال بها أيضا ان المدّعى في المقام ثبوت كفارة دم الشاة و ما في الخلاف من الدليل و المدعى عبارة عن ثبوت الفداء و هو أعمّ من الشاة و قد مرّ ان الشيخ التزم بثبوت الكفارة في تغطية الرجل المحرم وجهه و ظاهره ان المراد بها هي إطعام مسكين الذي وقع التصريح به في فتوى ابن أبي عقيل و رواية الحلبي المتقدمة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 203

..........

______________________________

و عليه فلا دلالة في المرسلة المزبورة على المدّعى.

و قد انقدح انه لم ينهض دليل على ثبوت كفّارة دم الشاة في تغطية الرأس إلّا انّ الاحتياط الوجوبي يقتضي الثبوت لأنّ كلّ من تعرّض له، حكم بثبوتها إلّا هذه العبارة الواردة في الخلاف على ما عرفت من عدم ظهورها في ثبوت كفارة

الشاة و إلّا ما عرفت من الوسائل على ما مرّ أيضا.

بقي الكلام في أمور:

الأمر الأوّل: هل الكفارة على تقدير ثبوتها في تغطية جميع الرأس ثابتة في تغطية بعض الرأس التي عرفت أنّها محرمة أيضا أم لا؟

التحقيق ان يقال انه لو كان المستند في أصل الحكم هو الإجماع على تقدير تحققه و صحة الاستناد اليه فاللازم هو الاقتصار على تغطية الجميع لأنّها القدر المتيقن من معقده و هو دليل لبّى لا إطلاق له يشمل تغطية البعض أيضا كسائر الأدلّة اللبيّة.

و ان كان المستند هي صحيحة زرارة المتقدمة أو رواية علي بن جعفر المتقدمة أيضا فالظاهر شمولهما لتغطية البعض أيضا لأنّه يصدق عليه انه لبس ما لا ينبغي له لبسه و كذا يتحقق الجرح من ناحية تغطية بعض الرأس و ان كان المستند هي مرسلة الخلاف فظاهرها تغطية الجميع و ان كان الاستدلال بها لصورة حمل المكتل كما في كلام الشيخ مشعر هل يدلّ على الشمول لتغطية البعض أيضا لأن المكتل و ان كان هو الزنبيل الكبير إلّا انه لا يشمل جميع الرأس خصوصا إذا كان الأذنان جزءين من الرأس مع ان عطف عنوان الغير على المكتل لا يختص بما إذا كان مغطّيا لجميع الرأس.

و قد انقدح ممّا ذكرنا من عدم صحة الاستدلال بشي ء من الروايات الثلاثة و ان العمدة هو الإجماع الذي هو غير خال عن المناقشة انه لو قلنا بثبوت الكفارة في تغطية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 204

..........

______________________________

الجميع فلا دليل على الثبوت في تغطية بعض الرأس فالأحوط فيها استحبابا ذلك بعد ما كان أصل الحكم ثابتا بنحو الاحتياط الوجوبي على ما مرّ.

الأمر الثاني: فيما لم يتعرض له في

المتن بالصراحة و ان كان ربما يشعر به ما أفاده في المسألة الآتية و هو ان الكفارة ثابتة في مورد الاضطرار الرافع للحكم التكليفي كما في مثل التظليل و لبس المخيط أو انّها ثابتة في خصوص صورة الاختيار؟

الظاهر ما ذكرنا من ان المستند لو كان هو الإجماع فاللازم الاقتصار على القدر المتيقن و هي صورة الاختيار و ان كان المستند هي الروايات فالظاهر اختصاصها بهذه الصورة لأن قوله لبس ما لا ينبغي له لبسه لا يتحقق في صورة الاضطرار الذي يكون اللبس جائزا في حقّه و مشروعا عنده و كذا لا يتحقق الجرح بعد عدم ثبوت الحرمة و الظاهر من قوله في المرسلة: «غطّى رأسه» هو التغطية الاختيارية و لكن صاحب الجواهر قد صرّح في العبارة التي يأتي نقلها في الأمر الثالث ان شاء اللّٰه تعالى، بأنه لا فرق بين المختار و المضطر لا في أصل ثبوت الكفارة و لا في تكرارها مع التعدد و ان الملاك في التعدّد فيهما واحد و سيأتي البحث في التكرّر في ذلك الأمر فانتظر.

الأمر الثالث: في تكرر الكفارة بتعدّد التغطية و عدمه قال صاحب الجواهر قدّس سرّه في هذا المجال: «قد ذكر الحلبيان انّ على المختار لكل يوم شاة و على المضطرّ لكل المدّة شاة بل عن ابن زهرة منهما الإجماع على ذلك و ان كان التتبع يشهد بخلاف الإجماع المزبور فالأصل- ح- عدم الفرق بينهما. و في الدروس عدم تكررها بتكرر تغطيته نعم لو فعل ذلك مختارا، تعدّدت و لا تتعدّد الغطاء مطلقا، و وافقه ثاني الشهيدين إلّا انه حكم بعدم التكرر و لو اتّحد المجلس، و ربما نوقشا بعدم نص أو إجماع على ذلك فالأصل- ح- بحاله

و لكن قد عرفت سابقا في التظليل ما يستفاد منه صحة ذلك في الجملة».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 205

..........

______________________________

و هذه الأقوال بعد اشتراكها في ثبوت الكفارة بالإضافة إلى المضطر مع انّك عرفت في الأمر الثاني المناقشة فيه و بعد اشتراكها في عدم التعدد مع التكرر في صورة الاضطرار و التكرر في صورة الاختيار مختلفة في ملاك التعدد و التكرّر الموجب لتعدد الكفارة في هذه الصورة. فصريح الحلبيين ان الملاك هو اليوم فإذا تعدد تتكرر الكفارة و ظاهر الدروس ان الملاك تعدّد التغطية فإذا تحققت مرارا و لو في اليوم الواحد تتعدّد الكفارة نعم لا عبرة بتعدد الغطاء و ما يغطى به الرأس فإذا غطى رأسه بثلاثة أثواب- مثلا- متلاصقة دفعة واحدة لا يوجب تعدّد الكفارة بخلاف ما إذا كان الثوب و الغطاء واحدا و التغطية به متعددة فإنها تتكرر- ح- و ظاهر كلام الشهيد الثاني ان الملاك وحدة المجلس و تعدّده.

هذا و لكن الظاهر انه بعد عدم ثبوت نص في خصوص التكرر في المقام و لا إجماع، يكون المرجع هو الأصل بمعنى القاعدة و مقتضاها انه لو كان المستند في أصل الكفارة في المقام هو الإجماع فكما انه لا إطلاق له يشمل صورة الاضطرار لأنه دليل لبّى يقتصر فيه على القدر المتيقن كذلك لا إطلاق له يشمل صورة التكرار و لو بعد تخلل التكفير فلا تتكرر الكفارة مطلقا كما في المتن حيث نفي البعد عن عدم وجوب التكرر و لو في الصورة المذكورة.

و لو كان المستند هي الروايات الثلاثة المتقدمة على فرض تمامية دلالتها و سندها فالتكرر و عدمه مبني على المسألة الأصولية المعروفة التي وقع فيها الاختلاف في

كون مقتضى الأصل التداخل أو عدمه لكن ينبغي هنا التنبيه على أمر و هو ان الملاك في التعدد في المقام هي التغطية و هي لا تتعدد بتكرر الغطاء و عدمه فإذا غطى رأسه بثوب ثم القى على الثوب ثوبا آخر لا يتحقق التعدد بالإضافة إلى التغطية لأن المغطى لا يقبل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 206

[مسألة 33- تجب الكفارة إذا خالف عن علم و عمد]

مسألة 33- تجب الكفارة إذا خالف عن علم و عمد فلا تجب على الجاهل و لا على الغافل و السّاهي و الناسي (1).

______________________________

التغطية ثانيا و هذا بخلاف مثل لبس المخيط فإنه إذا لبس القميص ثم لبس عليه القباء ثم العباء مثلا يصدق لكل لبس انه لبس المخيط فيتحقق التعدّد فتدبّر.

(1) الدليل على اختصاص وجوب الكفارة بما إذا كانت المخالفة عن علم و عمد مضافا الى قصور أصل دليل الثبوت الذي هو الإجماع على تقدير تمامية دليليته في المقام عن الشمول لغير هذه الصورة لما عرفت من انّه دليل لبّى يقتصر فيه على القدر المتيقن و إلى مثل حديث الرّفع المشتمل على رفع ما لا يعلمون و رفع الخطأ و النسيان و الى مثل قوله عليه السّلام في بعض الروايات الواردة في لبس القميص جاهلا: «أيّما امرء ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه»، دلالة بعض الروايات المتقدمة الواردة في أصل مسألة حرمة تغطية الرأس على عدم ثبوت كفارة الشاة فيما إذا غطّى رأسه ناسيا كصحيحة حريز قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن محرم غطّى رأسه ناسيا قال يلقي القناع عن رأسه و يلبّي و لا شي ء عليه «1». و صحيحة الحلبي أنّه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن المحرم يغطي رأسه

ناسيا أو نائما فقال: يلبّي إذا ذكر «2». و غيرهما من الروايات و عليه فلا شبهة في الاختصاص بالعالم العامد.

ثم انه لم يقع التعرّض في المتن لثبوت الكفارة على المضطر و عدمه و الجمود على ظاهر اللّفظ يقتضي دخوله في العالم العامد لأنّ المضطر أيضا من مصاديق العالم العامد و ان كان أصل العمل جائزا في حقه و مشروعا بالإضافة إليه لكنّه لا ينافي ثبوت الكفارة كما في الاضطرار الى لبس المخيط أو التظليل و يؤيده عدم التعرض له في عداد

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 207

[الثامن عشر: تغطية المرأة وجهها بنقاب و برقع و نحوهما حتى المروحة]

اشارة

الثامن عشر: تغطية المرأة وجهها بنقاب و برقع و نحوهما حتى المروحة، و الأحوط عدم التغطية بما لا يتعارف كالحشيش و الطين، و بعض الوجه في حكم تمامه، نعم يجوز وضع يديها على وجهها، و لا مانع من وضعه على المخدّة و نحوها للنّوم (1).

______________________________

الجاهل و الغافل و مثلهما و مع ذلك لا يتحقق الاطمئنان للنفس بكون مراد المتن ثبوت الكفارة بالنسبة إلى المضطر أيضا و نحن قد قدمنا البحث في ذلك في الأمر الثاني من الأمور المتقدمة في المسألة السابقة فراجع.

(1) البحث في هذا الأمر أيضا يقع من جهات:

الجهة الاولى: في أصل ثبوت هذا الحكم في الجملة و نفي في الجواهر وجدان الخلاف فيه بل ثبوت الإجماع بقسميه عليه بل عن المنتهى انه قول علماء الأمصار و يدلّ عليه نصوص متعدّدة.

منها صحيحة عبد اللّٰه بن ميمون عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: المحرمة لا تتنقب لأنّ إحرام المرأة في وجهها

و إحرام الرجل في رأسه «1». و مقتضى التعليل عدم اختصاص الحكم بخصوص النقاب.

و مثلها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال مرّ أبو جعفر عليه السّلام بامرأة متنقبة و هي محرمة فقال: أحرمي و أسفري و ارخي ثوبك من فوق رأسك فإنّك إن تنقبت لم يتغيّر لونك قال رجل: الى أين ترخيه قال تغطي عينها قال: قلت: تبلغ فمها؟ قال نعم «2».

و منها رواية أبي عينية عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته ما يحلّ للمرأة ان تلبس و هي محرمة فقال: الثياب كلّها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير «3». الحديث.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 3.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 208

..........

______________________________

و منها رواية أحمد بن محمد «بن أبي نصر خ» عن أبي الحسن عليه السّلام قال: مرّ أبو جعفر عليه السّلام: بامرأة محرمة قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها «1».

و منها غير ذلك من الروايات لكن في مقابلها بعض الروايات التي عبّر فيها بالكراهة كرواية يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انه كرّه للمحرمة البرقع و القفازين «2». و صحيحة عيص بن القاسم قال قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث: كره النقاب يعني للمرأة المحرمة و قال تسدل الثوب على وجهها قلت حدّ ذلك الى أين؟

قال الى طرف الأنف قدر ما تبصر «3».

و الرواية الأولى ضعيفة بحيي بن أبي العلاء لعدم توثيقه و الظاهر انه غير يحيى بن العلاء الذي

هو ثقة و الظاهر انّ المراد من الكراهة في الروايتين الحرمة لدلالة الروايات الظاهرة في الحرمة عليه و لا مجال لاحتمال العكس بجعل التعبير في الكراهة في هاتين الروايتين قرينة على ان المراد من قوله: «المحرمة لا تتنقب»، هو الكراهة لأن حمل مثله عليها لا يلائم مع التعليل الوارد فيها بأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه مع انّك عرفت حرمة تغطية الرأس عليه و كذا لا يلائم مع التعليل بقوله انّك ان تنقبت لم يتغير لونك و كذا مع إماطة الإمام عليه السّلام بنفسه المروحة عن وجهها.

الجهة الثانية: في التغطية بما لا يتعارف كالحشيش و الطين بعد ما عرفت من دلالة بعض الروايات على حرمة التغطية بالمروحة أيضا لكنها تغاير مثل الحشيش بثبوت التعارف فيها في الجملة دونه و الظاهر انّ حكمهنّ بالإضافة إلى مثل هذه التغطية حكم

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 4.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 9.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 209

..........

______________________________

الرجال بالنسبة إلى الرأس و تغطيته بمثلها، لكن التعليل الوارد في بعض الروايات المقام بقوله مخاطبا لامرأة محرمة متنقّبة انّك ان تنقبت لم يتغيّر لونك يزيد في وضوح حكم المقام فإنه كما ان النقاب مانع عن تغيّر اللون المطلوب في باب الحج في وجه النساء كذلك الحشيش و الطين و مثلهما مانع عن ذلك و عدم التعارف في الاستفادة في التغطية من مثلهما لا يقدح في شمول التعليل و اقتضائه للحرمة فيما لا يتعارف أيضا فالأحوط لو لم يكن أقوى عدم التغطية

بمثلهما.

الجهة الثالثة: في حكم تغطية بعض الوجه ظاهر الكلمات انه لا فرق بين المقام و بين ما تقدم من حرمة تغطية الرجل بعض رأسه و انّ كلتا المسألتين من ورد واحد و لا فرق بينهما أصلا مع انّك عرفت هناك انّ جلّ الأدلّة الواردة في حرمة تغطية الرأس ظاهرها تغطية الجميع، غاية الأمر ان التعبير بالإصابة في بعض الروايات الصحيحة صار موجبا لتوسعة دائرة الحرمة و الشمول لتغطية بعض الرأس لتحقّق الإصابة بسببها.

و امّا المقام فما دلّ على المنع من البرقع لا يدلّ على أزيد من حرمة تغطية جميع الوجه لأنّ البرقع يكون ساترا له ظاهرا و امّا ما دلّ على إماطة الإمام عليه السّلام المروحة عن وجه المرأة المحرمة فلا دلالة له على توسعة دائرة الحرمة لأنه لم يعلم كون المروحة ساترة لبعض وجهها و احتمال كونها ساترة للجميع نعم يدل على عدم اختصاص الحكم بخصوص الثوب بل يشمل المروحة أيضا فلا ارتباط لهذه الرواية أيضا بالمقام.

نعم يبقى ما دلّ على حرمة التنقّب و النهي عن النقاب بعد عدم كون النقاب ساترا لجميع الوجه و لذا استدلّ صاحب الجواهر بهذا الدليل على شمول الحكم لتغطية بعض الوجه نظرا الى ما ذكرنا.

لكن لا بدّ من ملاحظة انّ في النقاب خصوصيتين: إحداهما كون المستور به بعض

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 210

..........

______________________________

الوجه، و ثانيتهما كون المستور به بعضا معينا من الوجه و هو الذقن و الفم و جزء من الأنف و في الحقيقة يكون المستور به هو النصف الأسفل من الوجه تقريبا كما تصنعه نساء المغرب على ما رأيناه في المدينة و مكة.

و عليه فلا بد من النظر في انّ

الخصوصية المانعة عن الستر بالنقاب و هل هي مجرد كونه ساترا لبعض الوجه يشمل الحكم ستر كل بعض من أبعاض الوجه و لو كان هو الطرف الأعلى أو خصوص طرف اليمين أو اليسار بل و لو كان البعض المستور جزء يسيرا من الوجه أو انّ الخصوصية المانعة هي كونه ساترا للبعض المخصوص من جهة المحلّ و المقدار الذي يستر به؟ فيه احتمالان ظاهر الفتاوى باعتبار عدم التفريق بين الكل و البعض و تنظير المرأة بالرجل الذي يحرم عليه ستر جزء من الرأس بل حتى ستر جزء من الأذن: بناء على كونه جزء من الرأس و ان ناقشنا فيه سابقا هو الاحتمال الأوّل و لكنه يبتنى على إلغاء الخصوصية من الجهة الثانية و هو يحتاج الى قيام الدليل أو فهم العرف و من الظاهر عدم قيام الدليل و تحقق فهم العرف، غير معلوم فالإنصاف انه لا محيص عن الالتزام بما أفاده بعض الاعلام قدّس سرّهم من التفصيل بين ما إذا كان المستور محلّا يستره النقاب فلا يجوز و ان كان الساتر غير نقاب لعدم خصوصية له من جهة العنوان و بين ما إذا كان المستور غير ذلك المحلّ كما إذا كان المستور فوق الوجه و لو كان الساتر هو الثوب، ففي الأوّل لا يجوز و في الثاني يجوز و ان كان مقتضى الاحتياط الوجوبي الناشئ عن الفتاوي هو الترك.

الجهة الرابعة: في انه يجوز للمرأة المحرمة وضع يدها بل يديها على وجهها لما مرّ في جواز ستر الرجل رأسه باليد و الذراع نعم في رواية سماعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انه سأله عن المحرمة فقال ان مرّ بها رجل استترت منه بثوبها و لا تستتر

بيدها من الشمس

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 211

..........

______________________________

الحديث «1». و لكنها كما في الجواهر محمولة على ضرب من الكراهة و ذلك لعدم الفتوى بالحرمة من أحد من الأصحاب.

الجهة الخامسة: في انه يجوز لها وضع الوجه على المخدة و نحوها للنوم بل يجوز لها تغطية الوجه حين ارادة النوم و ذلك لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال قلت المحرم يؤذيه الذباب حين يريد النوم يغطّي وجهه؟ قال: نعم و لا يخمّر رأسه، و المرأة المحرمة لا بأس بأن يغطّي وجهها كلّه عند النوم «2».

و لعلّ الحكمة في الجواز حين ارادة النوم هو الخروج بذلك عن المعرضية للنظر لعدم كونها قادرة في حال النوم على التستر بغير التغطية، لكن عرفت سابقا ان الرواية على نقل الشيخ خالية عن كلمة «عند النوم» و ان كان السياق يشعر بإرادة ذلك و امّا على نقل الكليني فمشتملة على الكلمة المذكورة و لا يكون في الوسائل إشارة إلى اختلاف النقلين بل نقل الرواية في باب عن الشيخ خالية عنها ثم قال: و رواه الكليني كما يأتي، و في باب آخر عن الكليني مع الاشتمال عليها ثم قال و رواه الشيخ مثله مع انّك عرفت الاختلاف و حيث ان الكليني أضبط من الشيخ، و أصالة عدم الزيادة حاكمة في البين فاللازم الاتكال على نقله و لا مانع من ثبوت الاستثناء في حال النوم للحكمة المذكورة كما كان في حرمة تغطية المحرم الرأس بعض الموارد بصورة الاستثناء كعصابة الصداع على ما مر «3».

ثم انه بعد دلالة الرواية الصحيحة على توسعة دائرة حكم الجواز لا مجال

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون،

ح 10.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الخمسون، ح 1.

(3) و قد حكى عن تهذيب الشيخ أيضا الاشتمال على الزيادة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 212

[مسألة 34- يجب ستر الرأس عليها للصلاة]

مسألة 34- يجب ستر الرأس عليها للصلاة، و وجب ستر مقدار من أطراف الوجه مقدّمة لكن إذا فرغت من الصلاة يجب رفعه عن وجهها فورا (1).

______________________________

لتخصيصه بخصوص وضع الوجه على المخدة و نحوها كما في المتن بل تجوز التغطية و لو بالثوب حال إرادة النوم كما لا يخفى و ان ذكر في الجواهر بعد نقل الرواية: «و لم أقف على رادّ له كما اني لم أقف على من استثناه من حكم التغطية و يمكن إرادة التغطية بما يرجع الى السّدل أو ما يقرب منه» أقول سيأتي البحث في مسألة السّدل ان شاء الهّٰر تعالى و لا مانع من الاستثناء خصوصا بعد التعبير بالتغطية بالرواية.

(1) قال في الجواهر بعد الحكم بأنّه يجب عليها كشف بعض الرأس مقدمه لكشف الوجه كما يجب على الرجل كشف بعض الوجه مقدمة للرأس: «نعم لو تعارض ذلك في المرأة في الصلاة ففي المنتهى و التذكرة و الدروس قدّمت ستر الرأس لا لما في المدارك من التمسك بالعمومات المتضمنة لوجوب ستره السالمة عمّا يصلح للتخصيص ضرورة إمكان معارضته بمثله بل لترجيحه بما قيل من ان السّتر أحوط من الكشف لكونها عورة، و لأن المقصود إظهار شعار الإحرام بكشف الوجه بما تسمّى به مكشوفة الوجه و هو حاصل مع ستر جزء يسير منه و ان أمكن المناقشة فيه أيضا بتعارض الاحتياط بالنسبة إلى الصلاة و الإحرام و كونها عورة في النظر، لا مدخلية له في ذلك، و كما يصدق أنّها

مكشوفة الوجه مع ستر الجزء اليسير منه، يصدق أنّها مستورة الرأس مع كشف الجزء اليسير منه، فالمتجه- ح- التخيير ان لم ترجّح الصلاة بكونها أهم و أسبق حقّا و نحو ذلك».

أقول بعد ملاحظة ان هذه المسألة مبتنية على حرمة تغطية بعض الوجه أيضا أيّ بعض، كان كالكلّ و بعد ملاحظة انه لا تضاد بين الصلاة و الإحرام كالتضاد المتحقق بين الصلاة و الإزالة في المثال المعروف في مسألة أن الأمر بالشي ء هل يقتضي النهي عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 213

..........

______________________________

ضده، التي هي معروفة في علم الأصول ضرورة انه لا يرى تضاد بين الصلاة و الإحرام بوجه بل لا مانع من الجمع بين رعاية التكليفين أصلا بل التعارض انّما هو بين رعاية الحكم التحريمي المتعلق بالمحرمة و هي حرمة التغطية و رعاية الوجوب الشرطي المتعلق بستر الرأس، من جهة ان تحقق العلم بثبوت الشرط يقتضي ستر جزء من الوجه أيضا من باب وجوب المقدمة العلمية و العلم بعدم تغطية بعض الوجه أيضا يتوقف بكشف جزء و لو يسير من الرأس، و لا يتحقق الجمع بين الأمرين و ان كان يمكن ان يقال بان وجوب المقدمة العلمية انّما هو بالإضافة إلى الستر الذي هو واجب شرطي و امّا بالإضافة إلى التغطية فحيث يكون الحكم المتعلق بها هي الحرمة فلا حاجة الى إحراز عدم تحقق متعلقها بل يكفي عدم إحراز تحقق المتعلق كما لا يخفى إلّا أن يقال بان الحكم الثابت في المقام أيضا هو الوجوب و متعلقه هو الاسفار عن الوجه كما وقع التعبير به في الشرائع و عليه فتجب مقدمته العلمية أيضا.

نقول لا مجال لترجيح الصلاة باعتبار كونها أهمّ

فإن الأهمية انّما تكون متحققة في أصل الصلاة و لا دليل على أهمية رعاية شرطها و الوجوب الشرطي المتعلق به على الحرمة الإحرامية الثابتة عليها.

بل ترجيح الصلاة و رعاية شرطها انّما يستفاد من وجهين:

أحدهما: استمرار سيرة المتشرعة من النساء المحرمات المتصلة بزمان الأئمة عليهم السّلام على رعاية الستر الصلاتي في حال الإحرام بعين رعايته في غير هذه الحالة و لا فرق عندهنّ عملا بين الصلاة في الحالتين و هي شاهدة على تقدم الستر الصلاتي و كونه مرتكزا لديهنّ.

ثانيهما: انه حيث تكون هذه المسألة من المسائل المبتلى بها في الحج و العمرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 214

[مسألة 35- يجوز إسدال الثوب و إرساله من رأسها إلى وجهها]

مسألة 35- يجوز إسدال الثوب و إرساله من رأسها إلى وجهها إلى أنفها بل الى نحرها للستر عن الأجنبي، و الأولى الأحوط ان يسدله بوجه لا يلصق بوجهها و لو بأخذه بيدها (1).

______________________________

و العمرة المفردة لا تكون مقيّدة بوقت خاص بل مشروعة في جميع الشهور فلو كان الستر الصلاتي متأخرا في حال الإحرام عن التغطية المحرّمة لكان اللّازم صدور البيان من قبل الأئمة عليهم السّلام في هذا المجال و لو صدر لبان بلحاظ شدّة الابتلاء التي أشير إليها.

و مما ذكرنا يظهر انه لا وجه للتعبير بالجواز كما في كلام بعض الاعلام قدّس سرّهم بل الظاهر هو التعين و الوجوب كما في المتن تبعا لمن عرفت من الفقهاء في كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه.

لكن لا بدّ من الاقتصار على حال الصلاة و الالتزام بأنه إذا فرغت منها يجب عليها فورا إزالة الغطاء و رفعها عن وجهها لأنه لا وجه لجواز البقاء على هذه الحالة بعد الفراغ عن الصلاة كما لا يخفى.

(1) قال في

الشرائع بعد الحكم بعدم جواز تغطية الرأس للرجل المحرم: «و يجوز ذلك للمرأة لكن عليها ان تسفر عن وجهها و لو أسدلت قناعها على رأسها إلى طرف أنفها جاز» و ذكر في الجواهر بعده: «بلا خلاف أجده كما عن المنتهى الاعتراف به بل في المدارك نسبته إلى إجماع الأصحاب و غيرهم نحو ما عن التذكرة من انه جائز عند علمائنا أجمع و هو قول عامة أهل العلم بل قد يجب بناء على وجوب ستر الوجه عليها.

من الأجانب و انحصر فيه».

و كيف كان يحتمل في عبارة الشرائع ان يكون إسدال القناع على الرأس إلى طرف الأنف مستثنى من تغطية الوجه المحرّمة عليها و يؤيده التحديد الى طرف الأنف و يحتمل فيها ان يكون مراده أنّ الإسدال أمر لا ينافي التغطية المحرّمة و اللازم في هذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 215

..........

______________________________

المقام ملاحظة النصوص المتعددة الواردة فيه ثم بيان وجه الجمع بينها و بين الروايات المتقدمة الناهية عن التغطية الشاملة لتغطية الكل و البعض معا فنقول:

منها: صحيحة عيص بن القاسم قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث: كره النقاب يعني للمرأة المحرمة و قال تسدل الثوب على وجهها، قلت: حدّ ذلك الى أين؟ قال الى طرف الأنف قدر ما تبصر «1». و قد عرفت انّ المراد بالكراهة فيها هي الحرمة و عليه فقوله: تسدل .. هل يكون المراد به وجوب الاستدلال على ما هو مقتضى ظاهر الجملة الخبرية الواقعة في مقام إنشاء الحكم أو المراد به الجواز بلحاظ وقوعه في مقابل النقاب المحكوم بالحرمة و المقصود عدم جريان الحكم بالحرمة في الإسدال فيجوز لها ذلك.

و منها صحيحة الحلبي عن

أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: مرّ أبو جعفر عليه السّلام بامرأة متنقّبة و هي محرمة فقال: أحرمي و أسفري و ارخي ثوبك من فوق رأسك فإنّك إن تنقبت لم يتغيّر لونك قال رجل: الى أين ترخيه قال تغطّي عينها، قال قلت تبلغ فمها؟

قال نعم «2». و المراد من قوله: أحرمي ليس هو إيجاب الإحرام لعدم معلومية وجوب الإحرام عليها مع انّها كانت محرمة و لا معنى للإيجاب عليها بل المراد هو انه بعد ما صرت محرمة و اتصفت بذلك يجب عليك الأسفار الذي يكون ظاهره اسفار الوجه و يجري الاحتمالان المذكوران في الرواية السابقة في قوله: و ارخي ثوبك من فوق رأسك.

و منها صحيحة حريز قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام المحرمة تسدل الثوب على وجهها

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 216

..........

______________________________

الى الذقن «1».

و منها صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انّ المحرمة تسدل ثوبها الى نحرها «2».

و منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انه قال: تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة «3».

و منها رواية سماعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انه سأله عن المحرمة فقال: ان مرّ بها رجل استترت منه بثوبها و لا تستتر بيدها من الشمس الحديث «4».

و من طريق العامة ما روى عن عائشة قالت: كان الركبان يمرّون بنا و نحن محرمات مع رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله فإذا جاءونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها

فإذا جاوزنا كشفنا «5».

ثم انّه يظهر من صاحب الجواهر انّ الجمع بين هذه الروايات الدالّة على جواز الإسدال و الإرخاء لو لم نقل بدلالة بعضها على الوجوب و بين الروايات المتقدمة الظاهرة في حرمة تغطية الوجه للمرأة المحرمة يمكن بوجهين:

الوجه الأول: ما جعله دليلا لما حكى عن المبسوط و الجامع و القواعد بل في الدروس انه المشهور و ان ناقش هو في تحقق الشهرة من عدم جواز الإسدال بنحو يكون الثوب مماسا للوجه و مصيبا له بل لا بدّ أن تمنعه بيدها أو بخشبة من ان يباشر وجهها من ان مقتضى الجمع بين صحاح السّدل و النصوص المانعة من التغطية حمل

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 6.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 7.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 8.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 10.

(5) سنن البيهقي: ج 5 ص 48.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 217

..........

______________________________

الاولى على غير المصيبة للبشرة بخلاف الثانية بل لعلّ المرتفعة ليست من التغطية.

و لكنه أورد عليه بقوله: «مع ان الدليل خال عن ذكر التغطية و انّما فيه الإحرام بالوجه و الأمر بالاسفار عن الوجه ان السدل بمعنييه تغطية عرفا و انّها غير سافرة الوجه معه إلّا ما خرج عنها الى حدّ التظليل و نحوه».

الوجه الثاني: ما جعله صاحب الجواهر قدّس سرّه أولى من وجوه و وصفه في ذيل كلامه بأنّه مقتضى التحقيق من قوله: «ان الجمع بإخراج السدل بقسميه عن ذلك كما كاد يكون صريح النصوص المزبورة بل و الفتوى أولى من وجوه و لا يقتضي اختصاص

الحرمة- ح- بالنقاب كما في المدارك و الذخيرة و غيرهما بل في الأوّل لا يستفاد من الاخبار أزيد من ذلك، ضرورة تعدّد أفراد التغطية بغير السدل كالشدّ و نحوه و خصوصا مع ملاحظة اللطوخ و نحوه، و من هنا تردد المصنّف- يعني المحقق في الشرائع- فيما يأتي في كراهة النقاب بل أفتى به الفاضل في الإرشاد مع الجزم بحرمة التغطية بل في الدروس عدّ النقاب محرّما مستقلا عن حرمة التغطية و ان كان قد علّله بها فالتحقيق استثناء السدل من ذلك بقسميه و ان كان الاحتياط لا ينبغي تركه».

و هنا وجوه أخر للجمع:

أحدها: حمل ما دلّ على حرمة تغطية الوجه على صورة عدم وجود الناظر الأجنبي و حمل ما دلّ على جواز الإسدال على صورة وجوده.

و أورد عليه بان الشاهد على هذا الجمع حديث عائشة المتقدم و حيث انه ضعيف من حيث السند فلا يمكن ان يصار الى هذا الجمع لأنه بلا شاهد.

مع ان رواية سماعة المتقدمة المعتبرة أيضا شاهدة على هذا الجمع كما ان صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الدالة على التقييد بما إذا كانت راكبة تنطبق على هذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 218

..........

______________________________

الوجه أيضا لظهور ان الركوب بما هو ركوب لا مدخل له في ذلك بل لأجل كون المرأة في حال الركوب في معرض نظر الأجنبي غالبا كما لا يخفى.

ثانيها: ما أفاده بعض الاعلام قدّس سرّهم ممّا حاصله ان ما دلّ على ان حدّ الإسدال إلى طرف الأنف و هو الجانب الأعلى من الأنف صريح في عدم جواز الإسدال إلى الزائد من ذلك فيكون ما دل على جواز الإسدال إلى الفم أو الذقن و النحر معارضا

له فهذه الروايات تسقط بالمعارضة و المرجع- ح- ما دلّ على ان إحرام المرأة في وجهها فالواجب عليها بمقتضى الإطلاق عدم ستر الزائد من طرف الأنف الأعلى بأيّ ساتر كان نعم لا بأس بالعمل برواية معاوية بن عمّار الدالة على الجواز الى النحر مقيّدا بما إذا كانت راكبة لأنه لا معارضة بينها و بين روايات الحدّ لأنّه لا علم بعدم الفرق بين حال الركوب و غيره و انّما جوّز الستر في حال الركوب لأنّها في معرض نظر الأجنبي فتقيد روايات الحدّ بحال الاختيار و بأنها إذا كانت مأمونة من النظر فالمتحصل انها إذا كانت مأمونة من النظر يجوز لها إسدال الثوب الى طرف الأنف حتى تتمكن من ان تبصر و ترى الطريق و إذا كانت في معرضة يجوز لها الإسدال إلى الفم أو النحر.

ثالثها: ما احتمله بعض الأعاظم قدّس سرّهم على ما في تقريرات بحثه في الحج من انه لا معارضة بين الاخبار حتى تحتاج الى الجمع بتقريب يرجع ملخّصه ان قوله عليه السّلام «إحرام المرأة في وجهها» انما يدلّ على محل الإحرام و لا دلالة له على كيفية الإحرام و انّها عبارة عن كشف تمام الوجه بل لا بدّ من الاستفادة من دليل آخر و عليه فيمكن ان يقال ان المستفاد من صحيحة الحلبي المتقدمة الواردة في المرأة المتنقبة هي حرمة تغطية تمام الوجه لا بعضه للجمع بين إيجاب الاسفار و جواز الإرخاء و عليه فالمراد من قوله عليه السّلام «أسفري» هو لزوم اسفار بعض الوجه و من قوله عليه السّلام «و ارخي ثوبك» هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 219

..........

______________________________

جواز السدل بحيث يستر بعض الوجه لا تمامه

و اما ما دلّ على جواز الإسدال إلى الذقن أو الى النحر فيمكن ان يقال انّ المراد منه انها تجعل الثوب الذي وضعت على رأسها بحيثية يستر جانبي وجهها أو أحد جانبيه به مع بقاء مقدار من وسط الوجه مكشوفا أو مع الجانب الآخر كذلك.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 4، ص: 219

و التحقيق في المقام ان يقال أوّلا انك عرفت في مسألة حرمة تغطية الوجه للمرأة المحرمة ان تغطية البعض الخارج عن المحدودة التي يسترها النقاب لا دليل على حرمتها و ان قلنا بالاحتياط الوجوبي نظرا الى الفتاوى التي ظاهرها انه لا فرق بين الرجل المحرم و المرأة المحرمة فكما ان تغطيته لبعض الرأس محرمة كذلك تغطيتها لبعض الوجه و لكن الدليل لا يساعد على ذلك.

و ثانيا ان في جملة من الروايات المتقدمة الدالّة على وجوب الإسدال أو جوازه لم يقع التعرض أوّلا لبيان الحدّ بل التحديد قد تحقق بعد السؤال عن الحدّ و مرجعه إلى انه لو لم يتحقق السؤال لكان مقتضى الإطلاق الإسدال بنحو يشمل جميع الوجه كما لا يخفى.

و ثالثا ان في بعض الروايات ما ظاهره تقييد مشروعية الإسدال بما إذا مرّ بالمرأة المحرمة رجل أجنبي أو بما إذا كانت راكبة و مرجعة، الى كونها في معرض النظر.

و رابعا ان في بعض الروايات قد جمع بين إيجاب الاسفار و وجوب الإرخاء المضاف الى الثوب أو جوازه.

و حيث انّ الرواية الجامعة لجميع هذه الخصوصيات هي صحيحة الحلبي المتقدمة فلا بد من التكلم في مفادها و الدقة

في مدلولها فإنّها مفتاح حلّ إعضال الجمع بين الروايات لاشتمالها على الخصوصيات المزبورة خصوصا الأخيرة التي لها كمال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 220

..........

______________________________

المدخلية في وجه الجمع فنقول:

نفس حكاية الإمام الصادق عليه السّلام انّ أبا جعفر عليه السّلام مرّ بامرأة متنقبة و هي محرمة تدلّ على عدم اجتماع التنقب مع الإحرام بمعنى انه لا يجوز للمحرمة التنقب في حال الإحرام و قد عرفت سابقا انّ في النقاب خصوصيتين إحداهما كونه ساترا لبعض الوجه، و الأخرى كونه ساترا للبعض المعين من الوجه دائما و بلحاظ هذا البحث الذي نحن فيه نقول بان فيه خصوصية ثالثة أيضا، و هي كيفية ساتريته لبعض الوجه و هي شدّ الثوب على ذلك البعض لا مجرد وضعه عليه فتدبّر.

و اما قوله عليه السّلام مخاطبا للمرأة المتصفة بما ذكر: أحرمي و أسفري و ارخي ثوبك من فوق رأسك فنقول نفس هذه المخاطبة ظاهرة في كون المرأة المذكورة واقعة في معرض نظر الأجنبي و امّا قوله: أحرمي فقد مرّ معناه في ذيل نقل الرواية و امّا قوله:

أسفري فالظاهر بملاحظة كون المرأة متنقبة هو لزوم الاسفار بالإضافة إلى المحدودة التي يسترها النقاب و يوجب التنقب عدم تغيّر لونها و التعليل بقوله «فإنك إن تنقبت لم يتغيّر لونك» يؤيد بل يدل على عدم كون المراد بالاسفار هو اسفار تمام الوجه و كشفه بل الاسفار بالنسبة إلى المحدودة المذكورة و لا شبهة في كون الرواية ظاهرة في وجوب الاسفار.

و امّا قوله: ارخي ثوبك من فوق رأسك فالظاهر ان المراد به هو وجوب الإرخاء الظاهر في ستر جميع الوجه بلحاظ كونها في معرض نظر الأجنبي فإن قلنا بوجوب ستر الوجه على

المرأة عند المعرضية للنظر فظاهر الرواية باق على حاله و ان قلنا بالعدم كما حققناه في كتاب الصلاة في بحث لباس المصلي الذي وقع التعرض فيه للستر الواجب النفسي أيضا في الرجل و المرأة فاللازم ان يقال بان مفاد هذا القول مجرد المشروعية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 221

..........

______________________________

لا الوجوب و قد مرّ ان الظاهر منه مع قطع النظر عن التحديد الواقع بعده هو جواز الإرخاء بنحو يشمل جميع الوجه لكنه بعد سؤال رجل عن حدّ الإرخاء أجاب بقوله:

تغطي عينها و الظاهر ان المراد من هذه العبارة هو التحديد بما وقع في صحيحة العيص المتقدمة التعبير عنه بقدر ما تبصر فإنه مع تغطية العين لا تتمكن من السير و الحركة فالمراد هو التغطية إلى حدّ العين.

و امّا قوله: نعم في مقام الجواب عن السؤال عن بلوغ الفم فلا بد أوّلا من ملاحظة انه كيف يجتمع مع التحديد الأوّل فإن جعل الحدّ هو العين لا يجتمع مع تجويز البلوغ الى الفم و ثانيا من ملاحظة انه كيف يجتمع التحديد مع إطلاق الحكم بإرخاء الثوب و لا محيص من ان يقال ان المراد مجرّد تجويز الإرخاء المضاف الى الثوب سواء بلغ الى حدّ العين أو الى حدّ الفم و بقرينة سائر الروايات يستفاد الجواز الى حدّ الذقن بل الى حدّ النحر.

و عليه فهذه الصحيحة شاهدة على انه لا تنافي بين الحدين و لا تعارض بين الأمرين فما عرفت في كلام بعض الاعلام قدّس سرّهم من انه لو كانت هذه التحديدات واقعة في كلام واحد لكانت من المتنافيات، يدفعه هذه الصحيحة المشتملة على الجمع بين التحديدين فاللازم ان يقال بعدم ثبوت التنافي

بوجه بل مرجعه الى جواز الجميع و مشروعية الإسدال بكل حدّ غاية الأمر انه حيث يكون موردها ما إذا كانت المحرمة في معرض نظر الأجنبي و قد وقع التصريح بهذا القيد في روايتي سماعة و معاوية المتقدمتين فلا بد من الاقتصار على هذا المورد و الحكم بالجواز في هذه الصورة بالإضافة الى جميع الحدود المذكورة في الروايات و امّا في غير هذه الصورة فالحكم فيه ما تقدم في مسألة تغطية الوجه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 222

[مسألة 36- لا كفارة على تغطية الوجه]

مسألة 36- لا كفارة على تغطية الوجه، و لا على عدم الفصل بين الثوب و الوجه و ان كانت أحوط في الصورتين (1).

[التاسع عشر: التظليل]

التاسع عشر: التظليل (2)

______________________________

و الظاهر ان قوله قدّس سرّه في المتن: للستر عن الأجنبي راجع الى أصل الحكم بجواز الإسدال بناء منه على حرمة تغطية بعض الوجه أيضا و امّا بناء على ما اخترناه فلا يتوقف جواز الإسدال إلى الأنف على ان يكون الغرض هو الستر عن الأجنبي بل يجوز مطلقا كما ان الاحتياط المستحبي المذكور فيه انّما هو للخروج عن خلاف من اعتبر عدم الإلصاق بالوجه مثل الشيخ قدّس سرّهم على ما عرفت.

(1) وجه عدم ثبوت الكفارة عدم الدليل على ثبوتها بنحو الخصوص و امّا الدليل العام فهي رواية علي بن جعفر عليه السّلام التي تقدم البحث فيها مرارا و قلنا انه ضعيفة سندا بعبد اللّٰه بن الحسن الذي هو حفيد علي بن جعفر عليه السّلام و دلالة لعدم ثبوت نسخة «جرحت» بل المحكي في الوسائل «خرجت» مضافا الى عدم ملاءمة كلمة الجرح لمثل هذه المقامات.

و امّا الاحتياط المستحبي فمنشؤه ما ذكره الشيخ قدّس سرّه عقيب الفتوى بلزوم الفصل في مسألة الإسدال بين الثوب و الوجه من وجوب الدم مع تعمّد المباشرة و استظهر منه صاحب الجواهر ثبوت الكفارة المذكورة حتى إذا زال أو ازاله بسرعة فإذا كانت الكفارة في هذه الصورة ثابتة ففي التنقب و مثله بطريق أولى لكنك عرفت ان الإسدال جائز و لو كان مصيبا للوجه و ملصقا به و في التغطية المحرمة لم ينهض دليل على ثبوت الكفارة بوجه.

(2) قد قدّمنا البحث عن التظليل مفصّلا في أوّل محرّمات الإحرام لأجل شدّة الابتلاء به خصوصا في هذه الأزمنة

فلا مجال للإعادة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 223

[العشرون: إخراج الدم من بدنه و لو بنحو الخدش أو السواك]

العشرون: إخراج الدم من بدنه و لو بنحو الخدش أو السواك، و امّا إخراجه من بدن غيره كقلع ضرسه أو حجامته فلا بأس به كما لا بأس بإخراجه من بدنه عند الحاجة و الضرورة، و لا كفارة في الإدماء و لو لغير ضرورة (1).

______________________________

(1) قال المحقق في الشرائع في عداد محرّمات الإحرام: «و إخراج الدّم إلّا عند الضرورة و قيل يكره و كذا قيل في حكّ الجسد المفضي إلى إدمائه و كذا السّواك و الكراهة أظهر» و حكى في الجواهر حرمة إخراج الدم عن المقنعة و جمل العلم و العمل و النهاية و المبسوط و الاستبصار و التهذيب و الاقتصاد و الكافي و الغنية و المراسم و السرائر و المهذب و الجامع مع اضافة قوله: على ما حكى عن بعضها و عليه فالشهرة انّما هي على الحرمة و المراد من القائل بالكراهة الذي أشار إليه المحقق في عبارته المتقدمة هو الشيخ في الخلاف لكن مورده الاحتجام و عن المصباح و مختصره كراهيته و الفصد و الكلام في هذا الأمر يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في عنوان الإدماء و إخراج الدم من نفسه بنحو الإطلاق فنقول الدليل على حرمته عدّة روايات:

منها صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم كيف يحكّ رأسه؟ قال بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر «1». فان المتفاهم العرفي منها انّ حكّ الرأس بالأظافير إذا اتّصف بالإدماء و تعقبه خروج الدم يكون محرّما من جهة الإدماء و إخراج الدم لا من جهة كون حكّ الرأس متعقّبا بخروج الدم، كما ان الأمر كذلك بالإضافة

إلى قطع الشعر الذي عرفت انه من الأمور المحرّمة على المحرم و لا فرق بين ان يكون موجبه حكّ الرأس أو شيئا آخر غيره، فهذه الرواية تامة من حيث السند و الدلالة.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 224

..........

______________________________

و منها رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال لا بأس بحكّ الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر و بحكّ الجسد ما لم يدمه «1».

و منها صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يستاك قال: نعم و لا يدمى «2».

المقام الثاني: في العناوين الخاصة الواقعة في الروايات و هي متعددة:

الأوّل الاحتجام و قد وردت فيه طائفتان من الاخبار:

الطائفة الأولى: ما ظاهره المنع و عدم الجواز مثل:

صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟ قال: لا، إلّا أن لا يجد بدّا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم «3».

و رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال لا يحتجم المحرم إلّا ان يخاف على نفسه ان لا يستطيع الصلاة «4».

و الرّاوي عن زرارة هو مثنى بن عبد السّلام الذي هو من رجال صفوان بن يحيى و قد اشتهر ان روايته و كذا رواية ابن أبي عمير و ابن أبي نصر البزنطي عن شخص دليل على وثاقته و ان كان مجهول الحال بنفسه لكن فيه كلام كما قرّر في محلّه.

و رواية الحسن الصيقل عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟ قال: لا، إلّا ان يخاف التلف و لا يستطيع الصلاة و قال: إذا آذاه الدم فلا بأس به و يحتجم و

لا يحلق

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 3.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 1.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 225

..........

______________________________

الشعر «1». و المراد هو الشعر الموجود في مكان الحجامة.

و رواية ذريح انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يحتجم فقال نعم إذا خشي الدّم «2». و ظاهرها عدم الجواز مع عدم خشية الدم التي يعبر عنها في الفارسية به «فشار خون».

الطائفة الثانية: ما يدلّ بظاهره على الجواز مثل:

صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر «3».

و مرسلة الصدوق المعتبرة- على ما نبهنا عليها مرارا- قال: احتجم الحسن «الحسين خ ل» بن علي عليهما السّلام و هو محرم «4».

و رواية يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟ قال: لا أحبّه «5». بناء على ظهور قوله: لا أحبّه في الكراهة الملاءمة للجواز و امّا بناء على ظهوره في الحرمة فالرواية تكون من روايات الطائفة الاولى.

و رواية فضل بن شاذان قال سمعت الرضا عليه السّلام يحدّث عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السّلام انّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله احتجم و هو صائم محرم «6».

و رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال سألته عن المحرم هل

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح

8.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 5.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 7.

(5) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 4.

(6) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 226

..........

______________________________

يصلح له ان يحتجم؟ قال: نعم و لكن لا يحلق مكان المحاجم و لا يجزّه «1».

و الجمع بين الطائفتين بحيث يخرجهما عن المتعارضين انّما هو بحمل الطائفة الثانية على صورة الضرورة و قد وقع التصريح بالجواز في هذه الصورة في جملة من روايات الطائفة الاولى و بعبارة أخرى الطائفة الثانية تدلّ على الجواز بنحو الإطلاق و ان كان في مرسلة الصدوق لا مجال للإطلاق أيضا لأنّها حكاية فعل الامام عليه السّلام و الفعل لا إطلاق له نعم لو كان الحاكي له هو امام آخر و كان غرضه من الحكاية بيان الحكم و افادته من هذا الطريق كما في رواية فضل بن شاذان يمكن التمسك بإطلاقه و بالجملة الطائفة المجوزة مطلقة و الطائفة المانعة مفصلة بين صورتي الضرورة و عدمها و الجمع يقتضي حمل الاولى على صورة الضرورة و لا حاجة معه الى وجود الشهرة على طبق الطائفة المفصلة لأن الجمع الدلالي يوجب الخروج عن دائرة التعارض و الشهرة مرجّحة في باب المتعارضين فلا مجال لما في الجواهر من ان الشهرة ترجح الجمع بين النصوص بالتقييد بالضرورة، ثم ان حمل صحيحة حريز الظاهرة في الجواز المقيدة بصورة الضرورة عليها لا ينافي التقييد بعدم الحلق و قطع الشعر نظرا إلى انّه لو كانت الضرورة موجودة لكان مقتضاها جواز الحلق و القطع أيضا.

وجه عدم المنافاة أن الضرورة

في أصل الاحتجام لا تستلزم الضرورة بالإضافة إلى الحلق و القطع و لأجله وقع الجمع بين الأمرين في صحيحة الحلبي المتقدمة حيث انه بعد الحكم بجواز الاحتجام فيما لا يجد بدّا نهى فيها عن حلق مكان المحاجم.

العنوان الثاني: الاستياك و الفرق بينه و بين الاحتجام ملازمة الثاني للإدماء و إمكان عدم الإدماء في الأوّل و قد وقع فيه أيضا طائفتان من الاخبار:

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 227

..........

______________________________

الطائفة الأولى: ما ظاهره المنع في صورة الإدماء مثل:

صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يستاك؟ قال: نعم و لا يدمي «1».

الطائفة الثانية: ما ظاهره الجواز في الصورة المذكورة مثل:

صحيحة علي بن جعفر- في كتابه- عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن المحرم هل يصلح له ان يستاك؟ قال: لا بأس و لا ينبغي ان يدمى فيه «2». بناء على كون قوله:

لا ينبغي، ظاهرا في الكراهة المقابلة للحرمة و امّا لو كان المراد به الحرمة فيما لم يقم دليل على خلافها فهذه الرواية تصير من جملة الطائفة الأولى كما انه لو قيل بان المراد به هو الأعم من الكراهة و الحرمة لكانت صحيحة الحلبي قرينة على ان المراد بها خصوص الحرمة كما انه على القول الأوّل تصير هذه الرواية قرينة على ان المراد بقوله:

و لا يدمي في الصحيحة المزبورة هي الكراهة.

و صحيحة معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام في المحرم يستاك؟ قال:

نعم، قلت: فإن أدمى يستاك؟ قال: نعم هو من السنّة «3». و في الوسائل أن الكليني قدّس سرّه بعد نقل الرواية بهذه الكيفية

عن معاوية بن عمار، قال: قال الكليني: و روى أيضا لا يستدمي.

و احتمل ان يكون: روى بصيغة المعلوم فيكون ضمير الفاعل راجعا إلى معاوية بن عمّار و عليه فمقتضاه كون الرواية مسندة بنفس السند المذكور قبله و اللازم- ح- ان

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 5.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و التسعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 228

..........

______________________________

يقال بان موضع «لا يستدمي» مكان الجواب عن السؤال الثاني و هو قوله: نعم هو من السنّة فتدلّ الرواية على عدم جواز الاستدماء و الظاهر انه لا فرق بينها و بين الإدماء المذكورة في السؤال.

و لكن الظاهر ان هذا الاحتمال في غاية الضعف و ذلك لأنّه عليه كان اللازم التصريح بكون معاوية روى ذلك بهذا السند كما انه كان اللازم بيان محلّ قوله:

لا يستدمي بل الرواية مرسلة على نقل الكليني و الظاهر ان مراده هي صحيحة الحلبي المتقدمة غاية الأمر ان الشيخ رواها مسندة و الكليني مرسلة.

و كيف كان فالمعارضة متحققة بين الطائفتين و لا سبيل الى الجمع الدلالي المخرج لهما عن عنوان المتعارضين و حيث ان الاولى موافقة للشهرة الفتوائية حيث ان جملة من الأصحاب و ان اقتصروا على ذكر بعض العناوين كالاحتجام و حكّ الجسد و الاستياك و نحوها إلّا ان المشهور على ما عرفت في أوّل البحث حكموا بحرمة مطلق الإدماء من أي طريق تحقق، و عبارة الشرائع المتقدمة التي استظهر فيها الكراهة تحتمل ان تكون راجعة إلى العنوانين لا الى عنوان الإدماء على سبيل الإطلاق كما فسرها بذلك ابتداء صاحب

الجواهر و هو الظاهر و ان احتمل في ذيل كلامه رجوعها الى المطلق فاللازم الأخذ بالطائفة الناهية و الحكم بحرمة الاستياك مع الإدماء.

العنوان الثالث: حكّ الجسد المؤدّي إلى إدمائه و قد اقتصر عليه في محكي الاقتصاد و الكافي.

و يدلّ على حرمته صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم كيف يحكّ رأسه؟ قال: بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر «1».

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 229

..........

______________________________

و رواية عمر بن يزيد التي في سندها ابنه محمد و هو لم يوثق عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس بحكّ الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر و بحكّ الجسد ما لم يدمه «1».

و لا ينافيهما رواية زرارة قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام هل يحكّ المحرم رأسه و يغتسل بالماء؟ قال: يحك رأسه ما لم يتعمّد قتل دابة الحديث «2». بعد كون إطلاقها محمولا على صورة عدم الإدماء خصوصا مع كون الغالب عدم إيجاب حكّ الرأس لإدمائه كما لا يخفى.

العنوان الرابع: عصر الدّمل و قد وردت فيه صحيحة معاوية بن عمّار انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يعصر الدّمل و يربط عليه الخرقة فقال: لا بأس «3». و مقتضى إطلاق السؤال و ترك الاستفصال و ان كان هو عدم الفرق بين صورة خروج الدم و صورة عدمه خصوصا مع كون عصر الدمل يتعقبه خروج الدم أيضا غالبا إلّا ان الرواية محمولة على صورة الضرورة للتأذي ببقاء الدّمل على حاله و عدم عصره بقرينة ما تقدم من الروايات.

العنوان الخامس: الجرب و

قد وردت فيه موثقة عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن المحرم يكون به الجرب فيؤذيه قال: يحكّه فان سال الدم فلا بأس «4».

و امّا قلع الضرس فهو من محرمات الإحرام و قد وقع البحث فيه مستقلا و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 4.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السبعون، ح 1.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و السبعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 230

[الواحد و العشرون: قلم الأظفار و قصّها- كلّا أو بعضا- من اليد أو الرجل]

اشارة

الواحد و العشرون: قلم الأظفار و قصّها- كلّا أو بعضا- من اليد أو الرجل من غير فرق بين آلاته كالمقراضين و المدية و نحوهما، و الأحوط عدم إزالته و لو بالضرس و نحوه، بل الأحوط عدم قصّ الظفر من اليد الزائدة أو الإصبع الزائد و ان لا يبعد الجواز لو علم انّهما زائدان (1).

______________________________

ثم انه لم ينهض دليل على ثبوت الكفارة في الإدماء و ان حكى عن الدروس ان فدية إخراج الدم شاة و حكاه عن بعض أصحاب المناسك و عن الحلبي في حكّ الجسم حتى يدمي مدّ طعام مسكين لكن لم يعرف الدليل المعتبر على شي ء منهما.

(1) الظاهر انه لا اشكال و لا خلاف في أصل الحكم و في الجواهر بعد نفي وجدان الخلاف فيه بل ثبوت الإجماع بقسميه عليه قال: بلى في المنتهى و التذكرة نسبته الى علماء الأمصار.

و الأصل في المسألة النصوص المتعددة الواردة فيها و هي على طائفتين:

الطائفة الأولى: ما تدلّ على حرمة القصّ أو وجوب الإبقاء بالمطابقة مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار التي رواها

الشيخ قدّس سرّه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره قال: لا يقصّ شيئا منها ان استطاع، فان كانت تؤذيه فليقصّها «فليقلمها خ ل» و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام «1».

قال في الوسائل بعد نقل الرواية: و رواه الصدوق في المقنع مرسلا.

و لكنه رواه في باب آخر عن الصدوق مسندا بسند صحيح مع اضافة قوله في السؤال: أو ينكسر بعضها فيؤذيه «2».

و دلالتها على حرمة القصّ بالمعنى الأعم الشامل لمطلق الإزالة و القطع ظاهرة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و السبعون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني عشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 231

..........

______________________________

خصوصا لو فرض كون التعبير في صورة الإيذاء بالقلم كما في بعض النسخ كما ان دلالتها على حرمة قصّ شي ء من الأظفار أيضا كذلك و عليه فتدلّ على حرمة قصّ ظفر إصبع واحد بل بعضه و الاستطاعة المأخوذة في لسان الدليل يكون المراد هي الاستطاعة العرفية كسائر العناوين المأخوذة في الأدلّة و الظاهر انّ مقابلتها مع الأذية تقتضي ان لا يكون المراد بالأذية مطلقها الشامل لما إذا كانت قابلة للتحمل عادة و لا تكون موجبة للعسر و الجرح بل خصوص الأذية غير القابلة لذلك الواقعة في مقابل الاستطاعة العرفية و كيف كان فلا شبهة في دلالة الرواية على الحرمة بالمطابقة.

و موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السّلام قال سألته عن رجل أحرم فنسي ان يقلّم أظفاره، قال: فقال يدعها قال قلت انّها طوال قال و ان كانت قلت فان رجلا أفتاه أن يقلّمها و يغتسل و يعيد إحرامه ففعل قال:

عليه دم «1». و رواه صاحب الوسائل في موضع آخر «2» و قد توهم لأجله انّهما روايتان مع وضوح انّهما رواية واحدة خصوصا مع عدم الاختلاف بينهما في العبارة إلّا يسيرا كتوصيف الرجل المفتي بكونه من أصحابنا و مثل ذلك.

و ظاهر ان مرجع الضمير و ان كان هو المحرم الذي قلّم أظفاره استنادا الى فتوى الرجل الذي هو من أصحابنا إلّا ان الظاهر كون المراد منه هو الرجل المفتي لوجهين:

الأوّل دلالة الروايات المتعددة على نفي ثبوت الكفارة في المقام بالإضافة إلى الناسي و الساهي و الجاهل و سيأتي التعرض لبعضها و من المعلوم كون المحرم في مورد الرواية جاهلا و استند في عمله الى فتوى المفتي.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و السبعون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثالث عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 232

..........

______________________________

الثاني التصريح بذلك في رواية إسحاق الصيرفي قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام انّ رجلا أحرم فقلّم أظفاره و كانت له إصبع عليلة فترك ظفرها لم يقصّه فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصّه فأدماه فقال على الذي أفتى شاة «1». و الظاهر عدم مدخلية الإدماء في ثبوت الكفارة على المفتي خصوصا بعد عدم تجاوز الفتوى عن حدّ القصّ و ان حكى عن المشهور الفتوى بذلك مقيّدا بالإدماء نظرا الى هذه الرواية.

الطائفة الثانية: ما تدلّ على الحرمة بالدلالة الالتزامية لدلالتها على ثبوت الكفارة مثل:

صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من قلّم أظافيره ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمّدا فعليه دم «2». و سيأتي البحث إن شاء اللّٰه تعالى في مسألة الكفارة ان

الجمع المضاف الواقع فيها هل يكون المراد به خصوص الجميع أو الأعم منه و من البعض ثم انه لا فرق في هذا المحرّم بين الرجل و المرأة و ان وقع التعبير بالأوّل في جملة من الروايات لكن الظاهر انه لا خصوصية له خصوصا بعد التعبير ب «من» في صحيحة زرارة كما انه لا فرق بمقتضى الإطلاق بين اليد و الرجل و الظاهر انه لا فرق بين آلات القطع لدلالة بعض الروايات على وجوب الإبقاء المنافي للقلع و لو بالضرس و نحوه و عليه فالظاهر عدم الجواز بمثله أيضا.

و اما اليد الزائدة و الإصبع الزائد فظاهر المتن التفصيل بين ما إذا كان الزائد منهما مشخّصا معلوما فنفى البعد عن الجواز فيه، و بين ما إذا لم يكن مشخّصا فاحتاط وجوبا عدم القصّ و القلم.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثالث عشر، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب العاشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 233

[مسألة 41- الكفارة في كل ظفر من اليد أو الرجل مدّ من الطّعام]

مسألة 41- الكفارة في كل ظفر من اليد أو الرجل مدّ من الطّعام ما لم يبلغ في كل منهما العشرة فلو قصّ تسعة أظفار من كل منهما فعليه لكل واحد مد (1).

______________________________

و الظاهر انه لا فرق بين الصورتين في عدم الجواز فان كون اليد زائدة أو الإصبع كذلك لا ينافي اضافة الظفر الى الرجل المحرم غاية الأمر أنّه إنسان له خصوصية كذا و لا يكون الزائد خارجا عن الجزئية له و الإضافة اليه و لذا يجب غسلهما خصوصا في باب الغسل الذي يعتبر فيه غسل جميع البدن، و دعوى انصراف الأدلة المانعة عن ظفر الإصبع الزائد أو اليد الزائدة ممنوعة جدّا خصوصا

لو قلنا بان الجمع المضاف الى الضمير في مثل قوله: أظافيره ظاهر في جميع الأظافير و هذا هو الذي قواه الفخر و تبعه الشهيد و ان احتمل صاحب الجواهر خلافه.

(1) المشهور انّ ثبوت الكفارة بالإضافة الى كل ظفر ما لم يبلغ العشرة بالإضافة الى كل من اليد و الرجل انّما هو بمقدار مدّ من طعام و ظاهرهم تعيّن نفس المدّ و انه لا يجتزي بقيمته.

لكن حكى عن الإسكافي انه قال: في الظفر مدّ أو قيمته حتى يبلغ خمسة فصاعدا فدم ان كان في مجلس واحد فان فرّق بين يديه و رجليه فليديه دم و لرجليه دم.

و عن الحلبي: في قصّ ظفر كفّ من طعام و في أظفار إحدى يديه صاع، و في أظفار كلتيهما دم شاة، و كذا حكم أظفار رجليه و ان كان الجميع في مجلس فدم.

و ظاهر الوسائل في عنوان الباب التخيير بين مدّ من الطعام و بين كفّ منه.

و كيف كان فالدليل على المشهور صحيحة أبي بصير بناء على نقل الصّدوق قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل قصّ ظفرا من أظافيره و هو محرم قال: عليه مدّ من طعام حتى يبلغ عشرة فإن قلم أصابع يديه كلّها فعليه دم شاة، فإن «1» قلّم أظافير يديه و رجليه

______________________________

(1) هكذا في الوسائل و لكنه حكى عن المصدر زيادة «قلت» و هو الظاهر و إلّا لا يكون كلمة إلغاء و كذا ذكر «فقال» ملائما كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 234

..........

______________________________

جميعا فقال: ان كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم، و ان كان فعله متفرّقا في مجلسين فعليه دمان «1». هذا و لكن

في نقل الشيخ بدل «عليه مدّ من طعام» قال: عليه في كل ظفر قيمة مدّ من طعام، و على ما ذكرنا فالاختلاف انّما هو بين النقلين لا بين النسختين كما هو ظاهر صاحب الجواهر و حيث ان الصدوق أضبط في نقل الرواية عن الشيخ لكثرة اشتغالاته و تأليفاته في الفنون المختلفة الإسلامية بل له تأليفات متعددة في فنّ واحد كالفقه فالظاهر لزوم الأخذ بما رواه الصدوق الذي يؤيّده فتوى المشهور كما أنه يؤيده خبر الحلبي و ان كان في سنده ضعف انه سأله عن محرم قلّم أظافيره قال:

عليه مدّ في كل إصبع فإن هو قلّم أظافيره عشرتها فانّ عليه دم شاة «2».

لكن ربما يتوهم انّ في مقابلها روايتين ظاهرتين في خلاف ما ذكر:

إحداهما صحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره قال لا يقصّ شيئا منها ان استطاع فان كانت تؤذيه فليقصها (فليقلمها خ ل) و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام «3». و لعله لأجله حكم صاحب الوسائل بالتخيير بين المدّ و الكف للجمع بين الروايات و لكن حيث ان مورد ذيل الرواية صورة الاضطرار المسوغ للقصّ فلا دلالة له على ان الكفارة في محلّ البحث الذي هي صورة الحرمة و مخالفة التكليف التحريمي المتعلق بقصّ الظفر أيضا ذلك.

ثانيتهما صحيحة زرارة المتقدمة أيضا عن أبي جعفر عليه السّلام قال من قلّم أظافيره

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني عشر، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني عشر، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و السبعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 235

..........

______________________________

ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمّدا فعليه دم «1» بناء على عدم ظهور الجمع المضاف الى الضمير في العموم فإنّها- ح- تدل على ثبوت الدم في قصّ ظفر واحد أيضا.

و لكن الجواب انّ إطلاقها على فرض ثبوته يقيّد بالمجموع بسبب صحيحة أبي بصير المتقدمة الّتي هي نص في عدم وجوب الدّم في قصّ ظفر واحد أو مثله.

و قد ظهر مما ذكرنا انه لا محيص عن الالتزام بما عليه المشهور و ربما يدفع احتمال ثبوت القيمة بأنه يلزم- ح- التخيير بين الأقل و الأكثر في الواجب التخييري و هو مستحيل بخلاف نفس المدّ الذي يرجع الى التخيير بين أنواع مختلفة مثل الحنطة و الشعير و غيرهما و لكن التحقيق كما قرّر في الأصول انه لا استحالة في التخيير بين الأقل و الأكثر بوجه هذا كلّه بالنسبة الى ما دون الخمسة.

و امّا في الخمسة و ما زاد عليها الى ان تبلغ العشرة ففي المتن تبعا للمشهور ان في كل ظفر مدّا من طعام فلو قصّ تسعة أظفار ففي كل واحد منها المدّ و يبلغ المجموع تسعة أمداد لكن عرفت في عبارة الإسكافي انّ في الخمسة فما زاد الدّم و في عبارة الحلبي ان في الخمسة المطابقة لأظفار احدى يديه صاع مع ان الصاع يعادل أربعة أمداد.

أقول امّا ما ذكره الحلبي فلا شاهد له أصلا إلّا ما ذكره صاحب الجواهر من انّه يحتمل ان يكون مراده من الصاع هو صاع النبي صلّى اللّٰه عليه و آله الذي كان خمسة أمداد و من الظاهر انه بعيد.

و امّا ما ذكره الإسكافي فيمكن ان يكون مستنده في ذلك صحيحة حريز عن أبي

______________________________

(1) الوسائل، أبواب

بقية كفارات الإحرام، الباب العاشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 236

..........

______________________________

عبد اللّٰه عليه السّلام في المحرم ينسي فيقلّم ظفرا من أظافيره قال: يتصدّق بكفّ من طعام قلت فاثنتين قال: كفين قلت فثلاثة قال: ثلث أكفّ كل ظفر كف حتى يصير خمسة فإذا قلّم خمسة فعليه دم واحد خمسة كان أو عشرة أو ما كان «1».

و مرسلته عمّن أخبره عن أبي جعفر عليه السّلام في محرم قلّم ظفرا قال يتصدّق بكفّ من طعام قلت: ظفرين، قال: كفين قلت ثلاثة قال ثلاثة أكفّ، قلت أربعة قال أربعة أكفّ قلت خمسة قال عليه دم يهريقه فان قصّ عشرة أو أكثر من ذلك فليس عليه إلّا دم يهريقه «2».

و دلالة الأولى على ثبوت الدم في الخمسة في صورة التوجه و الالتفات انّما هي على سبيل الأولوية لأنه إذا كان الدم ثابتا في الخمسة في صورة النسيان ففي صورة الالتفات لا مجال لاحتمال كون الكفارة أخفّ و أقلّ من الدّم إلّا ان يكون المراد بالنسيان فيه هو النسيان قبل الإحرام و تقليم الظفر بعده مع الالتفات و عليه تكون دلالتها بالمطابقة كالمرسلة لكن هذا الاحتمال في الصحيحة خلاف الظاهر جدّا.

ثم ان دلالة الروايتين على مدّعى الإسكافي انّما هي بالإضافة الى بعض مدّعاه الذي هو محلّ البحث فعلا لأنّ بعضه الآخر كان عبارة عن التخيير بين المدّ و قيمته مع ان مقتضى الروايتين ثبوت كفّ من طعام في ظفر واحد و كفين في ظفرين و هكذا الى ان يبلغ الخمسة.

هذا و يرد على الاستناد إليهما انّ الثانية ضعيفة بالإرسال و لا مجال للاستناد إليها و الاولى و ان كانت صحيحة إلّا انّ ثبوت الكفارة

في مورد النسيان في قلم الظفر مضافا

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني عشر، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني عشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 237

..........

______________________________

إلى انه خلاف الفتاوى بل الإجماع كما في الجواهر فالرواية تصير معرضا عنها يكون مخالفا لحديث الرفع و لما دلّ على ان الناسي أو الجاهل في باب الحج ليس عليه الكفارة إلّا في مسألة الصيد و لما ورد في خصوص المقام من الرواية الصحيحة الدالة على اختصاص الكفارة بالمتعمد و انه لا شي ء على الناسي و الساهي و الجاهل كصحيحة زرارة المتقدمة في أصل البحث فلا مجال للأخذ بهذه الصحيحة في المقام على انهما موافقتان لمذهب أبي حنيفة في الحكم بالدم في الخمسة.

هذا و امّا المناقشة في الصحيحة بكون أمرها دائرا بين الإرسال كالرواية الثانية التي نقلها الكليني و بين كونها مسندة كما في نقل الشيخ كما في كلام بعض الاعلام قدّس سرّهم فمن الغرائب جدّا فان الدوران انّما يكون مورده ما إذا كان الراوي واحدا و الامام الذي روى عنه واحدا فإنه- ح- إذا كانت احدى روايتيه بنحو الإرسال و الأخرى مسندة يكون أمر الرواية دائرا بين الإرسال و الاسناد و يخرج بذلك عن الحجية و الاعتبار و امّا إذا كان الامام عليه السّلام متعددا فأي مانع من ان يكون نقله عن أحدهما بنحو الإرسال و الآخر مسندا و لا منافاة بين النقلين بوجه و المقام من هذا القبيل فان حريز روى الصحيحة عن الصادق عليه السّلام بلا واسطة و المرسلة عن الباقر عليه السّلام مع واسطة مجهولة و لا معنى للحكم بالدوران هنا بل الصحيحة

باقية على حجيتها و وجود المرسلة لا يقدح فيها بوجه هذا كلّه بالإضافة إلى الخمسة و ما زاد ما لم يبلغ العشرة.

و امّا العشرة فلا شبهة في ان الكفارة فيها نصّا و إجماعا هو دم شاة و قد وقع التصريح به في صحيحة أبي بصير المتقدمة كما انه لا شبهة في انه إذا كانت العشرة مجموع اليدين أو مجموع الرجلين تكون كفارة الدّم ثابتة و امّا إذا كانت مركبة من اليد و الرجل كما إذا قلّم أظافير يد واحدة و كذا رجل واحدة فهل الكفارة الدم أو عشرة أمداد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 238

..........

______________________________

من الطعام؟

صريح المتن هو الثاني حيث وقع فيه التصريح بأنه لو قص من كل واحدة من اليد و الرج لتسعة أظفار فعليه لكل واحد مدّ و قد تبع في ذلك صاحبي المسالك و الجواهر قدّس سرّهما.

و التحقيق يقتضي خلاف ذلك لأنّ المستند الوحيد في هذا المقام هي صحيحة أبي بصير المتقدمة و ان جعل في الوسائل روايته متعددة و تبعه بعض الكتب الفقهية إلّا ان الظاهر عدم كونها اخرى كما أشرنا إليه مرارا.

و صحيحة أبي بصير الدالة على ثبوت المدّ لكلّ من ظفر لا مجال للإشكال في ثبوت الإطلاق لها بالإضافة الى ما دون العشرة فإذا قصّ أظفار إحدى يديه و أربعة أظفار من رجليه- كلتيهما أو إحديهما- فالحكم فيه هي تسعة أمداد من الطعام مع عدم التجانس بين الأظفار لكون جملة منها من اليد و جملة أخرى من الرجل و من الواضح انّ مبنى الحكم و مستنده هي هذه الصحيحة و عليه فاللازم الالتزام بثبوت الإطلاق للضابطة الكلية المستفادة منها و هي ثبوت المدّ

لكل ظفر فيما دون العشرة و الحكم بأنه لا فرق فيما دونها بين ان يكون الجميع من اليد أو من الرجل أو من كلتيهما على سبيل الاختلاط و التركيب.

فإذا كان الإطلاق ثابتا للمغيّى فالظاهر ثبوته بالنسبة إلى الغاية و هي العشرة لأن الصحيحة مسوقة لبيان حكم كل من الصورتين و عليه فكما انه لا فرق فيما دون العشرة بين الفروض الثلاثة المذكورة كذلك لا فرق في العشرة بين تلك الفروض و لا مجال للتفكيك بين العنوانين فإذا كانت العشرة مركبة من اليد و الرجل معا فاللازم الحكم بثبوت كفارة الدّم فيها.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 239

..........

______________________________

نعم هنا شي ء ربما يمكن ان يوهم خلاف ذلك و هو ان التفريع المذكور بعده بقوله: فان قلم أصابع يديه ناظرا إلى الأظفار المتجانسة و هي أظفار اليدين و لكن من الظاهر انّ التعرض لبعض الفروض في مقام التفريع لا يوجب اختصاص الحكم به و لذا يستفاد منه حكم أظفار الرجلين أيضا و لا شاهد على الاختصاص بالفرضين بل الظاهر شمول الحكم للفرض الثالث و هي صورة الاختلاط و الشاهد على استفادة حكم الرجلين أيضا السؤال الثاني لأبي بصير المشتمل على فرض الجمع بين أظفار اليدين و الرجلين معا فإنه لو لم يكن حكم الرجلين مستفادا من الجواب عن السؤال الأوّل لكان الاولى بل المتعيّن السؤال عنه قبل السؤال عن الجمع بين أظفار اليدين و الرجلين معا و قد عرفت انّ النسخة الصحيحة الملاءمة مع كلمة «الفاء» و مع قوله: فقال هو اضافة كلمة «قلت» الظاهرة في السؤال الثاني قبل قوله فان قلّم أظافير يديه و رجليه معا و على ما ذكرنا فالصحيحة تدلّ

بالوضوح على انّ العشرة المركبة من اليد و الرجل كفارتها أيضا دم شاة.

ثم انّ المنسبق الى الذهن و المتفاهم العرفي من الصحيحة انّ ثبوت كفارة الدم فيما إذا بلغ عشرا انّما هو فيما إذا لم يتحقق التكفير عمّا دونه فلو فرض انه كفّر عقيب كلّ ظفر قصّه مدّا من الطعام فالظاهر انه لا يترتب على قص الظفر العاشر الذي هو ظفر واحد بعد الكفارات المتعددة لما دونه، إلّا المدّ و لا يثبت كفارة الدم بمجرد قصّ ظفر واحد مع هذه الصفة كما انه لو كفر عقيب التسعة عن الجميع تسعة أمداد فقصّ الظفر العاشر فلا يترتب عليه إلّا كفارة المدّ دون الدّم و هكذا في الفروض المشابهة حتى في مثل ما كفر عن ظفر واحد، فان ترتب كفارة الدم متوقف على العشرة بعده بحيث صار المجموع واحدا و عشرة و لا يكفي مجرّد تحقق العشرة في المجموع و هذا لا فرق فيه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 240

[مسألة 42- الكفارة لقصّ جميع أظفار اليد شاة]

مسألة 42- الكفارة لقصّ جميع أظفار اليد شاة، و لقصّ جميع أظفار الرجل شاة، نعم لو قصّهما في مجلس واحد فللمجموع شاة إلّا مع تخلّل الكفارة بين قصّ الأوّل و الثاني فعليه شاتان، و لو قصّ جميع أظفار إحديهما و بعض الأخرى فللجميع شاة و للبعض لكلّ ظفر مدّ، و لو قصّ جميع إحديهما في مجلس أو مجلسين و جميع الأخرى في مجلس آخر أو مجلسين آخرين فعليه شاتان، و لو قصّ جميع أظفار يده في مجالس عديدة فعليه شاة و كذا في قصّ ظفر الرجل (1).

______________________________

بين القول بكون الموضوع لكفارة الدم هي العشرة المتجانسة كعشرة اليدين فقط أو الرجلين كذلك

و بين القول بكون الموضوع أعمّ منها و من العشرة المركبة المختلطة.

نعم على الأوّل ربما يتحقق الاشكال من جهة انه لو كفّر عن ظفر واحد فالعشرة المتجانسة لا تتحقق- ح- إلّا على فرض كون الظفر المذكور من غير جنس البقية لعدم تحقق التجانس- ح- كما لو فرض انّه قصّ ظفرا واحدا من الرجل فكفّر ثم قصّ جميع أظفار اليد و إلّا فلو فرض كون الظفر الذي كفّر عنه من اليد ثم قصّ سائر أظفارها و ضم اليه واحدا من الرجل لا يترتب عليه كفارة الدم لعدم التجانس و من الواضح انه من المستبعد جدّا فيصير مثل ذلك قرينة أخرى على عدم اعتبار التجانس بوجه كما لا يخفى.

(1) امّا ثبوت كفارة الشاة لقصّ جميع أظفار اليد أو جميع أظفار الرجل فقد مرّ البحث فيه في المسألة السابقة و تقدم انّ ذلك انّما هو فيما إذا لم يكن القصّ المذكور مسبوقا بالتكفير عن بعض ما دون العشرة فضلا عن جميعه و إلّا لا يترتب كفارة الشاة إلّا إذا كان اللاحق على التكفير بالغا إلى العشرة مطلقا أو خصوص المتجانسة على اختلاف الرأيين.

و امّا قصّ جميع أظفار اليدين و الرجلين معا فهو مورد للسؤال الثاني في صحيحة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 241

..........

______________________________

أبي بصير المتقدمة و قد وقع التفصيل في جوابه بين ما إذا كان ذلك في مجلس واحد فعليه دم و بين ما إذا فعله متفرّقا في مجلسين فعليه دمان، لكنه قد قيد في المتن الصورة الأولى بما إذا لم يتحقق التكفير بين القصين و انه مع تخلله بينهما ففيه أيضا شاتان و هذا هو الظاهر لما عرفت في ذيل المسألة

السابقة من ان المتفاهم العرفي من الصحيحة صورة عدم التخلل فكما انه في أصل ثبوت الشاة في العشرة يعتبر ذلك كذلك في ثبوت شاة واحدة في العشرين في مجلس واحد فلا إشكال في ذلك.

انّما الاشكال و المهم في هذه المسألة في ما لو قصّ جميع أظفار إحداهما و بعض الأخرى حيث انه في المتن تبعا لصاحب الجواهر قدّس سرّه الحكم بثبوت شاة بالإضافة إلى عشرة اليد أو الرجل و بالإضافة إلى البعض الزائد لكلّ ظفر مد.

وجه الاشكال انّ ظاهر الصحيحة المفصلة بين العشرة و ما دونها بالحكم بثبوت كفارة الشاة في الاولى و ثبوت المدّ لكل ظفر في الثانية ان العشرة الملحوظة فيها هي العشرة في مقابل النقيصة و ما دونها لا خصوص عنوان العشرة في مقابل النقيصة و الزيادة معا و عليه فالعشرة في المقام انّما هي كالعشرة المعتبرة في قصد الإقامة في باب السفر الموجبة للإتمام في الصلاة و القاطعة لحكمه و تفريع قصّ أظفار اليدين عليه في الرواية على كون المراد بالعشرة ذلك لما عرفت من انّ التفريع يشتمل على بعض فروض المسألة و الجواب عن السؤال الثاني فيها بما عرفت من التفصيل بين مجلس واحد و بين مجلسين بثبوت دم في الأوّل و دمين في الثاني يؤيد ما ذكرنا من انه مع بلوغ العشرة يرتفع كفارة المدّ و تتحول الى الدم و الشاة، غاية الأمر ثبوت واحدة في بعض الموارد و اثنتين في بعض الموارد الأخر.

و بالجملة فظاهر الصحيحة التي حكم فيها بثبوت المدّ لكل ظفر و جعلت الغاية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 242

[مسألة 43- لو كان أظفار يده أو رجله أقلّ من عشرة فقصّ الجميع]

مسألة 43- لو كان أظفار يده أو رجله أقلّ من

عشرة فقصّ الجميع فلكلّ واحد مدّ و الأحوط دم شاة، و لو كانت أكثر فقص الجميع فعليه شاة، و كذا لو قصّ جميع أظفاره

______________________________

فيها هو بلوغ العشرة انّه مع البلوغ إليها ينقلب الحكم و يتحول من المدّ الى الدم و من الطعام إلى الشاة و هذا لا فرق فيه بين العشرة و ما زاد عليها نعم يعتبر فيه عدم تخلل التكفير فإذا كفر عن العشرة بشاة ثم قص البعض من الأخرى يجب عليه ان يكفر عن البعض لكلّ ظفر مدّ و امّا مع عدم التخلل فلا وجه لثبوت كفّارتين.

و يؤيد بل يدلّ على ما ذكرنا مضافا الى ظهور نفس الصحيحة في ذلك، ظهور صحيحة زرارة المتقدمة الدالّة على اختصاص ثبوت الكفّارة بالمتعمد و عدم ثبوتها على الناسي و السّاهي و الجاهل حيث ان مدلولها انّ من قلّم أظافيره يجب عليه دم شاة.

و قد تقدم ان إطلاقها و ان كان يقيّد بما دون العشرة إلّا انه لا دليل على تقييدها في العشرة فما زاد فمقتضاها ثبوت الدم في كلتا الصورتين.

كما انه يدل على ما ذكرنا ان لازم ما في المتن ان تكون الصورة المذكورة أشدّ من حيث الكفارة ممّا إذا قصّ جميع الأظفار من اليدين و الرجلين في مجلس واحد حيث لا يكون فيه إلّا شاة واحدة و الصورة المذكورة يكون فيهما الشاة مضافة الى المدّ بالإضافة الى كل ظفر فهل يمكن استفادة ذلك من الصحيحة الواردة في المسألة.

و يؤيده أيضا روايتا حريز المتقدمتان فانا و ان لم نقل بمفادهما من جهة جعل الملاك في كفارة الدم هي الخمسة دون العشرة إلّا انّهما ظاهرتان في انّ الملاك هي الخمسة أو العشرة أو ما كان فتدلان على

ان البلوغ الى الحد المعتبر يكفي في الانتقال و لا فرق بين نفس الحدّ و الزائد عليه و لعمري ان ما ذكرنا بمكان من الوضوح.

ثم انه لا يخفى ما في المتن من تطويل العبارة في ذيل المسألة من دون ان يكون له طائل و من الممكن افادة المطالب من دون التطويل المذكور فتدبّر جيّدا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 243

الأصليّة على الأحوط، و لو قصّ بعض الأصليّة و بعض الزائدة فلكلّ من الأصلية مدّ و الأولى الأحوط تكفير مدّ لكل من الزائدة (1).

______________________________

(1) يقع البحث في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأوّل: فيما لو كان أظفار يده أو رجله أقل من العشرة و قد قصّ الجميع و قد حكم فيه في المتن بثبوت المدّ لكل واحد و ان مقتضى الاحتياط الاستحبابي ثبوت دم شاة و في الجواهر ثبوت الإشكال في الناقصة من صدق اليدين، و من الأصل و النصّ على العشر في الاخبار.

أقول العمدة في المسألة صحيحة أبي بصير المتقدمة و فيها ظهوران متنافيان في بادئ النظر بالإضافة الى هذا المقام الذي نبحث فيه أحدهما ظهور جعل الغاية بلوغ العشرة في ان هذا العدد له مدخلية في انتقال الكفارة من الطعام إلى الشاة و قد مرّ انّ ذكر هذا العدد انّما هو بالإضافة الى ما دون العشرة و ما نقص منه و عليه فمقتضاه في مورد البحث ثبوت المدّ لكل واحد.

ثانيهما ظهور التفريع في انّ ما يترتب عليه كفارة الدم و يوجب التحوّل و الانتقال قصّ جميع أظفار اليدين فيما لو قصّه و من الواضح تحقق هذا العنوان لو كان الأظفار أقلّ من العشرة لنقصان إصبع واحد- مثلا- أو نقصان محل

الظفر، ضرورة انه لا شبهة في انّه قصّ جميع أظفار يديه.

و عليه فاللازم ملاحظة انّ الظهور الأوّل هل يكون هو الأقوى فاللازم حمل مورد التفريع على ما إذا كان أظفار يديه عشرة أو ان الظهور الثاني هو الأقوى فتحمل العشرة على الغالب المتعارف من سلامة اليدين و الرجلين، و ما في المتن يبتنى على الأوّل، و لكن الظاهر هو الثاني على ما هو مقتضى الفهم العرفي بعد ملاحظة كلا الأمرين و مقايسة كلا الظهورين.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 244

..........

______________________________

و يؤيد بل يدلّ على ما ذكرنا ان مقتضى صحيحة زرارة المتقدمة الواردة فيمن قلّم أظافيره المفصلة بين الناسي و الساهي و الجاهل و بين المتعمد، بأنّه لا شي ء في الأوّل و يثبت الدم في الثاني، الإطلاق و قد قيد بصحيحة أبي بصير على ما تقدم فلو فرض الإجمال في الصحيحة و عدم ثبوت ترجيح لأحد الظهورين على الآخر يصير المقيّد مجملا مردّدا بين الأقل و الأكثر لتردد العشرة المأخوذة فيها بين ان تكون لها موضوعية بحيث لا يكون أقلّ منها و لو في محلّ البحث موجبا لثبوت كفارة الدم و بين ان لا تكون لها موضوعية فتشمل الأقل في الناقصة و في مثل ذلك لا بدّ من الاقتصار على الأقل من جهة التقييد و هو يقتضي ثبوت الدم في المقام كما هو ظاهر.

ثم ان رعاية الاحتياط و لو كان استحبابيا تقتضي الجمع بين المدّ لكل ظفر و بين كفارة الدم لا خصوص الاقتصار على الثاني كما لا يخفى.

المقام الثاني: فيما لو كان أظفار يديه- مثلا- أكثر من عشرة و فيه فروض:

الفرض الأوّل ما لو قصّ الجميع و فيه دم شاة

فقط لا أزيد امّا على ما اخترناه فلانّا و ان قلنا بثبوت المدّ لظفر الإصبع الزائد أيضا و لو كان معلوم الزيادة إلّا انه حيث كانت العشرة المأخوذة في الصحيحة في مقابل النقيصة دون الزيادة مضافا الى صدق عنوان القصّ بالإضافة الى جميع أظفار اليدين دون الجميع و الزيادة لكان اللازم هو الالتزام بدم الشاة فقط لا مع اضافة المد.

و امّا على ما اختاره الماتن قدّس سرّه من التفصيل في الإصبع الزائد بين معلوم الزيادة فنفي البعد عن جواز قصّ ظفره و بين ما لم يكن معلوم الزيادة إلّا إجمالا فاحتاط بالاجتناب عن القصّ فلأنه في الصورة الأولى تحقق قصّ عشرة أظفار متجانسة و ضم الزائد الذي لا يكون قصه محرّما لا يوجب شيئا زائدا على الشاة بوجه و في الصورة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 245

..........

______________________________

الثانية التي يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي الناشئ عن العلم الإجمالي بكون أحد الأصابع زائدا يكون قصّ الجميع موجبا لقص جميع ما هو من أظفار اليد التي هي عشرة فيترتب عليه كفارة الدم و لا يترتب على الزائد غير المعلوم شي ء بعد فرض كونه زائدا و المفروض ثبوت التجانس المعتبر عند الماتن قدّس سرّه.

الفرض الثاني ما لو قصّ جميع أظفاره الأصليّة دون الزائد و مقتضى الفرض كون الأظفار الأصلية متميزة عن غيرها و قد احتاط وجوبا في المتن بثبوت دم شاة في مقابل احتمال ثبوت المدّ لكل ظفر.

و يرد عليه انه لا يجتمع مع مبنى المتن من عدم حرمة قص الظفر الزائد المتميز حيث انه نفى البعد عن جوازه في أصل المسألة و ثبوت الموضوعية لعنوان العشرة كما دلّ عليه الحكم بثبوت المدّ دون

الدم فيما لو كان أظفار يديه- مثلا- ناقصة على ما صرّح به في أوّل هذه المسألة فإن مقتضى المبنيين الحكم بثبوت الشاة هنا بنحو الأقوى إذ لا مجال لاحتمال ثبوت المدّ مع قصّ جميع الأظفار الأصلية التي هي عبارة عن العشرة المتسانحة و عدم حرمة قصّ الظفر الزائد المتميز فإنه- ح- ليس بحرام حتى يترتب عليه الكفارة أو يؤثر في تشديدها كما لا يخفى فاللازم الفتوى بذلك دون الاحتياط الوجوبي.

نعم بناء على ما اخترناه من حرمة قلم الظفر الزائد و لو كان متميزا كما مرّ في صدر البحث عن هذا المحرّم الإحرامي و من عدم كون العشرة المذكورة في صحيحة أبي بصير المتقدمة لها موضوعية بل الملاك هو ظهور التفريع الدال على ترتب دم الشاة على قلم جميع أظفار اليد، يمكن ان يقال بان ثبوت الشاة في هذا الفرض انّما هو بنحو الاحتياط الوجوبي لعدم تحقق قلم جميع أظفار اليد بعد عدم قص الزائد و كون قصّه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 246

[مسألة 44- لو اضطرّ الى قلم أظفاره أو بعضها جاز]

مسألة 44- لو اضطرّ الى قلم أظفاره أو بعضها جاز، و الأحوط الكفارة بنحو ما ذكر (1).

______________________________

داخلا في دائرة الحرمة و أحوط من ذلك الجمع بين عشرة أمداد و بين دم الشاة.

الفرض الثالث: ما لو قصّ بعض الأظفار الأصلية و بعض الزائدة و مقتضى هذا الفرض أيضا تميز الأصليّة عن الزائدة و لا إشكال في ثبوت المدّ بالنسبة الى كل ظفر من الأظفار الأصلية و امّا بالنسبة إلى الأظفار الزائدة فالحكم بثبوت الكفارة و عدمها يبتنى على القول بالحرمة و عدمه حيث ان مختار المتن العدم و ان مقتضى الاحتياط الاستحبابي الاجتناب فمقتضى الاحتياط الاستحبابي ثبوت

الكفارة لكل منها مد.

لكن عرفت منّا انه لا فرق بين الأصلية و الزائدة و عليه فيترتب على الزائدة أيضا الكفارة و لا أقل من الاحتياط الوجوبي كما انه لو بلغ المجموع العشرة يترتب عليه كفارة الشاة كذلك فتدبّر.

(1) لا إشكال في ارتفاع الحرمة بسبب الاضطرار العرفي كما في سائر موارد الاضطرار الرافع للحكم و يدلّ عليه و على ثبوت الكفارة في خصوص المقام صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره قال:

لا يقصّ شيئا منها ان استطاع، فان كانت تؤذيه فليقصّها (فليقلّمها خ ل) و ليطعم مكان كلّ ظفر قبضة من طعام «1». و ظاهرها ان الكفارة الثابتة في صورة الاضطرار قبضة من طعام و لا محيص عن الأخذ بها و تقييد صحيحة أبي بصير المتقدمة بسببها من دون فرق بين الأقل من العشرة و بين العشرة فما زاد، على ما هو مقتضى إطلاق الرواية و عليه فالظاهر ثبوت قبضة من الطعام مطلقا لا المدّ و لا دم الشاة فلا وجه للاحتياط الوجوبي المذكور في المتن كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و السبعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 247

[الثاني و العشرون: قلع الضرس و لو لم يدم على الأحوط]

الثاني و العشرون: قلع الضرس و لو لم يدم على الأحوط، و فيه شاة على الأحوط (2).

______________________________

(2) قلع الضرس ان كان مدميا و موجبا لخروج الدم فالحكم فيه ما مرّ في مطلق الإدماء لأنه من مصاديقه كما ذكرنا سابقا و ان لم يكن موجبا للإدماء فقد وقع ثبوت الحرمة فيه محلّ خلاف فعن ابني بابويه و الجنيد نفي البأس عن قلع الضرس و لم يوجبا شيئا

لكن المحكي عن النهاية و المبسوط و الكافي و المهذب، ثبوت الشاة على من قلع ضرسه و ظاهرها عدم الفرق بين صورة الإدماء و غيرها و حكى عن الغنية ثبوت مدّ من الطعام و عن بعض طعام مسكين و لعلّ المراد واحد و لكن الجميع مشترك في الحكم بالحرمة لما عرفت من ان ثبوت الكفارة تدلّ بالدلالة التزامية على ثبوت الحرمة بلحاظ الحكم الاوّلى كما مرّ مرارا نعم حكى عن بعض ثبوت الشاة في خصوص صورة الإدماء.

هذا و امّا ما ورد في المقام من الروايات فروايتان إحداهما واردة في أصل الحكم و الثانية في الكفارة:

امّا الأولى فحسنة الحسن الصيقل انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم تؤذيه ضرسه أ يقلعه؟ فقال: نعم لا بأس به «1». و قد ورد في الحسن بن زياد الصيقل بعض المدائح و حكى عن المجلسي الأوّل انه يظهر من الصدوق ان كتابه معتمد عند الأصحاب و قال في محكي المستدرك: أوضحنا وثاقته، و يجري في مفاد الرواية بالإضافة إلى مورد السؤال احتمالان:

الأوّل أن يكون السؤال عن صورة الإيذاء كاشفا عن مفروغيّة عدم جواز قلع الضرس في صورة الاختيار و عدم الإيذاء و انّما كان مورد شكه صورة الإيذاء، و لذا سأل عنها و عليه فالجواب بقوله عليه السّلام «نعم لا بأس به»، لا يدلّ على أزيد من الحكم بالجواز

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و التسعون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 248

..........

______________________________

في الصورة المذكورة و فيه التقرير بالإضافة الى ما هو المفروغ عنه عند السائل فيكون مفاد الرواية ثبوت الحرمة و مقتضى الإطلاق انه لا فرق بين صورتي الإدماء

و عدمها.

الثاني أن يكون السؤال عن الصورة المذكورة بلحاظ كونها موردا لابتلائها من دون أن يكون عدم الجواز في غيرها مفروغا عنه عند السائل و عليه فلا دلالة للرواية على الجواز في صورة الاختيار نفيا و إثباتا هذا و الظاهر ان المتفاهم العرفي من الرواية هو الاحتمال الأوّل و يؤيده ما ورد في الكفارة على تقدير تماميته سندا و دلالة.

و امّا الثانية فهي ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى عن عدّة من أصحابنا عن رجل من أهل خراسان انّ مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه فيها شي ء، محرم قلع ضرسه فكتب عليه السّلام يهريق دما «1».

و الاشكال فيها من حيث السّند بالإرسال لكون الرجل الذي هو من أهل خراسان مجهولا مضافا الى الإضمار و ان كان السّياق يشهد بكون الكاتب هو الامام عليه السّلام خصوصا لو كان السلام عليه من كلام الراوي و ان كان قابلا للدفع لانحصار دليل القائلين بكفارة الشاة بهذه الرواية و هذا القول على تقدير ثبوت الشهرة على طبقه كما ربما يقال يكفي في الانجبار إلّا أن يقال بعدم تحقق الشهرة الفتوائية و فتوى من عرفت لا تكون بحدّ يبلغ الشهرة إلّا أن في دلالتها أيضا إشكال من جهة احتمال كون مورده خصوص صورة الإدماء كما هو الغالب و ان كان يدفعه الإطلاق خصوصا مع ما عرفت من عدم ثبوت الكفارة في الإدماء و من جهة احتمال كون مورده خصوص صورة الجهل التي لا يكون فيها كفارة إلّا أن يقال بمنعه غاية الأمر ثبوت الإطلاق و يقيده ما يدلّ على نفي الكفارة على الجاهل، و قد انقدح مما ذكرنا ان ما

في المتن من الاحتياط الوجوبي

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب التاسع عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 249

[الثالث و العشرون: قلع الشجر و الحشيش النابتين في الحرم و قطعهما]

اشارة

الثالث و العشرون: قلع الشجر و الحشيش النابتين في الحرم و قطعهما، و يستثنى منه موارد: الأوّل ما نبت في داره و منزله بعد ما صارت داره و منزله فإن غرسه و أنبته بنفسه جاز قلعهما و قطعهما، و ان لم يغرس الشجر بنفسه فالأحوط الترك و ان كان الأقوى الجواز، و لا يترك الاحتياط في الحشيش ان لم ينبته بنفسه. و لو اشترى دارا فيه شجر و حشيش فلا يجوز له قطعهما. الثاني شجر الفواكه و النخيل سواء أنبته اللّٰه تعالى أو الآدمي. الثالث الإذخر و هو حشيش (1).

______________________________

في أصل الحكم و كذا في الكفارة في محلّه فتدبّر جيدا.

(1) هذا الأمر كما وقع التصريح به في بعض المسائل الآتية لا يكون من محرّمات الإحرام بل يكون من أحكام الحرم و يشترك فيه المحرم و المحلّ و الكلام فيه يقع في مقامين:

المقام الأول: في أصل ثبوت الحكم إجمالا قال في الجواهر بعد نفي وجدان الخلاف فيه بل الإجماع بقسميه عليه بل في المنتهى و عن التذكرة نسبته الى علماء الأمصار.

و الأصل في المسألة الروايات المستفيضة الواردة فيها مثل:

صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلّا ما أنبتّه أنت و غرسته «1». و الحرمة في الرواية و ان كانت متعلّقة بالشي ء النابت في الحرم إلّا أن الاستثناء قرينة على كون المراد من متعلق الحكم ما يكون مثل القلع و القطع و لا يشمل مثل مجرد النظر أو

التصرفات غير المتنافية لبقاء النابت من دون حصول تغيّر فيه أصلا مع ان بعض الروايات الآتية مبيّنة لذلك.

و صحيحة أخرى لحريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لما قدم رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله مكّة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الثمانون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 250

..........

______________________________

يوم افتتحها فتح باب الكعبة فأمر بصور في الكعبة فطمست فأخذ بعضادتي الباب فقال لا إله إلّا اللّٰه وحده لا شريك له، صدق و عده، و نصر عبده، و هزم الأحزاب وحده ما ذا تقولون و ما ذا تظنون؟ قالوا نظنّ خيرا و نقول خيرا أخ كريم و ابن أخ كريم و قد قدرت قال فإنّي أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللّٰه لكم و هو أرحم الراحمين، إلّا أنّ اللّٰه قد حرّم مكّة يوم خلق السماوات و الأرض فهي حرام بحرام اللّٰه الى يوم القيامة لا ينفر صيدها، و لا يعضد شجرها و لا يختلى خلاها و لا تحلّ لقطتها إلّا لمنشد فقال العبّاس: يا رسول اللّٰه إلّا الإذخر فإنّه للقبر و البيوت فقال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله إلّا الإذخر «1».

و العضد في قوله صلّى اللّٰه عليه و آله و لا يعضد .. بمعنى القطع و قد وقع الخلاف بين اللغويين في معنى الخلاء بعد الاتفاق على كونه مقصورا فعن الجوهري: الخلاء مقصورا الحشيش اليابس تقول خلّيت الخلاء و اختليته جزّزته و قطعته. و عن القاموس: الخلاء مقصورا الرطب من النبات أو كل بقلة قلعتها. و عن النهاية لابن الأثير الخلاء مقصورا النبات الرقيق ما دام رطبا. و

عن مجمع البحرين: لا يجتز نبتها الرقيق ما دام رطبا و إذا يبس سمّي حشيشا.

و المراد من إنشاء اللقطة تعريفها و قد ذكر في كتاب اللقطة ان للقطة الحرم بعض الأحكام الخاصة.

و قد مرّ في باب الطيب انّ الإذخر من النباتات البريّة التي لها رائحة طيبة و مراد العباس من قوله فإنه للقبر و البيوت انه يحتاج إليه في القبور لتسدّ به فرج اللحدّ المتخلّلة

______________________________

(1) أوردها بأجمعها في الكافي و لكن أورد صاحب الوسائل ذيله من قوله صلّى اللّٰه عليه و آله إلّا أن .. إلخ في الباب 88 من أبواب التروك، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 251

..........

______________________________

بين اللبنّات و يحتاج إليه في سقوف البيت يجعل فوق الخشب كما ذكره العلّامة المجلسي قدّس سرّه في الميراث.

هذا و لكن الرواية موردها مكّة و مورد الفتاوى و النصوص الأخر هو الحرم و قد وقع التصريح في بعضها بأنه بريد في بريد.

و رواية محمد بن مسلم التي رواها الصدوق بإسناده عنه عن أحدهما عليهما السّلام قال قلت: المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم؟ قال: نعم، قلت فمن الحرم؟ قال: لا «1». لكن تقدم مرارا ان اسناد الصدوق الى محمد بن مسلم لا يكون صحيحا.

و صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام من شجرة أصلها في الحرم و فرعها في الحلّ فقال حرم فرعها لمكان أصلها قال: قلت: فإنّ أصلها في الحلّ و فرعها في الحرم فقال: حرم أصلها لمكان فرعها «2». و هذه الرواية تدلّ على ان الحرمة المرتبطة بالشجر لا تختص بالقع الذي معناه القطع من الأصل الواقع في الأرض و كذا لا تختص بما

يشمل خصوصا القطع الذي مرجعه الى حفظ الأصل و قطع الشجر و إزالة ارتباطه به بل تشمل الفروع من الأغصان بل و الأوراق و الثمر أيضا كما لا يخفى.

و غير ذلك من الروايات المتعددة الواردة في هذا المجال.

هذا و قد حكى عن العلّامة في المنتهى انه لا بأس بقلع اليابس من الشجر و الحشيش لأنه ميّت فلم تبق له حرمة لكن عن التذكرة عدم جواز قلع اليابس و انه ان قلعه فعليه الضمان لأنه لو لم يقلع لنبت ثانيا و ظاهره الفرق بين القلع و القطع و لكن الظاهر بمقتضى إطلاق الروايات انه لا فرق بين الرطب و اليابس و لا فرق بين القلع و القطع بل

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الثمانون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التسعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 252

..........

______________________________

لا يجوز قطع الغصن اليابس و الحشيش كذلك و ان فسر الخلاء بالرطب في بعض الكلمات المتقدمة لكنّه لا دلالة للرواية على نفي حرمة غيره فالظاهر هو العموم.

المقام الثاني: فيما استثنى من الحكم بعدم جواز القلع و القطع و هي موارد:

المورد الأوّل: ما أنبته أو غرسه في داره أو منزله و الكلام فيه يقع من جهتين:

الجهة الاولى: في أصل ثبوت هذا الاستثناء في الجملة يستفاد من صاحب الرياض على ما مرّ في الجواهر الترديد فيه و ان الاستثناء يبتنى على انجبار الخبرين الواردين فيه بفتوى الجماعة قال: و إلّا يشكل هذا الاستثناء.

مع انّ الظاهر انه لا مجال للمناقشة في أصل الاستثناء بعد دلالة صحيحة حريز المتقدمة في المقام الأوّل «1» على ان ما أنبته بنفسه أو غرسه خارج عن

دائرة الحرمة و لا تأمّل فيها من حيث السند و من جهة الدلالة و عليه فالاستثناء لا يبتنى على ما أفاده صاحب الرياض.

و الغالب على الظنّ انّ الرياض اعتمد على نقل الوسائل الخالي عن كلمة «إلّا» الدالة على الاستثناء مع ان الرواية في التهذيب الذي هو مصدرها مشتمل عليها و بدونها تكون العبارة غير صحيحة نعم هذه الرواية في نقل الكليني «2». لا تكون مشتملة على شي ء من اداة الاستثناء و ذكر المستثنى أصلا و يمكن ان يكون هذا النقل مستند الرياض و الكليني و ان كان أضبط من الشيخ لكن في الدوران بين النقيصة و بين الزيادة تكون أصالة عدم الزيادة مقدمة و يؤيده ان نقل الصدوق أيضا موافق لنقل الشيخ كما في الوسائل و كيف كان لا شبهة في أصل الاستثناء في الجملة.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الثمانون، ح 4.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الثمانون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 253

..........

______________________________

الجهة الثانية: في محدودة المستثنى في هذا المورد فنقول:

انّ المحقق في الشرائع جعل عنوان المستثنى قوله: إلّا ان ينبت في ملكه، و الظاهر انّ مراده استثناء ما إذا كان الشجر أو الحشيش نابتا في الأرض التي هي ملكه و ظاهره كونه مالكا لعينها فلا يشمل المستأجر الذي لا يكون مالكا إلّا للمنفعة و كذا الأرض المباحة أو المغصوبة بطريق أولى، و احتمال كون مراد المحقق من العبارة المذكورة جعل «ملكه» فيها مصدرا على معنى كون النبات في ملكه في مقابل المغصوب و نحوه في غاية البعد و لا مجال لحملها عليه.

و امّا المتن فقد وقع فيه التفصيل بين ما نبت

في داره و منزله بعد ما صارت داره و منزله فإن غرسه و أنبته بنفسه جاز قلعهما و قطعهما و بين ما لو اشترى دارا فيه شجر و حشيش فلا يجوز له قطعهما- و بطريق أولى قلعهما- و في الصورة الأولى فيما إذا لم يغرس الشجر بنفسه و لم ينبت الحشيش كذلك جعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي في الأول الترك و مقتضى الاحتياط الوجوبي في الثاني الترك و اللازم ملاحظة النصوص الواردة في هذا المجال فنقول:

عمدتها صحيحة حريز المتقدمة و ظاهره ان عنوان المستثنى كون الإنبات أو الغرس مستندا اليه من دون فرق بين ما إذا كان بالمباشرة أو بالتسبيب و كذا من دون فرق بين ان يكون النبات أو الشجر ملكا له أو مباحا أو مغصوبا و كذا من دون فرق بين ما إذا كان المحلّ الذي ينبته فيه أو يغرسه ملكا له أو مباحا أو مغصوبا فإنه في جميع هذه الموارد يصحّ الإسناد إليه حقيقة.

و منها رواية حمّاد بن عثمان التي رواها الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد اللّٰه عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب عن محمد بن يحيى عنه قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 254

..........

______________________________

عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم فقال ان كانت الشجرة لم تزل قبل ان يبني الدار أو يتخذ المضرب فليس له ان يقلعها، و ان كانت طريّة عليه فله قلعها «1».

و الرواية ضعيفة بمحمد بن يحيى لأن الظاهر ان المراد به هو محمد بن يحيى الصيرفي الذي وقع التصريح به في سند الرواية الآتية و هو مجهول و امّا من حيث

الدلالة فموردها قلع الشجرة و لا تعرض فيه للحشيش و لكنها عامة من جهة عدم الاختصاص بالدار و المنزل للتصريح بالمضرب الذي معناه هو محلّ ضرب الخيمة و الفسطاط كما انّها عامة من جهة جعل المناط في جواز القلع كون الشجرة طارئة على بناء الدار- مثلا- من دون فرق بين ان يكون غرسها مستندا اليه و بين غيره.

و منها رواية أخرى لحمّاد بن عثمان التي رواها الشيخ أيضا بإسناده عن سعد بن عبد اللّٰه عن محمد بن الحسين عن أيوب بن نوح عن محمد بن يحيى الصيرفي عنه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم فقال: ان بنى المنزل و الشجرة فيه فليس له ان يقلعها، و ان كانت نبتت في منزله و هو له فليقلعها «2». و ليس فيها تعرض لغير المنزل كما ان ذيلها ظاهر في ان اضافة المنزل إليه إضافة ملكيته الظاهرة في ملكية العين كما ان المراد من قوله عليه السّلام: و ان كانت نبتت ليس هو النبات بنفسها حتى يخرج ما إذا كان إنباتها مستندا الى مالك الدار بل المراد هو لحوق نباتها على بناء الدار و طروه عليه في مقابل السبق.

هذا و العجب من صاحب الوسائل حيث جعلهما روايتين تبعا للشيخ في التهذيب مع انه من الواضح وحدة الرواية خصوصا بعد كون الراوي عن حمّاد في كلتيهما هو

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الثمانون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الثمانون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 255

..........

______________________________

محمد بن يحيى الصيرفي و أعجب من ذلك انه أورد صاحب الوسائل في

نفس هذا الباب رواية ثالثة لحمّاد بن عثمان قد رواها الكليني عن الحسين بن محمّد عن معلى بن محمّد عن الحسن بن علي الوشاء عنه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انّ الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم قال: ان بنى المنزل و الشجرة فيه فليس له ان يقلعها، و ان كانت نبتت في منزله و هو له فليقعلها «1». مع وضوح انّها أيضا لا تكون رواية أخرى بل هي بعينها رواية حمّاد غاية الأمر ان الكليني قد رواها بإسناده عنه و سنده أيضا ضعيف.

نعم هنا رواية موثقة لإسحاق بن يزيد انه سأل أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يدخل مكّة فيقطع من شجرها، قال: اقطع ما كان داخلا عليك و لا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك «2». و قد رواها الصدوق بإسناده عنه و في سنده علي بن الحسين السعدآبادي و هو موثق بالتوثيق العام لوروده في اسناد كتاب كامل الزيارات و هو حجّة ما لم يعارضه قدح خاص و الفقرة الاولى و ان كانت خالية عن ذكر المنزل إلّا ان التعرض له في الذيل قرينة على كون المراد من الصدر أيضا ذلك و ان كان يحتمل ان يكون ذكر المنزل باعتبار كونه ملكا له نوعا من دون ان يكون له خصوصية.

و كيف كان فهذه الروايات الأخيرة واردة في الشجرة و ليس في شي ء منها التعرض للحشيش بخلاف صحيحة حريز الواردة في مورد كل ما ينبت في الحرم الشامل لكليهما و الظاهر ان منشأ التفصيل المذكور في المتن بينهما هي هذه الجهة مع ان الظاهر عدم خصوصية بنظر العرف للشجرة المذكورة في هذه الروايات و شمول حكمها للحشيش أيضا و عليه فلا

مجال للاحتياط الوجوبي بالإضافة إليه.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الثمانون، ح 8.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الثمانون، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 256

..........

______________________________

و امّا العنوان المستثنى فالظاهر انّ مقتضى الجمع بين صحيحة حريز و بين سائر الروايات الواردة في هذا المقام التي لا يبعد دعوى انجبارها باستناد المشهور إليها و لذا نفى صاحب الجواهر قدّس سرّه وجدان خلاف محقق بالإضافة إلى الدار أو المنزل و يبعد كون مستندهم خصوص الموثقة بعد عدم ذكر «المنزل» في الفقرة الأولى خصوصا بعد ما عرفت من الاحتمال المتقدم في ذكر المنزل في الفقرة الثانية و دعوى ان ذكر عنوان «المنزل» في غير الموثقة من سائر الروايات قد وقع في مورد السؤال و هو لا يدلّ على ثبوت مدخليّة له، مدفوعة بأن التعرض في كلام السائل و ان كان لا دلالة له على ذلك إلّا أن توصيف المنزل في بعضها بقوله عليه السّلام: و هو يدلّ على ثبوت خصوصية من هذه الجهة.

و كيف كان فالظاهر ان مقتضى الجمع هو الالتزام بان العنوان المستثنى هو أحد أمرين على سبيل منع الخلوّ امّا ان يكون انبات الشجر أو الحشيش مستندا اليه و مضافا بنفسه لا في مقابل التسبيب بل في مقابل ما إذا أنبته الغير أو نبت بنفسه من دون فرق بين ان يكون في ملكه فضلا عن منزله و داره و بين ان يكون في ملك الغير أو في أرض مباحة، و امّا ان يكون الشجر و الحشيش نابتا في ملكه بعد ما صار ملكه من دون فرق بين المنزل و الدار و بين مثل المزرعة سواء كان

نباتهما بإنباته أو بنفسهما كما لا يخفى.

المورد الثاني: شجر الفواكه و النخيل سواء أنبته اللّٰه أو الآدمي و قد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر ثم قال: بل نسبه غير واحد الى قطع الأصحاب كما عن ظاهر المنتهى الاتفاق عليه.

و الأصل في ذلك روايتان:

إحداهما ما رواه الشيخ بسند فيه الطاطري- الذي هو واقفي و لكنّه ثقة كما ذكرنا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 257

..........

______________________________

سابقا عن سليمان بن خالد، و الصدوق بسند صحيح عنه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال: لا ينزع من شجر مكّة شي ء إلّا النخل و شجر الفاكهة «1».

ثانيتهما مرسلة عبد الكريم عمّن ذكره عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا ينزع من شجر مكّة إلّا النخل و شجر الفاكهة «2». و قد استدلوا بهاتين الروايتين على جواز قلع شجرة النخل و الفاكهة فضلا عن القطع و عن قطع بعض أغصانه و أوراقه و فاكهته و قد صرّح المحقق بجواز القلع مع انه من المستبعد جدّا أن يكون اشتمال الشجرتين على الفاكهة و النخل موجبا لجواز قلعهما في مقابل الشجرة التي لا يترتب عليها أثر إلّا مجرد الخضروية و الاشتمال على الظلّ الموجودين في شجرة الفاكهة مع إضافة الفاكهة و يغلب على الظن بمقتضى التأمّل في الروايتين المشتملتين على ذكر عنوان «النزع» مع ضمّ كلمة «من» ان المراد جواز النزع من الشجرتين الراجع الى جواز نزع ثمرتهما لكونهما موضوعتين لذلك و لازمة جواز نزع الأغصان الزائدة المانعة عن الاثمار أو كماله و بالجملة لا دلالة في شي ء من الروايتين على جواز قلع الشجرة المثمرة أو قطعها على ما هو ظاهر المتن تبعا للمشهور

و الأحكام المرتبطة بمسائل الحرم و المناسك و ان كانت تعبدية محضة إلّا ان الالتزام بها انّما هو في صورة قيام الدليل عليها و مع عدمه لا مجال للزوم التعبّد بها بوجه.

المورد الثالث الإذخر الذي هو نبات بريّ له رائحة طيبة و يدلّ على استثنائه صحيحة حريز المفصّلة المتقدمة في أوّل هذا الأمر «3». الدالة على انّ العبّاس عمّ

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الثمانون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الثمانون، ح 9.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الثمانون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 258

[مسألة 45- لو قطع الشجرة التي لا يجوز قطعها فان كانت كبيرة فعليه بقرة]

مسألة 45- لو قطع الشجرة التي لا يجوز قطعها فان كانت كبيرة فعليه بقرة، و ان كانت صغيرة فعليه شاة على الأحوط (1).

[مسألة 46- لو قطع بعض الشجر فالأقوى لزوم الكفارة بقيمته]

مسألة 46- لو قطع بعض الشجر فالأقوى لزوم الكفارة بقيمته و ليس في الحشيش كفارة إلّا الاستغفار.

______________________________

النبي صلّى اللّٰه عليه و آله قد طلب منه استثناء الإذخر منه صلّى اللّٰه عليه و آله يوم فتح مكة بعد قوله صلّى اللّٰه عليه و آله و لا يعضد شجرها و لا يختلى خلاها مستندا إلى أنه للقبر و البيوت فقبل منه النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و استثنى الإذخر.

و رواية زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول حرّم اللّٰه حرمه بريدا في بريد ان يختلى خلاه أو يعضد شجره إلّا الإذخر أو يصاد طيره. الحديث «1».

(1) المشهور كما حكى عن غير واحد بل عن الخلاف الإجماع عليه ان قلع شجرة الحرم ان كانت كبيرة فيه بقرة و لو كان القالع محلّا و في الصغيرة شاة و في أبعاضها القيمة.

لكن عن ابن إدريس انه لا كفارة في هذا المورد مطلقا، و عن القاضي ثبوت البقرة مطلقا، و عن ابن الجنيد الإسكافي ثبوت القيمة مطلقا و اختاره العلّامة في محكيّ المختلف و من المعاصرين بعض الاعلام قدّس سرّهم و عن الحلبيين في قطع الأبعاض ما يتيسر من الصدقة.

و الروايات الواردة في هذا المقام لا تتجاوز عن ثلاث:

إحداها ما أورده الصدوق بإسناده عن منصور بن حازم انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الأراك يكون في الحرم فأقطعه؟ قال عليك فدائه «2». و الاستدلال بها للمشهور مبني على

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الثمانون، ح 4.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام،

الباب الثامن عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 259

..........

______________________________

كون المراد من الأراك هي الشجرة الصغيرة لأنه هي الشجرة التي يؤخذ منها السواك و هي صغيرة. و من الفداء هو الشاة.

لكنه قد استشكل في الرواية من جهة السند و الدلالة معا امّا من جهة السنّة فلأنّ في طريق الصدوق الى منصور بن حازم محمد بن علي ماجيلويه و قد وثّقه العلّامة في الخلاصة و لا عبرة بتوثيقه فيها و مجرّد الشيخوخة لا يوجب الوثاقة.

و امّا من جهة الدلالة فلأنه لا دليل على كون المراد بالفداء هي الشاة بل الظاهر من الفداء هو البدل كما هو الشائع في الاستعمالات الواردة في الآيات و الروايات و مرجعه الى المثل في المثليات و القيمة في القيميات فالمراد من الفداء في الرواية هو ثمن الشجر و قيمته.

و الجواب عن الأوّل مضافا الى ان ضعف السند غير قادح في مثل المقام مما كانت الرواية الضعيفة موردا لاستناد المشهور إليها و الى ما ذكره المستشكل في ذيل كلامه من انه قد يكون للصدوق طريقان الى كتب الأصحاب و الرواة و مع ذلك لا يذكر في مشيخة الفقيه إلّا الطريق الذي يكون ضعيفا و لا يذكر الطريق الآخر لكن الشيخ قدّس سرّه في الفهرست أو في مشيخة التهذيب يتعرض لذلك الطريق الذي لا يكون ضعيفا و المقام من هذا القبيل.

انّ عدم العبرة بتوثيق العلّامة في الخلاصة لا وجه له بعد وضوح ثبوت المستند له في التوثيق و لا يكون مجرّد الفصل الزماني الكثير بينه و بين الرواة مانعا عن اعتبار توثيقه ضرورة ان هذا الفصل موجود في النجاشي و الكشي بالإضافة إلى أصحاب الباقر أو الصادق

عليهما السّلام.

و عن الثاني ان الفداء و ان كانت لغة بالمعنى المذكور إلّا ان الظاهر كون المراد بها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 260

..........

______________________________

في باب كفارات الحج هي الشاة دون البدل يعني المثل أو القيمة و يؤيده مضافا الى فهم المشهور منه ذلك مع كون أكثرهم من أجلّة علماء الأدبيّة و المطّلعين على اللغة العربية انه لو كان المراد منه القيمة لما كان وجه للعدول عن التعبير عنها به خصوصا مع ملاحظة التصريح بالثمن في الرواية الآتية الواردة في قطع الأبعاض و الظاهر ان كلمة الفداء في باب كفارات الحج انما هي كإطلاق كلمة «الدم» المنصرف الى خصوص دم الشاة كما مرّ مرارا و عليه فالاستناد إلى الرواية لما ذهب اليه المشهور بالإضافة إلى الشجرة الصغيرة تامّ لا مناقشة فيه.

ثانيتهما رواية سليمان بن خالد التي قد عرفت أنّها موثقة على نقل الشيخ و صحيحة على نقل الصدوق عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يقطع من الأراك بمكّة قال عليه ثمنه يتصدّق به و لا ينزع من شجر مكّة شيئا إلّا النخل و شجر الفواكه «1». و ظاهرها ثبوت الثمن على بعض الشجر المقطوع من الأراك من أغصانه و فروعه لظهور الفرق بين قطع الأراك الظاهر في قطع الجميع كما هو مورد السؤال في الرواية المتقدمة حيث وقع التعبير فيه بقوله: فاقطعه و بين القطع من الأراك كما هو مورد السؤال في هذه الرواية فإن ظاهره قطع بعضه من أغصانه و فروعه و عليه فدلالة الرواية على ثبوت كفارة القيمة في قطع أبعاض الشجرة ظاهرة و دعوى انّها تدلّ بالأولوية على ثبوت الكفارة في القلع يدفعها

انه ان كان المراد الأولوية بالنسبة إلى أصل الكفارة فهو واضح و لكنه لا يستلزم كون الكفارة الثابتة فيه هو الثمن و القيمة أيضا و من الممكن ان تكون كفارته الشاة كما في الرواية السابقة و ان كان المراد الأولوية بالنسبة إلى خصوص كفارة الثمن فهو ممنوع جدّا و كيف كان فدلالة الرواية على بعض مدّعي المشهور لا مجال للارتياب فيها

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 261

..........

______________________________

بوجه.

ثالثتهما ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم قال روى أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام انه قال إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع، فإن أراد نزعها كفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها على المساكين «1». هذا و في محكي التهذيب الذي هو مصدر الرواية و كل من حكى عنه ذكر فإن أراد نزعها نزعها و كفّر ..

هذا و قد استشكل بعض الاعلام قدّس سرّهم سندا و دلالة في هذه الرواية التي وقع فيها التعرض للبقرة فقط و لا يكون في هذا المجال رواية دالة على ثبوت كفارة البقرة غير هذه الرواية.

امّا من جهة السند فقال: «انّ المراد بأحدهما كما هو الشائع في كثير من الروايات هو الباقر و الصادق عليهما السّلام و موسى بن القاسم من أصحاب الرضا و الجواد عليهما السّلام و له روايات عنهما و له رواية من بعض أصحاب الصادق عليه السّلام كعبد اللّٰه بن بكير، و من كان من أصحاب الجواد و الرضا عليهما السّلام كيف يمكن له الرواية من أصحاب الباقر عليه السّلام و لا نحتمل انّه يروي مباشرة و مشافهة من أصحاب

الباقر عليه السّلام خصوصا عن جماعة منهم لبعد الزمان فمن المطمئن به انه روى و سمع ممّن روى له رواية الأصحاب عن أحدهما عليهما السّلام و يؤيد ما ذكرناه انه لو كان ما رواه رواية عنهم لقال موسى بن القاسم عن أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام فالتعبير بقال روى أصحابنا ظاهري الإرسال».

و الجواب عنه- مضافا الى انّ غاية ما أفاده ثبوت الضعف في السند بسبب الإرسال و هو لا يقدح بناء على ما اخترناه من ان استناد المشهور إلى رواية و الفتوى على طبقها يجبر ضعف السند و تصير الرواية سبب الاستناد حجة معتبرة- انه قد ذكرنا مرارا ان

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 262

..........

______________________________

مرسلات مثل الصدوق تكون على قسمين فان التعبير الواقع قد يكون بصورة الإسناد إلى الرواية مثل قوله: روى و قد يكون بصورة الإسناد إلى شخص الامام عليه السّلام من دون واسطة و ذكرنا ان القسم الثاني معتبر مع وصف الإرسال لأنّ مرجعه الى توثيق الوسائط بنحو لا يحتمل الكذب في روايتهم أصلا و لذا يسند الى نفس الامام عليه السّلام بقوله: و قال الصادق عليه السّلام مثلا.

و الظاهر ان المقام من هذا القبيل فان قول موسى بن القاسم: روى أصحابنا ظاهر في ثبوت الرواية قطعا و ان الواسطة لم يكن يجري فيه احتمال الكذب بوجه و لذا لم يتعرض له و لو بنحو الإجمال و الإبهام و بدونه يكون عدم التعرض للواسطة إغراء بالجهل غير الملائم لشأن الثقة و من الظاهر ان التعبير بأصحابنا بصورة الجمع انّما هو نظير «عدّة من أصحابنا» أو «غير واحد

من أصحابنا من التعابير غير الملاءمة مع كون الجميع ضعافا فالإنصاف انه لا مجال للمناقشة في الرواية من حيث السّند.

و امّا من جهة الدلالة فأورد عليه أوّلا بأن مدلولها لزوم ذبح البقرة لمطلق الشجرة صغيرة كانت أو كبيرة و هذا ممّا لم يفت به أحد فظاهر الرواية معرض عنها.

و ثانيا انّها تدلّ على وجوب الكفارة قبل القطع يعني إذا أراد قلع الشجرة كفّر أولا بذبح بقرة ثم يقلعها فالقلع يكون جائزا بعد التكفير مع انه غير جائز قطعا هذا بناء على نسخة الوسائل و امّا بناء على نسخة التهذيب فلا يرد هذا الاشكال بل يرد اشكال آخر و هو انّها تدلّ على جواز القلع في نفسه و لكن مع التكفير فلا يكون القلع محرّما و هذا مقطوع البطلان. و الجواب عن الإيراد الأوّل ظاهر فإنّ الإطلاق انما يكون مقيّدا بسبب الروايتين المتقدمتين سيّما رواية منصور بن حازم الواردة في قطع شجر الأراك سواء قلنا بانّ المراد بالفداء فيها هو الشاة كما اخترناه أو القيمة كما هو مختاره قدّس سرّه فإنّه على أيّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 263

..........

______________________________

تقدير يكون مقيّدا لإطلاق هذه الرواية فلا مجال لدعوى كونها معرضا عنها كما لا يخفى.

و عن الإيراد الثاني بناء على نقل التهذيب الذي هو مصدر الرواية انّه مع دلالة صدر الرواية و ظهورها في عدم جواز نزع شجر من شجر الحرم و من الواضح انّ المراد من النزع المحرم هو النزع عن ارادة و قصد ضرورة أنّ النزع غير الاختياري لا يكون محرّما قطعا كيف يمكن ان يكون مفاد الذيل هو الحكم بالجواز مع ارادة النزع و لكن يجب ان يكفّر بعده

بل كيف يجتمع الحكم بالجواز مع ثبوت الكفارة و قد مرّ مرارا ان الجواز الذي يجتمع مع الكفارة هو الجواز بحسب الحكم الثانوي كالتظليل الاضطراري أو لبس المخيط كذلك و امّا الجواز بحسب الحكم الأولي فلا يلتئم مع الكفارة بوجه و لذا استفدنا أصل حرمة جملة من محرمات الإحرام من طريق الحكم بثبوت الكفارة فيه كما تقدم.

و عليه فالمراد من التفريع انّه ان أراد النزع و مخالفة الحكم التحريمي لا بدّ و ان يتوجّه الى ان النزع لا يكون مجرد معصية و مخالفة للحكم التحريمي بل يترتب عليه كفارة مهمة و هي ذبح بقرة يتصدّق بلحمها على المساكين و عليه فالمراد من قوله:

نزعها، ليس الحكم بجواز النزع بل هو بيان للسبب الموجب للكفارة و مثل هذا التعبير شائع في الاستعمالات العرفية فإنه ربما ينهى الوالدة ولده عن شي ء و يقول بعده مخاطبا له ان خالفت ما نهيتك عنه فخالف و لكن انتظر للعقوبة المترتبة على مخالفتك و من المعلوم انّ مرجع ذلك ليس الى جواز المخالفة بل كان ذكرها تمهيدا لبيان ما يترتب عليها من التبعات فالإنصاف انه لا مجال للمناقشة في الرواية من حيث الدلالة أيضا و عليه فينقدح تمامية التفصيل الذي أفتى به المشهور.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 264

[مسألة 47- لو مشى على النحو المتعارف و قطع حشيشا فلا بأس به]

مسألة 47- لو مشى على النحو المتعارف و قطع حشيشا فلا بأس به، كما جاز تعليف ناقته به، لكن لا يقطع هولها (1).

______________________________

بقي الكلام في الحشيش و في المتن تبعا لهم انه لا كفارة فيه سوى الاستغفار و ذلك لأن الروايات الواردة في الكفارة كلّها واردة في الشجرة و ليس في شي ء منها التعرض للحشيش خصوصا أو عموما

و دعوى انّه لم لا يجري هنا إلغاء الخصوصية عن عنوان الشجر مع إلغائها عن عنوانه في أصل الحكم بالحرمة في أصل هذا الأمر مدفوعة بأنه لو كانت الكفارة في الشجر شيئا واحدا من دون فرق بين الكبير و الصغير و كذا بين الأصل و الغصون و الفروع لكان لإلغاء الخصوصية مجال و امّا مع التفصيل الذي عرفت فمن المعلوم ان مورده خصوص الشجرة و لا يجري في الحشيش أصلا فتدبّر جيدا.

(1) امّا جواز المشي على النحو المتعارف و لو استلزم قطع الحشيش فيدلّ عليه السيرة المستمرة القطعية المتصلة بزمن المعصوم عليه السّلام مضافا الى ان المشي بنحو لا يستلزم ذلك يكون حرجا و مشقة لا تتحمل عادة نعم لا بدّ و ان يكون على النحو المتعارف لأنه القدر المتيقن من السيرة المذكورة.

كما انه لا بأس ان يترك المحرم فضلا عن غيره أبله ترعى في الحشيش لوجود السيرة القطعية عليه أيضا مضافا الى صحيحة حريز بن عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: تخلّى عن البعير في الحرم يأكل ما شاء «1».

إنّما الإشكال في جواز قطع العلوفة للناقة ظاهر الجواهر ان مقتضى إطلاق النص و الفتوى و معقد الإجماع عدم الجواز بل ذكر ان الرواية الدالة بظاهرها على الجواز يكون معرضا عنها لدى الأصحاب و لذا صار الشيخ في التهذيب بصدد تأويله نظرا الى انّ التأويل خير من الطرح نعم حكى عن الإسكافي انه قال: لا اختار الرّعي لأن البعير

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الثمانون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 265

..........

______________________________

ربما جذب النبت من أصله فأمّا ما حصده الإنسان منه و بقي

أصله في الأرض فلا بأس.

و الرواية هي صحيحة محمد بن حمران قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن النبت الذي في أرض الحرم أ ينزع؟ فقال امّا شي ء تأكله الإبل فليس به بأس ان تنزعه «1». قال في التهذيب: قوله: ليس به الى آخره يعني الإبل فإنّه يخلّى عنها ترعى كيف شاءت.

لكن قال في المدارك لو قيل بجواز نزع الحشيش للإبل لم يكن بعيدا للأصل و للصحيحة المزبورة لكن قال ان الراوي جميل و محمد بن حمران قالا سألنا أبا عبد اللّٰه عليه السّلام .. مع ان جميلا و عبد الرحمن بن أبي نجران قد رويا عن محمد بن حمران و كيف كان لا شبهة في انّ إرجاع الضمير في قوله ليس به .. الى الإبل خلاف الظاهر خصوصا مع كون الفعلين بصورة التأنيث. لكن هنا رواية أخرى رواها عبد اللّٰه بن سنان قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته؟ قال: نعم، قلت له ان يحتش لدابته و بعيره؟ قال: نعم، و يقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم فإذا دخل الحرم فلا «2».

و ربما يتوهم ثبوت المعارضة بينها و بين الرواية السابقة و انه بعد التساقط يرجع الى عموم المنع من قطع نبات الحرم و ذكر بعض الاعلام قدّس سرّهم انه لا مجال للمعارضة لثبوت الجمع الدلالي بينهما لأن الوجوب و الحرمة ليسا من مداليل اللفظ و انّما يستفاد كل منهما من عدم اقتران الأمر بالترخيص في الترك و عدم اقتران النهي بالترخيص في المحلّ فحينئذ يحكم العقل بالوجوب أو الحرمة و امّا مع الاقتران فلا و النهي الوارد في خبر ابن سنان مقرون بالترخيص في

الفعل الوارد في الرواية الأخرى فلا يستفاد من

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الثمانون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الثمانون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 266

[مسألة 48- لا يجوز للمحلّ أيضا قطع الشجر و الحشيش من الحرم]

مسألة 48- لا يجوز للمحلّ أيضا قطع الشجر و الحشيش من الحرم فيما لا يجوز على المحرم (1).

______________________________

النهي الحرمة مع ان الرواية ضعيفة بعبد اللّٰه بن القاسم الحضرمي الراوي عن ابن سنان لأنه قال في حقه النجاشي انه كذّاب.

و يرد على ما ذكر أوّلا ان الظاهر كون التفصيل المذكور في ذيل الرواية بين صورة الدخول في الحرم و صورة عدم الدخول مربوط بخصوص الجملة الأخيرة التي أضافها الإمام عليه السّلام و هو قطع الشجر و لا ارتباط لها بمسألة الاحتشاش للدابة و عليه فلا معارضة بين الروايتين و لعلّه لذا لم يتعرض صاحب الجواهر قدّس سرّه لرواية ابن سنان أصلا.

و ثانيا انه على تقدير كون الغاية المذكورة في الذيل راجعة إلى الاحتشاش أيضا لا مجال لرفع اليد عن الظهور في الحرمة و ان قلنا بمقالته في أصل مسألة الوجوب و الحرمة و انهما ليسا من مداليل اللفظ لأنّ حمل قوله: فلا، على الجواز ينافي التفصيل لأنه لا فرق- ح- بين فرض الدخول و عدمه مع ان لازمة الجواز بالإضافة إلى قطع الشجر أيضا من دون اختصاص بالحشيش و لا يقول به بوجه هذا و الظاهر انه لا محيص عن الأخذ برواية محمد بن حمران لأنّها صحيحة من حيث السّند و ظاهرة من حيث الدلالة و لم يثبت الاعراض عنها لأن الأصحاب لم يتعرضوا لخصوص هذه المسألة حتى يحكموا فيها بالمنع بل كما عرفت من الجواهر

ان مقتضى إطلاق النص و الفتاوى و معقد الإجماع هو العدم و عليه فالتعرض له انما هو بمقتضى الإطلاق و هو لا يوجب الاعراض بل يمكن ان يقال ان حكمهم بجواز تعليف الناقة ان يخلى سبيلها.

(1) قد عرفت ان هذا الحكم و هو عدم جواز قطع نبات الحرم لا يكون من محرّمات الإحرام بل يكون من أحكام الحرم و لا فرق فيها بين المحرم و المحلّ و قد عرفت في صحيحة حريز المتقدمة في أوّل البحث قوله عليه السّلام: كل شي ء ينبت في الحرم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 267

[الرابع و العشرون لبس السّلاح كالسيف و الخنجر و الطبنجة]

الرابع و العشرون لبس السّلاح كالسيف و الخنجر و الطبنجة و نحوها مما هو آلات الحرب إلّا لضرورة، و يكره حمل السّلاح إذا لم يلبسه ان كان ظاهرا و الأحوط الترك (1).

______________________________

فهو حرام على الناس أجمعين .. «1». إلّا أن الذي ينبغي البحث فيه هنا ان كثيرا من الروايات الواردة في هذا المجال دالة على المنع عن قطع نبات الحرم و لكن في جملة من الروايات كصحيحة اخرى لحريز المتقدمة أيضا المشتملة على نقل ما وقع يوم فتح مكة «2» جعل الموضوع هو عنوان مكّة و انها حرام بحرام اللّٰه الى يوم القيامة لا ينفر صيدها و لا يعضد شجرها و لا يختلى خلاها .. و من المعلوم ان مكّة في زمن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله بل في زمن الأئمة عليهم السّلام كان جزء من الحرم و بعضا منه و لذا وقع في بعض الروايات التصريح بان الحرم بريد في بريد و الظاهر انه لا منافاة بين الطائفتين لأنّ مقتضى الجمع بينهما هو الحكم بكون حرمة قطع

شجر مكة و نباتها انّما هو لأجل كونها بعضا من الحرم لا لأجل نفس عنوان مكّة و عليه فانقلاب النسبة بين مكة و بين الحرم من العموم و الخصوص مطلقا الى العموم من وجه كما في زماننا هذا حيث تكون مكة في بعض جوانبها أوسع من الحرم لا يوجب توسعة دائرة الحكم بالإضافة الى ما هو خارج عن عنوان «الحرم» و هذا بخلاف بعض الاحكام التي موضوعها عنوان «مكّة» مثل الإحرام لحج التمتع حيث انه يجب ان يكون من مكّة و قد عرفت في المباحث السابقة ان سعة بلد مكة توجب سعة دائرة جواز الإحرام للحجّ المذكور و لا يختص الحكم بمكّة في عصر الرسول أو الأئمة عليه و عليهم الصلاة.

(1) المشهور كما عن كشف اللثام و غيره حرمة لبس السّلاح على المحرم في غير صورة الضرورة و قال المحقق في الشرائع: و قيل يكره و هو الأشبه و في الجواهر: لكن

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الثمانون، ح 4.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الثمانون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 268

..........

______________________________

لم نعرف القائل قبل المنصف نعم هو خيرة الفاضل في المحكي عن جملة من كتبه و تبعهما غيرهما و كيف كان اللازم ملاحظة الروايات المتعددة الواردة في الباب فنقول:

منها و هي العمدة ما رواه الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد اللّٰه عن أبي جعفر- يعني أحمد بن محمد بن عيسى الذي يكون هو و أبوه من الثقات- عن أبيه عن عبد اللّٰه بن المغيرة عن عبد اللّٰه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام أ يحمل السلاح المحرم؟ فقال إذا

خاف المحرم عدوّا أو سرقا فليلبس السلاح «1». و الكلام في دلالة الرواية بعد ظهور صحة سندها يقع من جهات:

الجهة الاولى في أن دلالة الرواية على حرمة لبس السلاح في غير مورد الخوف من العدوّ أو السّارق انّما هي من طريق ثبوت المفهوم للقضية الشرطية و هو مورد للمناقشة امّا لأجل إنكار المفهوم لها كما اخترناه في المباحث الأصولية و امّا لأجل ان المفهوم على تقدير القول بثبوته لها انّما يكون مورده ما إذا لم يكن الشرط في القضية الشرطية مسوقا لبيان الموضوع و في غير هذه الصورة لا مفهوم لها كما في مثل قوله ان رزقت ولدا فأختنه و في المقام يكون من هذا القبيل فان المحرم إذا لم يكن خائفا من الأمرين المذكورين لا داعي له الى لبس السّلاح بوجه خصوصا بعد لزوم رفع اليد عن لبس المخيط أيضا.

و يدفع المناقشة من الجهة الاولى انّ القائل بعدم ثبوت المفهوم للقضية الشرطية لا يدّعي ان ذكر الشرط فيها يكون لغوا و لا أثر بحيث لم يكن فرق عنده بين وجود الشرط و عدمه في ثبوت الجزاء حتى يكون مفاد قوله ان جاءك زيد فأكرمه ثبوت وجوب الإكرام بنحو الواجب المطلق بل مدّعاه عدم كون الشرط علّة تامة منحصرة فيمكن

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 269

..........

______________________________

ان يكون هناك شرط آخر مؤثر في ترتب الجزاء و عليه فالمستفاد من الرواية ان جواز لبس المحرم السّلاح لا يكون بنحو الإطلاق بل يكون مشروطا بحيث لو لا الشرط الواحد أو الأكثر لا يتحقق الجواز فيستفاد منها الحرمة في صورة الاختيار و عدم

تحقق الشرط.

و من الجهة الثانية وضوح عدم كون الشرط في الرواية مسوقا لبيان الموضوع فإنه يمكن ان يلبس المحرم السلاح لأجل إظهار الشخصية أو لكونه معتادا بذلك أو لغيرهما من الدواعي و يدلّ على ذلك جعل اللبس في غير حال الضرورة من محرمات الإحرام أو مكروهاته فإنّه لو لم يكن له مورد في الخارج أصلا لم يكن وجه للتعرض لذلك و بيان حكمه و لو كان هي الكراهة كما هو واضح و لذا ذكر صاحب الجواهر ان هذه الدعوى لا تستأهل جوابا.

الجهة الثانية في ان العنوان المأخوذ في السؤال هو عنوان «الحمل» و الذي جعل متعلقا للحكم في الجواب هو عنوان «اللبس» و قد جعل الفقهاء- رضوان اللّٰه تعالى عليهم أجمعين- في مثل كتاب الصلاة في بحث اعتبار الطهارة في لباس المصلي هذين العنوانين متغايرين حيث ان اللباس المتنجس أمر و المحمول المتنجس أمر آخر و عليه فاللازم بمقتضى لزوم تطابق الجواب و السؤال و انه لا يجوز ان يكون مورد السؤال أمرا و مورد الجواب أمرا آخر ان توجه الرواية بإحدى التوجيهات الثلاثة.

أحدها ان يقال ان مورد السؤال و ان كان هو الحمل إلّا ان الجواب بالإضافة إلى اللبس بالجواز فيه في صورة الخوف يدل بالأولوية على جواز الحمل في الصورة المذكورة فإنه لو كان اللبس جائزا لكان جواز الحمل بطريق أولى لكون اللبس أشدّ اضافة الى المحرم من الحمل.

و يردّ عليه مضافا الى ان افادة الجواب عن مورد السؤال من طريق الأولوية خلاف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 270

..........

______________________________

الظاهر و خلاف ما هو المتعارف في باب السؤال و الجواب انّ الأولوية إنّما هي متحققة في ناحية المنطوق

الذي يكون الحكم فيه الجواز و امّا في ناحية المفهوم الذي يكون الجزاء فيه عدم الجواز تكون الأولوية بالعكس لأن عدم جواز اللبس في صورة عدم الخوف لا يستلزم عدم جواز الحمل أيضا كما لا يخفى.

ثانيها ما أفاده بعض الاعلام قدّس سرّهم ممّا يرجع مع توضيح منّا الى ان لا مغايرة بين الحمل بالمعنى اللغوي لا بالمعنى العرفي الذي أشرنا اليه و بين اللبس إلّا بنحو العموم و الخصوص مطلقا نظرا الى ان اللبس من مصاديق الحمل بل أظهر مصاديقه و افراده و التعبير به في الجواب مع كون السؤال عن مطلق الحمل انّما هو لأجل غلبة اللبس في الخارج و كونه أظهر مصاديقه و عليه فمتعلق الحكم في الجواب هو الحمل بحسب الواقع و إلّا يلزم عدم التطابق بين السؤال و الجواب.

و يرد عليه ان حمل الرواية على خلاف المعنى العرفي و ان كان موافقا للمعنى اللغوي خلاف الظاهر جدّا.

ثالثها ما يستفاد من صاحب الجواهر قدّس سرّه و هو ان حمل السلاح تارة يكون بنحو يصدق على الشخص الحامل انه مسلّح فكما يصدق على اللابس هذا العنوان كذلك يصدق على الحامل أيضا مثل ما إذا أخذ السلاح بيده أو وضعه في جيبه أو في كمّه أو تحت لباسه فإنه يصدق في جميع هذه الموارد عنوان «المسلح» و اخرى بنحو لا يصدق على الحامل ذلك كما إذا وضعه في الصندوق الذي أخذه بيده و هو يحمله و عليه فيقال في الرواية ان ذكر عنوان الحمل في السؤال و عنوان اللبس في الجواب قرينة على كون المراد هو عنوان المسلّح الجامع بين اللابس و بين الحامل بالنحو الأوّل و الظاهر انّ هذا التوجيه هو الظاهر و

لا منافاة بين هذه الرواية و بين الروايات الدالة على حرمة عنوان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 271

..........

______________________________

اللبس مثل:

صحيحة عبيد اللّٰه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال «انّ خ» المحرم إذا خاف العدوّ «و خ» يلبس السّلاح فلا كفارة عليه «1». لكن مفادها ثبوت الكفارة في صورة اللبس من غير خوف العدو و لم يعرف به قائل كما في الجواهر.

و ما رواه الصدوق بإسناده عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: المحرم إذا خاف لبس السلاح «2». و لكن الظاهر عدم كونها رواية أخرى لعبد اللّٰه بن سنان بل اتحادها مع روايته السّابقة و ان كان بينهما الفرق في بعض الجهات. و رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال لا بأس بأن يحرم الرجل و عليه سلاحه إذا خاف العدو «3».

الجهة الثالثة في ان الظاهر ان الحكم يختص بما يعدّ عرفا سلاحا كالأمثلة المذكورة في المتن و امّا الآلات التي يستفاد منها في الحرب لكن بعنوان التحفظ و الوقاية و لا يصدق عليها السلاح و على اللابس لها انه مسلّح كالدرع و المغفر و الترس و نحوها فالظاهر انه لا دليل على حرمة لبسها و ان حكى عن البعض التعميم لكن لا مستند له نعم يمكن ان يقال بالمنع في بعضها لأجل كونه موجبا لتغطية الرأس المحرمة على الرجل المحرم أو لأجل كونه شبيها للمخيط الذي يحرم لبسه كذلك و امّا من جهة الدخول تحت السلاح المأخوذ في روايات المقام فلا.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان الأقوى ما عليه المشهور من ان لبس السلاح في حال الإحرام

حرام لا مكروه كما انه ظهر ان مقتضى التأمل في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و الخمسون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و الخمسون، ح 3.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و الخمسون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 272

..........

______________________________

هي حرمة احدى صورتي الحمل و عليه فما هو ظاهر المتن من كراهة حمل السلاح إذا لم يلبسه الظاهر بمقتضى إطلاقه انه لا فرق بين صورتي الحمل في الكراهة نظرا الى ان الحمل مغاير للبس غير وجيه لثبوت الحرمة في إحدى الصورتين و عدم الدليل على الكراهة أيضا في الصورة الأخرى كما ان التقييد بصورة الظهور و الاشتهار مع انه لا يكون من هذا العنوان أثر في الروايات الواردة في المقام، لا وجه له أيضا نعم حكى عن الحلبيين تحريم الاشتهار و ان لم يكن معه لبس و لا حمل يصدق عليه انّه متسلح بل كان متعلّقا على دابة و نحوها.

نعم هنا روايات واردة في مورد الدخول في الحرمة كصحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال لا ينبغي ان يدخل الحرم بسلاح إلّا أن يدخله في جوالق أو يغيبه يعني يلفّ على الحديد شيئا «1». و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يريد مكّة أو المدينة يكره ان يخرج معه بالسّلاح فقال: لا بأس بأن يخرج بالسلاح من بلده و لكن إذا دخل مكّة لم يظهره «2». و غير ذلك ممّا ورد في هذا الباب و لكن البحث في المقام في محرّمات الإحرام لا في أحكام الحرم و قد مرّ

انه ليس في شي ء من الروايات الواردة في هذا البحث اشعار بعنوان الإظهار و عدمه فالتقييد في غير محلّه.

ثم انّك عرفت انه لا كفارة في المقام و انه لا قائل بثبوتها فيه لكن الظاهر انّ إطلاق الكفارة ينصرف الى دم الشاة كإطلاق الدّم في كثير من الروايات الواردة في الكفارات و دعوى انّ مقتضى إطلاقها جواز الاكتفاء بقبضة من الطعام أو مدّ منه مدفوعة بثبوت الانصراف المذكور لكن الأمر سهل بعد عدم ثبوت القائل بها في المقام و ان كان

______________________________

(1) الوسائل، أبواب مقدمات الطواف، الباب الخامس و العشرون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب مقدمات الطواف، الباب الخامس و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 273

..........

______________________________

مقتضى المفهوم في بعض الروايات المتقدمة عبارة عن الثبوت. الى هنا انتهى- بحمد اللّٰه و المنّة- البحث في محرمات الإحرام و يتلوه البحث في الطواف ان شاء اللّٰه تعالى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 275

[القول في الطواف]

اشارة

القول في الطواف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 277

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم القول في الطواف الطّواف أوّل واجبات العمرة و هو عبارة عن سبعة أشواط حول الكعبة المعظمة بتفصيل و شرائط آتية، و هو ركن تبطل العمرة بتركه عمدا الى وقت فوته سواء كان عالما بالحكم أو جاهلا، و وقت فوته ما إذا ضاق الوقت عن إتيانه و إتيان سائر اعمال العمرة و إدراك الوقوف بعرفات (1).

______________________________

(1) أقول بعد كون الذيل قرينة على انّ المراد بالعمرة هو خصوص عمرة التمتع لا مطلق العمرة الشامل للعمرة المفردة أيضا يقع الكلام في توضيح المتن من جهات:

الجهة الأولى فيما افاده من ان

الطواف أوّل واجبات العمرة و ذكر بعض الاعلام قدّس سرّهم أنّه ثاني واجبات عمرة التمتع نظرا الى انّ الأوّل من الواجبات هو الإحرام و يمكن توجيه ما في المتن بأحد وجهين:

الأوّل ان يقال انه حيث كان النظر الى مطلق عمرة التمتع و ربما لا تكون العمرة المذكورة واجبة أصلا كما فيمن اتى بما هو وظيفته من حج التمتع قبلا و الان يريد الإتيان به استحبابا أو لم يكن واجبا عليه لأجل عدم الاستطاعة فإنه- ح- لا يكون أصل الإحرام واجبا و ان كان بعد الإحرام يجب الإتمام بالطواف و سائر الأعمال و عليه فما هو الواجب الأوّل في جميع الموارد ليس هو الإحرام.

الثاني ان يقال انه حيث كانت ماهيّة الإحرام و حقيقته عبارة عند الماتن قدّس سرّه عن خصوص نيّة الحج أو العمرة أو بضميمة التلبية و عليه فالنيّة ركن في تحقق الإحرام فاللازم ان يقال بخروجها عمّا هو المنوي من الحج أو العمرة لظهور المغايرة بين النية و المنوي كما في باب الصلاة فإن النية المتعلقة بها و ان كانت لها دخالة ركنية في تحقق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 278

..........

______________________________

الصّلاة و لا تكاد تتحقق الصلاة بدونها الّا انه لا ينافي كونها خارجة عن الصلاة كما يدل عليه ما ورد من انّ افتتاحها التكبير و اختتامها التسليم و عليه فالنيّة المحققة للإحرام حيث يكون منويّها الحج أو العمرة فلا محالة تكون خارجة عنهما و هذا الوجه أظهر من الوجه الأوّل فتدبّر.

الجهة الثانية في جزئية الطواف لعمرة التمتع و لا شبهة فيها نصّا و فتوى و الروايات الواردة في كيفية عمرة التمتع و بيان الاعمال المعتبرة فيها و انّ

منها الطواف متظافرة و قد ورد في بعض فروع المسألة كالحيض في أثناء الطواف أو عند قدوم مكّة قبل الطواف الموجب للعدول الى حج الافراد لاعتبار الطهارة فيه أيضا روايات تقدم البحث عنها مفصّلا.

نعم في استفادة ذلك من قوله تعالى وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ إشكال فإن الآية و ان كانت تشمل حج التمتع أيضا بلحاظ قوله تعالى وَ عَلىٰ كُلِّ ضٰامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ الّا ان دلالته على اعتبار الطواف في عمرته أيضا غير ظاهرة لكن الأمر سهل بعد وضوح أصل الجزئيّة و الاعتبار في عمرة التمتع أيضا.

الجهة الثالثة في كون الجزئية بنحو الركنيّة و ليعلم انّ الركن في باب الحج يختلف معناه مع الرّكن في مثل الصلاة فإن الركن هناك يرجع الى كون الإخلال به موجبا للبطلان مطلقا سواء كان الإخلال عن عمد أو عن جهل أو عن سهو و نسيان و امّا الركن هنا فمرجعه الى كون الإخلال به موجبا للبطلان في خصوص صورة العمد سواء كان عالما أو جاهلا و امّا الإخلال السهوي فلا يؤثر في البطلان كما سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى.

و كيف كان فالإخلال بالطواف الذي يجي ء انه بما ذا يتحقق إذا كان عن عمد و علم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 279

..........

______________________________

لا شبهة في انه يوجب بطلان العمرة لأنّ مقتضى أصل الجزئية ذلك ضرورة انّ أقلّ آثار الجزئية التأثير في البطلان في هذه الصورة و الّا فلو فرض عدم البطلان فيها أيضا لا يكاد يترتب على اعتباره بنحو الجزئية شي ء أصلا و عليه فلا حاجة الى إقامة دليل آخر على البطلان في هذا الفرض بل نفس أدلة الجزئية كافية

في افادة ذلك و لذا نقول بأنه لا مجال لدعوى كون حديث لا تعاد المعروف في باب الصلاة شاملا لصورة الإخلال عن عمد و علم بغير الخمسة المستثناة فيه لعدم اجتماع ذلك مع أدلة سائر الاجزاء و الشرائط.

و امّا إذا كان الإخلال بالطواف في عمرة التمتع التي هي محلّ البحث فعلا عن جهل و عدم علم فالمحكيّ عن إطلاق كلام الشيخ بل الأكثر هو البطلان و قد قوّاه صاحب الجواهر و تبعه الماتن قدّس سرّه و حكى الميل الى التوقف عن بعض متأخري المتأخرين كالأردبيلي و المحدث البحراني و عن المحقق في النافع: و في رواية ان كان على وجه جهالة أعاد الحج و هو يشعر بالتوقف فيه.

و ربما يستدلّ على البطلان بروايتين:

إحديهما صحيحة على بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل جهل ان يطوف بالبيت طواف الفريضة، قال ان كان على وجه جهالة في الحج أعاد و عليه بدنة «1». و لا ينبغي الارتياب في ان المراد بالإعادة الواجبة هي إعادة الحج بجميع مناسكه و لا مجال لاحتمال كون المراد اعادة الطواف بعد ما كان المفروض في السؤال عدم الإتيان به رأسا لأنه لا معنى لإعادة ما لم يؤت به أصلا.

ثانيتهما رواية علي بن أبي حمزة قال سئل عن رجل جهل ان يطوف بالبيت حتى

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب السادس و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 280

..........

______________________________

رجع الى أهله، قال إذا كان على وجه الجهالة أعاد الحج و عليه بدنة «1». و في نقل الصدوق بإسناده عنه أنّه قد رواه عن أبي الحسن عليه السّلام الّا انّه قال سها ان يطوف و

لكن الأمر سهل بعد ضعف الرواية بعليّ بن أبي حمزة و العمدة هي الصحيحة.

و السؤال فيها و ان كان عن ترك طواف الفريضة جهلا من دون التقييد بالحج الّا ان يقال بظهور عنوان طواف الفريضة في خصوص طواف الحج و هو محل تأمل كما يظهر بملاحظة الروايات المشتملة على هذا العنوان الّا ان التقييد بالحج في الجواب ظاهر في الاختصاص بالحج و عدم الشمول للعمرة و عليه فلا مجال للاستدلال بالصحيحة لحكم المقام الّا ان يقال بأنّ عمرة التمتع حيث تكون مرتبطة بالحج بحيث يعدّان عملا واحدا و لذا لا يكتفي بأحدهما أصلا. و لا تكفي الاستطاعة المعتبرة بالإضافة إلى أحدهما فالرواية شاملة لعمرة التمتع لان ترك الطواف فيها ترك الطواف في الحجّ.

أو يقال باستفادة حكم العمرة من طريق الأولوية نظرا الى انّ تأثير طواف الحج في حصول التحلّل و أثره فيه يكون قليلا لحصول عمدة التحلل بالإضافة الى أكثر محرمات الإحرام بسبب الإتيان بمناسك منى يوم النحر و تبقى حلية الصيد و الطيب و النساء متوقفة على طواف الحج و طواف النساء بل حرمة الصيد في الحرم من احكام الحرم لا الإحرام فتدبر و عليه فإذا كان الإخلال بالطواف الذي له اثر قليل في التحلل موجبا لبطلان الحج من رأس و لزوم الإعادة فالإخلال بطواف عمرة التمتع الذي له دخالة مهمة في حصول التحلل يكون موجبا لبطلانها بطريق أولى.

أو يقال بان كلمة «الحج» قد تطلق في مقابل العمرة كما في قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ .. و قد تطلق و يراد بها الأعم منها كما في موارد كثيرة و عليه فالظاهر

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب السادس و الخمسون، ح 2.

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 281

..........

______________________________

ان الحج في الصحيحة انما يكون شاملا للعمرة لا في مقابلها.

هذا و لكن شي ء من هذه التوجيهات الثلاثة لا توجب حصول الطمأنينة للنفس بشمول الصحيحة لطواف عمرة التمتع أيضا بحيث يمكن دعوى ظهورها فيه و عدم الاختصاص بالحج كما لا يخفى فاللّازم ان يرجع في ذلك الى مقتضى القاعدة فنقول:

قد وقع الاختلاف في مثل الصلاة من العبادات التي يكون معنى الركن فيها بطلان العبادة بالجزء الركني و لو في حال السّهو و النسيان في انّه إذا ثبت جزئية شي ء لها و تردد امره بين كونه جزء ركنيا أو غير ركني حتى لا يوجب الإخلال به سهوا موجبا للبطلان و كان لدليل الجزئية إطلاق شامل لصورة النسيان في ان مقتضى القاعدة هل هي الركنيّة أو عدمها فالذي اختاره المحقّقان النائيني و العراقي قدّس سرّهما هي أصالة الركنية المقتضية لكون الإخلال السهوي موجبا للبطلان و نحن قد اخترنا في محل هذا البحث من علم الأصول الذي هو ذيل مباحث الأقل و الأكثر الارتباطي انّ القاعدة تقتضي عدم الركنية تبعا للإمام الماتن- قدّس سرّه الشريف- نظرا الى ان دليل الاعتبار و الجزئية و ان كان له إطلاق يشمل صورة النسيان أيضا الّا ان حديث رفع الخطأ و النسيان بمنزلة المقيّد لذلك الإطلاق كتقييد دليل نفى الحرج بالإضافة إلى المطلقات و تكون نتيجة التقييد اختصاص الجزئية بغير صورة النسيان و كون دليل المطلق صادرا بعنوان القاعدة و الضابطة التي يكون مقتضى الإرادة الاستعمالية فيه كذلك و ان كانت دائرة الإرادة الجدية أضيق من دائرة الإرادة الاستعمالية كما هو مقتضى الجمع بين العام و الخاص و عليه فإطلاق دليل الجزئية

يقيد بحديث رفع الخطاء و النسيان فتصير النتيجة ان مقتضى القاعدة أصالة عدم الركنية هذا في مثل الصلاة.

و امّا في باب الحج الذي عرفت ان معنى الركن فيه هو تأثير الإخلال عن جهل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 282

..........

______________________________

أيضا في البطلان دون الإخلال نسيانا فالّذي يمكن ان يقع في مقابل إطلاق أدلة جزئية الطواف لعمرة التمتع الشامل لصورة الجهل أيضا انّما هو الحديث المزبور بالإضافة إلى فقرة ما لا يعلمون و نحن و ان اخترنا ان المرفوع في حديث الرفع ليس المؤاخذة و استحقاق العقوبة خلافا لمثل صاحب الجواهر قدّس سرّهما القائل بأن المعلوم ارادة نفي العقاب من حديث الرفع بل قلنا بان المرفوع عبارة عن كل ما يكون متعلقا للجهل و عدم العلم سواء كان حكما تكليفيّا أو وضعيّا كالجزئية و الشرطية و أشباههما الّا انه لا مجال لان يعامل معه معاملة رفع الخطاء و النسيان الذي عرفت انه بمنزلة التقييد بل نفسه و ذلك لان النسيان أمر خارجي يجتمع مع إطلاق دليل الجزئية و امّا عنوان ما لا يعلمون فهو لا يتحقق مع وجود الإطلاق الذي هو حجة معتبرة و من الظاهر ان المراد ما لا يعلمون ما لا حجّة فيه و من الواضح انّ الإطلاق حجة لا تصل النوبة معه الى تحقق عنوان ما لا يعلمون فكما ان إطلاق قوله تعالى وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ حجة معتبرة على صحة البيع المعاطاتي مثلا كذلك إطلاق دليل جزئية الطواف لعمرة التمتع حجة و دليل على الجزئية في حال الجهل فلا يكون هنا عنوان ما لا يعلمون حتى يكون رفعه مقيّدا لذلك الإطلاق نعم لو لم يكن لدليل الجزئية

إطلاق كما لو فرض ثبوت الجزئية من طريق الإجماع الذي يقتصر فيه على القدر المتيقن لكان التمسك بحديث الرفع مما لا مانع منه أصلا لكن الموجود في المقام الأدلة اللفظية الدالة على الجزئية الشاملة بإطلاقها لصورة الجهل أيضا فاللازم الأخذ بمقتضى الإطلاق و الحكم بثبوت الجزئية في هذا الحال أيضا المستلزم للبطلان مع الإخلال.

و قد انقدح مما ذكرنا ان مقتضى الأصل في باب الحج في مورد الشك في الركنية و عدمها هي الركنية و ان كان مقتضاه في غير هذا الباب مثل الصلاة و أشباهها هو عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 283

..........

______________________________

الركنية كما عرفت وجهه فافهم و اغتنم.

نعم ربما يقال كما قيل بان قوله عليه السّلام اىّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه كما تقدم في بعض الروايات الواردة في رجل محرم دخل مسجد الحرام و عليه قميصه يدلّ على عدم البطلان في صورة كون الإخلال ناشيا عن الجهالة فيدل على أصالة عدم الركنية في باب الحج أيضا.

و لكن الظاهر اختصاص مورده بما إذا ارتكب امرا وجوديّا تعلّق الطلب بتركه و عدم إيجاده في الخارج فيدلّ على نفي الشي ء على من ارتكب شيئا من محرمات الإحرام من دون ان يختص بمورده و هو لبس المخيط و امّا دلالته على الإخلال بالأمور الوجودية التي كان المطلوب فيها الوجود فممنوعة فان لابس المخيط- مثلا- يصدق عليه أنّه ارتكب أمرا بجهالة و امّا تارك الطواف في عمرة التمتع التي هي محلّ البحث فلا يصدق عليه هذا العنوان لانه لم يتحقق منه شي ء حتى يقال انه ارتكب امرا فلا يشمل مثل المقام.

الجهة الرّابعة في انّه بعد بطلان عمرة التمتع بسبب ترك

الطواف فيها عمدا و لو جهلا هل يخرج من الإحرام أم لا و بعبارة أخرى هل يحصل له التحلل بمجرد البطلان أم لا يظهر من سيّد المدارك انّ فيه وجوها ثلاثة:

أحدها و هو الذي يقتضيه التحقيق فعلا ان يقال بالخروج عن الإحرام بمجرد الحكم ببطلان العمر لان العمرة عبارة عن أمر مركب اعتباري لا تتحقق الّا بالمجموع و لا يكون اجزائها مستقلة بل ارتباطية و في مثله إذا لم يتحقق شي ء من الاجزاء اللاحقة فذلك يؤثر في بطلان الأجزاء السّابقة كما في باب الصلاة فإنّ الإخلال بشي ء من أجزائها إذا كان موجبا لبطلانها يكون مرجعه الى ان الأجزاء السابقة كأنها لم تتحقق و لم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 284

..........

______________________________

توجد فوجود الأجزاء اللاحقة و صحتها شرط في صحة الأجزاء السّابقة بنحو الشرط المتأخر و مقتضى ذلك بعد فرض كون الإحرام من أجزاء العمرة و ان وجّهنا ما في المتن من كون الطواف أوّل واجبات العمرة بالوجهين المتقدمين الّا انّ شيئا منهما لا يقتضي الخروج عن دائرة المركب الاعتباري الذي يسمى في الشرع بالعمرة ان يكون عدم تحققها موجبا لبطلان جميع الأجزاء السابقة التي منها الإحرام مع الإخلال بشي ء من الاجزاء اللاحقة فمقتضى القاعدة- ح- المعاملة مع العمرة معاملة الصلاة و مثلها.

ثانيها ان يقال بأنه يبقى على إحرامه الى ان يأتي بالفعل الفائت في محلّه قال:

و يكون إطلاق اسم البطلان عليه مجازا كما قاله الشهيد في الحج الفاسد بناء على ان الأوّل هو الفرض.

ثالثها ان يقال بحصول التحلّل بأفعال العمرة يعني العمرة المفردة قال: و جزم المحقق الشيخ علي في حواشي القواعد بالأخير ثم ذكر في ذيل كلامه ان المسألة

قوية الإشكال من حيث استصحاب حكم الإحرام الى ان يعلم حصول المحلّل و انما يعلم بالإتيان بأفعال العمرة و من أصالة عدم توقفه على ذلك مع خلوّ الأخبار الواردة في مقام البيان عنه و لعلّ المصير الى ما ذكره- يعني الشيخ عليّ قدّس سرّهما- أحوط.

و منه يظهر انّ ما ذهب اليه المحقق الكركي هو الوجه الثالث لا الوجه الثاني كما نسب اليه بعض الاعلام قدّس سرّهما كما انه ظهر انّ الوجه الثاني و ان احتمله صاحب المدارك في صدر كلامه لكنه عدل عنه في الذيل حيث جعل طرفي الإشكال بعد الحكم بقوته غير هذا الوجه فتدبّر و لهذا البحث تتمة بل تفصيل يأتي البحث عنه في شرح المسألة الأولى الآتية إن شاء اللّٰه تعالى. ثم انه قد تقدم البحث مفصّلا في ان الملاك في ضيق الوقت هو فوات الجزء الركني من الوقوف بعرفات لا مجموع الواجب منه الذي هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 285

[مسألة 1- الأحوط لمن أبطل عمرته عمدا الإتيان بحجّ الافراد]

مسألة 1- الأحوط لمن أبطل عمرته عمدا الإتيان بحجّ الافراد و بعده بالعمرة و الحجّ من قابل (1).

______________________________

الوقوف من الزوال الى الغروب فراجع ما هناك.

(1) أقول هذه المسألة تكرار لما أفاده في بحث كيفية حج التمتع في ذيل المسألة السادسة من قوله: و لو دخل في العمرة بنية التمتع في سعة الوقت و أخّر الطواف و السعي متعمّدا الى ان ضاق الوقت ففي جواز العدول يعني إلى حجّ الافراد و كفايته اشكال و الأحوط العدول و عدم الاكتفاء لو كان الحج واجبا عليه. و قد شرحناه مفصّلا و خلاصة ما هناك ان فيه وجوها:

الأوّل ما يظهر من صاحب المستمسك قدّس سرّه من شمول الروايات

الواردة في العدول للعامد أيضا و ان كان آثما في التأخير و عاصيا لأجله كسائر موارد الابدال الاضطرارية فإنّ من أراق ماء الوضوء عمدا صحّ تيمّمه و يجب عليه الصّلاة معه.

و يرد عليه انّه ان أراد ان روايات العدول شاملة للعامد في نفسها مع قطع النظر عن ملاحظة موارد الابدال الاضطرارية فمن الواضح عدم شمول الروايات للعامد و اختصاصها بما إذا تحقق الضيق من غير اختيار منه. و ان أراد انّ الشمول انّما هو بعد ملاحظة تلك الموارد فيرد عليه منع الاستفادة بعد الفرق بين الصّلاة و غيرها لأن الصلاة لا تترك بحال، غاية الأمر الاختلاف في الكمية و الكيفية بحسب الحالات و الخصوصيات فان من أراق ماء الوضوء عمدا يدور امره بين ترك الصلاة و بين الصلاة مع التيمم و الدليل الدال على انّها لا تترك يعيّن الثاني و امّا في المقام فلم يدلّ دليل على ان الحج الذي شرع في عمرته لا بدّ و ان يتحقق منه في هذا العام فإذا لم يمكن إتمامه بصورة التمتع فلا محالة يتبدل الى حج الافراد، و كون وجوب الحج فوريّا لا يسوغ العدول لعدم كون الفورية بمعنى التوقيت كما مرّ مرارا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 286

..........

______________________________

الثاني ان يقال بلزوم إتمام عمرة التمتع ثم الإحرام لحجّة و ان لم يدرك الوقوف الاختياري لعرفة نظرا الى ان إدراك الوقوف الاضطرراري لها أو أحد الوقوفين الاختياري و الاضطراري للمشعر يكفي في تمامية الحج على الاختلاف الذي يجي ء البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى و خصوصا بالإضافة إلى المشعر الذي ورد فيه ان من أدرك المشعر فقد أدرك الحج.

و يرد عليه انه كما ان

روايات العدول لا تشمل المقام كذلك ما ورد في تمامية الحج بإدراك أحد المواقف الثلاثة ضرورة ان موردها ما إذا لم يكن الضيق مستندا الى اختياره و ناشيا عن عصيانه في التأخير.

الثالث ان يجعل عمرته مفردة نظرا الى ما ورد فيمن أحرم للحج و لم يدرك الوقوف بالمشعر من انه يبطل حجّه و يجعله عمرة مفردة.

و يرد عليه أنّه لا دليل على التعدّي عما ورد فيمن أحرم للحج الى من أحرم لعمرة التمتع خصوصا مع التعمد في التأخير، و العصيان بالإضافة إليه.

الرّابع ما جعلناه مقتضى التحقيق في أوّل البحث في هذه الجهة و قد حكم بعض الاعلام قدّس سرّهم بصحته و تماميته من بطلان عمرته و إحرامه معا بالتقريب المتقدم و سيأتي ما فيه.

و هنا احتمال خامس لم يذكر في ذلك المقام و هو بقائه على إحرامه إلى السّنة الآتية حتى يأتي بالطواف فيها و يرد عليه مضافا الى استلزام البقاء للعسر و الحرج الشديد خصوصا بعد افتراق طواف عمرة التمتع عن طواف الحج لما عرفت من انّ اثر التحلّل في الثاني قليل بخلاف الأوّل انه بعد مجي ء السنة الآتية هل يجدد الإحرام لعمرة التمتع أو يبقي على إحرامه المتحقق في السنة الماضية و يطوف معه و يأتي بسائر مناسك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 287

..........

______________________________

العمرة؟ فإن قلنا بلزوم التجديد فمن الواضح انّ لازم التجديد بطلان الإحرام السابق لانه لا يجتمع بقائه مع لزوم التجديد بوجه و ان قلنا بالعدم فذلك ينافي ما ورد من لزوم وقوع حج التمتع و عمرته بجميع أبعاضهما في سنة واحدة فهذا الاحتمال لا مجال له أصلا.

كما انّ هنا احتمالا سادسا أشار إليه صاحب

الجواهر و قد جعله بعض الأعاظم قدّس سرّهم مقتضى التحقيق و هو ان يقال بابتناء بطلان الإحرام بعد بطلان العمرة على كون الإحرام مأخوذا بنحو الجزئية بالإضافة إلى مجموع العمرة و امّا إذا كان الإحرام مأخوذا بنحو الشرطية كشرطية الطهارة بالنسبة إلى الصلاة فبطلان العمرة لا يوجب بطلان الشرط كما ان بطلان الصلاة بمثل الضحك و التكلم و زيادة الركن أو نقصيته لا يوجب بطلان الطهارة المعتبرة فيها.

أقول انّ روايات العدول و كذا ما ورد في تمامية الحج بإدراك أحد المواقف الثلاثة و كذا ما ورد فيمن أحرم للحج و لم يدرك المشعر أصلا من انه يجعل حجّة عمرة مفردة و ان كان شي ء منها لا يشمل المقام الّا ان الحكم ببقاء الإحرام إلى السنة الآتية قد عرفت انه لا يمكن الالتزام به فيبقى الحكم ببطلان الإحرام و هو و ان كان مقتضى القاعدة في بادى النظر الّا ان لازمة الحكم ببطلان الإحرام بمجرد تحقق الصّد و الحصر في المصدود و المحصور من دون ان يتوقف على ذبح هدي في المحلّ كما في الأوّل أو في مكة أو منى كما في الثاني في الجملة مع انه سيأتي في بحثهما عدم التحلّل بنفس صدّ العدو أو مثله و حصر المرض بل لا بدّ مما ذكر مع انه لو فرض وقوع نظيرهما في الصلاة لكان اللازم الحكم ببطلانها بجميع اجزائها بمجرّد تحقق أحد العنوانين المانعين عن الإتمام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 288

..........

______________________________

فهذا يكشف عن انّ الإحرام في باب الحج أو العمرة إذا تحقق صحيحا لا بدّ و ان يكون هنا شي ء يقع التحلّل به و لا يبطل بمجرّد بطلان الحج أو

العمرة بل قد عرفت في مسألة الحج الفاسد بالجماع انّه لا بدّ و ان يأتي بجميع مناسكه و لو قلنا بأن الأوّل فاسد و الثاني واجبه و عليه فدعوى كون الإحرام يتصف بالبطلان بمجرد بطلان العمرة كما عرفت في كلام بعض الاعلام قدّس سرّهم ممّا لا مجال لها أصلا بل لا بدّ من التحقيق فيما به يتحلّل من هذا الإحرام الّذي لا يتصف بالبطلان بذلك فنقول انّ ما يمكن ان يقع به التحلّل أحد أمرين:

الأوّل العدول الى حجّ الافراد و الإتيان بالعمرة المفردة بعده كما في سائر موارد حجّ الافراد و قد جعله في المتن مقتضى الاحتياط الوجوبي بضميمة الإتيان بحج التمتع في العام القابل و جعله بعض الاعلام قدّس سرّهم مقتضى الاحتياط الاستحبابي بعد الحكم ببطلان الإحرام.

الثاني العدول إلى عمرة مفردة و الإتيان بمناسكها فقط و الخروج عن الإحرام بسببه و قد مرّ في ذيل البحث السابق ان صاحب المدارك قدّس سرّه بعد ان وصف المسألة بكونها قوية الإشكال جعل أحد الوجهين استصحاب بقاء الإحرام الى ان يتحقق ما يعلم حصول التحلل به و هي العمرة المفردة فجعلها بأنّها يعلم الخروج عن الإحرام بسببها فيكون ذلك مفروغا عنه عنده و ان قال صاحب الجواهر قدّس سرّه لم يحضرني الآن ما يدلّ على ذلك- يعني دعوى استفادته من الأدلّة.

و امّا ما افاده بعض الاعلام قدّس سرّهم في هذا المجال في بعض المسائل السابقة الواردة في كيفية عمرة التمتع الذي هو عين المقام من انّ الأحوط ان يأتي ببقية الاعمال بقصد الأعم من إتمامها حجّ افراد أو عمرة مفردة فيأتي باعمال الحج رجاء ثم يأتي بالطواف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص:

289

..........

______________________________

و السعي بقصد الأعم من حج الافراد أو عمرة مفردة و عليه الحج من قابل إذا كان واجبا عليه. فقد أورد عليه هناك بأنه لا يكاد يلتئم مع الذوق الفقهي و ما هو الثابت في ارتكاز المتشرعة لأن لازمة التبعيض في العمل الواحد بالإتيان ببعض اجزائه بقصد خصوص عنوان واحد رجاء و بالبعض الآخر مردّدا بين العنوانين.

فالأمر يدور بين الأمرين الأوّلين و عليه فيمكن الاستشكال على ما في المتن بأنّه ما الوجه في جعل مقتضى الاحتياط خصوصا الوجه الأول بنحو التعين خصوصا مع ما عرفت من مفروغية الوجه الثاني عند صاحب المدارك و قد اختاره المحقق الكركي قبله.

و الذي يمكن ان يوجّه به ما في المتن من تعين الوجه الأوّل انّ العدول مطلقا و ان كان على خلاف القاعدة في جميع موارده من دون فرق بين الحج و سائر العبادات و لا يصار اليه الّا مع اقتضاء الدليل له الّا ان مقتضى التتبع انه في جميع موارد العدول الثابت في عمرة التمتع كما إذا ضاق الوقت عن إتمامها و إدراك الحج بالمعنى الذي تقدم البحث فيه أو صارت المرأة حائضا بعد دخولها مكة- مثلا- و يكون حيضها مانعا عن الإتمام و إدراك الحج لعدم حصول العدم حصول الطهارة لها بهذا المقدار يكون المعدول اليه هو حجّ الافراد و لا يوجد مورد يكون العدول فيه الى عمرة مفردة.

كما ان مقتضى التتبع ان العدول في الحج في موارد ثبوته يكون إلى العمرة المفردة و لا يوجد فيها مورد يكون العدول الى غيرها و ذلك كما ورد فيمن لم يدرك المشعر أيضا من انه يعدل إلى العمرة المفردة و غيره من سائر الموارد.

و عليه فالظاهر ان ما

في المتن ناظر الى ما ذكرنا من مقتضى التتبع في كلا النسكين و ان كان مع قطع النظر عن ذلك لا دليل على التعين في البين فتدبّر جيّدا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 290

[مسألة 2- لو ترك الطواف سهوا يجب الإتيان به في أيّ وقت امكنه]

مسألة 2- لو ترك الطواف سهوا يجب الإتيان به في أيّ وقت امكنه، و ان رجع الى محلّه و امكنه الرجوع بلا مشقة وجب، و الا استناب لإتيانه (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:

المقام الأوّل في ان ترك الطواف سهوا هل يكون مثل تركه جهلا موجبا لبطلان عمرة التمتع أم لا فنقول قد نفى في الجواهر وجد ان خلاف معتدّ به في الصحة بل حكى عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه لكن المحكيّ عن الشيخ في كتابي الأخبار «التهذيب و الاستبصار» و كذا عن الحلبي البطلان و الكلام في هذا المقام تارة من جهة ما تقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن الروايات الخاصّة الواردة في المسألة و اخرى مع ملاحظة الرّوايات.

أمّا من الجهة الأولى فقد مرّ في مسألة ركنية الطواف انّ مقتضى القاعدة ثبوتها بالإضافة إلى صورة الجهل و عدم ثبوتها بالنسبة إلى صورة النسيان لما عرفت من ان حديث الرفع بلحاظ اشتماله على رفع الخطاء و النسيان يكون بمنزلة المقيّد في مقابل الطلاق أدلة الجزئية الشامل لصورة النسيان أيضا و مقتضاه تخصيص الإطلاق بغير هذه الصّورة و عليه فمقتضى القاعدة عدم البطلان خصوصا مع ان النسيان أمر غير اختياري و من البعيد ان يكون موجبا للبطلان المستلزم للحرج بخلاف مثل باب الصلاة فلا اشكال من هذه الجهة.

و امّا من الجهة الثانية فقد ورد في هذا الفرض روايتان:

إحديهما صحيحة هشام بن سالم قال سألت

أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عمّن نسي زيادة البيت حتى رجع الى أهله فقال: لا يضرّه إذا كان قد قضى مناسكه «1». و حكاه في الجواهر هكذا: عمّن نسي طواف زيارة البيت و قد حمل الشيخ الرواية على طواف

______________________________

(1) الوسائل، أبواب زيارة البيت، الباب الأوّل، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 291

..........

______________________________

الوداع مع انّه لا وجه له فانّ طواف الوداع أمر مستحب لا يجب الإتيان به مع الالتفات و عدم النسيان أيضا و لا دلالة لقوله عليه السّلام إذا كان قد قضى مناسكه على كون المراد قضاء جميع المناسك حتى الطواف بل المراد قضاء سائر المناسك ما عداه و عليه فنفس السؤال خصوصا من مثل هشام قرينة على ان المنسي كان امرا واجبا يجب الإتيان به مع عدم عروض النسيان كما ان قوله عليه السّلام في الجواب: لا يضرّه، ظاهر في انه لو لم يكن النسيان لكان الترك يضرّ به و هذا لا ينطبق على طواف الوداع بوجه كما ان الظاهر عدم كون المراد به طواف النساء بعد عدم كونه من مناسك الحج و اجزائه بل واجب فيه يكون أثره حصول التحلل بالإضافة الى النّساء و عليه فالرواية بمقتضى إطلاقها الشامل للحج و للعمرة تدل على ان نسيان الطواف في عمرة التمتع لا يضر بحصتها و لا يوجب بطلانها بوجه.

ثانيتهما صحيحة على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده و واقع النّساء كيف يصنع؟ قال: يبعث بهدي، ان كان تركه في حجّ بعث به في حجّ، و ان كان تركه في عمرة بعث به في عمرة، و وكّل من

يطوف عنه ما تركه من طوافه «1». و حكى في الجواهر بدل: طوافه، طواف الحج لكن الموجود في الوسائل مطابق لما ذكرنا، و قد حملها الشيخ قدّس سرّه على طواف النّساء و لا وجه له ظاهرا فإنّه ان كان الوجه في ذلك هو التعبير في السّؤال بمواقعة النساء المناسبة لطواف النساء لتوقف حلّيتهن عليه فمن الواضح انه لا دلالة له على ذلك لأنّ طواف النساء المؤثر في حليّتهن هو الطواف الواقع بعد الطواف و السّعي لا مجرد طواف النساء في أيّ ظرف تحقّق.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثامن و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 292

..........

______________________________

و ان كان الوجه في ذلك هي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن رجل نسي طواف النّساء حتى يرجع الى أهله قال لا تحلّ له النّساء حتى يزور البيت فان هو مات فليقض عنه وليّه أو غيره فامّا ما دام حيّا فلا يصلح ان يقضى عنه الحديث «1» فمن الواضح ان ورود هذه الصحيحة في نسيان طواف النساء لا دلالة له على ورود الصحيحة الأولى فيه أيضا بل ظاهر طواف الفريضة هو الطواف الذي يكون جزء للحج أو العمرة و يؤيده بل يدل عليه قوله عليه السّلام و ان كان تركه في عمرة بعث به في عمرة لأن الظاهر ان المراد بالعمرة فيه هي عمرة التمتع التي لها وقت خاص و هو أشهر الحج كنفس الحج و امّا العمرة المفردة فليس لها وقت مخصوص حتى يجب بعث الهدى في ذلك الوقت و عليه فالظاهر ان المراد بالعمرة فيه هي عمرة التمتع و حيث انه لا يجب

فيها طواف النساء كما مرّ تحقيقه في كيفية عمرة التمتع بل يستحب فيها فهذه قرينة على عدم جواز حمل الصحيحة على طواف النساء بوجه و ان موردها طواف الفريضة المشترك بين الحج و العمرة المتمتع بها فشمول الرواية للمقام بالنصوصية و لكن شمول صحيحة هشام انّما هو بالإطلاق ثم ان الحكم ببعث الهدى و التوكيل ظاهر في عدم البطلان و قد انقدح مما ذكرنا تطابق النص و القاعدة على الصحة التي هي المقصود في الجهة الاولى في مقابل الترك و لو عن جهل الذي قد تقدم ان حكمه بطلان عمرة التمتع.

المقام الثاني في انه بعد الحكم بصحة عمرة التمتع يكون مقتضى الفتاوى كما في المتن انه مع إمكان الرجوع يعني من دون عسر و حرج يجب عليه الرجوع و الإتيان بالطواف المنسي و ركعتيه بالمباشرة و لا تجوز الاستنابة في هذا الفرض و لكن ربما

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثامن و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 293

..........

______________________________

يقال كما في المدارك: ان إطلاق الرواية- يعني صحيحة على بن جعفر المتقدمة- يقتضي جواز الاستنابة للناسي إذا لم يذكر حتى قدم بلاده مطلقا يعني و ان كان قادرا على الرجوع بنفسه بلا مشقة. و في محكيّ كشف اللثام: و الخبر يعطي انّ العود الى بلاده يكفيه عذرا و لكن الأصحاب اعتبروا العذر احتياطا.

أقول الظاهر انّ الوجه فيه كون الأصل في امتثال التكاليف التعبدية المباشرة و النيابة انّما هي على خلاف القاعدة كما حققناه في مبحث الحج النّيابي و لا يصار إليها إلّا في مورد قيام الدليل و الرواية غايتها الدلالة على وجوب التوكيل في الجملة و لا يستفاد منه

ذلك مطلقا حتى في مورد القدرة على الرجوع و الإتيان بالمباشرة و الّا لكان مقتضى الجمود على ظاهرها عدم جواز الرجوع و تعيّن التوكيل و الاستنابة و لا يمكن الالتزام به بوجه فالإنصاف انه لا دلالة للرواية على جواز التوكيل في مورد القدرة في مقابل القاعدة التي تقتضي أن تكون النيابة على خلافها.

و الظاهر انّ عدم التعرض للرجوع في الرواية انّما هو بلحاظ كونه مستلزما للعسر و الحرج نوعا خصوصا بالنسبة إلى البلاد البعيدة سيّما في تلك الأزمنة.

مع انه يمكن ان يقال بأولوية طواف الفريضة من طواف النساء الذي يكون مقتضى صحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة الواردة فيه و غيرها من الروايات لزوم الرجوع بنفسه لان يزور البيت و يطوف طواف النساء فإنّه إذا كان طواف النّساء كذلك مع انه ليس من أجزاء الحج يكون طواف الفريضة بطريق اولى كما لا يخفى.

و كيف كان لا شبهة في انه مع عدم إمكان الرجوع و لو لأجل العسر و الحرج لا بدّ له من الاستنابة و التوكيل كما في الصّحيحة.

المقام الثالث ظاهر المتن تبعا للأكثر عدم لزوم إعادة السعي بعد قضاء الطواف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 294

..........

______________________________

المنسي لعدم التعرض لذلك مع انه على تقدير الوجوب كان اللازم التعرض له و حكى عن الدّروس التصريح بلزوم الإعادة حاكيا له عن الشيخ في كتاب الخلاف و قد جعله صاحب الجواهر مقتضى الاحتياط الوجوبي لو لم يكن أقوى و استدلّ له بصحيحة منصور بن حازم قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل ان يطوف بالبيت قال يطوف بالبيت ثم يعود الى الصفا و المروة فيطوف

بينهما «1». ثم قال:

اللّٰهم الّا ان يدعى اختصاص ذلك بما قبل فوات الوقت.

و لكن الظاهر ان لا مجال لهذا الادّعاء بعد إطلاق السؤال و الشمول لمثل المقام ممّا قد فات وقت الطّواف و لا يكون في السؤال إشعار بالاختصاص المذكور و عليه فترك الاستفصال في الجواب دليل على عدم الاختصاص.

ثم ان الظّاهر ان مورد السؤال هو خصوص صورة النسيان الذي هو محلّ البحث هنا لأنّ الابتداء بالسعي قبل الطواف لا يكاد يتحقق من المتعمد و لا يتمشى منه قصد القربة المعتبر في السعي أيضا فإنّه مع التعمد خصوصا في صورة العلم كيف يمكن ان يتحقق قصد القربة بالأمر المترتب على شي ء لم يتحقق في الخارج بعد و عليه فالظاهر الاختصاص بصورة النسيان.

نعم هنا رواية أخرى لمنصور بن حازم ضعيفة من حيث السّند و قد جعلوها رواية أخرى مع انه من الواضح اتّحادها مع الرواية المتقدمة و ان كانت مشتملة على زيادة لا تكون فيها و هي ما رواه قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل بدء بالسعي بين الصفا و المروة قال يرجع فيطوف بالبيت ثم يستأنف السعي، قلت ان ذلك قد فاته قال عليه دم الا ترى انّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك ان يعتدّ (تعيد ظ) على

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثالث و السّتون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 295

..........

______________________________

شمالك «1». و يجري في سؤاله الثاني المرتبط بالفوت و النسيان احتمالان:

أحدهما ان يكون ناظرا الى أحد موردي السؤال الأوّل الناظر الى غير العامد و العالم لما عرفت من عدم تمشى قصد القربة من العالم العامد و مورده الآخر صورة الجهل.

ثانيهما ان

يكون قرينة على ان المراد من السؤال الأوّل خصوص صورة النّسيان.

فعلى الأوّل يمكن ان يقال بدلالة الرواية على عدم لزوم إعادة السعي بعد الطواف لاقتصاره في الجواب على ثبوت الدم الظاهر في عدم لزوم إعادة السّعي المذكور في الجواب عن السؤال الأوّل و هذا بخلاف الاحتمال الثاني الذي يكون مرجع الجوابين الى لزوم كلا الأمرين.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 4، ص: 295

و لكن الظاهر ان قوله في الذيل: الا ترى انّك إذا غسلت .. الدالّ على التشبيه بالوضوء قرينة على انه على تقدير الاحتمال الأوّل أيضا تجب إعادة السعي كما في الوضوء الذي لا ترديد فيه من جهة لزوم اعادة غسل الشمال و لو في حال نسيان غسل اليمين و لكن حيث انّ الرواية بهذا السّند ضعيفة و الرواية الأولى الصحيحة خالية عن هذا الذيل فاللازم الأخذ بها و الحكم بان لزوم إعادة السعي لو لم يكن أقوى فلا أقل من كونه مقتضى الاحتياط الوجوبي كما في الجواهر على ما عرفت.

المقام الرابع قال في الجواهر: «و- ح- يعني (حين إذ تجب إعادة السعي أيضا) لا يحصل التخلّل بما يتوقف عليهما إلّا بالإتيان بهما فلو عاد لاستدراكهما بعد الخروج على وجه يستدعي وجوب الإحرام لدخول مكّة لو لم يكون عليه اكتفى بذلك للأصل و صدق الإحرام عليه في الجملة و الإحرام لا يقع الّا من محلّ و ربما احتمل وجوبه فيقضى الفائت قبل الإتيان بالعمرة أو بعده و لا ريب في انّه أحوط و ان كان الأوّل

______________________________

(1) الوسائل،

أبواب الطواف، الباب الثالث و السّتون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 296

..........

______________________________

أقوى».

و قد أورد عليه بعض الاعلام قدّس سرّهم بعد حكاية التمسك باستصحاب البقاء على الإحرام لو شك في خروجه منه عن بعض من تبع صاحب الجواهر قدّس سرّه بما ملخّصه: «ان الإحرام عبارة عن نفس التلبية التي معناها القيام بالأعمال المفروضة من البداية إلى النهاية و امّا المحرمات فهي خارجة عن حقيقة الإحرام و لا ترتبط بحقيقته و التلبية نظير تكبيرة الإحرام في الصلاة يتحقق الدخول فيها بها و يخرج منها بالتسليم فمعنى الإحرام القيام و الالتزام بالواجبات المفروضة عليه فلو فرغ من اعماله لا يكون معنى لبقاء إحرامه سواء حكم بصحة عمله أو بطلانه كما في ترك الطواف عمدا كما لو فرغ من الصلاة و حكم بصحتها أو بطلانها فإنه لا معنى لبقائه على تكبيرة الإحرام و الالتزام بواجبات الصّلاة فكذا المقام فإذا أراد الدخول بعد الرجوع الى بلده- مثلا- وجب عليه الإحرام الجديد لدخول مكة لأنه قد خرج عن الإحرام و لا ينافي ذلك بقاء بعض الاحكام عليه كحرمة الطيب و النساء نظير ما إذا ترك طواف النّساء فإنه تحرم عليه النساء حتى يطوف و ان كان حجّه صحيحا و خرج عن إحرامه بالمرة و عليه لا يبقى مجال لجريان الاستصحاب و العمدة فيه اختلاف القضيتين المتيقنة و المشكوكة فإن المتيقن هو الإحرام للإتيان و بالأعمال السابقة و المشكوك هو الإحرام للطواف فلا اتحاد بينهما».

و التحقيق في الجواب عن صاحب الجواهر قدّس سرّه يتوقف على بيان مقدّمة و هي انه قد تقدم منّا في البحث عن ماهية الإحرام و حقيقته انّها عبارة عن الأمر الاعتباري

الذي يعتبره الشارع عقيب نيّة الحج أو العمرة فقط أو بضميمة التلبية و النية و التلبية بمنزلة السبب و الأمر الاعتباري المذكور بمنزلة المسبب كعقد النكاح بالإضافة إلى الزوجية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 297

..........

______________________________

المترتبة عليه التي هي أمر اعتباري موضوع لأحكام كثيرة تكليفية وجوبية و تحريمية و غيرهما و من الواضح ان الأمر الاعتباري أمره دائر بين الوجود و العدم فامّا ان يكون متحققا و امّا ان لا يكون كذلك و لا يجري فيه التبعض بان يكون ثابتا في الجملة و غير ثابت كذلك نعم قد يكون بعض احكامه ثابتا بعد انتفائه و ارتفاعه و لكن لا دلالة له على ثبوت الموضوع في الجملة.

إذا عرفت ذلك نقول انّه في إحرام الحج يتحقق الخروج عنه بالإتيان بمناسك منى يوم النحر و لا يبقى من الإحرام فيه شي ء و لأجله يرتفع أكثر محرمات الإحرام فجواز لبس المخيط مثلا بعد تلك المناسك ليس لأجل التخصيص في دليل حرمة لبس المخيط على الرجل المحرم و كذا ليس لأجل خروجه عن الإحرام بمثل هذا المقدار بل انّما هو لأجل خروجه عن الإحرام رأسا كما هو المرتكز في ذهن المتشرعة و بقاء حرمة الطيب المتوقف حليته على الطواف و السعي لا دلالة على بقاء الإحرام بوجه كما ان توقف حلية النساء على طوافهن لا يدلّ على بقاء الإحرام بالإضافة إليهن.

و على ما ذكرنا فلا مجال للشبهة في باب الحج في انّ ترك الطواف نسيانا لا يوجب بقاء الإحرام و لو في الجملة بل اللازم عند ارادة الرجوع الى الإتيان به ان يصير محرما عند التجاوز عن الميقات كما في النائب الذي لم يكن محرما

بعد.

و امّا في عمرة التمتع التي هي محل البحث في المقام فحيث انّها لا بد و ان تتحقق قبل حجّة و لذا يعدل الى حج الافراد في موارد عدم إمكان الإتمام لضيق الوقت أو الحيض أو مثلهما كما تقدم كما انه لا بدّ و ان يقع التحلّل من إحرامها ثم الإحرام لحج التمتع في يوم التروية- مثلا- فإذا قام الدليل على صحّتها مع نسيان طوافها و ان كان يجب قضائه بعدها فاللازم ان يقال بخروجه عن إحرامها و لو نسي طوافها و الّا يلزم أحد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 298

..........

______________________________

الأمرين اللذين يكون كلاهما باطلين لانه لا بد امّا ان يقال بعدم افتقار الحج إلى إحرام جديد و كفاية بقاء إحرام العمرة لفرض نسيان طوافها أو يقال بانّ المحرم يمكن له ان يحرم ثانيا مع وضوح لزوم إحرام خاص في حجّ التمتع و لزوم حصول التحلل من إحرام العمرة و عدم إمكان الإحرام لمن يكون محرما و مقتضى كلام صاحب الجواهر عدم كون الإحرام في عمرة التمتع في الجملة و بالنسبة الى بعض محرمات الإحرام لأن الطواف في العمرة يغاير الطواف في الحج من حيث حصول التحلّل قبله في الحج بالنسبة إلى كثير من محرّمات الإحرام و عدم حصول التحلل قبله في العمرة بوجه أصلا.

و على ما ذكرنا فإذا تذكر في أثناء الحج انه ترك الطواف في عمرة التمتع فلا مجال لدعوى كونه محرما باحرامين كما انه لا مجال لاحتمال كونه محرما بإحرام عمرة التمتع بل لا محيص عن الالتزام بحصول التحلل من عمرة التمتع بعد اقتضاء الدليل صحّتها و كونه محرما بإحرام الحج فإذا كان هذا التذكر بعد

الرجوع الى بلده البعيد فهل هناك وجه لاحتمال كونه محرما في الجملة حتى لا يجب عليه الإحرام عند التجاوز عن الميقات و لعمري انّ هذا من الوضوح بمكان و عليه فلا فرق بين النائب و بين نفسه في لزوم الإحرام من الميقات عند التجاوز عنه.

ثم انه بعد الإحرام و دخول مكّة هل يكون مخيّرا بين تقديم قضاء الطواف المنسيّ و بين الإتيان باعمال العمرة المفردة- مثلا- أو يتعين الأوّل ذكر في الجواهر ان الإتيان به بعد اعمال العمرة أحوط، و الأقوى الإتيان به قبلها و الظاهر ان مقتضى الاحتياط أيضا الإتيان به قبلها للزوم رعاية الفورية في القضاء و لو احتياطا و هذا بخلاف اعمال العمرة فإنّها و ان كانت لازمة الإتمام الّا انه لا فورية فيها فتدبّر.

المقام الخامس قال المحقق في الشرائع: «من نسي طواف الزيارة حتى رجع الى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 299

..........

______________________________

اهله و واقع قبل عليه بدنة و الرجوع الى مكّة للطواف و قيل لا كفارة عليه و هو الأصحّ و يحمل القول الأوّل على من واقع بعد الذكر».

و حكى في الجواهر القول الأوّل عن الشيخ في محكيّ النهاية و المبسوط و ابني البرّاج و سعيد و القول الثاني عن الحلّي و الفاضل و الشهيدين بل عن بعض نسبته إلى الأكثر و عليه فنسبة القول بثبوت البدنة إلى الأكثر كما في كلام بعض الاعلام قدّس سرّهم لا تكون في محلّها و مورد النزاع ما إذا تحققت المواقعة لا مجرّد نسيان الطّواف و الظاهر ان مراد القائلين بثبوت الكفارة ثبوتها على من واقع في حال النسيان لا بعد ارتفاعه و زواله و حصول الذكر و لذا

حكى عن كشف اللثام ان عبارات المبسوط و النهاية و الجامع لا تقبل ذلك يعنى الحمل المذكور في الشرائع.

و كيف كان فالعمدة ملاحظة الأدلة العامّة و الخاصّة فنقول قد استدل لنفي الكفارة مضافا الى حديث رفع الخطأ و النسيان الدالّ على عدم الكفارة في مثل المقام ببعض الروايات الواردة في خصوص المجامعة مع الزوجة نسيانا في الحج مثل صحيحة زرارة المروية في محكي العلل عن أبي جعفر عليه السّلام في المحرم يأتي أهله ناسيا قال لا شي ء عليه انّما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان و هو ناس «1».

و مرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال الصّادق عليه السّلام في حديث: ان جامعت و أنت محرم الى ان قال: و ان كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليك «2».

هذا و لكن مقتضى ما تقدم منّا من التحقيق انّ نسيان الطواف سواء كان طواف الحج أو طواف العمرة و وقوع المواقعة في حال النسيان ليس مواقعة في حال الإحرام

______________________________

(1) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب الثاني، ح 7.

(2) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب الثاني، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 300

..........

______________________________

بوجه بل الناسي للطواف قد خرج عن الإحرام بالمرّة و ان وجب عليه قضائه بعدا نظير السجدة الواحدة المنسيّة أو التشهد المنسي فإنه و ان كان يجب الإتيان بهما لكن ظرف إيقاعهما بعد الصلاة و الفراغ منها و بعنوان القضاء فالرواية بمدلولها المطابقي لا دلالة لها على حكم المقام لوقوع المواقعة في غير حال الإحرام الّا ان يقال بالدلالة على عدم ثبوت الكفارة فيما نحن فيه من طريق الأولوية و لكنه انما يتم على تقدير عدم نهوض دليل على

ثبوت الكفارة في خصوص المقام.

و امّا القول بثبوت الكفارة فعمدة مستنده صحيحة على بن جعفر المتقدمة عن أخيه عليه السّلام قال سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده و واقع النّساء كيف يصنع؟ قال يبعث بهدي ان كان تركه في حج بعث به في حجّ و ان كان تركه في عمرة بعث به في عمرة و وكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه «1». قال في الوسائل بعد نقل الرواية عن الشيخ قدّس سرّه: «و رواه الحميري في قرب الاسناد عن عبد اللّٰه بن الحسن عن جدّه على بن جعفر عليهما السّلام الّا انه قال: فبدنة في عمرة» و ظاهر الأخيرة ثبوت البدنة في خصوص العمرة التي هي محل البحث فعلا لكن في الطريق عبد اللّٰه بن الحسن و هو ضعيف و حكى عن البحار: انه يبعث ببدنة و ظاهره ثبوت البدنة في الحج و العمرة معا لكن الظاهر ان طريق البحار أيضا هو نفس طريق قرب الاسناد الذي عرفت انه ضعيف و كيف كان فالظاهر انّ مورد السؤال هو وقوع المواقعة في حال النسيان لا بعد زواله و ارتفاعه و لا وجه لحمله على خلاف ظاهره و ربما يستدل على ثبوت الكفارة بالروايتين المتقدمتين الواردتين في الجاهل خصوصا رواية على بن أبي حمزة بناء على نقل الصّدوق حيث روى بدل: جهل ان يطوف، سها ان يطوف.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثامن و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 301

..........

______________________________

و لكن من الواضح عدم صحة هذا الاستدلال لأنّ الجاهل لا يشمل الناسي خصوصا بعد ما عرفت من ثبوت الفرق بينهما من جهة ان النسيان لا

يوجب البطلان بخلاف الجهل و لذا ورد في الجواب فيهما لزوم اعادة الحج مضافا الى البدنة مضافا الى ضعف سند الرواية الثانية بعليّ بن أبي حمزة.

كما انه قد يستدل بصحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن متمتع وقع على اهله و لم يزر قال ينحر جزورا و قد خشيت ان يكون قد ثلم حجّه ان كان عالما و ان كان جاهلا فلا شي ء عليه و سألته عن رجل وقع على امرأته قبل ان يطوف طواف النساء قال عليه جزور سمينة و ان كان جاهلا فلا شي ء عليه «1». و حكاه في الجواهر في صدر كلامه في الصورة الأولى مكان فلا شي ء عليه، فلا بأس به و لكنه حكى عن المدارك في ذيل كلامه مثل ما في الوسائل و لكن الظاهر مضافا الى ظهور الرواية في طواف الحج و عدم شمولها لعمرة التمتع انّه لا دلالة لها على حكم الناسي خصوصا بعد كون النسيان في العمرة غير موجب لبطلانها بحيث تجب الإعادة من قابل بخلاف الجهل الذي عرفت ان الترك معه يوجب بطلان العمرة و لزوم الحج من قابل و عليه فيمكن ان يكون الحكم في النسيان ثبوت الكفارة مكان الإعادة من قابل بخلاف الجهل الموجب للبطلان مضافا الى دلالة الروايتين المتقدمتين الواردتين في الجاهل الدالتين على لزوم كلا الأمرين.

و كيف كان فالعمدة في المقام هي صحيحة على بن جعفر الدالة على ثبوت كفارة الهدي الشامل للشاة أيضا و لم تثبت شهرة على خلافها حتى يرفع اليد بسببها عنها غاية الأمر نسبة القول بعدم الكفارة إلى الأكثر و النسبة مضافا الى عدم ثبوتها يكون المنسوب

______________________________

(1) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب

التاسع، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 302

[مسألة 3- لو لم يقدر على الطواف لمرض و نحوه فإن أمكن ان يطاف به]

مسألة 3- لو لم يقدر على الطواف لمرض و نحوه فإن أمكن ان يطاف به و لو بحمله على سرير وجب، و يجب مراعاة ما هو معتبر فيه بقدر الإمكان و الّا تجب الاستنابة عنه (1).

______________________________

إليها فيها هو الأكثر و هو يختلف مع المشهور كما لا يخفى.

فالظاهر انه لا محيص عن الأخذ بمقتضى الصحيحة و الحكم بثبوت كفارة الهدى كما اختاره بعض الاعلام قدّس سرّهم و ان كان ظاهر المتن بلحاظ عدم التعرض للكفارة عدم ثبوتها كما لا يخفى نعم ذكر في المسألة الثانية عشر مما يجب بعد اعمال منى ما هذا لفظه «لو نسي و ترك الطواف الواجب من عمرة أو حج أو طواف النساء و رجع و جامع النساء يجب عليه الهدى ينحره أو يذبحه في مكّة و الأحوط نحو الإبل، و مع تمكّنه بلا مشقة يرجع و يأتي بالطواف و الأحوط إعادة السعي في غير نسيان طواف النساء و لو لم يتمكن استناب» و هو كما يدل على ثبوت الكفارة و هي الهدي الأعم من الإبل كذلك يدل على ما ذكرنا من ان مقتضى الاحتياط الوجوبي إعادة السّعي أيضا ثم انّك عرفت في بعض مباحث الجماع الذي هو من محرّمات الإحرام وقوع الاختلاف في نقل صحيحة معاوية بن عمار من جهة قول السائل: و لم يزر حيث وقع التعبير ب «لم يقصر» في بعض الكتب الناقلة لها فراجع و على التقدير الأخير لا ترتبط بالمقام بوجه.

(1) أقول مقتضى القاعدة الأوّلية السارية في جميع الأعمال العبادية و هو لزوم صدور الفعل عن المكلّف مباشرة أوّلا و كون صدوره عن

ارادة و اختيار ثانيا ان يكون الطواف أيضا كذلك لانه من تلك الاعمال و مع كونه جزء للحج أو العمرة و لكنه يجب ان يتحقق من المكلف مقرونا بقصد عنوانه و نية القربة كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى و عليه فاللّازم في باب الطواف ان يطوف بنفسه بالنحو المذكور لكن لا يلزم فيه المشي على المطاف بل يمكن ان يتحقق راكبا كما حكي عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله انه طاف راكبا لكن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 303

..........

______________________________

الركوب في المرتبة الاولى لا بد و ان يكون بحيث تستند الحركة و الدوران حول الكعبة إلى إرادة الطائف و اختياره ليتحقق عنوان الطواف بنفسه هذا و لكن مع عدم القدرة على هذا النحو لمرض أو كسر أو كبر أو غيرها تصل النوبة إلى الطواف به و هو ان يطاف بحيث لا يكون منه ارادة و لا تستند الحركة إلى نفسه و هو قد يكون في الموارد المذكورة التي يتحقق منه نيّة الطواف و قد يكون في مثل الإغماء الذي لا يشعر بالحركة و لا يتحقق منه نية الطواف بل ينويه وليّه و في المرحلة الثالثة تصل النوبة إلى النيابة التي مرجعها الى صدور العمل من النائب غاية الأمر اقترانه بقصد النيابة عن المنوب عنه و هو الذي يعبّر عنه بالطواف عنه.

و يدل على ثبوت المرحلتين الأخيرتين و ترتبهما على المرتبة الاولى و ترتب الثالثة على الثانية الروايات المتعددة الواردة في المقام و ملاحظة الجمع بينها فنقول.

منها صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال المريض المغمى عليه يرمي عنه و يطاف به «1». و الظاهر ان المراد

بالمريض المغلوب في موثقة إسحاق بن عمّار هو المغمى عليه حيث روى عن أبي الحسن عليه السّلام في حديث قال: قلت المريض المغلوب يطاف عنه قال لا و لكن يطاف به «2». و الظاهر اتحادها مع رواية أخرى لإسحاق بن عمّار المذكورة بعدها في الوسائل و ان كان مورد السؤال فيها مطلق عنوان المريض.

و منها صحيحة أخرى لحريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يطاف به و يرمى عنه فقال نعم إذا كان لا يستطيع «3».

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب السابع و الأربعون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب الطواف، الباب السابع و الأربعون، ح 5.

(3) الوسائل، أبواب الطواف، الباب السابع و الأربعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 304

..........

______________________________

و منها رواية أبي بصير انّ أبا عبد اللّٰه عليه السّلام مرض فأمر غلمانه ان يحملوه و يطوفوا به فأمرهم أن يخطّوا برجليه الأرض حتى تمسّ الأرض قدماه في الطواف «1». و الظاهر ان الأمر الثاني ناش عن استحباب مماسّة القدمين للأرض لا وجوبها لما عرفت من عدم الوجوب في المرحلة الأولى أيضا و انه يجوز في تلك المرتبة الطواف راكبا و لازمة عدم المماسة المذكورة.

و منها رواية يونس بن عبد الرحمن البجلّي قال سألت أبا الحسن عليه السّلام أو كتبت اليه عن سعيد بن يسار انه سقط من جمله فلا تستمسك بطنه أطوف عنه و اسعى؟ قال لا و لكن دعه فإن برء قضا هو و الّا فاقض أنت عنه «2».

و منها صحيحة حبيب الخثعمي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال أمر رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله ان يطاف عن المبطون و الكسير (الكبير

خ ل) «3».

و منها رواية الربيع بن خثيم قال شهدت أبا عبد اللّٰه الحسين عليه السّلام و هو يطاف به حول الكعبة في محمل و هو شديد المرض فكان كلّما بلغ الركن اليماني أمرهم فوضعوه بالأرض فأخرج (فأدخل خ ل) يده من (في) كوّة المحمل حتى يجرّها على الأرض ثم يقول ارفعوني فلمّا فعل ذلك مرارا في كلّ شوط قلت له جعلت فداك يا ابن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله انّ هذا يشق عليك فقال انى سمعت اللّٰه- عزّ و جلّ- يقول ليشهدوا منافع لهم فقلت منافع الدنيا أو منافع الآخرة فقال: الكلّ «4». و هذه الرواية قرينة أيضا على عدم كون جرّ الرجل في رواية أبي بصير المتقدمة واجبا لأنّ جرّ اليد غير واجب

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب السابع و الأربعون، ح 10.

(2) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الخامس و الأربعون، ح 3.

(3) الوسائل، أبواب الطواف، الباب التاسع و الأربعون، ح 5.

(4) الوسائل، أبواب الطواف، الباب السابع و الأربعون، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 305

[مسألة 4- لو سعى قبل الطّواف فالأحوط إعادته بعده]

مسألة 4- لو سعى قبل الطّواف فالأحوط إعادته بعده، و لو قدم الصّلاة عليه تجب إعادتها بعده (1).

______________________________

قطعا و الظاهر انّ جرّ الرجل مثله. ثم انه ذكر في ذيل هذه الرواية في حاشية الوسائل المطبوعة بالطبع الجديد انه في الفروع من الكافي و التهذيب الذي أخذ الرواية من الكليني ترك لفظة الحسين عليه السّلام و الظاهر انه زيادة من المصنف- يعني صاحب الوسائل- لأنه رأى ان الربيع المتوفّى سنة 61 (أو) 63 لا يروي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام ففسّره بالحسين عليه السّلام و لكن يرد عليه اشكال آخر

و هو رواية محمد بن الفضيل الرّاوي عن الكاظم عليه السّلام عنه.

(1) و الظاهر انّ المراد من موضوع المسألة هو السعي نسيانا قبل الطواف و تقديمه عليه كذلك و ليس المراد هو التقديم عن عمد و التفات و ذلك لأنّ التقديم بهذه الصورة موجب لبطلان السعي لما سيأتي في مبحثه من اشتراط تأخره عن الطواف و صلوته و عليه فلا يتمشى منه قصد القربة بالإضافة إلى السعي الذي قدمه على الطواف كذلك فلا معنى لوقوعه صحيحا و عليه فالاحتياط الوجوبي بالإعادة الدالّ على احتمال وقوعه صحيحا يكشف عن كون المراد صورة التقديم نسيانا.

مضافا الى انه وقع التصريح في المتن في المسألة الرابعة من مباحث السعي الآتية بقوله قدّس سرّه: يجب ان يكون السعي بعد الطواف و صلوته فلو قدمه على الطواف اعاده بعده و لو لم يكن عن عمد و علم. فانّ ظاهره ان لزوم الإعادة في صورة العمد و العلم مما لا خفاء فيه بوجه و لا يجرى فيه احتمال العدم و ظاهرها و ان كان الفتوى باللزوم في صورة النسيان أيضا و هو يغاير المقام الذي حكم فيه بالاحتياط الوجوبي دون الفتوى لكن هذه المغايرة لا تنافي دلالة تلك المسألة على بيان موضوع المقام.

ثم انه يرد على المتن انه لا وجه للتعرض لهذه المسألة بكلا فرعيها في عداد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 306

[القول في واجبات الطّواف]

اشارة

القول في واجبات الطّواف و هي قسمان

[الأوّل في شرائطه]

اشارة

الأوّل في شرائطه و هي أمور:

[الأوّل النيّة بالشرائط المتقدمة في الإحرام]

الأوّل النيّة بالشرائط المتقدمة في الإحرام (1).

______________________________

مسائل الطواف بل لا بدّ في الفرع الأوّل من البحث عنه في ضمن مسائل السعي كما عرفت التعرض له هناك و في الفرع الثاني البحث عنه في ضمن مسائل صلاة الطواف و نحن نحيل البحث عنهما الى المحلّين المذكورين فانتظر إن شاء اللّٰه تعالى.

(1) لا بد لتحقيق اعتبار النية في الطّواف من تقديم أمرين:

الأمر الأوّل انه لا خفاء في انه لا يجري في الطواف الذي يكون امرا تكوينيّا بيّنا الاختلاف الذي عرفته في ماهية الإحرام و كيفية تحققه فإنه لو قيل بأنّ حقيقة الإحرام عبارة عن النية فقط أو بضميمة التلبية فمن المعلوم انه لا حاجة في الإحرام بهذا المعنى إلى نية أخرى متعلقة به بل لا يعقل ذلك نعم لو قلنا كما اخترناه من ان الإحرام أمر اعتباري يعتبره الشارع عقيب النية أو مع التلبية فلاعتبار النيّة بعنوان الشرطية وجه صحيح كما يقال ان الإيجاب و القبول في باب النكاح- مثلا- شرط لتحقق الزوجية كما انه لو قلنا بأن الإحرام عبارة عن نفس ترك الأمور المحرمة على الإحرام يصح ان يقال بتوقف صحّته على النية كما في باب الصوم الذي حقيقته الإمساك عن المفطرات مع رعاية النية و شرطيتها.

و هذا بخلاف الطواف الذي لا يجري فيه الاختلاف المتحقق في الإحرام بوجه بل هو كما عرفت أمر تكويني يحتاج وقوعه جزء للحج أو العمرة إلى النيّة.

الأمر الثاني انّ سائر العبادات المركبة من الاجزاء التي يتصف كل جزء منها بعنوان العبادة لأنّه لا معنى لان يكون جزء العبادة غير عبادة كالصلاة و نحوها هل تكفي النيّة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج،

ج 4، ص: 307

..........

______________________________

المتعلقة بالمجموع أوّلا أو يحتاج كل جزء إلى نيّة خاصة مع الشرائط المعتبرة فيها فالركوع في باب الصلاة هل يتوقف وقوعه جزء لها على النية المتعلقة به بعنوان الجزئية للصلاة أو تكفي نية المجموع أوّل الصلاة يظهر من الشهيد في محكي الدروس مفروغية عدم احتياج الاجزاء الى النية في مثل باب الصّلاة حيث قال: «ظاهر بعض القدماء ان نيّة الإحرام كافية عن خصوصيات نيّات الافعال و لعلّه لخلوّ الأخبار الواردة بتفصيل احكام الحج من ذكر النية في شي ء من أفعاله سوى الإحرام الّذي هو أوّلها فيكون- ح- كباقي العبادات المركبة من الصّلاة و غيرها التي لا تحتاج اجزائها إلى نيّة» و يظهر من الجواهر احتمال ثبوت الإجماع و انه لولاه لكان معتبرا في أجزاء الصلاة أيضا نعم أضاف إليه قوله: بل لعلّه كذلك فيها بناء على انّها الداعي المفروض وجوده في تمام الصلاة بل ربما كان ذلك مرجّحا للقول بأنه الداعي كما أوضحناه في محلّه بل ربما كان على ذلك لا فرق بين الابتداء و الاستدامة التي هي على هذا التقدير فعلية لا حكمية إلخ.

هذا و الظاهر انه لا مجال لإنكار احتياج أجزاء مثل الصلاة إلى النيّة ضرورة أنّ الانحناء المحقق للركوع- مثلا- لا بد و ان يقع بقصد الجزئية للصلاة التي شرع فيها فإنه لو انحنى بقصد آخر كقتل العقرب أو نحو لا يصلح لان يقع جزء للصلاة بوجه غاية الأمر انه حيث تكون أجزاء الصلاة مرتبطة متصلة و الإتيان بالجميع و لا يتجاوز عن عدّة دقائق و لا تكون النية عبارة عن الاخطار بالبال بل أمر مرتكز في النفس بحيث لو سئل عن الإتيان بالركوع بأيّ قصد يجيب بعنوان الجزئية

للصلاة و كونه دخيلا في مقربيّتها فربما يتحيل أو يقال بعدم احتياج الاجزاء الى النيّة و الّا فلا فرق بين الحج و بين سائر العبادات من هذه الجهة أصلا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 308

..........

______________________________

و قد ظهر لك من الأمرين انّ النيّة المعتبرة في الطواف عبارة عن نيّته بعنوان الجزئية للحج أو العمرة الذي قد شرع فيه لأنّ تعيّن العمل الخارجي و هو الدوران و الحركة حول الكعبة سبعة أشواط بعنوان كونه طوافا مرتبطا بعمله و وظيفته لا يتحقق الّا من طريق النية فكما ان تعين العمل المركب المشتمل على أجزاء الصلاة و خصوصياتها بعنوان كونها صلاة لا يكاد يتحصل الّا بسبب النية و كما ان تعين أنواعها من الظهرية و العصرية- مثلا- و الأدائية و القضائية كذلك ليس له طريق غير النية المتعلقة بنوع خاص غاية الأمر لزوم رعاية الخصوصيات الأخرى المعتبرة كالمقارنة و كون الداعي هي القربة و امتثال أمر المولى جلّ و علا كذلك تعين العمل الخارجي بعنوان كونه طوافا و جزء من عمله كيف يمكن ان يتحقق من غير طريق النيّة و لأجل ذلك لا بد من اعتبارها و الحكم بمدخليتها في صحة الطّواف و عليه فالمراد من النية على ما ذكرنا هي نية الطواف مع الخصوصية المذكورة الراجعة إلى الجزئية للحج أو العمرة التي شرع فيها و أحرم لها مقارنة للطواف و مقرونة بداعوية الأمر و قصد القربة.

و من العجيب بعد ذلك ما وقع من بعض الاعلام- قدّس سرّه الشريف- حيث انه ذكر في متن مناسكه انّ الأمر الأوّل من الأمور المعتبرة في الطواف النيّة و فرع عليه بطلان الطواف إذا لم يقترن بقصد القربة،

و ظاهره انّ المراد من النية المعتبرة في الطواف عبارة أخرى عن قصد القربة.

و ذكر في الشرح انّ النية المعتبرة تارة يراد بها قصد العمل و صدوره عن اختيار و لا ريب في اعتبارها بهذا المعنى لان الفعل غير الاختياري خارج عن دائرة التكليف و الآتي بالفعل من غير قصد و لا اختيار لا يكون آتيا بالمأمور به من دون فرق بين كون الواجب تعبديا أو توصّليا الّا فيما إذا علم بحصول الغرض بالفعل غير الاختياري

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 309

[الثاني: الطهارة من الأكبر و الأصغر]
اشارة

الثاني: الطهارة من الأكبر و الأصغر فلا يصحّ من الجنب و الحائض و من كان محدثا بالأصغر من غير فرق بين العالم و الجاهل و النّاسي (1).

______________________________

فيجتزئ به لا لإتيان المأمور به بل لسقوط الأمر بحصول الغرض كغسل الثوب الذي يجتزي به و لو بسبب إطارة الريح و نحوها.

و اخرى يراد بها قصد القربة و هذا أيضا مما لا ريب فيه و يدل على ذلك مضافا الى الضرورة و الارتكاز، الكتاب و السنة. و يرد على المتن انّ تفسير النية بقصد القربة كما يدل عليه التفريع لا مجال له بوجه فإنّك عرفت ان القربة من الخصوصيات المعتبرة في النية و الّا فمعناه هي النية المتعلقة بالطواف بعنوان الجزئية للحج أو العمرة.

كما انه يرد على الشرح انّ احتمال كون المراد من النيّة هي قصد الفعل و صدوره عن ارادة و اختيار ممّا لا وجه لتوهّمه أصلا فإنه كيف يمكن ان يحمل كلمات القوم الدالة على اعتبار النية على كون المراد منها ذلك و لو على سبيل الاحتمال بل التحقيق في معنى النيّة ما ذكرنا.

و ينبغي هنا التنبيه على

أمر و هو انّ متعلق النية في باب الطواف و السعي و كذا الوقوفين و سائر أعمال الحج أو العمرة هي نفس تلك العناوين و لا يجري فيها ما افاده الماتن قدّس سرّه في بحث ماهية الإحرام من استحالة تعلق النية بعنوان الإحرام بل اللازم تعلق النية بعنوان الحج أو العمرة و نحن و ان منعنا الاستحالة بالتقريب المتقدم في ذلك البحث الّا انه قلنا بأن المنوي هو أحد العنوانين لقيام الدليل عليه و ان كان لا يتحقق محذور لو فرض قيام الدليل على لزوم تعلّق النيّة بنفس عنوان الإحرام و كيف كان فأمر الإحرام يغاير الطواف و مثله من الاعمال حيث تتعلق النية بنفس عناوينها بلا اشكال.

(1) الظاهر تسالم الأصحاب تبعا للروايات على اعتبار الطهارة من الحدثين في الطواف الواجب في الجملة كما ان الظاهر تحقق الشهرة على عدم الاعتبار في المندوب خلافا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 310

..........

______________________________

لما عن أبي الصلاح من وجوبها فيه أيضا كما ان الظاهر الاتفاق على كون الشرطية في الواجب شرطية مطلقة من دون فرق بين العالم و الجاهل و الناسي نعم ظاهر ما حكي عن الشيخ من حمل الرواية الآتية الدالة على عدم البأس بما إذا وقع الطواف من غير وضوء على الناسي و الساهي عدم كون الشرطية عنده شرطية مطلقة و كيف كان فالأخبار الواردة في هذا المجال على ثلاث طوائف.

الطائفة الأولى ما تدل على الاعتبار مطلقا من دون فرق بين الواجب و المستحبّ مثل:

صحيحة على بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام قال سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب فذكر و هو في الطواف قال يقطع الطواف

و لا يعتدّ بشي ء ممّا طاف، و سألته عن رجل طاف ثم ذكر انه على غير وضوء قال: يقطع طوافه و لا يتعد به «1».

و رواية على بن الفضل الواسطي عن أبي الحسن عليه السّلام قال إذا طاف الرجل بالبيت و هو على غير وضوء فلا يعتد بذلك الطواف و هو كمن لم يطف «2».

الطائفة الثانية ما تدل على عدم الاعتبار مطلقا كذلك و هي رواية واحدة رواها الشيخ بإسناده عن زيد الشحام عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل طاف بالبيت على غير وضوء قال لا بأس «3».

الطائفة الثالثة ما تدل على التفصيل بين الطواف الواجب و المندوب و هي كثيرة مثل:

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثامن و الثلاثون، ح 4.

(2) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثامن و الثلاثون، ح 11.

(3) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثامن و الثلاثون، ح 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 311

..........

______________________________

صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أحدهما عليهما السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة و هو على غير طهور قال:

يتوضّأ و يعيد طوافه و ان كان تطوّعا توضّأ و صلى ركعتين «1». و الظاهر بملاحظة التعبير بالإعادة في الجواب كون مورد السؤال هو وقوع الطواف كذلك في حال الجهل أو النسيان لان هذا التعبير لا يناسب العالم لانه لا يكون في مقام الامتثال و الإتيان بالمأمور به و العبادة المناسبة له هو إيجاب الإتيان بالمأمور به دون الإعادة و لأجله نقول باختصاص حديث لا تعاد المعروف في باب الصلاة بغير العالم لأجل التعبير فيه بالإعادة.

و رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انه قال لا بأس ان يطوف الرجل النافلة على

غير وضوء ثم يتوضّأ و يصلي فان طاف متعمدا على غير وضوء فليتوضّأ و ليصلّ، و من طاف تطوّعا و صلّى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين و لا يعد الطواف «2».

و صحيحة معاوية بن عمّار قال قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام لا بأس ان يقضى المناسك كلّها على غير وضوء الّا الطواف بالبيت و الوضوء أفضل «3». و المراد من الذيل هو الوضوء في غير الطواف من سائر المناسك كما ان موردها الطواف الواجب و لا تشمل الطواف المندوب، و غير ذلك من الروايات الواردة في هذه الجهة.

و مقتضى الجمع بين الطوائف الثلاث هو جعل الطائفة الثالثة شاهدة للجمع بين

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثامن و الثلاثون، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثامن و الثلاثون، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثامن و الثلاثون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 312

[مسألة 1- لو عرضه في أثنائه الحدث الأصغر]

مسألة 1- لو عرضه في أثنائه الحدث الأصغر فإن كان بعد إتمام الشوط الرّابع توضّأ و اتى بالبقيّة و صحّ، و ان كان قبله فالأحوط الإتمام مع الوضوء و الإعادة. و لو عرضه الأكبر وجب الخروج من المسجد فورا و أعاد الطواف بعد الغسل لو لم يتمّ أربعة أشواط و الّا أتمّه (1).

______________________________

الطائفتين الأوليين و التفصيل بين الطواف الواجب بالحكم باعتبار الطهارة فيه مطلقا من دون فرق بين العالم و الجاهل و الناسي و بين المندوب بالحكم بعدم الاعتبار فيه كذلك كما عليه المشهور هذا مضافا الى ضعف سند رواية زيد الشحّام بابي جميلة.

ثم لا يخفى انّ الرواية النبوية العامية المذكورة في سنن البيهقي و كنز العمّال من قوله صلّى اللّٰه عليه و آله

الطواف بالبيت صلاة لا ارتباط لها بالمقام فانّ التنزيل لا يدل على اعتبار ما كان معتبرا في الصلاة في الطواف أيضا بل ظاهرها انّ تحيّة المسجد الحرام تتحقق بالطواف كما ان تحيّة سائر المساجد تتحقق بخصوص الصّلاة و ان الطواف مثلها في الفضيلة فلا ارتباط لهذه الرواية بالمقام و مثله.

(1) أقول الترتيب الطبيعي يقتضي تقديم البحث عن الفرض الثاني كما ان الظاهر ثبوت الصّورتين للفرض الثاني و يختلف حكمهما و عليه فالفروض ثلاثة لا بد من البحث في كل منها مستقلّا.

الفرض الأوّل ما لو عرضه الحدث الأصغر الذي يكون المراد به بحسب الظاهر هو الحدث غير الاختياري قبل بلوغ النصف الحقيقي من الطواف أعني ثلاثة أشواط و نصفا و الظاهر اتفاق الفتاوى فيه على البطلان و لزوم الوضوء و استيناف الطواف من رأس بل عن المدارك هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب و عن ظاهر المنتهى الإجماع عليه، و لم ينقل الخلاف فيه من أحد نعم حكى عن الصدوق في الفقيه انّ الحائض تبنى مطلقا استنادا إلى رواية صحيحة دالة على ذلك و ان كان في مقابلها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 313

..........

______________________________

روايات متعددة ظاهرة في البطلان و قد قدّمنا البحث في عروض الحيض في أثناء الطواف مفصّلا فراجع.

و كيف كان فيمكن ان يقال بان عروض الحيض في أثناء الطواف في هذا الفرض إذا لم يكن موجبا للبطلان فعروض الحدث الأصغر لا يكون كذلك بطريق اولى و لكن الظاهر عدم التزام الصدوق بذلك بل يكون الحكم مختصّا بالحيض فلا يوجد مخالف في المقام.

و بعد ذلك يقع الكلام في مستند فتاوى الأصحاب و البحث فيه يقع تارة من جهة

ما هو مقتضى القاعدة بعد دلالة الأدلة المتقدمة على شرطية الطهارة للطواف و اخرى من جهة ما ورد من الروايات في خصوص المقام.

فنقول: امّا من الجهة الأولى فربما يستدل للفتاوى بان مقتضى أدلة شرطية الطهارة بطلان الطواف مع عروض الحدث في الأثناء لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه كبطلان الصلاة بذلك غاية الأمر قيام الدليل في المقام على عدم البطلان بالعروض بعد تمامية الشوط الرابع و امّا في الفرض الذي هو محل البحث فلم يدل دليل على الصحة بل اللازم رعاية القاعدة المقتضية للبطلان كما في باب الصّلاة.

و أورد عليه بعض الاعلام قدّس سرّه بما حاصله: انّ المانعيّة في الصلاة شي ء و القاطعية شي ء أخر و أدلة اعتبار الطّهارة مثل قوله: لا صلاة الا بطهور لا يستفاد منها الّا لزوم اقتران أجزاء الصلاة بالطهارة و امّا الأكوان المتخلّلة فلا يعتبر فيها الطهارة فلو صدر الحدث في الأثناء يتوضّأ و يأتي بالأجزاء اللاحقة و عليه يكون جميع الأجزاء مقرونة بالطهارة الّا انّه دلّ دليل خاص على قاطعية الحدث و انه موجب لعدم قابلية لحوق الأجزاء اللاحقة بالسابقة و عليه فالفساد في باب الصلاة لأجل قيام الدليل على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 314

..........

______________________________

القاطعية لا لأجل اعتبار الطهارة فيها.

و امّا الطواف الذي هو اسم للأشواط السبعة فالأدلة دلت على اشتراطه بالطهارة فاللازم إيقاع الأشواط كذلك و امّا اعتبار كون الطهارة شرطا في الأكوان المتخلّلة و كون الحدث قاطعا كما في الصلاة فلا دليل عليه.

و الجواب عن هذا الإيراد مضافا الى الخلط بين الشرطيّة و المانعية فإنّ لازم كون الشي ء شرطا ليس ان يكون عدمه مانعا كما في العكس بل الشرطية أمر و المانعية

أمر أخر و ظاهر اعتبار الطهارة في الصلاة في مثل القول المزبور هي الشرطية دون المانعية، و إلى ان مقتضى ما افاده عدم قدح الإتيان بشي ء من الموانع في الأكوان المتخلّلة فإذا لبس ما لا يوكل لحمه أو شيئا نجسا مما تتم فيه الصلاة منفردا أو استدبر القبلة في بعض تلك الأكوان لا يكون شي ء من ذلك قادعا في الصحة لعدم وقوع شي ء من أجزاء الصلاة مع المانع و لا يجوز الالتزام به بوجه.

انّ الظاهر كون تلك الأكوان المتخلّلة غير خارجة عن الصلاة فإن الظاهر انه بالنيّة و تكبيرة الإحرام يدخل في الإحرام الصغير المتحقق في الصلاة و يخرج من الإحرام بسبب التسليم فالمصلّي في جميع الحالات يكون في الصّلاة و محرما بالإحرام الصّلاتي و عليه فإذا قام الدليل على شرطية الطهارة في الصلاة أو على مانعية لبس غير المأكول فيها فمقتضاه عدم وقوعها صحيحة مع فقدان الشرط و لو في بعض تلك الأكوان المتخلّلة و لا يحتاج الى قيام دليل أخر و هكذا بالنسبة إلى وجود المانع و يؤيده بل يدل عليه ان المتشرعة لا يرى المصلى في تلك الأكوان خارجا عن الصلاة بحيث يتحقق الخروج و الدخول مرّة بعد اخرى نعم الفرق بين المانع و القاطع انّ المانع بوجوده مضاد لنفس الصلاة و القاطع موجب لارتفاع الهيئة الاتصالية المعتبرة في الصلاة التي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 315

..........

______________________________

يستفاد اعتبارها كذلك من التعبير عنها بالقاطع في الأدلة و الفتاوى و قد مرّ تفصيل ذلك في كتاب الصلاة فراجع و الظاهر ان الطواف أيضا مثل الصلاة فإن حقيقته و ان كانت عبارة عن الدوران و الحركة الّا انه ليس

بحيث إذا وقف في أثنائه للاستراحة يسيرا أو لاستلام الحجر الذي هو مستحب يصدق عليه انه قد خرج عن الطّواف بل هو في مثل الحالتين مشتغل بالطواف غير خارج عنه فالدليل على اعتبار الطهارة في الطواف يدل على اعتبارها في جميع الحالات و مقتضاه البطلان مع عروض الحدث في الأثناء هذا ما تقتضيه القاعدة.

و امّا من الجهة الثانية فالرواية في المقام هي مرسلة جميل عن بعض أصحابنا التي رواها عنه ابن أبي عمير على نقل الشيخ أو مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا على نقل الكليني فقد روى عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يحدث في طواف الفريضة و قد طاف بعضه قال يخرج و يتوضّأ فإن كان جاز النصف بني على طوافه و ان كان أقلّ من النصف أعاد الطّواف «1».

و الإرسال لا يقدح في اعتبار الرّواية و ان قلنا بعدم اعتبار مراسيل مثل ابن أبي عمير كما هو الظاهر و ذلك لأنّ استناد الأصحاب الى هذه الرواية و الفتوى على طبقها خصوصا مع عدم نقل خلاف و لو كان شاذّا نادرا يجبر الضعف و تصير الرواية حجة معتبرة و على ما ذكرنا فالقاعدة و الرواية متطابقتان على الحكم بالبطلان في هذا الفرض.

ثمّ ان بعض الاعلام قدّس سرّه بعد ان رأى انسداد جميع الأبواب في هذا المجال من جهة الفتوى على طبق الأصحاب لأنّه رأي ان مقتضى القاعدة كما مرّ منه عدم الحكم

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الأربعون، ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 316

..........

______________________________

بالبطلان و لا يقول باعتبار مراسيل ابن أبي عمير و مثله أيضا و لا يذهب الى انجبار ضعف سند الرواية باستناد الأصحاب

إليها سلك طريقا أخر للوصول إلى صحة الفتاوى و محصّله انّ حدوث الحيض في أثناء الطواف و ان كان نادرا جدّا و لكنه قد كثر السؤال عنه في الرّوايات بخلاف صدور الحدث فإنه مع كثرة الابتلاء خصوصا من المريض و الشيخ و نحوهما خصوصا عند الرخام و مع ملاحظة افتقار الطواف الى زمان كثير و مع ذلك لم ينسب القول بالصّحة الى أحد من الأصحاب بل تسالموا على البطلان و هو يوجب الوثوق بصدور الحكم من الأئمة عليهم السلام و لو لم يكن كذلك لخالف بعض العلماء و لو شاذّا فمن ذلك يستكشف الحكم بالبطلان.

و يرد عليه مضافا الى منع كون عروض الحيض نادرا بخلاف الحدث فان الظاهر كون كليهما من المسائل المبتلى بها انّ وصول الحكم من ناحية الأئمة عليه السلام هل يكون من غير طريق الرواية و السؤال و الجواب أو البيان الابتدائي أو يكون كسائر الاحكام من طريق الرّواية لا مجال لادّعاء الأوّل بوجه و في الفرض الثاني يسأل عنه ما الوجه في عدم نقل الروايات و عدم وصولها إلينا فاللازم ان يقال امّا بدلالة الروايات الدالة على أصل شرطية الطهارة في الطواف على البطلان في هذا الفرض كما حققناه و امّا بصدور المرسلة المتقدمة عنهم الدالة على فتاوى الأصحاب و على اىّ تقدير يثبت المطلوب.

ثم انه ممّا ذكرنا ظهر ان الاحتياط الوجوبي المذكور في المتن الشامل مورده لهذا الفرض لا موقع له فإنّه بعد تطابق النص و الفتوى على البطلان لا تصل النوبة إلى الاحتياط المذكور المتحقق بالإتمام بعد الوضوء ثم اعادة مجموع الطواف من رأس نعم لا تنبغي المناقشة في كون مقتضى الاحتياط الاستحبابي ذلك هذا تمام الكلام في الفرض

الأوّل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 317

..........

______________________________

الفرض الثاني ما إذا عرضه الحدث بين النصف بالمعنى المذكور و تمامية الشوط الرّابع و مقتضى القاعدة فيه أيضا البطلان لكن لا بدّ من ملاحظة مفاد المرسلة المتقدمة تارة من جهة كلمة «النصف» المذكورة فيها و انه هل المراد منه هو النصف الصحيح يعني أربعة أشواط أو النصف الكسرى أعني ثلاثة و نصفا و اخرى من جهة عنوان التجاوز و الأقلية المذكورين فيها.

امّا من الجهة الأولى فربما يستبعد ان يكون المراد بالنصف هو النصف الواقعي الذي هو أحد الكسور التسعة المعروفة نظرا إلى انّه لو كان المراد بالنصف ذلك كان التعبير بالوصول الى الركن الثالث أسهل و اولى فإن النصف الكسرى هو الوصول الى الركن الثالث من دون فرق بين ما إذا كانت المسافة بينه و بين الكعبة قليلة أو كثيرة فإن الطواف حول الكعبة على نحو الدائرة و الوصول الى الركن الثالث هو النصف على كل تقدير.

و يدفعه انه لو كان المراد بالنصف هو الشوط الرابع التام لكان التعبير بتمامية الشوط الرابع أسهل و اولى لعدم احتماله خلاف المقصود بخلاف النصف الذي يجري فيه احتمالان فالاستبعاد المذكور في غير محلّه.

مضافا الى انّ الحكم بالصحة قد رتب في الرواية لا على النصف بل على التجاوز عن النصف فإذا كان المراد من النصف أربعة أشواط فاللازم تحقق التجاوز عنه في الحكم بالصحة و لذا حكى في الجواهر عن المسالك و المحقق الكركي تفسير التجاوز عن النصف بالأربعة و هو يدل على عدم كون المراد من النصف أربعة أشواط و كيف كان تفسير النصف بذلك خلاف الظاهر جدّا.

نعم يرد على ظاهر المرسلة عد تعرض الجواب بحسب

الظاهر لجميع الصور التي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 318

..........

______________________________

يدل عليه إطلاق السؤال و هو صيرورة الطائف الذي قد طاف بعض طوافه محدثا لأن الجملة الأولى متعرضة لحكم صورة التجاوز عن النصف و الجملة الثانية لحكم صورة الأقل من النصف فيبقى حكم صورة النصف غير مذكور في المرسلة و هو بعيد جدّا لان ظاهرها التعرض لحكم جميع الصّور فاللازم التأمل في مفاد الرّواية و هنا بعض الروايات الأخر الواردة في الحائض و يمكن استفادة حكم المقام منها.

مثل رواية إبراهيم بن إسحاق عمّن سئل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن امرأة طافت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت قال تمّ طوافها و ليس عليها غيره و متعتها تامّة و لها ان تطوف بين الصفا و المروة لأنّها زادت على النصف و قد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج و ان هي لم تطف إلّا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعرانة أو الى التنعيم فليتعمر «1».

و التحقيق في مفاد الرواية ان صيرورة المرأة حائضا بعد تمامية الطواف أربعة أشواط تكون مفروضة في كلام السّائل من دون ان يكون مذكورا في كلام الامام عليه السلام و قد حكم فيه بالصحة معلّلا بأنّها زادت على النصف فيدل على ان ملاك الحكم بالصحة هي الزيادة على النصف المتحققة في الطواف أربعة أشواط و لكنه لا دلالة له على انّه قبل تمامية الأربعة لا يمكن ان تتحقق الزيادة على النصف فيمكن ان تتحقق بزيادة ربع شوط واحد على النصف فهذا المقدار من الرواية شاهد على ان المراد من النصف ليس تمامية الشوط الرابع كما افاده بعض الاعلام قدّس

سرّه على ما عرفت كذلك شاهد على ان المراد بالتجاوز عن النصف ليس تمامية الشوط المذكور كما حكى عن الشهيد و المحقق الثانيين لان تطبيقه على مورد السؤال انّما هو باعتبار كونه أحد مصاديق

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الخامس و الثلاثون، ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 319

..........

______________________________

التجاوز لا منحصرا به بالإضافة إلى الأقل كما انه لا يكون منحصرا به بالإضافة إلى الأكثر.

نعم يبقى الكلام في ذيل الرواية و هو قوله عليه السلام: و ان هي لم تطف إلّا ثلاثة أشواط فإن الظاهر ان المراد به صورة عدم الزيادة كما انّ مقتضى التأمل في مفاد هذه الصّورة هو كون المراد بالزيادة المنفية هو تمامية الشوط الرابع فما زاد و هذا يظهر مع الالتفات أوّلا إلى كون هذه الصورة مفروضة في كلام الامام عليه السلام من دون ان يكون لها ارتباط بما هو المفروض في كلام السائل لأن مورد كلامه صورة تمامية أربعة أشواط، و مع الدقّة ثانيا في انّ مقتضى رعاية المناسبة في بادي النظر عدم عنوان هذه الصورة بالعبارة المذكورة في كلام الامام عليه السلام لانه بعد ما علّل الحكم بالصحة في مفروض السؤال بأنّها زادت على النصف يظهر ان الملاك في الحكم المذكور هو عنوان الزيادة على النصف ففي جانب النفي و الحكم بالبطلان و استيناف الطواف من رأس يكون التناسب موجبا لان يكون مورده و موضوعه هو عدم تحقق الزيادة على النصف كما في جميع موارد وجود التعليل إذا أريد بيان نفي الحكم المعلّل فان مورد النفي صورة عدم وجود العلة التي هي المناط في الحكم إثباتا و نفيا و عليه فلا بد ان يكون

للعدول عن التعبير بعدم الزيادة على النصف بالتعبير بأنّها لم تطف إلّا ثلاثة أشواط وجه افتضي ذلك و هذا الوجه ليس الّا ان المراد بالعبارة المذكورة عدم تمامية الشوط الرابع و ان زادت على النصف الكسرى الذي هو المعنى الظاهر للنصف و إذا كان المراد بها ذلك فيصير قرينة على ان المراد بالزيادة على النصف الواقعة علّة للحكم بالصحة في مورد السؤال هو تمامية الشوط الرابع فيظهر- ح- صحة ما حكى عن العلمين من تفسير التجاوز عن النصف بذلك فالرواية- ح- تدل على التفصيل في صورة عرض الحيض

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 320

..........

______________________________

بين ما إذا كان عروضه بعد تمامية الشوط الرابع فيصح و بين ما إذا كان عروضه قبلها فيبطل و تجب عليها الإعادة.

و يؤيد ما ذكرنا بعض الروايات الأخر مثل رواية إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام في رجل طاف طواف الفريضة ثم اعتلّ علّة لا يقدر معها على إتمام الطواف فقال: ان كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط فقد تمّ طوافه و ان كان طاف ثلاثة أشواط و لا يقدر على الطواف فان هذا مما غلب اللّٰه عليه فلا بأس بأن يؤخّر الطواف يوما أو يومين فان خلته العلّة عاد فطاف أسبوعا و ان طالت علّته أمر من يطوف عنه أسبوعا .. الحديث «1». فان هذه الرواية و ان كان في سندها سهل بن زياد و تكون واردة في المريض الذي صار المرض مانعا عن إتمام طوافه الّا انه حيث يكون الفرضين فيها واقعين في كلام الامام عليه السلام و قد جعل الفرض الثاني هو الطواف ثلاثة أشواط في قابل

الفرض الأول الذي هو تمامية أربعة أشواط يدل على ان المراد من الطواف ثلاثة أشواط هي صورة عدم تمامية الشوط الرابع و ان كان زائدا على النصف بالمعنى الذي استظهرناه أوّلا.

و بعد ذلك نرجع الى مفاد المرسلة المتقدمة التي هي المدرك في المقام و هو عروض الحدث في الأثناء فنقول ان المراد بالتجاوز عن النصف في الجملة الأولى بملاحظة ما ذكرنا هو تمامية الشوط الرابع و هو يصير قرينة على ان المراد بالأقل من النصف في الجملة الثانية بعد عدم إمكان الالتزام بعدم تعرض الرواية لبعض الموارد الذي يشمله إطلاق السؤال هو عدم تمامية الشوط الرابع و عليه فالمرسلة كما تدل على البطلان فيما إذا لم يبلغ النصف الكسرى كذلك يدلّ على البطلان فيما إذا بلغه و تجاوز

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الخامس و الأربعون، ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 321

[مسألة 2- لو كان له عذر عن المائيّة يتيمّم بدلا عن الوضوء أو الغسل]

مسألة 2- لو كان له عذر عن المائيّة يتيمّم بدلا عن الوضوء أو الغسل، و الأحوط مع رجاء ارتفاع العذر الصبر الى ضيق الوقت (1).

______________________________

عنه و لم يبلغ الشوط الرّابع فلا يبعد- ح- الفتوى بالبطلان في هذا الفرض كما في الفرض الأوّل و لا تصل النوبة إلى الاحتياط المذكور في المتن كما انه قد ظهر مما ذكرنا البحث في الجهة الثانية و لا حاجة الى الإعادة.

الفرض الثالث ما إذا عرضه الحدث الأصغر بعد تمامية الشوط الرابع و قد تبين مما ذكر في الفرض الثاني ان المراد بالتجاوز عن النصف الذي وقع في المرسلة موردا للحكم بالصحة هو تمامية الشوط الرابع و حيث انه لا مستند للأصحاب في الحكم بالصحة في هذا المورد الّا هذه الرواية فاللازم

ان يقال بانجبار ضعفها بسبب الإرسال باستناد الأصحاب إليها في الحكم بالصحة الذي هو على خلاف القاعدة المقتضية للبطلان هذا تمام الكلام في الحدث الأصغر.

و امّا الحدث الأكبر فالحكم فيه هو الحكم في الحدث الأصغر من التفصيل في الصحة و البطلان بين تمامية الشوط الرابع و عدمها لانه لا فرق بينهما من جهة اشتراط الطواف بالطهارة عنهما هذا مضافا الى مثل رواية إبراهيم بن إسحاق المتقدمة في الفرض الثاني الواردة في مورد عروض الحيض الذي هو الحدث الأكبر و قد عرفت ان مقتضى الدقة في مفادها هو التفصيل المذكور و من الواضح انه لا فرق بين الحيض و بين غيره من الاحداث التي هي مثله خصوصا مع ملاحظة ما عرفت في رواية إسحاق بن عمار من ثبوت هذا التفصيل بعينه في مورد المرض و العلة المانعة عن إتمام الطواف و عليه فالتفصيل المذكور يجري في جميع الموارد.

(1) أمّا أجزاء التيمم بدلا عن الوضوء فيما لو كان له عذر عن المائيّة فقد حكى الإجماع عليه و لم ينقل الخلاف فيه من أحد و يدل عليه إطلاق أدلّة مشروعية التيمّم و انه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 322

..........

______________________________

يبيح ما تبيحه الطهارة المائيّة و ان التراب أحد الطهورين يكفيك عشر سنين فالمتيمم كذلك واحد لما يكون الطواف مشروطا به من الطهارة و لا دليل على خلافه.

و امّا أجزاء التيمم بدلا عن الغسل فمقتضى القاعدة فيه ذلك كالفرض الأوّل لكن في الجواهر: «عن فخر المحققين عن والده انه لا يرى أجزاء التيمم فيه بدلا عن الغسل، بل في المدارك انه ذهب فخر المحققين الى عدم إباحة التيمم للجنب الدخول في المسجدين و لا

اللبث فيما عداهما من المساجد و مقتضاه عدم استباحة الطواف به، قلت هو كذلك لكن لا صراحة فيه ببطلان الطواف به مع النسيان و نحوه ممّا لا نهي معه من حيث الكون».

أقول: لو قلنا بمقالة فخر المحققين من عدم إباحة التيمم للجنب الدخول و لا اللبث لكن لا يستلزم ذلك الحكم ببطلان الطواف و لا حاجة الى توجيه الحكم بالصحة و تخصيصه بصورة النسيان كما صنعه صاحب الجواهر قدّس سرّه بل يصح الطواف معه مطلقا و لو في حال الالتفات و ذلك لاختلاف متعلقي الأمر و النهي و كون الموارد من صغريات مسألة اجتماع الأمر و النهي لا من مصاديق مسألة تعلق النهي بالعبادة و ذلك لان الأمر قد تعلق بعنوان الطواف الذي هي الحركة و الدوران حول الكعبة مع الشرائط المعتبرة فيها و الخصوصيات اللازمة من جهة الكمية و الكيفية و من جملة الشرائط الطهارة المائية أوّلا و الترابية لو كان له عذر عن المائية و المفروض وجودها و النهي تعلق بالكون في لمسجد الحرام و لا يرتفع بالتيمم بدلا عنه و لكن متعلق النهي أمر و متعلق الأمر أمر أخر و لا مانع من الاجتماع على ما هو مقتضى التحقيق في المسألة الأصولية كما ان المختار صحة المجمع لو كان عبادة و ان كان وجودا واحدا و كيف كان لا فرق بين المقام و بين المثال المعروف في تلك المسألة و هي الصلاة في الدار المغصوبة و عليه فالظاهر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 323

[مسألة 3- لو شك في أثناء العمل انه كان على وضوء]

مسألة 3- لو شك في أثناء العمل انه كان على وضوء فان كان بعد تمام الشوط الرّابع توضّأ و أتمّ طوافه و

صحّ، و الّا فالأحوط الإتمام ثم الإعادة. و لو شك في أثنائه في انه اغتسل من الأكبر يجب الخروج فورا فإن أتمّ الشوط الرابع فشكّ أتمّ الطواف بعد الغسل و صحّ و الأحوط الإعادة، و ان عرضه الشك قبله أعاد الطّواف بعد الغسل، و لو شك بعد الطواف لا يعتني به و يأتي بالطهور للأعمال اللّاحقة (1).

______________________________

الصحة على هذا التقدير أيضا.

(1) في هذه المسألة فروع:

الفرع الأوّل لو شك في أثناء الطواف انه هل كان شروع الطواف مع الوضوء أو بدونه و الظاهر انّ المقصود من هذا الفرع ما إذا لم تكن الحالة السابقة على الشروع في لطواف معلولة لأنه ان كانت تلك الحالة معلومة و كانت هي الطهارة فالظاهر بمقتضى الاستصحاب بقائها حال الشروع و بعده و عليه فيجوز الإتمام مطلقا من دون فرق بين صورة تمامية الشوط الرابع و صورة عدمها فلا يجب عليه الوضوء للإتمام و لا تجب عليه الإعادة بوجه، كما انه لو كانت تلك الحالة المتيقنة هي الحدث فالظاهر بمقتضى الاستصحاب بطلان ما اتى به من أشواط الطواف مطلقا لأن الطهارة كما مرّ في بحث اعتبارها في الطواف شرط مطلقا من دون فرق بين صور العلم و الجهل و الالتفات و النسيان فلا بد من ان يكون المراد من هذا الفرع ما ذكرنا من عدم معلومية الحالة السّابقة على الشروع في الطواف كما إذا توارد عليه حالتان من دون العلم بزمانهما و المتقدم و المتأخر منهما سواء قلنا بجريان الاستصحابين و تحقق التعارض و التساقط أو قلنا بعدم جريان استصحاب في البين أصلا.

و كيف كان فقد وقع التفصيل في المتن في هذا الفرع بين ما إذا كان الشك بعد تمامية الشوط

الرابع فحكم بالصحة و لزوم الوضوء للإتمام و بين ما إذا كان قبلها فاحتاط

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 324

..........

______________________________

وجوبا بالإتمام ثم الإعادة و الظاهر ان المقصود هي الإعادة مع الوضوء و يحتمل ان يكون المقصود هو الإتمام و الإعادة مع الوضوء في كليهما.

هذا و يظهر من صاحب الجواهر قدّس سرّه ان المعروف بل المصرح به في كلام العلّامة قدّس سرّه في جملة من كتبه هو البطلان من دون فرق بين الصورتين بل يظهر من محكي كشف اللثام الحكم بالبطلان إذا عرض الشك بعد تمامية الطواف أيضا و الوجه في البطلان لزوم إحراز الطهارة في مثل الطواف المشروط بها و لم يحرز في المقام على ما هو المفروض.

و قد احتمل في الجواهر بل مال الى لزوم تحصيل الطهارة بالإضافة الى ما بقي من اشواطه و الحكم بجريان أصالة الصحة فيما اتى به من الأشواط قال: «إذ هو باعتبار جواز ذلك فيه يكون كالعصر و الظهر اللذين لا يلتفت الى الشك في أثنائهما بعد تمام الأولى لأصالة الصحة و ان وجب الوضوء للعصر قال و لكن لم أجد من احتمله في المقام» و هو كما ترى لم يفرق في هذا الاحتمال بين الصّورتين.

نعم أورد عليه في كتاب «دليل الناسك» بان الوضوء للأشواط الآتية لغو لا يترتب عليه أثر لأنه ان كان متطهّرا واقعا لا يترتب على هذا الوضوء اثر و ان كان محدثا واقعا فالوضوء أيضا كذلك بعد وقوع الأشواط التي اتى بها من غير طهارة كما انه أورد عليه بعض الاعلام قدّس سرّه بالفرق بين صلوتي الظهر و العصر و بين الطواف و انه لا يمكن إجراء قاعدة الفراغ

في المقام نظرا الى ان صحة العصر لا تتوقف على صحة الظهر واقعا فان الترتيب بينهما ذكري فلو كان الظهر فاسدا واقعا صحّ عصره و لا مانع من ذلك.

و العمدة في الجواب كون الطواف عملا واحدا و ان كان مركّبا من سبعة أشواط و لا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 325

..........

______________________________

مجال لجريان قاعدة الفراغ بعد عدم تماميته و مقتضى القاعدة في باب الصلاة إذا عرض له الشك في الأثناء أيضا ذلك الّا انه قام الدليل على عدم قدح الشك المذكور في صحتها و لعلّه لأجل تخلل الفعل الكثير و هو الوضوء في أثنائها أو لزوم وقوع جميع الأكوان و السكوتات و السكونات المتخللة أيضا مع الوضوء و لا يمكن تحصيل ذلك بالوضوء في الأثناء فلأجل التسهيل قام الدليل الخاص على الصحة فيها و الّا فمقتضى القاعدة البطلان و هذا بخلاف الطواف الذي يمكن تحصيل الوضوء في أثنائه على ما عرفت و كيف كان فالعمدة في المقام ملاحظة مستند التفصيل المذكور في المتن مع عدم اشارة اليه في شي ء من الكلمات نفيا و إثباتا فهل يمكن ان يقال باستفادته مما ورد من الروايات المتقدمة في مسألة عروض الحدث الأصغر أو الأكبر في الأثناء التي وقع فيها التفصيل بين تمامية الشوط الرابع و عدمها و كذا ما ورد في المريض الذي عرض له المرض المانع عن الإتمام في الأثناء الذي فيه التفصيل كذلك كما عرفت نظرا الى انّ المستفاد منها ان الطواف كأنه يكون عملين مترتبين أحدهما تمامية أربعة أشواط و ثانيهما الأشواط الثلاثة الباقية فالشك في الطهارة قبل تمامية العمل الأول موجب لبطلانه بخلاف الشك فبها بعدها فإنه بمنزلة الشك

في الفراغ فيرجع ذلك الى كلام صاحب الجواهر غاية الأمر بهذا التفصيل لا بنحو الإطلاق المذكور فيه.

أو انه لا يمكن القول بالاستفادة المذكورة فإنّ تلك الروايات المفصّلة لا دلالة لها على الاستفادة المذكورة و لا اشعار فيها بكون الطواف عملين مترتبين و الظاهر هو هذا الاحتمال و عليه لا مجال لما في المتن من التفصيل بل مقتضى الاحتياط الوجوبي في كلتا الصورتين الوضوء ثم الإتمام و الإعادة.

الفرع الثاني ما لو شك في أثنائه في انه اغتسل من الحدث الأكبر قبل الطواف أم لا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 326

[الثالث: طهارة البدن و اللباس]
اشارة

الثالث: طهارة البدن و اللباس، و الأحوط الاجتناب عمّا هو المعفو عنه في الصّلاة كالدّم الأقلّ من الدّرهم و ما لا تتم فيه الصلاة حتى الخاتم، و اما دم القروح و الجروح فان كان في تطهيره حرج عليه لا يجب، و الأحوط تأخير الطواف مع رجاء إمكان التطهير بلا حرج بشرط ان لا يضيق الوقت كما ان الأحوط تطهير اللباس أو تعويضه مع الإمكان (1).

______________________________

و قد وقع فيه التفصيل أيضا بين الصورتين في المتن لكن مع الاختلاف بينه و بين الفرع الأوّل في ضم الاحتياط الاستحبابي في الصورة الاولى و الفتوى مكان الاحتياط الوجوبي في الصورة الثانية و الظاهر انّ الوجه في الاختلاف ثبوت الفرق بين الفرعين لا من جهة كون المفروض في الأوّل هو الحدث الأصغر و في الثاني هو الحدث الأكبر فقط بل من جهة كون مورد الفرع الأوّل صورة عدم إحراز الطهارة و عدم جريان شي ء من استصحابي الطهارة و الحدث و مورد الفرع الثاني صورة استصحاب بقاء الحدث الأكبر و اختلاف الموردين انّما هو باعتبار قلّة

مصاديق الحدث الأكبر و موارد تحققه بخلاف الحدث الأصغر الذي أنواع متعددة و لكل منها مصاديق متكثرة.

و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في ان مورد هذا الفرع ما إذا كان استصحاب الحدث الأكبر جاريا و يدل عليه الحكم في المتن بلزوم الخروج من المسجد فورا فان هذا الحكم لا يجتمع الّا مع ثبوت بقاء الحدث المذكور وجدانا أو تعبّدا و هذا هو الوجه أيضا في الفتوى بالبطلان فيما لو كان الشك قبل تمامية الشوط الرابع و الحكم بلزوم الإعادة بعد الاغتسال و امّا الحكم بالصحّة في الصورة الأخرى فمبناه ما أفاده في الفرع الأوّل من كون الشك بعد تمامية الشوط المذكور كأنّه يكون شكّا بعد الفراغ و مقتضى قاعدته الحكم بالصحة و لو في صورة جريان استصحاب الحدث لكن عرفت منّا الإشكال في ذلك و منه ظهر الحكم في الفرع الثالث المذكور في المتن.

(1) في اعتبار هذا الشرط جهات من الكلام:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 327

..........

______________________________

الجهة الاولى في أصل اعتباره و شرطيته في الجملة و قد حكى عن الأكثر الاعتبار بل عن الغنية الإجماع عليه لكن عن ابن الجنيد كراهته في ثوب اصابه دم لا يعفى عنه في الصّلاة، و عن ابن حمزة كراهته مع النجاسة في ثوبه أو بدنه و عن صاحب المدارك من المتأخرين الميل اليه.

و ما استدل به على الاعتبار أمور:

الأوّل النبوي العامي المعروف: الطواف بالبيت صلاة بعد وضوح شرطية الطهارة عن الخبث في باب الصلاة كالطهارة عن الحدث.

و قد مرّ الجواب عن الاستدلال به في شرطية الطهارة من الحدث و انّ هذا التنزيل لا دلالة له على اعتبار جميع ما يكون معتبرا في الصلاة في

الطواف أيضا بل المراد امّا التنزيل في الفضيلة و الرجحان و امّا كون تحية المسجد الحرام هو الطواف كما ان تحيّة سائر المساجد الصلاة هذا مضافا الى ضعفه من حيث السّند.

الثاني استلزام حرمة إدخال النجاسة في المسجد و ان لم تكن مسرية لبطلان الطواف معها و يظهر من الجواهر صحة هذا الاستدلال بناء على الحرمة المذكورة كما انه يظهر من صاحب المدارك ذلك حيث أجاب عنه بمنع المبنى و ان النجاسة إذا لم تكن متعدّية و لا هاتكة لحرمة المسجد لا يكون إدخالها بمحرّم.

و العجب ممن استدل بهذا الأمر فإنّ إدخال النجاسة في المسجد و لو كانت محرمة مطلقا لكنه لا يتّحد مع عنوان الطواف بوجه و ان كان على فرض الاتحاد أيضا لا يكاد يتحقق خلل في الطواف كما عرفت في الجنب المتيمم إذا دخل المسجد الحرام و قلنا بعدم إباحة التيمم للدخول و ذلك اي وجه عدم الاتّحاد في المقام انّ عنوان الإدخال و كذا الإبقاء لا يكون متّحدا مع الطواف و ان كان عنوان المكث متّحدا معه و عليه فهذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 328

..........

______________________________

الاستدلال في غاية الضعف.

الثالث و هو المهم الرواية الخاصة الواردة في المقام و هي رواية يونس بن يعقوب التي رواها الصدوق و الشيخ لكن في سند الصدوق حكم بن مسكين الذي لا يكون له توثيق خاص بل له توثيق عام و في سند الشيخ محسن بن احمد و هو لم يوثق و العجب جعلها في الوسائل و في الكتب الفقهية روايتين مع انه من الواضح كونها رواية واحدة رواها يونس بن يعقوب و السؤال و الجواب فيها واحد و ان كان

هناك اختلاف في التعبير:

ففي الأوّل قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام رأيت في ثوبي شيئا من دم و انا أطوف قال فاعرف الموضع ثم اخرج فاغسله ثم عد فابن على طوافك «1».

و في الثاني قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل يرى في ثوبه الدّم و هو في الطواف قال ينظر الموضع الذي رأى فيه الدّم فيعرفه ثم يخرج و يغسله ثم يعود فيتم طوافه «2». و دلالتها على اعتبار الطهارة في الأشواط الباقية بعد رؤية الدم واضحة فتدل على الاعتبار في الجميع لو كانت الرؤية قبل الشروع في الطواف و لا مجال لتوهم الفرق أصلا كما ان دلالتها على اعتبار طهارة البدن امّا من طريق الأولوية و امّا من جهة إلغاء الخصوصية أيضا كذلك و ضعف السند على تقديره نظرا الى عدم كفاية التوثيق العام منجبر باستناد المشهور إليها و هو جابر للضعف على فرضه لكن في مقابلها مرسلة ابن أبي نصر عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال قلت له رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه فقال أجزأه الطواف ثم ينزعه و يصلي في ثوب

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الخمسون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الخمسون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 329

..........

______________________________

طاهر «1». و لو لم يكن المراد منها الطواف في الثوب الكذائي نسيانا كما حكى انه أشار إليه الشيخ قدّس سرّه و قلنا بان موردها الطواف في الثوب المزبور عالما عامدا لكن حيث ان الرواية مرسلة أوّلا و معرض عنها عند الأصحاب ثانيا لا مجال للاعتماد

عليها في مقابل الرواية المتقدمة ثم انّ مقتضى إطلاق السؤال في الرواية و ترك الاستفصال في الجواب انه لا فرق في اعتبار الطهارة من الجنب بين الطّواف الواجب و المندوب و لا مانع من الفرق بين الطهارتين في الطواف المندوب حيث انّه قد دلّت الروايات التي تقدم بعضها على عدم اعتبار الطهارة من الحدث في الطواف المندوب غاية الأمر انه يعتبر في صلوته الطهارة و مقتضى إطلاق الرواية الواردة في المقام عدم الفرق بين الطوافين من هذه الجهة كما انه مقتضى الفتاوى أيضا على ما يظهر من صاحب الجواهر قدّس سرّه.

الجهة الثانية في انه هل يعتبر الاجتناب عما هو المعفو عنه في الصّلاة كالدّم الأقل من الدّرهم و ما لا تتم فيه الصلاة أم لا احتاط في المتن وجوبا الاجتناب و صرّح بتوسعة الحكم بالإضافة إلى الخاتم تبعا للعلّامة فيه و عليه فيتحقق الفرق بين الصلاة و بين الطواف.

و الظاهر انه في الدّم الأقل من الدرهم إذا كان في البدن أو الثوب يكون مقتضى إطلاق السؤال في الرواية و ترك الاستفصال في الجواب كما عرفت في الطواف المندوب الحكم بالاعتبار بصورة الفتوى كما صرّح به في الجواهر حيث قال: فالتحقيق عدم العفو في الأقل من الدّرهم و الظاهر انّ التنزل من الفتوى الى الاحتياط الوجوبي كما في المتن منشأه استبعاد كون الطواف أضيق حكما من هذه الجهة من الصلاة التي هي أمّ العبادات و في رأسها كما انه يمكن ان يكون منشأه انصراف السؤال في الرواية

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الخمسون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 330

..........

______________________________

الى الدّم الذي لا يكون معفوّا عنه في الصلاة

فلا يشمل مثل الأقل من الدرهم لكن في كلا الأمرين ما لا يخفى.

و امّا ما لا تتم فيه الصّلاة فقد عطفه في الجواهر على الأقلّ من الدرهم في الفتوى و في المتن أيضا في الاحتياط الوجوبي لكنّه استظهر بعض الاعلام قدّس سرّه عدم اعتبار طهارته نظرا الى عدم عدم صدق «الثوب» بصيغة المفرد المذكور في النص على مثل التكّة و القلنسوة و الجورب و ان صدق عليها الثياب فان الثوب ينصرف الى مثل القباء و الجبة و القميص و نحو ذلك و لا يصدق عليها جزما قال: و لا أقلّ من الشك فيرجع الى الأصل المقتضي لعدم الاعتبار.

أقول الظاهر انّ مراده قدّس سرّه صدق الثياب عليها في ضمن القباء و الجبة و نحوهما لا مستقلّا و عليه فيرجع الى التغليب الّذي مبناه على المسامحة و التجوز فلا فرق بين المفرد و الجمع كما ان الظاهر صدق كليهما نعم لا تنبغي المناقشة في خروج الخاتم عن دائرة الحكم لعدم صدق الثوب عليه بوجه و ان كان يصدق عليه أنّه ملبوس لكن عنوان اللبس أعمّ من الثوب.

الجهة الثالثة في دم القروح و الجروح و لا إشكال في عدم لزوم تطهيره إذا كان مستلزما للجرح و المشقة الرّافعة للحكم التكليفي و كذا الوضعي نعم في صورة عدم ضيق الوقت و إمكان تأخير الطواف و رجاء التطهير بلا حرج يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي التأخير.

و امّا إذا لم يكن مستلزما للحرج فيظهر من المتن من ناحية المفهوم وجوب التطهير لكن لا ظهور فيه في انّ هذا الوجوب هل هو على نحو الفتوى أو على سبيل الاحتياط الوجوبي و ان كان الذيل المتعرض لحكم اللباس في هذه الصورة يؤيد بل يدل

على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 331

[مسألة 4- لو علم بعد الطواف بنجاسة ثوبه أو بدنه حاله]

مسألة 4- لو علم بعد الطواف بنجاسة ثوبه أو بدنه حاله فالأصحّ صحّة طوافه، و لو شك في طهارتهما قبل الطواف جاز الطواف بهما و صحّ الّا مع العلم بالنجاسة و الشك في التطهير (1).

[مسألة 5- لو عرضته نجاسة في أثناء الطواف أتمّه بعد التطهير و صحّ]

مسألة 5- لو عرضته نجاسة في أثناء الطواف أتمّه بعد التطهير و صحّ، و كذا لو رأي نجاسة و احتمل عروضها في الحال، و لو علم انّها كانت من أوّل الطواف فالأحوط الإتمام بعد التطهير ثم الإعادة سيّما إذا طال زمان التطهير فالأحوط- ح- الإتيان بصلاة الطواف بعد الإتمام ثم اعادة الطواف و الصلاة و لا فرق في ذلك الاحتياط بين إتمام الشوط الرّابع و عدمه.

______________________________

الثاني و كيف كان فان كان المراد هو الفتوى فيرد عليه ان الفتوى و ان كانت حقّا لما مرّ من إطلاق السؤال و ترك الاستفصال الّا انه لا فرق بينه و بين الدم الأقلّ من الدرهم أصلا فكيف يكون الحكم في أحدهما بصورة الاحتياط و في الأخر بصورة الفتوى، و ان كان المراد هو الاحتياط الوجوبي فيرد عليه ما أوردناه عليه في الدّم الأقلّ.

(1) يقع الكلام في هاتين المسألتين في مقامات ثلاثة:

المقام الأوّل فيما لو شك في طهارة الثوب أو البد قبل الشروع في الطواف و لا بدّ من الأخذ بالحالة السابقة المعلومة ان كانت فان كانت الحالة السابقة هي الطهارة فمقتضى الاستصحاب بقائها و جواز الشروع في الطواف معه، و ان كانت الحالة السابقة هي النجاسة فمقتضى الاستصحاب بقائها و عدم جواز الشروع في الطواف معه الّا مع التطهير أو التبديل و ان لم تكن هناك حالة سابقة متيقنة فمقتضى قاعدة الطهارة ثبوتها و لازمها جواز الشروع من دون شي ء منهما و الحكم في

هذا المقام واضح.

المقام الثاني فيما لو رأي نجاسة في ثوبه- مثلا- في أثناء الطواف فتارة يعلم بالعروض في الأثناء و انه لم يقع شي ء من الأشواط التي اتى بها مع النجاسة و اخرى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 332

..........

______________________________

يحتمل عروضها في الأثناء و يحتمل عروضها قبل الشروع في الطواف و ثالثة يعلم بوقوع الأشواط السّابقة مع النجاسة غاية الأمر عدم العلم بها في الأثناء و قد حكم في المتن في لفريضين الأوّلين بالصحة و لزوم الإتمام بعد التطهير أو التبديل الذي هو اولى من التطهير في صورة الإمكان و احتاط وجوبا في الفرض الأخير بالإتمام بعد التطهير ثم الإعادة بالكيفية المذكورة في المتن مصرّحا في الذيل بأنه لا فرق بين إتمام الشوط الرابع و عدمه و ظاهره انه لا فرق بينهما في الفريضين الأوّلين أيضا و المحكي عن الشهيدين في الفرض الأخير حيث انّهما جزما بوجوب الاستيناف و الإعادة ان توقفت الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف و لما يكمّل أربعة أشواط هذا و الظاهر ان المستند في هذا المقام هي رواية يونس المتقدمة الواردة في أصل مسألة اعتبار الطهارة عن الخبث في صحة الطواف فانّ مقتضى إطلاق السؤال فيها و ترك الاستفصال في لجواب الشمول لجميع الفروض الثلاثة فإنه كما يصدق عنوان السؤال على الفريضين الأولين كذلك يصدق على الفرض الأخير فإنه أيضا رأي في ثوبه شيئا من الدم في حال الطّواف و عليه فمقتضى الرواية صحة الطواف في جميع الفروض الثلاثة و لزوم الإتمام بعد التطهير المستلزم للخروج و الغسل فضلا عن التبديل الّذي لا يحتاج الى ذلك من دون فرق بين تكميل أربعة أشواط و بين

عدمه.

و من الواضح انه لا مجال لاستفادة حكم المقام من الأدلة الواردة في الحدث المفصلة بين التجاوز عن النصف و بين عدمه بعد الاختلاف بينه و بين الخبث في كثير من الاحكام مع ان لازمة الحكم بوجوب الإعادة و الاستيناف و ان لم تتوقف الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف قبل تكميل أربعة أشواط بل لازمة الحكم بوجوب الإعادة في جميع الفروض الثلاثة لعدم الفرق في الحدث بينهما نعم ربما يقال انّ الأجود

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 333

..........

______________________________

الاستدلال لكلام الشهيدين بعموم ما دلّ على ان قطع الطواف قبل تجاوز الأربعة يوجب الاستيناف.

هذا و البحث في مفاد هذه الروايات و انّ القطع الموجب لذلك هل يختص بالقطع الاختياري كدخول البيت الوارد في المورد جملة منها أو يعمّ القطع اللازم لأجل تطهير الثوب موكول الى بحثه الآتي.

هذا و لكن كلام الماتن- قدس سره الشريف- لا يكون مبتنيا على هذا المبنى لتصريحه بالصحة في الفرضين الأولين مع فرض التطهير الذي يستلزم قطع الطواف عادة و كذا عرفت ان ظاهره فيهما بل صريحه في الفرض الأخير انه لا فرق بين إتمام الشوط الرابع و عدمه.

و عليه فيرد عليه سؤال الفرق بينهما و بينه بعد شمول رواية يونس لجميع الفروض الثلاثة و دلالتها على عدم قدح القطع و لزوم الخروج و التطهير ثم العود و البناء على طوافه.

كما انّ الظاهر ان مورد كلام الشهيدين هو خصوص الفرض الأخير و الّا فبالنسبة إلى الفرضين الأولين خصوصا الأوّل منهما يحكمان بالصحّة.

و كيف كان فان كان المستند الروايات الواردة في قطع الطواف فيرد عليه أوّلا عدم شمولها لمثل المقام مما يكون القطع وظيفة شرعية له بل

تختص بما إذا كان القطع اختياريّا له و ثانيا انه لو سلّمنا العموم و عدم الاختصاص فنقول انّ النّسبة بين تلك الروايات و رواية يونس بن يعقوب الواردة في أصل اعتبار الطهارة من الخبث في لطواف و ان كان عموما من وجه لاجتماعهما فيما إذا كانت رؤية الدم في الثوب مع توقف إزالتها على الخروج من الطواف و قطعه قبل ان يكمل أربعة أشواط فإن مقتضى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 334

..........

______________________________

تلك الروايات البطلان و مقتضى رواية يونس الصحّة و يفترقان في القطع لغير غرض تحصيل الطهارة كدخول البيت و نحوه و فيما إذا كان تحصيل الطهارة غير متوقف على القطع بل يمكن ان تتحقق بالتبديل حيث انّ الرواية تدل على جوازه بطريق أولى الّا انه لا بدّ من الحكم في مادة الاجتماع بما تقتضيه رواية يونس لان الفرضين الأوّلين الذين حكم فيهما الشهيدان و الامام الماتن- قدس اللّٰه أسرارهم- داخلان في مادة الاجتماع لحكمهم بالصحة فيهما و عليه فلا مجال لإخراج الفرض الثالث عن مادة الاجتماع و التفصيل بينه و بينهما فإذا كان الحكم فيهما مطابقا لما هو مقتضى رواية يونس فلا بد ان يكون الحكم فيه أيضا كذلك لا الفتوى بالبطلان و لا الاحتياط الوجوبي المذكور في لمتن و بعبارة أخرى دخول الفرضين الأولين دليل على جعل رواية يونس مقيدة لإطلاق تلك الروايات و- ح- لا بد من الأخذ بإطلاق الدليل المقيد كما في سائر الموارد و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لا مجال للفرق بين الفرضين الأولين و بين الفرض الأخير بل اللازم الحكم بالصحة في الجميع و على هذا يرتفع الاستبعاد في التفصيل

بين الأثناء و بين ما إذا كان العلم بوقوع الطواف مع النجاسة بعد إتمامه و الفراغ منه فان الحكم بالبطلان في الأوّل و لو في بعض فروضه و بين الحكم بالصحة في الثاني ممّا لا يجتمعان.

المقام الثالث فيما لو علم بعد الفراغ بوقوع جميع أشواط الطواف مع النجاسة و قد نفي وجدان الخلاف في مضي الطواف و صحته بل الاشكال فيه في الجواهر.

و ربما يقال انّ المستند فيه مرسلة البزنطي المتقدمة عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال قلت له رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 335

[مسألة 6- لو نسي الطّهارة و تذكر بعد الطواف أو في أثنائه]

مسألة 6- لو نسي الطّهارة و تذكر بعد الطواف أو في أثنائه فالأحوط الإعادة (1).

______________________________

فقال أجزأه الطواف ثم ينزعه و يصلي في ثوب طاهر «1». لكن صحة الاستناد بها مبتنية على كون مورد الرواية صورة العلم بوقوع الطواف في ثوبه الذي كان فيه الدم بعد الفراغ منه و على إحراز استناد الأصحاب إليها حتى يكون ضعف السند بالإرسال منجبرا به و كلا الأمرين ممنوعان فانّ الظاهر انّ موردها صورة العلم قبل الشروع في الطواف كما ان استناد الأصحاب إليها غير محرز.

و الظاهر ان المستند في الحكم بالصحة في هذا المقام ما مرّت الإشارة إليه من دلالة رواية يونس على صحة ما مضى من الأشواط فيما لو علم في الأثناء و لو في الفرض الأخير الذي يعلم بوقوع الأشواط الماضية مع النجاسة نظرا إلى انه لا فرق بين الأشواط الماضية و بين مجموع الطواف لعدم الفرق في اعتبار الطهارة من الخبث بين الأشواط أصلا فإن كل شوط بل

كل جزء من الشوط لا بدّ و ان يقع مع الطهارة فإذا دلت الرواية على صحة ما مضى و لو كان مع النجاسة لكنه لم يكن عالما بذلك حين الإتيان به فمقتضاها الصحة لو كان العلم بعد الفراغ من الطواف أيضا لو لم يكن الثاني أولى باعتبار عدم وقوع العلم بالنجاسة في أثناء الطواف و لو لم يكن في اجزائه في الثاني دون الأوّل.

(1) المعروف صحة الطواف في صورة نسيان الطهارة و التذكر بعده أو في الأثناء لكن عن الشهيد في الدروس التصريح بالبطلان حيث عطف النسيان على التعمد قال:

«و لو طاف في ثوب نجس أو على بدنه نجاسة أعاد مع التعمد أو النسيان و لو لم يعلم حتى فرغ صحّ، و لو علم في الأثناء أزالها و أتمّ ان بلغ الأربعة و الّا استأنف».

و ربما يقال بأنه لا يبعد دعوى إطلاق رواية يونس الواردة في أصل المسألة باعتبار

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الخمسون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 336

[الرّابع: ان يكون مختونا و هو شرط في الرجال لا النّساء]

الرّابع: ان يكون مختونا و هو شرط في الرجال لا النّساء، و الأحوط مراعاته في الأطفال، فلو أحرم الطفل الأغلف بأمر وليّه أو احرمه وليّه صحّ إحرامه و لم يصحّ طوافه على الأحوط، فلو أحرم بإحرام الحج حرم عليه النّساء على الأحوط و تحلّ بطواف النساء مختونا أو الاستنابة له للطواف، و لو تولّد الطفل مختونا صحّ طوافه (1).

______________________________

ترك الاستفصال للجهل و النسيان مع انّ الظاهر بطلان هذه الدعوى لان التعبير الوارد في سؤال الرواية لا يلائم مع النسيان بوجه بل ظاهره خصوص صورة الجهل لكنها شاملة للفروض الثلاثة المتقدمة.

و العمدة في الحكم بالصحة في

صورة النسيان عدم نهوض دليل على البطلان فيها فانّ المستند في أصل اعتبار الطهارة ان كان مثل قوله صلّى اللّٰه عليه و آله الطواف بالبيت صلاة لكان الدليل على البطلان في صورة النسيان موجودا إلا انك عرفت عدم تماميته سندا و دلالة و العمدة رواية يونس و هي لا تدل على الشرطية في حال النسيان بوجه بل مفادها الشرطية في حال العلم في مقابل الجهل و لو فرض وجود دليل دالّ على شرطية الطهارة مطلقا لكان مقتضى حديث رفع الخطأ و النسيان رفع الشرطية في حال النسيان و بالجملة الظاهر الصحة في مفروض المسألة نعم لو وقعت صلاة الطواف كذلك تكون باطلة.

(1) اعتبار شرطية الختان في صحة الطواف بالإضافة إلى خصوص الرجال واجبا كان أو مندوبا مما نفي وجدان الخلاف فيه في الجواهر بل عن الحلبي انّ إجماع آل محمد- صلوات اللّٰه عليه و عليهم أجمعين- عليه لكن عن المدارك انه نقل عن ابن إدريس التوقف في ذلك لكن ذكر صاحب الجواهر: انا لم نتحقّقه و أضاف اليه ان عدم ذكر كثير له على ما في كشف اللثام ليس خلافا محقّقا.

و العمدة الروايات الكثيرة الواردة في المقام مثل:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 337

..........

______________________________

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: الأغلف لا يطوف بالبيت و لا بأس ان تطوف المرأة «1». و من الواضح انّ النهي لا يكون نهيا تكليفيا بل إرشاد إلى فساد طواف الأغلف غير المختون إذا كان رجلا.

و رواية إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يسلم فيريدان يحج و قد حضر الحج ا يحجّ أم يختتن قال لا

يحجّ حتى يختتن «2».

و صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال لا بأس ان تطوف المرأة غير المخفوضة، فأمّا الرجل فلا يطوف الّا و هو مختتن «3».

و رواية حنان بن سدير قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن نصراني أسلم و حضر الحج و لم يكن اختتن ا يحجّ قبل ان يختتن قال لا و لكن يبدأ بالسنّة «4». فلا إشكال في أصل الاعتبار و كذا في الاختصاص بالرجال في مقابل النساء هذا بالنسبة الى غير الطفل و امّا الطفل المذكر فقد وقع فيه الاختلاف و قد استظهر من المحقق في الشرائع و بعض أخر عدم الاعتبار في الصبيّ و حكى عن بعض أخر الاعتبار و في المتن اعتباره بنحو الاحتياط الوجوبي و ظاهر الجميع بل صريح المتن انه لا فرق بين المميز و غيره و اختار بعض الاعلام قدّس سرّه التفصيل بين الصبي المميز الذي يطوف بنفسه و بين الصبي غير المميز الذي يطاف به فيعتبر في الأوّل دون الثاني.

و العمدة في هذه الجهة صحيحة معاوية بن عمّار الواردة في الأغلف لأن غيرها واردة في مورد الرجل الذي يكون المتبادر منه هو المذكر البالغ و ان كان يمكن ان

______________________________

(1) الوسائل أبواب مقدمات الطواف الثالث و الثلاثون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب مقدمات الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 2.

(3) الوسائل أبواب مقدمات الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 3.

(4) الوسائل أبواب مقدمات الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 338

..........

______________________________

يقال بأن قرينة المقابلة تقتضي ان يكون المراد به جنس المذكر أعم من البالغ.

و كيف كان فهذه الصحيحة واردة في الأغلف الذي

يشمل غير البالغ و لا اختصاص له به لكن لا بد من النظر في دلالتها من وجهين الأوّل انه يمكن ان يقال كما قيل بأنّ النّهي عن الطواف بالإضافة إلى الأغلف قرينة على كون المراد به هو البالغ لأنّ غيره لا يكون مكلّفا بتكليف إلزامي و ان قلنا بشرعية عبادات الصبي كما هو مقتضى التحقيق و الظاهر ان البحث في المقام متفرع على هذا القول لانه على تقدير عدمها و كون عباداتها تمرينية محضة لا مجال لدعوى اعتبار الختان في طوافه يعني في صحته و مشروعيته.

و كيف كان فمقتضى هذا الوجه اختصاص الأغلف في الصحيحة بالبالغ لعدم توجه التكليف الإلزامي إلى الصبي بوجه و الجواب عن هذا الوجه ان الظاهر كون النهي في لصحيحة إرشادا إلى فساد الطواف في حال كون الطائف أغلف فالنهي دال على شرطية الختان أو مانعية الاغلفية و من الواضح انه لا فرق في الأحكام الوضعية بين البالغ و غيره كسببية إتلافه للضمان و اشتراط صلوته بالطهور و أشباههما.

هذا و الظاهر ان دلالة مثل هذا النهي على الحكم الوضعي لا تكون تابعة للدلالة على الحكم التكليفي كما يظهر من صاحب الجواهر قدّس سرّه بل النهي الدال على الحكم الوضعي قسيم للنهي الدال على الحكم التكليفي و لا يكون في البين أصالة و تبعية بوجه.

الثاني ما افاده بعض الاعلام قدّس سرّه من ان الأغلف في الصحيحة و ان كان شاملا لمطلق الذكر الّا انه مع ذلك لا يمكن الحكم بالتعميم و الالتزام باعتباره في الصبي غير المميّز لان موضوع النهي هو الشخص الذي يطوف بنفسه و يكون مأمورا بالطواف بنفسه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 339

..........

______________________________

و امّا

الذي يطاف به و لا يطوف بنفسه فلا أمر له بالطواف لانه متوجه إلى الوليّ فمقتضى الأصل- ح- عدم الاعتبار في الصّبي غير المميّز و فيه انه ان كان الفرق في مجرد الطواف بنفسه و الطواف به فلازمه تعميم الحكم بعدم اعتبار الختان في كل من لا يطوف بنفسه بل يطاف به و ان كان بالغا كما إذا كان مريضا لا يقدر على ان يطوف بنفسه و من الواضح عدم إمكان الالتزام به بوجه.

و ان كان الفرق من جهة كون التكليف متوجها الى الولي في الصبي غير المميّز و الى الطائف الذي يطوف بنفسه في غيره فيرد عليه انه لا دلالة للصحيحة على هذا الفرق بوجه فانّ مفادها اعتبار الختان في الطواف بما هو طواف من دون فرق بين من توجّه اليه التكليف و عليه فالتفصيل الظاهر في هذا المقام هو الفتوى بالاعتبار في الصبيّ المميّز و الاحتياط المطلق في الصبي غير المميّز لا الحكم بعدم الاعتبار.

ثم انّ الظاهر من النصوص و الفتاوى ان الختان المعتبر انّما هو الختان بمعناه الاسم المصدري و هو كونه مختونا لا بمعناه المصدري و هو صدور الختان منه و لو بالتسبيب و عليه فلو تولّد الطفل مختونا كما قد يتفق في الخارج لا يحتاج صحة طوافه من هذه الجهة إلى شي ء أخر بل يصح طوافه كذلك.

بقي في هذا المقام فرعان لم يقع التعرض لهما في المتن.

الفرع الأوّل انه لو حصلت له الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج و تعذّر عليه الختان في عام الاستطاعة لضيق الوقت أو غيره من الجهات ففيه وجوه بل أقوال ثلاثة:

الأوّل سقوط شرطية الختان و اعتبار التمكن في اعتباره قال في الجواهر بعد حكاية هذا القول

عن القواعد و غيرها: «و لعلّه لاشتراط التكليف بالتمكن كمن لم يتمكن من الطهارة مع عموم أدلة وجوب الحج و العمرة».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 340

..........

______________________________

و لكنك عرفت انّ النهي الوارد في مثل المقام ليس نهيا تكليفيّا حتى يكون مشروطا بالقدرة كسائر الشرائط العامة بل نهي وضعي مفاده الإرشاد إلى الشرطية أو المانعيّة و ظاهر إطلاق دليله الشرطية المطلقة أو المانعية كذلك و لازمة عدم التمكن من أصل الطواف لعدم التمكن من شرطه.

الثاني ما احتمله في محكي كشف اللثام من انه يكون كالمبطون في وجوب الاستنابة.

و يرد عليه انّه ان أراد استفادة حكم المقام ممّا ورد في المبطون فالظاهر عدم تماميتها لانه يمكن ان يكون للمبطون من جهة استلزام داية لأمرين و هما نقض وضوئه و دخول النجاسة في المسجد الحرام و لو لم تكن متعدية و لا هاتكة خصوصية مانعة عن استفادة حكم المقام الذي يكون فاقدا للختان فقط نعم تمكن الاستفادة منه و من أشباهه و نظائره على ما يأتي تفصيله.

الثالث ما احتمل اتجاهه صاحب الجواهر من سقوط الحج عنه في عام الاستطاعة و لزوم الإتيان به مع الختان في العام القابل نظرا الى فوات المشروط بفوات شرطه قال:

«بل لعلّ خبر إبراهيم بن ميمون لا يخلو عن اشعار بذلك و ان كان هو غير نص في انه غير متمكن من الختان لضيق الوقت و ان عليه تأخير الحج عن عامه لذلك فانّ الوقت انّما يضيق غالبا عن الاختتان مع الاندمال فأوجب عليه السلام ان يختتن ثم يحج و ان لم يندمل».

و صريح بعض الاعلام قدّس سرّه اختيار هذا الوجه نظرا إلى انه لا يتمكن من الحج في

هذه السنة لعدم تمكنه من الطواف مع الختان و لا دليل على الاستنابة في خصوص هذا الفرض لأنّها انما تجب في فرض الاستطاعة و المفروض ان هذا الشخص غير مستطيع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 341

..........

______________________________

و قد استفاد من روايتي حنان بن سدير و إبراهيم بن ميمون المتقدمتين ذلك و ان المتفاهم منهما دوران الأمر في عام الاستطاعة بين الحج و الخروج مع الرفقة و بين ان يختتن و لكن لو اختتن لا يتمكن من الحج في هذه السنة و قد وقع فيهما الحكم بتأخير الحج و لزوم البدأة بالختان.

أقول امّا الروايتان اللتان تكون إحديهما معتبرة فلا ظهور في شي ء منهما على دوران الأمر بين الحج و بين الختان بحيث كان محطّ السؤال و مورد نظر السائل عدم إمكان الجمع بينهما بعد الإسلام و حضور الحج حتى يكون مقتضى انطباق الجواب على مورد السؤال لزوم تأخير الحج الى العام القابل بل ليس في شي ء من السؤال و الجواب إشارة إلى العام الفعلي و العام القابل و عليه فلوم لم تكن الروايتان ظاهرتين في خصوص عام واحد نظرا الى ان محطّ السؤال انه بعد صيرورة الرجل مسلما و المفروض كونه مستطيعا هل يجب عليه الجمع بين الختان و الحج أو يجوز له تأخير الختان عن الحج لا تكونان ظاهرتين فيما افاده كما اعترف به صاحب الجواهر و ان نفي خلو الرواية عن الاشعار بذلك لكن الظاهر عدم تحقق الاشعار فيها أيضا مع ان الإشعار لا حجيّة فيه أصلا.

و التحقيق ان يقال انّ تعذر الختان لضيق الوقت أو غيره لا يوجب فقدان الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج حتى لا يجب عليه

الحج في هذا العام بل في العام القابل مع تحصيل الشرط و ذلك يظهر بملاحظة الموارد المشابهة التي حكموا فيها بالاستنابة فإنه لو علمت المرأة المستطيعة في انّ أيام عادتها تصادف مع أيّام الطواف بحيث لا تقدر على الطواف في غيرها فهل يمكن الحكم بعدم وجوب الحج عليها في هذا العام بمجرد العلم المذكور أو انّ اللازم عليها الحج و الاستنابة في الطواف كما فيما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 342

..........

______________________________

لو عرض لها الحيض بالكيفية المذكورة من دون سبق علمها به و كذلك المبطون الذي ذكره كاشف اللثام فإنّه يجب عليه الحج و الاستنابة في الطواف و لو علم أو احتمل علاج مرضه في لعام القابل و غير ذلك من الموارد.

و عليه فلا يجوز بمقتضى القاعدة تأخير الحج عن عام الاستطاعة مع لزوم رعاية الفورية فيه و عدم تأخيره عنه بل يستنيب في الطواف فقط و يجزي عن حجة الإسلام.

الفرع الثاني ما إذا لم يكن متمكنا من الختان أصلا للحرج أو غيره و قد ظهر مما ذكرناه .. في الفرع الأوّل عدم سقوط الحج عنه بالمرة كما حكى عن البعض بل يجب عليه الحج غاية الأمر الاستنابة للطواف لعدم كونه متمكنا من الإتيان به مع شرطه و هو الختان لكن بعض الاعلام قدّس سرّه مع تصريحه في الفرع الأوّل بعدم كونه مستطيعا فلا يجب عليه الحج في عام الاستطاعة بل يؤخّره إلى العام القابل صرّح هنا بوجوب الحج عليه لأن الاستطاعة الماليّة كافية في وجوب الاستنابة نظير المريض الذي لا يرجو زوال مرضه فلا وجه لسقوط الحج عنه بل يحج و يستنيب للطواف لعدم إمكان طوافه بنفسه و لا

الإطافة به.

و يرد عليه انه لم يعلم وجه الفرق بين الفرعين بالحكم بعدم الاستطاعة هناك و الحكم بثبوتها هنا و التنظير بالمريض المذكور في غير محلّه فإنه قد تقدم في مباحث الاستطاعة ان المريض الذي تجب عليه الاستنابة هو من استقر عليه الحجّ قبل مرضه و امّا المريض الذي حصل له الاستطاعة في حال المرض المزبور فلا يكون مستطيعا حتى يجب عليه الاستنابة و كيف كان فالحكم في هذا الفرع ما ذكرنا من الاستطاعة و وجوب الحج غاية الأمر الاستنابة للطواف كما يدلّ عليه الموارد التي أشرنا إليها.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 343

[الخامس ستر العورة فلو طاف بلا ستر بطل طوافه]

الخامس ستر العورة فلو طاف بلا ستر بطل طوافه، و تعتبر في الساتر الإباحة فلا يصحّ مع الغصب، بل لا يصحّ على الأحوط مع غصبية غيره من سائر لباسه (1).

______________________________

(1) الكلام في هذا الأمر يقع من جهات:

الجهة الاولى في أصل اعتباره و انه هل يكون من شرائط صحة الطواف أم لا فنقول لم يقع التعرض لاعتباره في مثل كتاب الشرائع و لكن المحكي عن العلامة في القواعد و جملة من كتبه وجوب ستر العورة في الطواف كما انه قد حكي عن الخلاف و الغنية و الإصباح لكن يظهر من محكيّ المختلف المناقشة بل الميل الى المنع.

و الاستدلال على الاعتبار بالنبوي المعروف: الطواف بالبيت صلاة قد عرفت المناقشة فيه لضعف الرواية سندا و دلالة مضافا الى ان الظاهر ان المراد من استر هنا أعمّ مما هو المعتبر في باب الصلاة لأنّ المعتبر في الستر الصلاتي ان يكون الساتر ثوبا و لباسا و لا يجتزي بالستر بمثل اليد و الحشيش و الطين و غيرها و الظاهر انه لا

خصوصية لذلك في باب الطواف.

نعم هنا روايات كثيرة من طريقنا و طريق العامّة قريبة من التواتر كما في محكي كشف اللثام تدلّ على نهي النبي صلّى اللّٰه عليه و آله عن ان يحج بعد العام مشرك أو يطوف عريان و قد نقل أكثرها صاحب الجواهر عن بعض التفاسير كتفسير على بن إبراهيم القمي و تفسير فرات الكوفي و عن الوسائل التي جمعها في الباب الثالث و الخمسين من أبواب الطّواف و عن بحار الأنوار للعلّامة المجلسي قدّس سرّه و كثرتها مانعة عن جريان المناقشة في السّند مع ان تفسير القمي يكون مثل كتاب كامل الزيادات من جهة الاشتمال على التوثيق العام.

و امّا من جهة الدلالة فربما يناقش فيها بأن المنهي عنه فيها هو الطواف في حال العراء و النسبة بينها و بين ستر العورة عموم من وجه لان المراد بالعريان من لم يكن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 344

..........

______________________________

لابسا للثوب و يمكن ان يكون الشخص غير عار و لابسا للثوب مع كون عورته مكشوفة كما إذا كان في ثوبه ثقب تظهر عورته منه كما انه يمكن ان يكون الشخص مستور العورة و هو عار كما إذا ستر عورته بمثل اليد أو الحشيش أو الطين و قد اعتبروا في الطواف ستر العورة لا اللّباس فهذه الروايات لا تنطبق على المدّعى و الجواب عن هذه الشبهة انّ مناسبة الحكم و الموضوع أوّلا و ثبوت الإجماع على الاكتفاء بمجرد ستر العورة في لطواف ثانيا دليل على كون المراد من العاري من لا يكون ساترا لعورته فهو ينطبق على المدعي و لا مجال للمناقشة فيه من هذه الجهة.

نعم يمكن ان يناقش في الاستدلال

بهذه الروايات بانّ وحدة السياق فيها تقتضي كون النهي عن طواف العاري نهيا تكليفيّا مولويا لا إرشاديّا بحيث يكون مرجعه إلى إفادة الشرطية أو المانعية لوقوعه في سياق النّهي عن دخول المشركين و قربهم المسجد الحرام و من الواضح انّ هذا النهي تكليفي و عليه فالظاهر كون النهي في فقرة الطواف أيضا كذلك.

و لكن حيث ان متعلق النّهي هو الطواف الذي يكون عبادة فظهوره في الإرشاد كما في سائر النواهي المتعلقة بالعبادات مع بعض الخصوصيات بمرتبة من القوة بحيث لا يقاومها وحدة السياق و عليه فالنهي عن طواف العاري مثل النهي عن طواف الأغلف من دون فرق بينهما فاصل الحكم في المقام و هي شرطية ستر العورة في الطواف لا اشكال فيه لكن عرفت انّ الستر هنا أعم من الستر في باب الصلاة و ان كان يشعر كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه بالاتحاد.

الجهة الثانية في شرطية الإباحة و حلية التصرف فيما يستر العورة و الكلام فيها عين الكلام في شرطية الإباحة فيما يستر العورة في الصلاة من دون فرق بين المقامين من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 345

..........

______________________________

هذه الجهة و قد فصلّنا الكلام في باب الصلاة في هذا المجال بما لا مزيد عليه و اخترنا هناك انه لم ينهض دليل على اعتبار إباحة التصرف في الثوب في صحة الصلاة و انّ العمدة من الوجوه السبعة التي استند إليها للقول بالبطلان ما كان مبتنيا على مسألة اجتماع الأمر و النهي و مقتضى التحقيق عندنا هو القول بالجواز و صحة المجمع إذا كانت عبادة كالصلاة في الدار المغصوبة و الستر بالمغصوب لا يجري فيه هذه الجهة أيضا لأن التستر و عدم

انكشاف العورة يكون اعتباره في الصلاة بنحو الشرطية لا الجزئية و لذا تصح الصلاة مع الغفلة عن تحققه و الشرائط في الصلاة كلها أمور غير عبادية سوى الطهارات الثلاث التي يعتبر فيها قصد القربة على ما قرر في محلّه و عليه فالمجمع لا يكون امرا عباديّا حتى تجري فيه المناقشة في الصحة في هذه الصّورة و عليه فمقتضى القاعدة عدم اعتبار الحلية و الإباحة فيما يستر العورة في كلا المقامين.

نعم استدل على البطلان بعض الاعلام قدّس سرّه بانّ السّتر المأمور به لا يمكن ان يكون بالمحرّم و الحرام لا يكون مصداقا للواجب فإذا كان الساتر محرّما و مغصوبا يخرج عن كونه مأمورا به.

و ظاهره في نفسه و بقرينة الحكم بأنه إذا كان غير الساتر مغصوبا يبتني الحكم ببطلان الطواف و صحته على مسألة اجتماع الأمر و النهي انّ الحكم بالبطلان في الساتر المغصوب لا يرتبط بتلك المسألة بوجه بل منشأه ما ذكره ان الحرام لا يكون مصداقا للواجب.

و يرد عليه مضافا الى النقض بالستر الذي يكون واجبا نفسيّا في حال الصلاة و غيرها فإنه لا شبهة في وجوبه أوّلا و في تحقق المأمور به بالمحرّم ثانيا ضرورة انّ الغاصب الذي قد ستر عورته بالساتر المغصوب لا يكون مستحقا للعقوبة من جهة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 346

..........

______________________________

مخالفة التكليف الوجوبي المتعلق بالسّتر بعنوان الواجب النفسي و ان كان مستحقا لها من جهة الغصب يعني التصرف في مال الغير بغير اذنه فكيف اجتمع بين الأمرين تحقق المأمور به و كون المحقق له هو الأمر المحرّم.

انّ الحلّ ما ذكرنا من كون المسألة مبتنية على مسألة اجتماع الأمر و النهي و ان مقتضى

التحقيق جوازه و المجمع يكون موافقة للمأمور به و مخالفة للمنهي عنه و لا مانع من اجتماع الأمرين في وجود واحد و كيف كان فالحكم في هذه الجهة هو عدم اعتبار الإباحة فيما يستر العورة و لا يمنع حرمة التصرف فيه عن صحة الطواف بوجه.

الجهة الثالثة في شرطية الإباحة في سائر ثيابه غير ما يتحقق به ستر العورة و قد احتاط في المتن وجوبا لزوم رعايتها و بطلان الطواف بدونها.

و حيث انّا قد اخترنا في الجهة الثانية الصحة فثبوتها في هذه الصورة بطريق اولى لكن على تقدير القول بالبطلان هناك لا يكون لازمة القول بالبطلان هنا لعدم اتحاد الطواف مع لبس اللباس غير الساتر للعورة بوجه و موضوع مسألة اجتماع الأمر و النهي كون العنوانين متحدين في مادة الاجتماع ضرورة ان مثل النظر إلى الأجنبية في حال الصلاة خارج عن المسألة المذكورة و المقام من هذا القبيل من دون فرق لعدم اتحاد اللبس المزبور مع الطواف بوجه غاية الأمر وقوع الاقتران و ثبوت المعيّة و هو لا يجري فيه توهم الامتناع فضلا عن القول به فعلى هذا القول أيضا لا وجه للحكم بالبطلان و لو بنحو الاحتياط الوجوبي.

نعم ربما يقال بحرمة الطواف لأنه مقدمة للتصرف في الثوب المغصوب لانه يتحرّك بتحرك الشخص و بطوافه حول البيت.

و قد أجيب عن ذلك بانّ العليّة و ان كانت متحققة الّا انّ العلة في باب الحرام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 347

[السادس: الموالاة بين الأشواط عرفا على الأحوط]

السادس: الموالاة بين الأشواط عرفا على الأحوط بمعنى ان لا يفصل بين الأشواط بما خرج عن صورة طواف واحد (1).

______________________________

لا تصير محرمة بسبب حرمة المعلول لأنّ الثابت في بحث المقدمة المذكور

في الأصول هو وجوبها بسبب وجوب ذيها مع اختلاف فيه و قد اخترنا عدم الوجوب و عدم ثبوت الملازمة العقلية بوجه و امّا حرمة المقدمة بسبب حرمة ذيها فلم تثبت في ذلك البحث بل لا وجه لها أصل و عليه فحرمة التصرف في المغصوب بتحرّكه لا توجب حرمة الطواف الذي هي مقدمة لتحقق الحركة المذكورة.

هذا و لكن التحقيق في الجواب ما حكيناه في كتاب الصلاة عن المحقق الحائري قدّس سرّه في كتابه في الصّلاة الذي هو كتاب قليل اللفظ و العبارة و كثير المعني و المفاد على ما افاده سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي قدّس سرّه في مجلس بحثه.

و خلاصته انّ المحرّم انّما هو التصرف في اللباس من جهة لبسه و امّا تغيير هيئته بتبع حركات اللابس بمشيه أو قيامه أو قعودة و أمثال ذلك مما لا يكون انتفاعا أخر به سوى اللّبس و لا يكون موجبا لتلفه و اندراسه فلا يكون مبغوضا أخر للمالك حتى يتعلق به النهي ضرورة أنّ المبغوض للمالك في جميع الحالات شي ء واحد و هو كونه لابسا لثوبه و لا يكون مبغوضه في حال الحركة- مثلا- أمرين أحدهما كونه لابسا و ثانيهما حدوث الحركة فيه تبعا لحركة اللابس و هكذا، و عليه فلا يكون المحرّم في جميع الحالات هو التصرف اللبسي و امّا الهيئات من الركوع و السجود و القيام فهي أشياء أخر مقارنة له لا انّها محرمة.

و محصّله ان المعلول لا يكون محرّما حتى تتوهم حرمة علّته و هذا الذي أفاده في غاية الجورة و المتانة.

(1) قد استظهر صاحب الجواهر من النصوص و الفتاوى وجوب الموالاة في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 348

..........

______________________________

الطواف الواجب

في غير المواضع التي دل الدليل على عدم لزومها قال: «و لذا جعلها في الدّروس الحادي عشر من واجباته نعم هي غير واجبة في طواف النافلة نصّا و فتوى بلا خلاف أجده فيه و أضاف إليه قوله: لكن في الحدائق المناقشة في وجوبها في طواف الفريضة أيضا لنصوص المزبورة التي هي أخصّ من دعواه بل بعضها صريح في بطلان الطواف بعدمها في الأنقص من النصف».

و قد احتاط في المتن وجوبا في رعايتها بالمعنى المذكور فيه و هو ان لا يفصل بين الأشواط بما خرج عن صورة طواف واحد و ما يمكن ان يستدل به لاعتبارها أمور:

الأوّل الرواية النبوية المعروفة: الطواف بالبيت صلاة بضميمة اعتبار الموالاة في باب الصلاة و قد مرّ الجواب عن الاستدلال بها سندا و دلالة.

الثاني ما في كلام بعض الاعلام قدّس سرّه من انّ الطواف عمل واحد يعتبر فيه الموالاة بين اجزائه و الّا فلا يلحق الجزء اللّاحق بالجزء السابق.

و يرد عليه مضافا الى ان مقتضاه اعتباره في طواف النافلة لأنّه أيضا كصلاة النافلة أيضا عمل واحد و لا يكون اعمالا متعددة انّ كون العمل واحدا لا يستلزم اعتبار الموالاة فيه لعدم الملازمة بين الطرفين و لذا ترى انّ الغسل مع كونه امرا عباديّا يحتاج الى نيّته و قصد القربة أيضا لا تكون الموالاة معتبرة فيه أصلا و لا يكون هذا كاشفا عن عدم وحدته و ثبوت تعدّده فمجرد كون الطواف عملا واحدا لا يقتضي اعتبار الموالاة فيه بوجه.

الثالث طائفة من الروايات مثل صحيحة أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل طاف شوطا أو شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة (و في الوسائل المطبوعة أخيرا حكى عن

المصدر مكان في حاجة: في حاجته و هو الظاهر).

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 349

..........

______________________________

قال: ان كان طواف نافلة بنى عليه، و ان كان طواف فريضة لم يبن «1». و موردها و ان كان شوطا أو شوطين الّا انّ الظاهر انه لا خصوصية فيهما بل يشمل الشوط الثالث و كذا الرّابع فما زاد و احتمال الاختصاص بما إذا لم تتحقق تمامية الشوط الرابع لا مجال له أصلا و مجرد وقوع التفصيل في روايات الحدث العارض في أثناء الطواف بين تمامية الشوط الرابع بالحكم بالبناء على طوافه بعد الوضوء أو الغسل و عدم تماميتها فيعيد الطواف من رأس لا دلالة له على كون مورد هذه الرواية هو قبل تمامية الشوط المذكور لعدم الارتباط بين المسألتين بوجه و عليه فالظاهر انّ المراد من مورد الرواية كون الرجل في أثناء الطواف و لمّا يتم طوافه بعد كما انّ المراد من الخروج مع الرجل في حاجته هو مجرد الخروج عن الطواف و دائرة المطاف و مقتضى إطلاقه الشمول لما إذا كان الفصل الذي يستلزمه الخروج المذكور قصيرا غير قادح في الموالاة و عليه فمقتضى الرواية ان الخروج المذكور موجب للبطلان في طواف الفريضة دون النافلة و بهذه الصحيحة يقيّد إطلاق صحيحة صفوان الجمال قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام الرجل يأتي أخاه و هو في الطواف فقال يخرج معه في حاجته ثم يرجع و يبني على طوافه «2». بالحمل على طواف النافلة فيصير المتحصل من الجمع بطلان طواف الفريضة بمجرد الخروج و رفع اليد عن الطواف لكن هذا لا ينطبق على مسألة الموالاة لأن النسبة بين عدم الموالاة و بين الخروج عموم من

وجه لانه قد يتحقق الإخلال بالموالاة من دون خروج كما إذا جلس في أثناء الطواف ساعات متعددة في نفس دائرة المطاف و قد يتحقق الخروج من دون ان يخلّ بالموالاة كما إذا خرج و رجع بعد زمان يسير لا يوجب

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الأربعون ح- 5.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 350

..........

______________________________

الإخلال بالموالاة و قد عرفت انّ مقتضى إطلاق صحيحة أبان الشمول لهذه الصورة أيضا و عليه فلا يمكن الاستدلال بها لاعتبار الموالاة التي هي محلّ البحث في المقام.

ثم انّ الروايات الواردة في عروض الحدث في الأثناء الدالة على التفصيل بين تمامية الشوط الرابع و عدمها لا يمكن ان يستفاد منها حكم المقام لأنّها مضافا الى دلالتها على الصحة بعد تمامية الشوط المذكور و اعتبار الموالاة على تقديره لا يختص بما قبلها لأنّ القائل به يقول باعتبارها مطلقا كما في جميع أجزاء الصلاة و ركعاتها يكون موردها عروض الحدث غير الاختياري و لا تشمل الفصل الاختياري المانع عن تحقق الموالاة و اشتمال بعض الروايات الواردة في عروض الحيض على التعليل بقوله عليه السلام: لأنّها زادت على النصف لا دلالة له على كون الزيادة على النصف انّما هي الملاك و المعيار في جميع الموارد بل يختص بموردها و ما يشابهه مثل حدث الجنابة و بطريق اولى يشمل الحدث الأصغر أيضا و امّا استفادة حكم المقام منها فلا مجال لها أصلا.

لكن يظهر من المتن في مسألة عشرين الآتية من مسائل الطواف ما لعلّه يغاير المقام حيث قال فيها: «لو قطع طوافه و لم يأت بالمنافي حتى مثل الفصل الطويل

أتمّه و صحّ طوافه، و لو اتى بالمنافي فإن قطعه بعد تمام الشوط الرابع فالأحوط إتمامه و إعادته» فإن قوله: و لو اتى بالمنافي يراد به بقرينة الصدر ما يشمل الفصل الطويل و ظاهره اختصاص مورد الاحتياط الوجوبي بالإتمام و الإعادة بما إذا كان القطع بعد تمام الشوط الرابع و عليه فإذا كان القطع قبل تمامه فالظاهر منه هو الحكم بالبطلان مع ان المذكور هنا في المتن ان اعتبار الموالاة يكون بنحو الاحتياط الوجوبي مطلقا من دون فرق بين تمام الشوط الرابع و عدمه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 351

[القسم الثاني ما عدّ جزء لحقيقته]

اشارة

القسم الثاني ما عدّ جزء لحقيقته و لكن بعضها من قبيل الشرط و الأمر سهل و هي أمور:

[الأوّل الابتداء بحجر الأسود]

الأوّل الابتداء بحجر (بالحجر ظ) الأسود و هو يحصل بالشروع من حجر (الحجر ظ) الأسود من أوّله أو وسطه أو أخره (1).

______________________________

و كيف كان فلم ينهض دليل على اعتبار الموالاة بالمعنى المذكور في المتن في جميع أشواط الطواف و الانصاف انه لم يقع التنقيح للمسألة لا في كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه و لا في كلام غيره بل وقع الخلط بينها و بين مسألة الخروج و كذا القطع و كذا عروض الحدث في الأثناء على ما أشرنا إليه فإن ثبت هنا شهرة كما يظهر من الجواهر فاللازم الحكم بالاحتياط الوجوبي دون الفتوى بالاعتبار فتدبّر جيّدا.

(1) في هذا الأمر جهات من الكلام:

الجهة الاولى في أصل اعتبار الابتداء في الطواف بالحجر الأسود و الظاهر انه بعد استقرار السيرة العملية من جميع فرق المسلمين على الشروع في طوافهم من الحجر الأسود و وضوح اتصال هذه السيرة بزمان الرسول و الأئمة عليه السلام من دون ريب لا حاجة الى إقامة دليل أخر عليه لظهور عدم استقرار السيرة على مجرّد العمل بل المرتكز في أذهانهم انه لا يجوز الشروع في الطواف من غير الحجر الأسود و لعلّه لذلك لم يقع التعرض الأصل اعتباره في النصوص بل ظاهر بعض ما وقع فيه التعرض المفروعية من هذه الجهة و ان المقصود بالإفادة أمر أخر مثل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود «1». فإن المقصود بالإفادة هو بطلان الطواف و لزوم إعادته إذا اختار الاختصار و طاف

من داخل حجر إسماعيل و ذكر كون الطواف من الحجر الى الحجر انّما

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الثلاثون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 352

..........

______________________________

هو لأجل تسلّمه و وضوحه و ان كان في البين مناقشة و هو انّ هذه الجهة لا ترتبط بالاختصار و الطواف من داخل الحجر و لكن أصل المطلب من الوضوح بمكان لا ينثلم بمثل هذه المناقشات.

نعم يوجد في بعض الروايات ما لعلّ ظاهره في بادي النظر ينافي ما ذكرنا مثل صحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام كنّا نقول لا بد ان نستفتح بالحجر و نختم به فامّا اليوم فقد كثر الناس (عليه) «1».

و لكن الظاهر ان المراد منها هو الاستفتاح بالحجر و الختم به استلاما لا شروعا في لطواف و ختما به و يدل عليه التعبير بقوله بالحجر و لو كان المراد هو الشروع لكان اللازم التعبير ب «من الحجر» مضافا الى ان كثرة الناس و ازدحامهم تمنع عن الاستلام لا عن أصل الشروع في الطواف من الحجر و يؤيده كلمة «عليه» في بعض النسخ الدالة إلى الازدحام على الحجر و التعبير باللّابدية لشدة استحبابه لا لوجوبه حتى تكشف عن كون المراد الابتداء و الختم بالحجر الأسود.

الجهة الثانية في انه هل اللازم الابتداء بأوّل الحجر بحيث يمرّ كلّه أو يكفي الابتداء به سواء كان من أوله أو وسطه أو أخره؟ المحكي عن العلّامة بل غيره ممّن تأخر عنه هو الأوّل قال في المسالك: «و البدأة بالحجر بان يكون أوّل جزء منه محاذيا لأوّل جزء من مقاديم بدنه بحيث يمرّ عليه علما أو ظنّا» قال في الجواهر:

«و لم نعرف شيئا من ذلك لمن سبق العلّامة و علّله في كشف اللثام بأنه لازم من وجوب الابتداء بالحجر و البطلان بالزيادة على سبعة أشواط و النقصان عنها و لو خطوة أو أقلّ فإنه ان ابتداء بجزء من وسطه لم يأمن من الزيادة أو النقصان».

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 353

..........

______________________________

و الجواب عن الدليل الذي ذكره كاشف اللثام انه ما الفرق بين أوّل الحجر و أخره حيث انه يمكن ان يبدأ من الأوّل بحيث يأمن من الزيادة و النقصان و لا يمكن ان يبدأ بالآخر كذلك مع انّ الوسط و ان كان أوسع من الأوّل و الأخر الّا انه حيث يمكن جعل العلامة للنقطة التي شرع منها الطواف يتحقق الاطمئنان بعدم الزيادة و النقصان هذا و قد وقع الخلاف بين أصحاب هذا القول في تعيين أوّل جزء من البدن و انه هل هو الأنف أو البطن أو إبهام الرجلين و ربما اختلف الأشخاص بالنسبة الى ذلك.

و كيف كان فالظاهر انه لم ينهض دليل على لزوم كون البدأة بأوّل الحجر بل ظاهر بعض الروايات خلافه مثل ما رواه الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول حدثني أبي انّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله طاف على راحلته و استلم الحجر بمحجته و سعي عليها بين الصفا و المروة «1». و المراد بالمحجن هو العصا الذي له اعوجاج فان الطواف على الراحلة لا يتحقق مع محاذاة أوّل الحجر نوعا.

ثمّ انه هل يجب قصد البدأة بالحجر بمعنى ان نفس الابتداء لا بد و ان يتعلق القصد به

أو لا يجب القصد الّا ان اللازم وقوع الطواف متصفا بها مع عدم لزوم تعلق القصد بها ذكر في الجواهر بعد نفي الريب عن كونه أحوط انّ الأقوى عدم اعتباره و ذكر في لمدارك تفريعا على اعتبار أصل البدأة قوله: فلو ابتدأ الطائف من غيره لم يعتد بما فعله حتى ينتهي إلى الحجر الأسود فيكون منه ابتداء طوافه ان جدّد النية عنده أو استصحبها فعلا. هذا و يمكن ان يقال بالفرق بين كون الابتداء معتبرا بنحو الجزئية و بين كونه معتبرا بنحو الشرطية فإن كان على النحو الأوّل فاللازم تعلق القصد به كسائر أجزاء العبادات مثل الركوع و السجود و غيرهما من أجزاء الصلاة فإنه لا بد من تعلق القصد

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الثمانون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 354

..........

______________________________

بكل واحد من عناوين الاجزاء و الّا لا يتصف بالجزئية و ان كان على النحو الثاني فلا يلزم تعلق القصد به مثل استقبال القبلة و الستر في باب الصلاة و ما ذكره في المتن من سهولة الأمر في مسألة الجزئية و الشرطية ليس كما ينبغي بعد ما عرفت من ظهور الثمرة بين الأمرين.

هذا و لكن الظاهر عدم لزوم تعلق القصد به لعدم نهوض دليل عليه أصلا لما عرفت من ان الدليل على اعتبار الابتداء هي السيرة العملية من جميع فرق المسلمين المتصلة بزمن الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله و حيث ان السيرة من الأدلة اللبية التي يجب الاقتصار فيها على القدر المتيقن فالقدر الثابت بها في المقام هو لزوم تحقق الابتداء خارجا و الشروع من الحجر عملا و امّا لزوم اعتبار القصد في الشروع

أيضا فلا دلالة للدليل المذكور عليه فكما انه لا يعتبر في باب الصلاة التي يكون افتتاحها التكبير ان يقصد شروع الصلاة بالكبيرة بل اللازم تعلق القصد بها بعنوان انّها من الصلاة فكذلك في المقام.

هذا و الظاهر ان الثمرة بين القولين لا تظهر في خصوص ما إذا ابتدأ بالطواف من غير الحجر نسيانا كما وقع في كلام صاحب المدارك المتقدم بل تظهر فيما إذا شرع من نفس الحجر فانّ الشروع منها و ان كان متّصفا بالبدأة الّا انه لا يلزم تعلق القصد بهذا العنوان بل ينوي الطواف حينما إذا كان محاذيا للحجر و يدور حول البيت سبعة أشواط.

و كيف كان فالظاهر عدم لزوم تعلق القصد بعنوان الابتداء كما انه لا يلزم تعلقه بعنوان الختم بالحجر بل اللازم في تحقق كلا الأمرين من وجودهما في الخارج فقط و ينبغي ان يكون هذا البحث هي الجهة الثالثة من الجهات الموجودة في اعتبار هذا الأمر التي أشرنا إليها في أوّل البحث.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 355

[الثاني الختم به]
اشارة

الثاني الختم به، و يجب الختم في كل شوط بما ابتدأ منه و يتم الشوط به. و هذان الشرطان يحصلان بالشروع من جزء منه و الدور سبعة أشواط و الختم بما بدء منه، و لا يجب بل لا يجوز ما فعله بعض أهل الوسوسة و بعض الجهال مما يوجب الوهن على المذهب الحقّ بل لو فعله ففي صحة طوافه اشكال (1).

______________________________

(1) الدليل على اعتبار الختم بالحجر الأسود ما مرّ من الدليل على اعتبار البدأة به من السيرة المذكورة و صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة و لا إشكال في هذه الجهة.

إنّما الإشكال في جهة أخرى و هي انه

لو قلنا في الأمر الأوّل بلزوم الابتداء من أوّل الحجر كما عليه و العلّامة و غيره ممّن تأخر عنه فلا إشكال في ناحية الختم من جهة انه لا بد و ان يكون إلى أوّل الجزء من الحجر لتمامية السبعة به و تحقق الطواف الكامل من دون زيادة و لا نقيصة.

و ان قلنا بما عليه المتن تبعا لصاحب الجواهر قدّس سرّه من كفاية كون الشروع من اىّ جزء من أجزاء الحجر سواء كان اوّله أو وسطه أواخره فإن كان الشروع الخارجي من الجزء الأوّل فلا إشكال أيضا في ان الختم يتحقق بمحاذاة الجزء المذكور، و ان كان الشروع في لخارج من الوسط أو الأخر يقع! الكلام- ح- في انه هل يكفي في الختم الوصول الى الجزء الذي يكون قبل هذا الجزء الذي تحقق الشروع فيه كما انه قد وقع فيه الخلاف فالمحكي عن ظاهر المدارك و الرياض و غيرهما عدم اعتبار محلّ الابتداء و انه لو ابتدأ مثلا بآخر الحجر كان له الختم بأوّله و لكن صرّح جماعة باعتبار محاذاة الحجر في الشوط الآخر لما ابتدأ به أوّلا و ينبغي ان يعلم محل الابتداء لئلّا ينقص عنه و لا يزيد عليه و هذا هو الذي يظهر من المتن في قوله: و الختم بما بدء منه، نظرا إلى انه ليس المراد من الموصول الحجر الأسود بأجمعه بل المراد به هو الجزء الذي بدء منه من أوّله أو وسطه أو أخره و قال في الجواهر: و لا ريب في انه أحوط ان لم يكن أقوى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 356

..........

______________________________

و لعلّ وجهه انه لا يصدق الختم حتى يصل الى محلّ الابتداء الذي

هو الوسط و الأخر و لكن الظاهر عدم لزومه فانّ المعيار هو كون الابتداء من الحجر و الختم به فكما انه مخير في الابتداء بين الاجزاء المختلفة من الحجر الأول و الوسط و الأخر و بكل واحد يتحقق عنوان الابتداء كذلك في الشوط الأخير يتحقق عنوان الختم بمجرد الوصول الى الحجر من دون فرق بين موارد الابتداء أصلا بل يمكن ان يقال بالتخيير بين الاجزاء في لختم أيضا و صدق الزيادة و النقيصة غير قادح بعد وضوح كون المراد من الأدلة على ما هو ظاهرها الزيادة على الحجر و النقيصة عنه و لا تتحققان في الفرض المزبور و بالجملة الملاك في الابتداء و الانتهاء ما هو معناهما العرفي الذي لا يفترق فيه أجزاء الحجر.

ثم انّ المذكور في ذيل المتن أمران:

أحدهما عدم الوجوب بل عدم جواز ما يفعله بعض أهل الوسوسة و بعض الجهّال مما يوجب الوهن على المذهب الحقّ و الظاهر بملاحظة الحكم في المتن بأنه من ان يكون الختم بما ابتدأ به من أجزاء الحجر انّ المنشأ للوسوسة المذكورة و ما يفعله بعض الجهال هو ما عرفت من فتوى العلامة و من تأخر عنه بلزوم كون الابتداء بالجزء الأوّل من الحجر على النحو الذي عرفت فإن رعاية الابتداء بهذه الكيفية مثار للوسواس كما في الجواهر و قد شبهه فيها بما يصنعه بعض الناس عند إرادة النية للصلاة بناء على انه الاخطار من الأحوال التي تشبه أحوال المجانين.

مع ان ما أفاده في المتن من لزوم كون الختم بما بدء منه من أجزاء الحجر مثار أيضا للوسوسة و ان كان لا تبلغ من حيث الشدة للوسوسة المذكورة في المتن الناشية من رعاية فتوى العلّامة و الانصاف

انه لا مجال لإثبات هذه التضييقات بوجه.

ثانيهما الاستشكال في صحة الطواف بالكيفية الصادرة من بعض الجهال الموجبة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 357

[مسألة 7- لا يجب الوقوف في كلّ شوط]

مسألة 7- لا يجب الوقوف في كلّ شوط، و لا يجوز ما فعله الجهّال من الوقوف

______________________________

للوهن على المذهب الحقّ و الظاهر انّ منشأ الاشكال امّا دعوى كون المقام من صغريات مسألة الاجتماع المعروفة في الأصول و حيث ان الحكم بالصحة في مورد الاجتماع إذا كان عبادة كالصلاة في الدار المغصوبة محلّ اشكال فالمقام أيضا كذلك و امّا دعوى ان محلّ البحث في تلك المسألة صورة اتّحاد العنوانين و تصادق المفهومين على وجود واحد خارجي و المقام لا يكون من هذا القبيل لعدم تحقق الاتحاد بين المأمور به الذي هو الطواف و بين الوهن المذكور المحرم بل الطواف بالكيفية المذكورة مستلزم للوهن المحرم و حيث ان اللازم و هو وهن أصل المذهب الحق بمكان من المبغوضية لا يساويه كثير من المحرمات و عليه فما يوجبه يحتمل ان لا يكون صالحا للمقربية بوجه و عليه فالحكم بالبطلان في تلك المسألة لا يوجب الحكم به في المقام بل غايته الاستشكال في الصحّة و يظهر من مجموع ما أفاده في هذا الأمر انّ تمامية الشوط في كل من الأشواط السبعة تتحقق بالختم بما ابتدأ من أجزاء الحجر الأسود الأوّل و الوسط و الأخر و لا بد من ملاحظة أن الأثر المترتب على تمامية الشوط مع ان الواجب في الطواف هي سبعة أشواط إنّما يظهر في الأحكام المترتبة على الأشواط الخاصة كالشوط الرابع على ما عرفت من ان عروض الحدث الأصغر أو الأكبر بعد تماميته لا يقدح في صحة ما اتى

به من الأشواط بخلاف ما إذا ان قبل تمامية الشوط الرّابع.

كما انه يظهر ان الابتداء بالحجر و الختم به انما يكون اعتبارهما بعنوان الشرطية و ان كانا معدودين من أجزاء الحقيقة لكن صرّح في المتن بان الأمر سهل و قد مرّ ترتب الثمرة على عنواني الجزئية و الشرطية.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 358

و التقدم و التأخر بما يوجب الوهن على المذهب (1).

[الثالث: الطواف على اليسار]
اشارة

الثالث: الطواف على اليسار بان تكون الكعبة المعظّمة حال الطواف على يساره، و لا يجب ان يكون البيت في تمام الآلات محاذيا حقيقة على الكتف، فلو انحرف قليلا حين الوصول الى حجر إسماعيل صحّ و ان تمايل البيت الى خلفه و لكن كان الدور على المتعارف، و كذا لو كان ذلك عند العبور عن زوايا البيت فإنه لا اشكال فيه بعد كون الدور على النحو المتعارف مما فعله سائر المسلمين (2).

[مسألة 8- الاحتياط بكون البيت في جميع الحالات على الكتف الأيسر]

مسألة 8- الاحتياط بكون البيت في جميع الحالات على الكتف الأيسر و ان كان ضعيفا حدّا و يجب على الجهّال و العوام الاحتراز عنه لو كان موجبا للشهرة و وهن المذهب لكن لا مانع منه لو فعله عالم عاقل بنحو لا يكون مخالفا للتقيّة أو موجبا للشهرة.

______________________________

(1) قد ظهر البحث في هذه المسألة مما تقدم و لا حاجة الى الإعادة لكن الذي ينبغي التنبيه عليه هو انّ رعاية الاحتياط بحيث لا يوجب الوهن المزبور و لا يحلّ بشي ء من الأقوال المتقدمة تقتضي أن ينوي قبل الوصول الى الحجر بقليل شروع الطواف من المحادي و الذي يجب الشروع منه و في الشوط السابع يمرّ على الحجر و يمضي عنه بقليل مع كون المنوي هو تحقق الختم بما يجب ان يتحقق الختم به من الحجر الأسود فإذا راعى الاحتياط بهذه الكيفية فقد راعى جميع الأقوال و لم يصدر منه ما يوجب وهن المذهب بوجه و قد وفقني اللّٰه تعالى لرعاية هذا الاحتياط في جميع اسفار الحج و العمرة مع تعددها و كثرتها الّا السفر الأوّل الذي لم أكن متوجها اليه و ملتفتا الى الخصوصيات لأجل كونه السّفر الأول و اللازم على جميع الروحانيين المتصدين لأمور الحجاج

و المعتمرين التوجه الى هذا الاحتياط الجامع من رعاية جميع الأقوال و عدم تحقق المشقة بوجه ثم تعليم الزائرين و إرشادهم الى ذلك.

(2) البحث في هذا الأمر و كذا في المسألة الثامنة يقع في أمرين:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 359

..........

______________________________

الأمر الأوّل أصل اعتبار كون الطواف على اليسار بان يكون البيت في حاله على يساره و الظاهر انه لا حاجة الى إقامة الدليل على اعتباره بعد وضوح كون طواف الرسول و الأئمة- عليه و عليهم الصلاة و السلام- بهذه الكيفية و لم ينقل الخلاف و لو في مورد و قد استمرت سيرة المسلمين بجميع فرقهم و اختلاف مذاهبهم على الطواف على اليسار و هو المرتكز في أذهانهم بحيث لو فرض طواف واحد منهم بغير هذه الكيفية لرأوه غير مشروع و مخالفا لما و الثابت في الإسلام و عليه فليس في هذا الأمر مجرد نفي وجدان الخلاف فيه بل ثبوت الإجماع بقسميه عليه كما في الجواهر بل أمر فوق ذلك و هو ثبوت الارتكاز عند كل مسلم على ذلك نعم حكى عن أبي حنيفة انه ان جعله على يمينه اعاده ان أقام بمكّة و الّا جبره بدم و ظاهره انّ اللازم هو الجعل على اليسار و ثبوت الإعادة أو الكفارة مع المخالفة و الجعل على اليمين و حكى عن أصحاب الشافعي انه لم يرد عنه نصّ في استدباره و الذي يجي ء على مذهبه الاجزاء بل عنهم أيضا في وجه الاجزاء ان استقبله أو مرّ القهقري نحو الباب.

هذا و لكن أصل المطلب من الوضوح بمكان و لأجله لم يقع التعرض لاعتباره في شي ء من الروايات بالمطابقة بل يستفاد منها بالاستلزام مثل صحيحة

عبد اللّٰه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام إذا كنت في الطواف السّابع فائت المتعوذ و هو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب فقل: اللّٰهم البيت بيتك و العبد عبدك و هذا مقام العائذ بك من النّار اللّٰهم من قبلك الرّوح و الفرج ثم استلم الركن اليماني ثم ائت الحجر فاختم به «1».

فان الدّعاء عند المستجار أوّلا ثم استلام الركن اليماني ثم إتيان الحجر و الختم به لا ينطبق الّا على كون البيت واقعا في اليسار في حال الطواف و مثلها صحيحة معاوية بن

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 360

..........

______________________________

عمار «1» التي جعلها في الوسائل و غيرها روايتين.

الأمر الثاني انه هل يجب ان يكون البيت محاذيا على الكتف حقيقة حتى عند فتح الحجر الذي يتمايل البيت الى الخلف و كذا عند الفتح الأخر الذي يتمايل البيت الى القدام و كذا عند العبور عن زوايا البيت و لازم ذلك ان يكون الدور عند المواضع المذكورة على خلاف المتعارف أو ان الواجب هو الدور على النحو المتعارف في جميع الحالات من دون الانحراف أصلا الظاهر هو الثاني خصوصا بعد تحقق الطواف من النبي صلّى اللّٰه عليه و آله راكبا و وضوح عدم حصول التغيير في الكيفية في الحالات المختلفة و الّا لنقل.

و عليه فما يفعله بعض الجهال و العوام مما يوجب وهن المذهب الحق و التعيير على أئمّتنا المعصومين صلّى اللّٰه عليه و آله لا ينبغي صدوره من شيعي لا بدّ و ان يكون زينا لهم لا شينا بل كما مرّ في مسألة اعتبار الابتداء بالحجر عند الشروع

في الطواف ربما يستشكل في صحته مع هذه الكيفية و اللازم إرشاد العوام و تعليمهم و التبيين لهم ان اعتبار كون الطواف على اليسار انّما هو في مقابل ان تكون الكعبة على يمينه أو مستقبلا أو مستدبرا من دون فرق بين الحالات أصلا «2».

و ان شئت قلت ان الدليل على اعتبار هذا الأمر ليس إلّا السيرة المتقدمة و لا دلالة لها بعد كونها دليلا لبيّا على اعتبار أزيد من هذا المقدار و هو ان يجعل الكعبة على يساره و يدور على النحو المتعارف و لم يقم دليل على تغيير الوضع عند الوصول الى تلك المواضع خصوصا مع ما يترتب عليه من الشهرة و وهن المذهب و عليه فيجب

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و العشرون ح- 4.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و العشرون ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 361

[مسألة 9- لو طاف على خلاف المتعارف في بعض أجزاء شوطه]

مسألة 9- لو طاف على خلاف المتعارف في بعض أجزاء شوطه مثلا- كما لو صار بواسطة المزاحمة وجهه إلى الكعبة، أو خلفه إليها، أو طاف على خلفه على عكس المتعارف يجب جبرانه و لا يجوز الاكتفاء به (1).

[مسألة 10- لو سلب بواسطة الازدحام الاختيار منه في طوافه فطاف]

مسألة 10- لو سلب بواسطة الازدحام الاختيار منه في طوافه فطاف و لو على اليسار بلا اختيار وجب جبرانه و إتيانه باختيار و لا يجوز الاكتفاء بما فعل (2).

______________________________

الاجتناب عن مثل هذه الاعمال خصوصا في مثل هذه الأزمنة التي يكون عمل الشيعة موردا للدقة و المراقبة للطعن عليهم و على مذهبهم.

(1) بعد اعتبار كون الطواف على اليسار لو طاف في بعض أجزاء شوطه- مثلا- على خلاف المتعارف كما في الأمثلة المذكورة في المتن فاللازم جبرانه و لا يجوز الاكتفاء به نعم لا يبطل به أصل الطواف بحيث كان الواجب الإعادة من رأس بخلاف باب الصلاة التي يكون الاستدبار فيها موجبا لبطلانها من رأس و ذلك لقيام الدليل هناك على البطلان و لزوم الإعادة و لم ينهض دليل عليه في المقام غاية الأمر لزوم كون جميع الأشواط و كذا أبعاضها واقعة على اليسار فإذا لم يقع بعض أجزاء شوط- مثلا- كذلك فاللازم إيقاعه بالكيفية المعتبرة و جبرانه و يمكن ان يقال بعدم لزوم الجبران و كفاية ما أتي به كذلك لما مرّت الإشارة إليه في ذيل المسألة السابقة من ان الدليل الوحيد في ذا الباب هي السيرة المستمرة العملية و هي دليل لبّي يقتصر فيه على القدر المتيقن و هو جعل الكعبة على اليسار و الحركة على النحو المتعارف و الظاهر ان الحركة الكذائية لا تكون خالية نوعا عن توجه الوجه إلى الكعبة أو الى مقابلها و لو

في بعض الحالات أحيانا و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط و الجبران في مثل الصور المذكورة.

(2) الدليل على لزوم الجبران في هذه الصورة عبارة عن الدليل اللفظي الدال على اعتبار صدور الحركة الطوافيّة من الطائف بحيث كانت مستندة اليه و صادرة عن إرادته

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 362

[مسألة 11- يصح الطواف بأيّ نحو من السرعة و البطء، ماشيا]

مسألة 11- يصح الطواف بأيّ نحو من السرعة و البطء، ماشيا و راكبا لكن الأولى المشي اقتصادا (1).

[الرّابع إدخال حجر إسماعيل عليه السلام في الطواف]

الرّابع إدخال حجر إسماعيل عليه السلام في الطواف فيطوف خارجه عند الطواف على البيت فلو طاف من داخله بطل طوافه و تجب الإعادة و لو فعله متعمّدا محكمه حكم من أبطل الطواف عمدا كما مرّ، و لو كان، سهوا فحكمه حكم إبطال الطواف سهوا و لو تخلف في بعض

______________________________

و اختياره فان مراتب الطواف ثلاث لا ينتقل إلى المرتبة اللاحقة بعد إمكان المرتبة السابقة و هي الطواف بنفسه و الطواف به و الطواف عنه و المراد من الاولى الطواف الصادر بجميع اجزائه و اشواطه عن قصد و اختيار فإذا سلب منه الاختيار و لو في بعض الاجزاء فاللازم جبرانه و إتيانه باختيار و لا يجوز الاكتفاء بما فعل.

(1) و الدليل على الصحة بكل واحد من الأنحاء ما ذكرنا من لزوم كون الحركة الطوافية مستندة الى الطائف و صادرة عن إرادته و اختياره.

و هو كما يتحقق بالمشي كذلك يتحقق بالركوب و قد مرّ حكاية انّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله طاف راكبا و في هذا الزمان يكفي الركوب على الوسائل الصناعية كما هو الشائع في السعي بين الصفا و المروة الذي يكون مقدار الحركة فيه كثيرا جدّا بالإضافة إلى الطواف و لا مجال لتوهّم كون الركوب عليها موجبا للخروج عن استناد الحركة إليه خصوصا فيما إذا كان هناك محرّك في البين و ذلك لأنه يكفي في صحة الاستناد مجرد كون الركوب باختياره و ناشيا عن إرادته بضميمة كون الاستدامة أيضا مرتبطة به و صادرة عن قصده و بعبارة أخرى فرق بين الركوب على الراحلة أو على الوسائل المذكورة

الذي يصدق عليه انه طاف بنفسه و لو على المركب و بين الإطافة به كما في الصبي غير المميّز أو المغمى عليه أو مثلهما.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 363

الأشواط فالأحوط إعادة الشوط و الظاهر عدم لزوم اعادة الطواف و ان كانت أحوط (1).

______________________________

(1) الكلام في هذا الأمر يقع من جهتين و لكن قبل البحث فيهما ينبغي التعرض لخصوصية حجر إسماعيل عليه السلام من جهة كونه من أجزاء البيت و أبعاضه أو خارجا عنه بجميع اجزائه فنقول: انّ المحكي عن الدروس انّ المشهور كونه منه بل في التذكرة و المنتهي ان جميعه منه و في الأوّل: انّ قريشا لما بنت البيت قصرت الأموال الطيبة و الهدايا و النذور عن عمارته فتركوا من جانب الحجر بعض البيت و قطعوا الركنين الشاميين من قواعد إبراهيم عليه السلام و ضيقوا عرض الجدار من الركن الأسود إلى الشامي الذي يليه فبقي من الأساس شبه الدكان مرتفعا و هو الذي يسمّى الشاذروان. و روى عن عائشة ان النبيّ قال ستة أذرع من الحجر من البيت.

هذا و لكن الروايات الكثيرة المعتبرة ظاهرة بل صريحة في خلافه و ان الحجر لا يكون من البيت بوجه ففي صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الحجر أ من البيت هو أو فيه شي ء من البيت؟ فقال: لا و لا قلامة ظفر و لكن إسماعيل دفن فيه امّه فكره أن يوطأ فجعل عليه حجرا و فيه قبور أنبياء «1».

و في رواية المفضّل بن عمر عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال الحجر بيت إسماعيل و فيه قبر هاجر و قبر إسماعيل «2».

و في رواية الحلبي

عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال سألته عن الحجر فقال انّكم تسمونه الحطيم و انما كان لغنم إسماعيل و انّما دفن فيه امّه كره أن يوطأ قبرها فحجر عليه و فيه قبور أنبياء «3».

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثلاثون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الثلاثون ح- 3.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الثلاثون ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 364

..........

______________________________

و في رواية يونس بن يعقوب قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام انّي كنت أصلّي في الحجر فقال لي رجل لا تصل المكتوبة في هذا الموضع فان في الحجر من البيت فقال:

كذب صلّ فيه حيث شئت «1».

و يؤيده نفس دفن إسماعيل أمّه فيه و كذا دفن شخصه و جملة من الأنبياء فإنه لم يعهد جعل البيت أو جزء منه مدفنا و لو كان نبيّا أو مرتبطا به و ان قلنا بجوازه فلا ينبغي الارتياب في خروج الحجر من البيت و عدم كون البيت شاملا و لو ببعض أجزائه إذا عرفت ذلك يقع الكلام في الجهتين اللتين أشرنا إليهما فنقول:

الجهة الاولى في أصل اعتبار هذا الأمر و هو إدخال الحجر في الطواف و المعاملة معه من هذه الجهة معاملة الكعبة المعظمة فنقول ان الفتاوى و ان تطابقت عليه الّا ان الظاهر عدم بلوغه في الظهور و الوضوح مرتبة الأمر السابق و الدليل عليه السؤال عنه في جملة من الرّوايات و لو كان مثله لم يحتج إلى السؤال بوجه كما فيه.

منها صحيحة الحلبي على رواية الشيخ قدّس سرّه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال قلت له رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر قال يعيد ذلك الشوط «2».

و فيما رواه الصدوق: يعيد الطواف الواحد، و توصيف الطواف بالوحدة قرينة على كون المراد به هو الشوط و قد استعمل كثيرا في الروايات في الشوط.

و منها صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يطوف بالبيت فيختصر في الحجر، قال: يقضي ما اختصر من طوافه «3».

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الخمسون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الثلاثون ح- 1.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 365

..........

______________________________

و منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود «1».

و منها رواية إبراهيم بن سفيان قال كتبت الى أبي الحسن الرّضا عليه السلام امرأة طافت طواف الحج فلمّا كانت في الشوط السابع اختصرت و طافت في الحجر و صلّت ركعتي الفريضة وسعت و طافت طواف النّساء ثم أتت مني فكتب عليه السلام: تعيد «2».

و المستفاد من الجميع عدم جواز الاكتفاء بالطواف في الحجر بل اللازم ان يكون الحجر داخلا في الطواف كالبيت و عليه فلا إشكال في هذه الجهة.

الجهة الثانية في انّه لو طاف في الحجر في جميع الأشواط السبعة المعتبرة في الطواف فلا إشكال في بطلان طوافه و لزوم إعادته من رأس من دون فرق بين صورتي العمد و السهو لإطلاق السؤال في الروايات و ترك الاستفصال في الجواب و عليه فيترتب على تعمده ما يترتب على تعمد إبطال الطواف و على سهوه ما يترتب على إبطاله سهوا و قد مرّ الكلام في ذلك في أوّل مباحث الطواف فراجع.

و

امّا لو طاف من داخل الحجر شوطا واحدا- مثلا- ففيه احتمالات أربعة: بطلان ذلك الشوط فقط و لزوم إعادته بأجمعه من الحجر الى الحجر، و كفاية إتمام الشوط من موضع سلوك الحجر، و لزوم اعادة الطواف بجميع اشواطه و الفرق بين تجاوز النصف و عدمه و اللازم ملاحظة مفاد الروايات المتقدّمة فنقول:

امّا رواية الحلبي فموردها الاختصار في الشوط الواحد و مقتضى ظاهر الجواب لزوم اعادة نفس الشوط فقط غاية الأمر بتمامه من الحجر الى الحجر فيدل على بطلان

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الثلاثون ح- 3.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الثلاثون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 366

..........

______________________________

المقدار الذي سلكه من الحجر الأسود إلى حجر إسماعيل أيضا و إطلاق السؤال يدل على انّه لا فرق بين تجاوز النصف و عدمه و قد عرفت انه لا فرق بين نقلي الشيخ و الصدوق لان المراد بالطواف بعد توصيفه بالوحدة هو الشوط الواحد فمفاد الرواية لزوم اعادة مجموع الشوط فقط لا مجموع الطواف.

و امّا رواية حفص فالسؤال فيها امّا يختصّ بالاختصار في الحجر في مجموع الطواف و امّا ان يكون شاملا للاختصار في بعض الأشواط أيضا، و يجري في جوابها احتمالان: أحدهما ان يكون قوله من طوافه بيانا للموصول فالمراد- ح- انه يقضي الطواف الذي اختصره و ثانيهما ان تكون كلمة «من» متعلقة بالاختصار فالمراد- ح- لزوم قضاء المقدار الذي اختصره فينطبق على الاحتمال الثاني من الاحتمالات الأربعة المتقدمة و الاحتمال الأوّل الذي تكون كلمة «من» بيانيّة خلاف الظاهر و ذلك لانه كان ينبغي التعبير ب يقضي طوافه كما لا يخفى فالتعبير الموجود شاهد على كون المراد هو

الاحتمال الثاني في كلمة «من» لكن في انطباقه على الاحتمال الثاني كلام يأتي التعرض له في ذيل البحث.

و امّا رواية معاوية بن عمّار فان كان المراد من السؤال هو الاختصار في جميع الأشواط كما هو ظاهره فمفادها لزوم اعادة الطواف من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود و ان كان المراد منه مطلقا شاملا للاختصار في بعض الأشواط فتدل على لزوم اعادة مجموع الطواف في بعض الأشواط أيضا.

و قد ظهر لك انه لا دلالة لشي ء من الروايات على التفصيل بين تجاوز النصف و عدمه و الظاهر ان منشأ احتماله هو التعليل الوارد في بعض روايات عروض الحيض بأنّها زادت على الثلث و قد مرّ انه لا يجوز التمسك بهذا العموم في جميع الموارد مع ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 367

..........

______________________________

رواية إبراهيم بن سفيان المتقدمة واردة في الشوط السابع و دالة على لزوم الإعادة فهذا التفصيل لا وجه له أصلا.

و امّا لزوم اعادة الطواف بجميع اشواطه فهو و ان كان يدل عليه صحيحة معاوية بن عمّار بناء على ان يكون مورد السؤال فيها مطلقا و كذا رواية حفص بناء على ما عرفت الّا ان صحيحة الحلبي باعتبار ظهورها في عدم لزوم اعادة غير الشوط الذي وقع فيه الاختصار صالحة لتقييد الإطلاق على فرض ثبوته فإنه لا مجال لإنكار ظهور صحيحة الحلبي في لزوم اعادة خصوص الشوط الذي اختصر فيه و عدم لزوم اعادة الطواف بأجمعه و لا يكون منشأ هذا الظهور مسألة المفهوم التي تكون موردا للاختلاف على ما قرر في لأصول بل المتفاهم العرفي منها ذلك و الّا يلزم ان يكون التعبير بذلك الشوط في قل الشيخ و بالطواف

الواحد في نقل الصدوق غير مناسب بل دالّا على خلاف ما هو المقصود فلا شبهة في ظهورها في عدم لزوم اعادة مجموع الطواف و سبب هذا الظهور يتحقق تقييد إطلاق صحيحة معاوية على فرض ثبوت الإطلاق لها و عليه فلا وجه لهذا الاحتمال و ان كان أحوط فبقي من الاحتمالات الأربعة احتمالان و قد عرفت انّ ظاهر صحيحة الحلبي لزوم اعادة الشوط الذي وقع فيه الاختصار بجميع اجزائه حتى من الحجر الأسود إلى حجر إسماعيل مع انه وقع في نفسه صحيحا واجدا للشرائط و لا يتحقق الإخلال بالموالاة بدخول الحجر و الخروج منه و الانتهاء في ذلك الشوط الى الحجر و مع ذلك ظاهر الصحيحة لزوم اعادة الشوط بالإضافة الى ذلك الجزء أيضا.

و امّا صحيحة الحفص فالظاهر منها و ان كان تعلق قوله: من طوافه بقوله: اختصر، و يكون ظاهره البدوي لزوم الإعادة من موضع سلوك الحجر الّا انّ هنا نكتة ترشدنا الى ظهورها في إعادة جميع الشوط و هي ان كلمة «الاختصار» على ما يظهر من موارد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 368

[الخامس ان يكون الطواف بين البيت و مقام إبراهيم عليه السلام]
اشارة

الخامس ان يكون الطواف بين البيت و مقام إبراهيم عليه السلام و مقدار الفصل بينهما في سائر الجوانب فلا يزيد عليه و قالوا انّ الفصل بينهما ستة و عشرين ذراعا و نصف ذراع فلا بد ان لا يكون الطواف في جميع الأطراف زائدا على هذا المقدار (1).

______________________________

استعمالاتها عند العرف انّما يكون مورد استعمالها ما إذا كان في البين أمر وجودي ينبغي ان يكون مشتملا على شي ء أخر و حيث انه لم يتحقق الاشتمال المزبور فيوصف ذلك الأمر الوجودي بالاختصار بلحاظ عدم انضمام ذلك الأمر اليه

و عدم اشتماله عليه و الّا فنفس الأمر العدمي لا يتصف بالاختصار بوجه و عليه فالاختصار فيما نحن فيه يتصف به الشوط أو مجموع الطواف بلحاظ وجود الشوط و شروعه من الحجر (بالفتح) الى الحجر (بالكسر) و عدم اشتماله على كون الحركة عند الوصول الى الحجر واقعة في خارجه و بعبارة أخرى الدخول في الحجر في نفسه لا يتحقق به الاختصار بحيث لو كان شروعه في الشوط بهذه الكيفية لكان متصفا به بل الشوط الذي ابتدأ به من الحجر الأسود و بلغ إلى محاذي الحجر إذا لم يشتمل على الحركة خارج الحجر يتصف بعنوان الاختصار و عليه فهذه الصحيحة أيضا ظاهرة في لزوم اعادة الشوط بجميع اجزائه و لو سلّمنا عدم الظهور فلا ينبغي الإشكال في عدم ظهورها في غيره بل غاية الأمر ثبوت الإجمال و الإبهام فيها و صحيحة الحلبي صالحة لرفع الإبهام و تبيين المراد من هذه الصحيحة و عليه فالظاهر الحكم بلزوم اعادة الشوط بنحو الفتوى لا بنحو الاحتياط الوجوبي المذكور في المتن.

(1) المشهور شهرة محققه اعتبار ان يكون الطواف بين البيت و المقام اي بهذا المقدار من الفصل في جميع الجوانب و قد نفي وجدان خلاف معتد به فيه في الجواهر بل حكى عن الغنية الإجماع عليه لكنه استظهر في ذيل كلامه عن الصدوق الفتوى بالعدم في حال الاختيار فضلا عن الاضطرار و حكى عن المختلف و التذكرة و المنتهي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 369

..........

______________________________

و المدارك الميل اليه و اختاره بعض الاعلام قدّس سرّه و المستند الوحيد للمشهور ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى و غيره عن محمد بن احمد بن محمد بن

عيسى عن ياسين الضرير عن حريز بن عبد اللّٰه عن محمد بن مسلم قال سألته عن حدّ الطواف بالبيت الذي من خرج عنه لم يكن طائفا بالبيت قال كان الناس على عهد رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله يطوفون بالبيت و المقام، و أنتم اليوم تطوفون ما بين المقام و بين البيت فكان الحدّ موضع المقام اليوم، فمن جازه فليس بطائف، و الحدّ قبل اليوم و اليوم واحد قدر ما بين المقام و بين البيت من نواحي البيت كلّها فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد لانه طاف في غير حدّ و لا طواف له «1». و لا مجال للإشكال في سند الرواية من جهة الإضمار بعد كون المضمر محمد بن مسلم الذي ليس من شأنه السؤال عن غير الامام عليه السلام نعم الاشكال فيه من جهة ياسين الضرر الذي لم يوثّق بل مجهول كما ذكره المجلسي قدّس سرّه في المرآة لكن استناد المشهور إليها بعد كونها مستندة وحيدة يجبر الضعف و تصير الرواية به معتبرة هذا من جهة السند.

و امّا من جهة الدلالة فالسؤال في نفسه يدل على مفروغية ثبوت الحدّ للطواف بالبيت عند السائل بحيث كان الخروج عنه موجبا لعدم تحقق الطواف بوجه غاية الأمر ان محطّ نظره استكشاف ذلك الحدّ و الامام عليه السلام قرّره على ذلك في الجواب و بيّن انّ الحدّ هو ما بين البيت و المقام في موضعه الفعلي الذي هو عبارة عن ستة و عشرين ذراعا و نصف ذراع و قد وقع فيها التأكيد على لزوم رعاية الحدّ و ان التباعد عنه موجب لعدم تحقق الطواف و

يكون بمنزلة من طاف خارج المسجد به و فيه التصريح بانّ الحدّ قبل

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثامن و العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 370

..........

______________________________

اليوم و اليوم واحد من جميع نواحي البيت غاية الأمر ان الفرق بين اليومين بعد اشتراكهما في لحدّ هو كون المقام داخلا في المطاف في عهد الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله و اليوم يكون خارجا عنه فالاختلاف انّما هو في هذه الجهة فما في الجواهر من التعبير بقوله:

«و كان وجه ما فيه من الاختلاف بين اليوم و عهده صلّى اللّٰه عليه و آله مع قوله عليه السلام و الحدّ قبل اليوم و اليوم واحد ..» ليس على ما ينبغي فإن الاختلاف ليس بين الأمرين المذكورين فيه بل بين اليومين فقط من جهة كون المقام داخلا في الطواف في ذلك اليوم و خارجا عنه في هذا اليوم و عليه فظاهر الرواية كون موضع المقام غير هذا الموضع الفعلي بل ملصقا بالبيت أو قريبا منه و عليه فيقع الكلام في انّ التغيير بيد من تحقق و في أيّ زمان كان و ما الوجه في تغييره خصوصا بعد كونه من الآيات البيّنات على ما في الكتاب العزيز و قد أمر فيه بلزوم الاتخاذ منه مصلّى و المراد منه هو الحجر الذي يكون ظاهرا ذراعا في ذراع و كان موضع قدم إبراهيم عليه السلام لبناء البيت بعد بناء جدرانه الى حدّ لا يمكن التكميل من غير القيام على الحجر أو مثله أو كان موضع قدمه حين الأذان بالحج المأمور من ناحية اللّٰه بقوله تعالى وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ بل عن العلوي و ابن جماعة

انه لمّا أمر بالنداء و اقام على المقام تطاول المقام حتى كان كاطول جبل على ظهر الأرض فنادى و لمّا بلّغ لم يتحمّل الحجر و غاص فيه رجلاه كما عن الاذر في صاب اخبار مكّة و الصدوق في علل الشرائع و الظاهر ثبوت كلا الوجهين لعدم المانع من الأمرين نعم هنا وجه ثالث بعيد و هو ما حكي عن ابن عبّاس من انه لمّا جاء بطلب ابنه إسماعيل فلم يجده قالت له زوجته انزل فأبى فقالت و عني اغسل رأسك فأتته بحجر فوضع رجله عليه و هو راكب فغسلت شقه ثم رفعته و قد غابت رجله فيه فوضعته تحت الشق الأخر و غسلته فغابت رجله الثانية فيه فجعله اللّٰه من الشعائر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 371

..........

______________________________

و قد ذكر الطبرسي في محكي مجمع البيان و الأزرقي في كتابه المذكور ان من جمله أحجار الجنة على وجه الأرض مقام إبراهيم و الحجر الأسود و هذا أيضا يؤيد الأمرين الأولين المرتبطين ببناء البيت أو الإعلام بالحجّ.

و الذي يتحصّل من ملاحظة التواريخ المختلفة و الروايات و بعض ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في مقام الاعتراض على من قبله من الخلفاء من التحريف و التغيير انّ موضع المقام كان في زمن الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله ملصقا بالبيت أو قريبا منه بحيث لا يمكن عبور الطائف من بينهما بل كان اللازم جعله داخلا في الطواف كالبيت و الظاهر انه كان قريبا من باب الكعبة بل مقتضى ما حكاه أزرقي عن أبي سعيد الخدري ان إبراهيم عليه السلام كان مأمورا أن يجعل المقام قبلة على معنى ان تكون صلوته خلفه بحيث كان

المقام واقعا بينه في حال الصلاة و بين الكعبة و قد تبعه إسماعيل في هذه الجهة بل نقل انّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله كلّما دخل مكة يقع في حال الصلاة مستقبلا للكعبة بالنحو المذكور اي وقوع المقام بينه و بين الكعبة.

أقول لعلّ استمرار السيرة على وقوع صلاة الجماعة في المسجد الحرام خلف المقام و خلوّ دائرة المطاف عن المأمومين مع عدم وقوع الطواف في حال إقامة الجماعة انّما هو لأجل التأسي بالنبي صلّى اللّٰه عليه و آله حيث كان يجعل المقام بينه و بين البيت في حال الصلاة بل أصل لزوم إيجاد صلاة الطواف خلفه مستقبلا للكعبة يؤيّد أنّ قداسة المقام قد بلغت حدّا له خطّ من الكعبة التي هي القبلة.

و كيف كان فالظاهر ان تغيير موضعه القبلي إلى موضعه الفعلي انّما وقع بيد الثاني و لعلّ الداعي له على ذلك ملاحظة انّ وقوع المقام في دائرة الطواف يوجب المشقة على الطائفين من ناحية و سرعة الانهدام على المقام من ناحية أخرى بل لو لم يثبت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 372

..........

______________________________

ما حكي عن أمير المؤمنين عليه السلام مما تقدم من توصيفه بالتحريف لا يكون وجه للحكم بحرمته من جهة انه لم ينهض دليل على حرمة تغيير المقام بالكيفية المذكورة و لعلّه لأجله لم يقع عمله موردا لاعتراض الصحابة و التابعين و ان جعل بعض علماء أهل السنة من المعاصرين ذلك دليلا على عدم صحة إسناد التغيير الى الثاني لكنه كما ترى.

و الانصاف انّ التحقيق في هذا المجال يحتاج الى تتبع زائد و دقة زائدة لكنه مضافا الى رواية محمد بن مسلم المتقدمة الدالة على وقوع التغيير

بعد عهد الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله و زمنه يكون في البين رواية صحيحة أخرى تدل على كون التغيير انّما وقع بيد الثاني و هي رواية زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام قد أدركت الحسين عليه السلام قال نعم أذكر و أنا معه في المسجد الحرام و قد دخل فيه السّيل و النّاس يقومون على المقام يخرج الخارج فيقول قد ذهب به السّيل، و يدخل الداخل فيقول هو مكانه قال فقال يا فلان ما يصنع هؤلاء؟ فقلت أصلحك اللّٰه تعالى يخافون ان يكون السّيل قد ذهب بالمقام فقال لهم: انّ اللّٰه تعالى جعله علما لم يكن ليذهب به فاستقرّوا و كان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه السلام عند جدار البيت فلم يزل هناك حتى حوّله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم فلما فتح النبي صلّى اللّٰه عليه و آله مكّة ردّه الى الموضع الذي وضعه إبراهيم عليه السلام فلم يزل هناك الى ان تولّى عمر فسئل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام فقال رجل انا كنت قد أخذت مقداره بنسع فهو عندي فقام ائتني به فأتاه به فقاسه فردّه الى ذلك المكان «1».

و منه يظهر ان ما وقع منه في قصة سيل أم نهشل المذكورة في تاريخ البخاري كانت مسبوقة بما ذكر في الصحيحة ففي التاريخ المذكور ان سئل لم نهشل لما اتى

______________________________

(1) الفقيه 2: 158، الرقم 681.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 373

..........

______________________________

المسجد أخذ المقام إلى أسفل مكة فلما جفّ الماء أتوا بالمقام و الصفوة بالكعبة و كتبوا الى عمر بذلك فورد مكّة معتمرا في شهر رمضان من ذلك العام

و سئل أهل أحد عنده بمحلّ الحجر فقام المطلب بن وداعة السلمي و قيل رجل من آل عابد- و الأول أشهر- فقال انا كنت أخاف عليه مثل هذا فأخذت مقياسه من محلّه الى الحجر فأجلسه عمر عنده و قال له: ابعث فأتني بالمقياس فاتى به فوضع عمر المقام في محلّه الان.

و كيف كان فلا اشكال فيما يتعلق بالطواف في ان مقتضى الرواية المنجبرة ثبوت الحدّ له و هو مقدار ما بين الكعبة و بين المقام في موضعه الفعلي من جميع جوانب البيت و نواحيه.

و مقتضى إطلاق الرواية كإطلاق المتن تبعا للفتاوى انه لا فرق في اعتبار الحدّ المزبور بين صورتي الاختيار و الاضطرار لكن المحكي عن أبي على الإسكافي التفصيل و أجزاء الطواف خارج المقام مع الضرورة.

و مستنده في ذلك صحيحة الحلبي التي رواها الصدوق بإسناده عن ابان عنه قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الطواف خلف المقام فقال ما أحبّ ذلك و ما ارى به بأسا فلا تفعله الّا ان لا تجد منه بدّا «1». و هي و ان كانت خالية عن المناقشة من حيث السند الّا ان متنها غير خال عن الاضطراب فان الجمع بين قوله: ما أحبّ ذلك و قوله فلا تفعله و بين قوله ما ارى به بأسا الظاهر في عدم الكراهة فضلا عن الحرمة ممّا لا ينبغي و لكن دلالتها على الجواز في صورة الضرورة و اللابدية و ان كانت ناشئة عن الازدحام و كثرة الطّائفين ظاهرة و لأجله لا بد من الالتزام بكون الرواية معرضا عنها و الاعراض موجب لسقوطها عن الحجية و الاعتبار و لو لا ذلك لكان مقتضى القاعدة الجمع بين هذه الرواية و الرواية

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثامن و العشرون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 374

[مسألة 12- لا يجوز جعل مقام إبراهيم عليه السلام داخلا في طوافه]

مسألة 12- لا يجوز جعل مقام إبراهيم عليه السلام داخلا في طوافه، فلو ادخله بطل، و لو أدخله في بعضه أعاد ذلك البعض و الأحوط إعادة الطواف بعد إتمام دوره بإخراجه (1).

[مسألة 13- يضيق محلّ الطواف خلف حجر إسماعيل بمقداره]

مسألة 13- يضيق محلّ الطواف خلف حجر إسماعيل بمقداره و قالوا بقي هناك ستة

______________________________

المتقدمة بتقييد إطلاقها بها و الحكم بالتفصيل بين صورتي الاختيار و الاضطرار الّا ان الاعراض يقتضي ان لا تصل النوبة الى ذلك كما هو ظاهر.

ثمّ انه هل المعتبر وقوع الطواف بين البيت و حائط البناء الذي هو على المقام الأصلي أو بينه و بين نفس المقام التي هي عبارة عن الصخرة التي مرّت الإشارة إلى وصفها فيه وجهان و استظهر صاحب الجواهر الثاني و هو الحقّ لعدم مدخلية الحائط في عنوان المقام بوجه و الذي جعل حدّا في النص و الفتوى هو هذا العنوان كما انه لا ينبغي الإشكال في عدم تغير الحدّ بتغيير المقام فلو حوّل عن مكانه فرضا وجب الطواف في المقدار المخصوص فتدبّر.

(1) بعد ثبوت الحدّ للطواف على ما ذكرنا و كونه ما بين البيت و المقام لا إشكال في بطلان طواف من جعل المقام داخلا في طوافه في جميع اشواطه السبعة لخروجه عن الحدّ و قد صرحت الرواية المتقدمة بأن الطواف في خارج الحدّ اي و لو في جزء منه بمنزلة الطواف خارج المسجد الذي لا شبهة في بطلانه.

و امّا لو فرض ذلك في شوط واحد أو أزيد فاللازم اعادة ذلك المقدار الواقع خلف المقام أوّلا ثم ادامة الطواف و الإتيان بما يكون مترتبا عليه و متأخرا عنه و لا يلزم اعادة الشوط من رأس أي من الحجر الأسود لعدم الدليل على اللزوم و عليه فلا

يكون الطواف خلف المقام كالطواف من داخل الحجر حيث قام الدليل فيه على لزوم اعادة الشوط من رأس و لا تكفي إعادة ذلك المقدار نعم لا شبهة في ان مقتضى الاحتياط الاستحبابي الجمع بين الإتمام بعد اعادة ذلك المقدار و بين اعادة الطواف رأسا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 375

اذرع و نصف تقريبا فيجب ان لا يتجاوز هذا الحدّ، و لو تخلف أعاد هذا الجزء في الحدّ (1).

[السادس: الخروج عن حائط البيت و أساسه]

السادس: الخروج عن حائط البيت و أساسه فلو مشى عليهما لم يجز و يجب جبرانه، كما انه لو مشى على جدران الحجر وجب الجبران و اعادة ذلك الجزء، و لا بأس بوضع اليد على الجدار عند الشاذروان و الاولى تركه (2).

______________________________

(1) مستند الضيق بالمقدار المذكور هو الجمع بين الرواية المتقدمة الدالة على ان حدّ الطواف بين البيت و المقام و بين ما تقدم مما دلّ على ان الحجر لا يكون جزء من البيت بل يكون بجميع اجزائه خارجا عنه و عليه فاللازم ملاحظة الحدّ في جانبه من نفس البيت و استثناء مقدار الحجر الذي هو قريب من عشرين ذراعا فلا يبقي إلا ستة أذرع و نصف تقريبا و يتحقق الضيق جدّا.

هذا و الظاهر عندي عدم تحقق الضيق في ناحية الحجر بوجه و انّ مقدار المطاف يلاحظ من الحجر و ان كان خارجا عن البيت بجميع اجزائه و ذلك لانه لو كان محل الطواف ضيقا في هذه الناحية لكانت كثرة الابتلاء مقتضية بل موجبة للتعرض له صريحا و التنبيه عليه و لو في رواية واحدة مع انه لا يوجد ذلك في شي ء من الرّوايات و لم يتحقق التنبيه على ذلك و لو في

مورد فيكشف ذلك عن عدم تحقق الضيق أصلا و ان المقدار المذكور يلاحظ في ناحية الحجر من الحجر و ان كان خارجا عن البيت فتدبر.

(2) اعتبار هذا الأمر انّما هو لأجل دلالة مثل قوله تعالى وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ و الرواية الواردة في هذه الجهة على لزوم كون الطواف بالبيت في مقابل كونه على البيت أو في البيت و قد نفي الخلاف و الاشكال في ذلك في الجواهر و عليه فلو مشى على حائط البيت لم يجز و لم يحب ذلك المقدار جزء من الطواف و اللازم جبرانه و إعادته كما انه لو مشى على أساس البيت الذي يسمى بالشاذروان و هو القدر الباقي من أساس الحائط بعد عمارته و بنائه لا يجزي لانه مما قطع الأصحاب بكونه من الكعبة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 376

[السّابع: ان يكون طوافه سبعة أشواط]
اشارة

السّابع: ان يكون طوافه سبعة أشواط (1).

______________________________

و من أجزاء البيت كما عن المدارك بل المحكي عن غير الإمامية كالشافعية و الحنابلة و بعض متأخري المالكية نعم عن بعض الشافعية نفي كونه من البيت و جواز الطواف على الشاذروان لكن الثابت عند غيرهم و عندنا خلافه و ان الشاذروان من البيت فلا يجوز الطواف عليه و يغلب على الظن و ان كان التاريخ لا يؤيده بوجه ان الوجه في ثبوت الشاذروان رعاية استحكام حائط البيت لكونه من الحجر و يحتاج دوامه إلى أساس كان عرضه أكثر من عرض الجدار و ان كان يبعده عدم وجود الشاذروان في بعض نواحي البيت.

بقي في هذا الأمر فرعان:

الفرع الأوّل انه لو مشى على جدران الحجر وجب الجبران و اعادة ذلك الجزء لانه و ان كان الحجر خارجا عن

البيت كما عرفت لكنه يلزم ان يعامل معه معاملة البيت في لزوم كون الطواف به و لازمة خروجه بجدرانه عن الطواف و وقوعه في خارجه و عليه فالمشي على جدران الحجر كالمشي على جدران البيت أو أساسه المسمّي بالشاذروان فاللازم الجبران و الإعادة.

الفرع الثاني انه هل يجوز وضع اليد على الجدار عند الشاذروان أم لا نفي البأس عنه في المتن و جعل الاولى تركه لكن عن التذكرة عدم جواز مسّ الطائف الجدار بيده في موازاة الشاذروان لانه يكون بعض بدنه في البيت فلا يتحقق الشرط الذي هو خروجه عنه بجميعه بل لو كان كما لو وضع أحد رجليه اختيارا على الشاذروان و عليه فالحكم بعدم الجواز لو لم يكن بنحو الفتوى فلا أقلّ من الاحتياط الوجوبي و منه يظهر ان مقتضى الاحتياط عدم وضع اليد على جدار الحجر أو فوقه كما لا يخفى.

(1) أصل اعتبار ان يكون الطواف سبعة أشواط ممّا اتفق عليه علماء المسلمين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 377

[مسألة 14- لو قصد الإتيان زائدا عليها أو ناقصا عنها بطل طوافه]

مسألة 14- لو قصد الإتيان زائدا عليها أو ناقصا عنها بطل طوافه و لو أتمّه سبعا، و الأحوط إلحاق الجاهل بالحكم بل السّاهي و الغافل بالعامد في وجوب الإعادة (1).

______________________________

و استمرت السيرة العملية القطعية المتصلة بزمان المعصوم عليه السلام على رعايته و لأجله لم يقع التعرض له في الروايات و لم يقع في شي ء منها السؤال عن الكمية و مقدار الشوط كما وقع السؤال عنّ الحدّ- مثلا- على ما عرفت في رواية محمد بن المسلم المتقدمة الواردة في حدّ الطواف بل الروايات الواردة في هذا المجال قد وقع التعرض فيها لبعض فروع هذا الأمر و مسائله مثل الشك

بين الستة و السبعة أو الزيادة على السبعة أو القران بين أسبوعين و أشباهها نعم ورد في بعض الروايات الواردة في مقام بيان اعمال الحج و العمرة و مناسكهما التعرض للسبع بنحو الإجمال و العمدة ما مرّ من ان وضوحه اغني عن بيانه أو السؤال عنه فلا شبهة في أصل اعتبار هذا الأمر.

(1) في هذه المسألة أمران:

أحدهما انه لو كان المقصود من أوّل الشروع في الطواف الإتيان بالزيادة بعنوان الجزئية للطواف أو الإتيان بالناقص كذلك فطوافه باطل و ان كان المأتي به خارجا هي السبعة و ذلك لعدم تعلق القصد بما هو الواجب و هو الطواف سبعة أشواط فلم يتعلق النية بما هو جزء للحج أو العمرة و قد عرفت في أوّل مباحث واجبات الطواف لزوم رعاية النية المتعلقة بعنوان الطواف الواجب و عليه ففي الموردين ما وقع لم يقصد و ما قصده لم يقع فهو كما لو قصد الإتيان بصلاة الصبح- مثلا- ثلث ركعات أو ركعة واحدة فإنه لا يمكن ان يقع صحيحا بوجه.

ثانيهما انه لا شبهة في الحال الجاهل المقصر بالعامد في اعتبار الأمر المذكور الذي يترتب عليه البطلان مع نيّة غيره زيادة أو نقيصة و امّا الجاهل القاصر و الساهي و الغافل فهل يلحق به أم لا احتاط في المتن وجوبا بالإلحاق و لعلّ الوجه في عدم الفتوى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 378

[مسألة 15- لو تخيل استحباب شوط بعد السبعة الواجبة]

مسألة 15- لو تخيل استحباب شوط بعد السبعة الواجبة فقصد أن يأتي بالسبعة الواجبة و اتى بشوط أخر مستحبّ صحّ طوافه (1).

______________________________

بذلك انه لم ينهض دليل لفظي على إطلاق جزئية سبعة أشواط و مدخليتها في الطواف حتى يكون مقتضاه عدم الفرق بين

الموارد المذكورة بل قد عرفت ان عمدة الدليل هي السيرة العمليّة المستمرة و من الظاهر ان السيرة دليل لبي لا إطلاق له بل القدر المتيقن منها العالم و العامد و من بحكمه من الجاهل المقصر فلا يشمل غيرهما من الموارد.

هذا و لكنك عرفت في أوّل مباحث الطواف في البحث عن مقتضى القاعدة و انه هل هي الركنية أو عدمها ان التحقيق يقتضي المصير إلى الرّكنية بالمعنى الخاص الموجود في الحج و هو كون الإخلال به موجبا للبطلان إذا كان عن عمد سواء كان عالما أو جاهلا و لا يكون الإخلال الناشئ عن مثل النسيان موجبا له لكنه فيما إذا كان الدليل على الجزئية دليلا لفظيّا صالحا للتمسك بإطلاقه فلو فرض وجوده في المقام فاللازم التفصيل بين صورة الجهل و بين صورة النسيان و مثله و مع عدمه كما في المقام لا وجه لإلحاق شي ء منهما بالعالم العامد و عليه فالاحتياط في المقام استحبابي لا وجوبي كما في المتن فتدبّر.

(1) الوجه في صحة الطواف في مفروض المسألة ظاهر لانه لم يقصد بعنوان الطواف الواجب الذي هو جزء للعمرة أو الحجّ إلّا سبعة أشواط و اتى بها خارجا بهذا العنوان غاية الأمر أنه اعتقد على خلاف الواقع استحباب شوط أخر زائد على ما هو الواجب من السبعة و عمل على طبق هذا الاعتقاد و لا دليل على قدحه في الطواف الواجب بل وجود الزائد كالعدم و عليه فلا مجال للإشكال في صحة طوافه و ليس هذا الفرض مثل ما إذا زاد على سبعة أشواط عمدا أو سهوا فان مورد، هناك وقوع المجموع بعنوان الطواف الواجب بخلاف ما هنا حيث ان الزائد قد اتى به بعنوان الاستحباب.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 379

[مسألة 16- لو نقص من طوافه سهوا فان جاوز النصف فالأقوى وجوب إتمامه]

مسألة 16- لو نقص من طوافه سهوا فان جاوز النصف فالأقوى وجوب إتمامه الّا ان يتخلّل الفعل الكثير فح: الأحوط الإتمام و الإعادة، و ان لم يجاوزه أعاد الطواف لكن الأحوط الإتمام و الإعادة (1).

[مسألة 17- لو لم يتذكر بالنقص الّا بعد الرجوع الى وطنه مثلا]

مسألة 17- لو لم يتذكر بالنقص الّا بعد الرجوع الى وطنه مثلا- يجب مع الإمكان الرجوع الى مكّة لاستينافه، و مع عدمه أو حرجيّته تجب الاستنابة و الأحوط الإتمام ثم الإعادة.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 4، ص: 379

______________________________

(1) التفصيل المذكور في المتن بين ما إذا تجاوز النصف و بين ما إذا لم يتجاوز بالحكم بوجوب الإتمام في الصورة الاولى و وجوب اعادة الطواف من رأس في الصورة الثانية هو المشهور بل عن الرياض: لا يكاد يظهر فيه الخلاف الّا من جمع ممّن تأخر حيث قالوا: لم نظفر بمستند لهذا التفصيل بل الموجود في محكيّ التهذيب و التحرير و التذكرة و المنتهي انّ من طاف ستّة أشواط و انصرف فليضف إليها و لا شي ء عليه. و حكي عن صاحب المدارك الاستشكال في الحكم بالصحّة و اختصاصه بما إذا كان المنسيّ شوطا واحدا.

و ما ورد في هذا المجال روايتان:

إحديهما موثقة الحسن بن عطيّة قال سأله سليمان بن خالد و انا معه عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام و كيف طاف ستة أشواط قال: استقبل الحجر و قال اللّٰه أكبر و عقد واحدا فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام يطوف شوطا فقال سليمان فإنه فاته ذلك حتى اتى أهله قال:

يأمر من يطوف عنه «1». و ذكر العلامة المجلسي قدّس سرّه في المرآة في مقام بيان المراد من قوله: استقبل الحجر .. انه كان منشأ غلطه انه حين ابتداء الشوط عقد واحدا فلمّا كملت الستّة عقد السبعة فظنّ الإكمال و لا إشكال في دلالة الرواية على

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 380

..........

______________________________

صحة الطواف في موردها و لكنه لا اشعار فيها بالاختصاص بما إذا كان المنسيّ شوطا واحدا لوجود الفرق بين ما إذا كان المورد مفروضا في كلام الامام عليه السلام و بين ما إذا كان مذكورا في كلام السّائل حيث انه يجري في الأوّل احتمال الاختصاص دون الثاني نعم حيث انه وقع في جملة من الموارد التفصيل بين صورتي التجاوز عن النصف و عدمه لا يبقى مجال للاستناد إليها بالإضافة إلى صورة عدم التجاوز أيضا و امّا ما في ذيل الرواية من قوله عليه السلام: يأمر من يطوف عنه فيجري فيه احتمال لزوم الاستنابة في جميع الطواف و احتمال لزوم الاستنابة في خصوص الشوط الواحد المنسي و قد عبّر عنه بالطّواف في الرواية في الجملة السّابقة.

ثانيتهما موثقة إسحاق بن عمّار قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجل طاف بالبيت ثم خرج الى الصّفا فطاف بين الصفا و المروة فبينما هو يطوف إذ ذكر انّه قد ترك بعض طوافه بالبيت قال: يرجع الى البيت فيتم طوافه ثم يرجع الى الصّفا و المروة فيتمّ ما بقي «1». و كلمة «البعض» و ان كانت مطلقة بحسب اللغة شاملة للجزء القليل و الكثير من المركب المشتمل على أجزاء متعددة الّا انّها بحسب العرف

ظاهرة في الجزء القليل الذي يكون أقلّ من النصف نعم مقتضى إطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب انه لا فرق في الحكم المذكور بين ما إذا خرج الى الصفا للسعي بعد الطواف بلا فصل أو أخّر السّعي حيث انّه يجوز تأخيره عن الطواف الى الليل كما سيأتي.

هذا و الرواية في المقام منحصرة بهاتين الرّوايتين و امّا صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال قلت رجل طاف بالبيت و اختصر شوطا واحدا في الحجر قال: يعيد

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 381

..........

______________________________

ذلك الشوط «1». فلا ترتبط بالمقام لان موردها، إذا طاف من داخل الحجر جهلا منه بلزوم كون الطواف واقعا خارجا عن الحجر و مورد البحث في المقام هو النسيان و لا يجب فيه اعادة مجموع الشوط حتى الأجزاء الواقعة صحيحة و عليه فالرواية لا تكون من روايات المقام و ان عدّها صاحب الجواهر منها.

و كيف كان فقد ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه بعد نقل الروايات المتقدمة ما لفظه:

«قلت يمكن ان يكون مستند التفصيل المزبور فحوى ما تسمعه من النصوص في مسألة عروض الحدث في الأثناء بل قد تقدم في بحث ان الحائض و النفساء إذا منعهما عذرهما عن إتمام العمرة يعدلان الى الافراد و القران من النصوص ما هو مشتمل على التعليل الشامل للمقام ففي خبر إبراهيم بن إسحاق عمن سئل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت قال: تتمّ طوافها فليس عليها غيره و متعتها تامة فلها ان تطوف بين الصفا و المروة و ذلك لأنّها زادت

على النصف و قد مضت متعتها و لتستأنف بعد الحجّ «2». و خصوص المورد لا يقدح في عموم التعليل المؤيّد بما سمعت و فحوى ما تسمعه في المريض و غيره ممّا هو ظاهر في كون المدار في صحة الطواف تجاوز النصف و عدمه مضافا الى فتوى الأصحاب».

هذا و لكن الظاهر ان دعوى توسعة دائرة التعليل و عمومها لمثل المقام مما يكون الإخلال بالطواف و نقصه من ناحية الجزء لا من ناحية الشرط مشكلة جدّا بل يمكن ان يقال بأنه لا دليل على العموم في ناحية الشرط إذا كان الإخلال به اختياريّا كما إذا أحدث بعد التجاوز عن النصف اختيارا نعم فيما إذا عرض له الحدث من غير اختيار

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الثلاثون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الخامس و الثمانون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 382

..........

______________________________

سواء كان هو الأصغر و الأكبر مثل الجنابة غير الاختيارية العارضة له بعد التجاوز عنه في الطواف يكون مقتضى عموم التعليل جريان الحكم فيه و امّا في مثل المقام فلا يحصل الاطمئنان بالعموم المذكور و يمكن ان يقال بانّ ضمّ الروايتين الواردتين في المقام مع ملاحظة انّ رواية ابن عطيّة و ان كانت لا اختصاص له بخصوص ما إذا كان المنسيّ خصوص شوط واحد الّا انّ إلغاء الخصوصية منها ليس بمقدار يشمل ما إذا كان المنسيّ متجاوزا عن النصف بل يشمل ما إذا كان شوطين أو ثلاثة أشواط و رواية ابن عمّار يكون الظاهر من عنوان «البعض» المنسيّ من الطواف المتذكّر له في أثناء السعي هو البعض غير البالغ حدّ النصف على ما هو المتفاهم منه في الاستعمالات

العرفية فإنّ ضمّهما الى التعليل الذي يصلح لان يكون مؤيّدا و ان كانت صلاحيته للاستدلال به مخدوشة على ما عرفت ينتج صحة التفصيل الذي ذهب اليه المشهور.

هذا و لكن بعض الأعاظم قدّس سرّه على ما في تقريرات بحثه ناقش في الاستناد بعموم التعليل بوجوه عمدتها وجهان:

الوجه الأوّل ان التعليل الوارد في بعض روايات الحيض يكون بالتعبير بقوله عليه السلام:

لأنّها زادت على النصف و قد بين في محلّه ان خبر انّ المفتوحة يؤول إلى المصدر فيكون نظير قولنا أكرم زيدا لعلمه لا نظير قولنا أكرمه فإنه عالم و- ح- يكون ملاكا لا علّة و العلة التي يراد بها الموضوع يؤخذ بعمومها لان الحكم دائر مدارها وجودا و عدما بخلاف الملاك فان الحكم و ان كان لا يمكن ان يكون بلا ملاك الّا انه يمكن ان يكون الملاك موجودا و الحكم غير موجود لوجود مانع عنه نظير أن الصلاة لم تكن واجبة في صدر الإسلام مع كون الملاك ثابتا فيها و ذلك لوجود المانع و هذا بخلاف العلّة التي هي الموضوع فلا يمكن انفكاك الحكم عنها وجودا و عدما.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 383

..........

______________________________

و يرد عليه انّ مرجع كلامه الى الفرق بين قوله: أكرم زيدا لانه عالم و بين قوله أكرم زيدا فإنه عالم مع انه لا فرق بينهما في المتفاهم العرفي بوجه و ان كان أحدهما مع اللام و انّ المفتوحة و الأخر مع الفاء و انّ المكسورة نعم يمكن قبول الفرق بين المثالين اللذين ذكرهما و امّا في المقام فلا و يمكن ان يكون الأوّل إلى المصدر المذكور في انّ المفتوحة لم يكن بمثابة ترجع الى كونه قائما مقام

المصدر في جميع الجهات و تمام الآثار فتدبر و كيف كان فالمناقشة في عموم التعليل من هذا الطريق لا تكون مقبولة بوجه.

الوجه الثاني تعارض عموم التعليل مع رواية حبيب بن مظاهر التي رواها عنه حمّاد بن عثمان قال: ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا واحدا فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه فخرجت فغسلته ثم جئت فابتدأت الطواف فذكرت ذلك لأبي عبد اللّٰه عليه السلام فقال: بئس ما صنعت كان ينبغي لك ان تبني على ما طفت ثم قال اما انه ليس عليك شي ء «1». نظرا الى صراحتها في صحة الطواف مع قطعه لغسل انفه من الدّم مع انه لم يأت إلّا بشوط واحد فتخالف التعليل المذكور.

و لكنه أجاب عن هذا الوجه بضعف سند الرواية قال: فإنه مع قطع النظر عن أصل اسناد الصدوق قدّس سرّه الى حمّاد نقول: انه ضعيف بحبيب بن مظاهر فإنه لو كان المراد به الشهيد بالطف فلا إشكال في وثاقته لكنه لم يكن في زمان أبي عبد اللّٰه عليه السلام و هذا الحديث مرويّ عنه مع ان الراوي عنه هو حمّاد و هو كان في زمان أبي عبد اللّٰه عليه السلام فلا نعرف انّ حبيبا هذا من هو، الّا ان يقال ان المراد من أبي عبد اللّٰه عليه السلام هو الحسين بن على عليه السلام (و لأجله وصفه صاحب الوسائل بالحسين في نقل الرواية) و المراد من

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 384

..........

______________________________

حبيب بن مظاهر هو الشهيد بالطف و ان حماد بن عثمان في ذلك الزمان كان موجودا و بقي إلى زمان الصادق عليه السلام فهو

من المعمرين و لكن مع ذلك كلّه هذا صرف احتمال لا يوجب تصحيح الخبر فيتعين طرحه لضعف سنده.

أقول: كما انه لا يجدي في تصحيح الخبر كون حمّاد من أصحاب الإجماع لما مرّ غير مرة من انّ كون الراوي من أصحاب الإجماع لا يراد به الّا مجرد كونه مجمعا على وثاقته و صحة روايته من حيث نفسه و امّا انه لا يحتاج الى النظر في حال من قبله في السّند فلا يستفاد من ذلك بوجه.

و يمكن ان يقال بأنه على تقدير الصحة أيضا لا تعارض بين الرواية و التعليل بعد كون مورده الحدث و الرواية واردة في الخبث و عليه فالعمدة في مستند المشهور ما ذكرنا.

بقي الكلام في المسألتين في أمرين:

الأمر الأوّل انه وقع في المتن بعد الحكم بوجوب الإتمام فيما إذا جاوز النصف استثناء صورة تخلل الفعل الكثير و احتاط فيه وجوبا بالإتمام و الإعادة و هذا الاستثناء غير موجود في كلام المشهور و الظاهر انه ليس المراد من تخلل الفعل الكثير ما يرجع الى الموالاة فإنه يمكن الإخلال بها من دون ان يتحقق الفعل الكثير و عليه فيقع الكلام في سند هذا الاستثناء.

و الظاهر ان مستنده رواية ابن عطية المتقدمة المشتملة على قول السائل فإنه فاته ذلك حتى اتى اهله و جوابه عليه السلام بقوله يأمر من يطوف عنه نظرا الى ان الرجوع الى الوطن و الأهل مستلزم للفعل الكثير عادة و الجواب ظاهر في لزوم الاستنابة في مجموع الطواف لا خصوص الشوط الواحد المنسيّ و حيث انه لم يقع الفتوى به من المشهور

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 385

[مسألة 18- لو زاد على سبعة سهوا]

مسألة 18- لو زاد على سبعة سهوا فان

كان الزائد أقلّ من شوط قطع و صحّ طوافه.

و لو كان شوطا أو أزيد فالأحوط إتمام سبعة أشواط أخر بقصد القربة من غير تعيين الاستحباب أو الوجوب و صلّي ركعتين قبل السّعي و جعلهما للفريضة من غير تعيين للطواف الأول أو الثاني و صلي ركعتين بعد السعي لغير الفريضة (1).

______________________________

فاحتاط وجوبا بالجمع بين الأمرين.

هذا و لكن الاستظهار المذكور محل نظر بل منع لما عرفت من انه يحتمل ان يكون المراد هو طواف الشوط الواحد و قد عبر في الرواية عن الشوط الواحد بالطواف و عليه فالاحتياط المذكور استحبابي كما ذكرناه في التعليقة.

الأمر الثاني انه ربما يمكن ان يتخيل ان قوله عليه السلام في رواية ابن عطية: يأمر من يطوف عنه، ظاهر في جواز الاستنابة و لو مع القدرة على رجوعه بنفسه إلى مكة و عدم كونه مستلزما للحرج على خلاف ما إذا كان المنسي مجموع الطواف فان اللازم في المرتبة الأولى الرجوع بنفسه و مع عدم الإمكان أو استلزام الحرج تجوز الاستنابة.

و الظاهر بطلان هذا التخيل و عدم ثبوت الإطلاق في مثل المقام فان الرجوع الى الأهل في تلك الأزمنة كان ملازما لعدم إمكان الرجوع أو حرجيّته و عليه فلا مجال لدعوى الإطلاق و ترك الاستفصال بل الظاهر ثبوت الترتيب كما في المتن فتدبر.

(1) في هذه المسألة فرعان:

الفرع الأوّل ما إذا زاد على سبعة أشواط سهوا و كانت الزيادة غير بالغة الى شوط كامل فيكون تذكره قبل البلوغ الى الركن العراقي الذي فيه الحجر الأسود و المحكي عن الشيخ و بني زهرة و البرّاج و سعيد و الفاضل و صريح المحقق في الشرائع بل المشهور كما في الجواهر هو ما في المتن من لزوم القطع

و صحة الطواف.

و الدليل عليه رواية أبي كهمس قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل نسي فطاف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 386

..........

______________________________

ثمانية أشواط قال ان ذكر قبل أن يبلغ الركن فليقطعه «1». و في نقل أخر زيادة: و قد أجزاء عنه و ان لم يذكر حتى بلغه فليتمّ أربعة عشر شوطا و ليصل اربع ركعات «2».

و ضعف السند منجبر بفتوى المشهور على طبقها و الاستناد إليها لكن في مقابل الرواية صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال سمعته يقول من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا ثم ليصلّ ركعتين «3». و حيث انّ الدخول في الثامن مطلق شامل لما إذا دخل فيه و أتمّه و ما إذا دخل فيه و لم يتمّه تكون رواية أبي كهمس المفصلة بين الفرضين مقيدة لإطلاقها و موجبة لاختصاصها بالأوّل و دعوى اختصاص الدخول في الثامن بما إذا لم يتمّه ممنوعة جدّا.

مع ان الروايات المتعددة الآتية في الفرع الثاني الدالة على الإتمام أربعة عشر أشواطا يكون موردها تحقق الطواف ثمانية أشواط و ظاهرها مدخلية التمامية المذكورة في الحكم بالإتمام و عدم تحققه بدونها فتكون قرينة على ان المراد بالدخول أيضا ذلك.

الفرع الثاني ما إذا كانت الزيادة المفروضة شوطا أو أزيد و الكلام فيه يقع من جهات:

الجهة الاولى في صحة الطواف المأتي به و عدم لزوم إعادته من رأس و بطلانه رأسا بحيث تجب إعادته كذلك فالمشهور هي الصحّة لكنه حكي عن الصدوق في المقنع انه قال: «و ان طفت بالبيت الطواف المفروض ثمانية أشواط فأعد الطواف و روى: يضيف

______________________________

(1) الوسائل

أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 3.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 4.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 387

..........

______________________________

إليها ستّة فيجعل واحدا فريضة و الأخر نافلة» و قد استفيد من كلامه ثبوت التخيير بين الأمرين لأنّه يعمل بجميع رواياته و لكن الظاهر عدم دلالة العبارة الّا على اختيار وجوب الإعادة و النسبة إلى الرواية تشعر بتمريضها و عليه فمرجع كلامه الى ترجيح الرواية الدالة على البطلان.

و حكي صاحب الجواهر قدّس سرّه عن بعض من قارب عصره من الناس الحكم ببطلان السبعة و الاعتداء بالثامن خاصة مكمّلا له ستة على انه الطواف الواجب.

و كيف كان فالبحث من هذه الجهة تارة فيما تقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن الروايات الواردة في المسألة و اخرى بلحاظ تلك الروايات.

امّا مقتضى القاعدة فقد ذكر صاحب الجواهر انه عبارة عن الفساد بالإضافة الى الثاني و الأوّل لعدم النية و لتحقق الزيادة و الظاهر صحة ما أفاده بالنسبة إلى الطواف الثاني و امّا بالنسبة إلى الطواف الأوّل فحيث ان الزيادة تكون سهوية يكون مقتضى حديث رفع الخطأ و النسيان عدم البطلان فالقاعدة لا تقتضي البطلان بوجه.

و امّا الرّوايات فطائفة كثيرة منها ظاهرة بل صريحة في الصحة مثل:

صحيحة أبي أيّوب قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف الفريضة قال: فليضم إليها ستّا ثم يصلّي اربع ركعات «1». و الظاهر اختصاص مورد السؤال بصورة النسيان و لا أقل من انها القدر المتيقن من إطلاقه مع ان الصحة في العمد تستلزم الصحة في السهو بطريق اولى.

و منها صحيحة رفاعة قال كان

عليّ عليه السلام يقول إذا طاف ثمانية فليتم أربعة عشر

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 388

..........

______________________________

قلت يصلي اربع ركعات قال يصلّي ركعتين «1».

و منها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال قلت له رجل طاف بالبيت فاستيقن انه طاف ثمانية أشواط قال يضيف إليها ستّة و كذلك إذا استيقن انه طاف بين الصفا و المروة ثمانية فليضف إليها ستّة «2». و التعبير بالاستيقان خصوصا بصورة التفريع ظاهر في ان مورد السؤال خصوص صورة النسيان هذا و الرواية واحدة و ان جعلها في الوسائل و في الكتب الفقهية روايات متعددة خصوصا مع كون الراوي عن محمد بن مسلم هو علا في الجميع و ان كان بينها اختلاف في التعبير في الجملة.

و منها رواية عليّ بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال سئل- و انا حاضر- عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط فقال: نافلة أو فريضة فقال فريضة فقال: يضيف إليها ستّة فإذا فرغ صلّي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ثم خرج الى الصفا و المروة فطاف بينهما فإذا فرغ صلّي ركعتين أخراوين فكان طواف نافلة و طواف فريضة «3».

و في مقابل هذه الروايات روايات أخر:

منها موثقة عبد اللّٰه بن محمد عن أبي الحسن عليه السلام قال الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها فعليك الإعادة و كذلك السّعي «4».

و ربما يقال ان الظاهر منها الزيادة العمدية لأن الزيادة العمدية في الصلاة توجب البطلان غالبا و عليه فالنسبة بينهما و بين الروايات المتقدمة نسبة الخاص و العام فيخرج العامد منها و ينحصر

موردها بالنّاسي.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 9.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 12.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 15.

(4) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 389

..........

______________________________

هذا و لكنك عرفت اختصاصها في نفسها بالناسي خصوصا مع التعبير بالاستيقان في بعضها و عليه فموردهما مختلف و لا ارتباط بينهما حتى بنحو العموم و الخصوص.

و منها صحيحة أبي بصير قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض قال: يعيد حتى يثبته «1».

و لأبي بصير رواية أخرى يحتمل اتحادها مع الاولى و في سندها إسماعيل بن مرار الذي يكون فاقدا للتوثيق الخاص بل من اسناد كتاب تفسير على بن إبراهيم القمي مع انّها مضمرة و ان كان الظاهر بلحاظ كونه مسبوقا بسؤال أخر كون مرجع الضمير مشخصّا قال- في حديث- قلت له فإنّه طاف و هو متطوع ثماني مرّات و هو ناس قال: فليتمّه طوافين ثم يصلي اربع ركعات، فأمّا الفريضة فليعد حتى يتمّ سبعة أشواط «2».

و لا خفاء في دلالتهما على وجوب الإعادة و البطلان في المقام خصوصا مع فرض خصوص النسيان في الرواية الثانية و عليه فالمعارضة متحققة بينهما و بين الروايات المتقدمة و حيث ان الشهرة الفتوائية موافقة للطائفة الاولى فلا بد من الأخذ بها و الحكم بالصحة و عدم لزوم الإعادة من رأس.

و من الغريب ما ذكره بعض الاعلام قدّس سرّه في مقام الجمع بين الطائفتين من ان الواجب إذا كان امرا واحدا و ورد عليه أمران مختلفان تقتضي القاعدة التخيير بين الأمرين فح ما ذكره

الصدوق من التخيير هو الصحيح ثم قال: هذا ما تقتضيه الصناعة و لكن حيث ان الأمر يدور بين التعيين و التخيير فالاحتياط يقتضي أن يتم الزائد و يجعله طوافا كاملا بقصد القربة المطلقة.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 390

..........

______________________________

و يرد عليه مضافا الى ما عرفت من عدم دلالة عبارة الصدوق في المقنع على التخيير و الى انه لا معنى للتخيير بين الصحة و البطلان أصلا ان الاحتياط في الدوران بين التعيين و التخيير في الأخذ بالمعيّن انّما هو لأجل حصول العلم بكونه موافقا بالمأمور به و إتمام الزائد و جعله طوافا كاملا لا يتحقق به ذلك بعد احتمال بطلان الطواف رأسا و لزوم إعادته بجميع اشواطه فما أفاده في غاية الغرابة و التحقيق ما ذكرنا.

الجهة الثانية في انه بعد الفراغ عن صحّة الطواف الذي زيد عليه شوط واحدا و أزيد نسيانا بمقتضى القاعدة و الروايات المتقدمة يقع الكلام في لزوم الإكمال و الإتمام أربعة عشر أشواطا و استحبابه و عدم لزوم الإكمال فيجوز الاقتصار على المأتي به فيه وجهان حكي في الجواهر عن الفاضل و الشهيدين انهم قد صرّحوا باستحباب الإكمال و استظهره من المحقق في الشرائع و غيره ممّن عدّه في ذكر المندوبات و اختاره هو أيضا مستندا الى الاتفاق على عدم وجوب طوافين و التصريح في بعض الروايات الصحيحة بأن أحدهما فريضة و الأخر ندب بضميمة ان مقتضى الأصل بقاء الأوّل على وجوبه و من المستبعد انقلاب ما نواه واجبا للندب بالنية المتأخرة.

و ذكر بعض الاعلام قدّس سرّه ما حاصله

انه لا ريب في ان الأمر بالتكميل ليس امرا تكليفيّا وجوبيّا جزما لان الطواف ليس كالصلاة في وجوب المضي و حرمة القطع كما ادعي عليه الإجماع في الصّلاة و لا كأصل الحج و العمرة في وجوب الإتمام بل الطواف يجوز قطعه اختيارا و رفع اليد عنه و يذهب حيث شاء ثم يأتي به و يستأنفه برأسه من دون فرق بين ان يكون قبل الثلاثة أو بعدها و عليه فالأمر بالإكمال في الروايات لا يكون امرا وجوبيّا بل هو من الأمر في مقام توهم الحظر و المراد انه يصحّ له و يجوز له التتميم بإتيان البقية فالمستفاد منها صحة الطوافين خصوصا مع الأمر بإتيان أربع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 391

..........

______________________________

ركعات لكن لا يستفاد منها ان الأوّل واجب و الثاني مستحب أو العكس و المرجع هو أصالة عدم اشتراط صحة الطواف الأوّل بإتمام الطواف الثاني كما ان الأصل عدم انقلاب الطواف الأول من الوجوب الى الندب بل الأصل يقتضي بقائه على الوجوب.

أقول لا ينبغي الإشكال في انّ ظاهر الروايات المتقدمة وجوب الإتمام أربعة عشر أشواطا أو اضافة الستة إلى الثمانية على الاختلاف في العبارة و لا بدّ في البين من وجود قرينة يرفع اليد بسببها عن الظهور المذكور و الّا لا مجال لرفعها عنه سواء قلنا بانّ مقتضى ظاهرها الوجوب الشرطي بمعنى مدخلية الإكمال في صحة الطواف الأول أو الوجوب التكليفي الذي مرجعه الى كون التكميل عقوبة مترتبة على اضافة مثل الشوط و لو سهوا كلزوم سجدتي السهو المترتب على الإتيان بالزيادة السهوية غير المبطلة في باب الصلاة حيث انه عقوبة مترتبة عليها.

و ما أفاده في الجواهر من الاتفاق على

عدم وجوب طوافين لا يكون قرينة على الخلاف فان مرجعه الى عدم لزوم طوافين في عمرة واحدة أو حجّ واحد بحيث كان كل منهما متّصفا بعنوان الجزئية لشي ء منهما و امّا مدخلية الطواف الثاني في صحة الطواف الذي هو جزء له أو وجوبه بعنوان العقوبة الخارجة عن حقيقة الحج أو العمرة فلا يقتضي الإجماع المذكور نفيه كما ان استدلال بعض الاعلام بما عرفت لا يكون بتامّ خصوصا مع جعله مقتضى الأصل عدم اشتراط صحة الطواف الأوّل بالإتمام فإن مرجعه الى وجود الاحتمال في هذا المجال و مع هذا الاحتمال إذا كان ظاهر الدليل موافقا له كيف يجوز رفع اليد عنه و حمله على كون الأمر فيه واردا في مقام توهم الحظر و جواز قطع الطواف في سائر الموارد بخلاف الصلاة لا يستلزم ان يكون الحكم في المقام أيضا ذلك على انه لا دلالة في الروايات على لزوم وقوع الإتمام و الإكمال فورا و ان كان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 392

..........

______________________________

اللازم على تقدير كون الأوّل فريضة و الثاني نافلة ذلك لئلا يتحقق الفصل الطويل بين الطواف و صلوته.

و يؤيد بل يدل على وجوب الإكمال ما حكي عن الصدوق و والده و ابن الجنيد من ان طواف الفريضة هو الطواف الثاني على ما في بعض الروايات الصحيحة الآتية أيضا.

نعم في بعض الروايات المتقدمة ان أحد الطوافين نافلة و الأخر فريضة و هو مع كونه ضعيفا من حيث السند لا دلالة له على عدم لزوم الإكمال فإن كونه نافلة بمعنى كونه زائدة خارجة عما هو الجزء للحج أو العمرة و لا ينافي ذلك لزوم الإتيان به خصوصا إذا كان بعنوان العقوبة

لا بعنوان الشرطية بالشرط المتأخر لصحة الطّواف الأوّل.

ثم انّ هنا رواية صحيحة رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال انّ عليّا عليه السلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة و بنى على واحد و أضاف إليه ستّا ثم صلّي ركعتين خلف المقام ثم خرج الى الصفا و المروة فلمّا فزع من السّعي بينهما رجع فصلّى الركعتين اللتين ترك في المقام الأوّل «1».

لكنّها مضافا الى دلالتها على وقوع السهو من الامام المعصوم عليه السلام و هو خلاف معتقد الإمامية بالنسبة إلى أئمتهم عليهم السلام انّ ظاهر صدرها باعتبار قوله عليه السلام فترك سبعة هو رفع اليد عن السبعة و جعلها كالعدم و عليه فلا يلائم اضافة الركعتين الآخرتين بعد الفراغ عن السعي و حمل الترك على كون المراد به هو رفع اليد عنها بعنوان الجزئية لطواف الفريضة و جعلها طوافا نافلة خلاف الظاهر جدّا كما ان دعوى التفكيك في الرواية بين ما هو خلاف معتقد الشيعة بالحمل على التقية و بين الحكم المذكور فيها

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 393

..........

______________________________

برفع اليد عن السبعة و اضافة الستّة الظاهرة في كون الثاني هو طواف الفريضة ممّا لا مجال لها أصلا لأنه لا معنى للتفكيك بين الموضوع و الحكم و ليس المقام مثل ما إذا كانت رواية مشتملة على حكمين- مثلا- و كان اللازم حمل أحدهما على التقيّة حيث انّه يجوز التفكيك بينهما كما لا يخفى.

ثم الظاهر انّ هذه الرواية هي مستند القول المتقدم الذي حكاه صاحب الجواهر عن بعض الناس ممّن قارب عصره من الحكم ببطلان السبعة و الاعتداد بالثامن لكنك عرفت

ان البطلان و ان كان ظاهر رفع اليد عنها الا انه لا يلائم مع الإتيان بأربع ركعات كما في الرواية.

و قد انقدح مما ذكرنا ان الظاهر هو وجوب الإكمال و الإتمام و على تقدير التنزل فاللّازم اختيار ما في المتن من انّ مقتضى الاحتياط الوجوبي الإتمام بقصد القربة المطلقة المجامعة للوجوب و الاستحباب.

كما انه ظهر ممّا ذكرنا انه لم ينهض دليل على تعيين سبعة أشواط الفريضة و انها هي السبعة الأولى أو الثانية و ان كان يؤيد القول الثاني ان لازم القول الأوّل وقوع الفصل بين الطواف و صلوته بخلاف القول الثاني و لكن الظاهر عدم قدح هذا المقدار من الفصل و عليه فيتم ما في المتن أيضا من لزوم جعل الركعتين قبل السعي لطواف الفريضة من غير تعيين انه هو الطواف الأول أو الثاني و ان كان يؤيد الأوّل ان لازم الثاني تحقق الانقلاب بالإضافة إلى الأول لأن المفروض ان الإتيان به كان بنيّة الطواف الواجب و الأصل بقائه على هذا الوصف الّا مع قيام الدليل على خلافه و المفروض عدمه.

الجهة الثالثة في وجوب الركعتين فقط أو لزوم اربع ركعات ظاهر المتن هو الثاني

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 394

..........

______________________________

و امّا الروايات فهي مختلفة فأكثرها ظاهرة في وجوب الأربع مثل رواية علي بن أبي حمزة و صحيحة زرارة المتضمنة لحكاية فعل على عليه السلام و خبر جميل الذي رواه ابن إدريس عن نوادر ابن أبي نصر البزنطي- و في إسناده ضعف- عنه انه سئل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عمّن طاف ثمانية أشواط و هو يرى أنّها سبعة قال فقال انّ في كتاب عليّ عليه السلام انه إذا

طاف ثمانية أشواط يضمّ إليها ستة أشواط ثم يصلي الركعات بعد قال:

و سئل عن الركعات كيف يصلّيهن أو يجمعهنّ أو ما ذا؟ قال يصلّي ركعتين للفريضة ثم يخرج الى الصّفا و المروة فإذا رجع من طوافه بينهما رجع يصلي ركعتين للأسبوع الأخر «1».

و يدل على وجوب الأربع أيضا صحيحة أبي أيوب المتقدمة.

هذا و لكن ظاهر طائفة منها عدم وجوب أزيد من الركعتين مثل رواية رفاعة المتقدمة الصريحة في نفي وجوب الأربع و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال سمعته يقول من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا ثم ليصل ركعتين «2». بعد حمل الدخول على تمامية الشوط الثامن بقرينة لزوم إتمام أربعة عشر شوطا كما لا يخفى هذا و مقتضى القاعدة جعل هذه الطائفة قرينة على عدم لزوم الأربع و كون الركعتين الآخرتين صلاة مستحبة و عليه فلا مجال للموافقة مع ما في المتن حيث ان ظاهره وجوب الأربع.

ثم انه لو قلنا بوجوب الأربع فالظاهر انّ مقتضى إطلاق بعض ما يدل عليه من الروايات الصحيحة انه لا فرق بين الإتيان بالجميع قبل السعي و بين الإتيان بالأخيرة

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 16.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 395

[مسألة 19- يجوز قطع الطواف المستحب بلا عذر]

مسألة 19- يجوز قطع الطواف المستحب بلا عذر، و كذا المفروض على الأقوى، و الأحوط عدم قطعه بمعنى قطعه بلا رجوع الى فوت الموالاة العرفية (1).

______________________________

بعده لو لم نقل بان ظاهره هو الإتيان بالجميع قبل السّعي و ذلك لأنّ ما ورد مما يدلّ على التفصيل و التفريق

مخدوش امّا من حيث السند و امّا من جهة المفاد فلا يصلح لتقييد الإطلاق بوجه.

و امّا لو قلنا باستحباب الصلاة الثانية و عدم وجوبها كما اخترناه فمع ملاحظة انّ التقييد و الإطلاق في باب المستحبات يغاير باب الواجبات حيث انّ الواجبات لا تكون ذات مراتب متفاوتة من حيث الشدة و الضعف و لأجله في صورة إحراز وحدة الحكم من ناحية وحدة السّبب أو من غيرها لا محيص عن التقييد و حمل المطلق على المقيد و هذا بخلاف المستحبات التي يكون أكثرها ذا مراتب مختلفة من حيث الفضيلة قلة و كثرة فإنه لا مجال فيها لحمل المطلق على المقيد بعد إمكان الحمل على اختلاف مرتبتي الفضيلة إلّا في موارد إحراز عدم الاختلاف من هذه الجهة و مع ملاحظة أن جريان قاعدة التسامح في أدلة السنن لا يختص بما إذا كان الدليل الفاقد لشرائط الحجية دالّا على أصل استحباب شي ء بل يجري فيما إذا كان الدليل المذكور واردا في مقام بيان الكيفية أيضا و عليه فلا بد من الالتزام في المقام بأن أصل الإتيان بالصلاة الثانية و ان كان مستحبّا لكن الإتيان بها بعد الفراغ عن السعي أفضل لدلالة روايات متعدّدة عليه و ان كان كل واحدة منها غير خال عن الخدشة فيه كما عرفت.

(1) لا شبهة في انه يجوز قطع الطواف المستحب كصلاة النافلة و ان لم يكن مستندا الى عذر، و امّا الطواف الواجب فهل هو كالصلاة الواجبة حيث انه لا يجوز قطعها للإجماع على عدم جواز القطع بلا عذر أو انه كالطواف المستحب فيجوز قطعه كذلك قد قوىّ في المتن الثاني و المستند فيه مضافا الى القاعدة حيث انها لا تقتضي

تفصيل الشريعة في

شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 396

..........

______________________________

عدم الجواز بوجه و لا يكون الطواف كأصل الحج أو العمرة حيث انه يجب إتمامهما بالشروع بل في موارد الفساد أيضا على ما مرّ في بحث الجماع من محرمات الإحرام لعدم نهوض دليل على المماثلة المذكورة الروايات المتعدّدة الواردة في هذا المجال مثل:

صحيحة صفوان الجمّال قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام الرجل يأتي أخاه و هو في الطواف، فقال يخرج معه في حالته ثم يرجع و يبني على طوافه «1». فان مقتضى إطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب انه لا فرق بين الطواف الواجب و المندوب لو لم نقل بظهوره في خصوص الطواف الواجب و من الواضح انه لا خصوصية للخروج مع الرجل في حاجته بعد عدم كونه عذرا و ضرورة فتدل على الجواز بدون مثل هذا الغرض أيضا كما ان الأمر بالخروج لا دلالة له على الوجوب لوقوعه في مقام توهم الحظر فلا يستفاد منه أزيد من الجواز و مرسلة سكين بن (عن خ ل) عمّار عن رجل من أصحابنا يكنّى أبا أحمد قال كنت مع أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الطواف و يده في يدي إذ عرض لي رجل له حاجة فأومأت إليه بيدي فقلت له: كما أنت حتى افرغ من طوافي فقال أبو عبد الهّٰ عليه السلام ما هذا؟ فقلت أصلحك اللّٰه رجل جاءني في حاجة فقال لي أ مسلم هو؟

قلت: نعم فقال لي اذهب معه في حاجته فقلت له أصلحك اللّٰه فاقطع الطّواف؟ قال نعم قلت و ان كنت في المفروض؟ قال: نعم و ان كنت في المفروض قال: و قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام من مشى مع أخيه

المسلم في حاجة كتب اللّٰه له ألف ألف حسنة و محي عنه ألف ألف سيئته و رفع له ألف ألف درجة «2».

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الأربعون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الأربعون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 397

[مسألة 20- لو قطع طوافه و لم يأت بالمنافي حتى مثل الفصل الطويل أتمّه]

مسألة 20- لو قطع طوافه و لم يأت بالمنافي حتى مثل الفصل الطويل أتمّه و صحّ طوافه، و لو اتى بالمنافي فإن قطعه بعد تمام الشوط الرّابع فالأحوط إتمامه و إعادته (1).

______________________________

و رواية أبان بن تغلب قال كنت أطوف مع أبي عبد اللّٰه عليه السلام فعرض لي رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجته فبينما أنا أطوف إذا أشار الىّ فرءاه أبو عبد اللّٰه عليه السلام فقال يا أبان إياك يريد هذا؟ قلت: نعم قال فمن هو؟ قلت رجل من أصحابنا قال هو على مثل الذي أنت عليه؟ قلت نعم، قال: فاذهب إليه قلت و اقطع الطواف؟ قال نعم، قلت و ان كان طواف الفريضة قال: نعم فذهبت معه الحديث «1».

ثم ان الظاهر ان الاحتياط المذكور في المتن احتياط وجوبي و ان كان مسبوقا بالفتوى مرجعه الى لزوم رعاية الاحتياط في خصوص مورد واحد و هو ما إذا كان القطع موجبا لفوات الموالاة العرفية التي عرفت ان مقتضى الاحتياط اعتبارها في صحة الطواف و لكنه يرد عليه انّ الموالاة معتبرة في الحكم الوضعي و هي الصحّة و البحث هنا في جواز القطع و عدمه على سبيل الحكم التكليفي و لا ارتباط بين الأمرين فكما ان صلاة النافلة تعتبر فيها الموالاة لعدم صحتها بدونها و مع ذلك يجوز قطعها كذلك المقام فإنه لا

يستلزم اعتبار الموالاة عدم جواز القطع و لو بنحو الاحتياط الوجوبي اللّٰهم ان يكون مثل ذلك قرينة على كون المراد هو الاحتياط الاستحبابي فتدبّر.

(1) في هذه المسألة فروض:

الفرض الأوّل ما لو قطع طوافه و لم يأت بالمنافي حتى مثل الفصل الطويل المانع عن تحقق الموالاة العرفية و الحكم فيه صحة الطواف و جواز الإتمام لأن المفروض عدم كون القطع موجبا لتحقق ما يخلّ بالصحّة و تقدح فيها مضافا الى دلالة صحيحة صفوان الجمال المتقدمة في المسألة السابقة حيث انّ القدر المتيقن من موردها هذا

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الأربعون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 398

..........

______________________________

الفرض و قد حكم فيها بالصحة و جواز البناء على طوافه.

الفرض الثاني ما لو اتى بالمنافي الشامل لمثل الفصل الطويل بقرينة الصّدر و كان القطع بعد إتمام الشوط الرابع و قد احتاط فيه وجوبا بالإتمام و الإعادة و سيأتي وجهه.

الفرض الثالث ما يستفاد من المفهوم و هو ما لو كان القطع قبل إتمام الشوط الرابع و الظاهر ان مراد المتن البطلان فيه و لزوم الإعادة من رأس.

و قد ورد في الفرضين روايات:

منها صحيحة صفوان الجمال المتقدمة فإن مقتضى إطلاقها جواز البناء على الطواف و لو كان طواف الفريضة و كان قبل إتمام الشوط الرابع كما ان مقتضى إطلاقها انه لا فرق في القطع بين صورة الإتيان بالمنافي و لا أقل من الفصل الطويل و صورة عدمه و منها صحيحة أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل طاف شوطا و شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة (حاجته ظ) قال ان كان طواف نافلة بنى عليه و ان

كان طواف فريضة لم يبن «1» و في رواية الكليني: لم يبن عليه:

و من الظاهر انه لا خصوصية للشوط أو الشوطين بل يجري الحكم فيما إذا طاف ثلاثة أشواط أيضا نعم لا مجال للتعدي إلى أربعة أشواط فما زاد بعد ملاحظة وجود الفرق في موارد كثيرة عرفت جملة منها كعروض الحدث أو الحيض في الأثناء.

و منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال إذا طاف الرجل بالبيت ثلاثة أشواط ثم اشتكي أعاد الطواف يعني الفريضة «2». و الرواية منقولة في الوسائل هكذا و ليس في الطبعتين الجديدتين المشتملتين على تعيين مصدر الروايات في الذيل و ما رد

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الأربعون ح- 5.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الخامس و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 399

..........

______________________________

الاختلاف مع المتن إشارة إلى خلافه لكن الذي نقله صاحب المدارك عن الكليني بدل ثلاثة أشواط: «أشواطا» و لذا لم يفرق بين الشوط الرابع و ما دون.

و الظاهر ان قوله يعني الفريضة امّا ان يكون من الامام عليه السلام و لا ينافيه التعبير بصورة الفعل الغائب كما هو المتداول في الاستعمالات و امّا ان يكون من الحلبي بقرينة موجودة عنده ظاهرة في كون مراد الامام عليه السلام هو طواف الفريضة.

و مورد البحث في المقام و ان كان هي صورة القطع الّا ان لزوم اعادة الطواف في صورة الاشتكاء الذي هو أمر غير اختياري يستلزم الوجوب في صورة القطع الاختياري بطريق اولى.

و منها رواية إسحاق بن عمار- و في سندها سهل بن زياد عن أبي الحسن عليه السلام- في رجل طاف طواف الفريضة ثم اعتلّ علّة لا يقدر

معها على إتمام الطواف فقال ان كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط فقد تمّ طوافه، و ان كان طاف ثلاثة أشواط و لا يقدر على الطواف فان هذا مما غلب اللّٰه عليه فلا بأس بأن يؤخّر الطواف يوما و يومين فان خلته العلّة عاد فطاف أسبوعا، و ان طالت علّته أمر من يطوف عنه أسبوعا و يصلّي هو ركعتين و يسعى عنه و قد خرج من إحرامه و كذلك يفعل في السّعي و في رمي الجماد «1». و في رواية الشيخ: و يصلّي عنه و ترك لفظ «في السّعي» و الرواية مضافا الى ضعف سندها تكون باعتبار دلالتها على لزوم الاستنابة فيما إذا طاف أربعة أشواط ثم اعتل علة كذائية مخالفة للمشهور لكن بالنسبة إلى الثلاثة فما دون الدالة على لزوم اعادة الطواف من رأس مع حصول الفصل الطويل و بعض المنافيات عادة تدل على حكم الفرض الثالث.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الخامس و الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 400

[مسألة 21- لو حدث عذر بين طوافه من مرض أو حدث بلا اختيار]

مسألة 21- لو حدث عذر بين طوافه من مرض أو حدث بلا اختيار فان كان بعد تمام الشوط الرّابع أتمّه بعد رفع العذر و صحّ و الّا أعاده (1).

______________________________

و كيف كان مقتضى الجمع بين الروايات الصحيحة الواردة في المقام هو تقييد إطلاق صحيحة صفوان من جهتين إحديهما الحمل على طواف الفريضة و ثانيتهما الحمل على ما بعد الشوط الرابع و في غيره تلزم الإعادة و لا يجوز البناء على طوافه و لعلّ الاحتياط الوجوبي المذكور في المتن في الفرض الثاني منشأه احتمال كون صحيحة الحلبي واردة في مطلق الأشواط لا الثلاثة و عليه

فمقتضاها لزوم الإعادة في الطواف الواجب مطلقا كما عليه صاحب المدارك.

(1) قد تقدم البحث في هذه المسألة بالإضافة إلى عروض الحدث بلا اختيار في أثناء الطواف سواء كان هو الحيض أو الجناية أو الحدث الأصغر في المباحث السابقة مفصّلا و لا حاجة الى الإعادة لأنّها بلا فائدة و امّا عروض المرض فلم يتقدم البحث عنه و الدليل على التفصيل فيه رواية إسحاق بن عمار المتقدمة في المسألة السّابقة و انجبار سندها و ان كان يمكن دعواها باستناد المشهور إليها و موافقتها لفتواهم الّا ان دلالتها على لزوم الاستنابة بمجرد الاعتلال الذي لا يقدر معه على إتمام الطواف إذا كان عروضه بعد الشوط الرابع مخالفة لفتواهم لان اللازم معه الصبر رجاء زوال العلة فإن ضاق الوقت و لم يتحقق زوالها تصل النوبة إلى الاستنابة أو الطواف به و عليه فيشكل الأمر بالنسبة إلى مستند المشهور نعم في محكي دعائم الإسلام و فقه الرّضا ما يكون موافقا لهم لكنه لم تثبت حجية مثلهما كما انه لو كان المستند صحيحة الحلبي المتقدمة في المسألة السابقة أيضا الدالة على لزوم الإعادة في صورة الاشتكاء في الأثناء فان لم تكن مشتملة على عدد الثلاثة فمقتضاها لزوم الإعادة مطلقا من دون فرق بين ما إذا لم يتم الشوط الرابع و بين ما إذا أتمّه و ان كانت مشتملة على العدد المذكور لا دلالة لها على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 401

[مسألة 22- لو شك بعد الطواف و الانصراف في زيادة الأشواط لا يعتني به]

مسألة 22- لو شك بعد الطواف و الانصراف في زيادة الأشواط لا يعتني به و بنى على الصحّة، و لو شك في النقيصة فكذلك على اشكال فلا يترك الاحتياط، و لو شك بعده في

صحتّه من جهة الشك في انه طاف مع فقد شرط أو وجود مانع بني على الصحّة إذا أحدث قبل الانصراف بعد حفظ السبعة بلا نقيصة و زيادة (1).

______________________________

نفي لزوم الإعادة بالإضافة الى ما بعد الشوط الرّابع.

و الظاهر ان يقال انّ مسألة المرض مستفادة من الروايات المفصلة الواردة في الحيض و في الحدث باعتبار كونه مثلهما في عدم كونه اختياريّا أوّلا و في كونه مانعا عن الإتمام بعد عروضه لان المفروض انّ المراد منه هي العلة التي لا يقدر معها على إتمام الطواف و يؤيده اشتمال بعض الروايات الواردة في الحيض على التعليل بأنّها جاوزت النصف كما لا يخفى.

و كيف كان فالمستفاد من مجموع ما ذكرنا بعد اعتضاد بعضه ببعض صحة التفصيل على ما في المتن تبعا للمشهور.

(1) البحث في هذه المسألة في فرعين:

الفرع الأوّل الشك في الكمية بعد الانصراف و الشك فيها قد يكون في خصوص الزيادة و قد يكون في خصوص النقيصة و قد جمعهما مثل المحقق في الشرائع في عبارة واحدة حيث قال: و من شك في عدده بعد انصرافه لم يلتفت. و قد نفي الخلاف فيه في الجواهر بل ادعي الإجماع عليه في أثناء كلامه و فسّر الانصراف في الذيل بان المدار فيه هو العرف قال و لعلّ منه ما إذا اعتقد انه أتمّ الطواف و ان كان هو في المطاف و لم يفعل المنافي خصوصا إذا تجاوز الحجر امّا قبل اعتقاد الإتمام فهو غير منصرف كان عند الحجر أو بعده أو خارجا عن المطاف أو فعل المنافي كما صرّح به في كشف اللثام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 402

..........

______________________________

و كيف كان فالدليل على عدم الاعتناء بالشك

في الزيادة في الصورة المفروضة مضافا الى أصالة عدم حدوث الزيادة و الإتيان بها قاعدة الفراغ الجارية في مثل المقام و يدل عليه بالخصوص صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة لم يدرأ سبعة طاف أم ثمانية فقال: امّا السبعة فقد استيقن و انما وقع و همه على الثامن فليصل ركعتين «1».

و امّا عدم الاعتناء بالشك في النقيصة و ان استشكل فيه في المتن بل نهي عن ترك الاحتياط المتحقق بإعادة الطواف من رأس فيدل عليه مضافا الى قاعدة الفراغ بعد كون المفروض صورة الانصراف و من الواضح انه لا فرق في جريانها بين الشك في الزيادة و الشك في النقيصة و ان كان مقتضى الاستصحاب موافقا لها في الأوّل دون الثاني بعض الروايات الصحيحة بعد التدبر في مفادها و الدقة في مدلولها مثل صحيحة منصور بن حازم قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة قال: فليعد طوافه قلت ففاته قال ما ارى عليه شيئا و الإعادة أحبّ الىّ و أفضل «2».

و رواية محمد بن مسلم- التي يأتي البحث في سندها مفصّلا؟؟؟- قال سألته أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل طاف بالبيت فلم يدر أ ستّة طاف أو سبعة طواف فريضة قال فليعد طوافه قيل انّه قد خرج وفاته ذلك قال ليس عليه شي ء «3».

فانّ الظاهر ان مورد السؤال الأوّل في الروايتين خصوصا بقرينة التفريع بالفاء هو كون الشك بين الستّة و السبعة حادثا عند تمامية الطواف قبل الانصراف عنه و الحكم

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الخامس و الثلاثون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف

الباب الثالث و الثلاثون ح- 8.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 403

..........

______________________________

بالإضافة إليه هو البطلان و وجوب اعادة الطّواف من رأس و مورد السؤال الثاني الذي قد عبر عنه بالفوت في الاولى و بالخروج و الفوت في الثانية هو الانصراف بعد التمامية و الخروج عن دائرة المطاف و الحكم فيه هي الصحة و عدم ثبوت شي ء عليه غاية الأمر دلالة الأولى على ان الإعادة أحبّ و أفضل.

و حمل مورد السؤال الثاني على صورة كون الرجوع الى مكّة لإعادة الطواف حرجيّا عليه و امّا بالإضافة إلى حدوث الشك و عروضه فمورده نفس مورد السؤال الثاني يدفعه مضافا الى ان اللازم في هذه الصورة الاستنابة بعد فرض كون الطواف باطلا و لا يلائمه قوله ما ارى عليه شيئا أو ليس عليه شي ء فان الظاهر منه انه لا يجب عليه شي ء حتى الاستنابة كما لا يخفى انه لا يناسب ذلك مع الحكم باستحباب الإعادة و أفضليتها خصوصا لو قلنا بانّ نفي الحكم في مورد الحرج انّما هو على نحو العزيمة لا الرخصة كما لعلّه غير بعيد على ما حقق في محلّه.

و كيف كان التأمل في الروايتين يقضي بان مدلولهما في الجواب عن السؤال الثاني الحكم بالصحة و عدم وجوب الإعادة في مفروض المقام فلا مجال للإشكال في الحكم خصوصا مع تفريع النهي عن ترك الاحتياط عليه كما في المتن.

الفرع الثاني الشك في الكيفية و انّ ما وقع منه من الطواف هل وقع صحيحا واجدا للشرائط و فاقدا للموانع أم كان فاقدا لبعض الشرائط أو واجدا لبعض الموانع فمقتضى أصالة الصحة الجارية في جميع موارد

الشك و الفساد بعد تمامية العمل و وقوعه هي الصحة من دون فرق بين العبادات و المعاملات و قد وقع التصريح في المتن بأنه إذا أحدث بعد حفظ السبعة بلا زيادة و لا نقيصة قبل الانصراف و شك في الصحة يكون طوافه محكوما بالصحّة فإذا شك في وقوعه مع الوضوء- مثلا- فيحكم بذلك لكنه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 404

[مسألة 23- لو شك بعد الوصول الى الحجر الأسود في انّه زاد على طوافه]

مسألة 23- لو شك بعد الوصول الى الحجر الأسود في انّه زاد على طوافه بني على الصحّة. و لو شك قبل الوصول في انّ ما بيده السابع أو الثامن- مثلا- بطل. و لو شك في آخر الدّور أو في الأثناء أنه السّابع أو السّادس أو غيره من صور النقصان بطل طوافه (1).

______________________________

لا يستلزم جواز الإتيان بصلاة الطواف مع الشك في الوضوء بل لا بد من إحرازه بالإضافة إليها كما في مثل صلاة العصر بالإضافة إلى صلاة الظهر التي شك في وقوعها مع الطهارة فإن اللازم تحصيلها لصلاة العصر.

(1) في هذه المسألة فروع:

الفرع الأول ما لو شك بعد الوصول الى الحجر الأسود قبل الانصراف في انه زاد على طوافه أم لا و الحكم فيه هو البناء على الصحة و يدل عليه مضافا الى أصالة عدم الزيادة و عدم الإتيان بها صحيحة الحلبي المتقدمة في المسألة السّابقة فإنّ موردها اما ان يكون أعم من المقام و من المسألة السابقة فتدل على الصحة في كليهما و امّا ان يكون خصوص المقام فتدل على الصحة في المسألة السّابقة بالأولوية فإنه إذا كان الشك في الزيادة عند الوصول الى الحجر الأسود غير قادح في صحة الطواف فالشك فيها بعد الانصراف لا يقدح بطريق اولى.

الفرع

الثاني ما لو شك قبل الوصول في انّ ما بيده السابع أو الثامن- مثلا- بان كان أمره دائرا بين ستة أشواط و نصف و بين سبعة أشواط و نصف ففي المتن الحكم بالبطلان تبعا لصاحبي المسالك و الجواهر بل المحكي عن الغنية أيضا لكن في محكيّ المدارك:

فيه منع تأثير احتمال الزيادة كما سيجي ء في مسألة الشك في النقصان.

و استدل على البطلان بحصول التردّد بين محذورين: الإكمال المحتمل للزيادة عمدا و القطع المحتمل للنقيصة كذلك.

و أورد عليه بعدم كون الدوران بين المحذورين لأن الأصل عدم الزيادة و عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 405

..........

______________________________

الإتيان بالزائد فلا اثر لهذا الدوران فان النقص مطابق للأصل كما ان عدم الزيادة موافق للأصل.

و قد استدل على البطلان بوجوه بعض الاعلام قدّس سرّهم و قال بعد ذكرها ان هذه الوجوه أحسن ما يستدل به لمذهب المشهور و لم أر من استدلّ بها الأوّل ما يستفاد من صحيحة الحلبي- المتقدمة- من ان العبرة بالتيقن بالسبع لقوله عليه السلام: امّا السبعة فقد استيقن و انّما وقع وهمه على الثامن و يظهر منه ان السبع لا بد من القطع به و من المفروض ان السبع غير مقطوع به في المقام لاحتمال كونه ستّة و نصف و بعبارة أخرى يستفاد من الصحيحة ان استصحاب عدم الزائد غير حجة في باب الطواف كما انه غير حجة في باب اعداد الصلاة و ركعاتها.

و يرد عليه مضافا الى التهافت بين هذا الكلام و بين ما أفاده في الفرع الأوّل من ان مقتضى أصالة عدم الإتيان بالشوط الثامن و صحيحة الحلبي هي الصحة و عدم البطلان فان مقتضى ذلك هي كون الرواية مؤيدة

لأصالة عدم الزيادة و دالة على اعتبارها ان المستفاد من الصحيحة انه لا بد و ان يكون السبع متيقنا و لا يعتني باحتمال الزائد و وقوع الوهم عليه و هذا المعنى يتحقق في المقام بتكميل الشوط الذي بيده فإنه بعد التكميل يصير السبع متيقنا و الوهم واقعا على الثامن و دعوى كون الطاهر من الرواية هو حصول التيقن في زمن حدوث الشك مدفوعة بأنه لا إشعار في الرواية بذلك فضلا عن الدلالة فإن مفادها مدخلية التيقن بالسبع في صحة الطواف و هذا يتحقق مع إكمال الشوط كما هو واضح.

الثاني موثقة أبي بصير التي في سندها إسماعيل بن مرار الذي يكون موثقا بالتوثيق العام قال قلت له رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستّة طاف أم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 406

..........

______________________________

سبعة أم ثمانية قال يعيد طوافه حتى يحفظ الحديث «1». نظرا الى ان مفادها لزوم كون الطائف حافظا للسّبع و محرزا له و في المقام غير محرز و غيرها حافظ له نظير اعتبار الحفظ في الركعتين الأوّليين.

و يرد عليه ان المراد من الحفظ اللازم بعد ملاحظة مورد الرواية هل هو الحفظ بالإضافة إلى الزيادة أو الحفظ بالنسبة إلى النقيصة أو الحفظ بلحاظ كلتيهما.

فان كان المراد هو الاحتمال الأوّل فهو ينافي ما أفاده في الفرع الأوّل و هو الشك بين السبعة و الثمانية عند الوصول الى الحجر الأسود من الحكم بالصحة لعدم تحقق الحفظ بالإضافة إلى الزيادة.

و ان كان المراد و الاحتمال الثاني فلزوم الحفظ فيه لا يستلزم البطلان في المقام حيث انه لا يكون هنا احتمال النقيصة بوجه فانّ المراد بالنقيصة المحتملة هي النقيصة من جهة عدد الأشواط

لا نقص الشوط و عدم الوصول الى الحجر الأسود و من الواضح عدم تحقق احتمال النقيصة بالمعنى المذكور في المقام.

و ان كان المراد و الاحتمال الثالث الذي هو مورد الرواية لدوران الأمر بين الستّة و السبعة و الثمانية فيرد عليه ان البطلان فيه أيضا لا يستلزم البطلان في المقام بعد عدم ثبوت احتمال النقيصة بوجه.

و قد ظهر من جميع ذلك انه لا مجال للاستدلال بهذا الوجه أيضا لإثبات البطلان في المقام.

الثالث الروايات- الآتية- الواردة في الشك بين الست و السّبع الدالة على بطلان الطواف فإنّ إطلاقها يشمل بعد الفراغ من الشوط و وصوله الى الحجر الأسود كما أنه

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 407

..........

______________________________

يشمل الأثناء و قبل الوصول اليه فلو تجاوز عنه بمقدار خطوات و شك ان ما في يده سادس أو سابع فلم يحرز و لم يحفظ الطواف فان الطواف اسم للمجموع و يصدق انه طاف و لم يدر ستّة طاف أو طاف سبعة و ان لم يصل الى الحجر و لم يتم الشوط بل تخصيص حصول الشك بين الستّة و السبعة بحين الوصول الى الحجر تخصيص بالفرد النادر إذ إنما الشك غالبا يحصل في الأثناء و قبل الوصول الى الحجر.

و الاستدلال بهذا الوجه من الغرائب فإنّ المفروض في الفرع الثاني صورة وجود احتمال الزيادة بالنسبة إلى عدد الأشواط و لا يكون في البين احتمال النقيصة من هذه الجهة و ان كان نفس الشوط ناقصا لم يكمل بعد و لم يصل الى الحجر الأسود الّا انه بملاحظة العدد المعتبر في أشواط الطواف و هي السبعة لا يكون احتمال النقيصة

موجودا بوجه فأمره دائر كما صرح به في فرض المسألة بين ستة و نصف و سبعة و نصف فهنا نقصان أحدهما متيقن الوجود و ثانيهما متيقن العدم امّا الأوّل فبالاضافة الى الشوط الذي بيده حيث انه يكون في أثنائه و يعلم بعدم إكماله و امّا الثاني فبالنسبة إلى العدد حيث انه يعلم بعدم النقيصة بل الشك انّما هو بملاحظة الزيادة حيث انه يحتمل كون ما بيده الذي لم يكمل بعد هو الشوط الثامن.

و عليه فالاستدلال لحكم هذا الفرض بالروايات التي يكون موردها خصوص صورة احتمال النقيصة من جهة عدد الأشواط لأن موردها صورة الشك بين الستّة و السبعة مما لا ينبغي ان يصدر من متفقة فضلا عمن له شأن في الفقه و الفقاهة و من الواضح انّ دعوى ثبوت الإطلاق لها و عدم الاختصاص بالفرد النادر و هو حدوث الشك عند الوصول الى الحجر الأسود لا تقتضي ثبوت الحكم المذكور فيها بالنسبة الى غير موردها و هو ما إذا كان أحد طرفي الشك احتمال النقيصة بالنسبة إلى عدد الأشواط

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 408

..........

______________________________

و الظاهر وقوع الخلط بين النقصين و تحقق الاشتباه في البين.

و قد انقدح من جميع ما ذكر هنا عدم تمامية شي ء من الوجوه الثلاثة التي قد جعلت أحسن ما يستدل به للمشهور كما انك عرفت عدم تمامية الدليل الذي ذكره صاحب المسالك و ارتضاه صاحب الجواهر فلم ينهض إلى الان دليل على البطلان و الظاهر ان الإسناد إلى المشهور أيضا غير تامّ فإن العبارة المذكورة في الشرائع هكذا: و من شك في عدده بعد انصرافه لم يلتفت، و ان كان في أثنائه فان كان شكّا

في الزيادة قطع و لا شي ء عليه، و ان كان في النقصان استأنف في الفريضة.

فإن الظاهر ان المراد من الشك في العدد بعد الانصراف أعم من الشك في الزيادة أو في النقيصة أو في كلتيهما و قد حكم فيه بالصحة و عدم الالتفات لفرض كون حدوث الشك بعد الانصراف و امّا قوله: و ان كان في أثنائه فالظاهر بقرينة المقابلة مع قوله بعد الانصراف انّ المراد منه هو قبل الانصراف سواء كان عند تمام الشوط و الوصول الى الحجر الأسود أو قبل تمام الشوط و قد حكم فيه بالقطع و انه لا شي ء عليه و معناه هي صحة الطواف و ان كان التعبير بالقطع لا يلتئم مع إتمام الشوط و امّا الفرض الثالث الذي حكم فيه فقط بالبطلان في طواف الفريضة هو الشك في النقصان الحادث قبل الانصراف سواء كان بعد تمام الشوط أو قبله.

و عليه فلا يستفاد من العبارة المذكورة الحكم بالبطلان في الفرع الذي هو محل الكلام لكن التأمل في كلام صاحب الجواهر في شرح العبارة يقضي بكونه قد حملها على خلاف ما تقتضيه الدقة في العبارة فراجعه بأجمعه تجد صدق ما ذكرنا و قد ظهر مما ذكرنا عدم ثبوت الشهرة على البطلان و لا نهوض دليل عليه فما في المتن محل اشكال بل منع فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 409

..........

______________________________

الفرع الثالث ما لو شك في أخر الدّور أو في الأثناء أنه السابع أو السادس أو غيره من صور النقصان و المشهور فيه بطلان الطواف و لزوم الاستيناف من رأس و حكي العلامة عن المفيد انه قال: من طاف بالبيت فلم يدرأ ستا طاف أو سبعا فليطف

طوافا أخر ليستيقن انه طاف سبعا، و الظاهر ان مراده من الطواف الأخر هو الشوط الأخر لا الاستيناف و حكاه أيضا عن على بن بابويه و الحلبي و أبي على و اختاره صاحب المدارك و مستندهم أصالة عدم الزيادة و قبلها بعض الروايات التي يأتي التعرض لها اللّٰه تعالى و امّا يدل على المشهور فعدّة من الرّوايات مثل:

ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمن بن سيّابة عن حمّاد عن حريز عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل طاف بالبيت فلم يدر أ ستّة طاف أو سبعة طواف فريضة قال فليعد طوافه قيل انّه قد خرج وفاته ذلك قال ليس عليه شي ء «1». قال صاحب الوسائل بعد نقل الرّواية: «أقول عبد الرحمن الذي يروي عنه موسى بن القاسم هو ابن أبي بحران و تفسيره هنا بابن سيّابة غلط كما حقّقه صاحب المنتقي و غيره».

و الوجه في عدم رواية موسى بن القاسم عن ابن سيابة هو ان موسى بن القاسم من أصحاب الرضا و الجواد عليهما السلام و ابن سيابة من أصحاب الصادق عليه السلام و من البعيد جدّا روايته عنه مع اختلاف الطبقة بهذه الكيفية مع ان موسى بن القاسم روى كثيرا عن ابن أبي بحران و روايته عن ابن سيابة و هو عن حماد منحصرة بهذه الرّواية.

هذا مع انه لا يترتب على هذا البحث ثمرة مهمة بعد كون ابن أبي نجران موثقا بالتوثيق الخاص و ابن سيابة موثقا بالتوثيق العام لوقوعه في اسناد كتاب كامل الزيارات

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص:

410

..........

______________________________

و لم يعارضه قدح خاص و احتمال كون ذكر عبد الرحمن مستندا الى غلط النسّاخ و اشتباه الكتاب كما احتمله بعض الاعلام في غاية البعد.

و ما رواه أيضا بإسناده عن موسى بن القاسم عن النخعي عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل لم يدر أ ستّة طاف أو سبعة قال:

يستقبل «1». و قد استشكل في السند لأن النخعي مردّد بين الثقة و غيره لكن أجيب عنه بان الطاهر كونه لقبا لأبي أيّوب الدرّاج و هو ثقة و موسى بن القاسم روى عنه في غير هذا المورد مع ان المحكي أن الكليني رواها و ليس في السّند النخعي.

و صحيحة منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام انّي طفت فلم أدر أ ستّة طفت أم سبعة فطفت طوافا أخر فقال هلّا استأنفت قلت: طفت و ذهبت قال: ليس عليك شي ء «2».

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل لم يدر ستّة طاف أو سبعة قال:

يستقبل «3».

و رواية أبي بصير قال قلت له: رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستّة طاف أم سبعة أم ثمانية قال: يعيد طوافه حتى يحفظ الحديث بناء على كون وجوب الإعادة لتحقق الحفظ انّما هو لأجل وجود احتمال النقيصة في البين لعدم كون احتمال الزيادة قادحا على ما عرفت.

و غير ذلك من الروايات الدالة على البطلان من رأس في مفروض المسألة.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 2.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 3.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4،

ص: 411

..........

______________________________

و امّا القول بالبناء على الأقل و الإتيان بالمشكوك فقد استدل عليه بطائفة من الروايات.

منها ما رواه الصدوق بإسناده عن رفاعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انه قال في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة قال: يبني على يقينه «1». بناء على كون المراد من البناء على اليقين هو البناء على الأقل الذي هو المتيقن في الدوران بين الأقلّ و الأكثر و اللازم- ح- الإتيان بالمشكوك و عدم بطلان الطواف.

و يرد عليه أوّلا انه لم يثبت كون المراد منه ذلك بل يحتمل قويّا ان يكون المراد منه هو لزوم الحفظ الذي قد وقع التعبير به في بعض الروايات المتقدمة متفرعا على الحكم بالبطلان و لزوم الإعادة و قد وقع مثل هذا التعبير في الشك في أعداد ركعات الصلاة الذي يكون حكمه البناء على الأكثر و إتمام الصلاة و الإتيان بصلاة الاحتياط نظرا الى ان الطريق المحصل لليقين بالفراغ هي هذه الطريقة التي علّمها الشارع و عليه فالبناء على اليقين في المقام انّما يتحقق يرفع اليد عن الطواف المشكوك و الإتيان بسبعة أشواط بنحو اليقين هذا و لو لم يثبت ظهور الرواية فيما ذكرنا يكفي مجرد احتماله المساوي للاحتمال الأخر في عدم تمامية الاستدلال بها على البطلان و ثانيا انه على تقدير تسليم ظهور الصحيحة في مرام المستدل نقول انّها مطلقة من جهة طواف الفريضة و النافلة و إطلاقها قابل للتقييد بطواف النافلة بسبب الروايات المتقدمة الظاهرة أكثرها في طواف الفريضة و قد وقع التصريح بالتفصيل في جملة من الروايات و ان كان بعضها غير خال من ضعف السند.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 412

..........

______________________________

و منها ذيل موثقة محمد بن مسلم المتقدمة «1» و صحيحة منصور بن حازم «2» و صحيحة معاوية بن عمار «3» المشتمل بعد حكم الامام عليه السلام بما ظاهره وجوب اعادة الطواف في الشك بين الستة و السبعة على السؤال عن الخروج و الفوت و الجواب بأنه ليس عليه شي ء أو ما ارى عليه شيئا و في الصحيحة الثانية اضافة قوله عليه السلام و الإعادة أحبّ الىّ و أفضل.

بتقريب انّ مورد السؤال الثاني لا يكون مغايرا لمورد السؤال الأول و هو حدوث الشك حين الوصول الى الحجر الأسود قبل تحقق الانصراف غاية الأمر ان خصوصية السؤال الثاني انّما هي بلحاظ الخروج و الفوت و عليه فالحكم بأنه ليس عليه شي ء ظاهر في ان الحكم بالإعادة في الجواب عن السؤال الأول انّما يكون المراد به الاستحباب و يؤيده قوله- ع- و الإعادة أحبّ الىّ .. و عليه فالروايات الثلاثة بلحاظ ذيلها يكون الظاهر منها الاستحباب و لازمة عدم بطلان الطواف بالشك المذكور و لو كان حدوثه قبل الانصراف.

و يرد على الاستدلال بها انه على هذا التقدير كان اللازم الحكم في الجواب بلزوم الإتيان بالشوط المشكوك كما هو مدّعى المستدل و لا مجال لعدم التعرض لما هو الوظيفة الواجبة و التعرض مكانه لحكم استحبابي و ليس في الرواية فرض الإتيان بالشوط المشكوك و عليه فالروايات بهذا المعنى مما لم يقل بمفادها أحد من الأصحاب.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 8.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 413

..........

______________________________

فاللازم حمل الذيل فيها على كون المراد من السؤال فيه هو السؤال عن حكم صورة حدوث الشك بعد الانصراف و عليه فالفرق بينه و بين مورد السؤال الأول انّما هو في كون المراد منه هو حدوث الشك قبل الانصراف الذي هو محل البحث و الكلام في المقام فلا دلالة للذيل على كون المراد من الصدر الظاهر في بطلان الطواف و لزوم إعادته هو استحباب الإعادة كما هو ظاهر و منها صحيحة منصور بن حازم المتقدمة التي جعلناها من أدلة المشهور فانّ صاحب المدارك قد استدل بها لمذهبه و هو البناء على الأقلّ مع انّ مورد السؤال الأول فيها هو الشك بين الستّة و السبعة و البناء على الأقل و اضافة شوط أخر مشكوك الوجود و الجواب مشتمل على التوبيخ و الاعتراض بقوله عليه السلام هلّا استأنفت الظاهر في البطلان و وجوب الإعادة ظهورا قويّا لا يبلغ ظهور صيغة الأمر في الوجوب مرتبته بوجه و لا يقبل الحمل على الاستحباب و لكنه مع ذلك استفاد منها صاحب المدارك عدم وجوب الإعادة و لزوم البناء على الأقل بقرينة الذيل الدال على انه ليس عليه شي ء فيما إذا طاف و ذهب بعد ملاحظة أنّ الذهاب بمجرده لا يصلح لان يكون مصحّحا للطواف الواقع باطلا فلا بد و ان لا يكون الحكم فيه البطلان و لزوم الإعادة من رأس.

هذا و التحقيق ان يقال انه لا مجال للإشكال في ظهور الرواية في كون مورد السؤال الثاني متّحدا مع مورد السؤال الأول من جهة كون ظرف حدوث الشك بين الستّة و السبعة قبل الانصراف و بمجرد الوصول الى الحجر الأسود غاية الأمر اضافة فرض الذهاب عقيب الطواف المذكور الذي بنى فيه

على الأقل و طاف شوطا أخر لكن اختلاف الحكمين و الجوابين غاية الاختلاف و عدم إمكان التصرف في الحكم الأوّل بالحمل على الاستحباب يستدعي الالتزام بأحد أمرين:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 414

..........

______________________________

امّا ان يقال باختلاف مورد السؤالين و ان مورد السؤال الأوّل هو الشك قبل الانصراف و مورد السؤال الثاني هو الشك الحادث بعد الانصراف و الذهاب و قد فسرنا الرواية في بعض المباحث المتقدمة بهذا النّحو و عليه فلا مانع من اختلاف الحكمين بالكيفية المذكورة.

و امّا ان يقال بان مورد السؤال الثاني صورة الجهل بالوظيفة و الإتيان بالطواف بالنحو المذكور الذي لا يكون صحيحا بوجه و الجهل في باب الطواف و ان كان ملحقا بالعلم بخلاف النسيان الّا انه لا مانع من الالتزام بالصحة في بعض صور الجهل بعد قيام الدليل عليه و دلالة الرواية الصحيحة و هو خصوص صورة الشك بين الستّة و السبعة و فوت زمان التدارك بالذهاب و الخروج الى بلده و أهله و قد حكى عن صاحب الحدائق قدّس سرّه انه ادعى عدم النزاع و الخلاف على الصحة في هذه الصورة و انّ محل الخلاف انما هو مع الحضور و حكى التصريح بهذا التفصيل عن العلامة المجلسي قدّس سرّه.

و لكن صاحب الجواهر ادّعى الإجماع على الخلاف و انه يجب حمل الصحيح على ارادة كون الشك بعد الفراغ قال: و ان أبيت فالطرح و إيكال علمه إليهم عليهم السلام خير من ذلك.

هذا و الظاهر عدم ثبوت الإجماع بهذا النحو لمعارضة دعواه بادعاء صاحب الحدائق نفي الخلاف في الصحة في هذه الصورة و قد اختاره العلامة المجلسي قدّس سرّه مع ان خصوص هذه الصورة لم يكن

موردا لتعرض كثير من الفقهاء حتى يتحقق فيه الإجماع فالإنصاف انه لا مجال لدعوى الإجماع و لكنه مع ذلك يكون الالتزام بالأمر الأوّل أرجح و أوفق بالفتاوى فتدبّر.

بقي الكلام في هذا الفرع فيما إذا كان الشك في الأقل من الستّ و السبع كما لو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 415

[مسألة 24- كثير الشك في عدد الأشواط لا يعتني بشكه]

مسألة 24- كثير الشك في عدد الأشواط لا يعتني بشكه، و الأحوط استنابة شخص وثيق لحفظ الأشواط، و الظنّ في عدد الأشواط في حكم الشكّ (1).

______________________________

شك بين الثلاث و الأربع و الحكم فيه أيضا البطلان امّا لأنّ الجميع بعد الإكمال ينتهي إلى الشك بين الستّة و السبعة الذي كان الحكم فيه البطلان و امّا لدلالة روايات معتبرة على البطلان في خصوصه أيضا مثل:

موثقة جنان بن سدير قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام ما تقول في رجل طاف فأوهم قال: طفت أربعة أو طفت ثلاثة فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام اىّ الطوافين كان طواف نافلة أم طواف فريضة؟ قال ان كان طواف فريضة فليلق ما في يديه و ليستأنف و ان كان طواف نافلة فاستيقن ثلاثة و هو في شك من الرابع انه طاف فليبن على الثلاثة فإنه يجوز له «1».

و مرسلة الصدوق المعتبرة قال: و سئل عليه السلام عن رجل لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة قال طواف نافلة أو فريضة؟ قيل أجنبي فيهما جميعا قال ان كان طواف نافلة فابن على ما شئت و ان كان طواف فريضة فأعد الطواف «2».

و غيرهما من الرّوايات.

و بمثلهما ظهر ان الحكم بالبطلان في الشك في النقيصة يختص بطواف الفريضة و امّا طواف النافلة فلا يبطل بالشك المذكور بل الظاهر

ان الحكم فيه هو البناء على الأقل الذي هو مقتضى أصالة عدم الإتيان بالزائد و ان حكى عن جماعة جواز البناء على الأكثر أيضا نظرا الى مثل المرسلة المتقدمة و الأمر سهل.

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لحكم عنوانين:

الأوّل كثير الشك في عدد الأشواط و صرّح في المتن بأنه لا يعتني بشكّه و الوجه فيه

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 7.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 416

..........

______________________________

انّ ما دلّ على انه لا شك لكثير الشك لا يختص بباب الصلاة و الشك في عدد ركعاتها سواء كان الشك موضوعا للحكم بالبطلان كما في الشك في صلوتي الصبح و المغرب أم موضوعا للحكم بالبناء على الأكثر و الإتيان بصلاة الاحتياط بعد تمامية الصّلاة و مقتضى إطلاق مثل هذا الدليل الشمول للطواف أيضا غاية الأمر أنه احتاط في المتن استحبابا بالإضافة إلى استنابة شخص وثيق لحفظ الأشواط و الوجه فيه قلة الابتلاء بالطواف بخلاف الصّلاة مع الفرق بينهما أيضا بعدم جواز التكلم في الصلاة و جوازه في الطواف و اثر هذا الفرق إمكان الاستعلام من الحافظ و إمكان إخراجه من الغفلة على تقديرها في الطواف دون الصلاة و كيف كان فالعمدة ما عرفت من ثبوت الإطلاق لما دل على انه لا شك لكثير الشك مع ملاحظة حكومته على الأدلة الدالة على ترتب الحكم على الشك كما قد حقق في محله.

الثاني الظن في عدد الأشواط و في المتن انه بحكم الشك لكنه ذكر المحقق في الشرائع ان لا بأس ان يقول الرجل على غيره في تعداد الطواف لأنه كالامارة. و

الظاهر ان مقصوده من الأمارة هي العلامة التي تفيد الظن غالبا و حكى مثله صاحب الجواهر قدّس سرّه عن القواعد و غيرها و محكي النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع.

و العمدة في الحكم بجواز التعويل المذكور بعدم لزوم إحراز حجية الظن الذي يكون مقتضى الأصل في مشكوكة الحجية منه العدم و حجيته في باب ركعات الصلاة انّما هي لأجل قيام الدليل عليها و لا ملازمة بين الصلاة و الطواف من هذه الجهة روايتان واردتان في المقام:

إحديهما رواية سعيد الأعرج قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الطواف أ يكتفي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 417

..........

______________________________

الرجل بإحصاء صاحبه فقال نعم «1».

و سعيد الأعرج من رجال صفوان الذين يروي عنهم و قد اشتهر ان كل من يروي عنه فهو ثقة و لكنه لم يثبت كما في البزنطي و ابن أبي عمير و لذا وصفه كاشف اللثام بالجهالة.

ثانيتهما رواية الهذيل عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يتكلّ على عدد صاحبه في الطواف ا يجزيه عنها (عنهما ظ) و عن الصّبي فقال نعم الا ترى أنّك تأتمّ بالإمام إذا صليت خلفه فهو مثله «2». و لكن هذه الرواية أيضا ضعيفة بالهذيل و قد ذكر صاحب الجواهر ان النص و الفتوى قد جعلت الأحكام المذكورة للشك في الطواف على وجه يظهر منه عدم اندراج المظنون معه في الحكم المذكور قال و لا ينافيه ما تقدم في بعض النصوص من قوله عليه السلام: حتى تثبته أو حتى نحفظه لإمكان القول بان الظن إثبات له و حفظ له.

و هذا الكلام منه عجيب جدّا ضرورة ان المراد من الشك في الطواف الذي جعل

موضوعا للأحكام المذكورة هو عدم العلم الشامل للظن أيضا و يدل عليه صحيحة صفوان قال سألته عن ثلاثة دخلوا في الطواف فقال واحد منهم احفظوا الطواف فلمّا ظنّوا انهم قد فرغوا قال واحد منهم معي ستة أشواط قال ان شكّوا كلّهم فليستأنفوا، و ان لم يشكوا و علم كل واحد منهم ما في يديه فلينبوا «3». و رواه الشيخ بإسناده عن إبراهيم بن هاشم عن صفوان قال سألت أبا الحسن عليه السلام ثم ذكر مثله الّا انه قال: قال واحد معي

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و الستون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب السّادس و الستون ح- 3.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و الستون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 418

[مسألة 25- لو علم في حال السعي عدم الإتيان بالطواف قطع و اتى به]

مسألة 25- لو علم في حال السعي عدم الإتيان بالطواف قطع و اتى به ثم أعاد السعي. و لو علم نقصان طوافه قطع و أتمّ ما نقص و رجع و أتمّ ما بقي من السّعي و صحّ لكن الأحوط فيها (فيه ظ) الإتمام و الإعادة لو طاف أقل من أربعة أشواط و كذا لو سعى أقلّ منها فتذكّر (1).

______________________________

سبعة أشواط و قال الأخر معي ستة أشواط و قال الثالث معي خمسة أشواط فإن قرينة المقابلة بين الشك و اليقين في الرواية و الحكم باختلاف حكمها تقتضي ان يكون المراد بالشك هو عدم العلم و ان المناط في جواز البناء و عدم لزوم الاستيناف هو العلم غاية الأمران الاطمئنان و الظن المتاخم لليقين علم بنظر العرف فيجوز البناء معه و امّا مجرد الظن فهو داخل في الشك الذي يترتب عليه لزوم الاستيناف و بذلك كلّه تظهر

تمامية ما في المتن و لم تثبت شهرة على خلافه لعدم تعرض كثير لتحرير المسألة كما في الجواهر كما انه ظهر انه لا فرق بين أسباب حصول الظن و لو كان السبب هو اخبار الغير المفيد للظنّ.

(1) في هذه المسألة فرعان:

الفرع الأوّل ما لو تذكر في حال السعي انه ترك الطواف رأسا و الحكم فيه وجوب قطع السعي و الإتيان بالطواف و اعادة السعي من رأس و يدل عليه مضافا الى الرواية الآتية في الفرع الثاني صحيحة منصور بن حازم قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل بدأ بالسّعي بين الصفا و المروة قال: يرجع فيطوف بالبيت ثم يستأنف السّعي قلت ان ذلك قد فاته قال عليه دم الا ترى انّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك ان تعيد على شمالك «1». و مقتضى إطلاق السؤال بعد وضوح عدم شموله لصورة العلم و العمد عدم الفرق بين صورة الجهل و فرض النسيان الذي هو محلّ البحث و الكلام فعلا كما ان

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الستون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 419

..........

______________________________

مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين صورة رفع النسيان في أثناء السعي و بين صورة رفعه بعده و على اىّ فالرواية تدل على البطلان في المقام.

ثم انه قد جعل في الوسائل صحيحة منصور روايتين مع وضوح اتحادهما و ان كان بينهما الاختلاف في التعبير و في الاشتمال على السؤال الثاني و عدمه.

الفرع الثاني ما لو تذكر في أثناء السعي نقصان الطواف و عدم تماميّته و قد افتى فيه في المتن بلزوم إتمام كليهما غاية الأمر لزوم إتمام الطواف أوّلا و السعي ثانيا

لكنه احتاط استحبابا بالجمع بين الإتمام و الإعادة لو كان الطواف أقل من أربعة أشواط و كذا في السعي لو كان التذكر قبلها هذا و لكنه قال المحقق في الشرائع لو دخل في السعي فذكر انه لم يتم طوافه رجع فأتمّ طوافه ان كان تجاوز النصف ثم تمّم السّعي. و مقتضاه لزوم اعادة الطواف من رأس لو لم يتجاوز النصف و المسألة خلافية بالإضافة إلى الطواف و الى السعي كليهما فظاهر عبارة الشرائع التفصيل المزبور في خصوص الطواف و ان الحكم في السّعي هو لزوم الإتمام مطلقا كما عن النهاية و السرائر و التذكرة و التحرير و المنتهي لكن المحكي عن المبسوط و القواعد لزوم استيناف السعي في صورة استيناف الطواف. و ظاهر محكي النهاية و التهذيب و التحرير و التذكرة و المنتهي و النافع إطلاق إتمام الطواف كما في المتن.

و المستند الوحيد في هذا الفرع موثقة إسحاق بن عمّار قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجل طاف بالكعبة ثم خرج فطاف بين الصفا و المروة فبينما هو يطوف إذ ذكر انه قد ترك من طواف بالبيت قال يرجع الى البيت فيتم طوافه ثم يرجع الى الصفا و المروة فيتم ما بقي، قلت فإنه بدء بالصفا و المروة قبل ان يبدأ بالبيت فقال يأتي البيت فيطوف به ثم يستأنف طوافه بين الصفا و المروة، قلت فما فرق بين هذين؟ قال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 420

..........

______________________________

لأنّ هذا قد دخل في شي ء من الطواف و هذا لم يدخل في شي ء منه «1». و قد حكاها صاحب الجواهر مع الاختلاف في بعض العبارات.

و لا شبهة في ظهور الموثقة في إطلاق

الحكم بالإتمام بالإضافة إلى الطواف و السعي كليهما كما في المتن فان كلمة «من» في قوله قد ترك من طوافه انّما هي للتبعيض و إطلاق البعض يشمل ما لو كان المتروك أقلّ أو أكثر كما ان قوله: فبينما هو يطوف يشمل ما لو كان التذكر قبل الشوط الرابع أو بعده، و الشبهة الموجبة لسؤال الفرق انّما هي بالإضافة إلى السّعي لعدم الفرق بين الفرضين بالنسبة إلى الطواف بعد كون الحكم فيه الرجوع للإتيان بما نقص أو بالجميع في فرض عدم الإتيان بشي ء من اشواطه فالسؤال انّما هو بالنسبة إلى السعي حيث ان الحكم فيه في الأوّل الإتمام و في الثاني الاستيناف و الجواب متضمن لبيان الفرق بالإتيان بشي ء من الطواف في الأوّل و عدم الإتيان بشي ء منه في الثاني.

و كيف كان فالموثقة ظاهرة فيما في المتن فيقع الكلام- ح- في مستند التفصيل المتقدّم المذكور في عبادة الشرائع و يظهر من الجواهر انّ الوجه في ذلك أمران:

أحدهما الاستظهار من كلمة الشي ء التي وقعت في السؤال الأول على وفق نقله حيث نقله هكذا: ثم ذكر انه قد بقي عليه من طوافه شي ء ان المراد منها هي الأقل من النصف.

و يرد عليه مضافا الى عدم وجود هذا التعبير في نقل الوسائل كما عرفت منع الاستظهار المذكور بالإضافة إلى الموثقة و ذلك بملاحظة التقليل الواقع في ذيلها بالنسبة إلى الصورتين فان قوله قد دخل في شي ء من الطواف لا يكون المراد من

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الستون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 421

..........

______________________________

الشي ء المذكور فيه هو الأقل من النصف ضرورة أن الأقلية لو لم تكن منافية لذلك لا تكون

مناسبة له بوجه فلا محالة يكون المراد من الشي ء المستعمل في التعليل أعم من الأكثر و الأقل فيصير ذلك قرينة على كون المراد به في الصدر على تقديره أيضا ذلك.

ثانيهما التعليل الواقع في بعض روايات عروض الحيض في الأثناء الدالة على الصحة إذا عرض بعد الشوط الرابع معلّلا بأنها جاوزت النصف فإنه يستفاد منه و من مثله ضابطة كلية عامة و هي ان حصول الاختلال من جهة وجود المانع أو فقد الشرط إذا كان بعد الشوط الرابع لا يؤثر في بطلان الطواف و لزوم الإعادة من رأس و هذه الضابطة حاكمة على إطلاق الموثقة و موجبة لتقييده بصورة التجاوز عن النصف و توجب التفصيل بين الفرضين كما في الشرائع.

و الجواب عنه ما عرفت من عدم تمامية استفادة التعميم بهذا النحو من التعليل المذكور غاية الأمر استفادة التعميم بالإضافة إلى حدث الجنابة بل و الحدث الأصغر و امّا دلالته على التوسعة بحيث يكون صالحا لتقييد إطلاق الموثقة مع وروده في مقام البيان جوابا عن سؤال السائل فمحلّ نظر بل منع.

و على ما ذكرنا فالتفصيل لا يكون له مستند قابل للاتكال عليه بل الحكم ثابت بنحو الإطلاق كما في المتن غاية الأمر ثبوت الاحتياط الاستحبابي بالجمع بين الإعادة و الإتمام في صورة الأقل من النصف خروجا من خلاف مثل المحقّق كما ان هذا الاحتياط ثابت في السعي فيما إذا كان التذكر قبل الشوط الرابع لأجل بعض الأقوال المتقدمة بالنسبة الى الاستيناف و الّا فالضابطة المذكورة على تقدير صحتها موردها الطّواف و لا يجري في السّعي بوجه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 422

[مسألة 26- التكلم و الضحك و إنشاء الشعر لا تضرّ بطوافه لكنّها مكروهة]

مسألة 26- التكلم و الضحك و إنشاء الشعر لا تضرّ

بطوافه لكنّها مكروهة، و يستحب فيه القراءة و الدّعاء و ذكر اللّٰه تعالى (1).

______________________________

(1) امّا كراهة الأمور المذكورة فيدل عليها مثل رواية محمد بن فضيل عن محمد بن علىّ الرّضا عليه السلام في حديث قال طواف الفريضة لا ينبغي ان يتكلم فيه الّا بالدعاء و ذكر اللّٰه و تلاوة القرآن قال: و النافلة يلقي الرجل أخاه المسلم فيسلّم عليه و يحدثه بالشي ء من أمر الآخرة و الدنيا لا بأس به «1».

و امّا استحباب الأمور المذكورة فيدل عليه روايات كثيرة مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال طف بالبيت سبعة أشواط و تقول في الطواف اللهم اني أسألك باسمك الذي يمشي به على ظلل الماء كما يمشي به على جدد الأرض، و أسألك باسمك الذي يهتزّ له عرشك، و أسألك باسمك الذي تهتزّ له أقدام ملائكتك و أسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستجبت له و ألقيت عليه محبّة منك، و أسألك باسمك الذي غفرت به لمحمّد صلّى اللّٰه عليه و آله ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و أتممت عليه نعمتك ان تفعل بي كذا و كذا ما أحببت من الدعاء و كلّما انتهيت الى باب الكعبة فصلّ على النبيّ و تقول فيما بين الركن اليماني و الحجر الأسود رَبَّنٰا آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ و قل في الطواف اللّٰهم إني إليك فقير و انّي خائف مستجير فلا تغير جسمي و لا تبدل اسمي «2».

و رواية أيّوب أخي أديم قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام القراءة و انا أطوف أفضل أو ذكر اللّٰه تبارك و تعالى قال القراءة قلت

فان مرّ بسجدة و هو يطوف قال يومئ برأسه الى

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الخمسون ح- 2.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 423

[مسألة 27- لا يجب في حال الطواف كون صفحة الوجه الى القدّام]

مسألة 27- لا يجب في حال الطواف كون صفحة الوجه الى القدّام بل يجوز الميل الى اليمين و اليسار و العقب بصفحة وجهه، و جاز قطع الطواف و تقبيل البيت و الرجوع لإتمامه، كما جاز الجلوس و الاستلقاء بينه بمقدار لا يضرّ بالموالاة العرفيّة و الّا فالأحوط الإتمام و الإعادة (1).

______________________________

الكعبة «1». و غيرهما من الروايات الكثيرة المنقولة في الأبواب المختلفة في الوسائل.

(1) أقول امّا عدم وجوب كون صفحة الوجه في حال الطواف الى القدّام فلانّ المعتبر فيه على ما عرفت كون الكعبة على يسار الطائف و وقوع الطواف على هذا الحال و هذا لا يفرق فيه بين ان تكون صفحة الوجه الى القدام أو الى غيره من الجهات الثلاثة و بهذا يتحقق الفرق بين الطواف و بين الصلاة حيث انه يعتبر فيها ان يكون مقاديم البدن بأجمعها التي منها صفحة الوجه بل هي عمدتها و لذا يكون الميل بها عن القبلة موجبا للبطلان خصوصا إذا كان بحيث يرى خلفه و هو الذي قد عبّر عنه بالالتفات و امّا في الطواف فلا يعتبر الا كون الكعبة على اليسار و لا فرق فيه بين حالات صفحة الوجه بوجه.

و امّا جواز قطع الطواف لتقبيل البيت و استلام الحجر و الرجوع لإتمامه فيدل عليه الروايات الكثيرة الدالة على استحباب استلام الحجر ابتداء و انتهاء و في كل شوط و على استحباب تقبيل جميع أجزاء البيت سيّما المستجاز فانّ لازم ذلك

قطع الطواف في تلك الحال لعدم كون الكعبة واقعة على يساره فيها و الرجوع بعده لإتمام الطّواف.

و امّا جواز الجلوس و الاستلقاء بينه فيدل عليه مضافا الى انه ربما لا تكون ادامة الطواف و عدم الاستراحة بينه ميسورة خصوصا بالإضافة إلى الهرم و المريض انّ ما يمكن ان يكون قادحا في ذلك هو اعتبار الموالاة في الطواف و المفروض في المسألة

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الخامس و الخمسون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 424

[القول في صلاة الطواف]
[مسألة 1- يجب بعد الطواف صلاة ركعتين له]

مسألة 1- يجب بعد الطواف صلاة ركعتين له، و تجب المبادرة إليها بعده على الأحوط، و كيفيتها كصلاة الصّبح و يجوز فيها الإتيان بكلّ سورة الّا العزائم و يستحب في الأولى التوحيد و في الثانية الجحد و جاز الإجهار بالقراءة و الإخفات (1).

______________________________

صورة عدم الإضرار بالموالاة العرفية و الّا ففي صورة الإضرار حيث يكون أصل اعتبار الموالاة بنحو الاحتياط الوجوبي كما تقدم بحثه في شرائط الطواف يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي الجمع بين الإتمام و الإعادة كما أفيد في المتن فتدبّر.

(1) في صلاة الطواف جهات من الكلام تعرض لأكثرها في هذه المسألة:

الجهة الاولى في أصلّ وجوبها فقد ذكر المحقق في الشرائع: و هما واجبتان في الطواف الواجب و قال في الجواهر: «على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا شهرة عظيمة بل عن الخلاف نسبته إلى عامة أهل العلم و ان حكي فيه عن الشافعي قولا بعدم الوجوب ناسبا له الى قوم من أصحابنا لكن لا نعرفهم بل في الرياض عنه الإجماع مع انّ فيه و في السرائر نقل قول بالاستحباب و في التذكرة نسبة ذلك الى شاذ كالمحكيّ عن ابن إدريس».

و يدل على الوجوب

الكتاب و السنّة:

امّا الكتاب فقوله تعالى في سورة البقرة وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى نظرا الى ظهوره أوّلا في وجوب الاتخاذ المذكور و ثانيا في ان المراد من المصلّي محل الصلاة المعهودة في الشريعة فيدل على وجوب الصلاة عند مقام إبراهيم و حيث انه قام الإجماع على عدم وجوب صلاة غير صلاة الطواف عنده و على عدم لزوم إيقاع الصلاة الواجبة مثل اليومية في المسجد الحرام عند المقام ضرورة جواز الإتيان بها في أي موضع شاء من المسجد الحرام فتظهر دلالة الآية على وجوب صلاة الطواف عند المقام و احتمال كون المراد بالمصلّي محل الدعاء يدفعه عدم استعمال لفظة الصلاة في القرآن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 425

..........

______________________________

في غير الصلاة المعهودة في الشريعة نعم قد استعمل فيه لكن مع اضافة كلمة على بعدها كما في قوله تعالى وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ و في الموارد المتعدّدة الأخرى و امّا بنحو الإطلاق فلم يستعمل إلّا في المعني المعهود كما ان جعله بمعنى محل الصلاة المعهودة و حمل الأمر على الاستحباب بحيث كان المراد استحباب الإتيان بسائر الصلوات عند المقام يدفعه ما عرفت من الظهور في الوجوب و يؤيّده ما حكي عن النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله من انه صلّاهما و تلا قوله تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى بل قيل انّها نزلت عليه حين فعلهما كما أنه يؤيده بل يدلّ عليه استشهاد الامام عليه السلام على ما في بعض الروايات بهذه الآية على بعض الجهات و الأحكام المتعلقة بصلاة الطواف و قد مرّ غير مرّة ان الاستشهاد يغاير التفسير فان مبني الأوّل على ظهور الآية

في نفسها في ذلك على حسب الظهور اللفظي و المتفاهم العرفي و مبني الثاني على بيان المراد من الآية و ان كان مخالفا لما هو ظاهرها كما لا يخفى.

و امّا الروايات فيدل على الوجوب طوائف كثيرة مثل ما دلّ على الأمر بالصلاة بعد الطواف و قد وقع في بعضها التعبير بأنّها فريضة و الروايات الواردة في مقام بيان اعمال الحج و العمرة و ما ورد في نسيان صلاة الطواف و انه يعود و يصلّ إذا لم يكن فيه مشقة و إذا كان كذلك كما إذا كان بعد رجوعه إلى اهله و محلّه يصليهما فيه نعم ما ورد مما يدل على لزوم إيقاعها عند مقام إبراهيم لا دلالة له على الوجوب لأن القائل بالاستحباب أيضا يقول بذلك فلزوم إيقاعها عنده يرجع الى الشرطية كشرطية الطهارة في الصلاة المندوبة و عليه لا وجه لجعل هذه الطائفة في عداد الطوائف المذكورة بعد استفاضة تلك الطوائف بل قد نفي البعد عن تواترها.

و نقتصر من الروايات على ذكر رواية واجدة باعتبار دلالتها على جملة من الجهات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 426

..........

______________________________

الآتية أيضا و هي صحيحة معاوية بن عمّار قال قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السلام فصلّ ركعتين و اجعله اماما و اقرأ في الأولى منهما سورة التوحيد قل هو اللّٰه أحد و في الثانية قل يا ايّها الكافرون ثم تشهد و احمد اللّٰه و اثن عليه و صلّ على النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و اسئله ان يتقبل منك و هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك ان تصلّيهما في أيّ الساعات (ساعة

في) شئت عند طلوع الشمس و عند غروبها و لا تؤخّرها ساعة تطوف و تفرع فصلّهما «1». و لا خفاء في ظهور صدرها و ذيلها في الوجوب و ان كان الذيل أظهر بلحاظ التعبير بالفريضة و التفريع عليها بالحكم بعدم كراهة الإتيان بها في أيّ ساعة من ساعات الليل و النهار مع وضوح كراهة النوافل في بعض تلك السّاعات و الصدر ظاهر في الوجوب بلحاظ صيغة افعل الظاهرة فيه في نفسها.

و قد استدل القائل بعدم الوجوب بعد المناقشة في دلالة الآية ببعض ما أشرنا اليه مع الجواب مضافا الى الأصل الذي لا مجال له بعد دلالة الآية و الروايات الكثيرة و ببعض الروايات مثل ما رواه النسائي في سننه من انّ الأعرابي قال للنبي عليه السلام بعد قوله صلّى اللّٰه عليه و آله ان الإسلام هي الصلوات الخمس اي الصلوات اليومية المفروضة: هل علىّ غير الخمس فقال صلّى اللّٰه عليه و آله لا الّا ان تتطوّع.

و بصحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام فرض اللّٰه الصّلاة و سنّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله على عشرة أوجه صلاة السفر و الحضر و صلاة الخوف على ثلاثة أوجه و صلاة كسوف الشمس و القمر و صلاة العيدين و صلاة الاستسقاء و الصلاة على الميت «2».

______________________________

(1) أورد صدرها في الوسائل في باب 71 من أبواب الطواف ح- 3 و ذيلها في باب 76 ح- 3.

(2) مصدر روايت ذكر نشدة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 427

..........

______________________________

أقول امّا الرواية الأولى فمضافا الى عدم تمامية سندها عدم تمامية دلالتها أيضا لوضوح ثبوت غير الصلوات اليومية من الصلوات المفروضة و لو كان المراد خصوص

الصلوات المفروضة التي لا تترك بحال و لا يكون وجوبها مشروطا بعنوان خاص فلا يقدح خروج صلاة الطواف بعد وضوح اختصاص وجوبها بمن طاف في الحج أو العمرة و امّا الاستثناء الواقع فيها فقد احتمل السيوطي في شرح النسائي ان يكون المراد انه في الصلاة التي يتطوع بها إذا تحقق الشروع يجب الإتمام نظير الحج الذي يجب إتمامه و ان كان أصله غير واجب و عليه يكون الاستثناء متصلا كما انه احتمل بل استظهر ان يكون الاستثناء منقطعا و المراد ان الواجب ليس الّا الخمس و امّا التطوع فهو يدور مدار اختيارك من دون ان يكون هناك فرض.

و امّا الرواية الثانية فهي أيضا غير تامة الدلالة من جهة عدم التعرض لعشرة أوجه فيها مضافا الى عدم كون صلاة الاستسقاء من الصلوات الواجبة.

و كيف كان فمثل هذه الرواية لا تصلح للنهوض في مقابل الكتاب و السنّة الدالين على وجوب صلاة الطواف خصوصا الروايات المستفيضة بل المتواترة فلا ينبغي الإشكال في الوجوب.

الجهة الثانية في وجوب المبادرة إلى الإتيان بها عرفا بعد الفراغ عن الطواف و قد احتاط وجوبا في المتن في رعاية المبادرة و قد عبّر المحقق في الشرائع عن صلاة الطواف بقوله: «و من لوازمه ركعتا الطواف و هما واجبتان في الطواف الواجب» و استفيد من هذه العبارة لأجل التعبير باللازم لزوم المبادرة إلى الصلاة و انّها متممة للطواف مع انه من الواضح انه ليس المراد من اللازم الّا مجرد التبعيّة الراجعة إلى ترتبها على الطواف و تأخرها عنه و امّا الوجوب فضلا عن المبادرة فلا دلالة له عليه و يؤيده بل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 428

..........

______________________________

يدل عليه الحكم

بالوجوب في خصوص الطواف الواجب بعد هذا التعبير الجاري في مطلق الطواف أعم من الواجب و المستحب و كيف كان لا دلالة لهذا التعبير على لزوم المبادرة و لم أر التعرض لهذه الجهة لا في كلام المحقق و لا في الجواهر نعم ذكر في ذيل شرح المسألة الخامسة قوله: «ان قلنا بفورية صلاة الطواف كما يشعر به بعض النصوص ..»

و امّا الروايات فيدل على وجوب المبادرة مثل:

صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في الجهة الأولى بلحاظ قوله عليه السلام في الصّدر إذا فرغت من طوافك فاتت مقام إبراهيم عليه السلام و صلّ ركعتين و أظهر منه قوله عليه السلام في الذيل و لا تؤخرها ساعة تطوف و تفرغ فصلّهما.

و صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضة و فرغ من طوافه حين غربت الشمس قال: وجبت عليه تلك السّاعة الركعتان فليصلّهما قبل المغرب «1». اي قبل صلاة المغرب.

و صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال سألته عن ركعتي طواف الفريضة قال: لا تؤخّرها ساعة إذا طفت فصلّ «2».

و غير ذلك من الروايات الظاهرة في وجوب المبادرة العرفية و عدم جواز تأخير الصلاة عن الطواف و الظاهر ان المراد من الوجوب هو الوجوب الشرطي الذي مرجعه إلى شرطية المبادرة في صحة الصّلاة و كون الإخلال بها موجبا للبطلان كسائر الأوامر و النواهي الواردة في العبادات و المعاملات حيث انّها ظاهرة في الإرشاد إلى الشرطية

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و السبعون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و السبعون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 429

..........

______________________________

و المانعيّة

كقوله عليه السلام لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل لحمه و لا تبع ما ليس عندك و عليه فليس الإخلال بالمبادرة موجبا لمخالفة حكم تكليفي نفسي بل موجبا لعدم وقوعها صحيحة أصلا ثم ان هنا بعض الروايات الدالة على كراهة الإتيان بصلاة الطواف في بعض حالات الشمس كاحمراره و طلوعه أو عدم جواز الإتيان بها بعد الغداة و بعد العصر و هو في وقت الصّلاة و هذه الروايات مضافا الى ثبوت المعارض لها كصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة و الروايات الأخر لا تنافي أصل الحكم بوجوب المبادرة إلى الصلاة بعد الفراغ عن الطواف فان البحث في هذه الجهة راجع الى نفس صلاة الطواف من حيث هي و هذا لا ينافي ثبوت الكراهة بل عدم الجواز في بعض الموارد و الحالات و لا بأس بالتعرّض لما يدل على عدم الجواز و هي صحيحة على بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الذي يطوف بعد الغداة و بعد العصر و هو في وقت الصلاة يصلّي ركعات الطواف نافلة كانت أو فريضة؟ قال لا «1».

و نقل في الوسائل عن الشيخ انه حملها على تأخير ركعتي الطواف عن الفريضة الحاضرة و الظاهر انه ليس مراد الشيخ صورة تضيق وقت الحاضرة كما استفاده بعض الاعلام قدّس سرّه بل كلامه يشمل صورة السعة أيضا و لذا أورد عليه صاحب الجواهر قدّس سرّه بانّ فيه منعا ضرورة ان الأصل يقتضي التخيير بينهما كما عن الفاضل التصريح به لأنهما واجبان موسّعان فلا وجه لترجيح أحدهما على الأخر بل ان قلنا بفورية صلاة الطواف كما يشعر به بعض النصوص اتجه- ح- تقديمها على الفريضة كما هو واضح.

هذا و لكن تعارضها في

موردها صحيحة ابن مسلم المتقدمة الدالة على وجوب الإتيان بصلاة الطواف قبل صلاة المغرب التي دخل وقتها فاللازم في مقام الجمع امّا

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و السبعون ح- 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 430

..........

______________________________

حمل صحيحة ابن يقطين على خصوص صورة تضييق وقت الحاضرة بقرينة صحيحة ابن مسلم حيث ان موردها صورة سعة وقت صلاة المغرب و عدم تضيّقها و امّا الحكم بالتعارض و التساقط ثم الرجوع الى صحيحة معاوية بن عمار الدالة على جواز الإتيان بها في أيّ ساعة من ساعات الليل و النهار من دون كراهة في البين فضلا عن عدم الجواز و الروايات الدالة على ان صلاة الطواف من جملة أربع صلوات أو خمس التي تصلي في كل حال هذا و لكنك عرفت انّ مثل صحيحة ابن يقطين لا يكون دليلا على الخلاف ففي أصل المسألة و هو لزوم المبادرة في صلاة الطواف من حيث هي.

ثم انه ورد في بعض الرّوايات ما يدل على انّ الناس قد أخذوا من الحسنين عليهما السلام شيئا واحدا مثل موثقة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام قال: ما رأيت الناس أخذوا عن الحسن و الحسين إلّا الصلاة بعد العصر و بعد الغداة في طواف الفريضة «1».

لكن في صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع ما لعلّه ينافي ما في الموثقة قال سألت الرّضا عن صلاة طواف التطوع بعد العصر فقال لا فذكرت له قول بعض آبائه ان النّاس لم يأخذوا عن الحسن و الحسين عليهما السلام الّا الصلاة بعد العصر بمكّة فقال نعم و لكن إذا رأيت النّاس يقبلون على شي ء فاجتنبه فقلت ان هؤلاء يفعلون فقال

لستم مثلهم «2».

قال المجلسي قدّس سرّه في شرح الحديث: «اي على تجسس شي ء فإنهم يتجسّسون و يمنعون عن صلاة الطواف في ذلك الوقت و ذلك علامة التشيع عندهم قال فإن العامة أيضا يفعلون فقال لستم مثلهم لأنكم معروفون بالتشيع فإذا فعلتم احتجوا عليكم

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و السبعون ح- 4.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و السبعون ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 431

[مسألة 2- الشك في عدد الركعات موجب للبطلان]

مسألة 2- الشك في عدد الركعات موجب للبطلان، و لا يبعد اعتبار الظنّ فيه، و هذه الصلاة كسائر الفرائض في الاحكام (1).

______________________________

بخلاف بعض العامّة فإنهم يعلمون انهم يوافقونهم في المذهب كذا خطر بالبال».

هذا و لكن الظاهر ثبوت الإشكال في مفاد الصحيحة من جهة دلالة الموثقة على ان ما أخذوا عن الحسنين عليه السلام كان بالنسبة إلى صلاة طواف الفريضة مع ان مورد السؤال في الصحيحة كان هي صلاة طواف التطوع و من جهة انّ المحكي عن آبائه عليه السلام فيها لا اشعار فيها بالاختصاص بصلاة الطواف و من جهة الحكم بعدم الجواز رأسا و الحكم بوجوب الاجتناب.

الجهة الثالثة في استحباب قراءة سورة التوحيد في الركعة الاولى من صلاة الطواف و سورة قل يا ايها الكافرون في الركعة الثانية و هو المشهور و يدل عليه صحيحة معاوية ابن عمار المتقدمة و لا مجال لتوهم كون ظاهرها بيان الكيفية و انّه لا بد و ان يؤتى بها كذلك بعد وقوعها في عداد المستحبات الكثيرة المذكورة فيها و عدم الفتوى بالتعين من أحد من الأصحاب مضافا الى خلو الروايات الواردة في مقام البيان عن ذكر هذه الخصوصية و لا موقع لحمل المطلق على المقيد في

باب المستحبات بعد ثبوت المراتب فيها غالبا.

الجهة الرابعة جواز الإجهار بصلاة الطواف و الإخفات لخلوّ الروايات الواردة في مقام البيان عن التعرض لتعين احدى الخصوصيتين مع انها لا تكون من الصلوات اللّيلية التي يؤتى بها جهرا و لا من الصلوات النهارية التي يؤتى بها إخفاتا لوقوعها في جميع الساعات من ساعات الليل و النهار من دون كراهة فيجوز الإجهار بها و الإخفات و الجمع بينهما أيضا كما لا يخفى.

(1) صلاة الطواف الواجب بمنزلة فريضة الصبح فيعتبر فيها جميع ما يعتبر في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 432

[مسألة 3- يجب ان تكون الصلاة عند مقام إبراهيم عليه السلام]

مسألة 3- يجب ان تكون الصلاة عند مقام إبراهيم عليه السلام و الأحوط الذي لا يترك خلفه، و لو تعذّر الخلف للازدحام اتى عنده من اليمين أو اليسار، و لو لم يمكنه ان يصلّي عنده يختار الأقرب من الجانبين و الخلف، و مع التساوي يختار الخلف و لو كان الطرفان أقرب من الخلف لكن خرج الجميع عن صدق كونها عنده لا يبعد الاكتفاء بالخلف لكن الأحوط إتيان صلاة أخرى في أحد الجانبين مع رعاية الأقربية، و الأحوط إعادة الصلاة مع الإمكان خلف المقام لو تمكن بعدها الى ان يضيق وقت السّعي (1).

______________________________

الصلوات المفروضة وجودا و عدما كما انه يترتب عليها ما يترتب على فريضة الصبح من البطلان في الشك في عدد الركعات كما انه يعتبر الظنّ فيه كما يعتبر الظن في عدد ركعات مطلق الصلوات حتى مثل فريضة الصبح و بالجملة صلاة الطواف الواجب باعتبار كونها صلاة مفروضة يعتبر فيها جميع ما يعتبر فيها من طهارة البدن و اللباس و الطهارة من الحدثين و استقبال القبلة و غيرها و باعتبار كون ركعاتها

اثنتين يجري فيها ما يجري في فريضة الصبح لعدم اختصاص شي ء من الأدلة بخصوص الفرائض اليومية و لا بخصوص صلاة الصبح فتدبّر.

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الجهة الاولى في لزوم ان تكون صلاة الطواف الواجب عند مقام إبراهيم عليه السلام و هو المشهور كما في الجواهر لكنه جعل المشهور موفقا لما في عبارة المحقق في الشرائع حيث قال في المسألة الثالثة: يجب ان يصلي ركعتي الطواف في المقام حيث هو الآن فان منعه رخام صلّ ورائه أو الى أحد جانبيه و حكى عن الخلاف جواز فعلهما في غيره بل عنه الخلاف عن أجزاء الصلاة في غيره و عدم وجوب الإعادة، و عن الصدوقين جواز فعلهما في سائر مواضع المسجد في خصوص طواف النّساء و الظاهر ان مستندة ما في فقه الرضا الذي لم يثبت اعتباره.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 433

..........

______________________________

و كيف كان العمدة في المقام قوله تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى و يجري فيه احتمالات:

الأوّل ان تكون كلمة «من» للتبعيض يعني انه يجب اتخاذ بعض المقام مصلّى و إيجاد الصلاة في ذلك البعض.

و يرد عليه انه لا يجتمع مع حمل المقام على معناه الظاهر و هي الصخرة التي قام عليها إبراهيم عليه السلام و فيها آثار قدمه و تكون ذراعا في ذراع و ذلك لان الصخرة المذكورة لا يكون جميعا قابلا لان يتخذ مصلّى فضلا عن بعضها فهو يغاير ما إذا قيل اتخذ من المسجد محلا للعبادة و اشتغل بالعبادة فيه فإنه قابل للتبعيض نوعا و تكون أبعاضه صالحة لوقوع العبادة فيها بخلاف المقام.

الثاني ان تكون كلمة «من» بمعنى «في» و دالة على الظرفية يعني يجب

ان تكون الصخرة المعهودة ظرفا للصلاة بعد الطواف حكى ذلك عن كشف اللثام حيث قال: «لا بأس عندي بإرادة نفس الصّخرة و حقيقة الظرفية بمعنى انه ان أمكن الصلاة على نفسها فعل لظاهر الآية فان لم يمكن كما هو الواقع في هذه الأزمنة صلّى خلفه أو الى جانبيه».

و يرد عليه مضافا الى انّ الظرفية لا تجتمع مع ما عرفت من كون الصخرة ذراعا في ذراع لعدم إمكان وقوعها بهذه المساحة ظرفا للصلاة التي تحتاج إلى هيئة السجود أيضا و لا تكون الهيئة المعتبرة فيها منحصرة بالهيئة القيامية أو المقعودية أو الركوعية التي لا تحتاج الى ظرف وسيع انه لم ينقل عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و غيره الصلاة على نفس الصخرة و لو كانت واقعة لبانت.

الثالث ان تكون كلمة «من» للابتداء و معنى الآية- ح- انه يجب الابتداء من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 434

..........

______________________________

المقام و الشروع منه لاتخاذ المصلّي و مرجعه الى جعل المقام محلا يصلي اليه فتدل على لزوم كونه بحياله و واقعا خلفه.

و يرد عليه انه لا يستلزم جعل كلمة «من» للابتداء وقوع المقام امام المصلّي و قدامه لأنّ الشروع منه كما يتحقق بآخر اجزائه لمن جاء من قبل البيت و ناحية الكعبة كذلك يتحقق بأوّل اجزائه كمحاذاة الحجر الأسود في بدء الطواف و ختمه على ما تقدم و من المعلوم ان الشروع من الجزء الأوّل لا يستلزم وقوع الصلاة خلف المقام و كونه امامه.

الرّابع ان تكون الكلمة بمعنى «عند» بان تكون للاتصال و القرب و معني الآية- ح- انه يجب ان يتخذ مصلى قرب المقام و عنده و دعوى انّ لازمة جواز الصلاة

في جميع جوانب المسجد الحرام لقربها من المقام مدفوعة بأنه حيث يكون الخطاب متوجّها الى من كان في المسجد و فارغا عن الطواف و الإتيان باشواطه لا يبقي- ح- احتمال كون جميع المسجد قريبا من المقام و الّا لكان اللازم التعبير بلزوم اتخاذ المصلى من المسجد فالأمر في الآية مع ملاحظة ما ذكرنا لا ينطبق الّا على حوالي المقام مما يقرب المقام نعم يرد على هذا الاحتمال ان حمل كلمة «من» على معني «عند» يكون من الحمل على المعني المجازي و لكن الجواب ان ظهور كلمة مقام إبراهيم عليه السلام في الصخرة أقوى من ظهور كلمة «من» فالظاهر انه لا محيص عن حمل الآية على هذا المعنى.

و مقتضى إطلاقه انه لا فرق بين الخلف و بين اليمين و اليسار و بين القدام لان الجميع مشترك في قرب المقام و كون المصلّي عنده لكن في الروايات ما يظهر منه تعين الخلف مثل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في المسألة الاولى المشتملة على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 435

..........

______________________________

قوله عليه السلام إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم و صلّ ركعتين و اجعله اماما و صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرّضا عليه السلام أصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو السّاعة أو حيث كان على عهد رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله قال حيث هو الساعة «1».

فإنّ السؤال ظاهر في مفروعية لزوم كون صلاة الطواف خلف المقام الّا ان يقال بأنه حيث كان محطّ السؤال هو المقام من حيث هو الساعة أو حيث كان على عهد رسول اللّٰه عليه السلام فيمكن ان يكون ذكر الخلف باعتبار انه

أحد مصاديق الأراضي القريبة من المقام و المتصلة به فتدبر.

نعم يظهر من بعض الروايات التي وقع فيها الاستشهاد بالآية و الدالة على تعيّن الخلف كون الآية في نفسها ظاهرة فيه لان لازم الاستشهاد و الاستدلال ظهور الآية بنفسها فيه و الّا لا يبقي مجال للاستشهاد مثل مرسلة صفوان بن يحيى عمن حدّثه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في حديث قال ليس لأحد ان يصلّى ركعتي طواف الفريضة إلّا خلف المقام لقول اللّٰه- عزّ و جلّ- وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى فان صليتها في غيره فعليك إعادة الصلاة «2».

و رواية أبي عبد اللّٰه الأبزاري التي رواها عنه عبد اللّٰه بن مسكان الذي هو من أصحاب الإجماع قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل نسيّ فصلّى ركعتي طواف الفريضة في الحجر قال: يعيدهما خلف المقام لأنّ اللّٰه تعالى يقول

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و السبعون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و السبعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 436

..........

______________________________

وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى عني بذلك ركعتي طواف الفريضة «1».

لكن الرّوايتين ضعيفتان بإرسال الاولى و لا يجبره كون المرسل صفوان لأنّ مراسيله كمراسيل غيره في عدم الحجية و جهالة الأبزاري و لا يجبره كون الرّاوي عنه من أصحاب الإجماع لما تقدم تحقيقه.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم تنهض رواية معتبرة على تعين الخلف مع اشتمالها على الاستشهاد بالآية الشريفة فالإنصاف أنّ الآية مطلقة من حيث الجهات الأربع القريبة للمقام لكن الروايات المعتبرة تدل على تقييد إطلاقها و لازمة كون الروايات مفسرة للآية لا دالة على ظهورها بنفسها في ذلك على

ما ذكرنا فالظاهر ان تعين الخلف انّما هو على سبيل الفتوى لا بنحو الاحتياط الوجوبي كما في المتن.

ثم انك عرفت انه قد وقع التعبير في كلام المحقق بلزوم كون صلاة الطواف في مقام إبراهيم و قد وقع هذا التعبير في كلمات جماعة من الفقهاء المتقدمين عليه و المتأخرين عنه لكن كلام غير المحقق قابل للتوجيه بان المراد بالظرفية هو الاتصال و القربية بأن يكون المراد من كلمة «في» هو «عند» و امّا كلام المحقق بلحاظ التفريع المتقدم لا يقبل هذا التوجيه بوجه و لعلّ المراد من مقام إبراهيم عليه السلام في كلامه هو البناء الموجود في زمانه و بعده المشتمل على الصخرة الذي يمكن وقوع الصلاة فيه و لا يبعد ان يكون حقيقة عرفية فيه و عليه ففي صورة منع الرخام ينتقل الى وراء البناء أو أحد جانبيه فيرتفع الاشكال كما ان الظاهر ان المراد بنفي الخلاف الذي تقدم نقله عن الخلاف في أوّل البحث في هذه الجهة هو هذا المعنى فتدبّر.

الجهة الثانية في صورة تعذر الخلف للازدحام أو لغيره و البحث في هذه الجهة تارة

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و السبعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 437

..........

______________________________

من حيث احتمال سقوط وجوب صلاة الطواف و اخرى من حيث انه بعد فرض عدم السقوط لا بد من رعاية الاتصال و القريبة من جهة اليمن و اليسار امّا من الحيثية الأولى فالظاهر ان اعتبار الخلفية و إمامية مقام إبراهيم انّما هو بنحو تعدّد المطلوب لا وحدته و يدلّ عليه مضافا الى التسالم بين الأصحاب بل بين المسلمين ما يدل على عدم سقوط الصلاة في صورة النسيان أو الجهل

و لو كان تذكره أو علمه بعد انتهاء الاعمال و الخروج من مكة بل رجوعه الى محلّه و بلده كما سيأتي في المسألة الآتية فإن عدم السقوط في الصورتين يستلزم العدم في المقام بطريق اولى.

و امّا من الحيثية الثانية فربما يخطر بالبال انّ تقييد إطلاق الآية الدال على لزوم كون الصلاة عند المقام بالتقريب المتقدم في الجهة الأولى بما دلّ على تعين لزوم الخلف و كون المقام اماما انّما هو على نحو الإطلاق الذي مرجعه الى تعين الخلف في صورة الإمكان و سقوط اعتبار كونها عنده في صورة العدم فيسقط اعتبار الاتصال بالكلية فيما إذا لم يتمكن من الخلف و لكن الظاهر بطلان هذا التوهم و انّ محدودة التقييد منحصرة بصورة التمكن يعنى انّ اعتبار الخلفية انّما هو في خصوص صورة التمكن و امّا في صورة العدم فإطلاق الآية باق على حاله و مقتضاه لزوم كون الصلاة واقعة عند المقام غاية الأمر خروج الخلف للتعذر و القدّام للتسالم على عدم الجواز فيبقى اليمين و اليسار على حالهما فاللازم إيقاع الصّلاة في أحد الطرفين مع رعاية القرب و كونها عند المقام.

الجهة الثالثة فيما إذا لم يتمكن من الصلاة عند المقام بوجه و في هذه الجهة بعد وضوح عدم سقوط الصّلاة لما عرفت و عدم إمكان رعاية كونها عنده لفرض عدم التمكن يقع الكلام في لزوم رعاية الأقرب فالأقرب من ناحية و في ترجيح الخلف على أحد الطرفين من ناحية أخرى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 438

..........

______________________________

و قد وردت في هذه الجهة رواية رواها الكليني بسند صحيح و الشيخ بسند ضعيف فيه احمد بن هلال مضافا الى أمية بن على مع اختلاف

يسير في التعبير عن حسين بن عثمان قال رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام يصلي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريبا من ظلال المسجد «1».

و الظاهر ان صلوته عليه السلام قريبا من ظلال المسجد كان منشأها كثرة الناس و الازدحام كما في الرواية الأخرى التعبير به لكن لم يعلم ان ظلال المسجد في ذلك الزمان بعد توسعة المسجد الحرام في الأزمنة المتأخرة كانت خارجة عن دائرة كون الصلاة عنده أم غير خارجة عنها كما انه لم يعلم ان صلوته عليه السلام بحيال المقام هل كانت لأجل تعين الخلف أو انه انّما يكون باعتبار كونه احدى الجهات الثلاثة الّتي لا بد و ان تقع الصّلاة فيه خصوصا بعد كون الحاكي غير الامام و لا يكون لفعله عليه السلام إطلاق و عليه فلا يستفاد من الرّواية إلّا مجرّد الجواز دون التعيّن.

و امّا رعاية الأقرب فالأقرب بعد الخروج عن كونها عنده خصوصا بالنسبة إلى اليمين و اليسار حيث ان ظاهر المتن لزومها و ان نفي البعد عن الاكتفاء بالخلف و لو كان غيره أقرب فلم ينهض دليل عليه لان مستنده قاعدة الميسور التي هي ممنوعة صغرى و كبرى بل الظاهر انه مع عدم التمكن من كون الصلاة عنده لا فرق بين القريب و الأقرب كما انه لا فرق بين الخلف و بين أحد الطرفين كما ان الظاهر انّ الاحتياط المذكور في المتن الذي يكون المراد به هو الاحتياط الوجوبي و مورده صورة عدم التمكن من الصلاة عند المقام لا مجال له فإنّه بعد الإتيان بما هو مقتضى الوظيفة بعد الإتيان بالطواف لا وجه لوجوب إعادتها و لو على سبيل الاحتياط الّا ان يقال انّ الوجه

______________________________

(1) الوسائل أبواب

الطواف الباب الخامس و السبعون ح- 1- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 439

[مسألة 4- لو نسي الصلاة اتى بها أينما تذكر عند المقام]

مسألة 4- لو نسي الصلاة اتى بها أينما تذكر عند المقام، و لو تذكر بين السّعي رجع و صلّي ثم أتمّ السّعي من حيث قطعه و صحّ.

و لو تذكر بعد الاعمال المترتّبة عليها لا تجب إعادتها بعدها. و لو تذكر في محلّ يشق عليه الرجوع الى المسجد الحرام صلّى في مكانه و لو كان بلدا آخر، و لا يجب الرجوع الى الحرم و لو كان سهلا، و الجاهل بالحكم بحكم الناسي في جميع الاحكام (1).

______________________________

فيه احتمال ان يكون الحكم بجواز الصلاة خارجة عن دائرة كونها عنده مختصّا بصورة عدم التمكن من كونها عنده الى ان يضيق وقت السعي و لكنه مخالف للمبادرة العرفية المعتبرة في صلاة الطواف بعد الفراغ عنه فتدبّر جيّدا.

(1) أقول امّا أصل وجوب الإتيان بصلاة الطواف بعد التذكر و ارتفاع النسيان عند المقام فقد نفي وجدان الخلاف فيه في الجواهر الّا ما يحكي عن الصدوق من الميل الى صلاتهما حيث يذكر بل استظهر الإجماع عليه كما في محكيّ كشف اللثام و يدلّ عليه- مضافا الى انه مقتضى القاعدة- روايات كثيرة مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام فلم يذكر حتى ارتحل من مكّة قال فليصلّهما حيث ذكر، و ان ذكرهما و هو في البلد فلا يبرح حتى يقضيهما «1». بناء على كون المراد بالبلد المذكور في فرض الامام عليه السلام في ذيل الرواية هو بلد مكّة كما هو الظاهر و على ان المراد بقضائهما هو الإتيان بهما في محلّهما الذي هو

خلف المقام كما في ذهن السائل و هذا هو الظاهر أيضا.

و صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال سئل عن رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصّفا و المروة ثم طاف طواف النساء و لم

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 18.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 440

..........

______________________________

يصلّ لذلك الطواف حتى ذكر و هو بالأبطح قال يرجع الى المقام فيصلي ركعتين «1».

و الظاهر إنّ المراد من الركعتين هما الركعتان لكل طواف فيكون المجموع أربعا و لزوم الرجوع الى المقام مع كون التذكر بالأبطح الذي هو خارج من مكة و قريب منها دليل على لزوم الإتيان بهما عند المقام مع كون التذكر في البلد بطريق اولى و مثلها رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل طاف طواف الفريضة و لم يصلّ الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم طاف طواف النساء فلم يصلّ الركعتين حتى ذكر بالأبطح يصلى اربع ركعات قال يرجع فيصلّى عند المقام أربعا «2». و قد جعلها في الوسائل روايتين مع ان الراوي فيهما واحد و الراوي عنه أيضا واحد هذا و قد ورد فيما إذا تذكر الترك بمنى روايات متعارضة فبعضها يدل على وجوب الرجوع الى المقام لقضاء صلاة الطواف مثل صحيحة أحمد بن عمر الحلال قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل نسي ان يصلّي ركعتي طواف الفريضة فلم يذكر حتى اتى منى قال يرجع الى مقام إبراهيم عليه السلام فليصلّهما «3».

و بعضها ظاهر في جواز الإتيان بهما بمنى بل وجوبه مثل صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد

اللّٰه عليه السلام انه سأله عن رجل نسي ان يصلّي الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام إبراهيم عليه السلام حتى اتى منى قال: يصلّيهما بمنى «4». قال صاحب الوسائل: أقول حمله الشيخ و غيره على من يشق عليه الرجوع.

و رواية هشام بن المثنى- التي رواها الشيخ و الكليني عنه- قال نسيت أن أصلي

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 4.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 7.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 12.

(4) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 441

..........

______________________________

الركعتين للطواف خلف المقام حتى انتهيت إلى منى فرجعت الى مكّة فصلّيتهما ثم عدت إلى منى فذكرنا ذلك لأبي عبد اللّٰه عليه السلام فقال: ا فلا صلّاهما حيث ما ذكر «1». و نسخ التهذيب مختلفة من جهة كون الراوي هو هشام بن المثنى الذي لم يوثق أو هاشم بن المثنى الذي ذكره النجاشي و وثّقه و المذكور في الاستبصار هو الأوّل و كذلك الكافي و الوافي و الوسائل كما عرفت.

و رواية هشام بن المثنى و حنّان قالا طفنا بالبيت طواف النساء و نسينا الركعتين فلما مرنا «مررنا» بمنى ذكرناهما فأتينا أبا عبد اللّٰه عليه السلام فسألناه فقال: صلياهما بمنى «2».

هذا و قد جعل بعض الاعلام قدّس سرّه صحيحة أبي بصير- يعني ليث المرادي- شاهدة للجمع بين الطائفتين قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل نسي ان يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام و قد قال اللّٰه تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى حتى ارتحل قال: ان كان ارتحل فاني لا أشق عليه و

لا امره ان يرجع و لكن يصلي حيث يذكر «3».

قال: فالجمع بينهما بما ذكر ليس جمعا تبرعيّا بل الجمع بذلك على القاعدة.

و يرد عليه انه بعد ما جعل صورة التذكر بمنى مغايرة لما إذا كان الخروج خروجا ارتحاليّا قاصدا به الرجوع الى اهله و دياره كيف يجعل صحيحة أبي بصير الواردة في الارتحال الذي يكون ظاهره هو الارتحال بقصد الرجوع الى الأهل و الديار شاهدة للجمع بين الروايات المتعارضة الواردة فيما إذا كان التذكر بمنى مع ان المتذكر بمنى

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 9.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 17.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 442

..........

______________________________

يرجع الى مكّة لإنشاء الرجوع منها غالبا و يكون البلد مقصدا له كذلك بخلاف المرتحل الذي لم يبق له بمكّة مقصد و هدف.

و لعلّ التعرض لخصوص التذكر بمنى باعتبار استحباب الرجوع الى مكّة يوم العيد بعد تمامية مناسك مني للطوافين و السّعي ثم الرجوع الى منى للمبيت و رمي الجمار الثلاث في اليومين بعد الأضحى و عليه فربما يتفق نسيان صلاة الطواف و التذكر بمنى بعد الرجوع إليها و عليه فلا مجال لجعل صحيحة أبي بصير شاهدة للجمع بوجه.

و الذي ينبغي ان يقال في هذه الجهة انه في هذا المورد وردت رواية صالحة للجمع و هي رواية عمر بن البراء عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام فيمن نسي ركعتي طواف الفريضة حتّى اتى منى انه رخّص له ان يصليهما بمنى «1». فان التعبير بالترخيص ظاهر في ان الحكم الاوّلي هو الرجوع الى المقام و الإتيان بالصلاة عند لكن

الشارع رخّص في ان يصلّيهما بمنى و عليه فالظاهر ان المكلف مخير بين الأمرين غاية الأمر ان الرجوع الى المقام أرجح و اولى فالأمر بالرجوع في صحيحة الحلال المتقدمة محمول على الاستحباب و التوبيخ في رواية هشام بن المثنى انّما هو لأجل اعتقاده لزوم الرجوع الى مكة للإتيان بالصلاة مع انّ الامام عليه السلام كان حاضرا في منى و لم يكن الحكم هو اللزوم بل كان يجوز له الإتيان بالصلاة بمنى و الّا لكان اللازم الحكم بإعادة الصلاة لوقوعها في غير محلّها و هو منى في المورد المفروض.

نعم الإشكال في هذه الجهة انّما هو من أجل عدم دلالة الفتاوى على ذلك بل ظاهرها انه لا فرق بين الصورتين و المفروضتين في كلام بعض الاعلام من وجه التفصيل بين وجود المشقة في الرجوع و عدمها.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 443

..........

______________________________

ثم انّ ظاهر صحيحة أخرى لعمر بن يزيد التفصيل فيما إذا مضي من مكة قليلا و لازمة- ح- عدم المشقة في الرجوع بين الرجوع للإتيان بالصلاة بنفسه و بين الاستنابة و أمر بعض الناس بالصلاة عنه حيث روى عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام فيمن نسي ركعتي الطواف حتى ارتحل من مكّة قال ان كان قد مضي قليلا فليرجع فليصلهما أو يأمر بعض الناس فليصلّهما عنه «1».

فانّ ظاهرها التخيير بين الأمرين و لذا أورد صاحب الحدائق على المشهور بهذه الرواية حيث انه لا يكون من التخيير في كلامهم في هذه الصورة عين و لا اثر مع ان الرواية ظاهرة فيه.

لكنه أجاب بعض الاعلام قدّس سرّه عن هذا الإيراد بما يرجع محصّله ان

حرف «أو» و ان كان ظاهرا في التخيير و لكن الظاهر منه هنا عطفه على مجموع الجزاء و الشرط لا خصوص الجزاء و المعنى ان من مضي و خرج قليلا ان كان متمكنا من الرجوع فليصل بنفسه بعد الرجوع و ان لم يتمكن يستنيب قال و هذا النحو من الاستعمال شائع نظير ما إذا قيل إذا دخل الوقت توضّأ أو تيمّم يعني إذا دخل الوقت و كان متمكنا من الماء يتوضّأ، و ان دخل الوقت و لم يكن متمكنا من الماء يتيمّم ..

هذا و امّا جواز الاستنابة في صورة الارتحال من مكّة و مشقة الرجوع التي عرفت ان مقتضى الرّوايات المتعددة فيها لزوم الصلاة حيث يذكر بالمباشرة فلم يتعرض له الكثير نعم وقع التصريح به في محكيّ التحرير بل التذكرة و لا مجال لدعوى انّ عدم التعرض ليس لأجل عدم الجواز بل لأجل التعرض لأحد طرفي الواجب التخييري و لعلّ النكتة فيه سهولة الإتيان به بالإضافة إلى الطرف الأخر و الوجه في عدم صحة هذا

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 444

..........

______________________________

التوجيه كونه مخالفا للظاهر جدّا.

و كيف كان فالظاهر ان مقتضى الجمع بين الروايات المتقدمة و بين الروايات التي ظاهرها تعيّن التوكيل و الاستنابة هو الحمل على التخيير مثل: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن رجل نسي ان يصلي الركعتين قال: يصلّي عنه «1».

و صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: من نسي ان يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة فعليه ان يقضي أو يقضي عنه وليّه أو رجل من

المسلمين «2». و لكن الظاهر ان المراد منه ما افاده بعض الاعلام في تفسير رواية عمر بن يزيد المتقدمة بل هذه الرواية أظهر لأنه لا تصل النوبة إلى قضاء الوليّ قبل موت المكلف فهذه الرواية لا ارتباط لها بما نحن فيه بل موردها المسألة الآتية و هي قضاء الولي صلاة الطواف عن الميت.

و رواية ابن مسكان قال حدثني من سأله عن الرجل ينسي ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج فقال: يوكّل «3».

فانّ مقتضى الجمع بين الطائفتين هو الحمل على التخيير و لذا انفينا البعد عن جواز الاستنابة في التعليقة على المتن.

بقي في هذه المسألة أمور:

الأمر الأوّل لو تذكر ترك صلاة الطواف في أثناء السعي فالمشهور هو لزوم القطع و الرجوع الى المقام و الإتيان بالصلاة ثم إتمام السعي من حيث قطع من دون فرق بين

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 4.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 13.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 445

..........

______________________________

الأشواط أصلا و عن الصّدوق جواز الإتيان بالصلاة بعد إكمال السعي أيضا و يظهر من صاحب الوسائل في عنوان الباب و يدل على المشهور روايات كثيرة مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انه قال في رجل طاف طواف الفريضة و نسي الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم ذكر قال: يعلم ذلك المكان ثم يعود فيصلّي الركعتين ثم يعود الى مكانه «1». و المراد من قوله طاف بين .. هو الشروع فيه لا الفراغ عنه بقرينة الجواب كما ان الظاهر ان المراد من قوله يعود الى مكانه هو

لزوم العود الى المسعى لإتمام السعي و إكماله.

و صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن رجل يطوف بالبيت ثم ينسي ان يصلي الركعتين حتى يسعى بين الصفا و المروة خمسة أشواط أو أقلّ من ذلك قال ينصرف حتى يصلي الركعتين ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتمّ سعيه «2».

و مرسلة حمّاد بن عيسى عمّن ذكره عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انه قال في رجل طاف طواف الفريضة و نسي الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة قال: يعلم ذلك الموضع ثم يعود فيصلّي الركعتين ثم يعود الى مكانه «3».

و مستند الصدوق ما رواه بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام انه رخّص له ان يتم طوافه ثم يرجع فيركع خلف المقام «4». و لكن حيث انّ في سند الصدوق الى محمد ابن مسلم مناقشة فلا تصلح هذه الرواية لإثبات شي ء في مقابل ما تقدم.

الأمر الثاني انّ مقتضى جميع الروايات الواردة في المسألة الدالة على الزوم الرجوع

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب السابع و السبعون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب السابع و السبعون ح- 3.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب السابع و السبعون ح- 4.

(4) الوسائل أبواب الطواف الباب السابع و السبعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 446

[مسألة 5- لو مات و كان عليه صلاة الطواف يجب على ولده الأكبر القضاء]

مسألة 5- لو مات و كان عليه صلاة الطواف يجب على ولده الأكبر القضاء (1).

______________________________

الى المسجد و المقام في بعض و عدم لزومه بل تكفي صلوته حيث يذكر أو تجوز الاستنابة انّ ما يلزم ان يقضي هي نفس الصلاة التي تركها نسيانا و امّا الأعمال المترتبة على الصلاة المتأخرة عنها فلا تجب إعادتها

حتى لو تذكر في أثناء السعي من ان مقتضى النص و فتوى المشهور لزوم الرجوع الى المقام و الإتيان بالصلاة ثم العود الى المسعى لإكمال السعي و إتمامه.

الأمر الثالث المحكي عن الشهيد في الدروس انه قال: لو نسي الركعتين رجع الى المقام فان تعذر فحيث شاء من الحرم فان تعذر فحيث أمكن من البقاع و ذكر صاحب الجواهر انه لا موافق له على هذا التفصيل و لا دليل كما اعترف به بعضهم.

الأمر الرّابع انّ الجاهل بوجوب صلاة الطواف التارك لها بحكم النّاسي و يدل عليه صحيحة جميل بن درّاج عن أحدهما عليه السلام انّ الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام بمنزلة النّاسي. و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين قسمي الجاهل القاصر و المقصّر و عليه فيجري في الجاهل بكلا قسميه ما تقدم من الأحكام بالإضافة إلى النّاسي من دون فرق بينهما.

(1) يدل على وجوب قضاء الولي صلاة الطواف عن الميت فيما لو تركها زمن حياته نسيانا أو جهلا مضافا الى بعض الإطلاقات الدالّة على انّه يقضي عنه اولى الناس بميراثه ما عليه من صلاة أو صيام كصحيحة حفص صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال من نسي ان يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكّة فعليه ان يقضي أو يقضي عنه وليّه أو رجل من المسلمين «1».

بناء على ما مرّ من ان المراد منها وجوب إتيانه بنفسه في حال الحياة و قضاء الولي

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 447

[مسألة 6- لو لم يتمكن من القراءة الصحيحة و لم يتمكن من التعلّم]

مسألة 6- لو لم يتمكن من القراءة الصحيحة و لم يتمكن من التعلّم

صلّي بما امكنه و صحّت، و لو أمكن تلقينه فالأحوط ذلك و الأحوط الاقتداء بشخص عادل لكن لا يكتفي به كما لا يكتفي النائب (1).

______________________________

عنه بعده و عطف رجل من المسلمين على الوليّ انّما هو باعتبار كون إتيان الغير مبرئ لذمة الميت أيضا سواء كان تبرعا أو بالأجرة.

(1) من لم يتمكن من القراءة الصحيحة تارة لا يكون متمكّنا من التعلم أيضا و اخرى يكون متمكّنا منه ففي الصورة الاولى لا إشكال في صحة صلوته لأنّ وظيفته لا تكون الّا هذا المقدار الذي يتمكن منه و قد تقدم في باب التلبية حكم تلبية الأخرس و ما ورد من انّ تلبيته و تشهده و قرائته القران في الصلاة هو تحريك لسانه و إشارته بإصبعه و بعض الروايات الأخر الدالة على انه قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح.

و في الصورة الثانية لا إشكال في ان وظيفته التعلم و تصحيح القراءة و تحسينها مقدمة للإتيان بالمأمور به التي هي الصلاة الصحيحة في صورة الإمكان فإن أهمل و تسامح حتى ضاق الوقت فمقتضى إطلاق المتن انه يصلّي بما امكنه و تصحّ صلوته و لكن احتاط بالتلقين في صورة إمكانه و ظاهره هو الاحتياط الوجوبي و الوجه فيه انه مع التلقين تتحقق الصلاة من نفسه مباشرة و مع القراءة الصحيحة و لا يكون فيه أية شبهة.

و امّا الاقتداء ففيه شبهة عدم مشروعية الجماعة في صلاة الطواف و لذا لم ينقل فيها قول و لا فعل من المعصوم عليه السلام مع انه انّما يفيد بالنسبة إلى القراءة الساقطة عن المأموم و امّا بالإضافة إلى سائر الأذكار خصوصا التشهد و التسليم فلا يجدي بوجه كما

ان النيابة و ان كانت ثابتة في مثل المريض و الكسير الّا انّ ثبوتها في غير المتمكن من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 448

..........

______________________________

القراءة الصحيحة لم يقم عليه دليل لكن مقتضى الاحتياط الجمع بين الأمور الثلاثة و لا ينبغي ترك هذا الاحتياط بوجه.

هذا تمام الكلام في البحث عن الطواف و صلاته و به يتم الجزء الرابع من كتاب الحج من تفصيل الشريعة الذي هو شرح لكتاب تحرير الوسيلة للإمام الراحل الخمينى قدّس سرّه وفقني اللّٰه تبارك تعالى بمنّه و لطفه لإتمام الجزء الأخير من كتاب الحج و سائر أجزاء الكتاب و ان كانت الموانع الجسمية و الرّوحية كثيرة لكن نعم اللّٰه التي لا تعد و آلائه التي لا تحصى كما نطق به الكتاب العزيز توجب الرجاء الواثق بالوصول الى هذا الأمر إن شاء اللّٰه تعالى و كان ذلك في يوم السبت الذي هو اليوم السابع و العشرون من ذي حجة الحرام من سنة 1415 من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف الثناء و التحية و الحمد للّٰه رب العالمين.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

الجزء الخامس

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

[القول في السعي]

اشارة

القول في السعي

[مسألة 1- يجب بعد ركعتي الطواف السعي بين الصفا و المروة]

مسألة 1- يجب بعد ركعتي الطواف السعي بين الصفا و المروة، و يجب أن يكون سبعة أشواط، من الصّفا إلى المروة شوط، و منها إليه شوط آخر، و يجب البدأة بالصفا و الختم بالمروة، و لو عكس بطل و تجب الإعادة أينما تذكر و لو بين السّعي (1)

______________________________

(1) لا خلاف بين المسلمين في وجوب السعي و كونه جزء من الحج و العمرة. قال اللّٰه تعالى إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا .. «1» و ظاهره الوجوب و الجزئية و التعبير بقوله: «لا جناح» إنّما هو كالتعبير بمثله قصر الصلاة في السفر، كما أن التعبير بالطواف لا دلالة له على أزيد من السعي و الإتيان بالشوط. خصوصا مع التعدية بالباء المضافة إلى الجبلين مع أنه هنا روايات مستفيضة تدل على وجوبه في الحج و العمرة بتعبيرات مختلفة.

و العمدة أن وضوح المطلب كان بحيث لا يحتاج إلى بيانه في الروايات، بل هي غالبا واردة في بعض الفروع و الخصوصيات، مثل نقصان السعي أو زيادته أو البدأة

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 158.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 10

..........

______________________________

بالمروة قبل الصفا أو ترك السعي متعمدا و أنه يجب عليه إعادة حجّة.

كما أنّ لزوم كونه بعد ركعتي الطواف و كونه سبعة أشواط، و أنّ المراد بالشوط ليس مثل الطواف الذي تتوقف تمامية الشوط فيه على جعل الكعبة بأجمعها داخلة في الطواف. بل من الصفا إلى المروة شوط، و من المروة إلى الصفا شوط آخر. و لذا تتحقق السبعة بالشروع من أحدهما و الختم بالآخر.

و أمّا لزوم كون البدأة بالصفا و

الختم بالمروة فالمحكي عن الحلبي أن السنة فيه الابتداء بالصفا و الختم بالمروة. لكنه ليس خلافا مع قوة احتمال أن يكون مراده بالسنّة هو الوجوب- كما ربما يعبّر بها عنه- نعم حكي عن أبي حنيفة جواز الابتداء بالمروة و لكنّه ذكر في الجواهر أنه مسبوق بالإجماع و ملحوق به.

و الروايات الواردة في هذه الجهة إنّما يظهر منها المفروغية و كون لزوم البدأة بالصفا أمرا مسلّما عند السائل. و السؤال إنّما وقع عن بعض الفروع، و كيف كان فقد وقع الإشكال بل الخلاف في ما لو بدأ بالمروة قبل الصّفا و اللازم فرض الكلام فيما لو تحقق ذلك نسيانا أو جهلا، فإن العالم العامد القاصد لامتثال الأمر بالحج أو العمرة لا يكاد يتحقق منه قصد القربة بالسعي الذي ابتدأ به من المروة بعد فرض علمه باعتبار كون البدأة من الصّفا، فاللازم فرض الكلام في غير العالم العامد، فنقول:

تارة يتحقق زوال عذره قبل تمامية الشوط الأوّل و أخرى بعد تماميّته و الإتيان ببعض الشوط الثاني أو أزيد. ففي الفرض الأوّل يجب عليه طرح ما أتى به و إلغائه و الابتداء بالسعي من الصّفا. و يدل عليه مضافا إلى أنه مقتضى القاعدة، لأن المفروض عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، إطلاق الروايات الآتية.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 11

..........

______________________________

و في الفرض الثاني وقع الإشكال بل الخلاف في أنه هل يجب عليه طرح جميع ما أتى به من أجزاء السعي و لو كان أشواطا متعددة، أو يجب عليه طرح خصوص الشوط الأوّل و يجتزي بما وقع من الصفا من الشوط الثاني بعنوان الشوط الأوّل و يصح و ما بعده؟

و منشأ الإشكال اشتمال بعض الروايات

الواردة في المسألة على التشبيه بمسألة الوضوء فيما لو ابتدأ بغسل اليسرى قبل اليمنى، و اللازم ملاحظة جميع روايات المقام، فنقول: هي على طائفتين:

الطّائفة الأولى: ما تكون خالية عن التشبيه المزبور، و يكون مفادها لزوم الطرح و الإعادة. مثل صحاح معاوية بن عمّار و هي: ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن صفوان عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى و يبدأ بالصفا قبل المروة. «1»

و ما رواه أيضا بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان و فضالة عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: و إن بدأ بالمروة فليطرح ما سعى و يبدأ بالصّفا. «2»

و ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار في حديث، قال: و إن بدأ بالمروة فليطرح و يبدأ بالصفا. «3»

و الظاهر اتحاد هذه الرّوايات و إن جعلها في الوسائل روايات متعددة و تبعه

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السعي، الباب العاشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب السعي، الباب العاشر، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب السعي، الباب العاشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 12

..........

______________________________

صاحب الجواهر و بعض آخر. خصوصا مع كون الراوي عن معاوية في السندين هو صفوان، فتدبر.

كما أنّ الظاهر ان مورد هذه الطائفة بعد الاختصاص بصورة الجهل أو النسيان ما ذكرنا أعم من الفرضين المذكورين، لأنه قد يصدق في كليهما إن بدأ بالمروة قبل الصفا لا مجال لدعوى أن المراد بطرح ما سعى هو طرح ما بعده من الأشواط، و إلّا فالشوط الأوّل ملغى و مطروح

بنفسه، لأنه على خلاف المأمور به، و ذلك لأنه بعد فرض كون المورد غير صورة العلم و العمد يكون الدليل على البطلان نفس هذه الروايات الدالة على الطرح. و إلّا فمن المحتمل اختصاص اعتبار البدأة بالصفا بخصوص الصورة المذكورة.

فهذه الروايات دليل على البطلان في صورة الجهل أو النسيان و لا نضايق من كون مقتضى القاعدة أيضا ذلك. لأن موافقة الرواية للقاعدة لا تقدح في الأخذ بظهورها.

كما أن ظاهر الجواب لزوم طرح جميع ما تحقق من أجزاء السعي، سواء كان في الشوط الأوّل أو فيما بعده من الأشواط. فالروايات تدل بإطلاقها على بطلان جميع أجزاء السعي في كلا الفرضين و لزوم الاستئناف من رأس و الابتداء من الصفا.

الطائفة الثانية: ما تكون مشتملة على التعليل و التشبيه المزبور. و هما روايتان:

إحديهما: رواية عليّ بن أبي حمزة، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال: يعيد، ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد أن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 13

..........

______________________________

يعيد الوضوء. «1» و لكنها ضعيفة بعلي بن أبي حمزة البطائني المعروف.

ثانيتهما: رواية عليّ الصائغ، قال: سئل أبو عبد اللّٰه عليه السّلام- و أنا حاضر- عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال: يعيد، ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه كان عليه أن يبدأ بيمينه ثم يعيد على شماله. «2» و في السند إسماعيل بن مراد الذي يكون موثقا بالتوثيق العام.

و حيث إنه في باب الوضوء لو بدأ بغسل اليد اليسرى قبل اليمنى لا يلغى غسل اليمنى لو تحقق منه، بل يكتفى به و يجب غسل اليسرى بعده ثانيا فقد وقع الإشكال

في أن مفاد هذه الطائفة بلحاظ التشبيه المذكور هو طرح خصوص الشوط الأوّل الذي ابتدأ به من المروة دون ما بعده من الأشواط.

و لذا ذكر صاحب الجواهر بعد نقل الرّوايتين: مقتضى التشبيه المزبور الاجزاء باحتساب من الصّفا إذا كان قد بدأ بالمروة ثم بالصّفا و لا يحتاج إلى إعادة السّعي بالصّفا جديدا، كما صرّح به بعض الناس و إن كان هو أحوط، بل ربما أمكن دعوى ظهور النصوص السّابقة فيه.

أقول: بعد ظهور قوله عليه السّلام يعيد قبل التشبيه في لزوم إعادة جميع الأجزاء و الأشواط لا خصوص ما وقع من الشوط الأول، كظهور قوله عليه السّلام «فليطرح» في صحاح معاوية بن عمار في لزوم طرح الجميع و وجوب الاستئناف المذكور لا بد لصرف هذا الظهور من استظهار كون التشبيه في الذيل تنزيلا و تشبيها في جميع

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السّعي، الباب العاشر، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب السّعي، الباب العاشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 14

[مسألة 2] في وجوب البدأة بالصفا و الختم بالمروة

مسألة 2- يجب على الأحوط أن يكون الابتداء بالسّعي من أوّل جزء من الصّفا، فلو صعد إلى بعض الدّرج في الجبل و شرع كفى، و يجب الختم بأوّل جزء من المروة، و كفى الصعود إلى بعض الدّرج. و يجوز السّعي ماشيا و راكبا، و الأفضل المشي. (1)

______________________________

الأحكام و الخصوصيات. فإنه مع احتمال كون التشبيه في خصوص بطلان الجزء الذي ابتدأ به فقط لا يكون في مقابل ظهور قوله «يعيد» ما يدل على الخلاف. و أن المراد هو لزوم إعادة ما وقع باطلا و هو خصوص ما ابتدأ فعدم لزوم إعادة غسل اليمنى في الوضوء لا يستلزم عدم لزوم الإعادة في المقام.

فالإنصاف دلالة الروايات

بأجمعها على لزوم استئناف السعي من رأس في كلا الفرضين.

(1) فرض هذه المسألة إنّما هو بلحاظ الأزمنة السّابقة التي كان الجبلان- الصّفا و المروة- مشتملين على الدّرج و كان أصلهما الواقع على الأرض متميزا عنها.

و أمّا بالإضافة إلى الزمان الحاضر الذي لا تكون الدرج باقية و كان جزء مهمّ منهما واقعا في المسعى. و الدليل عليه الارتفاع الموجود في الجانبين قبيل الوصول إلى الجبلين. فلا مجال لفرض هذه المسألة. فإن الشروع من أيّ جزء من ذلك المكان المرتفع يكون شروعا من وسط الجبل و هكذا الختم بالموضع المرتفع من المروة.

و لأجل ما ذكرنا لا مجال للإشكال في السعي من المراكب النقية المتداولة في هذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 15

..........

______________________________

اليوم، و إن كان بين المبدأ و المنتهى في محلّها و بين الجبلين أزيد من عشرة أذرع.

و الوجه فيه دخول جزء من المكان المرتفع في مسيرهما بدأ و ختما.

و على ما ذكرنا فلا يبقى موقع للاحتياط في زماننا بالإضافة إلى أوّل جزء من الجبل المشاهد و الختم به و على الروحانيين المتصدين لإرشاد الحاج و المعتمر إلى مناسكهما التوجه إلى هذه النكتة و عدم إيقاع المسترشدين في الضيق و الكلفة متكئا على عنوان الاحتياط و الأخذ به.

و كيف كان فبالإضافة إلى تلك الأزمنة المتصفة بما ذكرنا، وقع الإشكال في السعي من جهة الابتداء و الختم. و قد ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه في صدر كلامه: أنه يكفي أن يجعل عقبه ملاصقا للصفا لوجوب استيعاب المسافة التي بينه و بين المروة، و الأحوط الجمع في ذلك بين القدمين، ثم إذا عاد ألصق أصابعه بموضع العقب حتى يحصل الاستيعاب المزبور الذي عليه

المدار في الظاهر. قال: و إلّا فلا دليل على وجوب السّعي منتهيا إلى خصوص قدم الابتداء، بل لعلّ إطلاق الأدلّة يقضي بخلافه. فإنه ليس فيها إلا السعي بينهما الذي يتحقق بذلك و الانتهاء إلى ما يحاذي الابتداء.

و حكي عن الرياض، قوله: لو لا اتفاق الأصحاب في الظاهر على وجوب إلصاق العقب بالصفا و الأصابع بالمروة لكان القول بعدم لزوم هذه الدقة و الاكتفاء بأقل من ذلك مما يصدق معه السعي بين الصّفا و المروة عرفا و عادة، لا يخلو عن قوة. كما ذكره بعض المعاصرين .. و اختار في ذيل كلامه هذا الذي ذكره البعض.

ثانيا: لظهور كلام الأصحاب في ذلك بل هو أمر ذكر بعض متأخري المتأخرين.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 16

..........

______________________________

قال: بل لعلّ إطلاق الفتاوى بخلافه.

أقول: إن هنا أمورا لا بد من ملاحظتها و رعاية الجمع بينها:

الأوّل: أنه لا يكون هنا واجب آخر غير عنوان السعي بين الصفا و المروة و الابتداء بالأول، فاللازم رعاية هذا الواجب لعدم وجود واجب آخر.

الثاني: أن السعي بينهما و إن كان يتحقق بالسّعي الخالي عن الاستيعاب، إلّا أن الظاهر- كما في كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه- أن المدار على الاستيعاب كما في غسل الوجه و اليدين من المرفق في الوضوء، فإن اللازم إحاطة الغسل لجميع أجزاء الوجه و اليدين و في مثل هذه الموارد لا يكون تسامح من ناحية العرف بوجه، بل العرف يراعي لزوم المقدمة العلمية.

الثالث: انّه لا إشكال في جواز السّعي راكبا و ثبت أن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله كان سعى على ناقته. و من الواضح أنه ليس في الضيق من جهة إلصاق العقب أو الأصابع.

الرّابع: أن الصعود

على الجبل لا يكون واجبا، و إن حكي احتمال وجوبه عن الفقيه و الهداية و المقنع و المراسم و المقنعة، و عن الدروس إن الأحوط الترقي إلى الدرج و تكفي الرابعة.

و عن التذكرة و المنتهى: إن من أوجب الصعود أوجبه من باب المقدمة، لأنه لا يمكن استيفاء ما بينهما إلا به كغسل جزء من الرأس في الوضوء و صيام جزء من الليل.

ثم قال: و هذا ليس بصحيح لأن الواجبات هنا لا يتفضل بمفضل حسّي يمكن معه استيفاء الواجب دون فعل بعضه، فلهذا أوجبنا غسل جزء من الرأس و صيام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 17

[مسألة 3] في عدم اعتبار الطهارة و ستر العورة في السعي

مسألة 3- لا تعتبر الطهارة من الحدث و لا الخبث و لا ستر العورة في السعي، و إن كان الأحوط الطهارة من الحدث. (1)

______________________________

جزء من الليل، بخلاف المقام، فإنه يمكنه أن يجعل عقبه ملاصقا للصفا، و استدل القائل بالوجوب أيضا بالأمر بصعوده في بعض النصوص و بما روى من أنه صلى اللّٰه عليه و آله صعده في حجة الوداع التي قال فيها: خذوا عني مناسككم.

و الجواب، انّ الأمر للاستحباب و صعوده صلى اللّٰه عليه و آله لا دلالة له على وجوبه بعد عدم صعوده في غير حجة الوداع و قيام الدليل على عدم وجوبه و ملاحظة هذه الأمور الأربعة رعاية الاستيعاب العرفي الّذي لا محالة يفترق فيه الركوب عن غيره و أنّ في الراكب و الراجل كلّا بحسب حاله. و عليه فاللازم الابتداء من الصفا و الختم بالمروة و رعاية الاستيعاب لا تقتضي الإلصاق المزبور بوجه. و لكن الأمر سهل بعد ما عرفت من عدم تحقق فرض هذه المسألة بالنسبة إلى هذه الأزمنة.

(1) أمّا

عدم اعتبار الطهارة من الحدث فكما في الجواهر هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل في محكي المنتهى نسبته إلى علمائنا مشعرا به بل هي كذلك إذ لم يحك الخلاف فيه إلّا من العمّاني.

و منشأ الخلاف طائفة من الروايات الواردة في هذا المجال. لا بد من ملاحظتها لتظهر تمامية دلالتها أوّلا و صلاحيتها للمعارضة مع الطائفة الدالة على عدم الاعتبار ثانيا. فنقول هي ثلاث روايات:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 18

..........

______________________________

إحديها: صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المرأة تطوف بين الصفا و المروة و هي حائض. قال: لا. إن اللّٰه يقول إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ .. «1». «2»

و اشتمالها على العلة المذكورة يمنع من ظهورها في الوجوب، لأن الوقوفين و أمثالهما من الشعائر و لا تعتبر فيه الطهارة بوجه، و قد وقع التصريح في الكتاب العزيز بأن البدنة من الشعائر، و لا يعتبر فيها الخلو من الحدث أصلا.

مع أنّ كون الصفا و المروة من شعائر اللّٰه لا يقتضي كون السعي بينهما أيضا كذلك، و الكلام في السعي لا في نفس الجبلين مع أنّ عدم جواز السعي مع الحيض لا يقتضي عدم الجواز مع الحدث الأصغر و كذا الأكبر مثل الجنابة- كما في الصّوم- فالرّواية في نفسها لا تصلح لإثبات المدّعى.

ثانيتها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه، قال: سألته عن الرجل يصلح أن يقضى شيئا من المناسك و هو على غير وضوء؟ قال: لا يصلح إلّا على وضوء. «3»

و ظهورها في أنه لا يصلح أن يقضي شيئا من المناسك على غير وضوء مع وضوح عدم اعتباره في غير الطواف و السعي يقتضي أن

لا يؤخذ به و أن لا يكون هو المراد. فلا محالة يكون المراد هو الاستحباب.

ثالثتها: موثقة ابن فضّال. قال: قال أبو الحسن عليه السّلام لا تطوف و لا تسعى إلّا

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 158.

(2) الوسائل: أبواب السّعي، الباب الخامس عشر، ح 3.

(3) الوسائل: أبواب السّعي، الباب الخامس عشر، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 19

..........

______________________________

بوضوء. «1» و هي تامة من حيث الدلالة و ظاهرة في النهي عن السعي بدون الوضوء كالطواف بدونه و الحمل كما عن الشيخ قدّس سرّه على النهي عن مجموع الأمرين لا عن كل واحد بانفراده خلاف الظاهر جدّا.

و أمّا الطائفة الأخرى، فهي كثيرة جدّا. مثل:

صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس أن تقضي المناسك كلّها على غير وضوء إلّا الطواف. فإنّ فيه صلاة و الوضوء أفضل. و في نقل آخر:

و الوضوء أفضل على كلّ حال. «2»

و التعليل يشعر بأن اعتبار الوضوء في الطواف إنّما هو لأجل لزوم الإتيان بالصلاة بعده و كونها مرتبطة و متصلة به و يحتمل بعيدا أن يكون المراد هو أن الطواف صلاة، كما فيما روي من أن الطواف بالبيت صلاة.

و صحيحة رفاعة بن موسى. قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام أشهد شيئا من المناسك و أنا على غير وضوء؟ قال: نعم، إلا الطواف بالبيت، فإن فيه صلاة. «3»

و صحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار، إنه سئل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن امرأة طافت بين الصفا و المروة و حاضت بينهما. قال: تتم سعيها، و سأله عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت قبل أن تسعى. قال: تسعى. «4»

و رواية يحيى الأزرق. قال: قلت لأبي

الحسن عليه السّلام رجل سعى بين الصفا و المروة

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السعي، الباب الخامس عشر، ح 7.

(2) الوسائل: أبواب السعي، الباب الخامس عشر، ح 1.

(3) الوسائل: أبواب السعي، الباب الخامس عشر، ح 2.

(4) الوسائل: أبواب السعي، الباب الخامس عشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 20

..........

______________________________

فسعى ثلاثة أشواط أو أربعة، ثم بال ثم أتم سعيه بغير وضوء. فقال: لا بأس، و لو أتم مناسكه بوضوء لكان أحبّ إلي. «1»

و الظاهر اعتبار سند الرواية و أن يحيى الأزرق هو يحيى بن عبد الرحمن الأزرق و هو ثقة. و غير ذلك من بعض الروايات الظاهرة في عدم اعتبار الطهارة من الحدث في السعي.

و هذه الطائفة قرينة على أن المراد بقوله: و لا تسعى في الموثقة هي الكراهة بدون الطهارة أو استحبابها.

و لو أغمض عن الجمع الدلالي و فرض ثبوت التعارض يكون الترجيح مع الطائفة الثانية لموافقتها للشهرة الفتوائية المحققة، و هي أوّل المرجحات في باب التعارض- على ما ذكرنا غير مرة.

هذا و ربما يقال كما قيل بأنّ الأحوط مانعية خصوص الجنابة عن السعي، لرواية عبيد بن زرارة. قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت أسبوعا طواف الفريضة، ثم سعى بين الصفا و المروة أربعة أشواط، ثم غمزه بطنه فخرج فقضى حاجته ثم غشي أهله. قال: يغتسل ثم يعود و يطوف ثلاثة أشواط و يستغفر ربّه و لا شي ء عليه .. «2»

نظرا إلى إن الأمر بالاغتسال مع عدم كونه واجبا نفسيّا ظاهر في شرطية الطهارة عن حدث الجنابة في السعي، هذا و لكن الرواية مضافا إلى خلو نقل التهذيب عن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السّعي، الباب الخامس عشر،

ح 6.

(2) الوسائل: أبواب كفارات الاستمتاع، الباب الحادي عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 21

..........

______________________________

قوله: يغتسل، و إلى معارضتها ببعض الروايات الظاهرة في عدم اعتبار الطهور مطلقا في السعي تشبيها للصفا و المروة بالجماد يكون معرضا عنها لدى المشهور شهرة عظيمة- كما عرفت.

و أمّا عدم اعتبار الطهارة من الخبث، فلم ينقل الخلاف فيه من أحد. نعم حكي عن جماعة التصريح باستحبابها، و أورد عليه في الجواهر بأنه لا دليل على الاستحباب أيضا سوى التعظيم. و من المعلوم أن عنوان التعظيم أيضا صدقة غير معلوم لعدم وضوح الخصوصيات، و إلّا فاللازم أن يقال بأن التعظيم في مثل الصوم أيضا يقتضي ذلك. مع أنه من الواضح خلافه و من العجيب ظهور كلام بعض الأعلام في ذهاب جماعة من الأصحاب إلى اعتبار الطهارة من الخبث، فراجع.

و أمّا عدم اعتبار ستر العورة، فلأجل عدم قيام الدليل على اعتباره في السعي و مجرد وجوبه النفسي في خصوص ما إذا كان معرضا لنظر الغير لا يستلزم الشرطية بالإضافة إلى السعي التي يكون لازمها رعاية الستر و لو لم يكن هناك ناظر أصلا- كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 22

[مسألة 4] في وجوب كون السعي بعد الطواف و صلاته

مسألة 4- يجب أن يكون السعي بعد الطواف و صلاته، فلو قدّمه على الطواف أعاده بعده و لو لم يكن عن عمد و علم. (1)

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأوّل: في أصل اعتبار تأخر السعي و لزوم كونه بعد الطواف و صلاته.

و قد حكي في الجواهر اعتراف غير واحد بنفي وجدان الخلاف فيه. قال: بل الإجماع بقسميه عليه. بل يمكن دعوى القطع به.

أقول: و ذلك

مضافا إلى ارتكاز المتشرعة و ثبوت السيرة العملية المستمرة منهم على ذلك يدل عليه النصوص المشتملة على بيان الحج قولا و فعلا و القدر المتيقن بطلان السعي إذا قدمه على الطواف أو صلاته عمدا و عن علم، لأنه لا يتصور أقل منه بعد ملاحظة دليل الاعتبار و ثبوت شرطية الترتب و التأخر.

المقام الثاني: فيما إذا كان التقديم عن غير عمد أو غير علم، بأن وقع جهلا أو نسيانا. و الظاهر ثبوت البطلان فيهما أيضا لصحيحة منصور بن حازم. قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل أن يطوف بالبيت. قال: يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا و المروة فيطوف بينهما. «1»

و قد حكي عن الفاضل و الشهيد و غيرهما أن مقتضى إطلاق السؤال في الرواية و ترك الاستفصال في الجواب، هو البطلان في الصورتين.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الثالث و الستون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 23

[مسألة 5] في وجوب كون السعي من الطريق المتعارف

مسألة 5- يجب أن يكون السعي من الطريق المتعارف. فلا يجوز الانحراف الفاحش. نعم يجوز من الطبقة الفوقانية أو التحتانية، لو فرض حدوثها بشرط أن يكون بين الجبلين لا فوقهما أو تحتهما. و الأحوط اختيار الطريق المتعارف قبل إحداث الطبقتين. (1)

______________________________

هذا و الظاهر أن مورد السؤال في الرواية يختص بالمقام و لا يشمل صورة العمد و العلم، بل كان البطلان في هذه الصورة مفروغا عنه عند السائل، و كانت الشبهة الموجبة لسؤال هو احتمال الصحة في صورة الجهل أو النسيان. و عليه فلا يبقى مجال لاحتمال عروض التقييد لإطلاقه بسبب حديث الرفع، و لا لرفعه بسبب ذلك الحديث بعد كون الجهل و النسيان دخيلا

في ترتب الحكم المذكور في الصحيحة، فتدبر.

ثم إن ظاهر المتن في المسألة الرابعة من مسائل الطواف المتقدمة أنّ لزوم إعادة السعي في هذا الفرض بعد حمل العبارة عليه إنّما هو بنحو الاحتياط الوجوبي دون الفتوى. حيث إنه قال هناك: لو سعى قبل الطواف فالأحوط إعادته بعده. لكن الظاهر ما هنا.

(1) من الظاهر أن المتفاهم العرفي من السّعي الواجب بين الصفا و المروة هو السعي بينهما من الطريق المتعارف. فلا يجوز الانحراف الفاحش يمينا أو يسارا، كما إذا ابتدأ بالسعي من الصفا ثم دخل المسجد الحرام و وصل قريبا من الكعبة ثم رجع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 24

..........

______________________________

إلى المسعى و انتهى إلى المروة.

فإنه من الواضح عدم جوازه سواء كانت الحركة بنحو الخط المنكسر أو المنحني أو ابتدأ بالسعي من الصفا ثم انحرف عن يمينه إلى الساحة الكبيرة التي أحدثت أخيرا ثم رجع إلى المسعى و انتهى إلى المروة بنحو أحد الخطين المذكورين.

نعم لا يجب أن يكون بنحو الخط المستقيم الهندسي الدقيق بل العرفي منه المطابق للسيرة المستمرة العملية من المتشرعة و ارتكازهم أيضا.

و أمّا السعي من الطبقة الفوقانية الموجودة بالفعل أو من الطبقة التحتانية لو فرض حدوثها أو الطبقات المتصلة بإحدى الطبقتين كذلك، فجوازه متوقف على صدق عنوان السعي بين الجبلين، و أما إذا كان العنوان هو فوقهما أو تحتهما فلا يجتزأ به بعد كون المدار ما ذكرنا في الكتاب و السنّة و ارتكاز المتشرعة. و مقتضى الاحتياط الكامل الذي ينبغي أن يراعى سيّما في مثل الحج الذي لا يكاد يتحقق من المكلف في طول العمر إلّا مرة أو مرات متعددة اختيار الطريق المتعارف قبل إحداث طبقة أخرى فوقانية

أو تحتانية- كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 25

[مسألة 6] في اعتبار الاستقبال إلى المروة أو إلى الصفا عند السعي

مسألة 6- يعتبر عند السّعي إلى المروة أو إلى الصفا الاستقبال إليهما.

فلا يجوز المشي على الخلف أو أحد الجانبين. لكن يجوز الميل بصفحة وجهه إلى أحد الجانبين أو إلى الخلف. كما يجوز الجلوس و النوم على الصفا أو المروة أو بينهما قبل تمام السعي و لو بلا عذر. (1)

______________________________

(1) قد عرفت أن المتفاهم من الكتاب و السنة هو المشي على النحو المتعارف المتداول الذي استمرت عليه السيرة العملية من المتشرعة. فلا يجوز المشي على البطن أو على أربع أو معلّقا أو مثلها مما هو خارج عن النحو المذكور. و عليه فالمعتبر بعد فرض لزوم الابتداء في السعي من الصفا الاستقبال إلى المروة و في الرجوع الاستقبال إلى الصفا. فلا يجوز المشي على الخلف و القهقري أو أحد الجانبين اليمين و اليسار.

نعم لا يعتبر عنوان الاستقبال بالنحو المعتبر في باب الصلاة الذي يقدح فيه الالتفات يمينا أو شمالا بنحو يرى الخلف، فإنه يجوز في المقام الميل بصفحة الوجه إلى أحد الجانبين أو إلى الخلف، لعدم كونه منافيا لما هو المتفاهم من عنوان السعي بين الصفا و المروة بالنحو المتعارف.

و أمّا الجلوس أو النوم للاستراحة، فإن كان على نفس الجبلين و على الصفا و المروة، فلا إشكال في الجواز نصّا و فتوى. و أمّا إذا كان بينهما من جهد و تعب فلا إشكال فيه أيضا. و أمّا إذا كان لمجرد الاستراحة من دون أن يكون جهد و مشقة فمقتضى جملة من الروايات الجواز، مثل:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 26

..........

______________________________

صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه

عليه السّلام عن الرجل يطوف بين الصفا و المروة أ يستريح؟ قال: نعم، إن شاء جلس على الصفا و المروة و بينهما فليجلس. «1»

و صحيحة معاوية بن عمّار في حديث، انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة يجلس عليهما، قال: أو ليس هو ذا يسعى على الدواب. «2»

و مقتضى بعض الروايات العدم، مثل: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا يجلس بين الصفا و المروة إلّا من جهد. «3»

و الظّاهر ان استثناء الجهد قرينة على كون المراد من المستثنى منه هو الحكم التنزيهي لا التحريمي. فلا مجال لدعوى التقييد خصوصا مع التصريح في الصحيحة الأولى بالجواز بينهما معلّقا على المشيّة لا مشروطا بالجهد، و لكن الأحوط مع ذلك في هذه الصورة الترك. و قد قيدنا في التعليقة على المتن أصل الحكم في الجواز بأن الأحوط أن لا يكون بمقدار يقدح في الموالاة العرفية.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السّعي، الباب العشرون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب السّعي، الباب العشرون، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب السّعي، الباب العشرون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 27

[مسألة 7 في أن الأحوط عدم تأخير السّعي إلى الليل]

مسألة 7- يجوز تأخير السعي عن الطواف و صلاته للاستراحة و تخفيف الحرّ، بلا عذر حتى إلى الليل، و الأحوط عدم التأخير إلى اللّيل، و لا يجوز التأخير إلى الغد بلا عذر. (1)

______________________________

(1) أمّا أصل جواز التأخير في الجملة فممّا لا إشكال فيه، بل و لا خلاف، كما في الجواهر نفى وجدانه فيه. و أمّا التأخير إلى الليل فجوازه هو المشهور كما أن عدم جوازه إلى الغد أيضا كذلك.

لكن قال المحقّق في الشرائع

في المسألة الخامسة من مسائل الطواف: من طاف كان بالخيار في تأخير السّعي إلى الغد، ثم لا يجوز مع القدرة. و ظاهره جواز الإتيان به في الغد، لظهوره في كون الغاية داخلة في المعنى كدخولها فيه بالإضافة إلى الليل، فإن الظاهر ان المشهور القائلين بجواز التأخير إلى الليل لا يفرقون بين أجزاء الليل أوّلا و وسطا و آخرا.

و عليه فظاهر كلام المحقق أيضا دخول الغد مع أن الظاهر انه لم يقل به أحد غيره.

فلا بد من حمل كلامه على خروج الغاية ليخرج من الندرة.

و أعجب من ذلك، أنه حكي عن الحدائق انه نقل عن الشهيد انه قال بعد نقل ذلك من المحقق: و هو مروي مع أنه لم يصل إلينا رواية دالة على جواز التأخير إلى الغد بالنحو المذكور. اللهم الّا على سبيل الإطلاق،- كما في بعض الروايات- و كيف كان فالرّوايات الواردة في هذه المسألة عبارة عن:

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يقدم مكّة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 28

..........

______________________________

و قد اشتد عليه الحرّ فيطوف بالكعبة و يؤخّر السعي إلى أن يبرد. فقال: لا بأس به و ربما فعلته. و قال: و ربما رأيته يؤخر السعي إلى اللّيل. «1»

قال في الوسائل بعد نقل الرواية عن الشيخ: و رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عبد اللّٰه بن سنان مثله إلى قوله: و ربما فعلته. إلا أنه قال: يقدم مكة حاجا. و رواه الصدوق بإسناده عن عبد اللّٰه بن سنان مثل رواية الكليني و زاد: و في حديث

آخر: يؤخره إلى الليل.

و الرواية مشتملة على حكايتين، حكاية القول و حكاية الفعل.

أما الأولى، فمفادها جواز تأخير السعي إلى أن يبرد. و الظاهر أن الجواز لا يختص بصورة الحرج و التعب و الجهد لعدم كون اشتداد الحر ملازما للحرج أولا، و ظهور الرواية في جواز التأخير إلى البرودة الظاهرة في جواز الإتيان به عند حدوث البرودة أو في الوسط أو في الآخر ثانيا، و عليه فلا مجال لتوهم كون مفاد الرواية جواز التأخير في خصوص صورة الحرج.

و أما الثانية، فلا يستفاد منها الجواز إلى الليل مطلقا و لو من دون عذر، لأنها حكاية فعل الإمام عليه السّلام و الفعل لا إطلاق له إلا إذا كان الحاكي له هو إمام آخر، و كان غرضه من حكايته بيان الحكم و في غير ذلك لا وجه للتمسك بالإطلاق. و عليه فيحتمل أن يكون تأخيره عليه السّلام في مورد العذر، فلا دلالة للرواية على جواز التأخير إلى الليل مطلقا، كما أن الزيادة في نقل الصدوق لا تصلح لإثباته، فتدبر.

و صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أحدهما عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الستّون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 29

..........

______________________________

فأعيا، أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة؟ قال: نعم «1».

و صحيحة العلاء بن رزين. قال: سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيا، أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة إلى غد؟ قال: لا «2».

و في الوسائل بعد نقل الرواية عن الكليني: و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب و رواه الصدوق بإسناده عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام.

و يظهر من الجواهر أن

الرواية الأخيرة روايتان، يكون الراوي في أحدهما هو العلاء و في الثانية هو محمد بن مسلم. و عليه فما يدل على عدم جواز التأخير إلى الغد روايتان صحيحتان مع أن ظاهر الوسائل كونهما رواية واحدة. و يؤيده أن الراوي عن محمد هو العلاء.

و عليه فيحتمل اتحادهما مع الصحيحة الأولى أيضا، و إن كان بينهما اختلاف في الجواب من جهة الإثبات و النفي، و كذا في السؤال من جهة إطلاق التأخير و تقييده بالتأخير إلى الغد، و لكنه مع ذلك لا يكون احتمال الاتحاد منتفيا- خصوصا بعد اتحاد عبارة السؤال- لأنه لا مجال لتعدد السؤال، سواء كان السؤال الأول واقعا قبل الثاني أو بعده.

أمّا في الفرض الأوّل فلأنّه بعد السؤال عن تأخير السعي بنحو الإطلاق الشامل للتأخير إلى الغد و الجواب بالإثبات كذلك لترك الاستفصال فيه لا مجال للسؤال

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الستون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الستون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 30

[مسألة 8] في ركنية السّعي

مسألة 8- السّعي عبادة تجب فيه ما يعتبر فيها من القصد و خلوصه، و هو ركن، و حكم تركه عمدا أو سهوا حكم ترك الطواف، كما مرّ. (1)

______________________________

الثاني أصلا، إلا أن يقال بظهور السؤال في التأخير في الجملة، و هو لا يشمل التأخير إلى الغد.

و أمّا في الفرض الثاني فمقتضى القاعدة تقييد مورد السؤال بغير الغد- كما لا يخفى.

(1) لا شبهة في كون السعي عبادة بعد وقوعه جزء للحج أو العمرة. و لا مجال لأن يكون جزء العبادة غير عبادة، و عليه فيعتبر فيه ما يعتبر في العبادة من النيّة و الخلوص من الرياء و غيرها، فينوي السّعي الذي هو جزء

لحجة الإسلام- مثلا- أو عمرتها امتثالا لأمر اللّٰه تعالى.

و قد تقدم التحقيق في ذلك في باب الطواف، فراجع. كما أنه قد تقدم معنى الرّكن في باب الحج و أنه مغاير لمعناه في باب الصلاة في أوّل بحث الطواف، و الذي ينبغي التعرض له هنا أمران:

أحدهما: أنه بعد وضوح كون الإخلال بالسّعي عالما عامدا موجبا لبطلان العبادة لأنه حدّ أقل آثار الجزئية الثابتة له على ما هو المفروض، إذ لا يجتمع صحة العبادة مع الإخلال بالجزء في صورة العلم و العمد. نعم حكي عن أبي حنيفة: ان السّعي واجب غير ركن، فإذا تركه كان عليه دم. و عن أحمد في روايته: انه مستحبّ،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 31

..........

______________________________

لكن لا ريب في فسادهما، كما في الجواهر.

وقع الكلام في أنّ الإخلال به عن جهل هل يوجب البطلان أم لا؟ سواء كان الجهل عن قصور أو تقصير. و الظاهر هو الأوّل، لصحيحة معاوية بن عمّار، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام من ترك السّعي متعمّدا فعليه الحج من قابل «1».

و مقتضى إطلاق المتعمد الشمول للجاهل، لأن الجاهل أيضا متعمد و عمله صادر عن قصد و إرادة، و إن كان المنشأ هو الجهل، من دون فرق بين قسميه، فالمتعمد في مقابل الناسي و غير الملتفت، لا في مقابل الجاهل. و بذلك يتحقق معنى ركنية السعي و أن الإخلال به عالما أو جاهلا إذا كان عن قصد و إرادة يوجب بطلان الحج و لزومه من قابل.

ثانيهما: فرض النسيان. قال المحقق في الشرائع: «و لو كان ناسيا وجب عليه الإتيان به، فإن خرج عاد ليأتي به، فإن تعذّر عليه استناب فيه». و في الجواهر بعد

العبارة «بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل عن الغنية الإجماع عليه».

و عمدة المستند الروايات الواردة في الباب، و هي:

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قلت له رجل نسي السّعي بين الصفا و المروة، قال: يعيد السّعي. قلت: فإنّه خرج (فاته ذلك حتى خرج) قال:

يرجع فيعيد السّعي، إن هذا ليس كرمي الجمار، إن الرمي سنّة و السعي بين الصّفا و المروة فريضة .. «2»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السّعي، الباب السابع، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب السعي، الباب الثامن، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 32

..........

______________________________

و من الواضح أن المراد بالإعادة هو أصل الإتيان لفرض تركه للنسيان.

و صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة، قال: يطاف عنه «1».

و رواية زيد الشّحام عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة حتى يرجع إلى أهله، فقال: يطاف عنه «2».

و أنت خبير بأنّ ظاهر الرواية الأولى تعين الإتيان بالسّعي المنسي مباشرة و بنفسه و ظاهر الأخيرتين تعين الاستنابة و السعي عنه، و هما متنافيان.

لكن في الجواهر بعد نقل الرّوايات: «المتجه الجمع بينها و لو بملاحظة الفتاوى و الإجماع المحكي و قاعدة المباشرة في بعض الأفراد و نفي الحرج و قبوله للنيابة في آخر بما عرفت» و الباء في قوله بما عرفت متعلقة بالجمع. و مراده من الموصول ما تقدم من عبارة الشرائع التي نفى وجدان الخلاف فيه.

و يظهر منه أن الجمع بين الروايات بما ذكر يحتاج إلى قرائن خارجية، و أنه بدونها لا يتحقق الجمع بالنحو المذكور. و

لأجله ذهب الرازقي في محكي المستند إلى أن اللازم الجمع بينها بالحمل على التخيير الذي مرجعه إلى تخيير الناسي للسّعي بين أن يرجع فيسعى بنفسه و بين أن يستنيب فيتحقق من النائب.

هذا، و لكن تصدى بعض الأعلام قدّس سرّه للجمع بينها بنحو ينطبق على المشهور أوّلا، و لا يكون خارجا عن الجمع الدلالي العرفي ثانيا. و ذكر لتقريبه أمرين:

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السّعي، الباب الثامن ح 3.

(2) الوسائل: أبواب السّعي، الباب الثامن، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 33

..........

______________________________

الأمر الأوّل: أنّ الوجوب قد يكون وجوبا شرطيّا أو شطريّا، كالاستقبال و التشهد بالإضافة إلى الصلاة، و الأمر به يكون إرشادا إلى الشرطيّة أو الجزئيّة.

و كذلك النهي عن إتيان شي ء في الصلاة يكون إرشادا إلى المانعيّة. مثل النهي عن الإتيان بها في أجزاء ما لا يؤكل لحمه، و مقتضى هذه الأوامر و النواهي الشرطية المطلقة و الجزئية كذلك، و المانعية أيضا كذلك، من دون فرق بين صورتي العلم و الجهل، و كذا الالتفات و عدمه. و لأجله لكان مقتضى القاعدة الحكم بالفساد في جميع موارد الفعل، لكن حديث «لا تعاد» المعروف في باب الصلاة اقتضى الصحة في غير الخمسة المستثناة فيه.

و قد يكون مولويا- كما في المقام- فإن الأمر بإعادة السّعي هنا أمر مولوي ضرورة عدم بطلان الحج- مثلا- بسبب نسيان السعي و إن لم يتحقق منه أصلا لا مباشرة و لا تسبيبا. و كذا الأمر بالاستنابة.

و من الواضح أن التكليف المولوي مشروط بالقدرة و عدم التعذر و الحرج عليه.

ففي صورة التعذر و الحرج يرتفع الوجوب بدليل نفي الحرج، فيكون الوجوب المستفاد من صحيحة معاوية بن عمار مقيدا بالقدرة و عدم الحرج.

و عليه فتكون النسبة بينها و بين صحيحة محمد بن مسلم نسبة التقييد و الإطلاق. فإن صحيحة ابن مسلم و إن كانت مقيدة أيضا بالقدرة و عدم الحرج بالإضافة إلى الاستنابة. إلّا أنّها مطلقة بالإضافة إلى السّعي بنفسه من جهة القدرة و عدمها. فالصحيحة الأولى مقيدة للثانية، و النتيجة- حينئذ- مع المشهور.

الأمر الثاني: ما وصفه بكونه تقريبا أوضح، و حاصله ان كل أمر نفسي مولوي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 34

..........

______________________________

ظاهر في الوجوب التعيني، فيما لم تكن قرينة على خلافه. فالوجوب التعيني ما يقتضيه إطلاق الدليل.

فإذا ورد أمران في موضع واحد و لم ينهض دليل على أن الواجب شي ء واحد، بل احتمل أنه واجبان فيثبت أن كل واحد واجب تعيني و لا وجه لرفع اليد عن ذلك، بل اللازم الالتزام بالوجوبين معا. كما ورد الأمر في مورد القتل الخطائي بالدية و الكفارة و هما واجبان معا. و كذا في باب الصلاة بالإضافة إلى بعض الأجزاء المنسيّة.

و أمّا إذا كان التكليف واحدا و لم يحتمل تعدّد الواجب، فلا يجري احتمال الوجوب التعيني لهما معا. كما في مورد الأمر بصلاة الظهر و الجمعة أو بالقصر و الإتمام، فحينئذ يقع التعارض بين الدليلين. لكن طرفا التعارض ليس هما الوجوبان بذاتهما لعدم المنافاة، بل هي بين الوجوبين التعينيين، فالنتيجة سقوط الإطلاقين و ثبوت الوجوبين بنحو التخيير.

و لا مجال لتوهم كون المقام من هذا القبيل، لأن سقوط الإطلاقين في المقام لا موجب له، و ذلك للعلم بسقوط الإطلاق من صحيحة ابن مسلم، لأنه لا تحتمل أن تكون الاستنابة واجبا تعيينيا، لأنها إمّا تخييري أو في مرتبة متأخرة، فلا إطلاق للصحيحة المذكورة.

و أمّا صحيحة معاوية

فلا مانع من الأخذ بإطلاقها و بطبيعة الحال يقيد بالتمكن فقط، لأدلّة نفي الحرج. فالوجوب التعييني للاستنابة ساقط، لكن الوجوب المباشري المستفاد من صحيحة معاوية نحتمل تعينه، فيؤخذ بإطلاقه. فالنتيجة أيضا مع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 35

..........

______________________________

المشهور.

لكن هذا الأمر الثاني يبتنى على استفادة التعيينية من إطلاق الوجوب الذي تدل عليه هيأت الفعل أو مثل لفظ «يجب» و قد حققنا في الأصول تبعا لسيدنا الأستاذ الماتن قدّس سرّه انه لا يعقل أن تكون نتيجة الإطلاق الذي ينطبق على المقسم هو واحد القسمين بعد لزوم أن يكون في القسم خصوصية زائدة على المقسم مغايرة للخصوصية الموجودة في القسم الآخر، فما أفاده من استفادة الوجوب التعييني من الإطلاق مع كونه قسما من مطلق الواجب و نوعا من طبيعته مما لا يستقيم لوجه و مع الإغماض عن هذا المبنى يكون تقريبا صحيحا، لما ذهب إليه المشهور، و لا يبقى مجال للتخيير الذي أفاده صاحب المستند قدّس سرّه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 36

[مسألة 9] في الزيادة على السبعة سهوا

مسألة 9- لو زاد فيه سهوا شوطا أو أزيد صحّ سعيه، و الأولى قطعه من حيث تذكر، و إن لا يبعد جواز تتميمه سبعا، و لو نقصه وجب الإتمام أينما تذكره. و لو رجع إلى بلده و أمكنه الرجوع بلا مشقة وجب، و لو لم يمكنه أو كان شاقّا استناب، و لو أتى ببعض الشوط الأوّل و سها و لم يأت بالسّعي، فالأحوط الاستئناف. (1)

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين.

المقام الأول: في الزيادة السهوية. و لا شبهة نصّا و فتوى في عدم كونها قادحة في صحة السّعي و تماميته من دون فرق

بين أن تكون الزيادة كذلك شوطا أو أزيد. إنما الكلام في حكمه بعد التذكر من جهة لزوم القطع أو جواز التتميم سبعا. و قد ورد فيه طائفتان من الرّوايات:

الطائفة الأولى: ما ظاهرها لزوم القطع و الطرح من حيث تذكر، مثل:

صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السّلام في رجل سعى بين الصفا و المروة ثمانية أشواط. ما عليه؟ فقال: إن كان خطأ طرح واحدا و اعتد بسبعة «1».

و صحيحة معاوية بن عمّار، قال: من طاف بين الصفا و المروة خمسة عشر شوطا، طرح ثمانية و اعتدّ بسبعة، قال: و إن بدأ بالمروة فليطرح و يبدأ بالصفا. «2»

و صحيحة جميل بن درّاج، قال: حججنا و نحن صرورة فسعينا بين الصفا و المروة

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السعي، الباب الثالث عشر، ح 3.

(2) الوسائل: أورد صدرها في أبواب السعي، الباب الثالث عشر، ح 4، و ذيلها في الباب العاشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 37

..........

______________________________

أربعة عشر شوطا، فسألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن ذلك، فقال: سبعة لك و سبعة تطرح. «1»

و لكن الظاهر أن موردها الجهل. خصوصا بقرينة قوله: «و نحن صرورة» و غير ذلك من الروايات الظاهرة في ذلك.

الطائفة الثانية: ما ظاهرها لزوم إضافة الستّة إلى الشوط الزائد الذي وقع نسيانا و هي:

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: إن في كتاب عليّ عليه السّلام إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة فاستقين ثمانية أضاف إليها ستّا، و كذلك إذا استيقن أنه سعى ثمانية أضاف إليها ستّا. «2» و قد جمع الأصحاب بين الطائفتين بالحمل على التخيير. نعم حكي عن ابن زهرة الاقتصار على الثاني،

و لكنه ليس خلافا- كما في الجواهر- خصوصا بعد الحكم بجوازه و كونه مندوبا.

لكنه أشكل التخيير في محكي الحدائق بقوله: إن السّعي ليس كالطواف و الصلاة يقع واجبا و مستحبا فإنا لم نقف في غير هذا الخبر على ما يدل على وقوعه مستحبّا.

قال في المدارك: و لا يشرع استحباب السعي إلّا هنا و لا يشرع ابتداء مطلقا و اللازم من الطواف ثمانية كون الابتداء بالثامن من المروة، فكيف يجوز أن يعتد به و يبني عليه سعيا مستأنفا مع اتفاق الأخبار و كلمة الأصحاب على وجوب الابتداء في السعي من الصفا. و أنه لو بدأ من المروة وجب عليه الإعادة، عمدا كان أو سهوا.

و بالجملة فالظاهر بناء على ما ذكرناه هو العمل بالأخبار الأوّلة من طرح الزائد

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السّعي، الباب الثالث عشر، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرّابع و الثلاثون، ح 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 38

..........

______________________________

و الاعتداد بالسبعة الأوّلة. و أمّا العمل بهذا الخبر فمشكل. قال: و العجب من سيّد المدارك حيث لم ينتبه لذلك و جمد على موافقة الأصحاب في هذا الباب.

و تبعه في ذلك صاحب الرياض مع إضافة أنّ صحيحة محمد بن مسلم تحمل على كون مبدإ الأشواط فيها بالمروة دون الصفا، و يكون الأمر بإضافة الست إنّما هو لبطلان السبعة الأولى لوقوع البدأة فيها بها. بخلاف الشوط الثامن لوقوع البدأة فيه من الصّفا.

هذا، و لكن الإشكال في غير محلّه، بل كما في الجواهر: اجتهاد في مقابل النص، فإنه لا مانع من استحباب السّعي بهذه الكيفية المذكورة في الرواية، و إن كان السّعي الابتدائي لا يكون مستحبّا لعدم كونه مثل الطواف في الاتصاف بالوجوب

و الاستحباب. كما أن الدليل على عدم وقوع ابتداء السعي من المروة مطلق قابل للتقييد بهذه الصورة، لأنه ليس من الأحكام العقلية غير القابلة للتخصيص أو الأحكام التي كان طبعها آبيا عن التخصيص.

و عليه فلا مانع من اتصاف السعي بالصحة في خصوص المورد و إن كان الابتداء به من المروة. و الحمل المذكور في الرياض خلاف الظاهر جدّا. و عليه فلا محيص عمّا هو المشهور.

ثم إن هنا رواية صحيحة يكون مفادها مغايرا لكلتا الطائفتين المتقدمتين المشتركتين في صحة أصل السعي الواقع الذي زيد عليه سهوا.

و هي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إن طاف الرجل بين الصفا و المروة تسعة أشواط فليسع على واحد و ليطرح ثمانية، و إن طاف بين الصفا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 39

..........

______________________________

و المروة ثمانية أشواط فليطرحها و ليستأنف السعي، و إن بدأ بالمروة فليطرح ما سعى و يبدأ بالصّفا. «1»

و المحكيّ عن الشيخ قدّس سرّه في التهذيب: أنه حمل الصحيحة على صورة العمد حيث ذكر: إن من تعمّد ثمانية أعاد السعي و إن سعى تسعة لم تجب عليه الإعادة و له البناء على ما زاد، و استشهد بالرواية.

و يرد عليه- مضافا إلى ظهور الصحيحة في غير صورة التعمد- إن حملها عليها لا يصحّحها، لأن الزيادة العمديّة مبطلة في السعي- كما عرفت في أوّل البحث- مع أن الشوط التاسع الذي يكون ابتداءه من الصفا و إن كان واجدا للشرط من هذه الجهة إلّا أنه قد أتى به فرضا بعنوان الجزئية للسعي الأوّل الباطل، فكيف يكون جزء لعبادة مستقلة أخرى.

و المحكي عنه في الاستبصار المتابعة للصدوق في الفقيه في حمل

الفرضين في الصحيحة على صورة النسيان و أن الفرض استيقان الزيادة و هو على المروة لا الصفا فيبطل سعيه في الفرض الثاني لابتدائه من المروة، لأنه لا يجتمع استيقان الثمانية على المروة إلّا مع كون الشروع منها. و يصحّ الشوط التاسع في الفرض الأوّل لابتدائه التاسع من الصّفا.

و يرد عليه أيضا أن حمل الصحيحة على صورة النسيان و إن كان صحيحا إلّا أن دعوى كون المراد منها في كلا الفرضين صورة التذكر و الاستيقان و هو على المروة لا شاهد لها أصلا. بل الظاهر منها أن شروع السعي في كلا الفرضين كان من الصفا، و إن

______________________________

(1) الوسائل: أورد صدرها فيه في الباب الثاني عشر من أبواب السعي، ح 1، و ذيلها في الباب العاشر منها، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 40

..........

______________________________

الإشكال إنّما هو من ناحية الزيادة بحيث لو لم تكن زيادة في البين، لما كان إشكال في السعي بوجه، و أن الفرق بين الصورتين إنّما هو من ناحية الزيادة الواقعة من جهة الشوط أو الشوطين.

و يرد عليه أيضا ما أوردناه على الحمل الأوّل من عدم وقوع الشوط التاسع بعنوان السّعي الذي هو عبادة مستقلة، بل بعنوان الجزئية للسّعي الأوّل.

و الإنصاف ان الصحيحة غير قابلة للحمل و التوجيه و معارضة للطائفتين الأوّليين. فإمّا أن يقال بلزوم الإعراض عنها لإعراض المشهور، و هو قادح في الحجية. و إمّا أن يقال بأنه على فرض التعارض تصل النوبة إلى المرجحات. و أوّلها- كما ذكرنا مرارا- هي الشهرة في الفتوى المطابقة لغيرها.

ثم الظاهر انه إذا كان الزائد المنسيّ أقلّ من شوط واحد. فالروايات و إن كانت لا تشمله لورودها في مورد زيادة

شوط واحد أو شوطين أو أزيد، إلّا أن دلالة الطائفة الأولى على حكمه إنّما هي بنحو الأولويّة، لأنّه إذا كان الشوط الكامل أو أزيد لازم الطرح في صورة النسيان فطرح الأقل من شوط واحد. و إلغائه إنما يكون بطريق أولى. و الشاهد فهم العرف و استفادتهم ذلك.

و أمّا الطائفة الثانية الدالة على التكميل و الإضافة، فلا دلالة لها على جواز التكميل في هذه الصّورة لأن موردها- مع وحدتها- هي صورة إضافة شوط كامل نسيانا و لا تشمل صورة زيادة الأقل و لا أولوية بالإضافة إلى هذه الطائفة، لأنه لا يكون في البين أولوية من هذه الجهة. و لا ملازمة بين الجهتين أصلا.

نعم يستفاد منها جواز التكميل و التتميم بالإضافة إلى الزائد عن شوط واحد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 41

..........

______________________________

بطريق أولى. فإنه إذا كان التكميل أسبوعين مشروعا مع زيادة شوط واحد على الأشواط السبعة الأصلية فمشروعيته فيما إذا كان الواقع زائدا على شوط واحد بطريق أولى- كما لا يخفى- هذا تمام الكلام في الزيادة السهويّة.

المقام الثاني: في النقيصة السهوية. و هي بخلاف الزيادة لا تكاد تتحقق إلّا على تقدير فوت الموالاة بناء على اعتباره أو الدخول فيما يكون مترتّبا على السعي مثل التقصير.

أمّا الأقوال، فالظاهر اتفاقها على عدم كون الإخلال بالسعي بهذا النحو موجبا لبطلانه في الجملة. إنّما الاختلاف في سعة هذه الدائرة و ضيقها. ففي الجواهر: إن مقتضى إطلاق المتن و القواعد و الشيخ في كتبه و بني حمزة و إدريس و البرّاج و سعيد على ما حكي عن بعضهم عدم الفرق بين تجاوز النصف و عدمه. لكن عن المفيد و سلّار و أبي الصلاح و ابن زهرة

اعتبار التجاوز عن النصف في البناء مثل الطواف، بل عن الغنية الإجماع عليه.

و منه يظهر أن نسبة التفصيل إلى الفقهاء قدّس سرّه في غير المحلّ بل ظاهر الجواز أن الشهرة على خلافه، و ما يمكن أن يستدل به على التفصيل روايتان:

إحديهما: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت و بين الصّفا و المروة فجاوزت النصف فعلمت ذلك الموضع فإذا طهرت رجعت فأتمّت بقية طوافها من الموضع الذي علمته، فإن هي قطعت طوافها في أقلّ من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوّله. «1»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الخامس و الثمانون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 42

..........

______________________________

ثانيتهما: مرسلة أحمد بن عمر الحلال عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلت، قال: إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو بالصّفا و المروة و جاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت فإذا هي قطعت طوافها في أقلّ من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوّله. «1»

و الرّوايتان مضافا إلى ضعف سندهما، يكون اشتمالهما على مانعية الحيض عن السعي. كالطواف مانعا عن الأخذ بهما لمعلومية عدم مانعية الحيض بالإضافة إلى السعي بوجه، و عدم اشتراط الطهارة فيه كذلك. فإنه يجوز للحائض الشروع في السّعي و تكميله بخلاف الطواف- على ما مرّ- فلا مجال للأخذ بالروايتين أصلا.

و قد استدل صاحب المستند على الإطلاق برواية صحيحة لمعاوية بن عمار المشتملة على قوله عليه السّلام: فإن سعى الرجل أقل من سبعة أشواط، ثم رجع إلى أهله، فعليه أن يرجع فيسعى تمامه و ليس عليه شي ء، و

إن كان لم يعلم ما نقص فعليه أن يسعى سبعا، و إن كان قد أتى أهله أو قصّر و قلم أظافيره فعليه دم بقرة.

و الظاهر أنّها لا تكون رواية، بل من كلام الشيخ قدّس سرّه في التهذيب ذكره بعد صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الواردة في الزيادة السّهوية بعنوان صورة المسألة و بيانها أوّلا حتى يستدل عليه بالرواية أو الروايات الواردة فيها و لا تكون رواية أصلا، و الشاهد عليه قوله بعده: روى ثم ذكر رواية سعيد بن يسار دليلا و قد اشتبه على مثل صاحب المستند و بعض آخر. فلا مجال للاستناد بإطلاقها بعنوان الرّواية.

و الرواية الصحيحة الواردة في المقام هي صحيحة سعيد بن يسار الآتية في

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الخامس و الثمانون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 43

..........

______________________________

المسألة العاشرة الواردة في رجل سعى بين الصفا و المروة ستة أشواط، ثم رجع إلى منزله و هو يرى أنه قد فرغ منه و قلم أظافيره و أحلّ ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط المشتملة على قوله عليه السّلام: إن كان يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم شوطا ..

إلى آخر الحديث. «1» و مثلها رواية عبد اللّٰه بن مسكان التي في سندها محمد بن سنان. «2»

و موردها و إن كان هو السّعي ستة أشواط إلّا أنه لا شبهة في إلغاء الخصوصية منه فيما إذا سعى خمسة أشواط و ذكر بعد التقصير و الإحلال، بل فيما إذا سعى أربعة أشواط التي يتحقق بها التجاوز عن النصف.

و أما التعميم بالإضافة إلى صورة عدم التجاوز عن النصف، كما إذا سعى ثلاثة أشواط أو أقل فيحتاج إلى الدليل. خصوصا

بعد ما عرفت من فتوى جماعة من الأصحاب بالتفصيل بين الصورتين و ذهاب المشهور إلى خلافه- كما عرفت- انه مقتضى إطلاق كلماتهم و تصريح صاحب الجواهر قدّس سرّه بذلك لا يكون قرينة على سعة دائرة إلغاء الخصوصية و عموميّته لجميع الموارد، خصوصا بعد ثبوت التفصيل في باب الطواف- على ما عرفت- و لا ملازمة بين عدم اعتبار مثل الطهارة في السعي و عدم الفرق بين الصورتين- كما لا يخفى.

فالإنصاف أن استفادة الإطلاق من الصحيحة مع ورودها في مورد التجاوز عن النصف مشكلة جدّا. فمقتضى الاحتياط الوجوبي الاستئناف من رأس إذا لم يتمّ

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السعي، الباب الرابع عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب السعي، الباب الرابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 44

..........

______________________________

الشوط الرّابع.

ثم إنه في المتن بعد الحكم بلزوم إتمام النقيصة أينما تذكر بنحو الإطلاق احتاط وجوبا بالاستئناف فيما إذا لم يأت بشوط واحد كامل حينما عرض له النسيان. ففي الحقيقة يكون مقتضاه تفصيلا آخر غير التفصيل المتقدم. و لم يعلم وجه هذا التفصيل بوجه.

بقي في هذا المقام أمران:

الأمر الأوّل: أنه لا إشكال في أنّه إذا أراد الناسي أن يأتي بالنقيصة مباشرة لا يجب عليه إلّا الإتمام و التكميل و الإتيان بالناقص. و أمّا إذا استناب لأجل عدم التمكن من المباشرة أو العسر و الحرج فظاهر الكلمات أن النائب أيضا يأتي بالناقص و يتم السعي لا أنه يأتي بسعي كامل مشتمل على سبعة أشواط.

و يمكن أن يقال بعد كون النيابة أمرا على خلاف القاعدة و لا بد في مثله من الاقتصار على القدر المتيقن أنه إذا وصلت النوبة إلى النيابة و النائب يكون اللازم إتيانه بسعي كامل.

خصوصا مع عدم معهودية النّيابة في بعض العمل العبادي.

و مقتضى الاحتياط في الجمع بين هذه الجهة و بين ما هو ظاهر الكلمات أن يأتي النائب بسعي كامل قاصدا به فراغ ذمة المنوب عنه بالتمام أو الإتمام من دون تعيين.

الأمر الثاني: ما نبّه عليه بعض الأعلام قدّس سرّه و محصّله أنه في صورة لزوم الإتمام على الحاج مباشرة لا إشكال في لزوم الإتيان به في شهر ذي الحجّة، لأنه من أجزاء الحج و مناسكه. فيجب إيقاعه في أشهر الحج. و أمّا لو تذكر النقص بعد مضي أشهر الحج أو تذكر فيها و لكن لم يمكن له التصدي للإتمام مباشرة في أشهر الحج، بل تمكّن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 45

[مسألة 10] في ما لو أحلّ قبل تمام السّعي سهوا

مسألة 10- لو أحلّ في عمرة التمتع قبل تمام السعي سهوا بتخيل الإتمام و جامع زوجته، يجب عليه إتمام السّعي و الكفارة بذبح بقرة على الأحوط، بل لو قصر قبل تمام السعي سهوا، فالأحوط الإتمام و الكفارة، و الأحوط إلحاق السعي في غير عمرة التمتع به فيها في الصورتين. (1)

______________________________

منه بعده.

فاللازم أن يقال بأن الإتمام- حينئذ- غير ممكن لزوال وقته. فالسعي الواقع الناقص باطل. فاللازم الإتيان به قضاءا. و لا دليل على الاكتفاء بالإتمام و إتيان الباقي في القضاء بحيث كان العمل الواحد مركّبا من الأداء و القضاء. و استظهر أن مراد الأصحاب من إتيان الباقي بعد الفراغ من الحج إتيانه بعد الفراغ من مناسكه.

فطبعا يقع السعي بأجمعه في شهر ذي الحجة، فكلامهم غير ناظر إلى مضي شهر ذي الحجة.

هذا، و لكن هذا الكلام لا يجري في العمرة المفردة التي لا يكون لها شهر خاص و زمان مخصوص، و لا

اختصاص لمورد كلامهم بغير العمرة المفردة- كما لا يخفى.

(1) قال المحقق في الشرائع: و لو كان متمتعا بالعمرة، و ظنّ أنه أتمّ فأحلّ و واقع النّساء، ثم ذكر ما نقص، كان عليه دم بقرة على رواية و يتمّ النقصان. و كذا قيل لو قلّم أظفاره أو قص شعره.

و في الجواهر حكي القول الأوّل عن الشيخين و أبي إدريس و سعيد و جماعة منهم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 46

..........

______________________________

الفاضل في جملة من كتبه. و القول الثاني عن الشيخ و جمع من الأصحاب على ما في المدارك.

أقول: قد وردت في هذه المسألة روايتان:

إحديهما: صحيحة سعيد بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام رجل متمتع سعى بين الصفا و المروة ستة أشواط، ثم رجع إلى منزله و هو يرى أنه قد فرغ منه و قلم أظافيره و أحلّ، ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط. فقال لي: يحفظ انه قد سعى ستة أشواط؟ فإن كان يحفظ انه قد سعى ستة أشواط، فليعد و ليتم شوطا و ليرق دما.

فقلت: دم ما ذا؟ قال: بقرة، قال: و إن لم يكن حفظ انّه قد سعى ستّة، فليعد فليبتدئ السّعي حتى يكمل سبعة أشواط، ثم ليرق دم بقرة. «1»

ثانيتهما: رواية ابن مسكان، و في سندها محمد بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل طاف بين الصّفا و المروة ستة أشواط و هو يظن أنّها سبعة، فذكر بعد ما حلّ و واقع النساء أنه إنما طاف ستّة أشواط، قال: عليه بقرة يذبحها و يطوف شوطا آخر. «2» و اللازم التكلم في مفاد الروايتين، فنقول:

أمّا الصحيحة، فبعد كون موردها عمرة التمتّع و

أنه بعد ما طاف ستّة أشواط اعتقد تمامية السّعي و أنه أتى بالأشواط السبعة، و إن كان يبعّد هذا الفرض انه في هذه الصورة لا محالة يكون على الصفا، مع أنّ الختم لا بد و أن يكون بالمروة، يكون مورد السؤال أنّه قلّم أظافيره و أحلّ من إحرام عمرة التمتع.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السعي، الباب الرابع عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب السعي، الباب الرابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 47

..........

______________________________

و الظاهر أنه لم يكن في ذهن السائل خصوصية للتقليم، بل كان مراده تحقق الإحلال بالتقصير الذي هو آخر أعمال عمرة التمتع. لعدم وجوب طواف النساء فيها، بخلاف غيرها من أنواع الحج و العمرة المفردة. و التقصير الذي يتحقق به الإحلال في العمرة المذكورة كما يتحقق بالتقليم، كذلك يتحقق بقصّ الشعر و لا اختصاص له بالأوّل.

و عليه فمراد السائل هو تحقق الإحلال بالتقصير. لكن لا دلالة له على حصول المواقعة بعد صيرورته محلّا.

فالرواية تدل على أنه في هذه الصورة يجب عليه إتمام السعي بإتيان الشوط المنسي، و لزوم كفارة البقرة. و لا مجال لدعوى أنه لا وجه لثبوت الكفارة مع كون المفروض أن موردها الخطأ، خصوصا بملاحظة ما دلّ على أن الكفارة إنما تثبت في حال الخطأ في خصوص الصيد و لا كفارة في غيره في هذا الفرض.

و ذلك لأنّ ما دلّ على ذلك لا يكون حكما غير قابل للتخصيص. لأنه حكم تعبدي شرعي قابل لعروض التخصيص له في هذا المورد أو غيره.

و بالجملة، مفاد الرواية صحة السعي و ما يترتب عليه من التقصير الموجب للإحلال. غاية الأمر لزوم الإتيان بالمقدار الناقص و ثبوت كفارة البقرة بمجرد الإحلال بسبب

التقصير.

و امّا الرّواية الثانية، فاللازم ملاحظة أن موردها هل هو عمرة التمتع كالصحيحة الصريحة في ذلك؟ أو أن موردها مطلق السعي سواء كان في عمرة التمتع أو في غيرها من العمرة المفردة و الحج بأنواعه الثلاثة؟ ربما يقال بالثاني. نظرا إلى أنه لا إشعار في السؤال بالاختصاص بعمرة التمتع. فمقتضى إطلاقه و ترك الاستفصال في الجواب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 48

..........

______________________________

الشمول لجميع الموارد.

هذا، و لكن الظاهر الاختصاص. لأن ذكر مواقعة النساء بعد الإحلال لا يلائم إلّا مع السعي في عمرة التمتع، لأنّ حلّية النساء في غيرها إنما ترتبط بطواف النساء الثابت فيه دون عمرة التمتع. حيث إنه لا يجب فيها طواف النساء. و على ما تقدم من البحث فيها مع أن الإحلال في الحج إنّما يتحقق قبل السعي بتمامية مناسك يوم النحر في منى. حيث إنه يحلّ الحاجّ من جميع محرمات الإحرام، عدي الطيب و الصيد و النساء، و حليّة الأوّل متوقفة على الطواف و السعي، و الثاني من محرمات الحرم، و الثالث يرتفع بطواف النساء.

و بالجملة فحصول الإحلال بعد السّعي و مواقعة النساء بعد الإحلال إنّما يكون مرتبطا بالسعي في عمرة التمتع، و لذا فهم المحقق في الشرائع في عبارته المتقدمة من هذه الرّواية عنوان التمتع. فقال: و لو كان متمتعا بالعمرة ..». مع أنّ الإطلاق موجب للإشكال في الرّواية من جهة أنّ وقوع المواقعة و إن كان في حال عدم الالتفات إلى نقصان السّعي، إلّا أن وقوعها قبل طواف النساء إنّما يكون مع الالتفات، و اللازم- حينئذ- ثبوت كفارة البدنة، لما مرّ في بحث الجماع من محرمات الإحرام أن كفارته إذا وقع قبل الطواف المذكور هي

البدنة. مع أنّ ظاهر الرواية عدم ثبوت غير كفارة البقرة.

و لذا حكي عن المحقق في النكت احتمال أن يكون المراد إنه طاف طواف النّساء ثم واقع لظنّه إتمام السّعي. كما أنه حكي عن المختلف احتمال أن يكون قد قدّم طواف النساء على السّعي لعذر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 49

..........

______________________________

و من الظاهر ان الحمل على عمرة التمتع- كما هو الظاهر بقرينة ما ذكرنا- يوجب عدم توجه الإشكال و عدم وروده حتى يحتاج إلى دفعه بمثل ما ذكر ممّا يكون خلاف الظاهر جدّا. هذا من ناحية.

و أمّا من الناحية الأخرى فربما يقال بعدم كون هذه الرواية مرتبطة بالمقام، نظرا إلى أن الموجب للكفارة فيها إنّما هو الخروج من السعي غير قاطع و لا متيقن لإتمامه، بل خرج منه عن ظنّ منه. و من المعلوم إنّه لا يجوز أن يخرج منه مع الظن. بل اللّازم الخروج مع القطع و اليقين. فالرواية غير واردة في الناسي الذي هو المبحوث عنه في المسألة.

هذا، و لكن الظاهر بطلان هذا القول. لأنّ منشأه استعمال كلمة «الظن» في السؤال مع أن الظاهر ان المراد منه هو الاعتقاد القطعي و استعمال الظنّ في هذا المعنى شائع حتى في الكتاب العزيز، مثل قوله تعالى الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلٰاقُوا رَبِّهِمْ وَ أَنَّهُمْ إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ «1» و يدل عليه في خصوص مورد الرواية تفريع التذكر عليه و هو لا يلائم الظنّ المصطلح في قبال اليقين. فإن التذكر فرع النسيان. فالإشكال في الرواية من هذه الجهة لا وجه له أصلا.

و بعد ذلك يقع الكلام في الجمع بين مفاد الروايتين. حيث إن ظاهر الصحيحة ثبوت الكفارة بعد الإحلال و إن لم يتحقق منه

مواقعة النساء. و ظاهر الرواية الثانية ثبوت الكفارة بعد الإحلال و مواقعة النساء، فكيف يجمع بينهما؟

فنقول: ذكر بعض الأعلام قدّس سرّهم ما يرجع إلى أنّ المواقعة و الإحلال حيث

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 46.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 50

..........

______________________________

لا يكونان في رتبة واحدة و في عرض واحد. لأن الإحلال متقدم على المواقعة و هي متأخرة عنه. و قد دلّت الصحيحة على أنّ الإحلال بسبب التقصير يوجب الكفارة فهي ثابتة بمجرد الإحلال قبل تحقق المواقعة، فلا يبقى أثر للعمل المتأخر عنه أي شي ء كان- مواقعة كانت أم غيرها- و عليه فتمام الملاك هو الإحلال.

أقول: إن قلنا بأن رواية مسكان لأجل الضعف في سندها بمحمد بن سنان لا تكون معتبرة. فاللازم الاتكال على الصحيحة فقط. و ليس فيها إشعار بالمواقعة أصلا، بل مقتضاها ترتب الكفارة على التقصير و الإحلال.

و إن قلنا باعتبارها، إمّا لأجل المنع عن ضعف محمد بن سنان، و إمّا لأجل انجباره بفتوى جماعة من أعاظم الأصحاب على طبقها كما مر. فالظاهر أن مقتضى الجمع بينها و بين الصحيحة هو الحكم باعتبار كلا الأمرين معا في ترتب الكفارة و ثبوت الطولية و الترتب لا يمنع عن مدخليّة كليهما. فتكون الرواية بمنزلة المقيد لإطلاق الصحيحة. حيث إن ظاهرها ترتب الكفارة على الأمر الأول. سواء وقع الأمر الثاني عقيبه أم لا.

فالجمع بينهما يقضي بلزوم تحقق كلا الأمرين حتى تثبت الكفارة التي في البين.

و لعلّه لأجل ذلك عنون المسألة في المتن بهذه الصّورة. نعم الاحتياط الوجوبي المجامع لاحتمال عدم الوجوب لا مجال له في هذه الصورة، لأن اللازم الالتزام بثبوت الكفارة. سواء قلنا باعتبار رواية ابن مسكان أيضا أم لم نقل به.

بل اقتصرنا على خصوص الصحيحة لأنه لا إشكال في ثبوتها في مورد اجتماع الأمرين: الإحلال و المواقعة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 51

..........

______________________________

نعم للاحتياط الوجوبي في الصورة الثانية التي أفاد حكمها مع كلمة «بل» الظاهرة في الترقي مجال، لأنّ الحكم بثبوت الكفارة مع فرض عدم تحقق المواقعة مخالف للرواية الثانية التي يحتمل اعتبارها. و لكنه حيث لم تكن المواقعة مذكورة في الصحيحة على ما ذكرنا فمقتضى الاحتياط الوجوبي ترتب الكفارة عليه أيضا.

نعم في بعض نسخ المتن إضافة قوله: و فعل ذلك عقيب قوله سهوا في هذه الصورة. و الظاهر أن المراد من الجملة الإضافية هو وقوع المواقعة المفروض في الصورة الأولى. و من الظّاهر أنه على هذا التقدير لا يبقى فرق بين الصّورتين. لأن المفروض في كلتيهما الإحلال و المواقعة. بل الظاهر هو ما في هذه النسخة.

و المراد من الصورة الثانية خصوص ما إذا تحقق التقصير و الإحلال من دون مواقعة، بخلاف الصورة الأولى المشتملة على تحقق المجامعة- كما لا يخفى.

بقي الكلام في أمرين:

الأمر الأوّل: إنه احتاط في المتن وجوبا في إلحاق السعي في غير عمرة التمتع بالسّعي فيها. و الظاهر أن منشأه هو توهم الإطلاق في رواية ابن مسكان حيث لم يصرّح فيها بالمتمتع أو مثله. و لكنّك عرفت أنّ الدقة في مفادها تقتضي اختصاص مورد السؤال منها بعمرة التمتع. و لذا فهم منها المحقق في الشرائع في عبارته المتقدمة ذلك.

فإن الإحلال بالتقصير بعد السعي و ترتب جواز المواقعة إنّما يكون في السعي في خصوص عمرة التمتع، لما عرفت من أن حليّة النساء في غيرها متوقفة على طواف النساء، و الإحلال أيضا يقع في الحج قبل السعي بتمامية مناسك

يوم النحر. و عليه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 52

..........

______________________________

فلا يتوجه إشكال على الرواية حتى يحتاج إلى دفعه بأحد الوجهين المتقدمين آنفا.

و على ما ذكرنا فلا يبقى مجال للاحتياط الوجوبي في هذه الجهة. بل غاية الأمر هو الاحتياط الاستحبابي.

الأمر الثاني: إن مقتضى إطلاق المتن تبعا للشرائع أنه لا فرق في النقيصة السهوية بين أن يكون شوطا واحدا أو أزيد عليه فالكفارة ثابتة في كلا الفرضين.

و لكنه ذكر في الجواهر: ينبغي الاقتصار على الستّة بظنّ أنها سبعة لا غير ذلك.

و لعل الوجه فيه أنه حيث يكون الحكم بالكفارة في هذا المورد الذي هو من موارد الخطأ و النسيان على خلاف القاعدة، فاللازم الاقتصار فيه على مورد الروايتين، و هو من طاف ستة و نقص واحدا، و لا ينافي عمومية الحكم بلزوم الإتمام، و أحكام النقيصة لجميع الموارد على ما عرفت في المسألة السّابقة مستندا إلى الروايتين لأنه لا ملازمة بين الحكمين. فإذا اقتصر في الثاني على خصوص المورد لأجل المخالفة مع القاعدة، فهذا لا يلازم الاقتصار في الأول عليه أيضا.

و لكن يرد عليه بعد التفكيك بل منعه. فإنه إذا كان الحكم الأول عامّا، فالظاهر كون الحكم الثاني أيضا كذلك، و إن شئت قلت إن العرف يرى أنه لا خصوصية للمورد بالإضافة إلى كلا الحكمين من دون ثبوت فرق في البين. فلا مجال لما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 53

[مسألة 11] في الشك في عدد الأشواط

مسألة 11- لو شك في عدد الأشواط بعد التقصير يمضي و يبني على الصحة، و كذا لو شك في الزيادة بعد الفراغ عن العمل. و لو شك في النقيصة بعد الفراغ

و الانصراف، ففي البناء على الصحة إشكال، فالأحوط إتمام ما احتمل من النقص، و لو شك بعد الفراغ أو بعد كل شوط في صحة ما فعل، بنى على الصحة، و كذا لو شك في صحة جزء من الشوط بعد المضي. (1)

______________________________

(1) الشك قد يكون في أصل الوجود و هو العدد، و قد يكون في وصف الموجود و هي الصحة فللشك صورتان:

الصورة الأولى: الشك في أصل الوجود، و هو العدد و حدوثه قد يكون بعد التقصير المترتب على السعي و المتأخر عنه، و قد يكون قبله بعد الفراغ عن السعي و الانصراف. ففيها فرضان:

الفرض الأوّل: ما لو كان حدوث الشك في العدد بعد التقصير. و قد حكم فيه في المتن بجواز المضي و البناء على الصحّة. و مقتضى إطلاقه أنه لا فرق بين ما لو كان للشك طرفان أو ثلاثة أطراف أو أزيد حتى إذا كان له سبعة أطراف، كما إذا احتمل أن يكون قد سعى شوطا واحدا و احتمل أن يكون المأتي به شوطين و هكذا إلى السبعة.

و الوجه في الحكم بالصحة قاعدة الفراغ الحاكمة بالصحة في مورد الشك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 54

..........

______________________________

و المتقدمة على الاستصحاب الجاري في كثير من الموارد المقتضي لعدم الإتيان بالمشكوك من دون فرق بين الفروض المتقدّمة.

و ربما يقال بأن مقتضى قاعدة الفراغ و إن كان ذلك إلّا أن ذيل صحيحة سعيد بن يسار المتقدمة في المسألة السابقة يقتضي الاعتناء بالشك و ترتيب الأثر عليه لا بالإتيان بالناقص المحتمل فقط بل بالاستئناف، حيث إنه قال الإمام عليه السّلام فيه: «و إن لم يكن حفظ أنه قد سعى ستة فليعد فليبدأ السعي حتى يكمل

سبعة أشواط ثم ليرق دم بقرة». «1»

فإن مفاده أنه مع عدم حفظ الستة يجب عليه الاستئناف من رأس، و لعلّه لذا ذكر المحقق في الشرائع: «إن من لم يحصر عدد سعيه أعاده» و مقتضى إطلاقه لزوم الإعادة، و لو كان حدوث الشك بعد التقصير.

هذا، و لكن ذيل الصحيحة بيان للشق الثاني من الشقين المحتملين في مورد السؤال، و هو تذكر النقص بعد التقصير و العلم بكون السعي ناقصا، فإنه في هذا الفرض تارة يكون حافظا للستة و متيقنا لها، و أخرى غير حافظ لها و قد حكم في الصحيحة بلزوم إتمام ما نقص في الشق الأوّل و الابتداء بالسعي بجميع أشواطه في الشق الثاني، فكلا الشقّين واردان مع القطع بعدم تمامية السعي و ثبوت نقصان شوط واحد فيه يقينا، و أين هذا من الصورة المفروضة في المقام، و هي الشك في عدد الأشواط الحادث بعد التقصير.

و الفارق جريان قاعدة الفراغ في المقام دون مورد الرواية- كما هو واضح- و قد

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السعي، الباب الرابع عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 55

..........

______________________________

حمل صاحب الجواهر قدّس سرّه عبارة المحقق في الشرائع على كون الشك في الأثناء، فلا تشمل المقام.

الفرض الثاني: ما لو كان الشك حادثا بعد الفراغ قبل التقصير. و اللازم فرضه بناء على اعتبار الموالاة في السعي، بخلاف ما هو المشهور و فرض فواتها. و في هذا الفرض تارة يكون الشك في الزيادة و أخرى يكون في النقيصة.

ففي الفرع الأوّل لا إشكال في صحة السعي، لأنه مضافا إلى جريان أصالة عدم الزيادة، أن الزيادة على تقدير وقوعها حيث تكون زيادة سهوية لا تضرّ بصحة السعي، لما مرّ

من عدم كون الزيادة السهوية مبطلة و إن كانت معلومة، فضلا عما إذا كانت مشكوكة- كما في المقام.

و في الفرع الثاني وقع الإشكال في جريان قاعدة الفراغ و عدمه، و منشأ الإشكال انه هل يكفي في جريان القاعدة الفراغ و لو كان اعتقاديّا غير واقعي، أو أنه يعتبر في جريانها أن يكون الشك متعلقا بشي ء لا يمكن تداركه بالفعل لتعلقه بأمر قد مضى، سواء كان المضي حقيقيا أو حكميّا، كالشك في القراءة بعد الدخول في السّورة؟

فعلى الأوّل تجري القاعدة و تقتضي الصحة، و على الثاني لا تجري لعدم تحقق المضيّ بوجه مطلقا و فوات الموالاة بناء على اعتبارها لا يقتضي تحقق عنوان المضيّ. و لذا لو كان بعض الأشواط منسيا يجب إلحاقه بما أتى به و إن فاتت الموالاة.

و هذا لا يستلزم عدم تحقق الفراغ لو شك بعد التقصير- كما لا يخفى-، و لذا استشكل في المتن في هذا الفرع في البناء على الصحة و احتاط وجوبا بإتمام ما نعقل و ترتيب الأثر على الشك و هو الظاهر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 56

[مسألة 12] في الشك في عدد الزيادة

مسألة 12- لو شك و هو في المروة بين السّبع و الزيادة كالتسع- مثلا- بنى على الصحّة، و لو شك في أثناء الشوط أنّه السبع أو الست- مثلا- بطل سعيه، و كذا في أشباهه من احتمال النقيصة، و كذا لو شك في أنّ ما بيده سبع أو أكثر قبل تمام الدّور. (1)

______________________________

الصورة الثانية: الشك في الصحة، و هو مجرى أصالة الصحة الجارية في مورد الشك فيها.

(1) الشك في عدد الأشواط تارة يكون متمحّضا في الزيادة فقط، و أخرى في النقيصة كذلك، و ثالثة في الزيادة و

النقيصة معا.

أمّا الصورة الأولى كما إذا شك و هو في المروة بين السبع و التسع- مثلا- فالظاهر أن الحكم فيها هو عدم الاعتناء بالشك و البناء على الصحة- كما في المتن- و الدليل عليه أنّ الزيادة السهوية المعلومة غير قادحة في صحة السعي- كما مرّ- فالزيادة المشكوكة التي تجري فيها أصالة عدم تحققها و عدم حدوثها بطريق أولى، فلا حاجة في الحكم بالصحة في هذه الصورة إلى إقامة دليل خاص. و لكنّه مع ذلك يدل عليه التعليل الوارد في صحيحة الحلبي، الواردة في الطواف بالبيت:

قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أ سبعة طاف أم ثمانية؟ فقال: أمّا السبعة فقد استيقن و إنّما وقع وهمه على الثامن فليصلّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 57

..........

______________________________

ركعتين. «1» فإنّ مقتضى عموم التعليل و شموله للسعي في الشك في الزيادة الصحة، و عدم الاعتناء بما وقع وهمه عليه منها- كما لا يخفى- فالحكم في هذه الصورة ظاهر.

و أمّا الصورة الثانية التي لم يقع التعرض لها في المتن بالإضافة إلى حال تمامية الشوط و كان ينبغي التعرض لها كما إذا شك و هو على المروة بين السبع و الخمس- مثلا- فالظاهر أن المتسالم عليه بينهم هو الحكم بالبطلان و لزوم استئناف السعي من رأس. و قد استدل عليه بأمرين:

أحدهما: صحيحة أخرى للحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل لم يدر ستّة طاف أو سبعة، قال: يستقبل. «2»

نظرا إلى أن كلمة «الطواف» إذا لم يكن معها عنوان «البيت» أو مثله يشمل السعي بين الصفا و المروة أيضا لإطلاق الطواف عليه في الآية و الروايات الكثيرة

التي مرّت جملة منها في المباحث السّابقة.

هذا و الظاهر جريان المناقشة في هذا الأمر بأن إطلاق الطواف على السعي في الكتاب و السنّة إنّما كان مقرونا بإضافة «بهما»- كما في الآية- أو «بين الصفا و المروة» لا بنحو الإطلاق. و هذا بخلاف الطواف بالبيت الذي أطلق عليه الطواف المطلق كثيرا، و لأجله لم يحرز ثبوت الإطلاق للطواف في الرواية بنحو يشمل السعي- كما لا يخفى.

ثانيهما: ذيل صحيحة سعيد بن يسار المتقدمة، و هو قوله عليه السّلام: و إن لم يكن حفظ

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الخامس و الثلاثون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الثالث و الثلاثون، ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 58

..........

______________________________

أنه قد سعى ستّة، فليعد فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط، ثم ليرق دم بقرة. «1» فإنّ ذكر الستّة و إن كان لا خصوصيّة فيه- كما مرّ البحث فيه- و لذا يستفاد من الرّواية بالنسبة إلى موردها أنه لو سها عن شوطين- مثلا- و قد حفظ الخمسة يكون سعيه صحيحا، و لا بد من إتمام ما نقص و لا يكون باطلا من رأسه، إلا أنّ الخصوصية الموجودة اثنتان، و لا يجوز إلغاء شي ء منهما بوجه.

إحديهما: كون الستّة نقيصة و الموجب للإعادة و لزوم الاستئناف ليس هو الشوط المنسي، بل عدم كون المأتي موردا لحفظه، فتدلّ على أنّ النقيصة إذا لم تكن محفوظة يكون السعي باطلا من رأس، بخلاف الزيادة. و لذا حكمنا في الصورة الأولى بالصحة- كما عرفت- ثانيتهما: ان الملاك في الحفظ ليس هو وجود القدر المتيقن في البين، ضرورة تحقق عنوان عدم الحفظ فيما إذا شك بين الخمسة و الستّة- مثلا- مع أن

القدر المتيقن و هي الخمسة موجود. و لو نوقش في شمول الرواية لهذا الفرض، فنقول: لا شبهة في شمولها لما إذا كان مرددا بين الشوط الواحد أو الاثنين و هكذا، مع أنه في هذه الصورة يكون الشوط الواحد متيقنا، فيظهر أنّ وجود القدر المتيقن أمر و ثبوت الحفظ أمر آخر.

و الملاك الموجب للإعادة بحسب الرواية هو عدم الثاني.

و عليه فيستفاد منها أنه إذا كان عدم الحفظ بالإضافة إلى النقيصة يوجب ذلك بطلان السّعي، فتدل على البطلان في الصورة المفروضة في المقام لفرض الشك في النقيصة.

______________________________

(1) وسائل: أبواب السعي، الباب الرابع عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 59

..........

______________________________

و أمّا الصورة الثالثة: و هي حدوث الشك في أثناء الشوط قبل تماميّته بالوصول إلى المروة، فتارة تكون مقرونة باحتمال النقيصة و أخرى باحتمال الزيادة.

و قد حكم في المتن بالبطلان في كليهما. و يظهر منه أن الملاك في البطلان هو مجرد كون الحدوث- أي حدوث الشك في أثناء الشوط- من دون دخل لاحتمال النقيصة في ذلك.

و هو يتفرغ على أن يكون المستفاد من صحيحة ابن يسار المتقدمة هو كون الحفظ المعتبر في ناحية النقيصة متعلقا بالشوط مع وصف الكمال و التمامية. فإذا لم يكن الشوط بهذا الوصف محفوظا فهو يوجب البطلان. و في صورة حدوث الشك في الأثناء و لو كان هناك خطوة إلى المروة لم يكن الحفظ من هذه الناحية متعلقا بالشوط الكامل، من دون فرق بين صورة احتمال النقيصة و بين صورة احتمال الزيادة.

أمّا في الصورة الأولى فواضح. و أمّا في الصورة الثانية فلعدم تعلق الحفظ بالشوط الكامل من هذه الجهة، لفرض عدم الوصول إلى المروة.

هذا و يمكن منع استفادة

ذلك من الصحيحة، نظرا إلى أن المستفاد منها مدخلية العدد. أي عدد الأشواط في الحفظ و عدمه، من دون فرق بين فرض تمامية الشوط و عدمها، فالملاك هو تعلق الحفظ بالعدد في ناحية النقيصة.

و عليه فاللازم الفرق بين الصورتين بالحكم بالبطلان في صورة احتمال النقيصة و الصحة في الصورة الأخيرة التي لا يكون فيها إلّا احتمال الزيادة من جهة العدد، لفرض عدم تحقق احتمال النقيصة و عدم اعتبار الحفظ بالإضافة إلى الزيادة. و عليه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 60

[مسألة 13] في الشك في الإتيان بالسّعي

مسألة 13- لو شك بعد التقصير في إتيان السّعي بنى على الإتيان، و لو شك بعد اليوم الّذي أتى بالطواف في إتيان السّعي، لا يبعد البناء عليه أيضا. لكن الأحوط الإتيان به إن شك قبل التقصير. (1)

______________________________

فلا يستفاد من الرواية الحكم بالبطلان فيه، إلّا أن يستند فيه إلى كونه متسالما عليه بين الأصحاب رضوان اللّٰه تعالى عليهم، فتدبر.

(1) لو شك في أصل الإتيان بالسّعي و عدمه، فإن كان بعد التقصير المترتب على السعي فلا اعتبار بشكّه، بل يبني على الإتيان و كون التقصير واقعا في محلّه و هو بعد السّعي، و هذا كما فيما إذا شك بعد الإتيان بصلاة العصر بعنوان العصر في أنه أتى بصلاة الظهر قبلها أم لم يأت بها قبل الإتيان بالعصر، فإنه لا يعتنى بهذا الشك و يبنى على الإتيان بصلاة الظهر. و إن كان في صورة النسيان يأتي بصلاة الظهر بعد العصر.

و تسقط شرطية الترتيب بالإضافة إلى العصر. أمّا في صورة الشك فلا يجب عليه الإتيان بالمشكوك أصلا.

و إن كان الشك قبل التقصير، فإن كان في اليوم الذي أتى بالطواف فمقتضى قاعدة الاشتغال لزوم

الإتيان به قبله. و إن كان بعد اليوم الذي أتى بالطواف و هو الغد، فقد نفى البعد عن البناء على الإتيان بالسّعي و احتاط استحبابا بالإتيان. و لكن مقتضى ما مرّ في مسألة تأخير السعي إلى الغد و أنه لا يجوز التأخير إليه إذا لم يكن هناك عذر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 61

..........

______________________________

و يجوز مع العذر التفصيل هنا أيضا، بأن يقال أنّه إن كان المشكوك هو التأخير لعذر على فرض الترك في اليوم الذي أتى بالطواف، فلا مجال لنفي البعد عن البناء على الإتيان بالسعي. لأنه لم يتحقق في البين شي ء يقتضي الإتيان بالسعي لا التقصير- كما هو المفروض- و لا التأخير إلى الغد، لأن الفرض أيضا كونه مع العذر المجوّز للتأخير، فلا وجه للبناء على الإتيان.

و هذا بخلاف ما إذا كان التأخير على فرضه لا لعذر، فإنه حينئذ لا يبعد البناء عليه، لأنّه مع عدمه لا بد من الالتزام بتحقق عمل غير مشروع، و هو التأخير لا لعذر، و هو خلاف ظاهر حال المسلم. و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بالإتيان به- كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام في مباحث السعي.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 63

[القول في التقصير]

اشارة

القول في التقصير

[مسألة 1- يجب بعد السّعي التقصير]

مسألة 1- يجب بعد السّعي التقصير. أي قصّ مقدار من الظفر أو شعر الرأس أو الشارب أو اللّحية، و الأولى الأحوط عدم الاكتفاء بقصّ الظفر، و لا يكفي حلق الرأس، فضلا عن اللّحية (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الجهة الأولى: في أصل وجوب التقصير في عمرة التمتع و جزئيّته لها.

و قد ذكر في الجواهر: هو أحد المناسك فيها- أي في عمرة التمتع- عندنا على وجه يكون تركه نقصا فيها، بل في المنتهى: إجماع علمائنا عليه و إن حصل الإحلال له منها، خلافا للشافعي في أحد قوليه، فجعله إطلاق محظور كالطيب و اللّباس، قال:

و لا ريب في فساده عندنا بعد ما سمعت من الإجماع بقسميه عليه.

و يدل على الوجوب و الجزئية طوائف من الروايات، مثل الأخبار البيانيّة الواردة في كيفية الحج و العمرة، و مثل الروايات التي يأتي جملة منها الواردة في كيفية التقصير الظاهرة في مفروغية وجوبه و جزئيته، و في بعضها إطلاق الطواف عليه كإطلاقه على الطواف بالبيت و السعي بين الصفا و المروة. فهذه الجهة بملاحظة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 64

..........

______________________________

الروايات لا شبهة فيها أصلا.

الجهة الثانية: في كيفية التقصير.

و قبل الخوض فيها لا بد من إيراد جملة معتد بها من الروايات الواردة في هذا المجال، مثل:

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سمعته يقول: طواف المتمتع أن يطوف بالكعبة و يسعى بين الصفا و المروة و يقصر من شعره فإذا فعل ذلك فقد أحلّ. «1»

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا فرغت من سعيك و أنت متمتع، فقصر من شعرك من

جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك و قلم أظفارك و أبق منها لحجّك، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء يحلّ منه المحرم و أحرمت منه فطف بالبيت تطوّعا ما شئت. «2»

و رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: ثم ائت منزلك فقصّر من شعرك و حلّ لك كل شي ء. «3»

و صحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن متمتع قرض أظفاره و أخذ من شعره. بمقص، قال: لا بأس. ليس كل أحد يجد جلما. «4»

و في رواية الصدوق: قرض من أظفره بأسنانه. و الجلم هو المقراض الذي هي

______________________________

(1) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الأول، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الأول، ح 4.

(3) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الأوّل، ح 3.

(4) وسائل أبواب التقصير، الباب الثاني، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 65

..........

______________________________

الآلة المتعارفة في قص الشعر بخلاف المقص.

و صحيحة جميل بن درّاج و حفص بن البختري و غيرهما عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في محرم يقصّر من بعض و لا يقصر من بعض، قال: يجزيه. «1»

و صحيحة الحلبي، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام جعلت فداك إنّي لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي و لم أقصّر، قال: عليك بدنة، قال: قلت: إنّي لما أردت ذلك منها و لم يكن قصّرت امتنعت فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها، فقال: رحمها اللّٰه كانت أفقه منك، عليك بدنة و ليس عليها شي ء. «2»

و مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: تقصّر المرأة من شعرها لعمرتها مقدار الأنملة. «3»

و الصحيحة الأولى

لمعاوية بن عمار و إن كان ظاهرها لزوم الجمع بين قص الشعر و بين تقليم الأظفار، بل و في الأوّل يجب الجمع بين الأخذ من الرأس و من الشارب و من اللحية، بل و في الأوّل يجب الجمع بين جوانب الرأس و الأخذ من كل جانب إلّا أنّ الروايات الأخرى المؤيدة بالفتاوى و إن كان ظاهر بعض الفتاوى غيره قرينة على عدم لزوم الجمع، بل هو مخير بين الأمور الأربعة المذكورة فيها، و في الأمر الأوّل بين الجوانب المتعددة.

نعم ذكر في المتن: أن الأولى الأحوط عدم الاكتفاء بقص الظفر، و لعلّه لعدم صدق عنوان «التقصير» المعروف الذي هو أحد مناسك عمرة التمتع عليه، فلا يطلق على

______________________________

(1) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الثالث، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الثالث، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الثاني، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 66

..........

______________________________

قصّ الظفر انّه قصّره، بخلاف الشّعر. نعم يطلق عليه فيما إذا اجتمع مع الشعر بعنوان التغليب.

و أمّا من جهة الآلة، فالظاهر انّه لا خصوصية فيها و انّها لا تختص بالآلة المتعارفة في قصر الشعر و قصّ الظفر، بل لو كان بغير الآلة المتعارفة حتى مثل الأسنان في قرض الشعر أو الظفر فلا مانع- كما عرفت التصريح به في جملة من الروايات المتقدمة، و قد وقع في بعضها التعبير بأنّه ليس يجد كلّ أحد جلما، أي مقراضا- و أمّا من جهة العدد، فالظاهر في باب الأظفار جواز الاكتفاء بظفر واحد، بل بعض ظفر واحد، و لعلّ الوجه فيه كونه محسوسا ملموسا. و أمّا الشعر فالمحكي عن جملة من كتب العلّامة إنّ أدنى التقصير أن يقصّ شيئا من شعر

رأسه و أقلّه ثلاث شعرات، بل عن المنتهى النسبة إلى اختيار علمائنا. لكن المحكيّ عن المبسوط اشتراط كون المقطوع جماعة من الشعر. و الظاهر أن مراده من الجماعة هي معناها العرفي الذي يكون زائدا على الثلاث بكثير.

هذا و ينبغي إحالة ذلك إلى العرف بعد كون التقصير الذي هو جزء للعمرة و يجب الإتيان به فيها عنوانا عرفيّا موكولا إلى العرف. و لذا لم يفسّر في الروايات من هذه الجهة أصلا بخلاف عنواني الطواف و السعي اللذين لهما حدود شرعية و خصوصيات تعبدية، فالمعيار فيه هو العرف، و اللازم هو الصدق بنظرهم. نعم لا خصوصية من ناحية المقدار الذي يقرض و يقصر من كل شعر. و قد وقع التصريح في مسألة ابن أبي عمير المتقدمة بجواز القصّ بمقدار الأنملة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 67

..........

______________________________

و أمّا النتف، ففي كلام صاحب الجواهر و محكيّ كلام صاحب الحدائق جوازه. لأن المقصود هي الإزالة بأية كيفية تحققت و من جملتها النتف.

هذا و الظاهر أنّ النتف ليس من أفراد ماهيّة التقصير و مصاديقها، و اللازم إيجاد تلك الماهية، و عليه فيرد على القائل بجوازه أنه إن أراد أنّ النتف من مصاديق عنوان التقصير فيرد عليه وضوح منعه، ضرورة عدم كونه منها، و إن أراد الاجتزاء به مع عدم كونه منها، فاللازم إقامة الدليل عليه. و هو غير موجود- كما لا يخفى- الجهة الثالثة: في كفاية الحلق مكان التقصير و عدمها. فالمشهور عدم جوازه و عدم الاجتزاء به. و قد وقع التصريح به من غير واحد من الأصحاب. و قد نسب إلى الشيخ قدّس سرّه التخيير بين الأمرين، و إلى العلّامة أن الواجب هو التقصير، و

لكن لو حلق يجزئ عن التقصير، و عن صاحب الحدائق جواز الحلق إذا كان متعلقا ببعض الرأس دون تمامه.

و يرد على الشيخ الروايات المتقدمة الظاهرة في تعين التقصير، و الظاهر مغايرة عنوان الحلق مع التقصير. و لذا يكون التخيير بينهما في باب الحج إنّما يرجع إلى التخيير بين العنوانين المتبائنين لا المترادفين و لا الأقل و الأكثر. فإن قام دليل على التخيير بين الأمرين في عمرة التمتع- كما قام في الحج- نقول به. و لكن الظاهر أنه ليس في شي ء من الرّوايات ذلك. فاللازم الاقتصار على خصوص عنوان التقصير.

و يرد على العلّامة ما أومأنا إليه من أنه إن أراد أن الحلق من مصاديق التقصير و لأجله يكتفي به، فيرد عليه وضوح منعه- كما مرّ- و إن أراد الاجتزاء به و إن لم يكن من مصاديقه، فاللازم إقامة الدليل عليه و لم يقع. نعم ربما يوجّه ما أفاده بأن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 68

..........

______________________________

التقصير يتحقق بأوّل جزء من الحلق. لكنه- مضافا إلى منعه لعدم تحقق التقصير و لو بأوّل جزء من الحلق.

و الشاهد هو العرف الذي يرى العنوانين متباينين من أوّل الأمر- أنّ اللازم في التقصير و مثله تعلق النية بعنوانه و أنّ النية كذلك- كما سيجي ء في المسألة الثانية، إن شاء اللّٰه- أوّل الخصوصية المعتبرة في النيّة.

و من المعلوم إنّ من نوى الحلق و شرع فيه لم يتحقق منه قصد عنوان التقصير، و إن فرض تحققه بأوّل جزء من الحلق، فتدبر.

و ممّا ذكرنا ظهر ما يرد على صاحب الحدائق من الإشكال. و أنه لا يتحقق عنوان التقصير و لو بحلق بعض الرأس دون تمامه. و يدلّ على تعين

التقصير مضافا إلى ما عرفت صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام- في حديث- قال: و ليس في المتعة إلّا التقصير. «1»

ثم الظاهر أنه لو حلق مكان التقصير يترتب عليه مضافا إلى استحقاق العقوبة لأنه من محرّمات الإحرام، و قد ارتكبه في حال الإحرام قبل أن يحلّ الكفارة التي تقدّم البحث عنها، و هي دم شاة. للأدلّة المذكورة هناك و لا حاجة هنا إلى إقامة دليل خاص على ثبوت الكفارة في المقام، و لكنه مع ذلك يدل عليه رواية أبي بصير، قال:

سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المتمتع أراد أن يقصّر فحلق رأسه، قال: عليه دم يهريقه فإذا كان يوم النّحر أمّر الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق. «2»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الرّابع، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الرابع، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 69

[مسألة 2] في اعتبار النية في التقصير

مسألة 2- التقصير عبادة تجب فيه النيّة بشرائطها، فلو أخلّ بها بطل إحرامه إلّا مع الجبران. (1)

______________________________

و لكنها مضافا إلى ضعف السند- لأن في طريق الشيخ قدّس سرّه محمد بن سنان و في طريق الصدوق علي بن أبي حمزة- فيها مناقشة من حيث المفاد و الدلالة. لأنّ ظاهرها ثبوت الكفارة في صورة الخطأ و قد ادعى الإجماع ممّن عدا المحقق على عدم وجوب ذلك عليه. و لكنك عرفت أنه لا حاجة إلى نص خاص بعد ثبوت كفارة الدم في الحلق في باب محرمات الإحرام، فراجع.

(1) لا شبهة في أن التقصير حيث إنه من أجزاء العمرة يكون عبادة، تجب فيه النية المشتملة على قصد عنوان التقصير و إنّه من أجزاء عمرة التمتع مع القربة، و تقدم تفصيل

البحث في النيّة في باب الطواف و هذا لا إشكال فيه.

إنّما الإشكال في التفريع المذكور في المتن. فإن ظاهره أنه مع الإخلال بالنيّة يبطل إحرامه، مع أن لازم الإخلال بالنيّة عدم وقوع التقصير الذي هو جزء من العبادة، فلا يترتب عليه الإحلال. فيتوقف تحققه على الإتيان بتقصير جديد مشتمل على النية ليتحقق به الإحلال و الخروج عن الإحرام.

و عليه فيرد على المتن أنّه ما المراد بالإحرام الذي يبطل بالإخلال بالنيّة في التقصير؟

فإن كان المراد هو إحرام عمرة التمتع، فمن المعلوم أن بطلان التقصير المأتي به لا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 70

..........

______________________________

يستلزم بطلان الإحرام المذكور.

و إن كان المراد هو إحرام حجّ التمتع الذي يكون مترتبا على عمرته، فيرد عليه مضافا إلى أنه لم يفرض في المتن وقوع إحرام الحج بعد التقصير الذي أخلّ بنيّته. بل المفروض فيه مجرد الإخلال بالنيّة فقط، إنه قد تعرض في المسألة الثالثة بصورة ترك التقصير و الإحرام بالحج. و ذكر أنه في صورة العمد تبطل عمرته. و معناه عدم بطلان إحرامه للحجّ، غاية الأمر صيرورته إفرادا، و في صورة السّهو تصحّ عمرته. و معناه أيضا صحة إحرامه للحج و تمامية عمرته بعنوان التمتع، و عليه فلا يبقى مجال في هذه المسألة للحكم ببطلان إحرامه للحج بمجرد الإخلال بالنية في التقصير الذي لا يؤثر إلا في بطلانه.

ثم إنّ استثناء صورة الجبران من الحكم بالبطلان محلّ إشكال أيضا.

فإنه إن كان المراد بالجبران الإعادة، فيرد عليه- مضافا إلى أن التعبير عن الإعادة بالجبران غير مأنوس- أن الإعادة لا يوجب خروج الباطل عن كونه باطلا بل هو أمر مستقلّ.

و إن كان المراد بالجبران هي الكفارة و الفدية، فلم

يعلم مورد تكون الكفارة موجبة لخروج الباطل عن وصف البطلان و الاتصاف بكونه صحيحا. و عليه فلم يعلم المراد من هذا التفريع المذكور في المتن، و لذا استشكلنا عليه في التعليقة مما يرجع إلى ما ذكرنا، فتدبر جيّدا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 71

[مسألة 3] في ما لو ترك التقصير و أحرم بالحجّ

مسألة 3- لو ترك التقصير عمدا و أحرم بالحجّ بطلت عمرته، و الظاهر صيرورة حجّه إفرادا، و الأحوط بعد إتمام حجّه أن يأتي بعمرة مفردة و حجّ من قابل، و لو نسي التقصير إلى أن أحرم بالحج صحّت عمرته و تستحبّ الفدية بشاة، بل هي أحوط. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة فرضان:

الفرض الأوّل: ما لو ترك التقصير في عمرة التمتع عمدا و أحرم بحج التمتع الذي يكون مترتّبا على عمرته و قد حكم في المتن ببطلان عمرته، و استظهر صيرورة حجّه إفرادا. و من الواضح أن هذا على خلاف القاعدة، فإنّ مقتضاها كون الإحرام بالحج باطلا، لأن المفروض صورة العمد و تكون العمرة صحيحة، غاية الأمر نقصانها بسبب ترك التقصير، فاللازم إكمالها بالإتيان بالتقصير ثم الإحرام بالحجّ بعده.

و عليه فالحكم المذكور في المتن على خلاف القاعدة، لكنّه منسوب إلى المشهور- كما عن الدروس- بل لم ينقل الخلاف من المتقدمين إلّا من ابن إدريس بناء على أصله و هو عدم حجّية خبر الواحد مطلقا. و منشأ فتوى المشهور روايتان واردتان في هذا الفرض:

إحديهما: موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: المتمتع إذا طاف و سعى ثم لبّى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 72

..........

______________________________

بالحج قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر و ليس عليه متعة. «1» و في محكي التهذيب

و كذا في الجواهر: و ليس له متعة، و هو الظاهر.

ثانيتهما: مضمرة العلاء بن الفضيل التي رواها عنه محمد بن سنان، قال: سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهلّ بالحج قبل أن يقصر، قال: بطلت متعته، هي حجة مبتولة. «2»

و قد ناقش سيّد المدارك في سند الأولى بأن الراوي عن أبي بصير هو إسحاق بن عمار، و هو مردّد بين الثقة و غيرها. فلا يجوز الأخذ بها و لو بناء على القول بحجية خبر الثقة، و في سند الثانية باشتماله على محمّد بن سنان.

و لكن الظاهر اندفاع المناقشة في الأولى بعدم تردده بين الثقة و غيره. فإن الظاهر أن المراد به هو إسحاق بن عمار الساباطي الصيرفي الفطحي الذي يكون ثقة. و لعل منشأ مناقشته كونه راويا عن راو آخر و هو أبو بصير، فتدبّر. نعم الإشكال في سند الثانية بحاله.

و أمّا من جهة الدلالة، فالرّواية الثانية ظاهرة، بل صريحة في بطلان التمتع و صحة إحرام الحج و صيرورته حجة مبتولة، أي حج إفراد. و الوجه فيه أنه بعد بطلان عمرة التمتع لا يمكن أن يقع حجّه حجّ التمتع، لاشتراطه بالعمرة السابقة عليه، الواقعة بعنوان التمتع، كما أنه لا يمكن أن يقع حجّ قران بعد عدم وجود الإشعار و التقليد في إحرامه، فلا محالة يكون حجّ إفراد.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحرام، الباب الرابع و الخمسون، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب الإحرام، الباب الرابع و الخمسون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 73

..........

______________________________

أمّا الرّواية الأولى، فليس لها الصراحة بل و لا الظهور، لكن الدقة في مفادها تقتضي كونها متحدة مع الثانية في المراد. لأنّ سلب جواز التقصير و نفي ثبوت المتعة له

بناء على كون النتيجة هي «له» لا «عليه» يمكن أن يكون منشأه بطلان العمرة و الحج معا. بمعنى أنه لا طريق له إلى إكمال العمرة بالإتيان بالتقصير و لا إلى الإهلال بالحج و الشروع فيه. و هذا خلاف الظاهر جدّا، خصوصا مع عدم فهم المشهور منها ذلك. و يمكن أن يكون منشأه صحة الإحرام بالحج و بطلان عمرة التمتع، فلا محالة يصير حجّه إفرادا. و هو الذي تدل عليه الرواية الثانية.

و يظهر من ذلك دلالة النص على خلاف القاعدة من جهة أخرى أيضا، و هي أن الحجّ الذي أحرم به قد قصده بعنوان حج التمتع. و النص ظاهر في وقوع غير ما قصد و وقوع الحج بعنوان الإفراد. كما أن ظاهر النص تحقق الانقلاب قهرا و صيرورته حج إفراد كذلك. فيستمرّ في أعماله و يأتي بأجزائه و مناسكه بهذا العنوان.

و يقع الكلام في الاحتياط الوجوبي الذي ذكره في المتن بالإضافة إلى إتيان الحج من قابل، و ظاهره الإتيان بحج التمتع الذي بطلت عمرته في هذا العام. و مقتضى إطلاقه أنه لا فرق بين كون حج التمتع في هذا العام الذي صار باطلا حجّا واجبا عليه أو كان مستحبا عليه، لأن المستحب أيضا يجب إتمامه بالشروع فيه بنفس العنوان الذي شرع فيه.

و الوجه في الاحتياط أنه لا دلالة للنص إلّا على بطلان حج التمتع و صيرورة حجّه إفرادا. و أمّا الاكتفاء به عن التمتع فلا دلالة له عليه، و قيام الدليل على الاكتفاء في بعض الموارد- مثل ما إذا منعها الحيض عن إتمام عمرة التمتع، حيث إنه تنقلب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 74

..........

______________________________

وظيفتها إلى الإفراد و يكفي عن التمتع-

لا يستلزم الاكتفاء به في مثل المقام، خصوصا بعد ثبوت الفرق بأن الانقلاب هناك قهري ناش عن الحيض الذي لا يكون اختياريا، بخلاف المقام الذي يكون منشأه ترك التقصير عمدا على ما هو المفروض.

نعم لو كانت عبارة الرواية: «ليس عليه متعة» يكون ظاهرها نفي وجوب التمتع عليه. لكن هذه النسخة غير ثابتة فلا دلالة حينئذ على الاكتفاء به عن التمتع- كما في مثل الحيض- و عليه فمقتضى قاعدة الاشتغال الإتيان بحج التمتع من قابل.

الفرض الثاني: ما لو ترك التقصير سهوا إلى أن أحرم بالحج، و الظاهر أنه لا خلاف في صحة عمرته و حج التمتع. و قد ورد فيه روايتان مشتركتان في هذه الجهة:

إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل أهلّ بالعمرة و نسي أن يقصّر حتى دخل في الحج. قال: يستغفر اللّٰه و لا شي ء عليه و تمّت عمرته. «1»

و يجري في قوله عليه السّلام: «و لا شي ء عليه» ثلاث احتمالات:

الأول: أن يكون المراد بالشي ء المنفي خصوص العقاب و المؤاخذة الأخرويّة.

و يؤيّده العطف على قوله: «يستغفر اللّٰه» و هذا لا ينافي ثبوت الكفارة.

الثاني: أن يكون المراد به مطلق المؤاخذة الأخروية و الدنيوية بمعنى الكفارة، فيدل على نفي الكفارة عليه.

الثالث: أن يكون المراد به خصوص دم الشاة الذي هو المتداول و الشائع في الكفارة في باب الحج في كثير من الموارد.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب التقصير، الباب السادس، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 75

..........

______________________________

ثانيتهما: موثقة إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام الرجل يتمتّع فينسى أن يقصّر حتى يهلّ بالحج، فقال: عليه دم يهريقه. «1» و الرواية ظاهرة في لزوم كفارة

الدّم الذي يراد به دم الشاة، لما ذكرنا عليه، كما أنّها ظاهرة في عدم بطلان متعته بسبب نسيان التقصير إلى أن أهلّ بالحج، و حينئذ إن قلنا بأن المراد من الرواية الأولى هو الاحتمال الثالث، فمقتضى الجمع بينهما حمل هذه على الاستحباب. لظهور الأولى بل صراحتها في عدم الوجوب.

و إن قلنا بأن المراد منها هو الاحتمال الأوّل، فلا منافاة بينهما بوجه لدلالة الأولى على نفي العقاب و الثانية على ثبوت الكفارة. و إن قلنا بأن المراد منها هو الاحتمال الثاني، يكون مقتضى قاعدة الإطلاق و التقييد رفع اليد عن إطلاق الأولى بسبب الثانية.

و مما ذكرنا ظهر أن الأحوط لو لم يكن أقوى هو لزوم الفدية بشاة، لأنه لم يثبت في مقابل النص الدال عليه ما يوجب الصرف عن الظاهر و الحمل على خلافه. كما أن الظاهر بمقتضى كلمة «بل» في المتن، الظاهرة في الترقي، انّ الاحتياط المذكور في المتن وجوبي لا استحبابي، فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب التقصير، الباب السادس، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 76

[مسألة 4] في ما لو ترك التقصير سهوا

مسألة 4- يحلّ بعد التقصير كل ما حرّم عليه بالإحرام حتى النّساء. (1)

______________________________

(1) المشهور شهرة عظيمة، بل لم يحك الخلاف إلّا من بعض علماء الحديث انه يحلّ بعد التقصير كل ما حرم عليه بالإحرام حتى النساء، مع توقف حليتهن في غير عمرة التمتع من العمرة المفردة و جميع أنواع الحج على طواف النّساء و حتى حلق جميع الرأس، فإنه يجوز عندهم الحلق في الفصل بين عمرة التمتع و حجّه.

و المحكيّ عن بعض المحدثين، أنه قال: يحلّ له بالتقصير كل ما حرم عليه بالإحرام إلّا الحلق. و هو ظاهر الأصحاب.

و قد استشكل في حلّيته المحقق

النائيني قدّس سرّه في متنه في الحج، حيث قال: يحلّ له بفعله كلّ ما حرّم عليه بعقد إحرامه على إشكال في حلق جميع الرأس، و ما استظهره المحدث المزبور من الأصحاب محلّ نظر. فإن الظاهر أنهم قائلون بالحلية- كما عرفت- و لعلّ المستظهر قد خلط بين الحلق الواقع بعد التقصير و تمامية العمرة و بين الحلق مكان التقصير فيها الذي عرفت البحث فيه. و أنّه لا يجزي عن التقصير عند الأصحاب.

و كيف كان منشأ توهّم الحرمة و عدم حلية حلق الرأس بتمامه بعد تمامية العمرة بالتقصير، روايتان:

إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث السعي، قال:

ثم قصّر (قصّ خ ل) من رأسك من جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك و قلّم أظفارك و أبق منها لحجّك، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء يحلّ منه المحرم و أحرمت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 77

..........

______________________________

منه. «1»

نظرا إلى ظهورها في وجوب الإبقاء منها للحج كظهورها في أصل وجوب التقصير، و وجوب الإبقاء. و إن كان بلحاظ حال التقصير قبل تمامية العمرة، إلّا أنه يستفاد منه الوجوب بعد التمامية أيضا. لأنه لا يتحقق الإبقاء للحج بدونه، كما أنّ الظاهر رجوع ضمير التأنيث الذي يراد منه الحج إلى خصوص شعر الرأس بلحاظ الجوانب المذكورة في الرواية، و ذلك بقرينة الإبقاء للحج الذي يراد به الإبقاء للحلق في الحج يوم النّحر.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 5، ص: 77

فإن الحلق فيه

إمّا متعين و لو في بعض الموارد- كالصرورة على احتمال- و إمّا أن يكون أحد طرفي التخيير. و في هذا الفرض أيضا يكون الحلق أفضل. فالإبقاء للحج قرينة على أن المراد الإبقاء للحج لأجل الحلق المذكور.

لكن يرد على الاستدلال بالرواية أنه لو سلّم جميع ما ذكر، يكون ظاهرها وجوب الإبقاء لا حرمة الحلق التي هي محل البحث. و قد حقق في محلّه أن وجوب شي ء لا يكون ملازما لحرمة تركه. و كذا العكس. و إلّا يلزم اجتماع حكمين في جميع موارد الوجوب أو الحرمة. و من الواضح خلافه.

ثانيتهما: صحيحة جميل بن درّاج، إنه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن متمتع حلق رأسه بمكة، قال: إن كان جاهلا فليس عليه شي ء، و إن تعمّد ذلك في أوّل شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شي ء، و إن تعمّد بعد الثلاثين يوما التي يوفّر فيها الشعر

______________________________

(1) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الأوّل، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 78

..........

______________________________

للحج، فإن عليه دما يهريقه. «1»

و قوله في السؤال «حلق لرأسه بمكة» ظاهر في أن المراد هو الحلق بعد تمامية العمرة و الخروج عن إحرامها بالتقصير، لأنه مع عدم تماميتها لا يكون فرق بين مكّة و غيرها، لأن حلق الرأس من محرمات الإحرام يتحقق بمجرد تحققه.

كما أن ظاهر السؤال المفروغية عن الحرمة و محط السؤال هو تحقق الحرام، و أنه ما ذا يترتب عليه؟ و الجواب ظاهر في التقرير من هذه الجهة، غاية الأمر التفصيل بين الفروض من جهة ثبوت الكفارة و عدمها.

و بالجملة الرواية دلالتها ظاهرة، و لكنه حيث يكون معرضا عنها لدى الأصحاب قاطبة مع كونها بمرئي منهم، فاللازم الإعراض عنها

و عدم الفتوى على طبقها و الحكم بجواز حلق الرأس بتمامه في الفصل بين العمرة و الحج، و إن كان الزمان قليلا جدّا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الرابع، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 79

[مسألة 5] في أنه ليس في عمرة التمتع طواف النساء

مسألة 5- ليس في عمرة التمتع طواف النّساء، و لو أتى به رجاء و احتياطا لا مانع منه. (1)

______________________________

(1) قد مرّ البحث في هذه المسألة في البحث عن أعمال عمرة التمتع و الفرق بينها و بين العمرة المفردة. و تقدم أنه ليس في عمرة التمتع طواف النساء. نعم يجوز الإتيان به رجاء و احتياطا، كما أنه قد تقدم الفرق بينهما في محلّ طواف النساء على تقدير إرادة الإتيان به في عمرة التمتع. فإنّ محلّه في العمرة المفردة بعد التقصير و في عمرة التمتع قبله. فراجع ما هناك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 81

[القول في الوقوف بعرفات]

اشارة

القول في الوقوف بعرفات

[مسألة 1- يجب بعد العمرة، الإحرام بالحجّ]

مسألة 1- يجب بعد العمرة، الإحرام بالحجّ، و الوقوف بعرفات بقصد القربة كسائر العبادات، و الأحوط كونه من زوال يوم عرفة إلى الغروب الشرعي، و لا يبعد جواز التأخير بعد الزوال بمقدار صلاة الظهرين إذا جمع بينهما، و الأحوط عدم التأخير، و لا يجوز التأخير إلى العصر. (1)

______________________________

(1) لما فرغ من بيان مناسك عمرة التمتع و أحكامه، شرع في بيان مناسك حج التمتع المترتب على عمرته.

و أوّل أعماله الإحرام به- و قد مرّ البحث في مكانه و زمانه في البحث عن كيفيّة حج التمتع إجمالا، فراجع.

و ثاني أعماله الوقوف بعرفات مقرونا بالنية المشتملة على تعلق القصد بالوقوف بعنوان حجّ التمتع مع رعاية قصد القربة المعتبرة في العبادات. و لا شبهة في وجوب الوقوف و الجزئية للحج، بل هو من الواضحات بل الضروريات. و لذا لم يقع السؤال عن وجوبه في شي ء من الروايات و مخالفة العامّة إنما هي في وجوب النية في الوقوف لا في أصل وجوبه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 82

..........

______________________________

و بعد ذلك يقع الكلام في مبدأ الوقوف من حيث الزمان و في منتهاه:

أمّا المبدأ، فالمشهور أنّه الزوال. أي زوال الشمس يوم عرفة. و نسب إلى جماعة من القدماء و جملة من المتأخرين جواز التأخير عن الزوال بمقدار الاشتغال بالغسل و صلاة الظهرين إذا جمع بينهما.

و العجب أنه ليس في شي ء من الأخبار الواردة في هذا المجال ما يظهر منه اعتبار الشروع من الزوال، بحيث كان دخول وقت الظهرين مقارنا لاعتبار الوقوف و دخول وقته. بل ظاهر جملة منها يعطي ما يغاير المشهور، مثل:

صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام المفصلة

الطويلة المشتملة على بيان كيفية حج النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في حجة الوداع، المتضمنة لقوله عليه السّلام: حتى انتهوا- إلى النبي و من كان معه- إلى نمرة و هي بطن عرفة بحيال الأراك، فضربت قبته و ضرب الناس أخبيتهم عندها، فلمّا زالت الشمس خرج رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم و معه قريش و قد اغتسل و قطع التلبية حتى وقف بالمسجد، فوعظ الناس و أمرهم و نهاهم، ثم صلّى الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، ثم مضى إلى الموقف فوقف به .. «1»

و دلالتها على عدم وجوب الكون في الموقف من الزوال واضحة ظاهرة، و احتمال كون نمرة موضعا آخر في عرفة- كما في الجواهر- خلاف الظاهر جدّا، خصوصا مع قوله عليه السّلام: «ثم مضى إلى الموقف فوقف به» كما هو ظاهر.

و صحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إنما تعجل الصلاة

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثاني، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 83

..........

______________________________

و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدّعاء، فإنه يوم دعاء و مسألة، ثم تأتي الموقف .. «1»

و رواية أبي بصير عن أحدهما عليهما السّلام قال: لا ينبغي الوقوف تحت الأراك، فأمّا النزول تحته حتى تزول الشمس و ينهض إلى الموقف، فلا بأس. «2»

و صحيحة ثالثة لمعاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام (في حديث) قال: فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة، و نمرة هي بطن عرفة دون الموقف و دون عرفة، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل و صلّ الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، فإنما تعجل

العصر و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء و مسألة. و حدّ عرفة من بطن عرنة و ثوية و نمرة إلى ذي المجاز و خلف الجبل موقف. «3»

أقول: المهمّ في المقام أن ملاحظة الكلمات و العبارات و خصوصا الكتب المؤلّفة بيان المسائل الخلافية التي وقع فيها الاختلاف بين فقهاء الشيعة- ككتاب مختلف الشيعة للعلامة الحلّي الموضوع لهذه الجهة- ترشد إلى أنّ هذه المسألة بهذه الكيفية الراجعة إلى الاختلاف في المبدأ من حيث كونه هو الزوال أو بعده بمقدار ساعة- مثلا- تكون ظرفا للغسل و الجمع بين الصلاتين بأذان واحد و إقامتين و الذهاب إلى الموقف للوقوف، لم تكن محلّ خلاف بين الفقهاء أصلا، بحيث كانت الشهرة على الأوّل و جماعة على الثاني، خصوصا مع الاتفاق على عدم مشروعية الوقوف قبل الزوال و مشروعيّته بعده.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة، الباب الرابع عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة، الباب الرابع عشر، ح 7.

(3) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة، أورد صدرها في الباب التاسع، ح 1، و ذيلها في الباب العاشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 84

..........

______________________________

فيقوى في النظر أنّ التعرض لعنوان الزوال في المبدأ مع أنك عرفت أنه لم ينص عليه في شي ء من الروايات الواردة في هذا المجال لا يكون مشابها لاعتباره في دخول وقت صلاتي الظهر و العصر. فإنّ اعتباره بالإضافة إليه إنّما يكون مرجعه إلى أن الزوال بمعناه الحقيقي شرط لدخول وقت الصلاتين، فلا يتقدم الدخول عليه و لو بلحظة و لا يتأخّر عنه كذلك، بل إنّما يكون في مقابل أحد أمرين:

الأوّل: ما حكي عن أحمد:

من أنّ أوّله طلوع الفجر من يوم العرفة فيكون المقصود من اعتبار الزوال نفي هذا القول، و أنه لا يجب قبل الزوال.

الثاني: ما حكي عن جماعة من أعاظم الفقهاء: من أنّ الواجب في الوقوف لا يغاير ما هو الركن منه. فكما أن الركن لحظة من الوقوف فيما بين الزوال و الغروب، فكذلك الواجب ليس إلّا هذا المقدار. و لا اختلاف بين الركن و الواجب في الوقوف بعرفة. و عليه فيكون المقصود من اعتبار الزوال نفي هذا القول، و أن دائرة الواجب أوسع من دائرة الركن، و الاختلاف بينهما من جهة السّعة و الضيق محقق لاعتباره من أوّله حقيقة كما في وقت صلاتي الظّهر و العصر.

و لا بدّ من ملاحظة جملة من الكلمات، مثل:

ما حكي عن الصدوق في الفقيه من قوله: «فإذا أتيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة قريبا من المسجد، فإنّ ثمّ ضرب رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم خباه و قبّته، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية و اغتسل و صلّ بها الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، و إنما يتعجل في الصلاة و يجمع بينهما ثم يقف بالموقف ليفرغ للدّعاء، فإنه يوم دعاء و مسألة، ثم ائت الموقف و عليك السكينة و الوقار، وقف بسفح الجبل في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 85

..........

______________________________

ميسرته» و احتمال كون ضمير التأنيث في قوله: «صلّ بها» راجعا إلى عرفة لا إلى نمرة- كما في الجواهر- خلاف الظاهر جدّا، خصوصا مع قوله في الذيل: «ثم يقف بالموقف»- كما لا يخفى.

و ما حكي عن مقنعة المفيد من قوله: «ثم ليلب و هو غاد إلى عرفات فإذا أتاها ضرب

خباه بنمرة قريبا من المسجد، فإن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم ضرب قبته هناك- إلى أن قال:- فإذا زالت الشمس يوم عرفة فليغتسل و يقطع التلبية و يكثر من التهليل و التمجيد و التكبير، ثم يصلي الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين- إلى أن قال:- ثم يأتي الموقف و يكون وقوفه في ميسرة الجبل. فإن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم وقف هناك و يستقبل القبلة».

و قول سلّار فيما حكي عنه: «فإذا جاءها نزل نمرة قريبا من المسجد إن أمكنه، و نمرة بطن عرفة، فإذا زالت الشمس فليغتسل و ليقطع التلبية و ليكثر من التهليل و التمجيد و التكبير، و ليصلّ الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين ثم ليأت الموقف، و ليختر الوقوف في ميسرة الجبل» و دلالته على الإتيان بالموقف بعد الصلاتين و اختيار الميسرة بعد الإتيان بالموقف ظاهرة.

و قول ابن إدريس في السرائر كذلك: «فإذا زالت اغتسل و صلّى الظهر و العصر جميعا يجمع بينهما بأذان و إقامتين لأجل البقعة، ثم يقف بالموقف- إلى أن قال:- و لا يجوز الوقوف تحت الأراك، و لا في نمرة، و لا في ثوية، و لا في عرفة، و لا في ذي المجاز فإن هذه المواضع ليست من عرفات، فمن وقف فيها بالحج فلا حجّ له، و لا بأس بالنزول بها غير أنه إذا أراد الوقوف بعد الزوال جاء إلى الموقف فوقف، و الوقوف بميسرة الجبل أفضل من غيره، و ليس ذلك بواجب ..».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 86

..........

______________________________

و قول كاشف اللثام: «و هل يجب الاستيعاب حتى إن أخلّ به في جزء

منه أثم، و إن تمّ؟ ظاهر الفخرية ذلك، و صرّح الشهيد بوجوب مقارنة النية لما بعد الزوال، و أنه يأثم بالتأخير، و لم أعرف له مستندا، ثم قال: و ظاهر الأكثر وفاقا للأخبار الوقوف بعد صلاة الظهرين ..

و الأوضح من الجميع ما في الرياض، حيث قال: «و هل يجب الاستيعاب حتى إن أخلّ به في جزء منه أثم و إن تمّ حجّه؟- كما هو ظاهر الشهيدين في الدروس و اللمعة و شرحها بل صريح ثانيهما- أم يكفي المسمّى و لو قليلا؟- كما عن السرائر و عن التذكرة ان الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة و لو مجتازا مع النيّة- ربما يفهم هذا أيضا من المنتهى إشكال، و ينبغي القطع بفساد القول الأوّل لمخالفته لما يحكي عن ظاهر الأكثر و المعتبرة المستفيضة بأن الوقوف بعد الغسل و صلاة الظهرين. ثم حكى النصوص المتقدمة، ثم قال: و الأحوط العمل بمقتضاها، و إن كان القول بكفاية مسمى الوقوف لا يخلو عن قرب ..».

و يستفاد من هذه العبارة أن القول بوجوب الاستيعاب ظاهر أوّل الشهيدين و صريح ثانيهما فقط، و لم يذهب إليه غيرهما. و ظاهر الأكثر خلافه. و عليه فنسبة الاستيعاب إلى المشهور في غير محلّها، و أنه مما ينبغي القطع بفساده لمخالفته مع ظاهر الأكثر و المعتبرة المستفيضة، كما أنه يظهر منها ان المقابل للاستيعاب هو القول بكفاية المسمّى و لو قليلا- كما عن السرائر و التذكرة- و اختاره هو أيضا.

و من العجيب بعد ذلك ما في الجواهر، من قوله: لعلّ الأظهر و الأحوط وجوب الاستيعاب و قد تأول مثل الكلمات المتقدمة الظاهرة في تحقق الوقوف بعد الزوال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحج، ج 5، ص: 87

..........

______________________________

و الاشتغال بالغسل و الجمع بين الصلاتين في غيرها. و قد تقدم نقل بعض التأويلات مع أنه يسأل عنه إنه ما الموجب للتأويل و ما الداعي إلى التوجيه بما يخالف الظاهر؟

فإنه لو كان في البين ما يدل على اعتبار كون المبدأ هو الزوال كدخول وقت الصلاتين بالإضافة إليه لكان وجه للتوجيه، و إن كان بخلاف الظاهر. إلّا أنه مع عدم وجود دليل دال عليه لا من الروايات لعدم تعرض شي ء منها لعنوان الزوال مبدأ للوقوف، و لا من العبارات و الكلمات لظهور الأكثر في الخلاف. و قد عرفت تصريح صاحب الرياض بأنه ينبغي القطع بفساده و تصريح كشف اللثام بأنه لم يعرف له مستندا لأيّ مستند يسوغ التوجيه و للوصول إلى أيّ غرض يجوز التأويل؟

و لا يوجد في كلام صاحب الجواهر بطوله و تفصيله ما يمكن أن يكون شاهدا لهذا التوجيه، إلّا بعض الأمور التي لا ينبغي الاتكال عليها بوجه. مثل أن المستحب في باب الجمع بين صلاتي الظهر و العصر، هو الجمع بعرفة.

و حكي عن التذكرة أنه يجوز الجمع لكلّ من بعرفة من مكي و غيره، و قد أجمع علماء الإسلام على أن الإمام يجمع بين الظهر و العصر بعرفة. قال: و حينئذ فيكون المراد من مضيه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم إلى الموقف الرواح إلى المكان المخصوص المستحبّ فيه الوقوف، أو التشاغل بما يقتضيه من الدعاء و التمجيد و التهليل و التكبير و الدعاء لنفسه و لغيره، ممّا جاءت به النصوص في ذلك الموقف.

و مثل أنه نسب في المدارك إلى الأصحاب، الوجوب من أوّل الزّوال مع أنه ليس لهم إلّا هذه العبارات. إلّا من صرح منهم بذلك

كالشهيدين و الكركي و المقداد.

و مثل أنه هو من البديهيات و أن عدم ذكر الابتداء في كلامهم إنما هو للاتكال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 88

..........

______________________________

على معلوميته، و من الواضح بطلان هذه الأمور. فإنه هل يجوز أن ينسب إلى الأصحاب خلاف ما هو معدود من البديهيات؟ و تعبير صاحب المدارك بأوّل الزوال في مقابل كفاية المسمّى في الإتيان بالواجب لا في مقابل التأخير عنه بالمقدار اليسير المذكور. كما أن الحكم باستحباب الجمع في عرفة يكون المراد به هو الاستحباب في عرفة و ما يقاربها مثل النمرة في مقابل منى و الأمكنة البعيدة عن عرفات. و الشاهد عمل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في حجة الوداع على ما عرفت.

و قد تحصل مما ذكرنا أنه لا مجال لدعوى اعتبار الزوال بمعناه الحقيقي الراجع إلى عدم جواز التأخير عنه. و نسبة صاحب المدارك ذلك إلى الأصحاب- إن لم يكن مراده ما ذكرناه- يرد عليها وضوح أنه لم يكن عنده كلمات أخرى للأصحاب، غير ما نقلنا عنهم و مثله و كيف تصح هذه النسبة مع قول صاحب الرياض أنه ينبغي القطع بفساد هذا القول و لم ينقل إلّا عن واحد أو اثنين- كما عرفت.

و مع ذلك يكون مقتضى الاحتياط الاستحبابي- كما في المتن- رعاية أوّل الزوال خصوصا مع وضوح مشروعية الوقوف من حين الزّوال و عدم مشروعيته قبله- كما في صلاتي الظهر و العصر- و إن كان الأفضل تأسّيا بالنبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في حجة الوداع و امتثالا للأمر المحمول على الاستحباب جزما في بعض الروايات هو التأخير بالكيفية التي فعلها صلّى اللّٰه عليه و آله

و سلّم.

و هل يجوز التأخير من دون الكيفية المزبورة الراجعة إلى النزول في نمرة حتى تزول الشمس ثم الغسل و الجمع بين الصلاتين بأذان واحد و إقامتين، كما إذا تأخرت حركته من مكة إلى زمان يعلم بالورود في عرفات بعد ساعة من الزوال، أم كان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 89

..........

______________________________

جواز التأخير مختصّا بما إذا كان مراعيا للكيفية المزبورة، فلا يجوز التأخير بغير تلك الكيفية؟

الظاهر هو الأوّل- كما في المتن- حيث نفى البعد عن جواز التأخير بمقدار الصلاتين، و ظاهره التأخير بهذا المقدار و إن لم يصلّهما و إن كان مقتضى الاحتياط هو الثاني. نعم ينبغي إضافة مقدار الغسل قبل الصلاتين للتصريح به في جملة من الرّوايات.

هذا و أما التأخير إلى وقت العصر فلا يجوز لعدم دلالة شي ء من الرّوايات على جوازه، بل ظهور جملة منها في لزوم إتيان الموقف بعد الأعمال المذكورة بلا فصل.

نعم بناء على كون الواجب من الوقوف مطابقا للركن و هو المسمّى يجوز التأخير إليه، فاللازم إحالة هذا البحث إلى المسألة الثالثة الآتية الموضوعة لهذا البحث، فانتظر.

هذا تمام الكلام بالإضافة إلى المبدأ.

و أمّا المنتهى فلا خلاف في أنه هو الغروب الشرعي. و يدل عليه نصوص مستفيضة مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام إن المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس، فخالفهم رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم و أفاض بعد غروب الشمس. «1»

و رواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام متى تفيض من عرفات؟

______________________________

(1) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة، الباب الثاني و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحج، ج 5، ص: 90

في المراد بالوقوف

مسألة 2- المراد بالوقوف مطلق الكون في ذلك المكان الشريف، من غير فرق بين الركوب و غيره و المشي و عدمه. نعم لو كان في تمام الوقت نائما أو مغمى عليه، بطل وقوفه. (1)

______________________________

فقال: إذا ذهبت الحمرة من هاهنا، و أشار بيده إلى الشرق و إلى مطلع الشمس. «1» في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: إن كان جاهلا فلا شي ء عليه، و إن كان متعمّدا فعليه بدنة. «2»

و رواية ضريس الكناسي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس. قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله. «3»

هذا و قد تقدّم التحقيق في ماهية الغروب الشرعي و حقيقته في باب أوقات الصلاة، فراجع.

(1) وقع التعرض في هذه المسألة لأمرين:

أحدهما: أن المراد بالوقوف الواجب في عرفات- أعم من الرّكن و غيره- هو مطلق الكون في ذلك المكان الشريف. سواء كان راكبا أم غيره، و سواء كان ماشيا أم

______________________________

(1) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة، الباب الثالث و العشرون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الباب الثالث و العشرون، ح 1.

(3) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة، الباب الثالث و العشرون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 91

..........

______________________________

لم يكن.

و الدليل عليه استمرار السيرة القطعية العملية من المسلمين جميعا على عدم الاستمرار على الحالة التي كانت عليها عند الشروع في الوقوف و الذهاب إلى قضاء حوائجهم المختلفة و صرف الوقت في الصلاة المركبة من حالات مختلفة و غيرها

من الحالات، فيدل ذلك على أن المراد بالوقوف ما ذكرناه في المتن.

و ثانيهما: أنه لو كان في تمام الوقت نائما أو مغمى عليه، يكون وقوفه باطلا.

و السرّ فيه أنّ الوقوف الواجب لا بد و أن يكون مستندا إلى الفاعل و صادرا عن إرادة و اختيار، و هو لا يتحقق مع كونه نائما في جميع الوقت و من الزوال إلى الغروب أو مغمى عليه كذلك و إن كان قبله عازما على الوقوف و ناويا لإتيانه مع جميع الشرائط المعتبرة في عباديته، مثل قصد القربة في ظرفه الزماني، إلّا أنه مع استيعاب النوم أو الإغماء لجميع الوقت لم يصدر منه الوقوف عن إرادة و اختيار.

نعم لو كان في بعض الوقت غير نائم و لا مغمى عليه فنوى الوقوف العبادي يكفي لتحقق ما هو الركن الذي هو مسمى الوقوف، فيكون حجه صحيحا، و الإخلال بالواجب غير الركن لا يقدح بعد فرض تحقق النوم أو الإغماء- كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 92

[مسألة 3] في أن الركن مسمّى الوقوف

مسألة 3- الوقوف المذكور واجب، لكن الركن منه مسمّى الوقوف و لو دقيقة أو دقيقتين، فلو ترك الوقوف حتى مسمّاه عمدا، بطل حجّه.

و لكن لو وقف بقدر المسمّى و ترك الباقي عمدا، صحّ حجّه و إن أثم. (1)

______________________________

(1) قد مرّ في المسألة الأولى أنّ مبدأ الوقوف الواجب ليس هو الزوال بمعناه الحقيقي، بل يجوز التأخير بمقدار ساعة تقريبا. و ظاهر الروايات المتقدمة هناك لزوم الشروع بالوقوف بعد المقدار المذكور. لكنه ذهب جملة من الفقهاء إلى عدم اختلاف الواجب و الركن في باب الوقوف، و أنه في كليهما هو المسمّى و اسم الحضور.

و قد استدلّ صاحب الرياض في ذيل كلامه

المتقدم بالأصل النافي للزائد بعد الاتفاق على كفاية المسمّى في حصول الركن منه و عدم اشتراط شي ء زائد منه فيه، مع سلامته عن المعارض سوى الأخبار المزبورة و دلالتها على الوجوب غير واضحة.

و أمّا ما تضمن منها الأمر بإتيان الموقف بعد الصلاتين فلا تفيد الفورية. و مع ذلك منساق في سياق الأوامر المستحبة. و أمّا ما تضمن منها فعله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم فكذلك بناء على عدم وجوب التأسي، و على تقدير وجوبه في العبادة فإنما غايته الوجوب الشرطي لا الشرعي و كلامنا فيه لا في سابقه للاتفاق- كما عرفت على عدمه.

و لكن الظاهر، أن المتفاهم العرفي من النصوص و الروايات المزبورة وجوب الإتيان إلى الموقف بعد الفراغ عن الصلاتين مع الجمع بينهما. و دعوى عدم كونه مفيدا للفورية أو عدم ظهوره في الوجوب مندفعة بفهم العرف في خصوص المقام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 93

..........

______________________________

و يؤيّده فهم المشهور منها ذلك. بل قد عرفت أن صاحب المدارك اعتبر الوقوف من أوّل الزوال ناسبا له إلى الأصحاب- و إن تقدم توجيه كلامه و تفسير مرامه- مع أنه لا خلاف ظاهرا في حرمة الإفاضة قبل الغروب و ثبوت الكفارة عليها مع التعمّد.

و هذا الحكم لا يجتمع مع كون الواجب هو المسمّى كالركن، لأن الإفاضة مسبوقة بتحقق الواجب حينئذ، فلا وجه للحرمة و احتمال كونها حكما آخر غير وجوب الوقوف، بحيث كان هناك حكمان مستقلان غير مرتبطين لا مجال له أصلا- كما هو أوضح من أن يخفى حكمه.

نعم يقع الكلام بعد ذلك في أمرين:

الأوّل: أنه لا مجال لاحتمال كون جميع أجزاء الوقوف الواجب ركنا بحيث كان الإخلال بشي ء منه عمدا

موجبا لبطلان الحج، بناء على ما مرّ مرارا من تفسير الركن في باب الحج و مغايرته مع الركن في باب الصلاة، و الدليل على بطلان هذا الاحتمال الروايات التي تقدم بعضها في ذيل المسألة الأولى الدالة على أنّ الإفاضة من عرفات قبل الغروب عمدا يترتب عليه الكفارة. و معناها عدم كونها موجبة لبطلان الحج، مع أنه لو كان الوقوف الركني شاملا لجميع أجزاء الوقت المذكور لكانت الإفاضة العمدية موجبة لبطلان الحج و عدم تماميته.

فهذه الروايات شاهدة على عدم كون الركن شاملا لجميع أجزاء الوقت- كما هو ظاهر.

الثاني: أنه لا مجال لاحتمال أنه لا يتصف الوقوف بعرفة بالركنية أصلا، بحيث كان واجبا غير ركني. و يدل على الاتصاف بالركنية في الجملة مضافا إلى ما رواه العامّة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 94

..........

______________________________

عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم و يوجد مثله في بعض روايات الخاصة، أنه قال: «الحجّ عرفة» فإنّه لا مصحح لهذا التعبير بدون الاتصاف بالركنية. كذلك ما ورد بطريق صحيح عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أنه قال: «أصحاب الأراك لا حج لهم» مثل ما رواه الحلبي في الصحيح عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في الموقف: «ارتفعوا عن بطن عرنة»، و قال: «أصحاب الأراك لا حجّ لهم». «1»

و في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا وقفت بعرفات فادن من الهضاب (الهضبات) و الهضاب هي الجبال. فإن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم قال: «إن أصحاب الأراك لا حج لهم» يعني الذين يقفون عند الأراك.

«2»

فإن الأراك من حدود عرفة، و حدود عرفة كلها خارجة عنها. فالحكم بنفي الحج لأصحاب الأراك الظاهر في بطلان حجهم لا يجتمع إلّا مع كون الوقوف ركنا في الجملة مؤثرا في البطلان مع الإخلال به- كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف، الباب التاسع عشر، ح 10.

(2) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف، الباب التاسع عشر، ح 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 95

[مسألة 4] في الإفاضة من عرفات قبل الغروب

مسألة 4- لو نفر عمدا من عرفات قبل الغروب الشرعي و خرج من حدودها و لم يرجع، فعليه الكفارة ببدنة يذبحها للّٰه في أيّ مكان شاء.

و الأحوط الأولى أن يكون في مكّة، و لو لم يتمكن من البدنة صام ثمانية عشر يوما. و الأحوط الأولى أن يكون على ولاء. و لو نفر سهوا و تذكّر بعده يجب الرجوع، و لو لم يرجع أثم و لا كفارة عليه و إن كان أحوط، و الجاهل بالحكم كالنّاسي، و لو لم يتذكّر حتى خرج الوقت، فلا شي ء عليه. (1)

______________________________

(1) لا شبهة في أن الإفاضة من عرفات قبل الغروب الشرعي لا توجب بطلان الحج و فساده، و إن كان متعمّدا في ذلك و لم يرجع إليها. و أمّا بالإضافة إلى الكفارة فتارة تكون الإفاضة عمدا و أخرى جهلا و ثالثة سهوا.

ففي الصورة الأولى، قد نفى صاحب الجواهر قدّس سرّه وجدان الخلاف في ثبوت الكفارة فيها، بل عن المنتهى إنه قول عامة أهل العلم إلّا من مالك، فقال: لا حجّ له، و قال:

و لا نعرف أحدا من أهل الأمصار قال بقوله.

و يدل على ثبوت الكفارة روايات متعدّدة، مثل:

صحيحة مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في

رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: إن كان جاهلا فلا شي ء عليه، و إن كان متعمّدا فعليه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 96

..........

______________________________

بدنة. «1»

و صحيحة ضريس الكناسي عن أبي جعفر عليه السّلام قال سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس، قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكّة أو في الطريق أو في أهله. «2» و بعض الروايات الآخر.

و الصحيحة الأولى الظاهرة في اختصاص الكفارة بالمتعمد مقيدة للصحيحة الثانية الظاهرة في إطلاق ثبوت الكفارة- كما هو ظاهر.

و المحكي عن الصدوقين إن الكفارة شاة، و لم يعرف لهما مستند. نعم في محكي الجامع نسبه إلى الرواية، و عن خلاف الشيخ قدّس سرّه إنّ عليه دما، للإجماع و الاحتياط و قول النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في خبر ابن عبّاس: من ترك نسكا فعليه دم.

و تمسكه بالاحتياط يشعر بأنّه في مقابل من لم يوجب عليه شيئا من العامة، فلا يكون مراده من الدم خصوص الشاة،- كما هو المنصرف إليه من إطلاق الدم في باب كفارات الحجّ.

و كيف كان فلا يجوز رفع اليد عن مقتضى الروايات الصحيحة الظاهرة في ثبوت خصوص البدنة.

و في الصورة الثانية- و هي صورة الجهل- يكون مقتضى النص و الفتوى عدم ثبوت الكفارة.

و في الصورة الثالثة- و هي صورة النسيان- فالمشهور أن حكمها حكم الصورة

______________________________

(1) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف، الباب الثالث و العشرين، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف، الباب الثالث و العشرين، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 97

..........

______________________________

الثانية و أنّه لا

شي ء على الناسي كالجاهل. و عن الحدائق الاستشكال في الإلحاق، نظرا إلى أن حكم الناسي غير مذكور في الرواية، و الإلحاق لا دليل عليه و لا مانع من اختصاص الحكم بالجاهل. لأنه أعذر. و الناسي بسبب علمه سابقا و غفلته لاحقا لا يساوي الجاهل الذي لم يتلبس بالعلم أصلا. و لذا ورد النص على وجوب قضاء الصلاة على ناسي النجاسة دون الجاهل بها.

و يرد عليه:

أوّلا: ان المراد من المتعمد الذي معناه هو صدور الفعل عنه عن عمد و قصد و إرادة و اختيار، هل هو الذي أفاض قبل الغروب مع قصد الإفاضة و إرادتها في مقابل من أفاض جبرا بلا إرادة و اختيار؟ أو أن المراد منه هو الذي يكون قاصدا للمخالفة و مريدا لها. فعلى الأوّل لا يصح التقابل بينه و بين الجاهل لأنه أيضا يفيض عن قصد و عمد. غاية الأمر إنه لا يكون عالما بالحرمة، فالمقابلة شاهدة على بطلان هذا الاحتمال.

و على الثاني يكون الناسي داخلا في الجاهل، لعدم كونه قاصدا للمخالفة بعد فرض النسيان و الغفلة عن حرمة الإفاضة كلّا. بل الناسي لأجل الغفلة يكون أولى من الجاهل في هذه الجهة- كما هو ظاهر.

و ثانيا: انه لو سلم عدم التعرض في الصحيحة لحكم الناسي، يكون مقتضى حديث رفع الخطأ و النسيان عدم وجوب الكفارة على الناسي.

و مما ذكرنا ظهر أن الأصل في عدم ثبوت الكفارة بمقتضى الرواية هو الجاهل و الناسي ملحق به، بخلاف ما هو المذكور في المتن. ثم إن ظاهر الصحيحة لزوم كون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 98

..........

______________________________

نحرها يوم النحر الذي هو يوم العيد الأضحى الذي يكون الحاجّ فيه بمنى لأجل أعماله

و مناسكه. و مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع التي يفهمها العرف، أن مكانه أيضا هو منى، خصوصا مع التعبير عن العيد بيوم النحر. و عليه فلو لم يكن الذبح يوم العيد و في منى أقوى من حيث الفتوى، فلا شبهة في أنه مطابق للاحتياط الوجوبي، فتدبّر.

ثم الظاهر بملاحظة صحيحة ضريس- مع قطع النظر عن بعض الروايات الواردة في مطلق الصوم المتعدد من جهة اعتبار التتابع و التوالي و عدمه المبحوث عنها في كتاب الصوم- عدم اعتبار التوالي في صيام ثمانية عشر يوما، و أن اللازم رعاية نفس العدد المزبور من دون فرق بين الاتّصال و الانفصال. و دعوى الانصراف إلى التتابع ممنوعة جدا. كما في مثله من الأمور العادية، فإنه لو أمر الطبيب مريضه بالمشي كل يوم ساعتين لا يستفاد منه إلّا لزوم المشي فيهما من دون أن يكون منصرفا إلى اعتبار التوالي بينهما. نعم رعاية الاحتياط الاستحبابي لا.

بقي الكلام في النّاسي من جهة أنه لو لم يتذكر بعد الإفاضة حتى خرج الوقت و دخل الغروب فلا شي ء عليه أصلا. و أمّا لو تذكر قبل الخروج بنحو لو رجع إلى عرفات يدرك مقدارا من الوقت قبل الغروب فلا إشكال بمقتضى ما ذكرنا من وجوب الاستيعاب، و أن دائرة الواجب في الوقوف أوسع من دائرة الركن الذي هو المسمّى في وجوب الرجوع إلى عرفات لدرك ذلك المقدار من الوقت. فإن امتثل و أتى بالواجب فلا إشكال. و إن خالف و لم يرجع فلا شبهة في تحقق الإثم و استحقاق العقوبة على مخالفة التكليف الوجوبي.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 99

[مسألة 5- لو نفر قبل الغروب عمدا و ندم و رجع]

مسألة 5- لو نفر قبل الغروب عمدا و ندم و رجع

و وقف إلى الغروب، أو رجع لحاجة لكن بعد الرجوع وقف بقصد القربة، فلا كفارة عليه. (1)

______________________________

و هل يجب عليه الكفارة لأجلها أم لا؟ حكي عن المسالك أنه يكون كالعامد في لزوم الدّم.

و لكنّه ممنوع، لأن الكفارة لا تكون مترتبة على مخالفة التكليف الوجوبي المتعلق بالوقوف، و لا يكون اللازم ثبوت الكفارة على من ترك الوقوف بعرفات عمدا، عدا لحظة منه قبل غروب الشمس. مع أنه من الواضح خلافه، بل تكون مترتبة على عنوان الإفاضة المحرّمة قبل الغروب، و المفروض أن الإفاضة لا تكون محرمة بالإضافة إلى الناسي. غاية الأمر إنه كان الرجوع إلى عرفات واجبا عليه في هذه الصورة. و قد تحققت المخالفة بالنسبة إلى هذا التكليف. و لم يدل دليل على إيجابه للكفارة. لكن مقتضى الاحتياط الاستحبابي رعايتها.

(1) الوجه في عدم ثبوت الكفارة على العامد في الفرضين، أن المتفاهم عند العرف من الإفاضة التي علّق عليها الحكم بثبوت الكفارة في الرّوايتين المتقدمتين، هي الإفاضة التي لم يتعقبها الرجوع إلى عرفات، بحيث يدرك مقدارا من الوقوف قبل الغروب. و أمّا الإفاضة المتعقبة بالرجوع بالنحو المذكور، فهي و إن كانت محرّمة أيضا ضرورة إلّا أنه لا يستفاد من الدليل أنها أيضا توجب الكفارة، للفهم العرفي المذكور.

و عليه فلا يكون البحث في سقوط الكفارة حتى يقال، أن السقوط بعد الثبوت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 100

[مسألة 6] في الوقوف الاضطراري للعرفات

مسألة 6- لو ترك الوقوف بعرفات من الزوال إلى الغروب لعذر- كالنسيان و ضيق الوقت و نحوهما- كفى له إدراك مقدار من ليلة العيد و لو كان قليلا. و هو الوقت الاضطراري للعرفات، و لو ترك الاضطراري عمدا و بلا عذر، فالظاهر بطلان حجّه

و إن أدرك المشعر، و لو ترك الاختياري و الاضطراري لعذر كفى في صحة حجّه، إدراك الوقوف الاختياري بالمشعر الحرام- كما يأتي. (1)

______________________________

يحتاج إلى دليل و هو مفقود. كما عن النزهة و استوجهه في محكي كشف اللثام لما عرفت من عدم دلالة الدليل على ثبوتها في هذه الصورة بوجه.

نعم الاستدلال على عدم الثبوت بمثل ما في الجواهر من أنه لو لم يقف إلّا هذا الزمان لم يكن عليه شي ء، غير صحيح أيضا. لأنه لا مجال لتوهّم المماثلة بعد عدم تحقق الإفاضة في الفرض المذكور بوجه. و قد مرّ آنفا في ذيل المسألة السابقة، أن الكفارة لا تكون مترتبة على ترك الوقوف الواجب، بل على الإفاضة المحرّمة، فلا وجه للتشبيه أصلا. و العمدة في الدليل ما ذكرنا، فتدبّر.

(1) للوقوف بعرفات وقتان. اختياري و اضطراري.

أمّا الاختياري فهو ما تقدّم من أوّل الزوال أو مضي مقدار ساعة منه إلى الغروب. و مرّ أن الواجب هو الوقوف في المجموع و الاستيعاب و الركن هو المسمّى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 101

..........

______________________________

منه المتحقق بدقيقة أو دقيقتين. و مرّ أن الإخلال بالركن إذا كان عن علم و عمد فهو يوجب البطلان. و أمّا إذا كان عن عذر فلا يوجب الفساد بوجه.

و لهذه الجهة تصل النوبة بالإضافة إلى هذا النحو من الترك إلى الاضطراري و هو من الغروب إلى طلوع الفجر من يوم النحر. و قد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر.

بل حكي عن المدارك و غيرها الإجماع عليه، و عن الشيخ في الخلاف إطلاق أن وقت الوقوف بعرفة من الزوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم العيد.

و أورد عليه ابن إدريس بأن هذا القول

مخالف لأقوال علمائنا. و إنما هو قول لبعض المخالفين أورده الشيخ في كتابه إيرادا لا اعتقادا. و أجاب عنه العلّامة في المختلف بأن النزاع هنا لفظي. و أن الشيخ قصد الوقت الاختياري، و هو من زوال الشمس إلى غروبها، و الاضطراري و هو من الزوال إلى طلوع الفجر، فتوهم ابن إدريس أن الشيخ قصد بذلك الوقت الاختياري، فأخطأ في اعتقاده ..

و كيف كان، فالظاهر أن الواجب و الركن في الوقت الاضطراري واحد، و هو مسمّى الوقوف ليلا بعرفة. و بهذا يفترق عن الوقت الاختياري، كما أن مقتضاه إنّ الإخلال بالوقوف الاضطراري إذا كان عن غير عذر موجب لبطلان الحج و فساده.

فما تشعر به عبارة العلّامة في محكي القواعد من أنّ الوقوف الاختياري بعرفة ركن، من تركه عامدا بطل حجّه، من اختصاص الركن بالوقوف الاختياري لا يكون مقصودا له ظاهرا، خصوصا بعد ظهور النصوص و الفتاوى في غيره. مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال في رجل أدرك الإمام و هو بجمع، فقال: إنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 102

..........

______________________________

فليأتها، و إن ظنّ أنّه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها و ليقم بجمع فقد تم حجّه. «1»

و صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات، و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن

اللّٰه تعالى أعذر لعبده، فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحج من قابل. «2»

و رواية إدريس بن عبد اللّٰه، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل أدرك الناس بجمع و خشي ان مضى إلى عرفات أن يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها، فقال:

إن ظنّ أن يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات، فإن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع ثم ليفض مع الناس فقد تم حجّه. «3»

و صحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في سفر فإذا شيخ كبير. فقال: يا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال له: إن ظنّ أنه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها. و إن ظنّ أنه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها و قد تم حجّه. «4»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني و العشرون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني و العشرون، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني و العشرون، ح 3.

(4) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني و العشرون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 103

..........

______________________________

و يغلب على الظن اتحادها مع صحيحة الأولى، و إن كانت هذه مشتملة على أزيد من تلك. لكن وحدة التعبيرات و الراوي و المرويّ عنه يوجب الظنّ الغالب بالاتّحاد.

و المستفاد من مجموع

هذه الروايات و ضم بعضها ببعض أمور:

الأوّل: ثبوت الوقت الاضطراري للعرفات، و عدم الاختصاص بالوقت الاختياري.

الثاني: اختلاف الوقتين الاختياري و الاضطراري في مقدار الواجب. فإن الواجب من الوقت الاختياري عبارة عن مجموع ساعات متعددة، و الوقت الاضطراري الواجب عبارة عن مقدار قليل من الليل.

الثالث: ثبوت الركن للوقت الاضطراري أيضا، و لازمة كون الإخلال به لغير عذر موجبا لبطلان الحج، و إن كان الإخلال بالوقوف الاختياري لعذر مانع عن بطلان الحج.

الرابع: أنه لو كان ترك الوقتين مستندا إلى العذر، يكفي في صحة الحج و تماميته إدراك الوقوف الاختياري للمشعر الحرام، المتحقق بالإدراك قبل طلوع الشمس و قبل الإفاضة من المشعر إلى منى. و سيأتي البحث في هذا الأمر في مباحث الوقوف بالمشعر إن شاء اللّٰه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 104

[مسألة 7] في ما لو لم يثبت هلال ذي الحجة عندنا

مسألة 7- لو ثبت هلال ذي الحجّة عند القاضي من العامّة و حكم به و لم يثبت عندنا فإن أمكن العمل على طبق المذهب الحقّ بلا تقية و خوف وجب، و إلّا وجبت التبعية عنهم و صحّ الحج لو لم تتبين المخالفة للواقع، بل لا تبعد الصحة مع العلم بالمخالفة و لا تجوز المخالفة، بل في صحة الحج مع مخالفة التقية إشكال، و لما كان أفق الحجاز و النجد مخالفا لآفاقنا، سيّما أفق إيران، فلا يحصل العلم بالمخالفة إلّا نادرا. (1)

______________________________

(1) لو لم يثبت هلال ذي الحجة عندنا و لكنه ثبت عند القاضي من العامّة و حكم على طبقه فإن لم يكن في البين تقيّة و لا خوف وجب العمل على طبق المذهب الحق، و هو مقتضى استصحاب عدم ثبوت الهلال في ليلة اليوم المشكوك و عدم كون اليوم المزبور

أوّل ذي الحجة.

و لكنه لا بد و أن يعلم انه ربما لا يكون في البين خوف شخصي و خطر متوجه إلى الشخص نفسا أو غيرها، بل يكون في البين هتك حرمة الشيعة و انحطاط شأنهم و جعلهم في معرض التهمة و مظنة السّوء، كما إذا كانوا مجتمعين في الحج و الوقوف- كما في هذه الأزمنة- فإنه لا بد في هذه الصورة من حفظ مقامهم لئلّا يقعوا في معرض الاتهام و ينظر الناس إليهم بعين الابتعاد عن الإسلام و الالتزام بشؤونه. فلا يجوز التخلف عنهم في الوقوف و نحوه، و إن لم يكن تقية و لا خوف في البين أصلا.

و كيف كان ففي صورة التقية و مثلها تجب المتابعة عنهم و رعاية شئون التقية، و لا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 105

..........

______________________________

شبهة في هذه الجهة من حيث الحكم التكليفي. فقد وردت روايات متواترة، بل فوق حدّ التواتر في مشروعية التقية و لزوم رعايتها. و في بعضها أنه لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا.

إنّما الكلام في الإجزاء عن الواجب الواقعي الأولي و الاتصاف بالصحة و التمامية.

و محلّ البحث في الإجزاء في باب التقيّة ما إذا كانت التقية موجبة للإخلال بالجزء أو بالشرط أو الإتيان بالمانع أو القاطع، كما إذا كانت التقية موجبة لترك مسح الرجلين و الغسل بدل المسح في باب الوضوء أو غسل اليد منكوسا و معكوسا أو التكتف أو قول آمين في الصلاة. و أمّا إذا كانت التقية موجبة لترك الواجب رأسا كما في الإفطار في يوم الشك من آخر رمضان إذا حكم قاضيهم بكونه يوم العيد، فإنه لا مجال لتوهم الإجزاء بعد ترك العبادة رأسا.

و

عليه فالحكم بالقضاء في مثله لا يستلزم الحكم بعدم الإجزاء في محلّ البحث. كما في مرسلة رفاعة عن رجل عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: دخلت على أبي العبّاس في الحيرة، فقال: يا أبا عبد اللّٰه ما تقول في الصيام اليوم؟ فقال: ذاك إلى الإمام إن صمت صمنا و إن أفطرت أفطرنا. فقال: يا غلام عليّ بالمائدة، فأكلت معه و أنا أعلم و اللّٰه أنه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوما و قضائه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّٰه. «1»

فمحلّ الكلام ما ذكرنا و حينئذ إن قلنا بأن الضابطة في المسألة الأصولية التي يبحث فيها عن أجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري و أنه يجزي عن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب السابع و الخمسون، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 106

..........

______________________________

الإتيان بالمأمور به بالأمر الاختياري- كما هو الظاهر- أم لا، بالإجزاء، فاللازم هو القول بالإجزاء في المقام، لأنّ التقية من موارد الاضطرار، و قد عبّر عنها به في بعض الروايات الصحيحة المعروفة بصحيحة الفضلاء، قالوا سمعنا أبا جعفر عليه السّلام يقول: إن التقية في كل شي ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّٰه له. «1»

و إن قلنا بعدم الإجزاء في المسألة الأصولية، فاللازم هو القول بالإجزاء في خصوص المقام لا لما ذكره صاحب الجواهر من أنّه لا يبعد القول بالإجزاء هنا إلحاقا له بالحكم للحرج، و احتمال مثله في القضاء. قال: و قد عثرت على الحكم بذلك منسوبا للعلامة الطباطبائي قدّس سرّه و لكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه.

بل لأنّه قد مضى على الأئمة عليهم السّلام و شيعتهم ما

يزيد عن مأتي سنة كان ثبوت الهلال مرتبطا بحكم الحاكم و قاضيهم و لم يكن مورد واحد و لو إشارة و إشعارا حكموا فيه ببطلان الحج، بلحاظ كون الوقوف مستندا إلى حكم قاضي النّاس مع عدم ثبوته عند الشيعة. و كون مقتضى الاستصحاب العدم.

و من الواضح ثبوت الاختلاف كثيرا بهذه الكيفية الراجعة إلى الثبوت عندهم و الشك عند الشيعة. و لا مجال لدعوى عدم وقوع الاختلاف أصلا في هذه المدة الكثيرة، خصوصا مع ملاحظة مثل موثقة أبي الجارود، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام انا شككنا في عام من تلك الأعوام في الأضحى، فلما دخلت على أبي جعفر عليه السّلام و كان بعض أصحابنا يضحي، فقال: الفطر يوم يفطر الناس، و الأضحى يوم يضحي الناس، و الصوم يوم يصوم الناس. «2»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الأمر و النهي، الباب الخامس و العشرون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب السابع و الخمسون، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 107

..........

______________________________

كما أن دعوى إن ذلك من جهة عدم تمكن الشيعة من الوقوف الثاني مدفوعة بمنع عدم التمكن دائما، لإمكان الوقوف في برهة من الزمان، و لو مرّة واحدة في طول هذه المدّة، و لو بعنوان آخر بحسب الظاهر. فلا وجه لذلك غير الإجزاء و كفاية الوقوف الصّادر تقية.

مع أنه هنا شي ء آخر ينبغي الالتفات إليه و هو أنّ الأئمّة عليهم السّلام و شيعة المدينة كانوا يحجون من المدينة و هم باعتبار قرب بلدهم إلى مكة لم يكن اللازم عليهم الخروج عنها قبل هلال ذي الحجة. فالقاعدة تقتضي الخروج بعده و إن كانت المراكب السابقة غير المراكب الفعلية، لكنه مع ذلك لم

يكن الخروج قبله بلازم، و حينئذ في مورد الشك و عدم الثبوت لو كان الحج كذلك غير صحيح، و لا محالة لا يكون مستحبّا أيضا. لأن العمل الباطل لا يتصف بشي ء من الوجوب و الاستحباب، لما كان وجه للخروج إلى الحجّ، خصوصا بعد وضوح عدم اختلاف أفق مدينة و مكة، و كون حكم القاضي في الأولى نافذا بالإضافة إلى الثانية أيضا، مع أنه لم يعلم و لو مرة واحدة امتناعهم عن الخروج لأجل ذلك. و تبيين هذه العلة و لو لخواصّ أصحابهم مع التعرض لمثله في موارد كثيرة، فلا مجال لاحتمال عدم الإجزاء مع التوجه إلى ما ذكرنا في صورة عدم العلم بالمخالفة.

و أمّا في صورة العلم بالمخالفة و عدم موافقة حكم القاضي للواقع قطعا، فقد نفى البعد في المتن عن الحكم بالصحة فيها، و لكنه ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه في مناسكه أنه في هذه الصورة لا يجزي الوقوف معهم. فإن تمكن المكلف من العمل بالوظيفة- و الحال هذه و لو بأن- يأتي بالوقوف الاضطراري في المزدلفة دون أن يترتب عليه أيّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 108

..........

______________________________

محذور- و لو كان المحذور مخالفته للتقية- عمل بوظيفته. و إلّا بدّل حجة بالعمرة المفردة و لا حج له. فإن كانت استطاعته من السنة الحاضرة و لم تبق بعدها سقط عنه الوجوب، إلّا إذا طرأت عليه الاستطاعة من جديد.

أقول: الظاهر هو الحكم بالصحة في هذه الصورة أيضا، لأن تحققها في ذلك الزمان الطويل الذي أشرنا إلى أنه يزيد عن مأتي سنة، و إن كان قليلا بالإضافة إلى صورة الشك و عدم العلم بالمخالفة، إلّا أنه لا مجال لإنكاره. و قد مرّ

في مرسلة رفاعة، أن الإمام عليه السّلام حلف بأن اليوم الذي أفطر فيه تقية كان من شهر رمضان، و أنه كان عالما بذلك حين الإفطار، و مع ذلك أفطر كذلك.

فيدل ذلك على وقوع هذه الصورة أحيانا. و مع ذلك لم نر و لم نعهد منهم عليهم السّلام الإشارة إلى عدم الإجزاء و لزوم التطرق إلى طريق صحيح، و مع عدم إمكانه لزوم تبديل الحج بالعمرة المفردة، و لو في مورد واحد مع كون فريضة الحج من الفرائض المهمة الإلهية.

و دعوى كون السيرة العملية من الأدلة اللبية التي لا بد فيها من الاقتصار على القدر المتيقن- و هي صورة الشك و عدم العلم بالمخالفة- مدفوعة بأنه مع ملاحظة ما ذكرنا لا يكون شمولها لصورة العلم مشكوكا حتى لا يجوز الاستدلال له بها. بل الظاهر أنه لا شك في الشمول، نعم ربما يستدل على عدم الإجزاء- كما في تقريرات بعض الأعلام قدّس سرّه في شرح المناسك- بأنه بعد عدم ثبوت السيرة في هذه الصورة و عدم نص خاص على الإجزاء ليس في البين إلّا أدلة التقية.

و هي مع أنها لا تدل على الإجزاء تكون دلالتها عليها على تقديرها في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 109

..........

______________________________

خصوص صورة الشك لا في مورد القطع بالخلاف أيضا. فإن العامّة لا يرون نفوذ حكم حاكمهم حتى عند القطع بالخلاف، فالعمل الصادر منه لا يكون مصداقا للتقية.

أقول: الظاهر أن عدم نفوذ حكم حاكمهم في صورة القطع بالخلاف إنّما هو بالإضافة إلى متابعيهم من الناس، و أمّا بالإضافة إلينا فحيث إنه لا دليل على كون المخالفة مستندة إلى القطع بالخلاف تجري التقية و يكون العمل الصادر مصداقا لها.

و

لو ذلك ينسد باب التقية في مثل الوقوف و أعمال منى و عيد الفطر إذ كان للشيعة الاعتذار عن المخالفة بالعمل بالخلاف و عدم نفوذ حكم الحاكم في هذه الصورة. مع أنك عرفت تحقق الإفطار منه عليه السّلام مع العلم بالخلاف. فلم لم يعتذر عن عدمه بالعلم بكون الواقع مخالفا بحكم القاضي؟

و بالجملة لازم هذا القول انسداد باب التقية في الوقوف مطلقا، و لا أقلّ في خصوص صورة العلم بالمخالفة واقعا. و هذا ما لا يقول به المستدل، فالجمع بين جريان التقية الخوفية في صورة العلم بالمخالفة، كما لا محيص عن الالتزام به، و لذا حكم بإتمام حجه عمرة مفردة في هذه السنة في كلامه المتقدم و بين عدم الإجزاء و بين عدم نفوذ حكم حاكمهم في هذه الصورة لا يكاد يمكن، فلا بد إمّا أن يقال بأنه لا تقية في هذه الصورة أصلا، و إمّا أن يقال بالإجزاء، كما في صورة الشك، و حيث إنه لا سبيل إلى الأوّل فيتعين الثاني.

بقي الكلام في المسألة في حكم مخالفة التقيّة و أن العمل العبادي المخالف للتقية هل يتصف بالصحة و الإجزاء أم لا؟ و فيه احتمالات، بل أقوال:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 110

..........

______________________________

أحدها: القول بالبطلان مطلقا. و هو المحكي عن شارحي الشرائع صاحبي الجواهر و المصباح قدّس سرّهما.

ثانيها: القول بالصحة كذلك. و هو المحكي عن جماعة. و ذهب إليه الإمام الخميني قدّس سرّه و إن استشكل فيها هنا.

ثالثها: التفصيل بين الأجزاء و الشرائط التي تكون متحدة مع العبادة، و بين الأجزاء و الشرائط التي تكون خارجة عنها. ففي الأوّل ترك التقية موجب للبطلان- كالسجدة على التربة- إذا كانت التقية مقتضية

لتركها، و في الثاني لا يوجب البطلان- كترك التكتف في الصّلاة كذلك- و هو المحكي عن الشيخ الأعظم الأنصاري و تبعه المحقق النائيني و بعض آخر.

و العمدة ملاحظة ما يمكن أن يكون وجها للبطلان، و هو أحد أمرين:

الأمر الأوّل: كون العمل المخالف للتقية منهيّا عنه. و النهي المتعلق بالعبادة يوجب فسادها.

و لكنه يرد عليه أن تعلق النهي بالعمل المذكور إن كان من جهة أن الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن الضد، فقد حقق في المباحث الأصولية أنه لا يقتضي النهي عن الضد، و إلّا يلزم اجتماع حكمين في موارد ثبوت الوجوب.

و إن كان من جهة استفادة الحرمة من بعض التعبيرات الواردة في التقية، مثل ما ورد من أن تركها موجب لوهن المذهب، أو أن تركها ذنب لا يغفر. فمن الواضح أنه لا وجه للاستفادة المزبورة أصلا- كما هو غير خفي.

الأمر الثاني: إن العمل المخالف للتقية و إن لم يكن منهيّا عنه و متعلقا للحرمة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 111

..........

______________________________

بوجه، إلّا أن بطلانه فيما إذا كان عبادة- كما هو المفروض- إنّما هو لأجل خلوّه عن الأمر و عن الملاك و المناط الذي يكون طريق استكشافه نوعا هو الأمر.

و الوجه في خلوّه ما عرفت من أنّ التقية من موجبات الاضطرار- كما عبّر به عنها في صحيحة الفضلاء المتقدمة- و عليه فموردها من مصاديق المأمور به بالأمر الاضطراري أو الواقعي الثانوي، كالأمر بالصلاة مع التيمم عند عدم وجدان الماء، أو كون استعماله حرجيّا موجبا للوقوع في العسر و المشقة الشديدة. فالمكلف عند تحقق شرائط التيمم لا يكون مكلّفا إلا بالصلاة مع التيمم. و مرجعه إلى عدم كون الصلاة مع الوضوء مأمورا بها

بالإضافة إليه أصلا. و عليه فإذا تحمّل المكلف الحرج و المشقة و توضّأ مكان التيمم، تكون صلاته فاقدة للأمر، و لا تقع صحيحة. و لا دليل على كونها واجدة للملاك و المناط. و لذا رجحنا في البحث عن قاعدة الحرج، أن الترخيص المستفاد منها إنما يكون بنحو العزيمة دون الرخصة.

و هذا بخلاف ما ذكره المحقق الخراساني قدّس سرّه في بحث الصلاة المزاحمة مع الإزالة التي هي واجب أهم، من أنه لو اختار الصلاة و ترك الإزالة تكون صلاته صحيحة، لأنها و إن لم تكن غير مأمور بها إلّا انّها تشتمل على المناط و الملاك، و هو يكفي في صحة العبارة.

فإن إحراز الاشتمال على الملاك إنما هو لأجل عنوان التزاحم الذي مرجعه إلى ثبوت الملاك في كلا الطرفين- سواء كان هناك أهمّ في البين أم لم يكن- و أمّا في مثل المقام فلا سبيل إلى إحراز الملاك و استكشاف المناط بوجه و الطولية في التقية و مثلها لا تقتضي كون الإتيان بالواقع مجزيا و مسقطا، و عليه فيقوى في النظر رجحان القول

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 112

..........

______________________________

بالبطلان.

و أمّا ما حكي عنه الشيخ الأعظم في توجيه التفصيل المتقدم من أن ترك التكتف لا يكون إخلالا بالمأمور به، فإن التكتف واجب مستقل خارج عن المأمور به، فيرد عليه إن أريد باستقلال وجوب التكتف إنه واجب غير مرتبط بالصلاة بل ظرفه إنّما تكون هي الصلاة، فالظاهر عدم كونه بهذه الكيفية واجبا عندهم. و إن أريد به إن الإخلال به لا يوجب الإخلال بالوظيفة المقررة الشرعية من جهة الصلاة، فالظاهر أنه بعد ارتباطه بها تكون الصلاة مع الإخلال به غير ما هو المأمور

به، فيرجع إلى القسم الأوّل، فيبطل التفصيل.

هذا تمام الكلام في مباحث الوقوف بعرفات.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 113

[القول في الوقوف بالمشعر الحرام]

اشارة

القول في الوقوف بالمشعر الحرام يجب الوقوف بالمشعر من طلوع الفجر من يوم العيد إلى طلوع الشمس، و هو عبادة تجب فيه النيّة بشرائطها، و الأحوط وجوب الوقوف فيه بالنيّة الخالصة ليلة العيد بعد الإفاضة من عرفات إلى طلوع الفجر، ثم ينوي الوقوف بين الطلوعين، و يستحبّ الإفاضة من المشعر قبل طلوع الشمس بنحو لا يتجاوز عن وادي محسّر، و لو جاوزه عصى و لا كفارة عليه، و الأحوط الإفاضة بنحو لا يصل قبل طلوع الشمس إلى وادي محسّر، و الركن هو الوقوف بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بمقدار صدق مسمى الوقوف- و لو دقيقة أو دقيقتين- فلو ترك الوقوف بين الطلوعين مطلقا، بطل حجّه بتفصيل يأتي. (1)

______________________________

(1) لا خلاف بين المسلمين في أن الوقوف بالمشعر من واجبات الحج و أجزاءه.

و يدل عليه قوله تعالى: .. فَإِذٰا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفٰاتٍ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرٰامِ .. «1» و لذا أطلق عليه عنوان «الفريضة» في الروايات باعتبار دلالة القرآن

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 198.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 114

..........

______________________________

عليه، و على عرفة «السنّة» باعتبار عدم التصريح به. و في جملة من النصوص: «إن من فاته الوقوف بالمشعر فلا حج له» و في بعضها: «إن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج» و يطلق عليه «المزدلفة» بكسر اللام و «جمع» بإسكان الميم، و المشعر و أحد المشاعر التي هي مواضع المناسك.

و التسمية بالمزدلفة باعتبار أنه يتقرب فيه إلى اللّٰه تعالى. و في بعض الروايات الصحيحة: «ما للّٰه

تعالى منسك أحبّ إلى اللّٰه تعالى من موضع المشعر الحرام و ذلك أنه يذل فيه كل جبّار عنيد»، أو باعتبار ازدلاف فيها إلى منى بعد الإقامة، أو لمجي ء الناس إليها في زلف من الليل، أو لأنها أرض مستوية مكنوسة، كما أن التسمية بالجمع على ما في بعض الروايات، لأجل أنّ آدم عليه السّلام جمع فيها بين الصلاتين المغرب و العشاء.

و كيف كان ففي بعض كتب اللغة: إن المشعر الحرام جبل بآخر مزدلفة و اسمه قزح.

لكن في القاموس: و وهم من قال جبلا يقرب من البناء الموجود الآن، و هو الظاهر.

و بعد ذلك يقع الكلام في جهات:

الجهة الأولى: أنه لا شبهة في وجوب الوقوف بعد طلوع الفجر في الجملة. و في جملة من الكتب دعوى الإجماع عليه. إنّما الإشكال في الوجوب قبل طلوع الفجر، فالمشهور- كما قيل- هو العدم، و لكن صاحب الجواهر قد قوى الوجوب، بل نسبه إلى ظاهر الأكثر، و استدل عليه بوجوه:

الأوّل: التأسي بالنبي و الأئمة عليهم السّلام حيث إنهم كانوا يقفون في المشعر قبل طلوع الفجر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 115

..........

______________________________

و يرد عليه أن الفعل أعم من الوجوب، و من المحتمل أنه كان الوجه فيه هو استحبابه أو تأكد استحبابه من دون أن يكون هناك وجوب.

الثاني: صحيحة الحلبي التي رواها عنه معاوية بن عمّار و حمّاد، قال: قال لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا فصلّ بها المغرب و العشاء الآخرة بأذان و إقامتين، و لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة، و تقول: اللّٰهم هذه جمع، اللهم إني أسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير- إلى آخر الدعاء .. «1». نظرا إلى أن الحياض من حدود المشعر الخارجة

عنه كخروج حدود عرفات عنها على ما مرّ. فالنهي عن تجاوزها في الليلة المزبورة التي تكون تماميتها بطلوع الفجر دليل على وجوب الوقوف قبل الطلوع أيضا.

و يرد عليه مضافا إلى أنّ قرينة السّياق تقتضي كون النّهي للكراهة لا للحرمة، و إلى أنّها أخصّ من المدّعى. لأن عدم تجاوز الحياض يجتمع مع تأخير الإفاضة من عرفات و عدم الورود في المشعر ليلة العيد، إلّا في الأجزاء الآخرة و مع التوقف بين عرفات و المشعر. أنّ الظاهر كون النهي عن تجاوز الحياض بلحاظ التحفظ على إمكان الوقوف بالمشعر، نظرا إلى أنه يحتمل مع التجاوز أن لا يدرك المشعر بين الطلوعين و يفوت عنه كذلك، كالنهي عن الخروج عن مكة، بعد الفراغ عن عمرة التمتع. على ما مرّ التحقيق فيه سابقا من أنّه إنما هو بلحاظ خوف عدم إمكان الرجوع إلى مكة و الإحرام منها لأجل الحج، فلا يكون هناك نهي، بالإضافة إلى من يعلم

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، أورد صدرها في الباب السادس، ح 1، و وسطها في الباب الثامن، ح 3، و ذيلها في الباب العاشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 116

..........

______________________________

بإمكان الرجوع و عدم كون الخروج مورد الخوف بالنسبة إليه. و عليه فلا دلالة للصحيحة على ما رامه صاحب الجواهر قدّس سرّه.

ثم إنه جعل فيها هذه الرواية صحيحة معاوية بن عمّار، مع أنك عرفت أنه قد رواها هو و حمّاد عن الحلبي.

الثالث: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر، فقف إن شئت قريبا من الجبل، و إن شئت حيث شئت. فإذا وقفت فاحمد اللّٰه عزّ و

جلّ و أثن عليه و اذكر من آلائه و بلائه ما قدرت عليه، و صلّ على النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم .. «1» و في الجواهر: بل ربما ظهر منه المفروغية عن ذلك.

و يرد عليه منع المفروغية، بل غاية مفادها لزوم تحقق الإصباح في المشعر. و من المعلوم أنه لا يتوقف الإصباح على المبيت فيه- الذي هو مدعى صاحب الجواهر قدّس سرّه- ضرورة أن الإصباح يتحقق بالكون فيه قبل الطلوع دقائق فقط، و لا محيص عنه حتى على القول بعدم الوجوب. لأن العلم بتحقق الوقوف من أوّل طلوع الفجر لا يتحقق نوعا إلا بالوقوف فيه قبله الدقائق، كما أن الوقوف في عرفات من أول الزوال بناء على اعتباره لا يتحقق العلم به، إلّا بالوقوف فيها قبل الزوال بالمقدار المذكور، فالرواية أجنبية عن الدلالة على مرامه.

الرّابع: رواية عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سمي الأبطح أبطح، لأن آدم عليه السّلام أمر أن يتبطح في بطحاء جمع، فتبطح حتى انفجر الصّبح، ثم أمر أن يصعد جبل جمع، و أمره إذا طلعت الشمس أن يعترف بذنبه ففعل ذلك، فأرسل

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الحادي عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 117

..........

______________________________

اللّٰه نارا من السماء فقبضت قربان آدم. «1»

و يرد عليه أوّلا ضعف سند الرواية بمحمد بن سنان الواقع في سند الرواية و بعبد الحميد، فلا مجال للاستدلال بها.

و ثانيا عدم انطباقها على المدّعى. لأنّ التبطّح المأمور به بالإضافة إلى آدم عليه السّلام لا يتوقف على المبيت، بل يتحقق بالمكث قبل الفجر و لو بقليل.

فانقدح من جميع ما ذكرنا أنه لم

ينهض شي ء مما استدل به صاحب الجواهر قدّس سرّه لإثبات مدعاه الذي قواه و نسبه إلى ظاهر الأكثر. نعم حكي عن العلامة في التذكرة أنه استدل للقول بعدم الوجوب مضافا إلى الأصل صحيحة هشام بن سالم و غيره عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إنه قال: في التقدم من منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به، و التقدم من مزدلفة إلى منى يرمون الجمار و يصلون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس. «2»

نظرا إلى أن الظاهر كون وقوع صلاة الفجر في أوّل وقتها، و هو يستلزم الإفاضة من المشعر قبل الفجر بساعتين أو ساعات. فنفي البأس به ظاهر في عدم وجوب المبيت.

و صحيحة مسمع عن أبي إبراهيم «عبد اللّٰه خ ل» عليه السّلام في رجل وقف مع الناس بجمع، ثم أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: إن كان جاهلا فلا شي ء عليه، و إن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة. «3»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الحادي عشر، ح 6.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح 8.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثامن عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 118

..........

______________________________

بناء على كون المراد من الشرطية الثانية صورة العلم و العمد على ما تقتضيه قرينة المقابلة مع الشرطية الأولى.

هذا، و لكن الظاهر أن الرّواية الأولى تختص بالمعذور بقرينة الروايات الأخرى، و الرواية الثانية على فرض كون المراد منها ذلك- كما فهمه المشهور- يكون الحكم فيها بثبوت دم شاة كاشفا عن ثبوت الإثم و تحقق العصيان الموجب للكفارة نوعا.

لكن سيجي ء التحقيق في معنى الرّواية إن شاء اللّٰه تعالى، كما أنه لا حاجة لإثبات عدم

الوجوب إلى إقامة الدليل عليه، بل القائل بالوجوب لا بدّ له من إقامته.

ثم إنه قال المحقق قدّس سرّه في الشرائع في عدد واجبات الوقوف: و أن يكون الوقوف بعد طلوع الفجر. فلو أفاض قبله عامدا بعد أن كان به ليلا- و لو قليلا- لم يبطل حجّه، إن كان وقف بعرفات و جبره بشاة، و تجوز الإفاضة قبل الفجر للمرأة و من يخاف على نفسه من غير جبران، و لو أفاض ناسيا لم يكن عليه شي ء.

و البحث معه في أمرين:

الأمر الأوّل: صحة التفريع الذي تفيده كلمة «الفاء» و عدمها. و وجّهه صاحب الجواهر قدّس سرّه بأن المراد من الجبر بيان الإثم المترتب على ترك الواجب المزبور.

و يرد عليه مضافا إلى أنّ التفريع بلحاظ المدلول الالتزامي الذي يدل عليه كلمة الجبر في غير المحل، أن الظاهر كون الجملة التفريعية مسوقة لإفادة عدم بطلان الحج- كما وقع التصريح به فيها.

و من الواضح أنّ تفريع عدم البطلان بترك الواجب على بيان الواجب لا يخلو من التهافت. فإنّ ما يناسب أن يفرّع على بيان الواجب، هو البطلان بتركه، لا عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 119

..........

______________________________

البطلان بسبب الترك. نعم تجوز إضافة الحكم بالعدم عليه، لكن الإضافة غير التفريع. و مما ذكرنا ظهر انّه لا وجه للتفريع المذكور في كلام المحقق قدّس سرّه.

الأمر الثاني: صحة الفرع الذي ذكره و عدمها. و المنشأ له صحيحة مسمع المتقدمة آنفا، بناء على كون المراد من الجملة الشرطية الثانية بيان حكم العالم في مقابل الجاهل الواقع في الشرطية الأولى.

و على هذا التفسير تدل الصحيحة على أن الرّكن من الوقوف بالمشعر الذي يوجب الإخلال به عمدا البطلان، أعم مما بين

الطلوعين، فيكون الركن مسمى الوقوف بالمشعر من الليل إلى طلوع الشمس. و عليه فلو أفاض قبل الفجر عامدا بعد أن وقف به ليلا- و لو كان قليلا- لا يتحقق ترك الركن بوجه، لأن مقتضى لزوم الجبر بالشاة عدم البطلان. و لكنه ذكر صاحب الحدائق قدّس سرّه ان معنى الرواية أمر آخر غير ما ذكر. قال: إن الرواية غير ناظرة إلى حكم العامد، و إنما نظرها إلى حكم الجاهل من حيث الإفاضة قبل الفجر و بعده.

فموضوع السؤال في الرّواية أنه وقف مع الناس الوقوف المتعارف. و هو الوقوف من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، خصوصا أن قوله: «وقف مع الناس» ظاهر جدّا في أنه وقف معهم في هذا الوقت، فإن الناس يقفون و يجمعون في هذا الوقت.

و لكن أفاض قبل أن يفيض الناس. أي: قبل طلوع الشمس. فقال: لا شي ء عليه، ثم إنّ الإمام عليه السّلام تدارك و ذكر انه إنما لا شي ء عليه إذا أفاض بعد الفجر و إن لم يصبر إلى طلوع الشمس. و لكن لو أفاض الجاهل قبل الفجر، فعليه دم شاة.

فالرواية في الحكمين ناظرة إلى حكم الجاهل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 120

..........

______________________________

و أمّا العالم العامد فالرواية ساكتة عنه، و لا دليل عليه بخصوصه. فإذا تشمله الروايات الدالة على أن من لم يدرك المشعر مع الناس، فقد فاته الحج. و لا أقلّ من إجمال رواية مسمع، فالمرجع أيضا تلك العمومات الدالة على بطلان الحج بترك الوقوف في المشعر.

فحاصل المعنى من الرواية بعد فرض الإفاضة في كلام السائل بعد الفجر و قبل طلوع الشمس هكذا: إن كان جاهلا فلا شي ء عليه في إفاضته في ذلك الوقت، و إن

كانت إفاضته قبل طلوع الفجر، فعليه شاة.

و الإنصاف أن ما أفاده في معنى الرواية مما تقتضيه الدقة فيه. و قد أيّده بعض الأعلام قدّس سرّه بصحيحة عليّ بن رئاب، ان الصّادق عليه السّلام قال: من أفاض مع الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمع و مضى إلى منى متعمّدا أو مستخفّا فعليه بدنة. «1»

نظرا إلى أن وجوب البدنة على المتعمد يكشف عن أنّ وجوب الشاة عليه- كما في رواية مسمع في مورد الجاهل- و إلّا فكيف يحكم في مورد واحد تارة بأنه عليه شاة، و أخرى بأنّه عليه بدنة.

هذا و لا يخفى جريان المناقشة في التأييد. و إن كان أصل ما أفاده صاحب الحدائق حقّا. فإنه لو قلنا بأن الشرطية الثانية في رواية مسمع واردة في مورد العالم المتعمد- كما فهمه الأكثر و منهم المحقق في الشرائع على ما عرفت في عبارته المتقدمة و صاحب الجواهر في الشرح- يكون موردها مختلفا مع مورد هذه الرواية. و لا يستلزم الحكم في مورد واحد تارة بثبوت الشاة و أخرى بثبوت البدنة، ضرورة أنّ

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السادس و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 121

..........

______________________________

مورد رواية مسمع من وقف بالمشعر و أحدث الوقوف فيه مع النية و سائر الشرائط المعتبرة فيها. غاية الأمر أنه أفاض قبل طلوع الفجر مع أنه لم يكن له الإفاضة حينئذ.

و أمّا مورد هذه الرواية فهو «من ترك الوقوف بالمشعر رأسا» لأن التعبير الوارد فيها «انه لم يلبث بعد الإفاضة من عرفات بالمشعر أصلا بل مضى إلى منى» و من المعلوم أنّ مجرد الكون في المشعر مقدارا من الزمان في حال السير و

الحركة لا يكفي في الوقوف الذي تعتبر فيه النيّة و غيرها.

و عليه فمورد هذه الرواية هو ترك الوقوف بالمشعر رأسا مع العلم و العمد. و من الواضح أنه يوجب بطلان الحج في هذا الحال، بعد كون الوقوف بالمشعر ركنا- كالوقوف بعرفة.

و بالجملة ظاهر رواية مسمع ثبوت كفارة الشاة مع عدم بطلان الحج. و أمّا هذه الرواية فالحكم بثبوت كفارة البدنة إنّما هو لأجل البطلان. فيكون الموردان مختلفين و لأجل ما ذكرنا ترى أن صاحب الوسائل ذكر في عنوان الباب الذي لم يورد فيه إلّا هذه الرواية باب ان من ترك الوقوف بالمشعر عمدا بطل حجّه و لزمه بدنة، فالتأييد في غير محلّه.

الجهة الثانية: في أن الوقوف الواجب بين الطلوعين يجب أن يكون شروعه من حين طلوع الفجر و منتهاه طلوع الشمس. فيجب الاستيعاب بالإضافة إلى أجزاء هذا الزمان- كما هو المشهور- أم لا يجب الاستيعاب- كما يظهر من جماعة منهم صاحب الجواهر قدّس سرّه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 122

..........

______________________________

و قد استدل لعدم الوجوب من طلوع الفجر، بقوله عليه السّلام في صدر رواية معاوية بن عمار المتقدمة: أصبح على طهر بعد ما تصلّى الفجر، فقف إن شئت قريبا من الجبل و إن شئت حيث شئت، فإذا وقفت فاحمد اللّٰه و أثن عليه .. «1» نظرا إلى ظهوره في عدم وجوب النيّة عند طلوع الفجر.

و الظاهر ابتناءه على كون الظرف في قوله بعد ما تصلّى الفجر متعلّقا بالإصباح.

و عليه فالوقوف واقع عقيب الإصباح المتأخر عن طلوع الفجر، فيكون الوقوف متأخرا عن الطلوع، مع أنّ الظاهر إن الإصباح الذي يكون معناه هو الدخول في الصبح و الورود فيه لا يلتئم مع البعدية

عن صلاة الفجر، و إن كانت واقعة في أوّل وقتها- كما هو المتعارف خصوصا في المشاعر و المواضع المعدة للعبادة- فإنّ الإصباح قد تحقق قبلها لا محالة.

فاللازم أن يقال بتعلق الظرف بالطهر و مرجعه إلى إدامة الكون على حالة الطهارة بعد صلاة الفجر المقارنة مع هذه الحالة لا محالة. و عليه فالوقوف واقع عقيب الإصباح المتحقق بطلوع الفجر. فالاستدلال في غير المحلّ.

كما أنه قد استدل لعدم الوجوب في ناحية المنتهى، و هو طلوع الشمس بعدّة من الروايات:

منها: ذيل الصحيحة المتقدمة المشتملة على قوله عليه السّلام: ثم أفض حيث يشرق لك بثير و ترى الإبل مواضع أخفافها. «2» و قد رواه في الوسائل بالفاء بقوله «حيث

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الحادي عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الحادي عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 123

..........

______________________________

يشرف» مع أن الظاهر كونه بالقاف لشهرة هذا التعبير، مع كونه في المصدر أيضا كذلك.

قال في الجواهر: «إن الأمر بالإضافة حين يشرق له ثبير و حين ترى الإبل مواضع أخفافها» أعم من ذلك- أي من طلوع الشمس- و الظاهر إرادة الأسفار من الإشراق فيه بقرينة قوله: «و ترى الإبل» إلى آخره الذي لا يعبر به عن بعد طلوع الشمس. و منه يعلم رجحان ما قلنا على صورة العكس.

و يرد عليه أوّلا:

أن قوله «يشرق لك ثبير» الذي معناه الحقيقي هو إشراق ثبير الذي هو جبل بمكة. و الظاهر أن خصوصيته إنما هي بلحاظ كونه أوّل جبل يطلع الشمس عليه من ناحية المشرق له معنى كنائي و هو طلوع الشمس.

و من الواضح أن الاستعمالات الكنائية يكون المقصود الأصلي ما هو الملزوم، لا المعنى

الحقيقي الذي هو لازم لذلك المعنى. و الملاك في الصدق و الكذب فيها هي مطابقة المقصود الأصلي للواقع و عدم مطابقته لا مطابقة المدلول المطابقي و مخالفته.

فقوله: زيد كثير الرماد يكون الملاك في صدقه و كذبه هو كونه ذا جود و سخاء و عدم كونه كذلك، لا كونه كثير الرّماد واقعا و عدمه.

و الدليل على كون المعنى الكنائي في المقام هو طلوع الشمس، مضافا إلى دلالة اللغة عليه تفسيره بذلك في بعض الروايات المعتبرة. ففي رواية معاوية بن عمار- التي يحتمل قويّا أن تكون هي الرواية المتقدمة، غاية الأمر اشتمالها على إضافة في الذيل- عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: «ثم أفض حيث يشرق لك ثبير و ترى الإبل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 124

..........

______________________________

مواضع أخفافها» قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: «كان أهل الجاهلية يقولون أشرق ثبير يعنون الشمس كيما يغير (نغير) و إنّما أفاض رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم خلاف أهل الجاهلية كانوا يفيضون بإيجاف الخيل و إيضاع الإبل، فأفاض رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم خلاف ذلك بالسكينة و الوقار و الدعة، فأفض بذكر اللّٰه و الاستغفار و حرّك به لسانك». «1»

و العجب أنّ صاحب الوسائل نقل قوله: «حيث يشرق» أيضا بالفاء مكان القاف، و لم ينقل قوله: «يعنون الشمس» مع وجوده في المصدر الذي هو التهذيب على ما راجعت. و عليه فالرواية دالة على التفسير بطلوع الشمس. و أمّا قوله: «كيما نغير» ففي محكي النهاية: «أشرق ثبير كيما نغير» أي نذهب سريعا. يقال: أغار إذا أسرع في العدو. و قيل: أراد نغير على لحوم الأضاحي من الإغارة

و النهب. و في القاموس: غار أسرع و منه أشرق ثبير كيما نغير، أي: نسرع إلى النحر. و أمّا قوله:

إيضاع الإبل ففي الصحاح: وضع البعير أو غيره. أي: أسرع في سيره. و عليه فلا يبقى مجال لتفسيره بالأسفار- كما في الجواهر.

و منها: صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا تجاوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس. «2» بناء على كون المراد من التجاوز المنهي عنه هو العبور و المجاوزة المتحققة بالعبور عن جميع أجزاء الوادي.

و من الواضح أن وادي محسّر من حدود المشعر الخارجة عنه، و هو الواقع بين المشعر و منى. و لا يكون جزء من شي ء منهما. فتدل الرواية على جواز الخروج من

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الخامس عشر، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الخامس عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 125

..........

______________________________

المشعر قبل طلوع الشمس بشرط عدم التجاوز عن الوادي المذكور.

هذا، و لكن الظّاهر أن المراد من التجاوز المنهي عنه هو الدخول. و معناه النهي عن الدخول في الوادي الملازم للخروج عن المشعر قبل الطلوع، كما أن المراد من التجاوز المنهي عنه في ليلة المزدلفة بالإضافة إلى الحياض الذي هو أيضا من حدود المشعر، قد عرفت انّه الدخول فيه، لا العبور عنها.

و يؤيده بل يدل عليه أنه لو كان المراد منه ذلك لكان المناسب التعبير بالدخول في منى، لأن التجاوز عن وادي محسّر يلازم الدخول و الورود فيها. فالتعبير بالتجاوز دونه قرينة على كون المراد منه هو الدخول. و العجب من صاحب الجواهر قدّس سرّه حيث جعل الصحيحة دالة على مرامه، و ان جعل التجاوز المنهي عنه بمعنى

الدخول، نظرا إلى أنه أعم من الأسفار المتحقق قبل طلوع الشمس مع أنه على هذا التقدير لا يبقى للأسفار موقع أصلا.

و منها: مرسلة ابن مهزيار عمّن حدثه عن حماد بن عثمان عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس، و سائر النّاس إن شاءوا عجّلوا، و إن شاءوا أخّروا. «1»

و المراد بالإمام هو أمير الحاج. و الرواية ظاهرة في جواز تعجيل سائر الناس عنه، و لازمة الخروج عن الموقف قبل طلوع الشمس.

و لكن الرواية مضافا إلى كونها غير معتبرة بسبب الإرسال، فلا ينبغي الاتكال عليها تجري المناشقة في دلالتها أيضا، نظرا إلى أن المناسبة تقتضي أن يكون المراد

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الخامس عشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 126

..........

______________________________

بوقوف الإمام بالمشعر هو الوقوف في خصوص الموضع الذي اختاره للوقوف من المشعر و كان الناس يرجعون إليه في مقاصدهم و مشاكلهم، لا الوقوف الشامل للخروج عن ذلك الموضع و الحركة عنه بطرف منى، و إن كان محل سيره و حركته هو المشعر بعد.

و عليه فالمراد من تعجيل الناس هو تعجيلهم في الحركة عن الموضع الذي قد اختاروه للوقوف بجمع أثاثهم و لوازمهم. و من الواضح أن الحركة عنه لا تستلزم الورود في وادي محسّر، بل يحتاج إلى زمان معتد به و حركة معتد بها. فلا دلالة للرواية على مرام صاحب الجواهر قدّس سرّه.

و منها: موثقة إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام أيّ ساعة أحبّ إليك أن أفيض من جمع؟ قال: قبل أن تطلع الشمس بقليل، فهو أحبّ السّاعات إليّ، قلت: فإن مكثنا

حتى تطلع الشمس؟ قال: لا بأس. «1»

و الجواب عن الاستدلال بها هو الجواب عن الرواية السابقة، بالإضافة إلى الدلالة و يزيده وضوحا في هذه الرواية السؤال الثاني الظاهر في وجود الشبهة للسائل من جهة أصل الجواز، فسئل عن جواز المكث حتى طلوع الشمس، مع أنه لو كان المراد منها ما أفاده صاحب الجواهر و لازمة أن يكون المراد هو المكث في المشعر حتى طلوع الشمس لم يكن في البين ما يوجب الشبهة و الارتياب. فإن جوازه يكون أمرا مسلّما لا شبهة فيه. و قد احتاط رعايته صاحب الجواهر، فاللازم أن يقال بأن المراد به هو المكث في خصوص الموضع الذي اختار الوقوف

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الخامس عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 127

..........

______________________________

فيه من المشعر.

و حيث إنه عليه السّلام حكم بأن الساعة التي يجب الإفاضة فيها من المشعر، هو قبل طلوع الشمس بقليل توهم السائل ان التأخير عنها حتى تطلع، هل يكون جائزا أم لا؟

فأجاب عليه السّلام بنفي البأس. فالموثقة ظاهرة في خلاف ما عليه الجواهر، فتدبر.

الجهة الثالثة: فيما هو الركن من الوقوف بالمشعر. ففي المتن أن الرّكن هو المسمّى من الوقوف بين الطلوعين. و عليه فالإخلال به عمدا يوجب بطلان الحج، كما صرّح به ابن إدريس و قال العلامة في المختلف، إن قول الشيخ في الخلاف يوهم ذلك. فإنه قال: فإن دفع قبل طلوع الفجر مع الاختيار لم يجزئه. و في الجواهر: أنه ربما كان هذا ظاهر عبارة الدروس بناء على إرادة عدم الدخول في وادي محسّر، من قوله فيها:

و لما يتجاوز، و تبعه الكركي و ثاني الشهيدين.

أقول: لا بد في هذه الجهة من

ملاحظة أمرين:

الأوّل: عدم سعة دائرة الركن بالإضافة إلى الوقوف قبل طلوع الفجر. و حيث إن المختار عندنا عدم وجوب الوقوف قبله. فيظهر عدم سعة دائرته بالنسبة إليه، لأنّه بعد عدم اتصافه بالوجوب لا مجال للاتصاف بالركنيّة أصلا، لأن الركنيّة إنّما هي في المرتبة المتأخرة عن الوجوب، لأنه لا يجتمع الاستحباب مع الركنيّة بوجه.

الثاني: إن الركن الذي تكون دائرته محدودة بما بين الطلوعين يكون مجرد المسمّى لا المجموع. و يدل عليه مضافا إلى اتفاق الأصحاب على أن الركن هو المسمى- سواء قيل بسعة دائرته بالإضافة إلى قبل طلوع الفجر، أم لم يقل بذلك- الرّوايات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 128

..........

______________________________

الكثيرة التي يستفاد منها ذلك، مثل:

صحيحة محمد بن فضيل، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الحدّ الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج، فقال: إذا أتى جمعا و الناس في المشعر قبل طلوع الشمس، فقد أدرك الحج و لا عمرة له، و إن لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس، فهي عمرة مفردة و لا حجّ له، فان شاء أقام بمكّة و إن شاء رجع، و عليه الحج من قابل. «1»

و صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أدرك المشعر الحرام و عليه خمسة من الناس فقد أدرك الحج. «2»

و رواية إسحاق بن عبد اللّٰه، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل دخل مكّة مفردا للحج فخشي أن يفوته الموقف، فقال: له يومه إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فإذا طلعت الشمس فليس له حجّ، فقلت له: كيف يصنع بإحرامه؟ قال: يأتي مكّة فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة. فقلت له: إذا صنع ذلك

فما يصنع بعد؟

قال: إن شاء أقام بمكة و إن شاء رجع إلى الناس بمنى و ليس منهم في شي ء، و إن شاء رجع إلى أهله و عليه الحج من قابل. «3»

و صحيحة عبيد اللّٰه و عمران ابني عليّ الحلبيين عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج. «4» بناء على كون المراد بفوت المزدلفة هو فوتها في جميع أجزاء بين الطلوعين لا في المجموع. و الأوّل هو الظاهر. و غيرها من الروايات.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 10.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 5.

(4) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 129

..........

______________________________

الجهة الرابعة: في لزوم تعدد النية و عدمه. فنقول: قال في محكي المسالك: ثم إن لم نقل بوجوبه (أي المبيت) فلا إشكال في وجوب النيّة للكون عند الفجر، و إن أوجبنا المبيت فقدم النيّة عنده، ففي وجوب تجديدها عند الفجر نظر، و يظهر من الدروس عدم الوجوب.

و ينبغي أن يكون موضع النزاع ما لو كانت النيّة للكون به مطلقا، أمّا لو نواه ليلا أو نوى المبيت- كما هو الشائع في كتب النيّات المعدة لذلك- فعدم الاجتزاء بها عن نيّة الوقوف نهارا متّجه، لأن الكون ليلا و المبيت مطلقا لا يتضمنان النّهار، فلا بد من نيّة أخرى، و الظاهر أن نيّة الكون به عند الوصول كافية عن النيّة نهارا، لأنه فعل واحد إلى طلوع الشمس- كالوقوف بعرفة- و ليس في النصوص ما يدل على خلاف ذلك.

و أورد عليه في

الجواهر بقوله: و هو محلّ النظر، إذ عدم الوجوب بخصوصه لا ينافي الاجتزاء به باعتبار كونه أحد أفراد الوقوف لو حصل، كما أن الوجوب بخصوصه لا يقتضي الاجتزاء بالنيّة الواحدة، مع فرض وجوب الكون من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بخصوصه، على وجه يكون فعلا مستقلّا، كما هو الظاهر من نصّهم عليه بالخصوص.

أقول: الظاهر أنه على تقدير القول بوجوب الوقوف قبل طلوع الفجر أيضا هو الاجتزاء بالنيّة الواحدة. لأنه من المستبعد أن يكون في الوقوف بالمشعر واجبان مستقلان. خصوصا مع التسانخ و الاتصال و عدم الانفصال.

و أمّا بناء على ما في المتن من كون الوقوف الواجب إنّما هو الوقوف بين الطلوعين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 130

..........

______________________________

و أن مقتضى الاحتياط الوجوبي هو الوقوف قبل طلوع الفجر بعد الوصول إلى المشعر. فالظاهر أنه لا مجال للاكتفاء بالنية الواحدة، لأنّ نيّة الواجب المحرز تغاير نية الواجب الاحتياطي، و لا يمكن الاجتزاء بالثانية في الواجب المحرز. و عليه فاللازم- كما في المتن- هو التعدّد.

بقي في المتن قوله: «و تستحب الإفاضة ..» و منشأ الاستحباب ما تقدم من بعض الروايات الدالة على ذلك، و انّ أحبّ الساعة إليه عليه السّلام ذلك. و قد مرّ أن المراد من عدم التجاوز عدم الدخول، كما أنه على تقدير الدخول لا كفارة عليه. و إن حكي عن بعض المشايخ ذلك، لكنه لا دليل عليه إلّا الفقه الرضوي الذي لا اعتبار به، و لا مجال للقياس على الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس، لبطلان القياس.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 131

[مسألة 1] في جواز الإفاضة في الليل للضعفاء

مسألة 1- يجوز الإفاضة من المشعر ليلة العيد، بعد وقوف مقدار منها

للضّعفاء- كالنّساء و الأطفال و الشيوخ- و من له عذر- كالخوف و المرض- و لمن ينفر بهم و يراقبهم و يمرضهم، و الأحوط الذي لا يترك أن لا ينفروا قبل نصف الليل. فلا يجب على هذه الطوائف الوقوف بين الطلوعين. (1)

______________________________

(1) قال في محكي المنتهى: يجوز للخائف و النساء و لغيرهم من أصحاب الأعذار و من له ضرورة، الإفاضة قبل طلوع الفجر من المزدلفة. و هو قول كل من يحفظ عنه العلم.

و قال في المدارك عقيب قول المحقق: «و تجوز الإفاضة للمرأة و من يخاف على نفسه من غير جبران»: هو مجمع عليه بين الأصحاب. و المنشأ وجود روايات متعددة في هذا الباب، مثل:

صحيحة معاوية بن عمار المفصلة المشتملة على بيان حجّ النبيّ في حجة الوداع المتضمّنة لقوله عليه السّلام: ثم أفاض و أمر الناس بالدّعة حتى إذا انتهى إلى المزدلفة و هي المشعر الحرام، فصلّى المغرب و العشاء الآخرة بأذان واحد و إقامتين، ثم أقام فصلّى فيها الفجر و عجّل ضعفاء بني هاشم باللّيل .. «1»

و صحيحة سعيد الأعرج، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام جعلت فداك، معنا نساء

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثاني، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 132

..........

______________________________

فأفيض بهنّ بليل؟ فقال: نعم، ما تريد أن تصنع كما صنع رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم؟ قلت: نعم، قال: أفض بهنّ بليل، و لا تفض بهنّ حتى تقف بهنّ بجمع، ثم أفض بهنّ حتى تأتي الجمرة العظمى فترمين الجمرة، فإن لم يكن عليهن ذبح، فليأخذن من شعورهن و يقصرن من أظفارهن و يمضين إلى مكّة في وجوههنّ، و يطفن بالبيت و

يسعين بين الصفا و المروة، ثم يرجعن إلى البيت و يطفن أسبوعا، ثم يرجعن إلى منى و قد فرغن من حجّهن، و قال: إن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أرسل معهنّ أسامة. «1»

و صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: رخّص رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم للنساء و الصّبيان أن يفيضوا بليل، و أن يرموا الجمار بليل، و أن يصلّوا الغداة في منازلهم، فإن خفن الحيض مضين إلى مكّة و وكّلن من يضحي عنهنّ. «2»

و صحيحة أخرى، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: لا بأس بأن يقدم النّساء إذا زال الليل فيفضن عند المشعر الحرام في ساعة، ثم ينطلق بهنّ إلى منى فيرمين الجمرة، ثم يصبرن ساعة، ثم يقصرن و ينطلقن إلى مكّة فيطفن، إلّا أن يكن يردن أن يذبح عنهنّ فإنهنّ يوكلن من يذبح عنهنّ. «3» و الظاهر أن المراد من زوال الليل هو انتصافه، لا زواله بمعنى ارتفاعه و دخوله الفجر. فإنه كان المناسب حينئذ التعبير بطلوع الفجر، لا زوال الليل.

و مرسلة جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام قال: لا بأس أن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح 3.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 133

..........

______________________________

يفيض الرجل بليل إذا كان خائفا. «1»

و رواية علي بن عطيّة، قال: أفضنا من المزدلفة بليل أنا و هشام بن عبد الملك الكوفي، فكان هشام خائفا فانتهينا إلى جمرة العقبة طلوع الفجر، فقال لي هشام: أيّ

شي ء أحدثنا في حجّنا؟ فنحن كذلك إذ لقينا أبا الحسن موسى قد رمى الجمار و انصرف، فطابت نفس هشام. «2»

إذا عرفت ذلك، فالكلام يقع في أمور:

الأمر الأول: لا إشكال في دلالة كثير من الروايات المتقدمة على جواز التعجيل بالنساء للإفاضة من المشعر في الليل و قبل طلوع الفجر، و كذا الشيوخ و الصبيان، و قد وقع التصريح في إحدى روايتي أبي بصير.

و أمّا الشيوخ، فهم داخلون في الضعفاء الذي يستفاد جواز تعجيلهم من صحيحة معاوية بن عمّار، و كذا يستفاد الجواز لمن ينفر بهم من صحيحة سعيد الأعرج الدالة على أن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أرسل مع النساء أسامة.

و أمّا الخائف، فيدل على جواز تعجيله المرسلة و الرواية الأخيرة، و إن كان فيهما ضعف من حيث السند، فهو منجبر بفتوى المشهور، على ما يستفاد من تعبير المنتهى و المدارك، على ما مرّ في أوّل البحث.

و أمّا المريض، فيدل على جواز تعجيله مضافا إلى إمكان دعوى انطباق عنوان الضعيف عليه لحاجته إلى غيره نوعا استفادة المناط من الجواز في مثل النساء

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب رمى جمرة العقبة، الباب الرابع عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 134

..........

______________________________

و الخائف، فإن العرف يستفيد من العنوانين ثبوت العذر، سواء كان أصليا- كما في الأوّل- أو عارضيّا- كما في الثاني- و المرض من هذا القبيل، خصوصا مع ملاحظة عطف جميع أصحاب الأعذار و من له ضرورة على الخائف و النساء في عبارة المنتهى المتقدّمة. مع أنّ الظاهر إن تعجيل أبي الحسن عليه السّلام على ما في رواية ابن عطية كان

لأجل مرضه، لأنه بدونه لا وجه له.

و أمّا الناسي، فيدل على جواز إفاضته حديث رفع الخطأ و النسيان. كما أنه لا كفارة عليه.

و أمّا الجاهل، فبناء على التفسير المتقدم عن صاحب الحدائق الذي اخترناه في رواية مسمع المتقدمة المشتمل ذيلها على قوله: «و إن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» يكون مفادها ثبوت الكفارة على الجاهل الذي أفاض قبل طلوع الفجر. و ثبوت الكفارة يكشف عن ثبوت الحرمة و تحقق الإثم- كما اعترف به صاحب الجواهر- و عليه فلا يجوز للجاهل الإفاضة المذكورة للرّواية.

الأمر الثاني: ان ظاهر المتن أن مقتضى الاحتياط الوجوبي أن لا ينفروا قبل نصف الليل. و يظهر من الجواهر كون الاحتياط المذكور استحبابيّا، حيث قال:

و ينبغي للمعذورين أن لا يفيضوا إلّا بعد انتصاف الليل.

و لم يظهر لي وجه لهذا الاحتياط، إلّا قوله عليه السّلام في إحدى روايتي أبي بصير: «إذا زال الليل» بناء على كون المراد من زواله هو انتصافه لا زواله و ارتفاعه.

الأمر الثالث: ان الظاهر هو الاختلاف بين الطوائف المذكورة من جهة أنه لا يجب على النساء و الشيوخ العود إلى المشعر لإدراك الوقوف بين الطلوعين، و إن كانا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 135

[مسألة 2] في ما لو خرج قبل طلوع الفجر متعمدا

مسألة 2- من خرج قبل طلوع الفجر بلا عذر و متعمّدا و لم يرجع إلى طلوع الشمس فإن لم يفته الوقوف بعرفات و وقف بالمشعر ليلة العيد إلى طلوع الفجر، صحّ حجّه على المشهور و عليه شاة. لكن الأحوط خلافه، فوجب عليه بعد إتمامه الحجّ من قابل، على الأحوط. (1)

______________________________

قادرين على ذلك، بخلاف غيرهما من الخائف و المريض و من ينفر بالنساء و يمرض المريض، فإنه بعد

جواز الإفاضة لهم يكون الجواز باقيا ما دام كان العنوان باقيا.

و أمّا إذا ارتفع الخوف و المرض بعد الإفاضة، و أمكن العود إلى المشعر للوقوف المذكور فالظاهر هو الوجوب، خصوصا بعد كون الواجب محدودا ببين الطلوعين و كون الركن مسمّى هذا الواجب. و جواز الإفاضة لا يستلزم جواز عدم العود بعد زوال العنوان و إمكانه. و منه يظهر الحال بالإضافة إلى من ينفر بهم، و كذا بالإضافة إلى الجاهل و الناسي بعد زوال الجهل و النسيان بطريق أولى، فتدبر.

(1) قد مرّ البحث في هذه المسألة في أوائل بحث الوقوف بالمشعر. و تقدم أن المستند في ذلك هي رواية مسمع المتقدمة «1» على ما فهم منها المشهور. و مرّ أيضا أن مقتضى التحقيق في مفاد الرواية ما استفاد منها صاحب الحدائق.

و عليه لا دلالة لها على صحة الحج في مفروض المسألة، بل مقتضى ما تقدم من أن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثامن عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 136

..........

______________________________

الركن في باب الوقوف بالمشعر هو المسمى ممّا بين الطلوعين هو البطلان، للإخلال به متعمّدا، فيجب عليه بعد الإتمام، الحج من قابل.

و الذي ينبغي البحث عنه هنا، أنه لو سلم دلالة الرواية على مرام المشهور فما الوجه في تقييد الحكم بعدم فوت الوقوف بعرفات- كما في المتن- تبعا للمحقق في الشرائع مع أنه لا يوجد هذا التقييد في الرّواية أصلا؟

و الظاهر أن الوجه في عدم تقييد الحكم به في الرواية أن الصحة التي دلت عليه الرواية على هذا التقدير هو حكم حيثي، و بالإضافة إلى خصوصية الوقوف بالمشعر و لا يكون حكما مطلقا حتى يكون مقتضى إطلاقه عدم الفرق

بين صورة إدراك الوقوف بعرفات و صورة الفوت- كما في جميع الموارد التي يحكم فيها بالصحة في الأعمال المركّبة- فإن الظاهر ثبوت الفرق فيها بين الحكم بالصحة و الحكم بالبطلان.

فإنّ الأوّل إضافي و الثاني مطلق. و عليه فلا بد في الحكم بالصحة المطلقة من فرض عدم فوت الوقوف بعرفة، فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 137

[مسألة 3] في ما لو لم يدرك الوقوف بين الطلوعين و الوقوف بالليل لعذر

مسألة 3- من لم يدرك الوقوف بين الطلوعين و الوقوف باللّيل لعذر و أدرك الوقوف بعرفات، فإن أدرك مقدارا من طلوع الفجر من يوم العيد إلى الزّوال و وقف بالمشعر و لو قليلا، صحّ حجّه. (1)

______________________________

(1) من لم يدرك الوقوف بالمشعر أصلا لا في الليل و لا فيما بين الطلوعين و كان السبب في عدم الإدراك هو العذر، كما إذا أفاض من عرفات بعد غروب الشمس و لم يصل إلى المشعر لأجل الانحراف عن طريقه أو كثرة الزحام و الوسائل النقلية و عدم إمكان المشي بدونها. فالظاهر أن وقت الوقوف بالمشعر يمتدّ بالإضافة إليه إلى زوال الشمس.

و حكى ابن إدريس عن السيّد: الامتداد إلى الغروب، لكن في محكي المختلف أنكره أشدّ الإنكار. و قد ادعى صاحب الجواهر الإجماع بقسميه على الأوّل.

و منشأه روايات متعددة واردة في هذه المجال، مثل:

صحيحة جميل عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أدرك المشعر الحرام يوم النّحر من قبل زوال الشمس فقد أدرك الحجّ. «1»

و رواية عبد اللّٰه بن المغيرة، قال: جاءنا رجل بمنى، فقال: إنّي لم أدرك الناس بالموقفين جميعا- إلى أن قال- فدخل إسحاق بن عمّار على أبي الحسن عليه السّلام فسأله عن ذلك، فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر،

فقد

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 138

..........

______________________________

أدرك الحج. «1»

و رواية يونس ان عبد اللّٰه بن مسكان لم يسمع من أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إلّا حديث «من أدرك المشعر فقد أدرك الحج» قال: و كان أصحابنا يقولون من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج. فحدثني محمد بن عمير و أحسبه رواه: إن من أدركه قبل الزوال من يوم النحر فقد أدرك الحجّ. «2»

و رواية الحسن العطّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر، فأقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد أفاضوا، فليقف قليلا بالمشعر الحرام و ليلحق الناس بمنى، و لا شي ء عليه. «3»

و غير ذلك من الروايات الدالة عليه.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 6.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 13.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الرابع و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 139

[مسألة 4] في أقسام إدراك الوقوفين

1- إدراك اختياريهما 2- عدم إدراك الاختياري و الاضطراري منهما

مسألة 4- قد ظهر ممّا مرّ أنّ لوقوف المشعر ثلاثة أوقات: وقتا اختياريّا و هو بين الطلوعين، و وقتين اضطراريين: أحدهما ليلة العيد لمن له عذر، و الثاني من طلوع الشمس من يوم العيد إلى الزوال كذلك. و أنّ لوقوف عرفات وقتا اختياريّا و هو من زوال يوم عرفة إلى الغروب الشرعي، و اضطراريا و هو ليلة العيد للمعذور. فحينئذ بملاحظة إدراك أحد الموقفين أو كليهما اختياريا أو اضطراريا، فردا و تركيبا، عمدا أو جهلا أو نسيانا أقسام كثيرة. نذكر ما هو مورد الابتلاء:

الأوّل: إدراك

اختياريهما. فلا إشكال في صحة حجّه من هذه الناحية.

الثاني: عدم إدراك الاختياري و الاضطراري منهما، فلا إشكال في بطلانه، عمدا كان أو جهلا أو نسيانا، فيجب عليه الإتيان بعمرة مفردة مع إحرامه الذي للحج، و الأولى قصد العدول إليها، و الأحوط لمن كان معه الهدي أن يذبحه، و لو كان عدم الإدراك من غير تقصير لا يجب عليه الحج إلّا مع حصول شرائط الاستطاعة في القابل، و إن كان عن تقصير يستقر عليه الحج و يجب من قابل، و لو لم يحصل شرائطها. (1)

______________________________

(1) أشار في المتن إلى أنّ منشأ الأقسام الكثيرة تعدّد الموقف و ثبوت الاختياري و الاضطراري لكل منهما، بل ثبوت اضطراريين للثاني من جهة و كون الإدراك فردا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 140

..........

______________________________

و ممتزجا تركيبيّا من جهة ثانية. و كون المنشأ لعدم الإدراك، التعمد أو الجهل أو النسيان من جهة الثالثة، فاللازم التعرض لما وقع التعرض له في المتن مما هو مورد الابتلاء، فنقول:

أمّا القسم الأوّل: و هو فرض إدراك الاختياري من الوقوفين، فلا إشكال في صحة الحج فيه من هذه الجهة، و إن كان يمكن عروض البطلان له من ناحية- مثل الجماع على ما مرّ تفصيله.

و أمّا القسم الثاني: الذي يكون مقابلا للقسم الأوّل، و هو ما إذا لم يتحقق إدراك شي ء من الوقوفين لا الاختياري و لا الاضطراري. فالكلام فيه يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في بطلان الحجّ و الذي يحتاج إلى إقامة الدليل صورة عدم التعمد، لأنّ مقتضى الركنية البطلان مع الإخلال بواحد منهما عمدا، فضلا عن كليهما.

و الدليل عليه الروايات الكثيرة الدالة عليه، مثل:

صحيحة الحلبي: قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام

عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلة فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات، و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات، فليقف بالمشعر الحرام، فإنّ اللّٰه تعالى أعذر لعبده، فقد تم حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة، و عليه الحج من قابل. «1»

فإنّ قوله عليه السّلام في الذيل: «فإن لم يدرك المشعر الحرام» إن كان المراد منه هو عدم

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، باب الثاني و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 141

..........

______________________________

إدراكه بكلا وقتية الاختياري و الاضطراري- أي: النهاري الذي يكون شروعه من طلوع الشمس و منتهاه الزوال- فيدلّ على البطلان بالمطابقة في المقام، و هو عدم الإدراك لعذر. و إن كان المراد منه هو عدم إدراكه بوقته الاختياري الذي وقع التعرض له قبله، فدلالته على البطلان في المقام إنما هي بالأولوية- كما لا يخفى- و على أيّ تدل الرواية على البطلان مع عدم الإدراك لعذر.

و صحيحة عبيد اللّٰه و عمران ابني عليّ الحلبيّين عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا فاتتك المزدلفة، فقد فاتك الحج. «1» و الرواية دالة بالمنطوق على أن فوت المزدلفة سبب لفوت الحج و عدم إمكان إدراكه. و القدر المتيقن من موردها هو المقام من جهة كون المفروض فيه فوت الوقوف بعرفات أيضا، و من جهة كون فوت المزدلفة شاملا لفوت أوقاته الثلاثة بأجمعها، و من جهة كون الفوت

لو لم يكن منحصرا بالفوت لعذر فلا أقل من شموله له و عدم الاختصاص بخصوص الترك عن عمد- كما لا يخفى.

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أدرك جمعا فقد أدرك الحج .. «2» فإن المتفاهم العرفي منها أنه مع عدم إدراك الجمع و المشعر الحرام لا يكاد يتحقق إدراك الحج بوجه.

و صحيحة ضريس بن أعين، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج متمتّعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكّة إلّا يوم النحر، فقال: يقيم على إحرامه و يقطع التلبية

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، باب الخامس و العشرون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، باب الخامس و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 142

..........

______________________________

حتى يدخل مكة، فيطوف و يسعى بين الصفا و المروة و يحلق رأسه و ينصرف إلى أهله إن شاء. و قال: هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه، فإن لم يكن اشترط فإن عليه الحج من قابل. «1»

قال في الوسائل بعد نقل الرواية عن الشيخ: و رواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب، إلّا أنه قال: يقيم بمكة على إحرامه و يقطع التلبية حين يدخل الحرم، فيطوف بالبيت و يسعى و يحلق رأسه و يذبح شاته- إلى أن قال:- عند إحرامه أن يحلّه حيث حبسه. فإن لم يشترط. فإن عليه الحج و العمرة من قابل.

و الظاهر بقرينة تعين الحلق، كون المراد من الأعمال التي يجب عليه الإتيان بها هي أعمال العمرة المفردة، مع أن عمرة التمتع لا تتخلف عن الحج.

و صحيحة حريز، قال: سئل أبو عبد اللّٰه عليه السّلام عن مفرد الحج، فاته الموقفان جميعا، فقال

له إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فإن طلعت الشمس يوم النحر، فليس له حجّ و يجعلها عمرة، و عليه الحجّ من قابل، قلت: كيف يصنع؟ قال: يطوف بالبيت و بالصفا و المروة، فإن شاء أقام بمكّة، و إن شاء أقام بمنى مع النّاس، و إن شاء ذهب حيث شاء ليس هو من الناس في شي ء. «2»

و صحيحة جميل عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أدرك المشعر الحرام يوم النحر من قبل زوال الشمس، فقد أدرك الحجّ. «3»

و غير ذلك من الروايات الدالة عليه. و معها لا يبقى مجال للإشكال في البطلان، مع

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 4.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 143

..........

______________________________

أنه لم ينقل الخلاف فيه عن أحد.

المقام الثاني: في أنه بعد بطلان الحج فيما هو المفروض من فوت الموقفين مطلقا، لا شبهة في لزوم الإتيان بالعمرة المفردة، سواء كان إحرامه الأول للحج أو لعمرة التمتع- كما في مورد صحيحة ضريس المتقدمة- و ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه أنّ النصوص في أعلى درجات الاستفاضة، إن لم تكن متواترة بمعنى القطع بما تضمّنه من وجوب العمرة حينئذ. إنما الإشكال في أنه هل يجب عليه نية العمرة، بمعنى قلب إحرامه السابق إليها بسبب نية العدول، أو يتحقق الانقلاب إليها قهرا من دون توقف على نيّة العدول؟ ظاهر الروايات الواردة في هذا المجال مختلف، فطائفة منها ظاهرة في النية و طائفة أخرى ظاهرة في الانقلاب القهري.

أمّا الطائفة الأولى: فهي الروايات الدالة على أنه

يجعلها عمرة مفردة، مثل:

ذيل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في المقام الأوّل، و هو قوله: و قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام أيّما حاجّ سائق للهدي، أو مفرد الحج أو متمتع بالعمرة إلى الحج قدم و قد فاته الحج فليجعلها عمرة، و عليه الحج من قابل. «1»

و صحيحة حريز المتقدمة آنفا. «2»

و صحيحة الحلبي المتقدمة في صدر المقام الأوّل أيضا. «3»

و أمّا الطائفة الثانية: فهي ما تدل بظاهرها على الانقلاب القهري و صيرورة الحج بعد بطلانه و فواته عمرة مفردة كذلك، مثل:

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 4.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 144

..........

______________________________

رواية محمد بن فضيل، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الحدّ الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج، فقال: إذا أتى جمعا و الناس في المشعر قبل طلوع الشمس، فقد أدرك الحج و لا عمرة له، و إن لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس، فهي عمرة مفردة و لا حجّ له، فإن شاء أقام بمكّة و إن شاء رجع و عليه الحجّ من قابل. «1»

و روى مثلها محمد بن سنان، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام و ذكر نحوه. «2»

و صحيحة ضريس المتقدمة آنفا. «3»

و صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام رجل جاء حاجّا ففاته الحج و لم يكن طاف، قال: يقيم مع الناس حراما أيّام التشريق و لا عمرة فيها، فإذا انقضت طاف بالبيت و سعى بين الصّفا و المروة و أحلّ و عليه الحج من قابل،

يحرم من حيث أحرم. «4» و بعض الروايات الأخر.

و الظاهر أن دلالة هذه الطائفة على الانقلاب القهري أظهر من دلالة الطائفة الأولى على اعتبار نيّة التبدّل و الانقلاب، فيجب حملها عليها بكون مفادها هو لزوم الإتيان بأعمال العمرة المفردة عن نيّة و اختيار و إن لم يكن الانقلاب مفتقرا إلى النيّة و القصد، لكن الاحتياط رعاية النيّة- كما في المتن- تبعا للجواهر.

بقي الكلام في هذا القسم في أمرين:

الأمر الأوّل: في لزوم الإتيان بالحج في العام القابل و عدمه. قال المحقق في

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 4.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 2.

(4) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 145

..........

______________________________

الشرائع: من فاته الحج تحلّل بعمرة مفردة ثم يقضيه إن كان واجبا على الصفة الّتي وجب تمتعا أو قرانا أو إفرادا. و قد فسّره صاحب الجواهر بأن المراد بالوجوب ما إذا كان وجوب الحج قد استقر عليه أو استمرّ إلى العام القابل، و عليه فمقتضى كلام المحقق أنه لا يجب عليه الإتيان بالحج في القابل، إذا كان الحج واجبا عليه في هذا العام أو مستحبّا و لم تستمرّ الاستطاعة إلى العام القابل.

و عن الصدوق في الفقيه و الشيخ في التهذيب: إنّ من اشترط في حال الإحرام يسقط عنه القضاء، و مع عدم الاشتراط يجب عليه الحج من قابل.

و عن ابني حمزة و البرّاج: إن فائدة الاشتراط جواز التحلّل، فيكون المراد حينئذ أن عليه البقاء على إحرامه إلى أن يأتي بالحج من قابل إن

لم يشترط، و مع الاشتراط يجوز له التحلل.

و في المتن التفصيل بين ما إذا كان عدم الإدراك من غير تقصير. فلا يجب عليه الحج، إلّا مع حصول شرائط الاستطاعة في القابل، و إن كان عن تقصير يستقر عليه الحج و يجب من قابل، و لو لم يحصل شرائطها.

ثم إنّ مستند الصدوق و الشيخ ظاهرا صحيحة ضريس المتقدمة المشتمل ذيلها على قوله عليه السّلام بعد الحكم بلزوم الإتيان بأعمال العمرة المفردة بعد فوات الحج، و جواز الانصراف إلى الأهل الظاهر في تمامية المسألة و عدم لزوم الحج من قابل: «هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه، فإن لم يكن اشترط، فإن عليه الحج من قابل». هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه، فإن لم يكن اشترط، فإن عليه الحج من قابل». «1»

و هي خالية عن المناقشة في السند و الدلالة، بل لو كان في مقابلها ما يدل على

______________________________

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 146

..........

______________________________

لزوم الحج من قابل مطلقا أو عدم لزومه كذلك، أو الطائفتان معا، تصلح هذه الرواية للتقييد في الأوليين و شاهدة للجميع بينهما في الصورة الثالثة.

و لكنه ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه في مقام الجواب قوله: «و يشكل بعد الإعراض عن الصحيح المزبور و منافاته، لما هو المعلوم من غيره نصّا و فتوى بأنه إن كان مستحبا لم يجب القضاء، و إن لم يشترط، و كذا إن لم يستقرّ و لا استمر وجوبه، و إن كان واجبا وجوبا مستقرّا أو مستمرّا وجب. و إن اشترط. فالوجه حمله على شدة استحباب القضاء إذا لم يشترط و كان مندوبا أو

غير مستقر الوجوب و لا مستمرّة».

قلت: مع أن تأثير الأمر الاستحبابي و هو الاشتراط وجودا و عدما في ثبوت تكليف إلزامي مثل الحج المشتمل على مشقات كثيرة و عدمه في غاية الاستبعاد.

فهذا القول غير قابل للقبول.

نعم يرد على تفصيل المحقق في الشرائع، أنه لا مستند له ظاهرا سواء فسّرنا الوجوب في كلامه بما فسّره به صاحب الجواهر فيما تقدم، أم قلنا بأن المراد بالوجوب فيه أعم من المستقر و المستمرّ، بل هو شامل للوجوب في هذا العام، بمعنى كون إحرامه بنيّة حجة الإسلام، و إن لم يستقر عليه سابقا و لم يستمرّ لاحقا.

كما أن تفصيل المتن لا شاهد له، بل شواهد من الروايات على خلافه.

ففي صحيحة الحلبي المتقدمة، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلة فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات، و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام، فإنّ اللّٰه تعالى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 147

..........

______________________________

أعذر لعبده، فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة، و عليه الحج من قابل. «1»

فإنّ الرواية ظاهرة في مورد العذر في جميع الصور الثلاثة، و مع ذلك تدل على لزوم الحج من قابل و مقتضى إطلاقها أنه لا فرق في لزومه بين وجود الاستطاعة في العام القابل و عدمها فيه. كما أن مقتضى إطلاق السؤال فيها و ترك الاستفصال في

الجواب، أنه لا فرق بين كون الحج الذي أحرم له وفاته الموقفان واجبا أو مستحبّا، و في صورة الوجوب بين كونه مستقرا أو حاصلا في عام الحج. و بهذه الرواية تجاب عن تفصيل المحقق بكلا تفسيريه.

و مثلها رواية محمد بن فضيل، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الحدّ الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج، فقال: إذا أتى جمعا و الناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج و لا عمرة له، و إن لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حج له، فإن شاء أقام بمكّة و إن شاء رجع، و عليه الحج من قابل. «2»

و صحيحة حريز، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل مفرد للحج، فاته الموقفان جميعا، فقال له إلى طلوع الشمس يوم النحر، فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حجّ و يجعلها عمرة، و عليه الحج من قابل. «3»

و أظهر منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أدرك جمعا

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 5، ص: 147

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني و العشرون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 3.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 148

..........

______________________________

فقد أدرك الحج، قال: و قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام أيّما حاجّ سائق للهدي أو مفرد للحج أو متمتع بالعمرة

إلى الحج قدم و قد فاته الحج فليجعلها عمرة، و عليه الحج من قابل. «1»

و صحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: رجل جاء حاجّا ففاته الحجّ و لم يكن طاف، قال: يقيم مع الناس حراما أيام التشريق و لا عمرة فيها فإذا انقضت طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحلّ، و عليه الحجّ من قابل، يحرم من حيث أحرم. «2»

و في هذه الروايات، مضافا إلى ما استظهرنا منها من الإطلاق بالنسبة إلى الحج الذي أحرم له، و التعبير بالفوت في أكثرها الذي يكون القدر المتيقن منه صورة الترك لعذر، نكتة أخرى. و هي انّ الظاهر منها بملاحظة عطف لزوم الحج من قابل على جعل الإحرام عمرة مفردة ثبوت الأوّل في جميع موارد ثبوت الثاني. فكما أنه لا يختص التبديل بالعمرة المفردة بصورة وجوب الحج أو كون الترك عن تقصير، كذلك لا يختص لزوم الحج من قابل بإحدى الصورتين، بل يكون مورده جميع موارد التبديل.

نعم هنا رواية رواها داود بن كثير الرّقي، قال: كنت مع أبي عبد اللّٰه عليه السّلام بمنى، إذ دخل عليه رجل، فقال: قدم اليوم قد فاتهم الحج، فقال: نسئل اللّٰه العافية، قال: أرى عليهم أن يهريق كل واحد منهم دم شاة و يحلّون «يحلق» و عليهم الحج من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم، و إن أقاموا حتى تمضي أيام التشريق بمكّة، ثم خرجوا إلى بعض

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 149

..........

______________________________

مواقيت أهل مكّة فأحرموا منه و اعتمروا،

فليس عليهم الحج من قابل. «1»

و الرواية مخدوشة من حيث السند و الدلالة معا.

أمّا من جهة السند، فلوقوع الاختلاف في داود، حيث إنه ضعفه النجاشي و ابن الغضائري. و لكن يظهر من المفيد و العلّامة قبول روايته و وثاقته.

و أمّا من جهة الدلالة، فلأنّ مفادها لزوم اراقة دم شاة في مورد فوت الحج، و هو موافق لمذهب الشافعي و أكثر العامّة، نعم قال في الدروس: أوجب علي بن بابويه و ابنه على المتمتع بالعمرة يفوته الموقفان، العمرة و دم شاة و لا شي ء على المفرد سوى العمرة، و قال صاحب الجواهر: لا ريب في ضعفه و إن كان أحوط.

و لأنّ مفادها جواز الإحلال بل وجوبه بمجرد فوت الموقفين، و هو مخالف لجميع الروايات المتقدمة و الفتاوى، كما انّه لو كان الصادر «يحلق» يكون مفادها لزوم الحلق بمجرده و حصول الإحلال بعده من دون لزوم الإتيان بأعمال العمرة المفردة و هو أيضا كذلك، كما أن التخيير بين الإتيان بالعمرة المفردة مع إحرام جديد بعد مضيّ أيام التشريق، و بين الحج من قابل مخالف للنص و الفتوى. و عليه فاللازم طرح الرواية، و إن حملت على محامل متعددة من القدماء و المتأخرين.

و قد تحصّل من جميع ما ذكرنا انّه لو كنّا نحن و القواعد و لم يكن في البين شي ء من الروايات المتقدمة الواردة في المسألة، لكان مقتضى القاعدة عدم لزوم الحج من قابل فيما إذا كان الحج مستحبّا، أو كان وجوبه في نفس العام الذي وقع فيه فوت الموقفين في الحج و لم يكن وجوبه مستقرا و لا الاستطاعة باقية إلى العام القابل. لأنّ

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 5.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 150

..........

______________________________

غاية الأمر بطلان الحج بسبب فوت الموقفين، و هو يستلزم التبدل إلى العمرة المفردة، لأنه لا طريق إلى الإحلال غيره.

و أمّا لزوم الحج من قابل فلا وجه له، و إن كان الفوت لا لعذر، لأن إبطال العمل الاستحبابي لا يكون موجبا لقضائه و الإتيان به ثانيا، و إن كان الإبطال عمدا. نعم لو كان الحج مستقرا عليه، وجب عليه الحج من قابل. و كذا لو بقيت الاستطاعة إليه و لا يكفي حصولها في هذا العام، لأنّ الفوت يكشف عن عدم الاستطاعة، إلّا إذا كان الإبطال عمدا.

و منه يظهر وجه التفصيل المذكور في المتن. و إن كان يرد عليه أنّ اللازم استثناء صورة الاستقرار أيضا من مورد عدم وجوب الحج من قابل، بل استثناء هذه صورة الاستقرار أيضا من مورد عدم وجوب الحج من قابل، بل استثناء هذه الصورة أولى من استثناء صورة حصول الاستطاعة في العام القابل- كما لا يخفى.

هذا كلّه مع قطع النظر عن الروايات الواردة. و أمّا مع ملاحظتها فاللازم أن يقال- بمقتضى الدقة في مفادها و التأمل في مدلولها- بلزوم الحج من قابل، في جميع موارد التبدل إلى العمرة المفردة في مورد بطلان الحج. و لا يكون في البين ما يقتضي التقييد و الاختصاص. فالأحوط لو لم يكن أقوى ذلك. و الاستبعاد في مورد الحج الاستحبابي خصوصا مع فرض كون الفوت لعذر لا وجه له مع وجود الدليل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 151

3- في اختياري عرفة مع اضطراري المشعر النّهاري

الثالث: درك اختياري عرفة مع الاضطراري المشعر النّهاري، فإن ترك اختياري المشعر عمدا بطل، و إلّا صحّ. (1)

______________________________

(1) أمّا البطلان في صورة ترك اختياري

المشعر الذي هو الوقوف بين الطلوعين من يوم العيد عمدا، فلأنه مقتضى الركنيّة التي عرفت البحث فيها، و عرفت أن الركن هو المسمى من الوقوف بين الطلوعين، و الإخلال به عمدا يوجب البطلان.

و أمّا الصحة في صورة الترك لعذر، و درك اضطراري المشعر النهاري الذي هو مسمّى الوقوف من طلوع الشمس من يوم العيد إلى الزوال- على ما مرّ- فهو المشهور، و يدل عليه روايتان، و إن جعلهما في الوسائل ثلاث روايات:

إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام ما تقول في رجل أفاض من عرفات فأتى منى؟ قال: فليرجع فيأتي جمعا فيقف بها و إن كان الناس قد أفاضوا من جمع. «1» و الظاهر أنّ مورد الترك العمدي خارج عن محطّ السؤال.

ثانيتهما: رواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام رجل أفاض من عرفات فمرّ بالمشعر فلم يقف حتى انتهى إلى منى، فرمى الجمرة و لم يعلم حتى ارتفع النهار، قال: يرجع إلى المشعر فيقف به، ثم يرجع و يرمى الجمرة. «2»

فالحكم في هذا القسم ظاهر.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الواحد و العشرون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الواحد و العشرون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 152

4- في درك اختياري المشعر مع اضطراري عرفة

الرّابع: درك اختياري المشعر مع اضطراري عرفة، فإن ترك اختياري عرفة عمدا بطل، و إلّا صحّ. (1)

______________________________

(1) أمّا البطلان في صورة ترك اختياري عرفة عمدا، فلأنه مقتضى ركنيّة الوقوف بعرفة- على ما مرّ- فإن لازمها كون الإخلال العمدي به موجبا للبطلان.

و أمّا الصحة في صورة كون الترك مستندا إلى العذر فمضافا إلى أنّها مقتضى القاعدة، لأن المفروض درك اختياري المشعر،

و كون ترك الوقوف الاختياري بعرفة ناشئا عن العذر، و هو يوجب الانتقال إلى الاضطراري منه. و قد فرض دركه و عدم فوته منه. فلا يكون في البين ما يوجب البطلان، و إلى الروايات الدالة على أنّ من أدرك المشعر أدرك الحج- كما مرّ نقل بعضها و سيأتي أيضا. يدل عليها الروايات الخاصّة الواردة في فرض المسألة، مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال في رجل أدرك الإمام و هو بجمع، فقال: (إن ظنّ ظ) أنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا، ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و إن ظنّ أنه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها و ليقم بجمع، فقد تمّ حجّه. «1»

و صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها، ثم

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 153

5- في درك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر الليلي

الخامس: درك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر الليلي، فإن ترك اختياري المشعر بعذر صحّ، و إلّا بطل على الأحوط. (1)

______________________________

يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات .. «1»

و رواية إدريس بن عبد اللّٰه، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل أدرك الناس بجمع و خشي إن مضى إلى عرفات يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها، فقال: إن ظن أن يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات، فإن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع، ثم ليفض مع الناس فقد تم حجّه.

«2» و غير ذلك من الروايات الدالة على الصحة في هذا الفرض.

(1) الوجه في الصحة في صورة ترك اختياري المشعر بعذر واضح، لأن المفروض أنه أدرك اختياري عرفة و كون ترك اختياري المشعر مستندا إلى العذر المجوّز له كالطوائف المتقدمة اللّاتي رخّص لهن النفر من المشعر قبل طلوع الفجر- كالنساء و الخائف و المريض- فإنّ الترخيص مرجعه إلى الصحة و التماميّة- كما هو ظاهر.

و أمّا إذا كان ترك اختياري المشعر لغير عذر- كما إذا نفر من المشعر قبل طلوع

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني و العشرون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني و العشرون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 154

6- في درك اضطراري عرفة و اضطراري المشعر الليلي

السادس: درك اضطراري عرفة و اضطراري المشعر الليلي، فإن كان صاحب عذر و ترك اختياري عرفة عن غير عمد، صحّ على الأقوى، و غير المعذور إن ترك اختياري عرفة عمدا بطل حجّه، و إن ترك اختياري المشعر عمدا فكذلك على الأحوط، كما أن الأحوط ذلك في غير العمد أيضا. (1)

______________________________

الفجر عالما عامدا- فهو مورد المسألة الثانية المتقدمة التي ذكرنا فيها أن المشهور حكموا فيه بالصحة نظرا إلى ما فهموا من رواية مسمع من كون ذيلها ناظرا إلى العالم العامد. و قد مرّ أن مقتضى التحقيق في مفاد الرواية ما استفاد منها صاحب الحدائق من عدم تعريض الرواية لحكم العالم العامد بوجه، و أن اللازم فيه الرجوع إلى القاعدة المستفادة من سائر الروايات، من أنّ الركن من الوقوف بالمشعر هو المسمى ممّا بين الطلوعين و أن الإخلال العمدي به موجب للبطلان، فالأقوى في هذا الفرض هو البطلان- كما تقدّم.

(1) الوجه في الصحّة في صورة وجود

العذر، بالإضافة إلى ترك اختياري عرفة و درك اضطراريها، و كذا بالإضافة إلى الخروج من المشعر بعد الوقوف فيه في اللّيل و النفر فيه قبل طلوع الفجر هو الترخيص بالنسبة إلى كليهما. فإن مقتضى قيام اضطراري عرفة مقام الاختياري و الترخيص في النفر عن المشعر قبل طلوع الفجر بالنسبة إلى المعذورين، الصحّة مع رعاية كلا الأمرين. إلّا أن يناقش بعدم معلومية شمول دائرة الترخيص للمعذورين لمن لم يدرك اختياري عرفة بل أدرك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 155

..........

______________________________

اضطراريهما. فإن القدر المتيقن منها خصوص من أدرك الاختياري من عرفة.

و لكن المناقشة مدفوعة بثبوت الإطلاق في أدلة الترخيص و عدم الاختصاص بمن ذكر حتى الصحيحة الحاكية لحجّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في حجة الوداع المشتملة على قوله عليه السّلام «و عجّل ضعفاء بنى هاشم بالليل» فإن العمل و إن كان لا إطلاق له، إلّا انّه إذا كان الحاكي له هو الإمام عليه السّلام و كان الغرض من حكايته بيان الحكم يستفاد من الإطلاق و عدم التقييد ثبوته بنحو الإطلاق. و عليه فلا مجال للمناقشة المزبورة بوجه.

و أمّا ترك اختياري المشعر بالنفر منه قبل طلوع الفجر عامدا، فقد عرفت أنّ الحكم فيه هو البطلان. خلافا للمشهور الذي حكموا فيه بالصحّة- على ما مرّ- و مما ذكرنا ظهر وجه الاحتياط في الحكم بالبطلان في صورة غير العمد أيضا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 156

7- في من أدرك الاضطراريين

السابع: درك اضطراري عرفة و اضطراري المشعر اليومي. فإن ترك أحد الاختياريين متعمّدا بطل، و إلّا فلا يبعد الصحة، و إن كان الأحوط الحج من قابل، لو استطاع فيه. (1)

______________________________

(1)

الفتوى بالبطلان فيما إذا كان ترك أحد الاختياريين مستندا إلى التعمد مع أنه قد احتاط بالبطلان في ترك اختياري المشعر كذلك، إنّما هو لأجل الفرق بين الموردين، لأنّ مورد الاحتياط المتقدم ما إذا كان المتعمد مدركا للوقوف بالمشعر بالليل، غاية الأمر النفر منه إلى منى قبل طلوع الفجر كذلك.

و مورد الفتوى هنا ما إذا كان ترك الوقوف بالمشعر في مجموع الليل و فيما بين الطلوعين عامدا، فإنه في هذا الفرض لا محيص عن الحكم بالبطلان، سواء قلنا بأن الركن هو المسمى مما بين الطلوعين- كما اخترناه- أو قلنا بأن الركن هو المسمّى منه و من الوقوف بالليل.

و أمّا إذا لم يكن ترك شي ء من الاختياريين عمدا بل كان مستندا إلى العذر، فقد ورد فيه نص خاص ظاهر في الصحّة و التمامية، و هي:

صحيحة الحسن العطّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا أدرك الحاجّ عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد أفاضوا، فليقف قليلا بالمشعر الحرام و ليلحق الناس بمنى و لا شي ء عليه. «1»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الرابع و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 157

..........

______________________________

ثم إنه لو قلنا في القسم الحادي عشر الآتي و هو ما إذا أدرك اضطراري المشعر النهاري فقط بالصحة و عدم البطلان، فاللازم الحكم بالصحة في هذا القسم بطريق أولى. لأنّ المفروض فيه درك اضطراري عرفة أيضا. و هذا بخلاف ما لو قلنا هناك بالبطلان، فإنه لا يستلزم الحكم بالبطلان هنا بعد ورود رواية خاصة دالة على الصحة- كما مرّ- فاللازم البحث في ذلك القسم هنا، فنقول:

المشهور هو البطلان بل عن

المنتهى و المختلف و التنقيح أنه موضع وفاق، لكن المحكيّ عن ابن الجنيد و الصدوق و السيّد و الحلبيين و جماعة من المتأخرين كالشهيد الثاني و صاحب المدارك هو العدم. و منشأ الخلاف وجود الروايات المختلفة في هذا المجال. و هي على طوائف ثلاث:

الطائفة الأولى: ما تدل بظاهرها على أنّ عدم إدراك المشعر قبل طلوع الشمس من يوم النحر يوجب البطلان. و هي كثيرة، مثل:

ذيل صحيحة الحلبي المتقدمة و هو قوله عليه السّلام: و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات- يعني الاختياري و الاضطراري منه- فليقف بالمشعر الحرام، فإنّ اللّٰه تعالى أعذر لعبده فقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام، فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحج من قابل. «1»

و الظاهر أن المراد من قوله في الذيل «إن لم يدرك المشعر الحرام» هو عدم إدراك المشعر قبل طلوع الشمس بقرينة الجملة السابقة و التفريع، فتدلّ على أن عدم درك

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 158

..........

______________________________

الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس يوجب البطلان. و المفروض فيها صورة فوت الوقوف بعرفة مطلقا.

و صحيحة حريز، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل مفرد للحج، فاته الموقفان جميعا، فقال له: إلى طلوع الشمس يوم النحر، فإن طلعت الشمس من يوم النحر، فليس له حجّ، و يجعلها عمرة، و عليه الحجّ من قابل. «1»

و غير ذلك من الروايات المتعددة الدالة على هذا المعنى.

الطائفة الثانية: ما تدل بظاهرها على أن إدراك المشعر قبل زوال الشمس من يوم النحر

يكفي في إدراك الحج و عدم فوته. و هي أيضا كثيرة، مثل:

صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج، و من أدرك يوم عرفة قبل زوال الشمس فقد أدرك المتعة «2».

و صحيحة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أدرك المشعر الحرام و عليه خمسة من الناس قبل أن تزول الشمس، فقد أدرك الحج. «3» و في رواية الصدوق ترك قوله: و عليه خمسة من الناس.

و غير ذلك من الروايات الدالة على هذا الأمر.

الطائفة الثالثة: ما جعلت شاهدة للجمع بين الطائفتين الأوّليين، و هي روايتان:

إحديهما: صحيحة عبد اللّٰه بن المغيرة، قال: جاءنا رجل بمنى، فقال: إنّي لم أدرك

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 8.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 159

..........

______________________________

الناس بالموقفين جميعا- إلى أن قال- فدخل إسحاق بن عمّار على أبي الحسن عليه السّلام فسأله عن ذلك، فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر، فقد أدرك الحجّ. «1»

ثانيتهما: موثقة الفضل بن يونس عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل أن يعرف فبعث به إلى مكّة فحبسه، فلمّا كان يوم النّحر خلّى سبيله، كيف يصنع؟ فقال: يلحق فيقف بجمع، ثم ينصرف إلى منى، فيرمي و يذبح و يحلق و لا شي ء عليه .. «2»

و الوجه في كونها شاهدة للجمع، نصوصية هذه الطائفة

في الصحة في مفروض المقام و ظهور الأوليين في البطلان مطلقا، من دون فرق بين صورة درك الوقوف بعرفة و صورة عدمه و في الصحّة المطلقة كذلك. و عليه فالظاهر هي الصحة، و لازمها الحكم بها في المقام بنحو أولى.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 6.

(2) الوسائل: أبواب الإحصار و الصدّ، الباب الثالث، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 160

8- في درك اختياري عرفة خاصة

الثامن: درك اختياري عرفة، فإن ترك المشعر متعمّدا بطل حجّه، و إلّا فكذلك على الأحوط. (1)

______________________________

(1) لا شبهة في البطلان في ما إذا ترك الوقوف بالمشعر بأنواعه الثلاثة متعمّدا و لا خلاف فيه أصلا، و إنّما الإشكال في ما إذا كان الترك كذلك مستندا إلى العذر، كما إذا ضلّ في الطريق بعد الإفاضة من عرفات بحيث لم يتيسر له شي ء من الوقوفين الاضطراريين للمشعر و لا الوقوف الاختياري، فهل الحكم فيه صحة الحج أو بطلانه؟

قال في المسالك: «لو فرض عدم إدراك المشعر أصلا صحّ أيضا، فإن اختياري أحدهما كاف» و قال في موضع آخر: «لا خلاف في الإجزاء بأحد الموقفين الاختياريين».

و أورد عليه سبطه صاحب المدارك بانتفاء ما يدل على الإجزاء بإدراك اختياري عرفة خاصة، قال: مع أنّ الخلاف في المسألة متحقق فإن العلامة في المنتهى صرّح بعدم الاجتزاء بذلك و هذه عبارته: «و لو أدرك أحد الموقفين اختيارا وفاته الآخر مطلقا فإن كان الفائت هو عرفات فقد صحّ حجّه لإدراك المشعر و إن كان هو المشعر ففيه تردد، أقربه الفوات».

و قال في التحرير: «و لو أدرك أحد الاختياريين و فات الآخر- اختيارا و اضطرارا- فإن كان الفائت هو عرفة صح الحج، و إن كان

هو المشعر ففي إدراك الحج إشكال، و نحوه في التذكرة قال. فعلم من ذلك أن الاجتزاء بإدراك اختياري عرفة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 161

..........

______________________________

ليس إجماعيّا- كما ذكره الشارح، يعني صاحب المسالك- و أن المتجه فيه عدم الاجتزاء لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه و انتقاء ما يدل على الصحة مع هذا الإخلال.

و أجاب عن الإيراد صاحب الجواهر قدّس سرّه بقوله: «قلت قد نفى عنه الخلاف في التنقيح أيضا و عن جماعة نسبته إلى الشهرة، منهم المحدث المجلسي و السيّد نعمة اللّٰه الجزائري في شرح التهذيب و شارح المفاتيح، بل عن الأخير عن بعضهم الإجماع عليه و في الذخيرة و المختلف أنه المعروف بين الأصحاب، بل في الرياض أنه عزاه في الذخيرة إليهم مشعرا بعدم خلاف فيه- كما هو ظاهر المختلف و الدروس أيضا- بل تسمع تصريح المصنف و الفاضل في القواعد و غيرهما بعدم بطلان الحج مع نسيان الوقوف بالمشعر إن كان قد وقف بعرفة، كالمحكيّ عن السرائر و الجامع و الإرشاد و التبصرة و الدروس و اللمعة و غيرها. بل هو صريح الفاضل في التحرير و المنتهى أيضا فيكون رجوعا عن الأوّل، و به يتمّ نفي الخلاف حينئذ».

أقول: المهمّ في المقام ملاحظة الأدلة في ما يدل منها على البطلان مضافا إلى ما ذكره صاحب المدارك من عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ما يدل على أن فوت المزدلفة موجب لفوات الحج، من بعض الروايات الصحيحة، مثل:

صحيحة عبيد اللّٰه و عمران ابني عليّ الحلبيين عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج. «1» فإنّ المراد بالفوت أو القدر المتيقن صورة كون الفوت عن

عذر، لا بمعنى كون الفوت عن عمد غير موجب لفوات الحج، بل بمعنى كون محطّ

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر. الباب الخامس و العشرون. ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 162

..........

______________________________

النظر في الرواية صورة غير العمد التي ربما يتخيل فيها الصحة و عدم فوات الحجّ، كما أن القدر المتيقن من صورة فوت المزدلفة فوتها بجميع أنواعها الثلاثة.

و عليه فمقتضى إطلاق الصحيحة ان فوت المزدلفة موجب لفوت الحج و إن أدرك اختياري عرفة.

و كذا يدل على البطلان الروايات الدالة على أن إدراك المشعر إمّا قبل طلوع الشمس و إمّا إلى زوال الشمس موجب لإدراك الحج. و قد تقدم نقل جملة منها. فإن المستفاد منها أن عدم إدراكه كذلك يوجب عدم إدراك الحج من دون فرق بين صورة درك اختياري عرفة و صورة عدمه. و لا مجال لما في الجواهر من وجوب تخصيص ذلك كلّه بغير الجاهل الذي وقف اختياري عرفة الملحق به الناسي و المضطرّ بعدم القول بالفصل.

نعم لا وجه للاستناد على البطلان بما ورد في بعض الروايات من أن الوقوف بالمشعر فريضة و الوقوف بعرفة سنّة. «1» بعد كون المراد من السنّة فيه ما ثبت وجوبه بغير الكتاب لا المستحبّ.

كما أنه لا مجال للاستدلال على الصحة بالنبوي العامي: «الحج عرفة» بعد عدم اعتباره، و كذا بما ورد في بعض ما روى من طرقنا من أن الحج الأكبر الوقوف بعرفة و رمي الجمار بعد دلالة الروايات الكثيرة الصحيحة على أن الحج الأكبر يوم الأضحى. و في بعضها التصريح بعدم كونه عرفة.

و العمدة في الدليل على الصحة بعض الروايات الخاصة، مثل:

______________________________

(1) الوسائل: أبواب إحرام الحج. الباب التاسع عشر، ح 11.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 163

..........

______________________________

مرسل محمد بن يحيى الخثعمي عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في من جهل و لم يقف بالمزدلفة و لم يبت بها حتى أتى منى. قال: يرجع. قلت: إن ذلك قد فاته، فقال: لا بأس به. «1»

و صحيح محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام أنه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة و لم يبت بها حتى أتى منى. قال: ألم ير الناس ألم ينكر (يذكر خ ل) منى حين دخلها؟ قلت: فإنه جهل ذلك. قال: يرجع. قلت: إن ذلك قد فاته. قال: لا بأس به. «2»

هذا و الظاهر اتحاد الروايتين، مع كون الراوي هو محمد بن يحيى الخثعمي و كون الراوي عنه هو محمد بن أبي عمير، لأنه من البعيد جدّا رواية ابن يحيى تارة بنحو الإرسال و أخرى بدون الواسطة. فالرواية واحدة مرددة بين الإرسال و غيره، و لا تكون معتبرة مع هذه الكيفية. نعم لا مجال للمناقشة في دلالتها بعد ظهورها في درك وقوف اختياري عرفة و فوت وقوف المشعر مطلقا. و مجرد العبور منه لا يكفي بعد كون الوقوف عبادة تحتاج إلى النية و سائر الأمور المعتبرة.

و رواية محمد بن حكيم التي رواها عنه الشيخ و الصدوق بطريق صحيح و الكليني في أحد النقلين كذلك و بسند ضعيف فيه سهل بن زياد في النقل الآخر.

قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام أصلحك اللّٰه، الرجل الأعجمي و المرأة الضعيفة تكونان مع الجمال الأعرابي، فإذا أفاض بهم من عرفات مرّ بهم كما هم إلى منى لم ينزل بهم جمعا، قال: أ ليس قد صلّوا بها فقد أجزأهم. قلت:

فإن لم يصلوا. فقال: فذكروا اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر. الباب الخامس و العشرون. ح 3.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر. الباب الخامس و العشرون. ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 164

..........

______________________________

فيها، فإن كانوا ذكروا اللّٰه فيها فقد أجزأهم. «1»

هذا، و لكن محمد بن حكيم لم يوثق، و غاية ما ورد فيه أنه كان مأمورا من قبل أبي الحسن عليه السّلام بالجلوس في مسجد المدينة، و المناظرة مع الناس في المسائل الكلامية، و لا مجال لدعوى الانجبار باستناد المشهور إلى هذه الرواية بعد كون المستفاد منها اعتبار أمرين في الصحة في المورد المفروض. أحدهما: العبور من المشعر بعد الإفاضة من عرفات، و ثانيهما: الصلاة في المشعر أو ذكر اللّٰه فيه، و لا يوجد شي ء من القيدين في كلام المشهور. بل- كما قال صاحب الجواهر قدّس سرّه- لم يجده قولا لأحد من الأصحاب حتى المتأخرين و متأخريهم إلّا صاحب الذخيرة حيث اعتبر في الصحة في الفرض ذلك.

مع أنه يستفاد من الرواية أن المراد من ذكر اللّٰه المأمور به في قوله تعالى:

فَاذْكُرُوا اللّٰهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرٰامِ هو معناه الظاهر الشامل للصلاة و مطلق الذكر، مع أن الظاهر ان المراد به هو الوقوف الذي هو أمر عبادي متقوم بالقصد المتوقف على تشخيص المشعر، و عليه فلا مجال للأخذ بالرّواية.

و دعوى أن استناد المشهور إلى رواية ابن يحيى جابر لضعفها الناشئ عن التردّد بين الإرسال و غيره مدفوعة بأن استناد المشهور إليها إن كان مرجعه إلى ترجيحها على الروايات الدالة على أن فوت المزدلفة موجب لفوت الحج، بمعنى الإعراض عنها فملاحظة كلماتهم تقتضي بخلافه، و أنهم لم يعرضوا عنها بوجه، و إن كان

مرجعه إلى الجمع الدلالي، فقد عرفت عدم إمكانه. فاللازم أن يقال: بعدم تمامية دليل القول بالصحة، و انّ الأحوط لو لم يكن أقوى هو البطلان- كما في المتن.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الخامس و العشرون، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 165

9- في درك اضطراري عرفة خاصة

التاسع: درك اضطراري عرفة فقط. فالحج باطل. (1)

10- في درك اختياري المشعر خاصة

العاشر: درك اختياري المشعر فقط. فصحّ حجّه إن لم يترك اختياري عرفة متعمّدا، و إلّا بطل. (2)

______________________________

(1) في الدروس أنه غير مجز قولا واحدا، و عن الذخيرة لا أعرف فيه خلافا، و عن جماعة الإجماع عليه، و ما يشعر به عبارة المفاتيح من النسبة إلى الشهرة مشعرة بوجود خلاف فيه في غير محله. و الوجه في البطلان على تقدير القول بالبطلان في درك اختياري عرفة خاصة- كما رجّحناه- واضح.

و على تقدير القول بالصحة هناك- كما اختاره المشهور- فالوجه في البطلان هنا عدم شمول شي ء من أدلة الصحة للمقام من دون فرق بين النبويّ الحج عرفة أو الحج الأكبر الموقف بعرفة لظهورهما في الوقوف الاختياري، و بين الروايات الخاصة المتقدمة الظاهرة في الاختياري.

(2) نفى الإشكال في الصحة هنا صاحب الجواهر، و في محكي الدروس أنه خرج الفاضل وجها بإجزاء اختياري المشعر وحده دون اختياري عرفة.

و الدليل على الصحة في هذا القسم مضافا إلى أنه لا خلاف فيه، دلالة جملة من الروايات المتقدمة على أن إدراك المشعر قبل طلوع الشمس إدراك للحجّ أو أن إدراكه قبل زوال الشمس موجب لإدراكه و لا يعارضها في هذه الجهة شي ء.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 166

11 و 12- في درك اضطراري المشعر فقط

الحادي عشر: درك اضطراري المشعر النهاري فقط. فبطل حجّه. (1)

الثاني عشر: درك اضطرارية الليلي فقط، فإن كان من أولى الأعذار و لم يترك وقوف عرفة متعمّدا صحّ على الأقوى، و إلّا بطل. (2)

______________________________

و في رواية محمد بن فضيل المتقدمة في الجواب عن سؤال الحدّ الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج. قال عليه السّلام: إذا أتى جمعا و الناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج و لا عمرة

له .. «1»

و من الظاهر خصوصا بملاحظة السؤال عدم تقييده بما إذا أدرك الوقوف بعرفة، فمقتضاه أن إدراك الاختياري من المشعر يكفي لإدراك الحج. فلا شبهة في هذا القسم.

(1) قد مرّ البحث عن هذا القسم في شرح البحث عن القسم السابع و تقدم أنّ الظاهر فيه الصحة، خلافا لما في المتن الموافق للمشهور. فراجع.

(2) الصحّة في ما إذا كان من أولى الأعذار و لم يترك وقوف عرفة متعمدا، فلأجل أنّه لا يكون ترك الوقوف بعرفة مستندا إلى التعمد حتى يستلزم البطلان.

و المفروض انّه من أولى الأعذار الذين رخص لهم النفر قبل طلوع الفجر من

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 167

..........

______________________________

المشعر.

و عليه فمنشأ البطلان لا بد و أن يكون إمّا عدم الترخيص، و الفرض خلافه، لأنه من أولى الأعذار، و لا مجال لاحتمال كون الترخيص مختصّا بمن أدرك الوقوف بعرفة، فإنه خلاف إطلاق أدلة الترخيص، مع ورودها في مقام البيان و عدم إشعار في شي ء منها بصورة إدراك عرفة.

و إمّا عدم كون الترخيص مستلزما للصحة. و من الظاهر ثبوت الاستلزام، فإنه لا يكون الترخيص الخالي عن الحكم بالصحة ممّا له وجه. فلا بد من الالتزام باستلزام الترخيص للحكم بالصّحة، فلا شبهة فيه مع وجود هذين القيدين. و إمّا مع عدم واحد منهما، فإن كان قد ترك وقوف عرفة متعمّدا، فلا شبهة في بطلان الحج بمقتضى ما مرّ من ركنيّته كركنيّة الوقوف بالمشعر. و المفروض كون الإخلال به ناشئا عن التعمّد. ففي هذه الصورة لا مجال للإشكال في البطلان.

و أمّا إذا كان ترك وقوف عرفة عن غير تعمد و اختيار، و

لم يكن من الطوائف المعذورين الذين رخّص لهم النّفر من المشعر قبل طلوع الفجر، كما إذا كان قد أفاض قبل طلوع الفجر جاهلا. فالمحكي عن الشهيد الثاني قدّس سرّه الصّحة. و لكنه تردد فيها صاحب المدارك. و الوجه في الصحة أحد أمرين:

الأوّل: الأولويّة بالإضافة إلى الاضطرار اليومي للمشعر بناء على كون إدراكه فقط موجبا لإدراك الحج و صحته. وجه الأولوية أنّ الاضطراري الليلي فيه شائبة الاختيار، و لذا يجوز للمرأة اختيارا و من دون عذر. فإذا كان الاضطراري اليومي كافيا في الصحة فالاضطراري الليلي بطريق أولى. فإذا أفاض قبل طلوع الفجر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 168

..........

______________________________

جاهلا، يكفي ذلك في صحة الحج.

و يرد على هذا الأمر مضافا إلى عدم كون الصحة هناك مسلّمة، و إن اخترناها فيه منع الأولوية بعد عدم وضوح الملاكات لنا بوجه، خصوصا بعد ثبوت الاختلاف في الموارد المشابهة، فإنك قد عرفت أن اختياري كلا الوقوفين ركن، مع أن الاكتفاء بإدراك الوقوف الاختياري للمشعر كاف في صحة الحج بلا كلام.

و الاكتفاء بإدراك الوقوف الاختياري بعرفة محل خلاف. و إن اختار المشهور ذلك.

و مثل ذلك يرشدنا إلى عدم وضوح الملاكات حتى يكون هنا مقايسة أو أولوية، فتدبر.

الثاني: رواية مسمع عن أبي إبراهيم (عبد اللّٰه خ ل) في رجل وقف مع الناس بجمع، ثم أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: أن كان جاهلا فلا شي ء عليه، و إن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة. «1»

و لا مجال للتشكيك في سند الرواية- كما يظهر من الجواهر- فإنه صحيح بنفسه أولا، و على تقدير وجود الخلل فيه يكون استناد المشهور إلى الرواية خصوصا في حكم لم يقع التعرض

له في غير هذه الرواية، و هي صحة الحج لو أفاض قبل الفجر عامدا عالما يكفي في الانجبار. و نحن و إن منعنا ما استفاده المشهور من دلالة الرواية و قلنا بأن مورد كلتا الشرطيتين هو الجاهل. و الاختلاف إنّما هو في الإفاضة قبل طلوع الشمس و الإفاضة قبل طلوع الفجر. إلّا أنّ جبر الضعف على تقديره بالاستناد لا يكاد يصلح للمنع، فالرواية من جهة الحجيّة و الاعتبار لا مناقشة فيها.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السّادس عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 169

..........

______________________________

و أمّا من جهة الدلالة، فإن قلنا بثبوت الإطلاق في موردها، و أنّ المراد منه هو الرجل الذي أدرك الوقوف بالمشعر، و لكنه أفاض قبل إفاضة الناس أعم ممّا إذا كانت الإفاضة قبل طلوع الشمس. و ما إذا كانت قبل طلوع الفجر من دون مدخليّة قيد درك الوقوف بعرفة، فاللازم الحكم بالصحة في مفروض المقام لدلالة الرواية على كفاية درك الوقوف الاضطراري الليلي، و إن لم يدرك الوقوف بعرفة. و الفرض كون الرجل جاهلا و هو لا يكون من الطوائف المتقدمة.

و إن لم نقل بثبوت الإطلاق في موردها، فلا دلالة لها على الصحة في المقام. بل القدر المتيقن صورة درك وقوف عرفة أيضا. و الظاهر من الرواية هو الثاني لما عرفت سابقا من ثبوت الفرق بين الحكم بالصحة و بين الحكم بالبطلان في الأعمال المركبة المشتملة على الأجزاء و الشرائط، من جهة أنّ البطلان حكم مطلق لا يكون إضافيّا و حيثيّا. و الصحة تكون خلافه.

و عليه فمراد الرواية أن الوقوف الكذائي المفروض فيها يكفي من ناحية الوقوف بالمشعر، و يتصف الحج بالصحة من هذه الحيثية.

و لا ينافي أن يكون الحج باطلا لجهة أخرى مؤثرة فيه كترك الوقوف بعرفة في المقام. و عليه فغاية مفاد الرواية الصحة.

بالإضافة إلى موردها و لا إطلاق لها يشمل كلتا الصورتين فلا يستفاد منها الصحة في المقام.

و من جميع ما ذكرنا ظهر أن الحكم بالبطلان في هذه الصورة لو لم يكن أقوى- كما في المتن- فلا أقل من أن يكون أحوط لعدم ثبوت الترخيص، و عدم وجود دليل على الصحة. فتدبر. هذا تمام الكلام في الوقوفين.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 171

[القول في واجبات منى]

اشارة

القول في واجبات منى

1- رمي جمرة العقبة

اشارة

و هي ثلاثة: الأوّل رمى جمرة العقبة بالحصى، و المعتبر صدق عنوانها، فلا يصحّ بالرّمل و لا بالحجارة و لا بالخزف و نحوها. و يشترط فيها أن تكون من الحرم، فلا تجزى من خارجه، و أن تكون بكرا لم يرم بها و لو في السنين السّابقة، و أن تكون مباحة، فلا يجوز المغصوب، و لا بما حازها غيره بغير إذنه، و يستحبّ أن تكون من المشعر. (1)

______________________________

(1) قال في الجواهر في وجه تسمية منى: «سمّيت بذلك لما يمنى بها من الدعاء و لما عن ابن عباس أن جبرئيل عليه السّلام لما أراد أن يفارق آدم عليه السّلام قال له: تمنّ، قال: أتمنّى الجنّة. فسمّيت بذلك، لأمنيّة آدم.

و في خبر ابن سنان المروي عن العلل عن الرّضا عليه السّلام لما سأل عن ذلك، قال: لأن جبرئيل عليه السّلام قال هناك لإبراهيم عليه السّلام: تمنّ على ربّك ما شئت، فتمنى أن يجعل اللّٰه مكان ولده إسماعيل كبشا يأمره بذبحه فداء له، فأعطاه اللّٰه مناه».

و كيف كان، فأوّل واجبات منى و مناسكها يوم النحر رمي جمرة العقبة أو الجمرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 172

..........

______________________________

الكبرى أو العظمى أو القصوى على الاختلاف في تعابير الروايات الناشئ عن الخصوصيات المتعددة الموجودة فيها.

و لا شبهة في وجوبه، و عن المنتهى و التذكرة لا نعلم فيه خلافا. و منشأ توهّم وجود الخلاف في الوجوب أحد أمرين:

الأوّل: تعبير الشيخ الطوسي قدّس سرّه في محكي كتاب الجمل ب: «أنّ الرّمي مسنون» فربما يتخيل أن مراده من قوله: «مسنون» أنه مستحبّ لا واجب. و لذا ذكر ابن حمزة في محكي الوسيلة: أن الرّمي واجب عند

أبي يعلى- صاحب المراسم- مندوب إليه عند الشيخ أبي جعفر قدّس سرّه.

و لكنّه أبطل هذا التخيل صاحب السّرائر بقوله: «لا خلاف فيه- أي في الوجوب- بين أصحابنا و لا أظنّ أحدا من المسلمين يخالف فيه، و قد يشتبه على بعض أصحابنا و يعتقد أنه مسنون غير واجب، لما يجده من كلام بعض المصنفين و عبارة موهمة أوردها في كتابه و يقلّد المسطور بغير فكر و لا نظر. و هذا غاية الخطأ و ضدّ الصواب. فإن شيخنا قال في الجمل: «و الرمي مسنون»، فظنّ من يقف على هذه العبارة أنّه مندوب، و إنّما أراد الشيخ بقوله: «مسنون» أن فرضه علم من السنّة، لأن القرآن لا يدل على ذلك».

و يؤيده بل يدل عليه ما مرّ من بعض الروايات الدالة على أن المشعر فريضة، و عرفة سنة، مع وضوح وجوب الوقوف بعرفات كوجوب الوقوف بالمشعر.

و الاختلاف بينهما في ما ذكر.

ثانيهما: أن المفيد قدّس سرّه في المقنعة و الشيخ في المبسوط قد أهملا ذكر الرّمي في تعداد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 173

..........

______________________________

فرائض الحج. فربما يتوهم منه عدم الوجوب. و لكن يدفعه تصريحهما بلزوم إتيان الجمرة التي عند العقبة. أو بأن مناسك منى يوم النحر ثلاثة، أوّلها: رمي الجمرة الكبرى. فيدل ذلك على أن المراد بالفرائض ما يستفاد وجوبها من القرآن. و إن كان يبعده عدم دلالة الكتاب على بعض الفرائض، فتدبر.

و كيف كان فيدل على وجوب الرّمي روايات كثيرة، مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: خذ حصى الجمار، ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة، فارمها من قبل وجهها و لا ترمها من أعلاها، و تقول و

الحصى في يدك .. «1»

و رواية عليّ بن أبي حمزة عن أحدهما عليه السّلام قال: أي امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر الحرام بليل فلا بأس، فليرم الجمرة، ثم ليمض، و ليأمر من يذبح عنه و تقصر المرأة و يحلق الرّجل، .. «2»

و صحيحة سعيد الأعرج، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام جعلت فداك، معنا نساء فأفيض بهنّ بليل؟ فقال: نعم، تريد أن تصنع كما صنع رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم؟ قلت: نعم، قال: أفض بهنّ بليل، و لا تفض بهنّ حتى تقف بهنّ بجمع، ثم أفض بهنّ حتى تأتي الجمرة العظمى فترمين الجمرة، .. «3»

و الروايات الكثيرة الآتية- إن شاء اللّٰه- الدالة على أنه يرمى عن المريض و المغمى عليه و الكسير و المبطون، الظاهرة في وجوب الاستنابة و لازمها وجوب

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث ح 1.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الأوّل، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 174

..........

______________________________

الرمي، و كذا الروايات الحاكية لحجة الوداع الصادرة من النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم و غيرها، فلا شبهة في أصل الحكم. ثم إنه يعتبر في ما يرمى به أمور:

الأوّل: أن يصدق عليه عنوان الحصى. و فرّع عليه في المتن عدم صحة الرّمي بالرمل و لا بالحجارة و لا بالخزف و نحوها، و لكنّه ذكر المحقق في الشرائع: «أنه يشترط فيه أن يكون مما يسمّى حجرا».

و قال الشهيد الثاني في شرحه: «احترز باشتراط تسميتها حجرا عن نحو الجواهر و الكحل و الزرنيخ و العقيق فإنّها لا تجزي

خلافا للخلاف. و يدخل فيه الحجر الكبير الذي لا يسمى حصاة عرفا. و ممّن اختار جواز الرّمي به الشهيد في الدّروس. و يشكل بأنّ الأوامر الواردة إنّما دلّت على الحصاة، و لعلّ المصنف أراد بيان جنس الحصى، لا الاجتزاء بمطلق الجنس، و مثله القول في الصغيرة جدّا، بحيث لا يقع عليها اسم الحصاة. فإنّها لا تجزي أيضا و إن كانت من جنس الحجر».

و قال سبطه في المدارك: «الأجود تعين الرّمي بما يسمّى حصاة، فلا يجزي الرّمي بالحجر الكبير الذي لا يسمّى حصاة. خلافا للدّروس و كذا الصغير جدّا بحيث لا يقع عليه اسم الحصاة».

و يدل على اعتبار عنوان الحصى الذي يعتبر فيه أمران: كونه من جنس الحجر و كونه غير كبير و لا صغير جدّا، الروايات التي يأتي التعرض لجملة منها إن شاء اللّٰه.

الثاني: أن يكون من الحرم لا من خارجه- كما هو المشهور- بل كما في الجواهر:

لا أجد فيه خلافا محقّقا إلّا ما سمعته من الخلاف، و مراده منه تجويزه الرمي بمثل البرام و الجواهر مع بعد حرمتيهما. و يدل على اعتبار هذا الأمر أيضا بعض النصوص

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 175

..........

______________________________

الآتية و في بعضها استثناء المسجدين: المسجد الحرام و مسجد الخيف. كما عن الأكثر و عن القواعد. و الجامع استثناء جميع المساجد.

الثالث: أن يكون بكرا لم يرم به الجمار رميا صحيحا، و لو في الأزمنة السابقة و السنين الماضية. و قد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر، بل حكي عن الخلاف و الغنية و الجواهر الإجماع عليه، و يدل عليه بعض الروايات الآتية:

و أمّا النصوص:

فمنها: صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: حصى الجمار

إن أخذته من الحرم أجزأك و إن أخذته من غير الحرم لم يجزئك، قال و قال: لا ترم الجمار إلّا بالحصى. «1»

فإن ذيلها ظاهر بل صريح في عدم جواز رمي الجمار إلّا بالحصى. و قد عرفت اعتبار أمرين في صدق عنوانه. و صدرها دالّ أيضا على اعتبار أن يكون من الحرم. و أنه لا يجزي الحصى المأخوذ من غير الحرم بوجه.

و التعبير بالجمار بصيغة الجمع شامل للجمرة العقبة، و مقتضى الإطلاق أنه لا فرق بين ما إذا انفردت بالرمي- كما في يوم النحر- و بين ما إذا كانت مع الجمرتين الآخرتين- كما في اليومين أو الأيام الثلاثة بعد يوم النحر- و عليه فلا إشكال في دلالة الرواية في المقام.

و منها: رواية حنّان التي رواها الكليني و الصدوق مع اختلاف يسير في المتن.

و لأجله جعلها في الوسائل روايتين. و الظاهر اتحادهما. فقد روى عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام أنه قال: يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلّا من المسجد الحرام،

______________________________

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب التاسع عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 176

..........

______________________________

و مسجد الخيف. «1»

و الظاهر أنه لا يجوز التعدي من المسجدين إلى جميع ما في الحرم من المساجد، و إن كان ربما يستدل عليه بأنّ إخراج الحصى من المسجد منهي عنه، و هو يقتضي الفساد.

و لكنه يمنع أوّلا بأن من أحكام المساجد كراهة الإخراج لا الحرمة، و ثانيا أن حرمة الإخراج لا تقتضي حرمة الرمي إلّا بناء على مسألة الضد إذا قلنا بوجوب المبادرة إلى العود المنافي له.

و منها: مرسلة حريز عمن أخبره عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته من أين ينبغي أخذ

حصى الجمار؟ قال: لا تأخذ من موضعين: من خارج الحرم و من حصى الجمار، و لا بأس بأخذه من سائر الحرم. «2»

و هي تدل على أن أخذ حصى الجمار من حصى الجمار- و معناه الأخذ من الحصى الذي لا يكون بكرا، بل مستعملا قبلا في الرمي- غير جائز، و إرسالها منجبر باستناد المشهور إليها.

ثم أن الظاهر استحباب التقاط الحصى من المشعر، لدلالة روايات متعددة عليه و في بعضها استحباب أخذها من منى بعد المشعر، و لم يوجد من نص عليه.

الرابع: أن تكون الحصيات مباحة، فلا يجوز الرمي بما لا يجوز التصرف فيه، لعدم إذن صاحبه.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب التاسع عشر، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب التاسع عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 177

[مسألة 1] في وقت الرّمي

مسألة 1- وقت الرّمي من طلوع الشمس من يوم العيد إلى غروبه، و لو نسي جاز إلى يوم الثالث عشر، و لو لم يتذكر إلى بعده، فالأحوط الرمي من قابل و لو بالاستنابة. (1)

______________________________

و الوجه فيه أنه حيث يكون الرّمي عبادة و يعتبر فيها قصد القربة، فلا يجتمع ذلك مع المبغوضية المتحققة في الحرام، و هو التصرف في مال الغير، إلّا بناء على صحة الصلاة في الدار المغصوبة- كما اخترناه في محلّه.

(1) في هذه المسألة أحكام:

الأوّل: وقت الرّمي، و هو المختار وفاقا للمشهور من طلوع الشمس من يوم العيد إلى غروبها، و يدل عليه روايات متعددة، مثل:

صحيحة صفوان بن مهران، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: ارم الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها. «1»

و دلالتها على توقيت رمي جمرة العقبة يوم العيد إنّما هي بالإطلاق لشمولها لكلتا حالتي

رمي جمرة العقبة: حالة الانضمام مع رمي الجمرتين الآخرتين- كما في اليوم الحادي عشر و الثاني عشر، بل و الثالث عشر في بعض الموارد، و حالة الاستقلال و عدم الانضمام و هو رمي يوم النّحر.

و أظهر منه ما رواه الشيخ بالسند المذكور أيضا عنه عليه السّلام أنه قال: الرمي ما بين

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 178

..........

______________________________

طلوع الشمس إلى غروبها. «1» فإنّ الرمي مطلق و مقتضاه الشمول للرمي يوم العيد.

و صحيحة منصور بن حازم، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: رمي الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها. «2»

و صحيحة زرارة و ابن أذينة عن أبي جعفر عليه السّلام أنه قال للحكم بن عتيبة: ما حدّ رمي الجمار؟ فقال الحكم: عند زوال الشمس، فقال أبو جعفر عليه السّلام: يا حكم أ رأيت لو أنّهما كانا اثنين، فقال أحدهما لصاحبه: احفظ علينا متاعنا حتى أرجع، أ كان يفوته الرّمي؟ هو و اللّٰه ما بين طلوع الشمس إلى غروبها. «3»

و صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قلت: له إلى متى يكون رمي الجمار؟ فقال: من ارتفاع النهار إلى غروب الشمس. «4» و المراد من ارتفاع النهار و لو بقرينة الروايات السّابقة هو طلوع الشمس.

لكن يعارض ما ذكر صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: ارم في كلّ يوم عند زوال الشمس، و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة. «5»

و لو لم تحمل هذه الصحيحة على الاستحباب كما عن الشيخ قدّس سرّه لكان اللازم طرحها بعد كون الشهرة الفتوائية

على وفق المستفيضة المتقدمة، فلا مجال للإشكال في أنّ وقت الرمي مطلقا هو ما بين طلوع الشمس إلى غروبها.

الثاني: حكم ما لو نسي رمي جمرة العقبة يوم النحر إلى غروب الشمس. و في

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح 4.

(3) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح 1.

(4) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح 5.

(5) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 179

..........

______________________________

المتن: جاز إلى يوم الثالث عشر، و ذكر المحقق في الشرائع: و لو نسي رمي يوم قضاه من الغد مرتبا يبدأ بالفائت و يعقب الحاضر. و هو يشمل نسيان الرمي في المقام أيضا. و قد نفى وجدان الخلاف في الجواهر في أصل وجوب القضاء و في لزوم رعاية الترتيب المزبور. بل الإجماع أو حكايته عليه.

و الدليل الوحيد من الروايات في خصوص المقام، ما رواه الشيخ بإسناده عن عبد اللّٰه بن سنان في الصحيح، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى، فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس، قال: يرمي إذا أصبح مرّتين: مرّة لما فاته و الأخرى ليومه الذي يصبح فيه، و ليفرّق بينهما يكون أحدهما بكرة و هي للأمس و الأخرى عند زوال الشمس. «1»

و رواه الكليني عن عبد اللّٰه بن سنان مثله، إلّا أنه قال: فلم يرم الجمرة حتى غابت الشمس، قال: يرمي إذا أصبح مرّتين أحدهما بكرة و هي للأمس و الأخرى عند زوال الشمس و هي ليومه.

و رواه الصّدوق بإسناده عن عبد اللّٰه بن سنان مثل رواية الكليني.

و العجب انّ صاحب الجواهر قدّس سرّه ذكر أن الصدوق و الشيخ رويا هذه الرواية في الصحيح عن معاوية بن عمار مع أن صاحب الوسائل نقل عن المشايخ الثلاثة أنهم رووها بأسانيدهم عن عبد اللّٰه بن سنان- كما نقلناه.

و كيف كان فقوله عليه السّلام في الجواب: يرمي إذا أصبح مرّتين، ظاهر في أصل وجوب القضاء و أن الفائت من رمى جمرة العقبة يوم العيد يجب تداركه في خارج وقته، كما

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الخامس عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 180

..........

______________________________

أن ظاهره عدم جواز تقديم القضاء على الغد، بالإتيان به في ليلة اليوم الحادي عشر، و عدم جواز التأخير عن الغد على ما هو المتفاهم منه عرفا.

و أمّا قوله عليه السّلام: «و ليفرّق بينهما ..» فهو بظاهره يدل على لزوم أمرين: أحدهما التفريق و الإتيان بأحدهما بكرة و الآخر عند زوال الشمس، و الآخر الترتيب بتقديم القضاء على الأداء. و حيث إنّ ظاهرهم عدم الخلاف في استحباب الأوّل و عدم وجوبه و إن أشعر بوجود الخلاف بعض العبارات، فهل يوجب ذلك الارتياب في وجوب الترتيب أيضا، بلحاظ أنّ بيانه يكون في ضمن بيان التفريق و كيفيته، فإذا لم يكن التفريق واجبا فالترتيب أيضا كذلك؟ أو أنه لا يوجب ذلك، بملاحظة أن قيام الدليل على عدم وجوب التفريق لا يستلزم الحكم بكون الترتيب أيضا كذلك، بعد كونهما حكمين مستقلين لا يرتبط أحدهما بالآخر، و إن وقع بيان أحدهما في ضمن بيان الآخر؟ يظهر الأوّل من صاحب الرياض. و لذا استظهر أنه لا مستند لوجوب

الترتيب سوى الإجماع.

هذا، و لكن الظاهر هو الأوّل و أن الحكمين مستقلان. و حمل أحدهما على الاستحباب لا يوجب حمل الآخر عليه أيضا. فالإنصاف دلالة الرواية على لزوم الترتيب في المقام، و يؤيده الروايات الآتية في نسيان رمي الجمار. و قد وقع في بعضها التصريح بأنّه ترمى الجمار كما كانت ترمى.

ثم انّ القدر المتيقن من مورد الرواية صورة النسيان.

و أمّا الجهل فالظاهر أنّ التعبير بعروض العارض خصوصا مع التفريع بالفاء لا يشمله، لأنه لا معنى لعروض الجهل بعد الورود بمنى عقيب الإفاضة من المشعر، إلّا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 181

..........

______________________________

أن يقال بأنه لا خصوصية للنسيان في الحكم المذكور، بل الملاك موجود في الجهل أيضا.

و أمّا شموله للترك عن التسامح و التساهل في إتيان الرّمي و نحو ذلك من العوارض و الموانع، فمحل نظر بل منع، فتدبر.

ثمّ أنه ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه أنه يمكن أن يستدلّ- أي في المقام- بصحيح جميل الوارد في جميع أعمال الحجّ الدال على أنّ تأخير ما حقّه التقديم و بالعكس غير ضائر بصحة العمل.

فقد روى المشايخ الثلاثة بسند صحيح عن جميل بن درّاج، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرّجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال: لا ينبغي إلّا أن يكون ناسيا، ثم قال: إن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أتاه أناس يوم النّحر، فقال بعضهم يا رسول اللّٰه أنّي حلقت قبل أن أذبح، و قال بعضهم: حلقت قبل أن أرمي فلم يتركوا شيئا كان ينبغي أن يؤخروه إلّا قدّموه، فقال: لا حرج. و في رواية الصدوق: فلم يتركوا شيئا كان ينبغي لهم أن يقدموه إلّا أخروه،

و لا شيئا كان ينبغي لهم أن يؤخّروه إلّا قدّموه، فقال: لا حرج. «1»

قال: و صدره و إن كان في مورد النسيان و لكن لا نحتمل أن جميع هذه الموارد التي يقع فيها التقديم و التأخير منشأها النسيان، بل الغالب هو الجهل.

و ما استفاده من الصحيحة من الضابطة الكلية و إن كان تامّا، خصوصا مع كون مورد السؤال هو الطواف قبل الحلق. و استشهد الإمام عليه السّلام للصحة فيه بما وقع يوم

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 182

..........

______________________________

النحر من المسائل المذكورة التي موردها النسيان و الجهل. إلّا أنّ الظاهر عدم ارتباط الضابطة المذكورة بالمقام.

فإن البحث هنا بعد الفراغ عن كون وقت الرمي يوم النحر هو ما بين طلوع الشمس إلى غروبها، في أنه هل يجب قضاء الرمي المسني أم لا؟ و على تقدير الوجوب، هل يجب الإتيان به قبل الرمي الأدائي الثابت يوم الحادي عشر- مثلا- أو لا؟ و لا ارتباط للضابطة المزبورة بهذه الجهة أصلا، فالإنصاف أنه لا دلالة للرواية على حكم المقام بوجه.

الثالث: حكم ما لو يتذكر نسيان رمي جمرة العقبة يوم النحر، إلّا بعد انقضاء أيام التشريق و مضي اليوم الثالث عشر. فالمشهور بل عن الغنية الإجماع على أنه لا شي ء عليه، بل تجب عليه الرمي في القابل بالمباشرة إن حجّ. و مع عدمه يستنيب في القابل. لكن في بعض العبارات إجمال، كعبارة المحقق في الشرائع، حيث قال: «و لو نسي رمي الجمار حتى دخل مكّة رجع و رمى، و إن خرج من مكة لم يكن عليه شي ء إذا انقضى زمان الرمي، فإن عاد في القابل رمى،

و إن استناب فيه جاز».

فإن صاحب المدارك حمل الصدر على إطلاقه و أن مفاده وجوب الرجوع من مكّة و الرمي سواء بقي من أيام التشريق أو انقضى.

و استظهر من الذيل أن العود في القابل لقضاء الرمي أو الاستنابة إنّما هو على سبيل الاستحباب، كما صرح به المحقق في النّافع و أجاب صاحب الجواهر عنه بأنّ إطلاق الصدر منزّل على قوله بعده إذا انقضى أيام التشريق الذي عبر عنه بقوله زمان الرمي و بأنه لا ظهور في الذيل في الندب، بل قوله فيه: «رمي» ظاهر في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 183

..........

______________________________

الوجوب. بل حكي عن المسالك دعوى ظهور قوله: و إن استناب جاز فيه أيضا.

و لكن مع ذلك اعترف في آخر كلامه بأن العبارة مجملة.

و كيف كان فقد ورد في المقام روايتان، و إن كان ظاهر الوسائل و الكتب الفقهية أنه يكون هنا أربع روايات. لكن حيث إن ثلاثا منها رواها معاوية بن عمار و في كثير منها يكون الراوي عنه هو ابن أبي عمير. و العبارات غير مختلفة إلّا يسيرا.

فالظاهر عدم تعدد روايات معاوية بن عمّار.

الأولى: رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق، فعليه أن يرميها من قابل فإن لم يحج رمى عنه وليّه، فإن لم يكن له وليّ استعان برجل من المسلمين يرمى عنه، فإنه (و إنّه خ ل) لا يكون رمي الجمار إلّا أيام التشريق. «1»

و في سندها محمد بن عمر بن يزيد الذي ذكر صاحب المدارك و غيره أنه لم يرد فيه توثيق و لا مدح يعتدّ به. فالرواية من حيث هي

غير معتبرة، و لكن استناد المشهور إليها يجبر الضعف- كما في الجواهر.

الثانية: صحيحة معاوية بن عمار- و قد عرفت أنّها واحدة و إن جعلت متعددة و لنقتصر على نقل واحدة منها- قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام رجل نسي رمي الجمار، قال: يرجع فيرميها. قلت: فإنه نسيها حتى أتى مكّة، قال: يرجع فيرمي متفرّقا يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فإنه نسي أو جهل حتى فاته و خرج. قال: ليس

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثالث، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 184

..........

______________________________

عليه أن يعيد. «1» و في بعضها التعبير في الجواب عن السؤال الأخير بقوله: ليس عليه شي ء.

و الاختلاف بين الروايتين بعد اعتبارهما كما مرّ، إنّما هو في أمرين:

الأمر الأوّل: دلالة رواية عمر بن يزيد صدرا و ذيلا و خصوصا من حيث الذيل الوارد مورد التعليل، و هو قوله «فإنّه لا يكون رمي الجمار إلّا أيام التشريق» على أنّ مضي الأيام المذكورة يمنع عن صحة الرمي أداء أو قضاء، و أن ظرفه الزماني يختص بتلك الأيام، و ثبوت الإطلاق في صحيحة معاوية من جهة دلالتها على وجوب الرجوع من مكة للرّمي من دون تقييد بما إذا لم تمض أيّام التشريق.

و قد مرّ أن صاحب المدارك حمل عبارة الشرائع على الإطلاق و أن مقتضاها وجوب الرجوع من مكّة مطلقا، مع أن مقتضى حمل المطلق على المقيد تخصيص ذلك بصورة عدم الانقضاء، و قد مرّ أن صاحب الجواهر حمل عبارة الشرائع عليه بقرينة ما بعدها. فلا إشكال في هذا الأمر.

الأمر الثاني: دلالة رواية عمر بن يزيد على أنه بعد مضي أيام التشريق يلزم الرمي من قابل سواء

كان بنفسه أو بوليّه أو نائبه. و دلالة الصحيحة على أنه بعده ليس عليه شي ء، و ظاهره عدم وجوب الرمي في العام القابل، و عدم وجوب غيره من الكفارة أو مثلها أو أنه ليس عليه أين يعيد. و ظاهره عدم الوجوب في القابل.

هذا، و المشهور و إن حكموا بالوجوب نظرا إلى رواية عمر بن يزيد، إلّا أنّ الظاهر ثبوت الجمع الدلالي بين الروايتين بجعل قوله «ليس عليه أن يعيد» قرينة

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثالث، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 185

[مسألة 2] في ما يعتبر في الرمي من الأمور
اشارة

مسألة 2- يجب في رمي الجمار أمور:

[الأوّل: النيّة]

الأوّل: النيّة الخالصة للّٰه تعالى كسائر العبادات.

[الثاني: إلقاءها بما يسمّى رميا]

الثاني: إلقاءها بما يسمّى رميا، فلو وضعها بيده على المرمى لم يجز. (1)

______________________________

على أن المراد من قوله «عليه أن يرميها من قابل» على الاستحباب- كما في نظائره- فإن قوله «ليس عليه أن يعيد» في الدّلالة على عدم الوجوب أظهر من دلالة قوله «عليه أن يرميها ..» على الوجوب، فيحمل الثاني على الاستحباب.

و عليه فمقتضى القاعدة هو الحكم بالاستحباب، كما مرّ أن المحقق صرح به في النافع و تحتمله عبارة الشرائع، لكن حيث إن المشهور حكموا بالوجوب فمقتضى الاحتياط الوجوبي- كما في المتن- هو الرمي من قابل و لو بالاستنابة.

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لما يعتبر في رمي الجمار من الأمور، من دون فرق بين رمي جمرة العقبة فقط الذي هو من أعمال يوم النحر و بين رمي الجمرات الثلاثة الذي يجب في اليومين أو الأيام الثلاثة بعد يوم النحر، فنقول:

الأوّل: النيّة، و قد مر التحقيق فيها في الطواف و السعي و الوقوفين، و يزيد هنا وجود القضاء فيه دون الأمور المذكورة. فإذا كان عليه القضاء و الأداء، فاللازم التعيين في النيّة لعدم تعين شي ء من العنوانين بدون التعيين في النيّة.

الثاني: الإلقاء بما يسمى رميا. فلا يصح الوضع و إن كان باليد. و الوجه فيه أن العنوان المأخوذ في متعلق الوجوب نصّا و فتوى هو الرمي الذي يعتبر فيه الإلقاء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 186

[الثالث: أن يكون الإلقاء بيده]

الثالث: أن يكون الإلقاء بيده. فلا يجز لو كان برجله، و الأحوط أن لا يكون الرّمي بآلة كالمقلاع و إن لا يبعد الجواز.

[الرّابع: وصول الحصاة إلى المرمى]

الرّابع: وصول الحصاة إلى المرمى، فلا يحسب ما لا تصل. (1)

______________________________

بنحو يصدق عليه هذا العنوان، و هو مغاير لعنوان الوضع، فهو لا يجزي و إن كان مستلزما للوصول.

(1) الثالث: أن يكون الإلقاء بسبب اليد في صورة الإمكان، فلا يجز لو كان بسبب الرجل. و لو فرض كونه أسهل في بعض الأفراد.

و الوجه فيه الانصراف إلى اليد مع استمرار السيرة عليه و إن اختلف المسلمون في ما يرمي به من جهة اعتبار كونه حصى أو عدم اعتباره و جواز رمي غيره من الأشياء الآخر، إلّا أن العمل استمر على الرّمي باليد.

و أمّا الرمي بالآلة كالمقلاع و إن كان بسبب اليد فقد احتاط في المتن استحبابا أن لا يتحقق الرمي به مع أن الظاهر إن الاحتياط في ذلك وجوبي ينشأ من الانصراف المذكور، و إن كان يبعّده في الجملة أن الرمي في الصيد و نحوه يكون بالآلة غالبا. و لا ينافي ذلك صدق الرّمي بوجه.

الرّابع: وصول الحصاة إلى المرمى و عدم كفاية مجرد نية الوصول و قصد الإيصال.

و السرّ فيه عدم تحقق رمي الجمرة، أي الرمي المضاف إليها بدون الوصول و الإصابة و إن كان قاصدا له. فالمعتبر مضافا إلى القصد تحقق المقصود.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 187

[الخامس: أن يكون وصولها برميه]

الخامس: أن يكون وصولها برميه. فلو رمى ناقصا فأتمّه حركة غيره من حيوان أو إنسان لم يجز. نعم لو رمى فأصابت حجرا أو نحوه و ارتفعت منه و وصلت المرمى صحّ. (1)

______________________________

و يدلّ عليه صدر صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال:

فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها، و إن أصابت إنسانا أو جملا ثم وقعت

على الجمار، أجزأك. «1»

(1) الخامس: أن يكون وصولها بسبب رميه، بمعنى عدم كون رميه ناقصا في السببية. فلو كان كذلك و كان الإتمام مستندا إلى حركة غيره من حيوان أو إنسان بحيث لو لم تكن حركة الغير لم يكن رميه كافيا في الإصابة و الوصول، لا يكون ذلك مجزيا و مثاله على ما في الجواهر ما لو أصابت ثوب إنسان فنفضه حتى أصابت عنق بعير فحرّكه فأصابت.

نعم هنا فرضان آخران:

أحدهما: ما لو أصابت في طريقه إنسانا أو غيره و وقعت على المرمي بعد الإصابة المذكورة من دون أن تكون الإصابة المزبورة مؤثرة في الوصول بل واقعة في طريقه و الظاهر أنه لا مانع منه. و أن ذيل الصحيحة المتقدمة آنفا ناظر إليه فهو مجز.

ثانيهما: ما لو أصابت في طريقه شيئا صلبا فوقعت بإصابته على الجمرة. و الظاهر

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب السادس، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 188

[السّادس: أن يكون العدد سبعة]

السّادس: أن يكون العدد سبعة.

[السّابع: أن يتلاحق الحصيات]

السّابع: أن يتلاحق الحصيات. فلو رمى دفعة لا يحسب إلّا واحدة، و لو وصلت على المرمى متعاقبة، كما أنه لو رماها متعاقبة صحّ، و إن وصلت دفعة. (1)

______________________________

فيه عدم الإجزاء خلافا لصاحب الجواهر حيث حكم بالجواز، معلّلا بالصدق بعد أن كانت الإصابة على كلّ حال بفعله.

و الوجه في عدم الإجزاء أنّ الإصابة المتحققة في الخارج قد تأثرت من إصابة الحجر الصلب، و إن كان لو لم يصبه لأصاب الجمرة أيضا إلّا أن الواقع في الخارج كان متأثرا من غيره أيضا. و هذا بخلاف الفرض الأول فإن الحكم فيه و إن كان عدم الإجزاء إلّا أن الملاك فيه نقصان السببية في نفسه، فتدبّر.

و مما ذكرنا يظهر الإشكال على المتن لو كان مراده خصوص الفرض الأخير أو الأعم منه، و من الفرض السابق.

(1) أمّا اعتبار كون العدد سبعة، فيدل على اعتباره- مضافا إلى نفي وجدان الخلاف فيه كما في الجواهر، بل عن المنتهى إجماع المسلمين عليه- الروايات المتعددة الواردة في بعض خصوصيات المسألة الدالة على أن أصل اعتبار العدد المذكور كان أمرا مسلّما مفروغا عنه عند السائلين و الرواة، مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام أنه قال في رجل أخذ إحدى و عشرين حصاة فرمى بها فزادت واحدة فلم يدر أيّهن نقص، قال: فليرجع و ليرم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 189

..........

______________________________

كلّ واحدة بحصاة، فإن سقطت عن رجل حصاة فلم يدر أيّهن هي فليأخذ من تحت قدميه حصاة و يرمي بها، .. «1»

فإن الحكم بلزوم رمي كل واحدة بحصاة مع العلم الإجمالي بنقصان إحديهن، إنّما هو للتحفظ على عدد السبع و لزوم

رعايته بنحو الجزم و اليقين.

و مورد الرواية و إن كان رمى الجمرات الثلاثة و محل البحث هو رمي جمرة العقبة، إلّا أن الرواية تدل على اعتبار العدد المذكور فيه أيضا. إمّا لأجل أنه لا فرق بين رمي الجمرات الثلاثة و بين رمي جمرة العقبة من هذه الجهة قطعا، و إمّا لأجل أن الجمرة العقبة إحدى الجمرات، فإذا كان العدد معتبرا فيها مع الانضمام، فيكون معتبرا فيها مع الاستقلال أيضا، لأنه لا فرق بين الحالتين قطعا.

و رواية أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام ذهبت أرمي فإذا في يدي ست حصيات، فقال: خذ واحدة من تحت رجليك. «2»

و مورد الرواية إمّا خصوص رمي جمرة العقبة الذي هو من مناسك مني أو أن مقتضى الإطلاق الشمول لرمي جمرة العقبة فيدل على المقام بالدلالة اللفظية.

و رواية عبد الأعلى عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قلت له رجل رمى الجمرة بستّ حصيات فوقعت واحدة في الحصى، قال يعيدها إن شاء من ساعته و إن شاء من الغد إذا أراد الرّمي، و لا يأخذ من حصى الجمار، .. «3»

و الظاهر كون الواحدة الواقعة في الحصى هي السّابعة. فيدل على لزوم العدد

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب السابع، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب السابع، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب السابع، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 190

..........

______________________________

المذكور و احتمال كون الواحدة من الست. فلا يكون دالّا على السبع. كما في الجواهر في غاية البعد.

و أمّا اعتبار تلاحق الحصيات الذي عبّر عنه صاحب الجواهر بالتفريق في الرمي، و المراد لزوم التعدد في الرمي حسب تعدد

الحصيات بنحو التعاقب و التلاحق، فقد حكي عن الخلاف و الجواهر الإجماع عليه. بل لم يحك الخلاف فيه عن أحد من علماء المسلمين إلّا عطاء حيث حكم بإجزاء الرّمي بها دفعة.

و استدلّ عليه بالتأسي و السيرة المستمرة العمليّة من المسلمين، و يوضحه أنه لو لم يكن الرمي بالكيفية المزبورة متعيّنا لكان مقتضى مراعاة الأسهل الرمي دفعة لسهولته، خصوصا مع ملاحظة الزحام الكثير و حرارة الهواء نوعا، فعدم التوسل إلى الأسهل قرينة على عدم كفايته و عدم الاجتزاء به.

و أمّا الاستدلال عليه بالروايات الدالة على استحباب التكبير عند رمي كل واحدة من الحصيات نظرا إلى أنه لو جاز الرمي مرة واحدة كفى تكبيرة واحدة، فتعدد التكبيرة يكشف عن تعدد الرمي فغريب جدّا، لأن غاية ما يستفاد من ذلك استحباب تعدّد الرمي لتتحقق التكبيرات السبعة. و أمّا الوجوب فلا دلالة له عليه، كما أن الاستدلال عليه باستحباب الرّمي خذفا- كما في بعض الروايات- و هو أن يضع الحصى على الإبهام و يدفعه بظفر السبّابة حيث إنه لا يجتمع ذلك إلّا مع تعدد الرّمي كما هو ظاهر، غير تام، لأن مقتضاه استحباب التعدد الذي هو الموضوع للكيفية المزبورة و لا دلالة له على الوجوب، فالعمدة في الدليل ما ذكرنا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 191

[مسألة 3] في موارد الشك في الرمي

مسألة 3- لو شك في أنّها مستعملة أم لا، جاز الرّمي بها، و لو احتمل أنّها من غير الحرم و حملت من خارجه لا يعتني به، و لو شك في صدق الحصاة لم يجز الاكتفاء به، و لو شك في عدد الرمي يجب الرّمي حتى يتيقن كونه سبعا، و كذا لو شك في وصول الحصاة إلى المرمى يجب

الرّمي إلى أن يتيقن به، و الظنّ في ما ذكر بحكم الشك، و لو شك بعد الذبح أو الحلق في رمي الجمرة أو عدده لا يعتني به، و لو شك قبلهما بعد الانصراف في عدد الرّمي فإن كان في النقيصة فالأحوط الرجوع و الإتمام و لا يعتني بالشك في الزيادة، و لو شك بعد الفراغ في الصحة بنى عليها بعد حفظ العدد. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع كثيرة:

1- الشك في أن الحصاة التي يريد الرمي بها هل تكون مستعملة قبل هذا الرمي في رمي صحيح أم لا؟

و الحكم فيه جواز الرّمي بها لجريان استصحاب عدم الاستعمال فيها بعد كون معنى البكارة المعتبرة فيها مجرد عدم الاستعمال في الرّمي الصحيح. فلا يكون الاستصحاب بمثبت أصلا.

2- الشك في كونها من الحرم أو من خارجه و قد حملت إليه. و في المتن أنّه لا يعتني بهذا الاحتمال.

و الوجه فيه إن كان هو استصحاب عدم الحمل و عدم الانتقال، فهو لا يثبت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 192

..........

______________________________

كونها من الحرم و إن كان هو الظاهر، فيرد عليه مضافا إلى منع الصغرى أنه لا دليل على حجيّته. فالأحوط الاعتناء و رفع اليد عن الرّمي بها.

3- الشك في صدق عنوان الحصى الذي قد عرفت أنه يعتبر فيه أمران: كونه من جنس الحجر و عدم كونه كبيرا أو صغيرا جدّا. و لا يجوز الاكتفاء به بعد لزوم إحراز العنوان المأخوذ في متعلّق الأمر، و هو عنوان الحصى.

4- الشك في عدد الرمي و احتمال النقص فيه. كما إذا دار الأمر بين الستة و السبعة و مقتضى أصالة عدم الإتيان بالعدد المشكوك، وجوب الرمي حتى يتيقن كونه سبعا.

5-

الشك في وصول الحصى و إصابته الى المرمى و عدم إصابته. و مقتضى استصحاب عدم الإصابة وجوب الرمي إلى أن يتيقن بها.

6- لو شك بعد الذبح أو الحلق بعد ملاحظة ترتبهما على رمي جمرة العقبة في أصل رمي الجمرة وجودا و عدما أو العدد المعتبر في الرّمي. فلا يعتني بهذا الشك بعد كون الشك بعد التجاوز عن المحلّ و الدخول في الغير، لفرض ترتب الذبح و الحلق على الرّمي و حدوث الشك بعدهما أو بعد إحديهما.

7- الشك قبل الذبح و الحلق بعد الانصراف عن الرّمي. كما إذا كان في طريق الرجوع و شك في عدد الرمي و أن العدد هل كان ستة أو سبعة- مثلا-؟ و قد احتاط في المتن وجوبا بالرجوع إلى الجمرة و الإتمام. و منشأه الشك في جريان قاعدة التجاوز هنا. و إن كان الشك بعد الانصراف لعدم كون الانصراف مانعا عن إتمام الرمي و لحوق المشكوك، و مقتضى الاستصحاب عدم الإتيان به.

و في هذا الفرض لو كان الشك في الزيادة لا يعتني به بعد كون الاستصحاب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 193

[مسألة 4] في عدم اعتبار الطهارة في الرمي

مسألة 4- لا يعتبر في الحصى الطّهارة، و لا في الرّامي الطهارة من الحدث أو الخبث. (1)

______________________________

مقتضيا لعدم الإتيان بالزائد المشكوك. و بعبارة أخرى لا اختلاف بين مفاد الاستصحاب و مقتضى قاعدة التجاوز، بخلاف احتمال النقيصة.

8- الشك بعد الفراغ في الصحة بعد كون العدد محفوظا. و الحكم فيه البناء على الصحّة لأصالة الصحة في العمل الصادر قطعا و شك في صحته و فساده.

(1) أمّا عدم اعتبار الطهارة في الحصى فلعدم الدّليل عليه، و مقتضى القاعدة العدم و مثله عدم اعتبار الطهارة من الخبث

في الرامي و أمّا عدم اعتبار الطهارة من الحدث في الرّامي فهو المشهور، و إن اعتبارها إنّما هو على سبيل الاستحباب لكن حكي عن السيّد و المفيد و أبي علي التعبير بعدم الجواز و ظاهره عدم الجواز الوضعي الذي يرجع إلى الاعتبار.

و الرّوايات الواردة في هذا المجال على طائفتين، بمقتضى ظاهرها:

الطائفة الأولى: ما هو دليل للمشهور، مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: و يستحبّ أن ترمى الجمار على طهر. «1»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 194

..........

______________________________

و رواية أبي غسان حميد بن مسعود، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رمي الجمار على غير طهور، قال: الجمار عندنا مثل الصّفا و المروة حيطان إن طفت بينهما على غير طهور لم يضرّك، و الطّهر أحبّ إليّ، فلا تدعه و أنت قادر عليه. «1»

الطائفة الثانية: ما ظاهره الاعتبار، مثل:

صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الجمار، فقال: لا ترم الجمار إلّا و أنت على طهر. «2»

و مثلها رواية علي بن الفضل الواسطي المروية في قرب الإسناد عن أبي الحسن عليه السّلام قال: لا ترم الجمار إلّا و أنت طاهر. «3»

و الظاهر أن المراد من إسناد الطهارة إلى الإنسان لا إلى أعضاء جسده هي الطهارة عن الحدث- كما لا يخفى.

هذا، و الظاهر أن مقتضى الجمع العرفي بين الطائفتين هو حمل الطائفة الثانية على النهي التنزيهي الذي لا يجتمع مع الاعتبار، و الحكم بالاستحباب الذي ذهب إليه المشهور، و يجري هذا الاحتمال في كلام المخالفين للمشهور.

ثم أن صاحب الجواهر حكي عن بعض الأصحاب استحباب

الغسل عند إرادة الرّمي. و قد ورد في هذا المجال رواية صحيحة، جعلها فيها في الوسائل روايتين مع وضوح عدم التعدد، و إن كان بينهما اختلاف يسير في الذيل.

إحديهما: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن الغسل إذا رمى

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني، ح 1.

(3) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 195

..........

______________________________

الجمار، فقال: ربما فعلت فأمّا السنّة فلا و لكن من الحرّ و العرق. «1»

ثانيتهما: صحيحة عنه عليه السّلام قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الغسل إذا أراد أن يرمي، فقال: ربما اغتسلت فأمّا من السنّة فلا. «2»

و صاحب الجواهر بعد المناقشة في الاستحباب لأجل الروايتين، قال: اللّٰهمّ إلا أن يكون المراد من نفي السنّة أنه لم يرد عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم فعله لأمور رجّحت ذلك بالنسبة إليه و إن كان هو راجحا في نفسه.

و هذا التوجيه يجري في الرواية بناء على النقل الثاني، و أمّا على النقل الآخر فظاهره أنه بلحاظ الحرّ و العرق، لا بلحاظ الاستحباب في نفسه، و يؤيده التعبير ب «ربما» الظاهر في الترك أحيانا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 196

[مسألة 5] في الاستنابة في الرّمي

مسألة 5- يستناب في الرّمي من غير المتمكن كالأطفال و المرضى و المغمى عليهم، و يستحبّ حمل المريض مع الإمكان عند المرمى و يرمى عنده بل هو أحوط. و لو

صحّ المريض أو أفاق المغمى عليه بعد تمامية الرمي من النائب لا تجب الإعادة، و لو كان ذلك في الأثناء، استأنف من رأس و كفاية ما يرمي (رماه ظ) النائب محلّ إشكال. (1)

______________________________

(1) أمّا جريان النيابة- التي هي أمر على خلاف القاعدة على ما تقدم في مبحث الحج النيابي- في الرمي في موارد العذر المحقق في عناوين خاصة بخلاف الوقوفين، حيث إنهما لا يقبلان النيابة إلّا في ضمن الحج الواقع نيابة. فيدل عليه روايات مستفيضة، عمدتها:

صحيحة معاوية بن عمّار و عبد الرّحمن بن الحجاج، جميعا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: الكسير و المبطون يرمى عنهما، قال: و الصبيان يرمى عنهم. «1»

و موثقة إسحاق بن عمّار، أنه سأل أبا الحسن موسى عليه السّلام عن المريض ترمى عنه الجمار؟ قال: نعم يحمل إلى الجمرة و يرمى عنه. قلت لا يطيق «ذلك» قال يترك في منزله و يرمى عنه. «2»

و صحيحة رفاعة بن موسى عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل أغمي

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب السابع عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب السابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 197

..........

______________________________

عليه، فقال يرمى عنه الجمار. «1»

و غير ذلك من الروايات الواردة في العناوين الخمسة مطلقا أو مع تقييد المريض بعدم الاستطاعة أو المغلوب، فلا إشكال في أصل الحكم و هي مشروعية النيابة في الرّمي في الجملة، إنّما الإشكال في بعض الخصوصيات، فنقول:

لا إشكال في جريان النيابة في الرمي في مورد العذر إذا كان مستوعبا لجميع الوقت و هو من أول طلوع الشمس إلى غروبها، كما أنه لا إشكال في عدم

جريانها إذا لم يكن إلّا في بعض الوقت بحيث يمكن الإتيان به بالمباشرة بعده، لوضوح أن العذر في بعض الوقت لا يكفي في جريان النيابة بعد العلم بزواله في البعض الآخر كذلك.

و أمّا لو فرض وجوده في بعض الوقت مع احتمال بقائه إلى آخر الوقت و احتمال عدم بقائه و ارتفاعه، فالظاهر جواز الاستنابة فيه، استنادا إلى استصحاب بقاء العذر إلى آخر الوقت. فإن البقاء مشكوك يجري فيه الاستصحاب بلحاظ أثره الشرعي المترتب عليه في الحال، و هو جواز الاستنابة في أوّل الوقت كجواز البدار في التيمم مع احتمال بقاء الفاقدية إلى آخر الوقت.

ثم أنه لو بقي العذر في الفرض المزبور إلى آخر الوقت، فلا إشكال في الإجزاء و الكفاية.

و أمّا لو لم يبق بل ارتفع بحيث يمكن له الرمي بالمباشرة في الوقت، فالظاهر هو الإجزاء و عدم لزوم الاستئناف مباشرة لأجل قاعدة الإجزاء المحققة في الأصول.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب السابع عشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 198

..........

______________________________

و لو نوقش فيها لكان مقتضى الروايات الواردة في المقام هو الإجزاء كما هو المتفاهم منها عند العرف، فان مفادها لا يكون مجرد بيان المشروعية للنيابة في الرمي في الجملة، بل هو مع صحة الرمي الواقع نيابة في مورد العذر و عدم لزوم الإعادة- كما لا يخفى.

نعم هنا فرض رابع، و هو زوال العذر في أثناء الرمي و إمكان الإتيان بالمجموع مباشرة و لا شبهة فيه في عدم جواز إكمال النائب الباقي بعد ارتفاع العذر و زوال الإغماء و المرض- مثلا.

إنّما الإشكال في لزوم استئناف المجموع من رأس مباشرة أو كفاية ما رماه النائب و إكمال المنوب عنه

الباقي. فيه وجهان:

و الظاهر هو الوجه الأوّل، لعدم وضوح شمول الروايات المتقدمة لهذه الصورة.

و قد عرفت أنّ النيابة إنما تكون على خلاف القاعدة، و يحتاج جريانها في مورد إلى قيام الدليل الظاهر فيه. و عليه فاللازم هو الاستئناف من رأس و عدم الاكتفاء بما رماه النائب. نعم مقتضى الاحتياط الراجح هو الجمع بين الأمرين.

بقي في هذه المسألة أمران:

أحدهما: أنّ الظاهر هو استحباب حمل المريض في صورة الإمكان إلى محلّ الرمي و الرمي في حضوره. و إن كان ظاهر الموثقة و بعض الروايات الآتية في مسألة الرمي في الليل هو الوجوب. و لذا جعله في المتن أحوط.

ثانيهما: أنّ الظاهر ان جريان النيابة في الموارد الخمسة المذكورة إنّما هو بعد تحقق الاستنابة من المنوب عنه و صدور الإذن منه. نعم في الصبي لا يحتاج إلى الاستنابة،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 199

[مسألة 6] في من كان معذورا في الرمي يوم العيد

مسألة 6- من كان معذورا في الرّمي يوم العيد جاز له الرّمي في الليل. (1)

______________________________

بل يتصدّى الولي لنفسه أو يستنيب هو، و لا حاجة إلى إذن الصبي، كما أنه في المغمى عليه لا مجال للاستنابة لعدم إمكانها، بل يتصدّى الولي لذلك، و مع عدمه المؤمنون، بل ربما يستفاد من صحيحة رفاعة المتقدمة الوجوب بنحو الواجب الكفائي بناء على كون قوله: «يرمى عنه الجمار» دالّا على وجوب الرمي عنه، لا مجرد مشروعية النيابة بالإضافة إليه.

(1) قال المحقق في الشرائع: و لا يجوز أن يرمي ليلا إلّا لعذر كالخائف و المريض و الرعاة و العبيد. و قال في الجواهر عقيبه: بلا خلاف أجده فيه.

و المستند الروايات الكثيرة الواردة في هذه المسألة، مثل:

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام

قال: لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل و يضحي و يفيض باللّيل. «1»

و موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: رخّص للعبد و الخائف و الراعي، في الرمي ليلا. «2»

و صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام أنه قال في الخائف: لا بأس

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرّابع عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرّابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 200

..........

______________________________

بأن يرمي الجمار بالليل و يضحي باللّيل و يفيض باللّيل. «1»

و رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الذي ينبغي له أن يرمي بليل من هو؟ قال: الحاطبة و المملوك الذي لا يملك من أمره شيئا، و الخائف و المدين و المريض الذي لا يستطيع أن يرمي، يحمل إلى الجمار فإن قدر على أن يرمي و إلّا فارم عنه و هو حاضر. «2»

و المستفاد من الروايات جواز الرّمي في الليل بالإضافة إلى العناوين المذكورة فيها. و جامعها عنوان المعذور كما فهمه الفقهاء.

و غير خفي أنّ هذه العناوين تختلف مع الطوائف الثلاثة الذين رخص لهم النفر من المشعر إلى منى قبل طلوع الفجر، حيث إنّ الظاهر جواز الرمي لهم بعد الورد إلى منى و إن لم يطلع الفجر من ليلة العيد، فضلا عن طلوع الشمس يومه. كما وقع التصريح بذلك في بعض الروايات الدالة على الترخيص. فإن النساء بعنوانهن من جملة تلك الطوائف مع أنه لا يصدق عليهن عنوان المعذور إلّا بالإضافة إلى بعضهن كالرجال.

و الثمرة تظهر في جواز الرمي في الليل في غير ليلة العيد، فإنه لا يجوز

على الطوائف المذكورة ذلك إلّا مع الدخول في عناوين روايات هذا الباب، كالخائف- مثلا- في بعض مصاديقه.

و كيف كان ظاهر روايات المقام الدالة على جواز الرّمي في الليل أنه لا فرق في

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرّابع عشر، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرّابع عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 201

..........

______________________________

الليل بين المتقدم و المتأخر لعموم النصوص و الفتاوى. كما ذهب إليه صاحب الجواهر تبعا لكاشف اللثام.

و لكن قال في محكيّ المدارك: «و الظاهر أن المراد بالرّمي ليلا رمي جمرات كل يوم في ليلته، و لو لم يتمكن من ذلك لم يبعد جواز رمي الجميع في ليلة واحدة، لأنه أولى من الترك أو التأخير، و ربما كان في إطلاق بعض الروايات المتقدمة دلالة عليه».

و مقتضى الإطلاق أنه لا فرق بين صورتي التمكن و عدمه، و عليه فيجوز للمعذور في الليلة الثاني عشر رمي الجمار مرتين، مرة لليوم الماضي و أخرى لليوم الآتي.

فرع هل المريض الذي لا يتمكن من الرمي في اليوم، يجب عليه أن يستنيب للرمي في اليوم، أو يتعين عليه أن يصبر و يرمي بالمباشرة في الليل، أو يتخير بين الأمرين، وجوه:

ظاهر الماتن قدّس سرّه في الجواب عن السؤال عنه هو الوجه الثالث، و لعلّ وجهه جريان كلا الدليلين بالإضافة إليه الدليل الدال على أن غير المتمكّن يرمى عنه الجمار. و قد ورد بعض رواياته في خصوص المريض.

و الدليل الدّال على أن المعذور عن الرّمي في اليوم يرمي في الليل، و حيث إنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر فهو يتخير بين الأمرين و يحتمل ترجيح الثاني على الأوّل، لأن النيابة أمر

على خلاف القاعدة لا يصار إليها إلّا مع قيام الدليل الواضح عليها.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 202

[مسألة 7] في جواز الرّمي ماشيا و راكبا

مسألة 7- يجوز الرّمي ماشيا و راكبا، و الأوّل أفضل. (1)

______________________________

و مع وجود الدليل على توسعة زمان الرّمي بالإضافة إلى الليل و لو بالنسبة إلى خصوص بعض العناوين لا يصار إلى النيابة. و لعلّ في رواية أبي بصير المتقدمة إشارة لو لا دلالة إلى ذلك، فتدبر. فالأحوط الرمي في الليل في الفرض المزبور.

(1) قد وقع التصريح في جملة من الكتب الفقهية بأنّ المستحب هو الرمي ماشيا.

و الظاهر أنّ المراد هو الرّمي راجلا. لأنّ الرّمي يغاير الطواف و السعي حيث إن الحركة مأخوذة في مفهومهما، بخلاف الرّمي، فإنه لا تعتبر الحركة في معناه و ماهيته.

فالمراد من عنوان الماشي هو الراجل في مقابل الرّاكب. نعم في الحركة عن الخيمة التي هي مقرة إلى محلّ الرمي يتصور عنوان الماشي.

و كيف كان فالدليل على الاستحباب و جواز الرّمي راكبا ملاحظة الجمع بين الرّوايات المتعددة الواردة في المقام، مثل:

صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال: كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم يرمي الجمار ماشيا. «1»

و رواية أحمد بن محمّد بن عيسى، انّه رأى أبا جعفر عليه السّلام رمى الجمار راكبا. «2»

و مرسلة محمد بن الحسين عن بعض أصحابنا عن أحدهم عليه السّلام في رمي الجمار، أن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب التاسع، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثامن ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 203

..........

______________________________

رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم رمى الجمار راكبا

على راحلته. «1»

و رواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل رمى الجمار و هو راكب، فقال: لا بأس به. «2»

هذا، و عن المبسوط و السرائر: انّ الركوب أفضل، لأنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم رماها راكبا.

و في محكي المدارك: لم أقف على رواية تتضمن ذلك من طريق الأصحاب.

قلت: لو كان المراد أنه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم رماها راكبا أحيانا فهو لا يدل على استحبابه، خصوصا بعد دلالة صحيحة علي بن جعفر، على أنه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم كان يرمي الجمار ماشيا.

و لو كان المراد استمرار عمله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم على الرمي راكبا، فلا يكون في البين ما يدل عليه أصلا.

ثم إن هنا بعض الروايات المتعرضة لكيفيّة الحركة إلى محل الرّمي، مثل:

رواية عنبسة بن مصعب، قال: رأيت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام بمنى يمشي و يركب، فحدثت نفسي أن أسأله حين أدخل عليه، فابتدأني هو بالحديث، فقال: إن علي بن الحسين عليه السّلام كان يخرج من منزله ماشيا إذا رمى الجمار و منزلي اليوم أنفس (أبعد) من منزله فأركب حتى آتي إلى منزله، فإذا انتهيت إلى منزله مشيت حتى أرمي الجمار «الجمرة». «3»

و مرسلة الحسن بن صالح عن بعض أصحابه، قال: نزل أبو جعفر عليه السّلام فوق المسجد بمنى قليلا عن دابته حتى توجه ليرمي الجمرة عند مضرب علي بن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثامن ح 2.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثامن، ح 4.

(3) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب التاسع، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص:

204

..........

______________________________

الحسين عليه السّلام فقلت له: جعلت فداك لم نزلت هاهنا؟ فقال: إنّ هذا مضرب علي بن الحسين عليه السّلام و مضرب بني هاشم و أنا أحبّ أن أمشي في منازل بني هاشم. «1»

و رواية علي بن مهزيار، قال: رأيت أبا جعفر عليه السّلام يمشي بعد يوم النحر حتى يرمي الجمرة، ثم ينصرف راكبا و كنت أراه ماشيا بعد ما يحاذي المسجد بمنى. «2»

و في دلالة بعضها على استحباب المشي إلى الرّمي بعنوانه تأمل و إشكال، و الأمر سهل.

تنبيه ينبغي في باب الرّمي التنبيه على أمرين:

أحدهما: أنه ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه في معنى الجمرة، و المراد منها ما ملخّصه:

«أن المراد منها البناء المخصوص أو موضعه، إن لم يكن كما في كشف اللثام. سمّي بذلك لرميه بالحجار الصغار المسماة بالحجار، أو من الجمرة بمعنى اجتماع القبيلة لاجتماع الحصى عندها أو من الاجمار بمعنى الإسراع، لما روي- في نهاية ابن الأثير- أن آدم عليه السّلام رمى فأجمر إبليس من بين يديه، أو من جمرته و زمرته اى نحيته، و في الدروس انّها اسم لموضع الرّمي و هو البناء أو موضعه مما يجتمع من الحصى، و قيل هي مجتمع الحصى لا السائل منه. و صرّح علي بن بابويه بأنه الأرض.

و لا يخفى عليك ما فيه من الإجمال- إلى أن قال بعد ترجيح كلام الدروس على كلام كشف اللثام الظاهر في تقييد الصدق على الأرض بزوال البناء معللا استبعاد موقف الصدق عليه: و يمكن كون المراد بها المحلّ بأحواله التي منها الارتفاع ببناء أو

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب التاسع، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب التاسع، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الحج، ج 5، ص: 205

..........

______________________________

غيره أو الانخفاض».

و في رواية أبي غسان المتقدمة، تشبيه الجمار بالصفا و المروة و أنّها حيطان، و ظاهرها كون المراد منها هو البناء، لكن الرواية غير معتبرة.

ثانيهما: ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه أنّ الجمرة الموجودة في زمن النبي و الأئمة عليهم السّلام لا ريب في تغييرها لعدم إمكان بقائها فشخصها لا يلزم رميه جزما، بعد عدم إمكان البقاء، و بقاء حكم الرمي إلى يوم القيامة قطعا.

و عليه فإذا كان التغيير بنحو بنى بعد زوالها جمرة أخرى أو رممت أو طليت بالجص و السمنت بحيث يعدّ ذلك جزء منها لا بأس برميها.

و أمّا إذا فرض أنه بنى على الجمرة بناء آخر مرتفع أعلى من الجمرة السّابقة الموجودة في زمانهم عليهم السّلام كما في زماننا هذا، فلا يجتزي برمي المقدار الزائد المرتفع لعدم وجود هذا المقدار في زمانهم، فلم نحرز جواز الاكتفاء برمي هذا المقدار.

قال: و الأحوط لمن لا يتمكن من رمي نفس الجمرة القديمة أن يرمي بنفسه المقدار الزائد المرتفع و يستنيب شخصا آخر لرمي الجمرة القديمة المزيد عليها.

و يرد عليه:

أوّلا: أن البناء على الجمرة بناء آخر مرتفع أعلى من الجمرة السّابقة يستلزم الإضافة و الزيادة بالنّسبة إلى الأصل أيضا و لا يكون التغيير حينئذ بمجرد الكيفية فقط، بل التغيير في الكمية أيضا أصلا و فوقا و حينئذ فاللازم عدم الاجتزاء برمي الأصل أيضا و لا مجال للالتزام به.

و ثانيا: أنه مع قطع النظر عما ذكرنا، نقول: أن ارتفاع الجمرة لا يستلزم خروج المقدار المرتفع عن عنوانها، فإن الجمرة سواء كان المراد بها الأرض أو كان المراد البناء باقية بعنوانها، و لا تكون الجمرة المرتفعة جمرة و إضافة بل المجموع هي

الجمرة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 206

..........

______________________________

و يؤيد ما ذكرنا التوسعة المتحققة في المسجدين: المسجد الحرام و مسجد النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم حيث إنّها لا توجب خروج الزائد عن العنوان و لا عن الأحكام المترتبة عليهما، فإذا قلنا بالتخيير بين القصر و الإتمام في خصوص المسجدين لا في مجموع البلدين يكون التخيير المزبور ثابتا في جميع أجزائهما و لو الأجزاء الحادثة في الأزمنة المتعددة.

كما أنّ الإحرام للحج بالإضافة إلى المتمتع اللّازم وقوعها في بلد مكّة قد مرّ البحث سابقا في أنه يجوز إيجاده من أية نقطة من نقاط مكة و حتى النقاط الحادثة في الأزمنة الأخيرة، و قد تقدم الاستدلال عليه.

و عليه فالتوسعة لا تقتضي عدم توسعة الحكم و المقام من هذا القبيل، فإن الارتفاع لا يقتضي سلب العنوان، و هو الملاك في الأحكام- كما لا يخفى.

فيجوز من المقدار المرتفع الموجود في هذه الأزمنة أيضا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 207

2- الهدي

اشارة

الثاني من الواجبات، الهدي. و يجب أن يكون إحدى النعم الثلاث:

الإبل و البقر و الغنم، و الجاموس بقر، و لا يجوز سائر الحيوانات. و الأفضل الإبل ثم البقر، و لا يجزي واحد عن اثنين أو الزيادة بالاشتراك حال الاختيار، و في حال الاضطرار يشكل الاجتزاء، فالأحوط الشركة و الصوم معا. (1)

______________________________

(1) في هذا الأمر جهات من الكلام:

الجهة الأولى: في أنه يختص وجوب الهدي بحج التمتع بخلاف رمي جمرة العقبة و الحلق أو التقصير. و أمّا غير حج التمتع فلا يجب فيه الهدي.

قال اللّٰه تبارك و تعالى: .. فَإِذٰا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. «1»

و

مقتضى ظاهره أنه في صورة الأمن و عدم الإحصار يجب على المتمتع ما استيسر من الهدي.

و الروايات الدالة على ذلك كثيرة، مثل:

صحيحة زرارة، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الذي يلي المفرد للحج في الفضل؟

فقال: المتعة، فقلت: و ما المتعة؟ فقال: يهلّ بالحج في أشهر الحج فإذا طاف بالبيت فصلّى الركعتين خلف المقام و سعى بين الصّفا و المروة و قصّر و أحلّ، فإذا كان يوم

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 192.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 208

..........

______________________________

التروية و أهلّ بالحج و نسك المناسك و عليه الهدي، فقلت: و ما الهدي؟ فقال: أفضله بدنة و أوسطه بقرة و أخفضه شاة، .. «1»

و رواية سعيد الأعرج، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام من تمتع في أشهر الحج، ثم أقام بمكة حتى يحضر الحاج من قابل فعليه شاة، و من تمتع في غير أشهر الحج ثم جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم، إنّما هي حجة مفردة و إنّما الأضحى على أهل الأمصار. «2»

و غير ذلك من الروايات الظاهرة في أن الهدي من خصائص حج التمتع و لا يجب في غيره.

لكن هنا رواية ربما يكون ظاهرها غير ذلك، و هي صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام أنه قال في رجل اعتمر في رجب، فقال: إن كان أقام بمكّة حتى يخرج منها حاجّا فقد وجب عليه هدي، فإن خرج من مكّة حتى يحرم من غيرها فليس عليه هدي. «3»

و قد حملها الشيخ قدّس سرّه في التهذيب على من بقي و أقام بمكة ثم تمتع بالعمرة إلى الحج، و لازمة خروجه من مكّة في الحج. لأن إحرام حج التمتع

لا بد و أن يقع في مكّة، و الشرطية الثانية ناظرة إلى غير المتمتع.

و يحتمل الحمل على وجوه أخر، مثل الحمل على ضرب من الندب أو على أنه ليس المراد بالهدي ما هو الواجب في حج التمتع، بل المراد به هي الكفارة بلحاظ

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الخامس، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب العاشر، ح 1.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الأوّل، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 209

..........

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 5، ص: 209

______________________________

وجوب الحج عليه من خارج مكة بالنذر أو غيره فأحرم منها.

و قد احتمل في الجواهر أن ما في الدروس بعد نقل الحديث من أن فيه دقيقة إشارة إلى هذا الوجه. و على تقدير عدم إمكان الحمل لا بد من ردّ علمه إلى أهله- كما لا يخفى.

و كيف كان فلا شبهة في وجوب الهدي في التمتع بل في اختصاصه به و عدم وجوبه في غيره حتى القران لعدم تعينه بوجه.

نعم وقع الكلام في أن المكي إذا تمتع هل يجب عليه الهدي أم لا؟ فالمشهور شهرة عظيمة هو الأوّل، بل في الجواهر: لم يحك الخلاف فيه إلّا عن الشيخ في المبسوط جزما و الخلاف احتمالا.

و الوجه في خلافه قوله تعالى في ذيل الآية المتقدمة ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ بناء على رجوع اسم الإشارة إلى الهدي لا إلى التمتع، لأنه كقوله من دخل داري فله درهم، ذلك لمن لم يكن عاصيا في الرجوع

إلى الجزاء دون الشرط.

و أجيب عنه بأن مقتضى كون كلمة «ذلك» إشارة إلى البعيد أن يكون المشار إليه بها هو التمتع دون الهدي.

أقول: البحث في الآية يقع تارة بملاحظة ما هو مقتضاها في نفسها مع قطع النظر عن الروايات الواردة في تفسيرها، و أخرى مع ملاحظة تلك الروايات.

أمّا مع قطع النظر عنها، فالظاهر أن وقوع اسم الإشارة عقيب الجملة الشرطية التي أشير به إليها يقتضي أن يكون المشار إليها هو مفاد الجملة الشرطية، و هو ثبوت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 210

..........

______________________________

الملازمة بين الشرط و الجزاء و ترتب الثاني على الأوّل. فالمشار إليه بكلمة «ذلك» في الآية الشرطية هي ترتب وجوب الهدي على حج التمتع الذي هو مفاد الشرطية في قوله تعالى فَإِذٰا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ و لا معنى لإرجاعه إلى الهدي وحده، و لا وجه لإرجاعه إلى مشروعية التمتع بعد عدم كون الآية مسوقة لبيانها، بل غاية مفادها أن التمتع يلازم وجوب الهدي.

و عليه فلا وجه للإشارة إلى التمتع، و إن حكى عن أبي حنيفة. فالآية بمقتضى ظاهرها تنطبق على فتوى الشّيخ قدّس سرّه لا بالتقريب الذي أفاده بل بالتقريب الذي ذكرنا.

و أمّا مع ملاحظة الروايات المفسرة فلا يبقى ارتياب في أن مفاد الآية بلحاظ الذيل هي مشروعية التمتع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، فانظر مثل:

صحيحة عبيد اللّٰه الحلبي و سليمان بن خالد و أبي بصير، كلّهم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: ليس لأهل مكّة و لا لأهل مرّ و لا لأهل سرف متعة، و ذلك لقول اللّٰه عزّ و جلّ:

ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ

الْحَرٰامِ. «1» و «مرّ» موضع على مرحلة من مكّة و «سرف» ككتف موضع قرب التنعيم.

و دلالة الرواية على أن المراد بالكتاب هي مشروعية التمتع و وجوبه واضحة إلّا أن الاستشهاد بالكتاب لا بد و أن يكون مبتنيا على ظهوره و دلالة العرفية التي يكون العرف حاكما بمفاده، و قد عرفت منع الظهور في الآية في نفسها.

و مثلها: صحيحة علي بن جعفر، قال: قلت لأخي موسى بن جعفر عليه السّلام لأهل مكة

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب السادس، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 211

..........

______________________________

أن يتمتعوا بالعمرة إلى الحج؟ فقال: لا يصلح أن يتمتعوا، لقول اللّٰه عز و جل ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ. «1»

نعم، صحيحة زرارة ظاهرة في التفسير و خالية عن الاستشهاد. حيث روى عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام قول اللّٰه عز و جل في كتابه: .. ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ .. «2»، قال: يعني أهل مكة ليس عليهم متعة، .. «3»

فلا يبقى بملاحظة الروايات المتقدمة و مثلها إشكال في المراد من الآية، و عليه فمقتضى إطلاق ما دل على وجوب الهدي على المتمتع أنه لا فرق بين المتمتع النائي و بين المكّي إذا تمتع و لو استحبابا. فإن استحباب الشروع لا ينافي الوجوب بعد وجوبه بالشروع.

الجهة الثانية: في أن الهدي لا بد و أن يكون إحدى النعم الثلاث: الإبل و البقر و الشاة.

و يدل عليه قوله تعالى: .. لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلىٰ مٰا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعٰامِ .. «4» فإن الأنعام لا يصدق إلّا على الثلاث المذكورة التي في رأسها الإبل، بحيث إنه

قيل بعدم صدق الجمع إذا لم يكن الإبل في البين، فإضافة البهيمة إلى الأنعام إنما هي من قبيل إضافة الجنس إلى النوع، كما أن التوصيف بالثلاثة إنّما هو للتوضيح

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب السادس، ح 2.

(2) سورة البقرة (2): 196.

(3) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب السادس ح 3.

(4) سورة الحج (22): 34.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 212

..........

______________________________

لا للاحتراز.

و كذا يدل عليه مثل صحيحة زرارة المتقدمة المشتملة على السؤال عن الهدي.

و الجواب بأن أفضله الإبل و أوسطه البقرة و أخفضه الشاة. فإن مفادها عدم خروجه عن هذه الأنواع الثلاثة، مع أن مقتضى السيرة العملية المستمرة من الصدر الأول إلى يومنا هذا ذلك. و لم ينقل من أحد منهم الخلاف، فلا شبهة في هذه الجهة.

و أمّا الجاموس فقد وردت فيه رواية علي بن الريّان بن الصلت، كتب إلى أبي الحسن الثالث عليه السّلام يسأله عن الجاموس عن كم يجزي في الضحية؟ فجاء في الجواب:

إن كان ذكرا فمن واحد و إن كان أنثى فمن سبعة. «1»

الجهة الثالثة: في عدم إجزاء الهدي الواحد إلّا عن الواحد. فلا يجتزي؟؟؟؟؟

اثنين أو الزيادة بالشركة، كما هو المشهور، بل في الجواهر: عن ضحايا الخلاف الإجماع عليه.

و يدل عليه- مضافا إلى قوله تعالى: .. فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. «2» نظرا إلى أنّ «من» للتبيين. و المراد بالهدي المستيسر هو بيان النعم الثلاثة و أن الميسور منها كاف دون إجزاء الهدي و أبعاضه. و كذا قوله تعالى عقيبه: .. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ .. «3»

لظهوره في أن المراد عدم وجدان الهدي الكامل التامّ- الروايات الكثيرة المتعددة مثل:

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: لا

يجوز البدنة و البقرة إلّا عن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح 1.

(2) سورة البقرة (2): 196.

(3) نفس المصدر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 213

..........

______________________________

واحد بمنى. «1»

و المراد بعدم الجواز هو عدم الإجزاء. و لا اختصاص للحكم بالبدنة و البقرة، بل يشمل الشاة أيضا. و عدم التعرض لها باعتبار عدم تحقق غرض الشركة فيها غالبا، باعتبار عدم كثرة قيمتها.

و التخصيص بمنى و إن كان يوجب خروج الأضحية بغيرها، إلّا أن مقتضى الإطلاق أنه لا فرق في منى بين الهدي و غيره. و القدر المتيقن هو الأوّل.

و رواية محمد بن عليّ الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن النفر تجزيهم البقرة؟

قال: أمّا في الهدي فلا و أمّا في الأضحى فنعم. «2»

و؟؟؟؟؟ الرواية ظاهرة الدلالة على عدم إجزاء الهدي الواحد، و لو كان بقرة عن غير الواحد إلّا أنّ في سندها محمد بن سنان.

و صحيحة الحلبي- الذي يراد به عند الإطلاق عبيد اللّٰه بن علي الحلبي- عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: تجزي البقرة أو البدنة في الأمصار عن سبعة و لا تجزي بمنى إلّا عن واحد. «3»

فلا إشكال بملاحظة ما ذكر في عدم الإجزاء في حال الاختيار و عدم الضرورة.

و أمّا في حال الضرورة فالمشهور هو عدم الإجزاء أيضا. و لكنه و ذكر في الشرائع بعد الحكم بعدم الإجزاء مطلقا: و قيل يجزي مع الضرورة عن خمسة و عن سبعة إذا كانوا أهل خوان واحد، و ظاهره أنّ القول المقابل للمشهور هو الحكم بالإجزاء مع

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح 3.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب

الثامن عشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 214

..........

______________________________

وجود الضرورة و كون المشتركين أهل خوان واحد. و ذكر بعده في الجواهر أنه لم يعرف القائل بذلك. بل حكي عن جماعة الجواز عند الضرورة مطلقا، كالشيخ في جملة من كتبه، و عن بعض الكتب الجواز إذا كانوا أهل خوان واحد.

و الروايات الواردة في هذا المجال كثيرة. لكن المهمّ منها ثلاث روايات معتبرة:

إحديها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن قوم غلت عليهم الأضاحي و هم متمتعون و هم مترافقون و ليسوا بأهل بيت واحد و قد اجتمعوا في مسيرهم و مضربهم واحد، ألهم أن يذبحوا بقرة؟ قال لا أحبّ ذلك إلّا من ضرورة. «1»

و الرواية ظاهرة الدّلالة على جواز الاجتماع في ذبح بقرة واحدة في حج التمتع في حال الضرورة، من دون فرق بين القول بأن التعبير في الجواب بقوله: «لا أحبّ» ظاهر في الكراهة المصطلحة، و بين القول بأنه ظاهر في المبغوضية التي تجتمع مع الحرمة و الكراهة. فإنه على أي تقدير يكون مفاده الجواز في صورة الضرورة، كما أنه من الواضح ثبوت الهدي في حج التمتع مطلقا، سواء كان واجبا أو مستحبّا. فإن التمتع المستحب يصير واجبا بالتلبس به و الشروع فيه. فيجب فيه الهدي.

و هذه الصحيحة صالحة للتقييد لإطلاق الروايات المتقدمة الذي كان مقتضاه عدم الفرق بين الاختيار و الاضطرار- كما لا يخفى.

ثانيتها: صحيحة حمران، قال: عزّت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مائة دينار فسئل أبو جعفر عليه السّلام عن ذلك، فقال: اشتركوا فيها، قال: قلت: كم؟ قال: ما خفّ فهو

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح 10.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 215

..........

______________________________

أفضل. قال: فقلت عن كم تجزى؟ فقال عن سبعين. «1»

و الظاهر أنّه لا خصوصية لسبعين، بل هي كناية عن الكثرة. و هذه الرواية و إن كان مفادها جواز الاشتراك مطلقا إلّا أن رواية الحلبي المتقدمة المفصلة بين الهدي و غيره تصلح لتقييد هذه الرواية بغير الهدي، و إن كان يبعده أن الحمل عليه يوجب الحمل على الأفراد النادرة لندرة غير الهدي بمنى، و دعوى كون أكثر الحجاج سابقا كان حجّهم حجّ إفراد ممنوعة جدّا.

ثالثتها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: يجزي البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد. «2»

و الظاهر أنّها الرواية المعتبرة الوحيدة الدلالة على استثناء ما إذا كان الشركاء أهل خوان واحد، بعد ظهور أنه لا خصوصية للبقرة بوجه.

و أورد عليه تارة بأن وقوع أبي الحسين النخعي في سند هذه الرواية و في سند صحيحة الحلبي المتقدمة قرينة على أن مورد هذه الرواية الأضحية لا الهدي الواجب.

و أخرى بأنه على تقدير الإغماض عن تلك الرواية تكون دلالتها على الاجتزاء حتى في الهدي الواجب بالإطلاق. فتقع المعارضة بينها و بين رواية الحلبي المتقدمة الدالة على عدم إجزاء الاشتراك في الهدي. فإن مقتضى إطلاقها أنه لا فرق بين ما إذا كانوا من أهل خوان واحد و عدمه. و النسبة عموم من وجه، و مادة الاجتماع هو

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح 11.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 216

..........

______________________________

الهدي بالإضافة إلى جماعة يكونون أهل خوان واحد.

فإن صحيحة معاوية تدل بالإطلاق على الاجتزاء و رواية

الحلبي على عدمه، فيتعارضان و يرجع إلى إطلاق الأدلة العامّة الدّالة على لزوم الهدي التام الكامل على كل متمتع.

و الإيراد الأوّل مدفوع بأن وقوع راو واحد في سند الروايتين لا ينافي التعارض بينهما و لا موجب لجعله قرينة على التصرف في دلالة الأخرى بوجه، بل اللازم ملاحظة نفس الدلالتين- كما هو ظاهر.

كما أنّ الإيراد الثاني مدفوع أيضا، مضافا إلى أن هذه الرواية للحلبي لا تكون صحيحة، لوقوع محمد بن سنان في سندها على ما مرّ بأن وقوع المعارضة بينها و بين صحيحة معاوية بن عمّار بنحو العموم و الخصوص من وجه، و الحكم بالتساقط ثم الرجوع إلى الأدلة العامّة، إنّما هو في ما إذا لم يكن لأحد الدليلين خصوصية موجبة لتعين وروده فيه و شموله له، بحيث لا يمكن إخراج مادة الاجتماع عنه.

بخلاف الدليل الآخر الذي يكون شموله لها بمجرد الإطلاق، و لا مانع من تقييده و إخراج مورد الاجتماع عنه. ففي مثله يجب تقييد إطلاق أحد الدليلين و إبقاء الآخر على حاله. و المقام يكون ظاهرا من هذا القبيل.

فإن تقييد رواية الحلبي الدالة على عدم الإجزاء في الهدي بما إذا لم يكن النفر أهل خوان واحد و إن كان ممكنا لا مانع منه أصلا. إلّا أن تقييد صحيحة معاوية بن عمار الدالة على جواز الاشتراك في بقرة واحدة في ما إذا كان المشتركون أهل خوان واحد بغير الهدي الواجب، بمقتضى رواية الحلبي مشكل بل غير جائز. لأنه لو لم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 217

..........

______________________________

يكن فيه التقييد بمنى لم يكن مانع عن هذا التقييد بوجه.

و أمّا مع إضافة عنوان منى يكون مقتضاها- حينئذ- أنّ جواز الاشتراك في ما

إذا كانوا أهل خوان واحد يكون مقيّدا بما إذا كان بمنى. مع أنه في الأضحية غير الواجبة لا يكون جواز الاشتراك مقيّدا بمنى بوجه، لوضوح جواز الاشتراك فيها في غير منى مطلقا، سواء كانوا من أهل خوان واحد أم لم يكونوا.

و لا تكون الصحيحة مسوقة لبيان المفهوم حتى يكون الغرض الأصلي منها إفادة عدم الجواز في صورة عدم كونهم أهل خوان واحد، بل الظاهر أن الغرض الأصلي منها بيان المنطوق، و هو الجواز في صورة الأهليّة المذكورة.

و مع ملاحظة ما ذكرنا هل يحتمل جواز حمل الضحية على غير الهدي أو أن التقييد بمنى يوجب نصوصيتها في الشمول لمادة الاجتماع؟

فالإنصاف أنه لا مجال لإخراجها عن الصحيحة، فلا وجه للإيراد الثاني.

و على تقدير ما ذكر تدل الصحيحة على جواز الاشتراك إذا كانوا أهل خوان واحد. كما أن صحيحة ابن الحجاج المتقدمة دلّت على الجواز في صورة الضرورة.

فهل يحكم بلزوم اجتماع القيدين في الحكم بالجواز كما حكاه في الشرائع، أو يحكم بكفاية وجود أحدهما في الحكم المذكور و إن كان لا يظهر من الفقهاء بوجه؟ لا يبعد الثاني لما مرّ من وجهه.

ثم أنه على تقدير عدم وضوح حكم الضرورة من الأدلة نفيا و إثباتا يكون مقتضى العلم الإجمالي بلزوم الاشتراك أو الصوم الذي هو بدل عن الهدي هو الاحتياط بالجمع بين الأمرين- كما أفيد في المتن.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 218

..........

______________________________

في اعتبار السنّ في الهدي

[مسألة 8- يعتبر في الهدي أمور]
اشارة

مسألة 8- يعتبر في الهدي أمور:

[الأوّل، السنّ]

الأوّل، السنّ، فيعتبر في الإبل الدخول في السّنة السادسة، و في البقر الدخول في الثالثة على الأحوط، و المعز كالبقر، و في الضأن الدخول في الثانية على الأحوط. (1)

(1) أقول: أمّا الإبل، فالنص و الفتوى متوافقان على أنّ أقلّ ما يجزي منه هو الثني، و هو الذي له خمس و دخل في السّادسة و لا إشكال و لا خلاف في هذا التفسير في صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام عن علي عليه السّلام أنه كان يقول: الثنية من الإبل و الثنية من البقر و الثانية من المعز و الجذعة من الضأن. «1» فلا شبهة في حكم الإبل.

و أمّا البقر، فقد ورد في صحيحة العيص الثني منها أيضا. و المشهور في كلام الأصحاب كما اعترف به غير واحد، بل في محكي كشف اللثام نسبته إلى قطعهم أنّ الثني من البقر ما له سنة و دخل في الثانية. و عن جماعة بل قيل أنه المعروف في اللغة هو ما دخل في الثالثة. فإن فيها تسقط ثنيتها على ما قيل.

و في صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الإبل و البقر أيّهما أفضل أن يضحى بها؟ قال: ذوات الأرحام. و سألته عن أسنانها، فقال: أمّا البقرة فلا يضرك بأيّ أسنانها ضحيت، و أمّا الإبل فلا يصلح إلّا الثنيّ فما فوق. «2»

و هي و إن كانت ظاهرة في عدم اعتبار سن خاص في البقر، إلّا أن ملاحظة أن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الحادي عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الحادي عشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 219

..........

______________________________

صدق

البقر و انطباق عنوانه يتوقف على مضيّ زمان، لأنه قبله يصدق عنوان العجل دون البقر، كما في ما يرادفه من سائر اللغات مثل اللغة الفارسية، و هذا يقتضي مضيّ زمان أقلّه سنة واحدة. فهذا يؤيّد التفسير المشهور في ثني البقر- كما عرفت.

و في صحيحة محمد بن حمران عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: أسنان البقر تبيعها و مسنّها في الذبح سواء. «1»

و قد ذكر عنوان التبيعة في باب الزكاة، و قالوا هناك أن المراد منها ما أكمل سنة واحدة و دخل في الثانية، و الظاهر عدم اختلاف المراد في الموردين، فيدل ذلك على أن المراد بالتبعية هو الثني بالتفسير المشهور.

و عليه فيرتفع اختلاف الروايات، و منه يظهر أنه لا وجه للاحتياط الوجوبي الذي هو ظاهر المتن. بل الظاهر أن الاحتياط استحبابي.

و أمّا الغنم فالمعز منه يعتبر أن يكون ثنيّا فما فوق. و المراد من ثنيّه ما هو المراد من ثني البقر ممّا عرفت. و أمّا الضأن فمقتضى جملة من الروايات الاكتفاء بالجذع منه.

كما في صحيحة العيص المتقدمة و في رواية ابن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: يجزي من الضأن الجذع و لا يجزي من المعز إلّا الثنيّ. «2»

و في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه سأل عن الأضحية، فقال: أقرن- إلى أن قال:- و الجذع من الأضن يجزي و الثني من المعز .. «3»

و في رواية حمّاد بن عثمان، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام ادنى ما يجزي من أسنان

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الحادي عشر، ح 7.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الحادي عشر، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الحادي عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 220

..........

______________________________

الغنم في الهدي. فقال: الجذع من الضأن. قلت: فالمعز. قال: لا يجوز الجذع من المعز.

قلت: و لم؟ قال: لأن الجذع من الضأن يلقح و الجذع من المعز لا يلقح. «1»

و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: و يجزي في المتعة الجذع من الضأن و لا يجزي جذع من المعز. «2»

و غير ذلك من الروايات الدالة على التفصيل بين المعز و الضأن بهذه الكيفية.

و قد وقع الخلاف في تفسير الجذع، فعن جملة من أساطين اللغويين: أنه الداخل في السنة الثانية، و عن جملة من كتب قدماء الأصحاب: أنه عبارة عما لم يدخل في السنة الثانية. بل عن بعضهم التصريح بأنه الذي له سبعة أشهر. و عن العلامة في جملة من كتبه: أنه الذي له ستة أشهر. و عن ابن الأعرابي: الأجذاع وقت و ليس بسن و يختلف باختلاف الحالات.

و كيف كان، فإن قلنا بأنّ الثني من الغنم ما أكمل السنة الواحدة، فاللازم أن يكون الجذع أقلّ منه. ليتحقق الاختلاف بين الثني و الجذع المصرح به في الروايات المتقدمة.

و عليه فالجذع ما لم يكمل السنة الواحدة فينطبق على جملة من التفاسير المتقدمة. ثم أنه يمكن أن يكون مبنى الاحتياط الوجوبي المذكور في المتن في الضأن و في سابقة من ثنى البقر و المعز هو أن غاية ما يستفاد من الأدلة هو اعتبار الثني في البقر و الجذع في الضأن.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الحادي عشر، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الحادي عشر، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 221

..........

______________________________

في أنه يعتبر أن لا

يكون الهدي مريضا

[الثاني: الصحة و السّلامة]

الثاني: الصحة و السّلامة، فلا يجزي المريض حتى الأقرع على الأحوط.

[الثالث: أن لا يكون كبيرا جدّا]

الثالث: أن لا يكون كبيرا جدّا. (1)

و بعد الرجوع إلى تفسيرهما نرى تحقق الاختلاف في معناهما. و حيث إنه لم يثبت لنا شي ء من التفسيرين أو التفاسير فيهما، فاللازم الرجوع إلى الأصل العملي و هو يقتضي الاحتياط.

و يرد عليه أنه بعد وصول النوبة إلى الأصل العملي و عدم استفادة شي ء من الأدلة اللفظية و القرائن و الشواهد المذكورة فيها- مما عرفت- يكون مقتضى الأصل العملي هي البراءة عن الكلفة الزائدة و الضيق الزائد المشكوك. لأن المقام من موارد دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطي كالشك في جزئية شي ء زائد للمركب أو في شرطية أمر زائد للمشروط و نحوهما. و مقتضى التحقيق فيه جريان أصالة البراءة لا الاحتياط- كما قرر في محلّه من الأصول فأصالة الاحتياط تستقيم على هذا الفرض أيضا.

(1) قال العلّامة في محكي المنتهى: «قد وقع الاتفاق من العلماء على اعتبار هذه الصفات الأربع- يعني العناوين الواقعة في الرواية الآتية- في المنع.

و روى البراء بن عازب، قال: قام فينا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم خطيبا، فقال: أربع لا تجوز في الأضحى: العوراء البيّن عورها، و المريضة البيّن مرضها، و العرجاء البيّن عرجها، و الكبيرة التي لا تنقى. ثم قال: و معنى البين عورها التي انخسفت عينها و ذهبت، فإن ذلك ينقصها، لأن شحمة العين عضو يستطاب أكله، و العرجاء البيّن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 222

..........

______________________________

عرجها التي عرجها متفاحش يمنعها السير مع الغنم و مشاركتهن في العلف و الرعي فتهزل، و التي لا مخّ لها لهزالها لأن النّقي بالنون المكسورة و القاف

الساكنة المخّ.

و المريضة قيل هي الجرباء لأن الجرب يفسد اللّحم. و الأقرب اعتبار كلّ مرض يؤثر في هزالها و في فساد لحمها».

و مع قطع النظر عن دعوى العلامة الإجماع و الرواية العاميّة المذكورة، لا دليل على اعتبار الصحة و السّلامة في مقابل المرض، لأنّ عمدة ما ورد في هذا الباب صحيحة علي بن جعفر انّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليهما السّلام عن الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم إلّا بعد شرائها، هل تجزي عنه؟ قال: نعم إلّا أن يكون هديا واجبا فإنه لا يجوز أن يكون ناقصا. «1»

و من المعلوم أن موضوع الحكم بعدم الجواز فيها هو الهدي الواجب الناقص.

غاية الأمر أن التطبيق على المورد الذي لا محيص عنه يقتضي الالتزام بكون العوراء ناقصا، لأنه لا مجال لاحتمال عدم الانطباق. و على أيّ فلا دلالة لها على أزيد من عدم جواز عنوان الناقص.

و الظاهر عدم انطباقه على المريض. لأن النقص في مقابل الكمال و التمامية، و المرض في مقابل الصحة و السّلامة، فلا دلالة للصحيحة على المنع من المريض إلّا أن دعوى العلامة في العبارة السابقة الإجماع. و ظاهره إجماع جميع علماء المسلمين لا خصوص علماء الإمامية فقط، بضميمة الرواية المذكورة، و إن كانت غير معتبرة في نفسها مقتضى لزوم رعاية الاحتياط في هذا الأمر. و يمكن أن يكون قوله «على

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 223

..........

______________________________

في أنه يعتبر أن يكون الهدي تام الأجزاء

[الرّابع: أن يكون تامّ الأجزاء]
اشارة

الرّابع: أن يكون تامّ الأجزاء. فلا يكفي الناقص كالخصيّ. و هو الذي أخرجت خصيتاه، و لا مرضوض الخصية و لا الخصيّ في أصل الخلقة. (1)

الأحوط»

في المتن راجعا إلى أصل اعتبار هذا الأمر، لا إلى الأقرع، فتدبّر. هذا بالنسبة إلى المرض.

و أمّا بالنسبة إلى عدم كونه كبيرا جدّا، فهو أيضا كالمريض لا دليل عليه، و لا تشمله الصحيحة. بل غاية ما فيه ادعاء العلامة بضميمة الرواية المذكورة، و الوارد في الرواية هي الكبيرة التي لا تنقى. و قد فسرها بالتي لا مخ لها لأن النقي المخ، و منشأه الكبر الذي يوجب و هن العظم و خلوّه من الجوف نوعا.

و أقصى ما فيه أيضا هو الاحتياط اللزومي دون الفتوى كما في المريض. و إن كان ظاهر المتن بناء على الاحتمال الذي ذكرنا هو الفرق بين الأمرين.

(1) أمّا بالنسبة إلى أصل اعتبار التمامية و عدم كفاية الناقص بنحو الإجمال، فتدل عليه صحيحة علي بن جعفر المتقدمة، و لكنها لا تنافي ثبوت الجواز في بعض مصاديق النقص و موارده، لقيام الدليل عليه، لأن مرجعه إلى صيرورته مقيّدا لإطلاق الصحيحة. فاللازم ملاحظة جملة من الموارد، فنقول:

منها: الخصي، و فسّره في المتن بالذي أخرجت خصيتاه. و إليه يرجع ما في الجواهر من أنه مسلول الخصية. و صرّح غير واحد بعدم إجزائه، بل هو المشهور، بل عن ظاهر التذكرة و المنتهى الإجماع عليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 224

..........

______________________________

و يدل على المنع فيه بالخصوص صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام أنه سأل عن الأضحية، فقال: اقرن فحل- إلى أن قال:- و سألته أ يضحى بالخصيّ؟ فقال:

لا. «1»

و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يشتري الهدي، فلمّا ذبحه إذا هو خصيّ مجبوب و لم يكن يعلم أن الخصي لا يجزي في الهدي، هل

يجزيه أم يعيده؟ قال: لا يجزيه إلّا أن يكون لا قوّة به عليه. «2»

لكن في مقابلها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: النعجة من الضأن (ميش مادة) إذا كانت سمينة أفضل من الخصي من الضأن، و قال: الكبش (قوچ) السمين خير من الخصي و من الأنثى. و قال: سألته عن الخصي و عن الأنثى، فقال: الأنثى أحبّ إليّ من الخصيّ. «3»

فإنّها ظاهرة في جواز الخصي في الأضحية، و مقتضى إطلاقها أنه لا فرق فيها بين الهدي و غيره من الأضحية المندوبة. و لكن ظهور صحيحة ابن الحجاج في المنع عن الخصي في الهدي، بل دلالتها على كون عدم الجواز مفروغا عنه عند السائل يوجب حمل صحيحة الحلبي على الأضحية المندوبة.

و إن شئت قلت أن صحيحة ابن الحجاج شاهدة للجمع بين صحيحة ابن مسلم الدالة على إطلاق المنع و صحيحة الحلبي الدالة على إطلاق الجواز، فتدبر.

و منها: مرضوض الخصيتين، و هو الذي رضّت خصيتاه. و ظاهر المتن أنه لا

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني عشر، ح 3.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني عشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 225

..........

______________________________

يجزي. نعم في بعض نسخه إضافة: «على الأحوط»، و عليه فيتحقق الفرق بينه و بين الخصي و لا يكون بهذا العنوان في شي ء من الفتاوى و لا النصوص.

نعم يوجد في رواية واحدة و هي رواية أبي بصير. قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن النعجة أحبّ إليك أم الماعز؟ قال: إن كان الماعز ذكرا فهو أحبّ إليّ و إن كان الماعز أنثى فالنعجة أحبّ إليّ. إلى أن قال:-

قلت: في (فاظ) الخصيّ أحبّ إليك أم النعجة؟ قال: المرضوض أحبّ إليّ من النعجة، و إن كان خصيّا فالنعجة. «1»

و ظاهرها الفرق بين الخصيّ و المرضوض من حيث الجواز و عدمه. و اللازم الأخذ بها.

و منها: الموجأ. و هو كما في الجواهر: مرضوض عروق الخصيتين حتى تفسد. و قد وردت فيه صحيحة معاوية بن عمار في حديث، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام اشتر فحلا سمينا للمتعة. فإن لم تجد فموجأ، فإن لم تجد فمن فحولة المعز، فإن لم تجد فنعجة، فإن لم تجد فما استيسر من الهدى، .. «2»

و صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام في حديث قال: و الفحل من الضأن خير من الموجأ، و الموجأ خير من النعجة، و النعجة خير من المعز. «3»

و رواية أخرى لمعاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال: فإن لم تجد كبشا الموجأ من الضأن. «4»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع عشر، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني عشر، ح 7.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع عشر، ح 1.

(4) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 226

في حكم مقطوع الذنب و الأذن

و لا مقطوع الذنب و لا الأذن، و لا يكون قرنه الداخل مكسورا و لا بأس بما كسر قرنه الخارج، و لا يبعد الاجتزاء بما لا يكون له أذن و لا قرن في أصل خلقته، و الأحوط خلافه. (1)

______________________________

و بملاحظتها يظهر أن الحكم فيه هو الجواز، و إن حكي عن السرائر أنه غير مجز، و لكنه قال قبله بأسطر: أنه لا بأس به و أنه أفضل من الشاة. ثم أن

الظاهر جريان حكم الخصيّ و هو عدم الإجزاء في الخصيّ بحسب أصل الخلقة. و ذلك لإطلاقات الواردة في الخصيّ الدالة على عدم الجواز الظاهرة في عدم الفرق بين الخصيّ بالعرض و الخصيّ بحسب أصل الخلقة و لا إشعار في شي ء منها بالاختصاص بالأوّل. و تؤيده صعوبة التمييز بين الأمرين و تشخيص الذاتي من العرضي.

و الظاهر أن توصيف الخصيّ بالمجبوب- كما في بعض الروايات المتقدمة- ليس قيدا توضيحيّا ثابتا في جميع موارد الخصيّ بل احترازيا مفاده هو الخصيّ بالذات في مقابل الخصيّ بالعرض، و لكنه يحتاج إلى تتبع في كتب اللغة و الدقة فيها، و إن كان جميع العناوين الواردة في هذا المجال كذلك، فراجع و تأمل.

(1) أمّا مقطوع الأذن، فقد ورد فيه بعض الروايات، مثل:

رواية السكوني- المعتبرة- عن جعفر عن أبيه عن آبائه، قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم لا يضحى بالعرجاء بيّن عرجها، و لا بالعوراء بيّن عورها و لا بالعجفاء و لا بالخرفاء «بالخرقاء بالحرباء خ» و بالجذعاء و لا بالعضباء، العضباء: مكسورة القرن، و

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 227

..........

______________________________

الجذعاء: المقطوعة الأذن. «1»

و الظاهر أن التفسير في الذيل من الإمام عليه السّلام.

و مرسلة محمد بن أبي نصر بإسناد له عن أحدهما عليهما السّلام قال: سئل عن الأضاحي إذا كانت الأذن مشقوقة أو مثقوبة بسمة، فقال: ما لم يكن منها مقطوعا فلا بأس. «2»

فلا إشكال في حكم مقطوع الأذن.

و أمّا مقطوع الذنب فلم يرد فيه رواية خاصّة، بل عن العلّامة في المنتهى: أنه استقرب إجزاء البتراء و قد فسر بمقطوع الذنب، و إن كان يحتمل أن يكون المراد به ما لا ذنب

له خلقة و بالأصالة.

و كيف كان فيدل على المنع عنه صحيحة عليّ بن جعفر عليه السّلام المتقدمة الدالة على أنه لا يجوز أن يكون الهدي ناقصا بدعوى تحقق النقص فيه، خصوصا مع ملاحظة وجود الذنب بحسب أصل الخلقة، مع أن الظاهر أن المناط في الحكم بعدم الجواز في مقطوع الأذن هو النقص المتحصّل بذلك. و لا فرق من جهة المناط بينه و بين مقطوع الذنب بنظر العرف. فالظاهر أنه لا مجال للإشكال هنا أيضا.

و أمّا كون القرن مكسورا، فمقتضى بعض الروايات عدم الجواز مطلقا من دون فرق بين قرنه الداخل و قرنه الخارج، كرواية السكوني المتقدمة التي نهي فيها عن العضباء مع تفسيرها بمكسورة القرن. لكن مقتضى بعض الروايات التفصيل كما في المتن، و هي:

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و العشرون، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثالث و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 228

..........

______________________________

صحيحة جميل عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في الأضحية يكسر قرنها، قال: إن كان القرن الداخل صحيحا فهو يجزي. «1»

و قد جعلها في الوسائل روايتين مع وضوح الوحدة، و إن كان بينهما اختلاف في التعبير قلة و كثرة. و المراد من القرن الداخل هو الأبيض الذي في وسط الخارج.

و أمّا ما لا يكون له أذن و لا قرن في أصل خلقته، فقد نفى البعد عن الاجتزاء به كما في المتن.

قال في المدارك: «قد قطع الأصحاب بإجزاء الجماء و هي التي لم يخلق لها قرن، و الصّمعاء و هي الفاقدة الأذن خلقة للأصل و لأن فقد هذه الأعضاء لا يوجب نقصا في قيمة الشاة و لا في لحمها ..» و ذكر في

الجواهر بعده: «قلت: إن كان إجماع على إجزاء المزبورات فذاك و إلّا فقد يمنع، لأنه مناف لإطلاق عدم جواز كون الهدي ناقصا في الصحيح المزبور الشامل للجماء و البتراء و الصمعاء و لو خلقة، ضرورة كون المراد النقص بالنسبة إلى غالب النوع لا خصوص الشخص، و عدم النقصان في القيمة و اللحم لا يمنع صدق النقص الذي ينقطع به الأصل المزبور، مع أنه يمنع عدم النقص في القيمة ..»

و أورد عليه بعض الأعلام قدّس سرّه بما ملخّصه: أنه لو فرض أنّ معزا لا ذنب له حسب جنسه و خلقته الأصلية فلا ريب في عدم صدق عنوان الناقص عليه، و مجرد وجوده في صنف آخر لا يوجب صدق الناقص.

و أمّا لو فرض أن فردا من أفراد نوع لا ذنب له خلقة اتفاقا فالأمر كذلك أيضا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 229

و لو كان عماه أو عرجه واضحا لا يكفى على الأقوى، و كذا لو كان غير واضح على الأحوط. (1)

______________________________

لأن النقص إنما يلاحظ بحسب حياته و عيشه كالعوراء و العرجاء. و بعبارة أخرى الأعضاء التي تساعد الحيوان على عيشه و حياته يعتبر فقدها نقصا.

و أمّا فقد العضو الذي لا يؤثر في استمرار حياته و عيشه فلا يصدق عليه النقصان و يجوز الاجتزاء به إلّا إذا كان هناك نص على عدم الجواز كمقطوع الأذن و مكسور القرن الداخل.

و الجواب عنه: أنه لا شاهد على دعوى اختصاص عنوان الناقص بما إذا كان العضو يساعده على استمرار الحياة و العيش، بل هو أمر عرفي لا بد من الرجوع فيه إلى العرف، و هو لا

يفرق بين الفرضين أصلا.

و عليه فمقتضى إطلاق الصحيحة المنع، لكن دعوى القطع بالنسبة إلى الأصحاب من مثل صاحب المدارك مع دقّته و وسوسته توجب الاطمئنان بكون الحكم هو الجواز. و قد عرفت أنّ صحيحة علي بن جعفر لا تكون بمثابة لا تصلح للتقييد. و لكن مع ذلك الاحتياط في خلافه.

(1) أمّا العرج الواضح أو البيّن، فقد وقع النهي عنه في رواية السكوني المتقدمة و في رواية براء بن عاذب المتقدمة في كلام العلّامة في المنتهى. و قد عرفت أنه ادعى اتفاق جميع العلماء من المنع من الصفات الأربع التي منها العرجاء بيّن عرجها. فلا إشكال فيه مضافا إلى شمول إطلاق صحيحة علي بن جعفر له، لأنه لا شبهة في كون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 230

..........

______________________________

العرج كذلك من مصاديق النقص بأيّ معنى فسّر.

نعم مقتضى الصحيحة أنه لا فرق بين البيّن و غيره لعدم الفرق بينهما في صدق عنوان النقص. لكن التقييد بالبيّن في النصوص و الفتاوى يقتضي الفرق بينهما في الحكم، لكنه جعل في المتن الاحتياط في خلافه، و هو الظاهر.

و أمّا العمى الواضح، فقد ذكر العلّامة بعد عبارته المتقدمة في المنتهى: كما وقع الاتفاق على الصفات الأربع المتقدمة فكذا وقع على ما فيه نقص أكثر من هذه العيوب بطريق التنبيه كالعمى فإنه لا يجزي لأن العمى أكثر من العور، و لا يعتبر مع العمى انخساف العين إجماعا، لأنه يخل بالسعي مع الغنم و المشاركة في العلف أكثر من إخلال العرج.

و ظاهره استفادة حكم العمى من طريق الأولوية الذي عبر عنه بطريق التنبيه مع أن انطباق عنوان الناقص المذكور في الصحيحة على الأعمى لا مجال للمناقشة فيه، فلا حاجة

إلى الطريق المذكور.

نعم مقتضى الصحيحة أنه لا فرق بين الواضح و غيره، لأن الوضوح لا يوجب الاختلاف في صدق عنوان الناقص و لم يقيد بالبين كما في الأعرج، فلذا يكون الاحتياط هنا أشدّ منه، فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 231

..........

______________________________

في اعتبار أن لا يكون مهزولا و لا بأس بشقاق الأذن و ثقبه، و الأحوط عدم الاجتزاء به، كما أن الأحوط عدم الاجتزاء بما ابيضّت عينه. (1)

(1) مقتضى رواية السكوني و مرسلة ابن أبي نصر المتقدمتين اختصاص المنع بمقطوع الأذن، خصوصا مع وقوع الثاني جوابا عن السؤال عما إذا كانت الأذن مشقوقة أو مثقوبة بسمة. فإن دلالتها على الاختصاص قوية جدّا.

لكن في صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الضحيّة تكون الأذن مشقوقة. فقال: إن كان شقّها وسما فلا بأس و إن كان شقا فلا يصلح. «1»

و مقتضاها التفصيل في الشق بين ما إذا كان وسما فلا مانع منه، و ما إذا لم يكن كذلك فلا يصلح. و الظاهر كون الطائفة الأولى قرينة على كون المراد بما لا يصلح في الضحيّة هي الكراهة لا المنع.

و يؤيده ما قيل من أن شق الأذن في الحيوانات كثير جدا. و مما يكثر الابتلاء به، فكيف يخفى المنع عنه على الأصحاب، مع أنهم صرّحوا بالجواز، مع أن القطع مسبوق بالشق نوعا، فلو كان الشق مانعا لما تصل النوبة في المانعية إلى القطع، فجعله مانعا دليل على عدم كون الشق كذلك، فتدبّر.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثالث و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 232

[الخامس: أن لا يكون مهزولا]

الخامس: أن لا يكون مهزولا، و يكفي وجود الشحم على

ظهره، و الأحوط أن لا يكون مهزولا عرفا. (1)

______________________________

(1) أمّا أصل عدم اعتبار الهزال في الهدي، فقد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر. و يدل عليه روايات متعددة، مثل:

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام في حديث، قال: و إن اشترى أضحية و هو ينوي أنّها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت عنه، و إن نواها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت عنه، و إن نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم يجزئ عنه. «1»

و رواية سيف عن «بن خ ل» منصور عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: و إن اشترى الرجل هديا و هو يرى أنه سمين أجزأ عنه و إن لم يجده سمينا، و من اشترى هديا و هو يرى أنه مهزول فوجده سمينا أجزأ عنه، و إن اشتراه و هو يعلم أنه مهزول لم يجز عنه. «2»

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا اشترى الرجل البدنة مهزولة فوجدها سمينة فقد أجزأت عنه، و إن اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة، فإنها لا تجزى عنه. «3»

و صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في الهرم الذي قد وقعت ثناياه، أنه لا بأس به في الأضاحي، و إن اشتريته مهزولا فوجدته سمينا أجزأك، و إن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 233

..........

______________________________

اشتريته مهزولا فوجدته مهزولا فلا يجزي. «1»

و مرسلة الصدوق المعتبرة، قال: قال عليّ عليه السّلام: إذا اشترى الرجل البدنة عجفاء فلا تجزى عنه، و إن اشتراها سمينة فوجدها عجفاء أجزأت عنه، و في هدي

المتمتع مثل ذلك. «2»

و غير ذلك من الروايات الظاهرة في مانعية الهزال في الجملة، فلا إشكال في الحكم كذلك.

و أمّا معنى الهزال، فقد ورد فيه رواية غير نقية السند مضافة إلى الإضمار، و هي رواية الفضل، قال: حججت بأهلي سنة فعزّت الأضاحي فانطلقت فاشتريت شاتين بغلاء، فلمّا ألقيت إهابيهما ندمت ندامة شديدة لما رأيت بهما من الهزال، فأتيته فأخبرته بذلك، فقال: إن كان على كليتيهما شي ء من الشحم أجزأت. «3»

و قد أفتى على طبقها جمع كثير من الفقهاء، حتى مثل ابن إدريس في السرائر مع عدم حجية الخبر الصحيح عنده فضلا عن غيره. نعم ذهب بعض متأخري المتأخرين إلى خلافه و أحال الأمر إلى العرف. و لكن الرواية موافقة للاعتبار، كما في الجواهر و كشف اللثام، و هو الوجه في العمل بها.

و أمّا التعبير بوجود الشحم على الظهر- كما في المتن- فلم يعرف له وجه، إلّا أن يكون بين الأمرين التلازم، كما لا تبعد دعواه. و مما ذكرنا ظهر الوجه في الاحتياط الاستحبابي المذكور فيه، بالإضافة إلى حكم العرف و مرجعيته في الهزال و عدمه.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 6.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 8.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 234

[مسألة 9] في ما لو لم يوجد غير الخصيّ

مسألة 9- لو لم يوجد غير الخصيّ لا يبعد الاجتزاء به، و إن كان الأحوط الجمع بينه و بين التام في ذي الحجة في هذا العام. و إن لم يتيسّر ففي العام القابل أو الجمع بين الناقص و الصوم، و لو وجد الناقص غير الخصيّ فالأحوط الجمع بينه و بين التام في بقيّة ذي الحجة،

فإن لم يكن ففي العام القابل، و الاحتياط التام الجمع بينهما و بين الصوم. (1)

______________________________

(1) أمّا بالنسبة إلى الخصيّ لو لم يوجد غيره فقد نفى البعد عن الاجتزاء به في هذا الفرض. لكن مقتضى إطلاق الأصحاب عدم الإجزاء، كما اعترف به في الحدائق، حتى قال: لم أقف على من قيّد إلّا على الشيخ في النهاية و تبعه الشهيد في الدروس و بعض من تأخر عنه.

و الروايات التي استدل لها أو يمكن الاستدلال بها على الإجزاء في صورة عدم وجدان غير الخصيّ، ثلاثة:

إحديها: ما استدل به في المدارك من صحيحة معاوية بن عمّار في حديث، قال:

قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: اشتر فحلا سمينا للمتعة، فإن لم تجد فموجوءا، فإن لم تجد فمن فحولة المعز، فإن لم تجد فنعجة، فإن لم تجد فما استيسر من الهدي. «1»

و الاستدلال إن كان بلحاظ وجود عنوان الموجوء في الرواية، فقد عرفت أن الموجوء غير الخصيّ بل غير المرضوض أيضا. فلا مجال للاستدلال بها على حكم

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني عشر، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 235

..........

______________________________

الخصيّ، و إن كان بلحاظ الاستشهاد بقوله تعالى: .. فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. «1»

و أنه يدل على جواز الميسور من الهدي، و إن كان فاقدا لبعض الأمور المعتبرة فيه.

و بعبارة أخرى تدل الرواية على أنه مع فقد بعض تلك الأمور ينطبق قوله تعالى: .. فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. «2» لا قوله تعالى: .. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ .. «3» فلا بأس بهذا النحو من الاستدلال.

ثانيتها: رواية أبي بصير عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: فالخصيّ يضحى

به؟ قال: لا إلّا أن لا يكون غيره. «4»

و لكنها مخدوشة من حيث السند بعلي بن أبي حمزة الرّاوي عن أبي بصير.

ثالثتها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يشتري الهدي فلمّا ذبحه إذا هو خصىّ مجبوب، و لم يكن يعلم أنّ الخصيّ لا يجزي الهدي، هل يجزيه أم يعيده؟ قال: لا يجزيه إلّا أن يكون لا قوّة به عليه. «5»

و هذه الرواية لا تنطبق على المدعى، لأنه عبارة عما لو لم يوجد غير الخصيّ و هذه الرواية تدل على الاجزاء في ما لو لم يقدر و لم يؤسر على الخصيّ.

و يدلّ عليه صحيحته الأخرى، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يشتري الكبش فيجده خصيّا مجبوبا، قال: إن كان صاحبه موسرا فليشتر مكانه. «6»

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

(2) سورة البقرة (2): 196.

(3) نفس المصدر.

(4) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني عشر، ح 3.

(5) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني عشر، ح 3.

(6) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني عشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 236

..........

______________________________

إلّا أن يقال أن الإجزاء في صورة عدم اليسر يدل على الإجزاء في صورة عدم وجدان غير الخصيّ بطريق أولى، فتدبّر.

و بملاحظة ما ذكرنا ينقدح أنه لا يبعد الحكم بالاجتزاء في مفروض المسألة كما في المتن، و إن كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي ما هو المذكور فيه أيضا. هذا بالنسبة إلى الخصيّ.

و أما بالنسبة إلى الناقص غير الخصيّ فالظاهر أن العنوان المفروض في المتن يغاير ما هو المفروض في كلام الفقهاء من زمن الشيخ قدّس سرّه إلى زمان المحقق و من بعده.

فإن المفروض في المسألة هو عدم وجدان غير

الناقص، و مورد كلام الفقهاء هو ما لو اشترى هديا على أنّه تام الأجزاء و خال عن النقص فانكشف بعد الشّراء أنه ناقص غير تامّ، و هما أمران لا بد من البحث في كل منهما مستقلّا، فنقول:

الأمر الأوّل: ما هو المذكور في المتن، و قد احتاط فيه وجوبا بالجمع بين الناقص يوم العيد و بين التام في ذي الحجة في هذا العام أو العام القابل مع عدم التمكن في هذا المقام. و لازمة أنه لم يستفد من الأدلة شيئا من الإجزاء و عدمه، فوصلت النوبة إلى الاحتياط اللّزومي.

و اللازم في هذا الأمر ملاحظة صحيحة علي بن جعفر عليه السّلام المتقدمة الدالة على أنّه لا يجوز أن يكون الهدي ناقصا. من جهة أنّ المستفاد منها هل هو اعتبار عدم النقص و شرطيته بنحو الإطلاق الذي مرجعه إلى ثبوت الشرطية سواء وجد التام أم لم يوجد؟ أو أن مفادها شرطية التمامية في الجملة، و مرجعها إلى أن القدر المتيقن هي الشرطية في خصوص صورة وجدان التام لا مطلقا؟

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 237

..........

______________________________

فعلى الأوّل يكون مقتضى إطلاق دليل المقيّد أنه مع عدم وجدان غير الناقص ينتقل إلى الصيام و أن المورد داخل في قوله تعالى: .. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ .. «1».

كما أنه على الثاني يكون مقتضى الاقتصار في دليل المقيد على القدر المتيقن و هي صورة وجدان التام، لزم اشتراء الهدي الناقص مع عدم وجدان التام، و أن المورد داخل في قوله تعالى: .. فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. «2».

و الظاهر من المتن بملاحظة الاحتياط الوجوبي أنه لم يظهر له من الدليل- و هي الصحيحة- شي ء من الإطلاق

و عدمه، مع أن الظاهر ثبوت الإطلاق لها، و لازمة الانتقال إلى البدل و ارتفاع الحكم بلزوم الهدي في الأضحى، و إن كان المستفاد من صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة، أن قوله تعالى فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ يدل على الاكتفاء بالميسور منه، لكنه مجرد استيناس لا يقاوم الإطلاق الذي يدل عليه صحيحة علي بن جعفر عليه السّلام فتدبّر.

الأمر الثاني: ما وقع التعرض له في صدر المسألة العاشرة الآتية، و هو ما لو انكشف بعد شراء الهدي بعنوان أنّه تام خلافه و أنه ناقص. و المحكيّ عن الأكثر هو عدم الإجزاء مطلقا، سواء ظهر النقص بعد نقد الثمن أو قبله أو بعد الذبح أو قبله.

و الدليل عليه صحيحة علي بن جعفر عليه السّلام بلحاظ كون موردها هذه الصورة، حيث إنّه روى عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام أنه سأل عن الرجل يشتري الأضحية

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

(2) نفس المصدر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 238

..........

______________________________

عورا فلا يعلم عورها إلّا بعد شرائها، هل تجزى عنه؟ قال: نعم، إلا أن يكون هديا واجبا فإنه لا يجوز (أن يكون ظ) ناقصا. «1»

فإنّ مقتضى انطباق الجواب على السؤال الحكم بعدم الإجزاء في الهدي في مورده الذي هو المقام، و مقتضى إطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب أنه لا فرق في الحكم بعدم الإجزاء بين جميع صور المسألة المتقدمة و غيرها.

لكن هنا روايتان آخرتان صالحتان لتقييد إطلاق الصحيحة المتقدمة:

إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل يشتري هديا فكان به عيب، عور أو غيره، فقال: إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه، و إن لم يكن نقد ثمنه

ردّه و اشترى غيره، .. «2»

و الظاهر أن موردها صورة العلم بعد الشراء فتدل على التفصيل بين صورة نقد الثمن و صورة عدمه بالإجزاء في الأولى و الرّد في الثانية، لأجل خيار العيب و عدم إجزاء المعيب في الهدي.

ثانيتهما: صحيحة عمران الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من اشترى هديا و لم يعلم أنّ به عيبا حتّى نقد ثمنه ثم علم فقد تمّ. «3»

و الظاهر بلحاظ كون القيود مأخوذة في كلام الإمام عليه السّلام في بيان موضوع الحكم بالإجزاء، خصوصا مع كونه مخالفا للضابطة المستفادة من صحيحة عليّ بن جعفر عليه السّلام هي مدخلية الجميع في الحكم المذكور. فكما أن نقد الثمن دخيل في الإجزاء، كذلك

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع و العشرون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع و العشرون، ح 1.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع و العشرون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 239

..........

______________________________

الانكشاف بعد النقد.

فبملاحظة هذه الصحيحة يقيد إطلاق صحيحة علي بن جعفر بالقيدين المذكورين هنا. و قد أفتى على طبقها الشيخ قدّس سرّه في محكيّ التهذيب.

و لكن الإشكال في أنّ فتوى المشهور على طبق رواية علي بن جعفر عليه السّلام و الحكم بعدم الإجزاء بنحو الإطلاق، هل لأجل إعراضهم عن هاتين الروايتين، فلا يبقى مجال للجمع الدلالي بينهما و بينها؟ أو لأجل الجمع الدلالي بالحمل على بعض الوجوه، كحمل الإجزاء على صورة عدم القدرة على استرجاع الثمن أو على الأضحية غير الواجبة؟

الظاهر هو الأول، كما في الجواهر، حتى ذكر أن الشيخ في غير التهذيب أعرض عنه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 240

[مسألة 10] في ما لو اعتقد السمن ثم انكشف الخلاف

مسألة 10- لو

ذبح فانكشف كونه ناقصا أو مريضا يجب آخر، نعم لو تخيل السّمن ثم انكشف خلافه يكفي، و لو تخيل هزاله فذبح برجاء السمن بقصد القربة فتبيّن عدمه يكفي، و لو لم يحتمل السّمن أو يحتمله لكن ذبح من غير مبالاة لا برجاء الإطاعة لا يكفي. و لو اعتقد الهزال و ذبح جهلا بالحكم ثم انكشف الخلاف فالأحوط الإعادة، و لو اعتقد النقص فذبح جهلا بالحكم فانكشف الخلاف فالظاهر الكفاية. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع متعددة:

الفرع الأول: ما لو ذبح فانكشف كونه ناقصا أو مريضا و قد تعرضنا له في الأمر الثاني من الأمرين المتقدمين في ذيل المسألة التاسعة.

الفرع الثاني: ما لو اعتقد السمن و اشتراه مع هذه النية ثم انكشف الخلاف و أنه كان مهزولا، و فيه صورتان:

الصورة الأولى: ما لو كان انكشاف الخلاف بعد تحقق الذبح، ظاهر النصوص و الفتاوى بل صريحها هو الإجزاء و عدم لزوم هدي آخر، و هو القدر المتيقن من النصوص الواردة في هذا المجال، مثل:

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام (في حديث) قال: و إن اشترى أضحية و هو ينوي أنها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت عنه، و إن نواها مهزولة فخرجت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 241

..........

______________________________

سمينة أجزأت عنه، و إن نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم يجز عنه «1».

و رواية منصور عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: و إن اشترى الرجل هديا و هو يرى أنه سمين أجزأ عنه و إن لم يجده سمينا، و من اشترى هديا و هو يرى أنه مهزول فوجده سمينا أجزأ عنه، و إن اشتراه و هو يعلم انّه مهزول لم يجز عنه «2».

و مرسلة

الصدوق المعتبرة، قال: قال علي عليه السّلام: إذا اشترى الرجل البدنة عجفاء فلا تجزي عنه، و إن اشتراها سمينة فوجدها عجفاء أجزأت عنه، و في هدي المتمتع مثل ذلك «3». فلا إشكال في الحكم بالإجزاء في هذه الصورة.

الصورة الثانية: ما لو كان الانكشاف بعد الشراء و قبل الذبح. ظاهر إطلاق كلام الأصحاب الإجزاء في هذه الصورة، مثل عبارة المحقق في الشرائع، حيث قال:

«و كذا- يعني تجزي- لو اشتراها على أنها سمينة فخرجت مهزولة». و لكنه قيده في شرح الشرائع ببعد الذبح، و قال في ذيل كلامه: «نعم لو ظهر الهزال قبل الذبح لم يجز لإطلاق عدم الإجزاء في الخبر السابق السالم عن المعارض بعد انسياق ما بعد الذبح من الوجدان نصّا و فتوى ..».

و مراده بالخبر السابق صحيحة محمد بن مسلم التي نقلها في صفحتين قبل ذلك هكذا عن أحدهما عليهما السّلام سئل عن الأضحية، فقال: أقرن فحل سمين عظيم الأنف و الاذن- إلى أن قال:- إن اشترى أضحية و هو ينوي أنها سمينة فخرجت مهزولة لم تجز عنه. و قال: أن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم كان يضحي بكبش أقرن عظيم سمين فحل يأكل في

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 242

..........

______________________________

سواد و ينظر في سواد، فإذا لم يجدوا من ذلك شيئا، فاللّه أولى بالعذر.

و أورد عليه بعض الأعلام قدّس سرّهم بأن ما نقله من صحيح محمد بن مسلم قد سها في نقل متنه، و خلط بين روايتين لمحمد بن مسلم،

و ليس فيهما هذه الجملة- أي المشتملة علىٰ عدم الإجزاء- بل الموجود في الصحيحة أجزأت عنه. فالاستدلال بالصحيحة ساقط بالمرة.

و الاعتراض عليه بأنه قد سها في نقل متنه، و إن كان صحيحا واردا إلّا أنه ليس لمحمد بن مسلم روايتان، بل رواية واحدة مفصلة قد قطعها صاحب الوسائل و أورد كل قطعة في الباب المناسب.

و هي ما رواه في التهذيب بعد قوله في الأذن: و الجذع من الضأن يجزي و الثني من المعز، و الفحل من الضأن خير من الموجوء، و الموجوء خير من النعجة، و النعجة خير من المعز. فقال: و إن اشترى أضحية و هو ينوي أنها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت عنه، و إن نواها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت عنه، و إن نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم تجز عنه، و قال: أن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم كان يضحي بكبش أقرن عظيم سمين فحل يأكل في سواد و ينظر في سواد، فإذا لم تجدوا من ذلك شيئا فاللّه أولى بالعذر.

و قال: الإناث و الذكور خير من الإبل، و البقر يجزي، و سألته أ يضحى بالخصيّ؟

فقال: لا «1».

و أما انسياق ما بعد الذبح من الوجدان فممنوع جدّا، و إن كان ربما يؤيده أن المعيار في السمن على ما تقدم هو وجود الشحم على الكلية، و هو لا يعلم نوعا إلّا

______________________________

(1) التهذيب: ج 1، ص 505.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 243

..........

______________________________

بعد الذبح، إلّا أنه ليس بمثابة توجب الانصراف. فالإطلاق ثابت في النصوص كالفتاوى.

الفرع الثالث: ما لو تخيل الهزال فتبين عدمه، و فيه صورتان أيضا:

الأولى: ما لو تخيل الهزال فذبح برجاء السمن بقصد القربة فتبين

عدمه، و قد حكم في المتن في هذه الصورة بالكفاية و الإجزاء.

الثانية: ما لو لم يحتمل السمن أو احتمله لكن ذبح من غير مبالاة لا برجاء الإطاعة، و قد حكم فيه في هذه الصورة بعدم الكفاية. و الأصل في هذا الفرع روايات متعددة أكثرها صحاح، مثل:

صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة المشتملة على قوله عليه السّلام: و إن نواها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت عنه، و رواية منصور المتقدمة أيضا المشتملة على قوله عليه السّلام و من اشترى هديا و هو يرى أنه مهزول فوجده سمينا أجزأ عنه.

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا اشترى الرجل البدنة مهزولة فوجدها سمينة فقد أجزأت عنه، و إن اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة فإنها لا تجزي عنه «1».

و صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام المشتملة على قوله عليه السّلام و إن اشتريته مهزولا فوجدته سمينا أجزأك «2».

و بملاحظة هذه الروايات لا موقع للإشكال في أصل الحكم.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 244

..........

______________________________

إنما الإشكال في أنه إذا كان وجدان الخلاف و تبين كونه سمينا قبل الذبح، يتمشى منه قصد القربة حال الذبح الذي يكون من مناسك الحج، و يكون عبادة يعتبر فيها قصد القربة- كما سيأتي في بعض المسائل الآتية.

و أما إذا لم يتبين الخلاف قبل الذبح بل بعده، فكيف يتمشى منه قصد القربة مع اعتقاد الهزال؟ و العلم باعتبار عدمه في الهدي و لأجله حكي خلاف المشهور عن العماني، حيث إنه لم يقل بالإجزاء في أصل هذا الفرع.

و كيف كان، فالروايات المتقدمة

الظاهرة في الإجزاء هل تكون مخصصة لدليل عبادية الذبح في بعض الموارد، و تكون حاكمة بعدم اعتبار قصد القربة في تلك الموارد؟ أو أنه لا مجال لدعوى عدم اعتبار العبادية و لو في بعض الموارد؟ و الظاهر هو الثاني، و عليه فكيف يجمع بين العبادية و بين الروايات الظاهرة في الإجزاء؟

يظهر من المتن أنه لا بد من التصرف في مورد هذه الروايات، و الحكم بأن موردها ما إذا اجتمع هناك خصوصيتان:

إحديهما: عدم الاعتقاد الكامل بالهزال، بحيث كان عالما به من غير احتمال خلاف و لو كان ضعيفا.

ثانيتهما: الذبح برجاء المطلوبية الراجع إلى الاكتفاء به على تقدير السمن، و ذبح هدي آخر على تقدير عدمه. و مع انتفاء إحدى الخصوصيتين أو كلتيهما لا يحكم بالإجزاء، بل يجب هدي آخر.

و يمكن التصرف في الروايات بالحمل على صورة الانكشاف قبل الذبح. لكن هذا التفصيل مخالف لجميع الفتاوى في هذا الفرع.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 245

..........

______________________________

الفرع الرابع: ما لو اعتقد الهزال اعتقادا يقينيا و ذبح جهلا بالحكم، و أنه يعتبر عدم المهزولية في الهدي ثم انكشف الخلاف و أنه كان سمينا، و قد احتاط في المتن وجوبا بالإعادة و تكرار الهدي.

و الظاهر أنه لا سبيل إلى الاحتياط الوجوبي، بل لا يزيد عن الاحتياط الاستحبابي. و ذلك لأنه الخارج من مورد الروايات المتقدمة بعد انكشاف الخلاف و عدم الهزال ما لو كان الذبح الصادر فاقدا لوصف العبادية و خاليا عن قصد القربة.

و أما في المقام فحيث إنه كان الذبح مقرونا بالجهل بالحكم و إن كان معتقدا للهزال، فلا مانع من تمشى قصد القربة و حصوله. و عليه فالذبح قد وقع عبادة.

و المفروض كونه سمينا

واقعا، فلا مجال للارتياب في شمول الروايات المتقدمة الدالة على الإجزاء له. و اقترانه باعتقاد الهزال و الجهل بالحكم لا دليل على قدحه و مانعيته عن صحة الذبح بعنوان العبادية.

و عليه فالظاهر هو الإجزاء و إن كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي الإعادة، فتدبر.

الفرع الأخير: ما لو اعتقد النقص فذبح جهلا بالحكم، فانكشف الخلاف و أنه يكون تامّا خاليا عن النقص، و قد استظهر في المتن فيه الكفاية و الإجزاء.

و الوجه فيه أن شرطية التمامية و عدم النقص و إن كانت شرطية واقعية لا اعتقادية، و لذا ذكر في الفرع الأول أنه لو ذبح فانكشف كونه ناقصا يجب آخر، إلّا أن المفروض في المقام تحقق هذا الشرط و كون الحيوان تاما بحسب الواقع.

و حيث إنه كان جاهلا بالحكم حال الذبح و لم يكن عالما باعتبار التمامية، فالذبح

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 246

[مسألة 11] في أنه يعتبر أن يكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة

مسألة 11- الأحوط أن يكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة، و الأحوط عدم التأخير من يوم العيد، و لو أخر لعذر أو لغيره فالأحوط الذبح أيام التشريق و إلّا ففي بقية ذي الحجة، و هو من العبادات، يعتبر فيه النية و نحوها، و يجوز فيه النيابة و ينوي النائب، و الأحوط فيه نيّة المنوب عنه أيضا، و يعتبر كون النائب شيعيا على الأحوط، بل لا يخلو عن قوة. و كذا في ذبح الكفارات (1).

______________________________

الصادر قد تحقق متصفا بالعبادية و مقرونا بقصد القربة. فالحيوان المذبوح واجد للشرط الواقعي و ذبحه مقرون بقصد القربة، فلا وجه لعدم الاكتفاء به إلّا مجرد اعتقاد النقص و الجهل بالحكم، و هما بعد عدم دلالة دليل على قدحهما أو قدح واحد منهما يكونان كالحجر

في جنب الإنسان، و عليه فالظاهر هي الكفاية- كما في المتن.

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لأمور:

الأمر الأول: الظاهر اعتبار أن يكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة و أن جعله في المتن مقتضى الاحتياط الوجوبي.

و يدل عليه- مضافا إلى الأخبار البيانية الحاكية لعمل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في حجة الوداع الدالة على تأخر النحر عن الرمي، مع أن الغرض من حكايته بيان الحكم بهذه الصورة لا مجرد الحكاية و النقل- بعض الروايات، مثل:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 247

..........

______________________________

صحيحة معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام إذا رميت الجمرة فاشتر هديك إن كان من البدن أو البقر و إلّا فاجعله كبشا سمينا فحلا .. «1».

فإنها ظاهرة في ترتب اشتراء الهدي الذي يكون مقدمة لذبحه أو نحره على رمي جمرة العقبة يوم النحر.

و صحيحة سعيد الأعرج في حديث، أنه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن النساء، قال:

تقف بهنّ بجمع، ثم أفض بهنّ حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة، فإن لم يكن عليهنّ ذبح فليأخذن من شعورهن و يقصرن من أظفارهن «2».

و هي أيضا ظاهرة في تأخر الذبح عن رمي الجمرة و أنه مع عدم وجوبه تصل النوبة إلى التقصير.

و كذا الروايات الدالة على أن عدم رعاية الترتيب في صورة العذر لا يكون قادحا في الصحة بوجه، و عليه فاعتباره إنما هو بنحو الفتوى.

الأمر الثاني: في جواز التأخير عن يوم العيد و عدمه. و قد احتاط في المتن وجوبا بعدم التأخير، و أضاف إليه قوله: «و لو أخّر لعذر أو لغيره فالأحوط الذبح أيام التشريق، و إلّا ففي بقية ذي الحجة».

قال المحقق في

الشرائع: و يجب ذبحه يوم النحر مقدما على الحلق و لو أخّره أثم و أجزأ. و كذا لو ذبحه في بقية ذي الحجة جاز.

و قد ذكر في الجواهر في شرح الفقرة الاولى: أن المسلّم منه كونه بمعنى عدم جواز

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 248

..........

______________________________

تقديمه على يوم النحر الذي يمكن تحصيل الإجماع عليه كما ادعاه بعضهم. أمّا عدم جواز تأخيره عنه فهو و إن كان مقتضى العبادة، لكن ستعرف القائل بالجواز صريحا و ظاهرا.

و القائل بالجواز صريحا على ما ذكره بعده صاحب المصباح و مختصره حيث إن فيهما أن الهدي الواجب يجوز ذبحه و نحره طول ذي الحجة، و يوم النحر أفضل.

و القول به ظاهرا محكي عن النهاية و الغنية و السرائر، حيث عبّروا بالجواز الظاهر في الحكم التكليفي، و يحتمل أن يراد منه الإجزاء كما في الشرائع.

و كيف كان فالقائل بالتعين لا يقول به بنحو وحدة المطلوب، بل بنحو التعدد، و لازمة أن الإخلال بالذبح يوم النحر و لو كان عن عمد و اختيار لا يوجب سقوط أصل التكليف بالذبح. و لازمة حصول الامتثال بعد يوم النحر أيضا.

و قد استدل له أولا بالتأسي. و قد أورد عليه مضافا إلى المناقشة في الكبرى بأنه لم يعلم كون ذبحه في ذلك اليوم نسكا ضرورة احتياج الذبح إلى وقت.

و ثانيا ببعض الروايات، مثل: صحيحة سعيد الأعرج المتقدمة في الأمر الأول فإنها ظاهرة بحسب المتفاهم العرفي في أن الانتقال إلى التقصير و وصول النوبة إليه إنما هو بعد الذبح في مورد ثبوته و وجوبه.

و رواية أبي

بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: رخّص رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم للنساء و الصبيان أن يفيضوا بليل، و أن يرموا الجمار بليل، و أن يصلوا الغداة في منازلهم، فإن خفن الحيض مضين إلى مكة و وكّلن من يضحي عنهن «1».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر الباب السابع عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 249

..........

______________________________

نظرا إلى أن لزوم التوكيل و الاستنابة في الذبح عليهن مع خوف الحيض المقتضي لتعجيل الطواف و صلاته دليل على تعين وقوعه يوم النحر. و إلّا فمع جواز التأخير يؤخرن الذبح إلى بعده من دون لزوم التوكيل.

هذا، و لكن الظاهر أن لزوم التوكيل لأجل ترتب الطواف على الذبح و لزوم تأخره عنه لا لأجل التعين المذكور. و لا أقل من احتمال كلا الأمرين. فلا مجال للاستدلال بها على التعين.

و رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك و اغتسل و قلم أظفارك و خذ من شاربك «1». بناء على لزوم وقوع الحلق أو التقصير يوم النحر.

و بملاحظة هذه الروايات يظهر أن لزوم وقوع الذبح أو النحر يوم النحر لو لم يكن أقوى يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي- كما في المتن.

و أما ما يدل على الإجزاء في أيام التشريق ثم في بقية ذي الحجة فقط في الجملة أو مطلقا، فعدة من الروايات، مثل:

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام في حديث، قال: و قال إذا وجد الرجل هديا ضالّا فليعرّفه يوم النحر و الثاني و الثالث، ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث «2».

و صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في

متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم، قال: يخلف

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الأول، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 250

..........

______________________________

الثمن عند بعض أهل مكة و يأمر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزي عنه. فإن مضى ذو الحجة، أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجة «1».

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى بمكة ثم ذبح، قال: لا بأس قد أجزأ عنه «2».

و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال: أربعة أيام، و سألته عن الأضحى في غير منى، فقال: ثلاثة أيام، فقلت: فما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين، إله أن يضحي في اليوم الثالث؟ فقال: نعم «3».

و موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن الأضحى بمنى، فقال:

أربعة أيام، و عن الأضحى في سائر البلدان، فقال: ثلاثة أيام «4».

و رواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: النحر بمنى ثلاثة أيام. فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة الأيام. و النحر بالأمصار يوم، فمن أراد أن يصوم صام من الغد «5».

لكن التفريع من جهة الصوم ربما يشعر بل يدل على أن المراد بكون الأضحى بمنى ثلاثة أيام، هي من جهة الصوم لا من جهة زمان الذبح أو النحر. فإن للأضحى خصوصيتين: الظرفية الزمانية للذبح أو النحر، و عدم جواز الصوم فيه.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع و

الأربعون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 5.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس، ح 1.

(4) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس، ح 2.

(5) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 251

..........

______________________________

نعم هنا رواية ربما يكون ظاهرها خلاف الروايات المتقدمة، و هي رواية أبي بصير عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أ يذبح أو يصوم؟ قال: بل يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت «1».

و احتمل صاحب الجواهر فيها إرادة يوم النفر من مكة، و قد كان بعد ذي الحجة.

و لعله لأن حملها على إرادة يوم النفر من منى إلى مكة الذي هو اليوم الثاني عشر نوعا لا يجتمع مع مضي الأيام بصيغة الجمع، لأن أقلّها الثلاثة مع أنه حينئذ لم يمض إلّا يومان لا الثلاثة.

و حكي عن الشيخ أنه حملها على من صام ثلاثة أيام فمضى أيامه بمعنى مضيّ زمان أسقطه عنه للصوم فيه، و هو في غاية البعد. و حمل صاحب الجواهر أقرب. لأن ظهور الجمع في الثلاثة فما فوق أزيد من ظهور يوم النفر في يوم النفر من منى لا من مكة، كما هو ظاهر.

الأمر الثالث: في كون الذبح أو النحر عبادة. و لأجلها يعتبر فيه ما يعتبر في سائر أجزاء الحج من النية المشتملة على قصد القربة و غيره مما مر البحث عنه مفصلا في الطواف و ما يترتب عليه و الوقوفين و ما بعدهما و لا حاجة إلى الإعادة.

الأمر الرابع: في جريان النيابة في الذبح و نحوه و لو مع عدم الضرورة و فقدان

العذر. و الكلام في هذا الأمر يقع في مقامين:

المقام الأول: في أصل جريان النيابة فيه مطلقا. و الدليل عليه وجوه:

أحدها: استمرار السيرة العملية من المتشرعة المتصلة بزمان المعصوم عليه السّلام على

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع و الأربعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 252

..........

______________________________

الاستنابة في الذبح و نحوه مطلقا. و المعاملة مع الذبح معاملة خاصة مغايرة لسائر أجزاء الحج. حيث إننا نرى وقوع الاستنابة من أكثر الحجاج. بل لا يتصدى له بنحو المباشرة، إلّا قليل منهم. بخلاف سائر الأجزاء.

ثانيها: كون مسألة الذبح حتى في الغنم فضلا عن البقر و كذا النحر بطريق آكد مسألة فنية لا يعرفه إلّا القليل من لناس، فإن المتصدين لذلك أفراد خاصة معدودون. و في مثل هذا الأمر لو فرض توجه التكليف إليه من الشارع لا يكاد يفهم منه، إلّا أن مقصود الشارع تحقق الفعل من المكلف، لا بنحو المباشرة فقط، بل أعم منها و من الاستنابة المتعقبة للصدور من النائب.

و هذا بخلاف مثل الرمي و الطواف و السعي و نحوها من الأفعال التي يمكن صدورها بنحو المباشرة من أغلب الناس، لعدم كونها من الأفعال الفنية. ففي مثل المقام لا حاجة إلى إقامة دليل خاص على مشروعية النيابة، و لو في حال الاختيار، بل المتفاهم العرفي من نفس التكليف أعم من المباشرة، فتدبر.

ثالثها: دلالة روايات كثيرة، مثل:

صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: رخص رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم للنساء و الضعفاء أن يفيضوا من جمع بليل، و أن يرموا الجمرة بليل. فإذا أرادوا أن يزوروا البيت وكّلوا من يذبح عنهن (عنهم خ ل) «1».

و ظاهرها

أن جواز التوكيل في الذبح للنساء معلّق على مجرد إرادة زيارة البيت و طوافه و التعجيل فيه. كما ورد هذا التعبير في النقل الآخر لأبي بصير. لكن في النقل

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 253

..........

______________________________

الثالث التعليق على خوف الحيض، كما تقدم.

و صحيحة حريز المتقدمة في الأمر الثاني، نظرا إلى أن عدم لزوم بقائه في مكة للتصدي لأمر الذبح، ظاهر في جواز الاستنابة فيه مطلقا. و غير ذلك من الروايات التي تشعر بل تدل على الجواز مطلقا، فلا شبهة حينئذ في هذا المقام.

المقام الثاني: في المتصدي للنية المعتبرة في عبادية الذبح أو النحر، و أنه هل هو النائب الذابح أو المنوب عنه أو كلاهما؟

قال المحقق في الشرائع: و النية شرط في الذبح و يجوز أن يتولاها عنه الذابح. و قال في الجواهر بعده: «بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل عن بعض الإجماع عليه، بل في كشف اللثام الاتفاق على توليه لها مع غيبة المنوب عنه، لأنه الفاعل. فعليه نيته. فلا يجزي حينئذ نية المنوب عنه وحدها. لأن النية إنما تعتبر من المباشر ..».

و قد ذكر بعض الأعلام قدّس سرّهم في هذا المقام كلاما محصّله: «أن باب الوكالة غير باب النيابة، فإن الفعل قد يصدر من المباشر و لكن ينسب إلى الآمر و السبب، من دون دخل قصد قربة العامل فيه أصلا. كبناء المساجد و إعطاء الزكاة بالواسطة. حيث إن المعتبر فيه قصد قربة الآمر و من يجب عليه الزكاة. و قد يصدر من نفس النائب و يكون العمل عمله دون المنوب عنه. و لكن يوجب سقوط ذمة

المنوب عنه بالدليل الشرعي، مثل موارد مشروعية النيابة، فإن النائب هو الذي يقصد القربة و يقصد الأمر المتوجه إلى نفسه، لأن قصد القربة بالأمر المتوجه إلى الغير أمر غير معقول، فلا بد من فرض توجه الأمر إلى شخص النائب، سواء كان الأمر وجوبيا، كالأمر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 254

..........

______________________________

المتوجه إلى الولد الأكبر بالنسبة إلى قضاء ما فات عن أبيه. أو أمرا استحبابيا تبرعيا فيتقرب النائب بالأمر المتوجه إليه، و به يسقط ما في ذمة المنوب عنه. فلو لم ينو يقع العمل باطلا فلا يوجب فراغ ذمة المنوب عنه، و به يظهر أن مورده ما إذا ثبتت مشروعية النيابة و توجه الأمر إلى النائب. و أما الموارد التي لم تشرع فيها النيابة، فلا معنى لنية العامل كإعطاء الزكاة من الواسطة. و الذبح في المقام من هذا القبيل، لأن الذبح المباشر لا أمر له و لم يرد في النصوص أنه يذبح عنه. فالنيابة غير مشروعة فيه. بل الذابح حاله حال العامل في بناء المساجد من توجه الأمر العبادي إلى شخص الآمر لا العامل».

و يرد عليه في أصل النيابة المشروعة في مواردها، أنّ الظاهر كون النائب في عمله العبادي النيابي بقصد تقرب المنوب عنه لا تقرب نفسه. و هذا و إن كان على خلاف القاعدة، إلّا أن النيابة- كما ذكرنا في فصل الحج النيابي- أمر على خلاف القاعدة مطلقا، و لا يكاد يصار إليها إلّا في مورد ثبوت المشروعية و نهوض الدليل. لكن كون شي ء خلاف القاعدة أمر، و كونه أمرا غير معقول أمر آخر. فالنائب يقصد تقرب المنوب عنه لا تقرب نفسه، و هذا هو الذي يساعده الاعتبار أيضا، حتى

في ما لو كان المنوب عنه ميتا أو مغمى عليه، و غير قابل لصدور قصد القربة منه.

و ما أفاده من توجه الأمر الوجوبي أو الاستحبابي الشرعي إلى النائب مطلقا، يرد عليه أن العمل الصادر من النائب الأجير لا يكاد يصدر منه إلّا بعنوان الوفاء بعقد الإجارة الذي هو وجوب توصلي لا يتوقف سقوطه على تحقق قصد القربة.

و في هذه الصورة لا يتحقق العمل من الأجير بقصد الأمر الاستحبابي التبرعي، و إن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 255

..........

______________________________

كان ثابتا في مورده مع قطع النظر عن الاستيجار. بل ربما يوجد بعض الموارد التي لا يكون التبرع فيه مشروعا بوجه، كالنيابة التبرعية عن الحي في الحج مع استقرار الحج عليه، و كونه غير قادر على الإتيان به لهرم أو مرض لا يرجى زواله- على ما تقدم البحث فيه مفصلا- ففي هذا الفرض لا يكون الأمر الاستحبابي التبرعي ثابتا بوجه، بل اللازم الاستنابة الملازمة لثبوت الأجرة نوعا.

و يرد على ما أفاده في خصوص الذبح في المقام، أن دعوى أنه لم يرد في النصوص أنه يذبح عنه ممنوعة جدا. فإنك عرفت في الأمر الثاني المتقدم دلالة طائفة من الروايات الواردة في الضعفاء و النساء و الخائف و الذي يكون واجدا للثمن و لم يجد الهدي على أن الوكيل يذبح عنه بعين التعبير الوارد في سائر أجزاء الحج، مثل الطواف و الرمي و غيرهما. فدعوى عدم مشروعية النيابة في الذبح غير مسموعة بوجه.

و يترتب على ما ذكرنا أنه لو كانت النيابة في الذبح على نحو النيابة في الطواف و الرمي بنحو كان المتصدي للنية و قصد التقرب هو النائب الذابح، لكان اللازم اعتبار الإيمان أيضا

مضافا إلى الإسلام.

أما الإسلام فلاعتباره في صحة الذبح و ترتب حلية اللحم عليه. و أما الإيمان فلما عرفت في فصل الحج النيابي من اعتبار الإيمان في النائب لعدم صحة عبادة غير المؤمن العارف بالإمامة.

و لو كانت النيابة في أصل إيجاد الذبح لا بوصف العبادية و الجزئية للحجّ بنحو كان المتصدي للنية و قصد التقرب هو المنوب عنه دون النائب، لا يكون اعتبار الإيمان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 256

..........

______________________________

فيه لازما، لأن العبادية لا تكون مرتبطة بالنائب، بل لا يكون النائب متصديا إلّا للذبح فقط. و هو لا يعتبر فيه الزائد عن الإسلام. فاللازم حينئذ التفصيل في الاعتبار، أى اعتبار كون الذابح شيعيّا،- كما لا يخفى.

تتمّة كان المناسب بل اللازم أن يقع التعرض في المتن لمكان الذبح الواجب، و لعلّه اكتفى بعنوان كون واجبات منى ثلاثة، فإن الإضافة المذكورة ظرفية مكانية، و لكن هذا المقدار لا يكفي خصوصا بلحاظ الفرع الحادث في الأزمنة الأخيرة. و هو كون المذبح المقرر من قبل السلطة الحاكمة واقعا بأجمعه أو بكثيره في خارج منى. و هو وادي محسّر. و خصوصا مع تعرض مثل المحقق له في الشرائع.

فنقول: قال فيها: و يجب ذبحه بمنى. و ذكر بعده صاحب الجواهر: عند علمائنا في محكيّ المنتهى و التذكرة و عندنا في كشف اللثام، و هذا الحكم مقطوع في كلام الأصحاب في المدارك.

و حكي عن العامة جوازه في أيّ مكان من الحرم، بل جوازه في الحلّ إذا فرّق لحمه في الحرم.

و يدل على ما ذهب إليه أصحابنا، قوله تعالى وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ. فإن ظاهره أنّ لطبيعة الهدي لا خصوص الهدي الواجب في صورة

الإحصار الذي هو الموضوع في هذه الآية في هذه الفقرة محلّ خاص و مكان مخصوص. و من المعلوم أنّ ذلك المحلّ بحسب ارتكاز المتشرعة ليس إلّا مني.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 257

..........

______________________________

فتدل الآية بنفسها على كون منى محل الذبح و إن أبيت عن ذلك، فهنا رواية واردة في تفسير الآية دالة على هذا المعنى:

و هي مضمرة زرعة، قال: سألته عن رجل، أحصر في الحج، قال: فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه و محلّه أن يبلغ الهدي محلّه، و محلّه منى يوم النحر إذا كان في الحج، و إن كان في عمرة نحر بمكّة فإنما عليه أن يعدهم لذلك يوما، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفى، و إن اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء اللّٰه تعالى. «1»

و يدلّ على مذهبهم أيضا روايات، مثل:

صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل يضلّ هديه فوجده رجل آخر فينحره، فقال: إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه، و إن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه. «2»

فإنها تدل على عدم الإجزاء في صورة الاختيار بطريق أولى.

و لكن المناقشة فيها أنّها تدل على إجزاء التبرع مكان الاستنابة، و هو محلّ الكلام.

و رواية إبراهيم الكرخي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل قدم بهديه مكّة في العشر، فقال: إن كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى، و إن كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إن شاء، و إن كان قد أشعره أو قلّده فلا ينحره إلّا يوم الأضحى. «3»

و لكن إبراهيم الكرخي ضعيف.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الثاني، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب

الذبح، الباب الثامن و العشرون، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 258

..........

______________________________

و رواية عبد الأعلى، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام لا هدي إلّا من الإبل، و لا ذبح إلّا بمنى. «1»

و المناقشة في سندها من جهة تردد عبد الأعلى بين عبد الأعلى بن أعين العجلي الذي هو ثقة، و بين عبد الأعلى بن أعين مولى آل سام و هو لم تثبت وثاقته، و في دلالتها باعتبار كون الفقرة الأولى مرتبطة بنفي الكمال لصحة الهدي من غير الإبل.

و عليه فالظاهر بلحاظ وحدة السياق كون الفقرة الثانية أيضا ناظرة إلى نفي الكمال، فلا دلالة لها على عدم إجزاء الذبح في غير منى.

و رواية مسمع التي في سندها الحسن اللؤلؤي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: منى كلّه منحر، و أفضل المنحر كلّه المسجد. «2»

و المناقشة في سندها من جهة الحسن بن الحسين اللؤلؤي، حيث إن جماعة من الأجلاء قد ضعفوه و إن كان النجاشي وثّقه. و في دلالتها من جهة عدم ظهورها في اختصاص النّحر بمنى. و يحتمل أن يكون المراد به ثبوت المزية لمني من جهة أن كلّه منحر، فتدبر.

و في مقابل هذه الروايات، روايتان:

إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام إنّ أهل مكّة أنكروا عليك انّك ذبحت هديك في منزلك بمكة، فقال: إن مكّة كلّها منحر. «3»

ثانيتهما: صحيحة أخرى لمعاوية- و إن جعلها في الجواهر صحيحة عمار- عن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع، ح 6.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع، ح 7.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 259

..........

______________________________

أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى بمكّة ثم ذبح، قال: لا بأس قد أجزاء عنه. «1»

و قد حملهما في الجواهر على غير الهدي الواجب. كما أنّ الشيخ حمل الأولى على ذلك و استشكال الشهيد على الثانية بأن المراد منها الذبح في غير المحلّ المعدّ للذبح بمنى، مدفوع بصراحتها في الذبح بغير منى.

و إن أبيت عن الحمل المذكور و بنيت على المعارضة، فمقتضى كون أوّل المرجحات هي الشهرة الفتوائية ثبوت الترجيح مع الطائفة الأولى، فانقدح أنّ محل الذبح أو النحر هو منى، من دون فرق بين أبعاضه.

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في المذبح الجديد الّذي عرفت أنه بجميعه أو بكثير أبعاضه واقع في خارج منى و هو وادي محسّر، تارة من جهة إجزاء الذبح فيه و كفايته في مقام امتثال الأمر به. و أخرى من جهة تعين وقوع الذبح فيه، بالإضافة إلى الأمكنة البعيدة عن منى و عدم التعين، و جواز الذبح في تلك الأمكنة، غاية الأمر بسبب الاستنابة و المواعدة على وقوع الذبح في زمان خاص متأخر عن رمي جمرة العقبة و متقدم على الحلق أو التقصير. فنقول:

أمّا من جهة الإجزاء فإن قلنا بأنّ في منى أيضا يوجد بعض المذابح القديمة التي يمكن الذبح فيها من دون عسر و حرج و خوف و خطر- كما ربما يقال- فلا إشكال في لزوم الذبح فيها، و عدم جواز الاكتفاء بالذبح في المذبح الجديد أصلا أو في الأجزاء الخارجة منه عن منى، لما عرفت من قيام الدليل من الكتاب و السنة و

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 5.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 260

..........

______________________________

اتفاق الفتاوى على كون منى ظرفا مكانيّا للذبح بنحو اللزوم.

كما أنه لو قلنا بأن جزء من المذبح الجديد واقعا في منى و يمكن تشخيصه أوّلا و الذبح فيه ثانيا من دون ممانعة أو عسر و مشقة، فلا شبهة في لزوم الذبح في خصوص ذلك الجزء و عدم جواز الاكتفاء بالذبح في غيره.

و أمّا لو قلنا بأنه بجميع أجزائه يكون واقعا في خارج مني، أو بعدم إمكان تشخيص الجزء الواقع أو كون الذبح في ذلك الجزء مقرونا بالمنع الحكومي أو العسر و الحرج، فإن لم يمكن الذبح في منى و لو مع التأخير عن يوم النحر كأيام التشريق فاللازم الالتزام بإجزاء الذبح في المذبح الجديد، و الاكتفاء به لسقوط الشرطية المكانية بلحاظ عدم التمكن من رعاية الشرط و عدم القدرة عليها.

و لا مجال لتوهم سقوط أصل التكليف بالذبح بعد كون قيد المكان كالزمان مأخوذا بنحو تعدّد المطلوب لا وحدته كما مرّ، فمع عدم القدرة على رعاية منى تسقط الشرطية المكانية، فيجوز الذبح في المذبح الجديد.

و إن أمكن الذبح في منى مع التأخير عن يوم العيد، فإن قلنا بأن عدم التأخير عن اليوم المذكور يكون اعتباره بنحو الاحتياط الوجوبي- كما اختاره الماتن قدّس سرّه- فاللازم هو التأخير لا الذبح يوم العيد في المذبح الجديد. لأن الأمر دائر بين رعاية ظرف الزمان التي يكون اعتبارها بنحو الاحتياط، و بين رعاية ظرف المكان التي يكون اعتبارها مسلّما لدى الأصحاب. و من الواضح أن الترجيح مع الثاني.

و إن قلنا بأن عدم التأخير عن اليوم المذكور إنما يكون اعتباره بنحو الفتوى- كما اخترناه- فالأمر يدور بين رعاية أحد الظرفين، و لا ترجيح

في البين، فيكون مخيّرا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 261

..........

______________________________

بين الأمرين. هذا من جهة الإجزاء.

و أمّا من جهة التعين بالمعنى الذي ذكر، فربما يقال إنه بعد سقوط لزوم رعاية شرطيّة الظرف المكاني بسبب عدم التمكن و القدرة- كما هو المفروض- لا مجال لدعوى التعين بالمعنى المذكور، لأنه لا خصوصية للمذبح الجديد و ما يشابهه في الخصوصية، فيكون المكلف مخيرا بين المذبح الجديد و بين سائر الأمكنة و لو كانت بعيدة، بل في غاية البعد. غاية الأمر بنحو الاستنابة و المواعدة المذكورتين. لكنه مبني أوّلا على دعوى انتفاء احتمال لزوم رعاية الأقرب فالأقرب إلى منى بعد عدم إمكان الذبح في منى، و ثانيا على عدم دلالة الدليل على لزوم وقوعه بصورة الاجتماع، و كلاهما ممنوعان.

أمّا الأوّل، فلوجود هذا الاحتمال، و عدم كون منى مثل المسجد الذي إذا نذر أن يصلي فيه فلم يتمكن من الصلاة فيه، لا ينتقل الحكم إلى الأقرب إلى المسجد فالأقرب، و مع وجوده يدور الأمر بين التعيين و التخيير، و أصالة الاحتياط في مثله تقتضي التعيين.

و أمّا الثاني فيستفاد من قوله تعالى وَ الْبُدْنَ جَعَلْنٰاهٰا لَكُمْ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ لَكُمْ فِيهٰا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ فَإِذٰا وَجَبَتْ جُنُوبُهٰا فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ .. «1» إنّ البدن قد جعلها اللّٰه من شعائر اللّٰه.

و الظاهر أن هذا العنوان ينطبق على الأعمال العبادية الاجتماعية، كصلاة الجماعة- كما أنه يستفاد منه- أنه بعد ما وجبت جنوبها و تحقق النحر، يتحقق التمكن من

______________________________

(1) سورة الحج، الآية 36.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 262

..........

______________________________

الأكل و الإطعام و الصدقة، سواء كانت هذه

الأمور واجبة أو مستحبة. كما يأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى.

و هذا الأمران لا يتحققان إلّا في الذبح في المذبح الجديد أو مثله من الأمكنة المتصلة بمنى الواقع فيها الذبح بنحو العموم و الجماعة، و هذه الجهة مما يساعدها الاعتبار الدالّ على أن اجتماع حجاج المسلمين للذبح بمقدار يتجاوز عن ألف ألف من الأنعام الثلاثة يكشف عن شدة اتصالهم بالمسائل الشرعية و اعتقادهم بالأمور المعنوية. و هذا يدل على كون الإسلام محقّا في دعواه صادقا في خبره، بخلاف صورة التشتت في الذبح و التفرق الذي ليس فيه هذه الحكاية بوجه.

نعم يبقى إشكال تضييع اللحوم بالذبح أو النحر و عدم الاستفادة منها إلّا قليلا، مع أنه في صورة الذبح في محلّ كل مكلف و بلده لا يتحقق هذا التضييع بوجه.

و الجواب عن هذا الإشكال- مع أنّ الوجه فيه ضعف القوى الحاكمة على الحرمين و إلا كان اللازم خصوصا في هذه الأزمنة الاستفادة من الإمكانيات و الوسائل الموجودة بنحو لا يتحقق التضييع بوجه- أنّ كون أحكام الحج مع أنه من الفرائض المهمة الإسلامية تعبدية محضة، لا تكاد تنال عقولنا الناقصة و علومنا الضعيفة إلى مغزاها و عللها و حكمها يقتضي عدم الاتكال على مثل هذا الإشكال، فتأمل حتى لا يشتبه عليك الحال.

و قد انقدح أنه لا تبعد دعوى تعين الذبح في المذبح الجديد بالنحو المذكور.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 263

[مسألة 12] في فروع الذبح و النيابة فيه

مسألة 12- لو شك بعد الذبح في كونه جامعا للشرائط أولا، لا يعتنى به، و لو شك في صحة عمل النائب لا يعتنى به، و لو شك في أن النائب ذبح أولا، يجب العلم بإتيانه و لا يكفي الظنّ، و

لو عمل النائب على خلاف ما عيّنه الشرع في الأوصاف أو الذبح، فإن كان عالما عامدا ضمن و تجب الإعادة، فإن فعل جهلا أو نسيانا و من غير عمد، فإن أخذ للعمل أجرة ضمن أيضا، و إن تبرع فالضمان غير معلوم، و في الفرضين تجب الإعادة. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: ما لو شك بعد الفراغ عن الذبح و تماميته في كونه جامعا للشرائط المعتبرة في المذبوح أو الخصوصيات المعتبرة في الذبح المحلّل، ففي المتن أنه لا يعتنى بهذا الشك و يبنى على صحته و تماميته من كلتا الجهتين.

و الوجه فيه جريان قاعدة الفراغ الحاكمة بالصحة. و لكن موردها ما إذا احتمل أنه كان محرزا للشرائط حين الذبح. و أمّا مع العلم بالغفلة حال الذبح بحيث كان ثبوت الشرائط مستندا إلى الصدفة، فلا تجري قاعدة الفراغ- كما في نظائره من الموارد.

الثاني: ما لو وقع الذبح من النائب ثم شك في صحة عمله و تماميّته، و في المتن أيضا أنه لا يعتنى به.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 264

..........

______________________________

و الوجه فيه جريان أصالة الصحة في عمل المسلم من دون فرق بين العبادات و المعاملات. ففي العبادات الصادرة من الغير نيابة يحكم بالصحة، مع عدم إحراز خلافها.

الثالث: لو شك في تحقق الذبح من النائب و عدمه. و لا يكون في هذا الفرع ما يدل على البناء على الوقوع من أصل أو قاعدة، بل اللّازم إحرازه بالعلم أو الاطمئنان القائم مقامه عند العقلاء و لا يكفي الظن، فضلا عن الشّك.

الرّابع: ما لو عمل النائب على خلاف الوظيفة المقررة الشرعية في الأوصاف أو الذبح.

فإن كان عالما عامدا، فالنائب ضامن لقيمة المذبوح بالنسبة إلى المنوب

عنه. و الوجه فيه أنه تصرف فيه بالنحو الذي لا يكون مأذونا فيه من قبل المنوب عنه فيكون ضامنا.

و إن كان جاهلا أو ناسيا من دون أن يكون هناك عمد، فإن لم تكن النيابة المتعقبة للاستنابة تبرعيّة، بل كانت في مقابل الأجرة، فالظاهر أيضا ثبوت الضمان لعدم العمل على طبق الإجارة، و وقوع الذبح غير مطابق لما هو نائب فيه فيكون ضامنا، و الجهل أو النسيان لا يقتضي عدمه لعدم مدخلية العلم و العمد في الأحكام الوضعية.

و إن لم تكن في مقابل الأجرة بل كانت النيابة تبرعية محضة، ففي المتن أن ثبوت الضمان عليه غير معلوم. و الوجه فيه جريان قاعدة الإحسان بالإضافة إليه، و لازمة عدم الضمان. و قد حققنا الكلام في مفاد القاعدة في كتابنا «القواعد الفقهية»

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 265

[مسألة 13] في الأكل من الهدي

مسألة 13- يستحبّ أن يقسّم الهدي ثلاثا، يأكل ثلثه، و يتصدق بثلثه، و يهدي ثلثه، و الأحوط أكل شي ء منه و إن لا يجب. (1)

______________________________

فراجع.

و في الفرضين الأخيرين يجب على المنوب عنه الإعادة، لعدم وقوع الذبح المطابق للمأمور به على ما هو المفروض.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 5، ص: 265

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في أمرين:

الأمر الأوّل: في لزوم الأكل من الهدي و عدمه بل استحبابه. فالمشهور هو عدم اللزوم. و المحكي عن ابن إدريس و المحقق في الشرائع و العلّامة و جمع آخر، هو اللزوم. و قد اختاره بعض الأعلام قدّس سرّه.

و منشأ اللزوم هو

الأمر به في قوله تعالى في آيتين من سورة الحج تفريعا على البدن و بهيمة الأنعام فَكُلُوا مِنْهٰا و ظهوره في خصوص الوجوب. لكن حكي عن كشاف الزمخشري أنه قال: «الأمر بالأكل منها أمر إباحة، لأن أهل الجاهلية ما كانوا يأكلون من نسائكهم، و يجوز أن يكون ندبا لما فيه من مواساة الفقراء و مساواتهم من استعمال التواضع، و من ثم استحب الفقهاء أن يأكل الموسع من أضحيته مقدار الثلث». و مراده أنه حيث يكون الأمر في مقام توهم الحظر، فلا يكون ظاهرا في الوجوب، بل في الجواز بالمعنى الأعم في مقابل الحرمة.

و أورد بعض الأعلام قدّس سرّه على ذلك مضافا إلى أنه لم يثبت قول الزمخشري و

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 266

..........

______________________________

حكايته عن الجاهلية ثبوت الحرمة في الأكل من النسائك، بأن الدين الإسلامي كان ناسخا لأحكام الجاهلية، و مجرد الحرمة عند أهل الجاهلية لا يوجب رفع اليد عن ظهور الأمر و لا يوجب وقوع الأمر في مقام توهم الحظر، حتى لا يكون الأمر ظاهرا في الوجوب.

و الجواب عنه- مضافا إلى أنه لا مجال للمناقشة في صحة حكاية الزمخشري مع جلالة قدره و عظمة شأنه، و كان تفسيره الكشاف له موقعية صارت موجبة لتأليف الطبرسي صاحب مجمع البيان، كتابا آخر في التفسير بعد ملاحظة تفسيره، سماه جوامع الجامع- أنّ كون الإسلام ناسخا لأحكام الجاهلية لا يقتضي أزيد من نفي الحرمة التي كانوا يعتقدون بها.

و أمّا ثبوت الوجوب مكانه فلا، إلّا أن يقال إنه مع العلم بعدم الحرمة لا يبقى مجال لتوهم الحظر حينئذ، فيبقى ظهور الأمر في الوجوب بحاله.

لكنه يرد عليه أن كون الإسلام ناسخا لجميع أحكام الجاهلية

ممنوع، سواء كان في المسائل الاعتقادية أو في الفروع العمليّة- كما لا يخفى. فالأمر المذكور واقع في مقام توهم الحظر فلا يبقى له ظهور في الوجوب.

و ربما يستدلّ على وجوب الأكل ببعض الروايات الحاكية لحج رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم:

مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام المشتملة على قوله: أمر رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم حين نحر أن يؤخذ من كل بدنة جذوة (حذوة) من لحمها ثم تطرح في مرقة (برمة) ثم تطبخ، و أكل رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم و علي عليه السّلام منها و حسيا من مرقها. «1»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الأربعون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 267

..........

______________________________

و ما رواه الشيخ عن صفوان و ابن أبي عمير و جميل بن درّاج و حمّاد بن عيسى و جماعة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه عليهما السّلام قالا: إنّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أمر أن يؤخذ من كلّ بدنة بضعة، فأمر بها رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم فطبخت، و أكل هو و علي عليه السّلام و حسوا المرق و قد كان النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أشركه في هديه. «1»

و لكن الظاهر أنه لا دلالة لها على الوجوب أيضا، لأن عمله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أعمّ منه، و من الممكن أن يكون الوجه فيه هو الاستحباب خصوصا بعد اشتمال مثل هذه الروايات على جملة من المستحبات أيضا.

و يأتي تتمة البحث في ذيل الأمر الثاني، إن

شاء اللّٰه تعالى، فانتظر.

الأمر الثاني: في التقسيم أثلاثا. قال المحقق في الشرائع: و يستحب أن يقسمه أثلاثا يأكل ثلثه و يتصدق بثلثه و يهدى ثلثه. و ذكر بعده في الجواهر: كما هو ظاهر جماعة و صريح أخرى، بل في كشف اللثام نسبته إلى الأكثر، و عن الدروس الوجوب و تبعه ثاني الشهيدين و الكركي، و عن ابن إدريس لزوم الصرف في الأكل و التصدق و لم يذكر الإهداء، بل خصّه بالأضحية.

و الأصل في ذلك الآيتان المذكورتان و قد عطف في الأولى، قوله وَ أَطْعِمُوا الْبٰائِسَ الْفَقِيرَ «2» و في الثانية، قوله وَ أَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ «3» نظرا إلى أنّ القانع و المعتبر إن كانا نوعين من الفقير، غاية الأمر أن القانع هو الفقير الذي يقنع بما يعطى و يرضى به من غير اعتراء. و المعتر هو الفقير المعتري و المعترض لنفسه على

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الأربعون، ح 3.

(2) سورة الحج (22): 28.

(3) سورة الحج (22): 36.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 268

..........

______________________________

المعطي.

فاللازم اتحاد مفاد الآيتين و دلالتهما على لزوم الإطعام، أي التصدق على الفقير عطفا على الأكل. فلا دلالة فيهما على التثليث بوجه لعدم إشعار شي ء منهما بالإهداء إلى الغير و لو لم يكن مؤمنا.

و احتمال كون الإهداء داخلا في قوله تعالى فَكُلُوا مِنْهٰا على معنى إرادة أكل الناسك و من يهدى إليه من أصدقائه و جيرانه، لأنه من المعلوم عدم إرادة أكل الناسك الثلث بتمامه ضرورة تعذره غالبا، مدفوع بكونه خلاف الظاهر جدّا، و إن ذكره صاحب الجواهر قدّس سرّه.

و إن كان القانع و المعتر خارجين عن الفقير و داخلين في الغنيّ- كما ربما يستفاد من

بعض الروايات الآتية- فيرد في بادي النظر أنه كيف يتحقق الجمع بين الآيتين بعد كون الأولى ظاهرة في الأكل و الصدقة و الثانية في الأكل و الإهداء. فاللازم حملهما على الجمع بين الأمرين، و هو مخالف للظاهر جدّا. خصوصا بعد اشتراكهما في التعرض للأكل.

و الظاهر أن مستند ابن إدريس هو الاحتمال الأول، حيث أوجب الأكل و الصدقة إلى الفقير و لم يذكر الإهداء في مسألة الهدي.

و كيف كان، فاستفادة التثليث من الآيتين و لو بعد الانضمام مشكل. و لا مجال لدعويه بوجه.

هذا مع قطع النظر عن الروايات الظاهرة في تفسير الآيتين أو الدالة على بيان مصرف الهدي. و أمّا مع ملاحظتها، فنقول:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 269

..........

______________________________

منها: صحيحة سيف التمار، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام إن سعيد بن عبد الملك قدم حاجّا فلقي أبي، فقال: إنّي سقت هديا فكيف أصنع؟ فقال له أبي: أطعم أهلك ثلثا، و أطعم القانع و المعتر ثلثا، و أطعم المساكين ثلثا. فقلت: المساكين هم السؤال؟ فقال:

نعم، و قال: القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها، و المعتر ينبغي له أكثر من ذلك هو أغنى من القانع يعتريك فلا يسألك. «1»

و قد استفاد منها بعض الأعلام قدّس سرّه أن جعل المساكين فيها في مقابل القانع و المعتر، دليل على عدم اعتبار الفقر فيهما، و أنهما يصدقان على الغنى أيضا.

و عليه فتدل على أن الآية الكريمة بنفسها متكفلة للتقسيم الثلاثي بين الصدقة و الإهداء و الأكل. و موردها و إن كان هدي القرآن الذي يساق في إحرامه. إلّا أن الظاهر إنه لا فرق من جهة المصرف بينه و بين الهدي في

حج التمتع. و لذا استدل بالآية فيه.

و يؤيد ما أفاده التعبير في ذيل الصحيحة بأن المعتر أغنى من القانع، فإن هذا التعبير ظاهر في اشتراكهما في الغنى و الخروج عن الفقر.

و يمكن الإيراد عليه بأن جعل المساكين في مقابل القانع و المعتر لا دلالة له على خروجهما عن عنوان الفقير، خصوصا بعد تفسير المساكين بأهل السؤال مع أنه من الواضح أنه لا مدخلية للسؤال في حقيقة الفقر بوجه. و عليه فيحتمل أن تكون المقابلة بين المساكين و بين القانع و المعتر هي المقابلة بين الفقير و المسكين، لأنهما إذا اجتمعا افترقا و إذا افترقا اجتمعا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الأربعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 270

..........

______________________________

و يؤيده أن مفاد القانع و المعتر لا يلائم مع الغنى بوجه. فإنّ الغني لا يحتاج إلى إرسال شي ء إليه حتى يقتنع به. كما أنه لا يناسبه الاعتراء و إراءة نفسه إلى الغير و جعلها في معرض نظره ليتحقق منه الإطعام. فإن هذه المعاني لا يلائم مع الغنى بوجه.

بل المستفادة من الصحيحة و لو احتمالا لا يكون مخالفا للظاهر أن المسكين لشدة فقره يرى نفسه محتاجا إلى السؤال، و دونه في الفقر القانع و المعتر حيث إن فقرهما لا يكون بمرتبة يرى أنفسهما محتاجين إلى السؤال بوجه. بل يكون في أحدهما الاعتراء و في الآخر القناعة.

و التعبير في الصحيحة بأن أحدهما أغنى من الآخر إنما هو للاختلاف في مراتب الفقر لا للاشتراك في الغنى. و عليه فلا دلالة للصحيحة على أن مفاد الآيتين هو التثليث بالمعنى المعروف، فتدبّر.

و منها: صحيحة شعيب العقرقوفي، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام سقت في العمرة بدنة

فأين أنحرها؟ قال: بمكة. قلت: أيّ شي ء أعطي منها؟ قال: كل ثلثا و أهد ثلثا و تصدق بثلث. «1»

و موردها و إن كانت البدنة التي لا تكون إلّا مستحبة في العمرة لا واجبة، إلّا أنه لا فرق في المصرف بين الموارد- كما عرفت- و دلالتها على التثليث ظاهرة، إلّا أنها لا إشعار يكون مفاد الآية أيضا ذلك، كما أنه لا دلالة لها على وجوب التثليث بعد عدم كون الأكل واجبا و وقوع الإهداء و التصدق في سياقه.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار- التي جعلها في الوسائل روايتين مع وضوح

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الأربعون، ح 18.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 271

..........

______________________________

اتحادهما- عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا ذبحت أو نحرت فكل و أطعم كما قال اللّٰه: ..

فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ .. «1» فقال: القانع الذي يقنع بما أعطيته، و المعتر الذي يعتريك، و السائل الذي يسألك في يديه، و البائس الفقير. «2»

و هذه الرواية و إن كانت ظاهرة في التفسير للآية، بل الآيتين الواردتين في المقام، إلّا أنه لا دلالة لها على أنّ مفاد الكتاب هو التثليث الذي يكون أحد أقسامه الإهداء الذي لا يعتبر في المهدى إليه الفقر بوجه. بخلاف التصدق الذي يجب أن يكون إلى الفقير. بل ظاهرها الأكل و الإطعام فقط. و أن الاختلاف بين الآيتين إنّما هو في بيان مراتب الفقير و أن القانع و المعتر يكونان كالسائل من مصاديق عنوان الفقير.

فهذه الصحيحة ظاهرة في خلاف ما استفاده بعض الأعلام من صحيحة سيف التمار، فتدبّر.

و منها: صحيحة أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن لحوم

الأضاحي، فقال: كان علي بن الحسين عليه السّلام و أبو جعفر عليه السّلام يتصدقان بثلث على جيرانهم، و ثلث على السؤال، و ثلث يمسكانه لأهل البيت. «3»

و المراد بالتصدق على الجيران هو إطعامهم لوضوح عدم كونهم بأجمعهم فقراء، كما أن المراد بالإمساك لأهل البيت هو الأكل من هذا الثلث للملازمة العادية بين الأمرين، و لا دلالة في الصحيحة على لزوم التثليث المزبور، لأن الفعل أعم منه. مع

______________________________

(1) سورة الحج (22): 36.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الأربعون، ح 1.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الأربعون، ح 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 272

..........

______________________________

أنه يمكن أن يقال بأن الحكاية المزبورة ظاهرة في عدم الوجوب لإشعارها بل دلالتها على الاختصاص بهما عليهما السّلام فلا دلالة لها على الوجوب.

و منها: موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في قول اللّٰه- عزّ و جلّ-: .. فَإِذٰا وَجَبَتْ جُنُوبُهٰا .. «1» قال: إذا وقعت على الأرض فكلوا منها و أطعموا القانع و المعترّ، قال: القانع الذي يرضى بما أعطيته و لا يسخط و لا يكلح و لا يلوى شدقه غضبا، و المعتر المارّ بك لتطعمه. «2» و الكلوح تكثر في عبوسة.

و يقال: لوى الرجل رأسه و ألوى برأسه أمال و أعرض و الشدق جانب الفم، و هو الذي يعبر عنه في الفارسية ب «دهن كجى».

و قد انقدح أنه لا يستفاد لا من الآية و لا من الرواية لزوم التثليث. و قد قال صاحب الجواهر: لم أعرف قائلا بوجوبها- يعني القسمة أثلاثا- و قد ذكر قبله أن مقتضى كلام الشهيدين و المحقق الكركي جواز الاقتصار على مصرف واحد منها و لو أكله

أجمع. قال: بل قد يستفاد من نحو عبارة المتن المقابل فيها القول بوجوب الأكل للقول باستحباب التثليث، حيث ذكر عقيب الحكم باستحباب التثليث المتقدم نقل عبارته، و قيل يجب الأكل منه و هو الأظهر، أن أصل الصرف مستحبّ.

و يؤيد ما ذكرنا من عدم لزوم التثليث خلو الروايات البيانية الحاكية لحجة الوداع من رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم عن تثليثه و أنه بعد النحر قد قسّم لحوم البدن ثلاثة أقسام. بل مفادها أكل النبي و أمير المؤمنين عليهما السّلام من المرق الذي كان لحمه بضعة من

______________________________

(1) سورة الحج (22): 36.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، ح 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 273

..........

______________________________

كل إبل من مائة. نعم في ذيل بعضها أنه تصدق بجلودها و أمثالها الفقراء و لم يعطها الجزارين.

كما أنه يؤيد عدم لزوم الأكل ملاحظة جملة من الروايات الظاهرة في أنه يؤكل من الهدي و لا يؤكل من غيره من الكفارة و مثلها، مثل قوله عليه السّلام في رواية عبد الرحمن:

كل هدي من نقصان الحج فلا يأكل منه، و كل هدي من تمام الحج فكل. «1»

فإنها ظاهرة في أن الأكل من الهدي الذي يكون من تمام الحج يكون في مقابل عدم جواز الأكل من هدي غيره.

و رواية جعفر بن بشير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن البدن التي تكون جزاء الإيمان و النساء و لغيره يؤكل منها. قال: يؤكل من كل البدن. «2»

فإنها ظاهرة في كون السؤال عن الجواز. فالجواب بقوله: «يؤكل» لا دلالة له على أزيد من الجواز. فلو لم يثبت كلام الزمخشري و نقله عن الجاهلية تكون مثل هذه الروايات ظاهرة في

أن المحتمل في ذهن الرواة هو عدم الجواز، فتدبّر.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 274

[مسألة 14] في الانتقال إلى الصيام مع عدم الهدي

مسألة 14- لو لم يقدر على الهدي، بأن لا يكون هو و لا قيمته عنده، يجب بدله صوم ثلاثة أيام في الحجّ و سبعة أيام بعد الرجوع إليه. (1)

______________________________

(1) يدل على الانتقال إلى البدل- و هو صيام عشرة أيام بالكيفية المذكورة في الآية و الرواية- قوله تعالى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ. «1» و هذا التعبير عين التعبير في آية التيمم: .. فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً .. «2» و التعليق على عدم الوجدان ظاهر في أن المعلق عليه هو عدم الوجدان بحسب نظر العرف، فهو الحاكم في الباب. و اللازم مراعاة نظره و تشخيصه. كما أنّ الظاهر ان المراد هو عدم الوجدان حال توجه التكليف و هو في المقام يوم النحر لا العدم قبله أو بعده.

و أمّا قوله تعالى: .. تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ .. «3» فقد ورد في رواية عبد اللّٰه بن سليمان الصيرفي قول أبي عبد اللّٰه عليه السّلام لسفيان الثوري: ما تقول في قول اللّٰه- عزّ و جلّ ..

فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ .. «4» أيّ شي ء يعني بالكاملة؟

قال: سبعة و ثلاثة. قال: و يختل ذا على ذي حجي إن سبعة و ثلاثة عشرة. قال:

فأيّ شي ء هو أصلحك اللّٰه؟ قال: الكامل كمالها كمال الأضحية سواء أتيت بها أو

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

(2) سورة النساء (4): 43.

(3) سورة البقرة (2): 196.

(4) نفس المصدر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 275

[مسألة 15] في ما لو كان قادرا على الاقتراض

مسألة 15- لو كان قادرا على الاقتراض بلا مشقة و كلفة و كان له ما بإزاء القرض، أي واجد ما يؤدّى به وقت الأداء وجب الهدي، و لو كان عنده من مؤن السفر زائدا على حاجته، و يتمكن من بيعه بلا مشقة وجب بيعه لذلك، و لا يجب بيع لباسه كائنا ما كان، و لو باع لباسه الزائد وجب شراء الهدي، و الأحوط الصوم مع ذلك. (1)

[مسألة 16- لا يجب عليه الكسب لثمن الهدي]

مسألة 16- لا يجب عليه الكسب لثمن الهدي، و لو اكتسب و حصل له ثمنه يجب شراؤه.

______________________________

أتيت بالأضحية تمامها كمال الأضحية. «1»

و احتمل في الجواهر- مع قطع النظر عن الرواية- أن يكون لرفع احتمال إرادة معنى «أو» من «الواو».

و يدل على ثبوت البدل أيضا الروايات المستفيضة الآتية في المسائل الآتية.

(1) قد عرفت أن المعيار في عدم الوجدان هو عدمه عند العرف و بحسب نظره. و عليه فإذا لم يكن الهدي و لا قيمته عنده و لكنه يكون قادرا على الاقتراض بلا مشقة و لا كلفة لوجود المقرض و عدم كون الاقتراض منافيا لشأنه و هتكا لحيثيته، هذا من ناحية، و من ناحية أخرى يكون له ما بإزاء القرض و واجدا ما

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 276

..........

______________________________

يؤدّى به وقت أداء القرض يجب عليه الهدي، لكونه مصداقا للواجد بنظر العرف و لا ينطبق عليه عدم الوجدان عندهم.

كما أنه لو كان عنده من مؤن السفر و لوازمه زائدا على حاجته فيه، و يتمكن من بيعه بلا مشقة و لا استلزام للهتك المذكور يجب بيعه لذلك. نعم في خصوص اللباس كلام يأتي.

و أنه لا يجب عليه

الكسب لثمن الهدي، كما أنه لا يجب عليه تحصيل أصل الاستطاعة التي يترتب عليها وجوب الحج. نعم لو اكتسب و حصل له ثمنه يجب شراء الهدي. و لكنه يظهر من المسالك أنه مع القدرة على التكسب اللائق بحاله يجب عليه ذلك. و لكنه ذكر في الجواهر أنه لا يخفى عليك ما فيه.

كما أنّه لو توقف تحصيل الهدي على بيع ما له الذي في بلده فإن كان بما يساوي ثمن المثل فلا إشكال في وجوبه إذا لم يكن مقرونا بالمشقة. و إن كان بدونه فإن كان بمقدار يتضرّر به تضررا معتدّا به فالظاهر أنه غير واجب. و إن كان بغيره يجب البيع لصدق الوجدان عند العرف.

و أمّا اللّباس، فقد قال المحقق في الشرائع: «و لا يجب بيع ثياب التجمل في الهدي، بل يقتصر على الصوم». و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه». بل في المدارك و غيرها أنه مقطوع به في كلام الأصحاب.

و قد استدل فيها له بأمور. عمدتها:

فحوى استثنائها في دين المخلوق الذي هو أهمّ في نظر الشارع من دين الخالق. و بعض الروايات الواردة في المسألة، مثل:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 277

..........

______________________________

مرسلة علي بن أسباط عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال: قلت له رجل تمتع بالعمرة إلى الحج و في عيبته ثياب له، أ يبيع من ثيابه شيئا و يشتري هديه؟ قال: لا، هذا يتزين به المؤمن، يصوم و لا يأخذ من ثيابه شيئا. «1»

و صحيحة ابن أبي نصر، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع يكون له فضول من الكسوة بعد الذي يحتاج إليه، فتسوي بذلك الفضول مائة درهم، يكون ممّن يجب

عليه؟ فقال: له بدّ من كسر (كرى خ ل) أو نفقة، قلت له: كسر (كرى خ ل) أو ما يحتاج إليه بعد هذا الفضل من الكسوة. فقال: و أيّ شي ء كسوة بمائة درهم؟ هذا ممّن قال اللّٰه .. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ .. «2». «3»

و ليس ظهور هذه الصحيحة بمثابة ظهور المرسلة و انجبارها باستناد المشهور إليها ظاهر. و لا خفاء في ظهور المرسلة في مشروعية عدم البيع و ثبوت الانتقال إلى الصّوم.

و أمّا دلالتها على جواز بيع الثياب و اشتراء البدنة فتبتنى على دعوى كون المراد من قول السائل: أ يبيع من ثيابه شيئا و يشتري بدنة؟ هو السؤال عن الوجوب دون الجواز إذ على التقدير الأوّل يكون الجواب ناظرا إلى نفي الوجوب. كما أنه على التقدير الثاني يكون مفاد الجواب هو عدم الجواز. كما أن قوله عليه السّلام في الجواب «و لا يأخذ من ثيابه شيئا» سواء كانت الجملة خبرية نافية واقعة في مقام الإنشاء أو إنشائية ناهية، يمكن أن يكون المراد منه هو عدم مشروعية الأخذ من الثياب.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السابع و الخمسون، ح 2.

(2) سورة البقرة (2): 196.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السابع و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 278

[مسألة 17] في لزوم وقوع صيام الثلاثة في ذي الحجة

مسألة 17- يجب وقوع صوم ثلاثة أيّام في ذي الحجّة، و الأحوط أن يصوم من السّابع إلى التاسع و لا يتقدم عليه، و يجب التوالي فيها، و يشترط أن يكون الصوم بعد الإحرام بالعمرة و لا يجوز قبله، و لو لم يتمكن من صوم السابع صام الثامن و التاسع و أخّر اليوم الثالث

إلى بعد رجوعه من منى، و الأحوط أن يكون بعد أيام التشريق، أي الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر. (1)

______________________________

و يمكن أن يكون المراد منه هو عدم الوجوب.

فعلى التقدير الثاني إذا باع لباسه الزائد لا ينتقل فرضه إلى الصيام، و على التقدير الأوّل الانتقال باق بحاله، و مخالفة التكليف بعدم جواز البيع لا يؤثر في العدم.

و مما ذكرنا يظهر وجه الاحتياط الوجوبي في المتن بالنسبة إلى الصوم إذا باع لباسه الزائد و اشترى الهدي لتحقق الوجدان بعد البيع، فتدبّر.

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لأمور ترتبط بصيام ثلاثة أيام:

الأمر الأوّل: في لزوم وقوع صيام ثلاثة أيّام في خصوص ذي الحجة و إن كان أشهر الحج ثلاثة و أوّلها الشوّال، إلّا أن المراد بقوله تعالى فِي الْحَجِّ هو خصوص ذي الحجّة.

قال صاحب الجواهر: و شهره، و هو هنا ذو الحجة عندنا و في بعض الروايات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 279

..........

______________________________

تفسير في الحج بذي الحجة، فلا إشكال في هذا الأمر، كما أنه لا خلاف فيه بل الإجماع عليه.

الأمر الثاني: في تعين اليوم السابع إلى اليوم التاسع للصيام و عدم التقدم عليه و لا التأخر منه مع التمكن، و يدلّ عليه روايات متعددة:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن متمتع لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج، يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة.

قال: قلت فإن فاته ذلك، قال: يتسحّر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده.

قلت: فإن لم يقم عليه جمّاله أ يصومها في الطريق؟ قال: إن شاء صامها في الطريق، و إن شاء

إذا رجع إلى أهله. «1»

و يستفاد منها مضافا إلى لزوم وقوع صيام الثلاثة في ذي الحجّة و إلى لزوم التوالي و التتابع و عدم التفريق في الثلاثة تعين الأيام الثلاثة المذكورة، فلا يجوز التقدم عليها و لا التأخر عنها و لو كان في الجملة في صورة التمكن و عدم العذر.

و منها: موثقة رفاعة بن موسى، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المتمتع لا يجد الهدي، قال: يصوم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة. قلت: فإنه قدم يوم التروية، قال: يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق، قلت: لم يقم عليه جمّاله، قال: يصوم يوم الحصبة و بعده يومين، قال: قلت و ما الحصبة؟ قال: يوم نفره، قلت: يصوم و هو مسافر. قال: نعم، أ ليس هو يوم عرفة مسافرا؟ إنّا أهل بيت نقول ذلك لقول اللّٰه-

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السّادس و الأربعون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 280

..........

______________________________

عزّ و جلّ: .. فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ .. «1» يقول في ذي الحجة. «2»

و قوله: «و يصوم قبل التروية» و إن كان له إطلاق في نفسه، يشمل اليوم المنفصل عن التروية بيوم أو أزيد أيضا، إلّا أن قوله: و «يوم التروية و يوم عرفة» بعده يوجب ظهوره في خصوص اليوم المتصل بيوم التروية- كما وقع التصريح به في الصحيحة المتقدمة- كما أن تحقق السفر في يوم عرفة عند الذهاب إليها إنّما هو لأجل الخصوصيّة الموجودة فيها في زمن صدور الرواية، و هي كون الفصل بينها و بين مكة أربعة فراسخ، و عليه فالصلاة فيها كانت قصرا سواء كان قد قصد الإقامة بمكة عشرة أيام أم لم

يكن قد قصد الإقامة.

و أمّا في زماننا هذا فحيث إن بلد مكّة قد توسّع في الأزمنة الأخيرة توسّعا شديدا، فلا يكون الفصل بينها و بين عرفات أربعة فراسخ، بل نصفها أو أقل، فلا تكون الصلاة فيها قصرا لمن قصد الإقامة بمكة.

و منها: صحيحة حمّاد بن عيسى المروية في قرب الإسناد، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: قال على عليه السّلام في قول اللّٰه- عزّ و جلّ-: .. فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ .. «3» قال: قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، فمن فاتته هذه الأيّام فلينشئ يوم الحصبة، و هي ليلة النفر. «4»

و منها: غير ذلك من الروايات المتعددة الواردة بهذا المضمون.

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 1.

(3) سورة البقرة (2): 196.

(4) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 281

..........

______________________________

و الإشكال في مفادها بأنه لا معنى للإتيان بالبدل و ثبوت الانتقال قبل يوم النحر الذي هو زمان توجه التكليف بالهدي، لأنه من مناسك منى و واجباته مدفوع.

مضافا إلى أنه لا مجال للشبهة في الأمور التعبدية، مع قيام الدليل الواضح عليها، بأنه حيث يأتي البحث في أنه يجب أن يكون الصيام المذكور بعد التلبس بإحرام عمرة التمتع و إن لم يأت بجميع مناسكها، و أنّه لا يجوز الإتيان بالصوم قبل التلبس بإحرام عمرة التمتع، فلا محالة يصير وجوب جميع المناسك فعليّا، و إن كان الواجب معلقا على زمان أو شي ء آخر، من دون فرق بين كون التمتع واجبا أو مستحبا، لوجوب الإتمام على كلا التقديرين.

و لا معنى للإتمام إلّا الإتيان بكل

منسك في ظرفه، فالوجوب بعد التلبس بالإحرام متحقق بالفعل، كأصل وجوب الحج بعد تحقق الاستطاعة، و إن كان قبل أشهره، فالشبهة مندفعة.

ثمّ انّ في مقابل الروايات المتقدمة طائفتين من الأخبار:

الطائفة الأولى: ما تدل بظاهرها على لزوم التأخير عن يوم النحر، و هي ما رواه الكليني عن بعض أصحابنا عن محمد بن الحسين عن أحمد بن عبد اللّٰه الكرخي، قال: قلت للرّضا عليه السّلام المتمتع يقدم و ليس معه هدي، أ يصوم ما لم يجب عليه؟ قال:

يصبر إلى يوم النحر فإن لم يصب فهو ممّن لم يجد. «1»

و الجواب عنها مضافا إلى عدم اعتبارها من حيث السّند أنه يمكن أن يقال بأن موردها ما إذا احتمل وجود الهدي في يوم النحر. و يؤيده التعبير بالصبر. و قوله

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 282

..........

______________________________

«فإن لم يصب» و مورد الروايات المتقدمة صورة إحراز عدم وجود الهدي في اليوم المذكور. مع أنه على تقدير التعارض يكون الترجيح مع تلك الروايات لقيام الشهرة، بل الإجماع على مشروعية الصيام في الأيام الثلاثة المذكورة فيها. و إن وقع الاختلاف في التعين و عدمه، فلا مجال لهذه الرواية الدالة على عدم المشروعية، كما هو ظاهر.

الطائفة الثانية: ما تدل بظاهرها على جواز الإتيان من أوّل الشهر و هي روايتان:

إحديهما: ما رواه عبد اللّٰه بن مسكان، قال: حدثني أبان الأزرق عن زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام أنه قال: من لم يجد الهدي و أحبّ أن يصوم الثلاثة الأيام في أوّل العشر فلا بأس بذلك. «1»

و أبان المذكور لم يوثق بالخصوص. بل له توثيق عام باعتبار وقوعه في أسناد

كتاب كامل الزيارات.

ثانيتهما: رواية أخرى لزرارة، و قد رواها صاحب الوسائل في بابين:

أحدهما: الباب السادس و الأربعون، الحديث الثاني بهذه الكيفية: و عنهم يعني محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم بن عمرو عن زرارة، عن أحدهما عليه السّلام أنه قال: من لم يجد هديا و أحبّ أن يقدّم الثلاثة الأيام في أوّل العشر فلا بأس.

ثانيهما: الباب الرابع و الخمسون، الحديث الأوّل بهذه العبارة: محمد بن يعقوب

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 283

..........

______________________________

عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد و سهل بن زياد جميعا عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم بن عمرو عن زرارة عن أحدهما عليه السّلام أنه قال بنفس العبارة.

و أنت ترى وجود سهل في السند الأوّل منفردا، و في الثاني منضما إلى أحمد بن محمد و هو يوجب الخلل في اعتبار الأولى دون الثانية، مع أنه لا يكون في الكافي الذي نقل عنه صاحب الوسائل إلّا رواية واحدة لا متعددة.

مع أنّ المراجعة إلى الكافي تبيّن عدم صحة نقل الوسائل عنه بوجه، فإنه قد عقد بابا بعنوان: «صوم المتمتع إذا لم يجد الهدي» ثم ذكر في الحديث الأوّل هكذا:

عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد و سهل بن زياد جميعا عن رفاعة بن موسى، ثم نقل رواية رفاعة بن موسى المتقدمة في الأمر الأوّل، ثم عقبه بالحديث الثاني بهذا النحو:

أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم بن عمرو عن زرارة عن أحدهما عليهم السّلام ثم نقل متن رواية زرارة.

و

من الواضح أن الحديث الثاني لا ارتباط له بالحديث الأوّل، بل الظاهر أنّ قوله أحمد بن محمد بن أبي نصر شروع في السند الثاني، من دون وقوع عدة من أصحابنا عن سهل منضما أو منفردا في هذا السّند، و عدم إمكان نقل الكليني عن ابن أبي نصر بلا واسطة، بل اللازم وجود واسطة بل واسطتين لا يوجب كون نقله عن العدة عن سهل عنه كذلك.

و لعلّ هذا هو الذي أوقع صاحب الوسائل في الاشتباه، فتخيل أن الواسطة ما هو المذكور في الحديث الأوّل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 284

..........

______________________________

نعم يرد على السند الأوّل أن سهلا لا يمكن له النقل عن رفاعة بلا واسطة. و لذا ذكر العلامة المجلسي قدّس سرّه في شرح الحديث الأوّل: أن الظاهر ان فيه سقطا، إذ أحمد بن محمد و سهل بن زياد لا يرويان عن رفاعة، لكن الغالب أن الواسطة إمّا فضالة أو ابن أبي عمير أو ابن فضال أو ابن أبي نصر، قال: و الأخير هنا أظهر بقرينة الخبر الآتي، حيث علقه على ابن أبي نصر- إلى آخر كلامه.

هذا و التحقيق اتحاد الروايتين لزرارة، و إن كان الراوي عنه في إحديهما هو أبان الأزرق، و في الثانية هو عبد الكريم بن عمرو. و قد عرفت أن في السند الثاني سقطا، لأنه لا يمكن للكليني أن ينقل عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر من دون واسطة. فهي بهذا السّند غير معتبرة.

و أمّا بالسند الأوّل فالإشكال إنّما هو في أبان المذكور، و قد عرفت وجود التوثيق العام بالإضافة إليه، و هو حجة في ما إذا لم يكن قدح خاص على خلافه. و ليس في المقام

قدح أصلا، و عليه فالظاهر اعتبارها بهذا السّند.

و مقتضى الجمع بينها و بين الروايات المتقدمة هو حملها على الاستحباب و الفضيلة، و حمل رواية زرارة على الجواز و المشروعية.

و لكن حيث إن المشهور ذهبوا إلى عدم جواز التقديم على الثلاثة الأيام لعدم اعتبار التوثيق العام عندهم، نقول: إن مقتضى الاحتياط الوجوبي هو العدم- كما في المتن.

الأمر الثالث: في ما لو لم يتمكن من صوم السابع.

ففي المتن: صام الثامن و التاسع و أخر اليوم الثالث إلى بعد رجوعه من منى. قال:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 285

..........

______________________________

و الأحوط أن يكون بعد أيام التشريق، أي الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر.

و قد تبع المتن في أصل الحكم المشهور، بل عن ابن إدريس و غيره الإجماع عليه.

و يدل عليه روايتان:

إحديهما: رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في من صام يوم التروية و يوم عرفة، قال: يجزيه أن يصوم يوما آخر. «1» و في سندها مفضل بن صالح أبو جميلة، و هو ضعيف.

ثانيتهما: رواية يحيى الأزرق التي رواها الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن النخعي عن صفوان عنه عن أبي الحسن عليه السّلام و الصدوق بإسناده عنه، إنه سأل أبا إبراهيم عليه السّلام قال: سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا و ليس له هدي فصام يوم التروية و يوم عرفة، قال: يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق. و في رواية الصدوق زيادة بيوم. «2»

و الظاهر أنّ المراد هو يحيى بن عبد الرحمن الأزرق و هو ثقة، لكن الإشكال في أن الصدوق صرّح في المشيخة بيحيى بن حسان الأزرق، و هو مع أنه لم يوثق، ليس

له بهذا العنوان رواية في الكتب الأربعة، و يحتمل قويّا وقوع الاشتباه في الكتابة منه أو من النسّاخ.

لكن الذي يسهّل الخطب أنه لا مستند للمشهور في هذا الحكم المخالف للقاعدة،

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني و الخمسون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 286

..........

______________________________

و هي اعتبار التوالي في صيام الثلاثة أيام إلّا هاتين الروايتين، فلا محالة ينجبر سندهما باستناد المشهور إليهما، و لا مجال لتوهم كون المسألة إجماعية مع قطع النظر عن الروايتين- كما ربما يظهر من الجواهر- بل الظاهر ثبوت الاستناد، و هو جابر على ما هو التحقيق، فلا إشكال فيهما من حيث السّند.

ثم إنه هل يختص الحكم بصورة عدم التمكن من صوم اليوم السابع- كما هو ظاهر المتن- أو يعم صورة التمكن أيضا؟ كما ربما يظهر من مثل عبارة الشرائع، حيث قال فيها: و لو لم يتفق- أي صوم اليوم السابع- اقتصر على التروية و عرفة ثم صام الثالث بعد النفر؟ وجهان:

استظهر الجواهر من الرواية التناول لحال الاختيار نظرا إلى أن القدوم يوم التروية لا ينافي صوم يوم قبله قبل القدوم.

و لكن الظاهر من السؤال بلحاظ الصوم يوم التروية بمجرد القدوم أنه كان عالما بلزوم صوم اليوم السابع أيضا، و أن الباعث له على الترك هو عدم التمكن منه في حال السفر، و الحركة الملازم خصوصا في تلك الأزمنة للمشقة و الكلفة الشديدة.

و إلّا فلم يكن وجه للترك فيه مع الصوم بمجرد القدوم، فلا دلالة للرواية على عمومية الحكم لصورة التمكن أيضا.

مع أنه لو قلنا بأن المستند في أصل هذا الحكم هو الإجماع- كما ربما يظهر من صاحب

الجواهر- يكون مقتضى الاقتصار في الأدلة اللبيّة على القدر المتيقن هو تخصيص الحكم بصورة عدم التمكن أيضا.

ثم إنه ربما يظهر في بادي النظر وجود روايات متعددة في مقابل الروايتين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 287

..........

______________________________

الواردتين في المقام، و قد جعلها بعض الأعلام قدّس سرّه على طوائف ثلاث:

الطائفة الأولى: ما تدل بالإطلاق على لزوم التتابع، و أنه لو صام يومين و لا يتابع اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة أيام، مثل:

رواية عليّ بن الفضل الواسطي، قال: سمعته يقول: إذا صام المتمتع يومين لا يتابع الصوم اليوم الثالث، فقد فاته صيام ثلاثة أيام في الحج، فليصم بمكة ثلاثة أيام متتابعات، فإن لم يقدر و لم يقم عليه الجمّال، فليصمها في الطريق أو إذا قدم على أهله صام عشرة أيام متتابعات. «1»

و الرواية مع كونها مضمرة و ضعيفة بعلي بن الفضل الواسطي، مطلقة شاملة للفروض و الصور المتعددة كصيام اليوم السابع و الثامن و صيام يومين قبل الأيام الثلاثة أو مع بعضها و للمقام أيضا. فأدلة المقام صالحة لتقييد إطلاقها و إخراج المقام منها، فالتعارض بدوي.

الطائفة الثانية: ما يدل على أن من فاته صوم هذه الأيام و لو بفوت يوم واحد، يصوم ثلاثة بعد أيام التشريق، مثل:

صحيحة حمّاد بن عيسى، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: قال عليّ عليه السّلام صيام ثلاثة أيام في الحجّ قبل التروية بيوم، و يوم التروية، و يوم عرفة، فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة، يعني ليلة النفر، و يصبح صائما، و يومين بعده و سبعة إذا رجع. «2»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني و الخمسون، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثالث و الخمسون،

ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 288

..........

______________________________

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن متمتع لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج، يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، قال:

قلت فإن فاته ذلك، قال: يتسحّر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده، قلت: فإن لم يقم عليه جمّاله أ يصومها في الطريق؟ قال: إن شاء صامها في الطريق، و إن شاء إذا رجع إلي أهله. «1»

و احتمال كون المراد بالفوت هو فوت صيام ثلاثة أيام بأجمعها يدفعه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سأله عبّاد البصري عن متمتع لم يكن معه هدي، قال: يصوم ثلاثة أيام قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، قال: فإن فاته صوم هذه الأيام، فقال: لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة و لكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات بعد أيّام التشريق. «2»

فإن النهي عن صوم يوم التروية و يوم عرفة في صورة فوت صوم الأيام الثلاثة قرينة على عدم كون المراد بالفوت هو فوت الجميع- كما هو ظاهر هذا- و لكن الرواية بهذه الكيفية- المنقولة في الطبع الحديث من الوسائل الذي يكون من ناحية المكتبة الإسلامية بطهران- لا تكون موجودة في التهذيب و الإستبصار، بل الموجود فيهما- ما هو المنقول في الطبعة الحديثة- من قوله عليه السّلام: يصوم ثلاثة أيام قبل يوم التروية، ثم قول السائل فإن فاته صوم هذه الأيام، فقال: لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة ..

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب

الثاني و الخمسون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 289

..........

______________________________

و عليه فظاهر الرواية تعين صيام ثلاثة أيام قبل يوم التروية، و لا شهادة فيها على ما ذكرنا. لكن الرواية عليه السّلام مع أنها مخالفة للنصوص المختلفة الواردة في صيام ثلاثة أيام تكون مخالفة للفتاوى أيضا. حيث إنه لم يقل أحد من الأصحاب بتعين قبل يوم التروية، بل الظاهر عدم ثبوت الاستحباب له أيضا. و عليه فالرواية تكون معرضا عنها.

هذا و الظاهر أنّ نسبة هذه الطائفة المعارضة في بادي النظر للروايتين إليهما، مع قطع النظر عن احتمال كون المراد بالفوت هو فوت جميع الأيام الثلاثة، لا مطلق الفوت الشامل لفوت صوم يوم واحد أو يومين أيضا هو الإطلاق و التقييد، لأنّ مفاد هذه الطائفة لزوم التسحر ليلة الحصبة في جميع موارد الفوت و فروضه و صوره الشامل لفوت يوم واحد أو يومين أو جميع الثلاثة، و في فوت اليوم الواحد مطلق شامل لفوت اليوم السابع أو الثامن أو التاسع، كما أن الفوت مطلق شامل للفوت الاختياري و للفوت مع عدم التمكن.

و دليل المقام يخرج موردا واحدا يكون مشتملا على خصوصيتين، إحديهما: كون الفوت مستندا إلى عدم التمكن، لما عرفت من الاختصاص بهذه الصورة. و ثانيتهما:

كون الفائت يوما واحدا، و هو خصوص اليوم السابع دون شي ء من اليومين بعده أو أزيد من يوم واحد، فالنسبة هي الإطلاق و التقييد، و لا تعارض بحسب الحقيقة بوجه.

الطائفة الثالثة: ما تدل بظاهرها على النهي عن صوم يوم التروية و كذا صوم يوم عرفة للمتمتع الذي ورد يوم التروية، مثل:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 290

..........

______________________________

صحيحة عيص بن القاسم عن

أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن متمتع يدخل يوم التروية و ليس معه هدي، قال: فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة و يتسحّر ليلة الحصبة، فيصبح صائما و هو يوم النفر، و يصوم يومين بعده. «1»

و هذه الرواية بحسب ظاهرها مقابلة لروايتي المقام، لدلالتهما على لزوم صيام يوم التروية و يوم عرفة و دلالة هذه على النهي عن صومهما و لزوم التأخير إلى ليلة الحصبة، فالمقابلة واضحة.

هذا و لكن بعض الأعلام قدّس سرّهم بعد أن حكي عن الشيخ قدّس سرّه أنه حمل النهي على النهي عن صوم يوم التروية أو يوم عرفة على الانفراد، فلم يقع النهي عن صومهما على طريق الجمع و انضمام اليوم الثامن بالتاسع. فلا ينافي ما في خبر الأزرق من صيام التروية و يوم عرفة، فإنه حينئذ تصح إضافة اليوم الثالث بعد أيام التشريق إلى اليومين.

قال ما حاصله: إنّ ما ذكره الشيخ متين جدّا. فإنهم قد ذكروا أن حرف «لا» إذا لم يتكرر يدل على أن الممنوع هو المجموع، و أما مع التكرر فيدل على أن الممنوع كل واحد من الفردين مستقلا. و إطلاقه يقتضي النهي عن الانضمام و الاجتماع أيضا. فإذا قيل: لا تجالس زيدا و لا عمروا، معناه لا تجالس زيدا بانفراده و لا عمروا بانفراده.

و مقتضى إطلاقه النهي عن اجتماعهما و انضمامهما، بخلاف ما لو قيل: لا تجالس زيدا و عمروا، فإنه يدل على المنع عن الانضمام، و لا يشمل الانفراد و الاستقلال.

و يرد على هذا الحمل أن النهي عن صوم اليومين بنحو ما ذكر إذا كان مجردا

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني و الخمسون، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحج، ج 5، ص: 291

..........

______________________________

و خاليا عن الاشتمال على ما هو بمنزلة التعليل، لكان حمله على ما ذكر بمكان من الإمكان، و أما مع الاشتمال على ما هو بمنزلة التعليل الجاري في صورتي الانفراد و الانضمام، فلا يبقى مجال للحمل المذكور و المقام من هذا القبيل.

فإن قوله عليه السّلام في رواية عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة بعد النهي المزبور «و لكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التشريق» ظاهر في أن ملاك النهي هو الإخلال بالتتابع في صيام الثلاثة. و كذا قوله عليه السّلام في صحيحة العيص المتقدمة أيضا «و يتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائما- و هو يوم النفر- و يصوم يومين بعده» ظاهر في الملاك المزبور.

و من الواضح أنه لا فرق في الإخلال بالتتابع بين صورتي الانفراد و الانضمام، فكيف يمكن حمل النهي في الروايتين على خصوص صورة الانفراد؟.

و الإنصاف أنه لا يمكن الجمع بوجه. و أن الظاهر ثبوت المعارضة، غاية الأمر إن الشهرة الفتوائية المحققة الموافقة لروايتي المقام، توجب ترجيحهما على الطائفة المعارضة- كما أشرنا إليه في الموارد المشابهة.

الأمر الرابع: أنه يشترط أن يكون الصوم بعد الإحرام بالعمرة و لا يجوز قبله.

و الوجه فيه أنّ توجه التكليف بالهدي إنما هو بالشروع في عمرة التمتع التي يجب بعدها الحج، و من واجباته الهدي. و أما مع عدم الشروع في العمرة فلم يتوجه إليه التكليف بالهدي حتى ينتقل إلى الصيام في صورة عدم الوجدان.

نعم حكي عن أحمد في رواية جواز تقديمها على العمرة، و هو خطأ واضح.

و الظاهر عدم اشتراط التلبس بإحرام الحج بعد لزوم الإتمام بمجرد التلبس بإحرام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 292

[مسألة 18] في عدم جواز صيام الثلاثة في أيام التشريق

مسألة 18- لا يجوز

صيام الثلاثة في أيام التشريق في منى، بل لا يجوز الصوم في أيام التشريق في منى، مطلقا. سواء في ذلك الآتي بالحج و غيره. (1)

______________________________

الحج، و بعد دلالة الروايات التي عرفتها على أن المستحب هو صوم اليوم السابع و يومين بعده، و الغالب وقوع إحرام حج التمتع يوم التروية، و إن كان الظاهر من المحقق في بعض كتبه و الشهيدين اشتراط التلبس بالحج. لكنه غير تام.

الأمر الخامس: في اليوم الذي لا بد و أن يصومه بعد العيد. و قد احتاط في المتن أن يكون بعد الأيام الثلاثة للتشريق. و سيأتي البحث فيه في شرح المسألة التاسعة عشر. إن شاء اللّٰه تعالى.

(1) المشهور عدم جواز صيام الثلاثة في أيام التشريق. بل عن الخلاف الإجماع عليه. لكن المحكي عن أبي علي جواز صومها فيها. و يدل على المشهور روايات مستفيضة:

منها: ما عن الفقيه من قوله: و روي عن الأئمة عليهم السّلام إن المتمتع إذا وجد الهدي و لم يجد الثمن صام- إلى أن قال- و لا يجوز له أن يصوم أيام التشريق، فإن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم بعث بديل بن ورقا الخزاعي على جمل أورق «و» فأمره أن يتخلل الفساطيط، و ينادي في الناس أيام منى ألا لا تصوموا، فإنها أيام أكل و شرب و بعال «1». و البعال ما

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 293

..........

______________________________

يتعلق بالبعل من النكاح و ملاعبته بأهله.

و منها: رواية ابن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد هديا، قال: فليصم ثلاثة أيام، ليس فيها أيام التشريق.

و لكن يقيم بمكة حتى يصومها، و سبعة إذا رجع إلى أهله. و ذكر حديث بديل بن ورقا «1».

و منها: رواية ابن مسكان، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل تمتع و لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام. قلت له: أ فيها أيام التشريق؟ قال: لا، و لكن يقيم بمكة حتى يصومها و سبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكة، فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله. ثم ذكر حديث بديل بن ورقا «2».

و منها: رواية عبد الرحمن بن الحجاج، قال: كنت قائما أصلي و أبو الحسن قاعد قدامي، و أنا لا أعلم فجاءه عبّاد البصري فسلّم ثم جلس، فقال له: يا أبا الحسن ما تقول في رجل تمتع و لم يكن له هدي؟ قال: يصوم الأيام التي قال اللّٰه تعالى، قال فجعلت سمعي إليهما، فقال له عبّاد: و أي أيام هي؟ قال: قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، قال: فإن فاته ذلك؟ قال: يصوم صبيحة الحصبة و يومين بعد ذلك، قال: فلا تقول كما قال عبد اللّٰه بن الحسن. قال: فأي شي ء قال؟ قال: (قال خ) يصوم أيام التشريق، قال: إن جعفرا كان يقول إن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أمر بديلا ينادي إن هذه أيام أكل و شرب فلا يصومنّ أحد. قال: يا أبا الحسن إن اللّٰه قال: فصيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجعتم. قال: كان جعفر يقول ذو الحجة كلّه من

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 294

..........

______________________________

أشهر الحج «1».

و منها: غير ذلك من الروايات الظاهرة في النهي عن صيام الثلاثة في أيام التشريق أو مطلق الصيام في تلك الأيام. لكن في مقابلها روايتان:

إحديهما: موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام عن أبيه، إنّ عليا عليه السّلام كان يقول: من فاته صيام الثلاثة الأيام التي في الحج فليصمها أيام التشريق، فإن ذلك جائز له «2».

ثانيتهما: رواية عبد اللّٰه بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه عليه السّلام ان عليا عليه السّلام كان يقول: من فاته صيام الثلاثة الأيام في الحج، و هي قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، فليصم أيام التشريق فقد أذن له «3».

و التعليل في الروايتين يوجب صرف ظهور قوله «فليصمها ..» في وجوب الصوم في خصوص أيام التشريق، و حمله على مجرد الجواز و المشروعية مع أن الأمر في مقام توهم الخطر، فلا ظهور له في الوجوب.

هذا و الروايتان مضافا إلى ضعف سند الثانية بجعفر بن محمد الراوي عن عبد اللّٰه لجهالته، فقد ذكر الشيخ قدّس سرّه إنهما شاذان مخالفان لسائر الأخبار و لا يجوز المصير إليهما مع أنهما موافقان لمذهب بعض العامة، فيحتمل الحمل على التقية، و إن كان يبعده النقل عن علي عليه السّلام خصوصا مع التعبير ب «كان» الظاهر في تكرر صدور هذا القول منه عليه السّلام هذا بالإضافة إلى صيام الثلاثة في أيام التشريق.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 5.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص:

295

[مسألة 19] في مبدأ الصيام بعد الأضحى

مسألة 19- الأحوط الأولى لمن صام الثامن و التاسع صوم ثلاثة أيام متوالية بعد الرجوع من منى، و كان أولها يوم النفر. أي: يوم الثالث عشر، و ينوي أن يكون ثلاثة من الخمسة للصوم الواجب (1)

______________________________

و أما عدم جواز الصوم في أيام التشريق مطلقا لمن كان بمنى من دون فرق بين الآتي بالحج و غيره، فيدل عليه حديث ابن ورقاء المذكور في جملة من الروايات المتقدمة.

و منها صحيحة ابن الحجاج، فإن قوله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم «لا يصومنّ أحد» ظاهر في عمومية النهي، و لا مجال لتوهم كون الخطاب منحصرا بالمتمتع الذي لم يكن واجد الهدي و لم يصم الثلاثة قبل الأضحى ضرورة قلة مصاديقه، بالإضافة إلى الجمع الكثير الذي كانوا معه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في حجة الوداع، مع روايات أخرى دالة على النهي بنحو الإطلاق.

و لعله يأتي بعضها، إن شاء اللّٰه تعالى.

(1) لا شبهة في اقتضاء الاحتياط الاستحبابي لصيام خمسة أيام لمن لم يدرك صيام الثلاثة قبل الأضحى، و النية بالنحو المذكور في المتن.

إنما الاشكال و الخلاف في مبدأ الصوم بعد الأضحى بعد وضوح أنه لا يجوز أن يكون المبدأ هو الحادي عشر، فالمشهور و المعروف أنه يصوم الثلاثة الأيام بعد التشريق و لا يصوم شيئا منها في أيامه. و عن بعضهم أنه يصوم يوم النفر و هو اليوم الثاني عشر الذي هو النفر الأعظم، و يتحقق النفر فيه من أكثر الحجاج، أو الثالث عشر الذي هو النفر الثاني الذي ينفر فيه من كان يجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 296

..........

______________________________

و الرمي في يومه.

و

مال إلى هذا القول صاحب الجواهر، و قد ذكر في آخر كلامه: «إن الإنصاف مع ذلك عدم إمكان إنكار ظهور النصوص في إرادة صوم يوم النفر الذي هو اليوم الثالث عشر أو الثاني عشر».

و يدل على مرامه روايات، مثل:

صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن متمتع يدخل يوم التروية و ليس معه هدي، قال: فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة و يتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائما و هو يوم النفر و يصوم يومين بعده «1».

و طرح الرواية باعتبار النهي عن صوم يوم التروية و يوم عرفة- كما اخترناه- لا ينافي لزوم العمل بها بالإضافة إلى ذيلها الذي هو محل البحث في المقام.

و صحيحة حماد التي جعلت في الوسائل و الكتب الفقهية روايتين، مع وضوح الوحدة، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: قال علي عليه السّلام صيام ثلاثة أيام في الحج قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة- يعني ليلة النفر- و يصبح صائما و يومين بعده و سبعة إذا رجع «2».

هذا و لكن يعارضها روايات، مثل:

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد هديا، قال: فليصم ثلاثة أيام ليس فيها أيام التشريق، و لكن يقيم بمكة حتى

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني و الخمسون، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثالث و الخمسون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 297

..........

______________________________

يصومها، و سبعة إذا رجع إلى أهله. و ذكر حديث بديل بن ورقا «1».

و صحيحة ابن مسكان، قال: سألت أبا عبد

اللّٰه عليه السّلام عن رجل تمتع و لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام، قلت له: أ فيها أيام التشريق؟ قال: لا و لكن يقيم بمكة حتى يصومها، و سبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكة، فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله. ثم ذكر حديث بديل بن ورقا «2».

و رواية إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام عن أبيه عن علي عليه السّلام قال: يصوم المتمتع قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، فإن فاته ذلك و لم يكن عنده دم، صام إذا انقضت أيام التشريق يتسحر ليلة الحصبة، ثم يصبح صائما «3».

و الترجيح مع هذه الطائفة إما لأجل موافقتها للشهرة الفتوائية، و هي أول المرجحات في الخبرين المتعارضين، و إما لأجل أنه بعد التعارض و التساقط يرجع إلى حديث بديل الذي هو الأصل في هذه المسألة.

و الشاهد على دلالته على النهي عن صوم شي ء من الأيام الثلاثة في شي ء من أيام التشريق و لزوم كون الصوم واقعا بعدها، صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة «4» حيث إنه قد جمع فيها بين الصوم صبيحة الحصبة و يومين بعد ذلك، و بين عدم جواز صوم أيام التشريق، مستدلا بأن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أمر بديلا ينادي أن هذه أيام أكل و شرب فلا يصومنّ أحد. فإنه لا يكاد يتم إلّا مع كون المراد بالحصبة هو

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 20.

(4) الوسائل: أبواب الذبح، الباب

الواحد و الخمسون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 298

..........

______________________________

اليوم الذي انقضى قبله أيام التشريق.

و يرد على صاحب الجواهر ان جواز الصوم يوم النفر لا يجتمع مع النهي عن صوم أيام التشريق. و دعوى كون المحرم صوم أيام التشريق لمن أقام بمنى لا مطلقا- كما احتملها صاحب الجواهر- مدفوعة بأن لازم ذلك لغوية النهي، لأنه لا يتحقق مورد الإقامة بمنى أصلا. لأن الحجاج بين من ينفر يوم الثاني عشر- كما هو الغالب- و بين من ينفر يوم الثالث عشر- كما عليه جماعة منهم- فلا يتحقق مورد الإقامة بمنى حتى يصح النهي عن صيام أيام التشريق، و هل هو إلّا كالنهي عن صيام يوم الحادي عشر بعرفات، فإن هذا النهي لغو جدا، و الإقامة يوم الحادي عشر بمنى لا تصير وجها إلّا للنهي عن صيام خصوص ذلك اليوم بمنى، لا النهي عن صيام ثلاثة أيام التشريق به- كما هو ظاهر.

ثم إن المحكي عن الشيخ قدّس سرّه في الخلاف ان الأصحاب قالوا: يصبح ليلة الحصبة صائما و هي بعد انقضاء أيام التشريق. و عنه في المبسوط انه جعل ليلة التحصيب ليلة الرابع. و قد استظهر أن مراده ليلة الرابع من يوم النحر لا الرابع عشر. و لا شاهد عليه- خصوصا بعد تصريح بعض اللغويين بأنه يوم الرابع عشر- و قد احتمل في كشف اللثام أن يكون يفسر يوم الحصبة بيوم النفر و ليلتها بليلة النفر في صحيحتي حماد و العيص المتقدمتين من الراوي، كما أنه احتمل أن يكون المراد بليلة الحصبة هي الليلة الواقعة بعدها لا قبلها، كما في ليلة الخميس، و أن يكون المراد من صبيحة الحصبة في صحيحة عبد

الرحمن بن الحجاج هي اليوم الذي بعدها.

ثم إنه ذكر في مجمع البحرين في معنى لغة الحصبة: «إنّ الحصباء صغار الحصى، و في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 299

..........

______________________________

حديث قوم لوط فأوحى اللّٰه إلى السماء أن أحصبيهم- أي: أرميهم بالحصباء- و واحدها حصبة كقصبة. و في الحديث: فرقد رقدة بالمحصّب، و هو بضم الميم و تشديد الصاد موضع الجماد عند أهل اللغة، و المراد به هنا- كما نصّ عليه بعض شراح الحديث- الأبطح، إذ المحصب يصح أن يقال لكل موضع كثيرة حصاؤه، و الأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى، و هذا الموضع تارة يسمى بالأبطح و اخرى بالمحصب،- إلى أن قال:- و ليس المراد بالمحصب موضع الجمار بمنى، و ذلك لأن السنّة يوم النفر من منى أن ينفر بعد رمي الجمار و أول وقته بعد الزوال، و ليس له أن يلبث حتى يمسي، و قد صلى به النبي المغرب و العشاء الآخرة، و قد رقد به رقدة، فعلمنا أن المراد من المحصب ما ذكرناه» إلخ.

بقي الكلام في رواية رفاعة المشتملة على تفسير الحصبة بيوم نفره، على ما رواه الكليني عنه بسند ضعيف و غير المشتملة على التفسير المذكور على ما رواه الشيخ عنه بسند صحيح و حيث إنها مشتملة على التفصيل الذي لم يلتزم به أحد من الأصحاب، فلا مجال للأخذ بها مع أن التفسير المذكور واقع في نقل الكليني، و هو ضعيف.

و قد تحصّل من جميع ما ذكرنا، ان مبدأ الصيام إنما هو بعد أيام التشريق و مقتضى الاحتياط أيضا ذلك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 300

[مسألة 20] في ما لو لم يصم يوم الثامن أيضا

مسألة 20- لو لم يصم يوم الثامن

أيضا أخّر الصيام إلى بعد الرجوع من منى فصام ثلاثة متوالية، و يجوز لمن لم يصم الثامن، الصوم في ذي الحجة و هو موسع له إلى آخره، و إن كان الأحوط المبادرة إليه بعد أيام التشريق (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فرعان:

الفرع الأول: ما لو لم يصم يوم الثامن أيضا كالسابع، سواء كان المنشأ هو عدم التمكن، أو كان هو العمد و الاختيار. فلا يجزيه الشروع من يوم عرفة و تأخير اليومين إلى بعد أيام التشريق، بل يتعين تأخير الثلاثة بأجمعها. و الوجه فيه انك عرفت أن القاعدة الأولية هي لزوم رعاية التوالي و التتابع في جميع الأيام الثلاثة خرج من هذه القاعدة مورد واحد، و هو ما لو صام الثامن و التاسع في خصوص صورة عدم التمكن من صوم السابع.

و من المحتمل قويا أن يكون للمورد خصوصية من جهة اليومين المخصوصين أولا، و من جهة التتابع بين اليومين ثانيا، و كلتا الجهتين مفقودتان في المقام، فلا يمكن أن يصار إليه إلّا مع الدليل، و هو غير موجود. و عليه فالظاهر لزوم التأخير أولا و رعاية التتابع في جميع الأيام ثانيا.

الفرع الثاني: أنه مع ترك الصيام قبل الأضحى يجوز التأخير بنحو الواجب الموسع إلى آخر ذي الحجة.

و الوجه فيه ان ظاهر الروايات الدالة على أن من فاته صيام الثلاثة قبل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 301

[مسألة 21] في جواز صوم الثلاثة في السفر

مسألة 21- يجوز صوم الثلاثة في السفر. و لا يجب قصد الإقامة في مكة للصيام، بل مع عدم المهلة للبقاء في مكة جاز الصوم في الطريق، و لو لم يصم الثلاثة إلى تمام ذي الحجة يجب الهدي يذبحه بنفسه أو نائبه في منى و

لا يفيده الصوم (1)

______________________________

الأضحى يصوم يوم الحصبة و يومين بعده، و إن كان لزوم المبادرة بعد الرجوع من منى، إلّا أن هناك رواية صحيحة دالة على جواز التأخير في صورة المشية. و هي ما رواه الصدوق بإسناده عن زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إنه قال: من لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر، فلا بأس بذلك «1».

و الجمع بينها و بين روايات الحصبة يقتضي الحمل على الاستحباب. كالجمع بين الروايات الظاهرة في تعين يوم قبل التروية و يومها و يوم عرفة، و بين ما دل على الجواز عند شروع ذي الحجة على ما عرفت. و منه يظهر أن الاحتياط في المتن استحبابي لا وجوبي لمسبوقيته بالفتوى بالتوسعة.

(1) تشتمل هذه المسألة على بيان حكمين:

الأول: جواز صوم الثلاثة في السفر، و عدم وجوب قصد الإقامة في مكة للصّيام. و يدل عليه صحيحة رفاعة المشتملة على سؤاله عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام بقول:

قلت يصوم و هو مسافر؟ قال: نعم أ ليس هو يوم عرفة مسافرا؟ إنّا أهل بيت نقول

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 302

[مسألة 23] في وجوب صيام سبعة أيام

مسألة 23- يجب صوم سبعة أيام بعد الرجوع من سفر الحج، و الأحوط كونها متوالية، و لا يجوز صيامها في مكة و لا في الطريق، نعم لو كان بناءه الإقامة في مكة جاز صيامها فيها بعد شهر من يوم القصد للجوار و الإقامة، بل جاز صيامها إذا مضى من يوم القصد مدة لو رجع وصل إلى وطنه، و لو أقام في غير مكة من سائر البلاد أو في الطريق لا

يجوز صيامها و لو مضى المقدار المتقدم، نعم لا يجب أن يكون الصيام في بلده، فلو رجع إلى بلده جاز له قصد الإقامة في مكان آخر لصيامها (1)

______________________________

ذلك لقول اللّٰه- عز و جل- فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ يقول في ذي الحجة «1». بل قد عرفت بعض الروايات الدالة على أنه إن لم يقم عليه جماله في مكة يجوز إيقاعها في الطريق. فلا إشكال في هذا الحكم.

الثاني: أنه لو لم يصم الثلاثة إلى تمام ذي الحجة ما ذا حكمه؟ و سيأتي في المسألة الخامسة و العشرين، إن شاء اللّٰه تعالى.

(1) لا شبهة في أصل وجوب صوم سبعة أيام بعد الثلاثة لمن كان عاجزا عن الهدي و غير واجد له. و الظاهر بمقتضى الآية الدالة على أن الوجوب بعد الرجوع، إنّ قيد الرجوع لا يكون قيدا ترخيصيا راجعا إلى جواز تأخير صيام السبعة إلى بعد الرجوع. بل يكون قيدا دخيلا في الصحة- كظرفية الحج- بالإضافة إلى الثلاثة،

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 303

..........

______________________________

و ظاهر الآية الوقوع في سياقه و كون كلا القيدين دخيلين بنحو واحد.

كما ان الظاهر ان المراد من الرجوع في قوله تعالى: .. إِذٰا رَجَعْتُمْ .. «1» هو الرجوع إلى الأهل و الوطن لا الفراغ من أعمال الحج و لا الخروج من مكة سائرا في الطريق و لا بعد أيام التشريق- كما هو المحكي عن غيرنا.

و يدل على ما ذكرنا- مضافا إلى ظهور الآية فيه في نفسها- روايات متعددة، مثل:

صحيحة سليمان بن خالد المروية بطريقين، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل تمتع و لم يجد هديا، قال

يصوم ثلاثة أيام بمكة و سبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله «2».

و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن متمتع لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج، يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، قال:

قلت: فإن فاته ذلك؟ قال: يتسحر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده، قلت: فإن فاته ذلك؟ قال: يتسحر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده، قلت: فإن لم يقم عليه جماله أ يصومها في الطريق؟ قال: إن شاء صامها في الطريق و إن شاء إذا رجع إلى أهله «3». و غير ذلك من الروايات الدالة على هذا المعنى؟.

إذا ظهر لك ذلك، فالكلام يقع في أمور:

الأمر الأول: اعتبار التوالي في السبعة كالثلاثة على ما تقدم و عدمه. و المشهور هو العدم. بل عن المنتهى و التذكرة لا نعرف فيه خلافا، لكن المحكي عن ابن أبي

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون ح 7.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 304

..........

______________________________

عقيل و أبي الصلاح هو الوجوب.

و يدل للمشهور مضافا إلى أن مقتضى إطلاق الآية هو العدم، موثقة إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام اني قدمت الكوفة و لم أصم السبعة الأيام حتى فزعت (نزعت) في حاجة إلى بغداد،: قال صمها ببغداد،: قلت: أفرقها؟

قال: نعم «1». و في السند محمد بن أسلم و ليس له توثيق خاص بل

توثيق عام في كتابي «كامل الزيارات» و «تفسير علي بن إبراهيم».

و الظاهر ان محط السؤال الأول و مورد نظر السائل هو كونه من أهل الكوفة، و لكنه اضطر الحاجة إلى الذهاب إلى بغداد، فأراد أن يصوم في بغداد مع كونه غير وطنه. فالجواب يرجع إلى الجواز و أنه لا مانع من الصوم ببغداد بعد تحقق الرجوع إلى الأهل بقدوم الكوفة.

و السؤال الثاني سؤال مستقل مرجعه إلى جواز التفريق في السبعة و عدمه كالثلاثة، فالجواب أيضا يرجع إلى الجواز و ثبوت الفرق بين الثلاثة و السبعة، و احتمال كون المراد هو التفريق في البلاد و الأمكنة، و أن السؤال إنما هو عن التفريق بالنسبة إلى مثل بغداد و الكوفة، و عليه فالحكم بالجواز لا يرتبط بالمقام خلاف الظاهر جدا. خصوصا بعد وضوح الفرق بين التفريق الزماني و التفريق المكاني في مثل المقام لاحتياج الثاني إلى التعرض للظرف المكاني دون الأول، فتدبر. و عليه فالرواية ظاهرة الدلالة على جواز التفريق هنا.

و استدل للوجوب برواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال:

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخامس و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 305

..........

______________________________

سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج و سبعة أ يصومها متوالية أو يفرق بينها؟ قال:

يصوم الثلاثة «الأيام» لا يفرق بينها، و السبعة لا يفرق بينها و لا يجمع بين السبعة و الثلاثة جميعا «1». و في السند محمد بن أحمد العلوي و هو مجهول الحال. لكن العلامة وصف بعض الروايات الواقع هو في سندها بالصحة. و تكفي هذه الشهادة بعد عدم ثبوت القدح بالإضافة إليه.

و أما الدلالة، فظاهر السؤال هو السؤال عن

جواز التفريق في الثلاثة مستقلا و في السبعة كذلك. و إن كان قوله عليه السّلام في ذيل الجواب: «و لا يجمع بين السبعة و الثلاثة جميعا» ربما يؤيد كون السؤال عن الجميع، فتدبر.

و الجواب ظاهر في اعتبار التوالي و عدم جواز التفريق في كل من الثلاثة و السبعة مستقلا. لكن مقتضى الجمع الدلالي بينها و بين الموثقة هو الحمل على الكراهة، و يؤيده تكرار النهي عن التفريق في الثلاثة و السبعة مع عدم حاجة إليه ظاهرا، خصوصا مع الجمع بينهما في السؤال، فالتكرار لعله بملاحظة الاختلاف بينهما في عدم الجواز و ثبوت الكراهة.

و قد ظهر أنه لا مجال للفتوى باعتبار التوالي و لا للاحتياط الوجوبي الذي هو ظاهر المتن.

الأمر الثاني: أنه لا يجوز صيام السبعة في مكة و لا في الطريق، لما مر في صدر المسألة، من ظهور الآية في كون قيد الرجوع في السبعة إنما هو كقيد الحج في الثلاثة، و لازمة هو التعين.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخامس و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 306

..........

______________________________

و قد استثنى منه مورد واحد، و هو ما لو كان بناءه على الإقامة في مكة و المجاورة فيها بعد الفراغ من تمامية الحج و قضاء المناسك. فإنه لا يجوز له الصيام المذكور في مكة بعد مضي شهر أو مقدار لو رجع لوصل إلى أهله و وطنه من حين قصد الإقامة و المجاورة. و في محكي الذخيرة: لا أعلم فيه خلافا.

و الأصل في ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم من كان متمتعا فلم يجد هديا

فليصم ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع إلى أهله، فإن فاته ذلك و كان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام بمكة و إن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله، و إن كان له مقام بمكة و أراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ثم صام بعده «1».

و في صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر في المقيم إذا صام ثلاثة الأيام ثم يجاور ينظر مقدم أهل بلده، فإذا ظن انهم قد دخلوا فليصم السبعة الأيام «2».

و ليس المراد هو العلم و الظن بدخول أهل بلده بحيث كان للدخول موضوعية.

بل المراد هو انتظار هذا المقدار و لو لم يصلوا إلى البلد لأجل مانع. و الصحيحة الأولى الدالة على كفاية مضي شهر أيضا تقيد إطلاق هذه الرواية.

و مثلها صحيحة أبي بصير المضمرة، قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي فصام ثلاثة أيام، فلما قضى نسكه بدا له أن يقيم «بمكة» سنة. قال: فلينتظر منهل أهل بلده، فإذا ظن أنهم قد دخلوا بلدهم فليصم السبعة الأيام «3».

______________________________

(1) الوسائل: أورد صدره في الباب السابع و الأربعين، ح 4، و ذيله في الباب الخمسين، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخمسون، ح 1.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخمسون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 307

..........

______________________________

و هذه الرواية تدل على أنه لا يعتبر في الإقامة قصد الإقامة الدائمية، بل يكفي قصد إقامة سنة- مثلا.

و مقتضى الجمع بين هذه الروايات اعتبار مضي شهر أو مقدار لو رجع لوصل إلى أهله. و ظاهر ذلك كفاية مضي أقل الزمانين و عدم لزوم انتظار أكثرهما.

نعم

مقتضى ما رواه الصدوق في المقنع عن معاوية، انه سأل الصادق عليه السّلام عن السبعة الأيام إذا أراد المقام فقال: يصومها إذا مضت أيام التشريق «1». هي كفاية مضي أيام التشريق. لكن اللازم تقييدها بالروايات المتقدمة- كما هو ظاهر.

و الظاهر أن المبدأ هو قصد الإقامة و المجاورة. لأن الترخيص إنما هو بالإضافة إلى المقيم، و هو لا يتحقق بدون القصد و الإرادة، كما أن الظاهر اختصاص الحكم بمكة و لا يشمل قصد الإقامة بالمدينة أيضا، فضلا عن غيرها. و إطلاق «المقام» في رواية الصدوق منصرف في نفسه إلى المقام بمكة، فضلا عن دلالة الروايات المتقدمة عليه.

الأمر الثالث: قد مرّ أنه لا يجوز صيام السبعة في سائر البلاد في غير مكة و لا في الطريق. فاعلم أنه لا يجب أن يكون الصيام في بلده بعد تحقق الرجوع إليه خارجا، بل يجوز له بعد الرجوع أن يسافر إلى بلد آخر و يصوم فيه بشرط قصد إقامة عشرة أيام فيه.

و الوجه فيه و إن كان ظاهر الآية لعله خلافه، و أن الواجب هو وقوع صيام السبعة في بلده، دلالة بعض الروايات عليه، مثل موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخامس و الأربعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 308

[مسألة 24] في من قصد الإقامة في مكة في هذه الأيام

مسألة 24- من قصد الإقامة في مكة هذه الأيام مع وسائل النقل الحديثة، فالظاهر جواز صيام السبعة بعد مضي مقدار الوصول معها إلى وطنه. و إن كان الأحوط خلافه. لكن لا يترك الاحتياط بعدم الجمع بين الثلاثة و السبعة (1).

______________________________

الظاهرة في جواز الصوم ببغداد بعد السفر إليه من الكوفة التي هي محله و وطنه ظاهرا. و لأجله صار

بصدد السؤال و الاستفهام عن الإمام عليه السّلام فلا إشكال في هذه الجهة أيضا.

نعم قد عرفت الفرق بين صيام الثلاثة و صيام السبعة من جهة جواز وقوع الاولى في السفر، مع عدم قصد الإقامة. لدلالة جملة من الروايات المتقدمة على أن الأفضل في هذا الصوم وقوع صيام اليوم الثالث في يوم عرفة. مع أن الحاج في ذلك الزمان كان مسافرا فيها. و أما السبعة فيعتبر فيها ما يعتبر في سائر الصيام الواجبة من اشتراط صحتها في السفر بكونه مقرونا بقصد إقامة عشرة أيام- كما لا يخفى.

(1) من قصد الإقامة في مكة هذه الأيام مع وسائل النقل الحديثة الموجبة لإمكان الرجوع إلى البلد في يوم واحد أو أقل، هل يجوز له صيام السبعة بعد مضي هذا المقدار فيجوز له الشروع في صيام السبعة بعد مضي يوم واحد- مثلا-؟ استظهر في المتن الجواز.

و الوجه فيه صدق عنوان «بقدر مسيره إلى أهله» الذي كان مختلفا في تلك الأيام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 309

[مسألة 25] في أنه هل يعتبر أن يكون صيام الثلاثة في مكة؟

مسألة 25- لو لم يتمكن من صوم ثلاثة أيام في مكة و رجع إلى أهله، فإن بقي شهر ذي الحجة صام فيه في محله. لكن يفصل بينها و بين السبعة، و لو مضى الشهر يجب الهدي يذبحه في منى و لو بالاستنابة (1).

______________________________

و الأزمنة أيضا بلحاظ الاختلاف في المراكب الموجودة فيها. فإن مقدار المسير إلى الأهل في هذه الأيام ربما يكون أقل من يوم واحد- كما إذا كان مركبة الطيارة مثلا بالنسبة إلى بعض البلاد- و لكن مع ذلك يكون مقتضى الاحتياط الاستحبابي خلافه. خصوصا بعد ملاحظة أن العدل الآخر هو مضي الشهر الذي لا يناسب التخيير بينه

و بين مضي يوم واحد- كما في المثال.

و أما عدم الجمع بين الثلاثة و السبعة، فسيأتي البحث عنه في المسألة الخامسة و العشرين الآتية، إن شاء اللّٰه تعالى.

(1) ينبغي قبل الورود في هذه المسألة، التعرض لجهة أخرى. و هي أنه هل يعتبر في صيام ثلاثة أيام في حال التمكن و الاختيار أن يكون مكانه مكة أم لا يعتبر، بل يجوز وقوعها في غيرها مثل الجدّة و غيرها بعد عدم قدح السفر فيه؟

قال بعض الأعلام قدّس سرّهم: لم أر من تعرض لذلك نفيا و إثباتا سوى شيخنا الأستاذ قدّس سرّه في مناسكه صرّح بعدم الاعتبار و أنه يصح مطلقا. نعم لا بد من وقوع صيامها في ذي الحجة و قبل الرجوع إلى بلاده. ثم استظهر نفسه من جملة من الروايات اعتبار صومها في مكة، و قال بعد الاستدلال بها: «لا قرينة لرفع اليد عن ظهورها، و لا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 310

..........

______________________________

تصريح في الروايات بجواز الإتيان به في غير مكة» قال: «و لا ندري أن الأستاذ النائيني قدّس سرّه استند إلى أي شي ء؟».

و الروايات التي استظهر منها ذلك، منها:

صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع إلى أهله، فإن فاته ذلك و كان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام بمكة، و إن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله. الحديث «1».

و الظاهر أن المراد من قوله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم «فإن فاته ..» هو عدم الإتيان

بصيام الثلاثة في أيام التروية و عرفة- على ما تقدم- كما أن المراد بالصدر هو الرجوع بعد تمامية الأعمال إلى مكة. و مستند الظهور هو قوله «صام ثلاثة أيام بمكة» مع أنه من الواضح أنه لو كان إيقاعه في مكة واجبا لما كان وجه للتعليق على إرادة الإقامة في مكة بعد الرجوع إليها و أنه مخير بين إرادة المقام و عدمها. فالعبارة ظاهرة في الخلاف لا في اعتبار الوقوع في مكة- كما هو واضح.

و منها: صحيحة ابن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد هديا، قال: فليصم ثلاثة أيام ليس فيها أيام التشريق، و لكن يقيم بمكة حتى يصومها، و سبعة إذا رجع إلى أهله. و ذكر حديث بديل بن ورقا «2».

و منها: صحيحة ابن مسكان، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل تمتع و لم يجد

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السابع و الأربعون، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 311

..........

______________________________

هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام، قلت له: أ فيها أيام التشريق؟ قال: لا، و لكن يقيم بمكة حتى يصومها و سبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكة، فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكة، فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله. ثم ذكر حديث بديل بن ورقا «1».

هذا و الظاهر عدم ظهور الروايتين في اعتبار وقوع صوم الثلاثة في مكة و إن كان ربما يؤيده بادي النظر، و ذلك لأنه بعد ملاحظة

ما تقدم من أن الوقت الأصلي له ما يكون متضمنا و مشتملا على يوم عرفة الذي لا يكون الحاج فيه في مكة بل في عرفات، و الإتيان به بعد العود من منى إلى مكة- خصوصا بعد عدم كون أيام التشريق منها- يكون في المرتبة الثانية التي عبّر عنها بالفوت في الرواية المتقدمة، و بعد ملاحظة أن الحاج بعد العود إلى مكة لا يكون له حاجة إلى غيرها، بل تكون الإقامة فيها مقدمة للرجوع إلى الأهل و الوطن، لا يستفاد من ذكر عنوان «مكة» خصوصيته، و أنه يعتبر أن يقع صيام ثلاثة أيام في خصوص مكة، بحيث لم يجز وقوعها في غيرها و لو في حواليها.

و يؤيده عدم التعرض لهذه الجهة في كلمات الأصحاب في مقابل إطلاق الآية الشريفة، مع أنه لو كان لمكة خصوصية لكان اللازم التعرض له في الكلمات و الفتاوى، فالإنصاف أن القول بالاعتبار لا يكون له مستند واضح.

ثم إنه يقع الكلام بعد هذه الجهة في جهة أخرى قبل الورود في أصل المسألة. و هو إنه لو لم يتمكن من صيام الثلاثة في مكة، هل يكون مخيرا بين الإتيان به في الطريق و بين الإتيان به بعد الرجوع كصيام السبعة، أو يتعين الثاني؟

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 312

..........

______________________________

نسب الأول إلى المشهور، و يدل عليه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة آنفا، لظهورها في التخيير بين الصيام في الطريق و الصيام بعد الرجوع إلى الأهل، لكن في مقابلها روايتان صحيحتان:

إحديهما: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: الصوم الثلاثة الأيام، إن صامها فأخّرها يوم عرفة، و إن لم

يقدر على ذلك فليؤخّرها حتى يصومها في أهله و لا يصومها في السفر «1».

هذا و لكن مفادها مقطوع البطلان، لدلالة الروايات المتضافرة على جواز إيقاع صوم الثلاثة في السفر، سواء أتى به في الوقت الأول أو بعد الرجوع إلى مكة، ضرورة عدم اعتبار قصد إقامة العشرة في مكة، و لا مجال للنهي عن إيقاعه في السفر، و لو كان المراد من النهي هي الكراهة- كما لا يخفى.

ثانيتهما: صحيحة ابن مسكان المتقدمة «2» الظاهرة في تعين إتيانه بعد الرجوع إلى الأهل إذا لم يستطع المقام بمكة. لكن مقتضى الجمع الدلالي بينها و بين صحيحة معاوية بن عمار هو رفع اليد عن ظهور رواية ابن مسكان في التعين، لصراحة رواية معاوية في عدمه، فالأمر في هذه الرواية محمول على الوجوب التخييري، فلا يبقى إشكال من هذه الجهة.

و أما من جهة السند، فقد نقلها في الوسائل عن الشيخ الطوسي قدّس سرّه في بابين:

أحدهما: الباب الواحد و الخمسون من أبواب الذبح، بهذه الكيفية: محمد بن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 10.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 313

..........

______________________________

الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد و علي بن النعمان عن ابن مسكان.

و ثانيهما: في الباب السادس و الأربعين من تلك الأبواب، بهذا النحو: محمد بن الحسن بإسناده عن سعد بن عبد اللّٰه عن الحسين عن النضر بن سويد عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد و علي بن النعمان عن عبد اللّٰه بن مسكان عن سليمان بن خالد.

و عليه فتكون الرواية

رواية سليمان بن خالد، كما أنه على الأول تكون رواية عبد اللّٰه بن مسكان و حكى صاحب الجواهر قدّس سرّه عن كاشف اللثام أنه رواه عن ابن مسكان، و لكنه جعل نفسه مقتضى التدبر ان كون الخبر عن سليمان.

أقول: لا محيص على هذا التقدير عن القول بوقوع الخطأ و الاشتباه في السند الثاني، لوضوح عدم إمكان الجمع بين كون سليمان بن خالد راويا عن ابن مسكان، ما رواه ابن مسكان عن سليمان بن خالد حتى يرجع إلى كونه راويا عن نفسه مع الواسطة. فالأمر يدور بين كون الراوي عن الإمام عليه السّلام هو سليمان و بين كونه هو ابن مسكان، و مقتضى التتبع في الأسانيد ان ابن مسكان يروي عن سليمان و لا عكس.

فالحق حينئذ مع صاحب الجواهر قدّس سرّه.

إذا عرفت ما ذكرنا، فاعلم أن لأصل المسألة صورتين:

الصورة الأولى: ما لو بقي شهر ذي الحجة، و لا إشكال فيها في لزوم الإتيان بالصيام فيه. لكن البحث في أنه هل يعتبر الفصل بين الثلاثة و بين السبعة أو لا يعتبر، بل يجوز الإتيان بالعشرة مع عدم الفصل؟

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 314

..........

______________________________

اختار صاحب الجواهر و تبعه المحقق النائيني قدّس سرّه الثاني. نظرا إلى أن الفصل يجب على من يصوم العشرة بمكة، كما في صورة قصد الإقامة و المجاورة. و أما من يصوم الجميع في البلد و الوطن الذي رجع إليه، فلا يجب عليه الفصل بوجه.

و العمدة في المقام معتبرة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج و سبعة أ يصومها متوالية أو يفرّق بينها؟ قال: يصوم الثلاثة «الأيام» لا

يفرق بينها، و السبعة لا يفرق بينها و لا يجمع بين السبعة و الثلاثة جميعا «1». و مورد السؤال مطلق صوم الثلاثة و السبعة أعم مما إذا أتى بهما في مكة بعد قصد المجاورة، و مما إذا رجع إلى الأهل و لم يأت بالثلاثة بعد. و دعوى الاختصاص بالأول- كما في الجواهر- ممنوعة جدا، لو لم نقل باحتمال الاختصاص بالثاني. و عليه فالرواية دالة على اعتبار الفصل في المقام.

لكن ظاهر مثل رواية ابن مسكان المتقدمة آنفا الدالة على أنه يصوم بعد الرجوع إلى الأهل عشرة أيام، عدم اعتبار الفصل. لكن رواية ابن جعفر صالحة للتقييد و الحمل على الفصل من دون تكلف.

نعم هنا رواية واحدة لا بد من علاجها، و هي رواية علي بن الفضل الواسطي، قال: سمعته يقول: إذا صام المتمتع يومين لا يتابع الصوم اليوم الثالث، فقد فاته صيام ثلاثة أيام في الحج فليصم بمكة ثلاثة أيام متتابعات، فإن لم يقدر و لم يقم عليه الجمال فليصمها في الطريق، أو إذا قدم على أهله صام عشرة أيام متتابعات «2».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخامس و الخمسون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني و الخمسون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 315

..........

______________________________

و الرواية مضافا إلى الضعف و الإضمار يكون معرضا عنها لدى الجميع. إذ لم يقل أحد باعتبار التتابع بين الثلاثة و السبعة. لأن النزاع في اعتبار الفصل و عدمه دون التتابع و عدمه، فالرواية معرض عنها و لا مجال للحمل على الاستحباب أيضا لعدم القائل به، و حملها على التتابع في خصوص الثلاثة في غاية البعد. فالعمدة رواية علي بن جعفر الدالة على اعتبار الفصل مطلقا.

و

مما ذكرنا يظهر النظر فيما أفاده في الجواهر و فيما أفاده المتن من الحكم باعتبار عدم الفصل في المقام بنحو الفتوى و باعتباره في صورة الإقامة في مكة بنحو الاحتياط الوجوبي، لأنه لا مجال للتفكيك بوجه، فتدبر.

الصورة الثانية: ما لو مضى شهر ذي الحجة و لم يقع فيه صيام الثلاثة الذي يعتبر فيه الوقوع في ذي الحجة بمقتضى قوله تعالى فِي الْحَجِّ المفسر بذي الحجة في جملة من الروايات و في المتن يجب الهدي يذبحه في منى- و لو بالاستنابة- و قد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر، قال: بل في ظاهر المدارك و صريح المحكي عن الخلاف، الإجماع عليه بل عن بعض أنه نقله عن جماعة.

لكن في محكي النهاية و المبسوط: ان من لم يصم الثلاثة بمكة و لا بالطريق و رجع إلى بلده و كان متمكنا من الهدي بعث به، فإنه أفضل من الصوم. و مقتضى إطلاق كلامه جواز الإتيان بالصوم بعد مضي ذي الحجة أيضا. غاية الأمر ان الهدي أفضل منه، و احتمل السبزواري في الذخيرة اختصاص حكم السقوط بخصوص الناسي.

و مقتضاه أنه في غير الناسي لا يسقط الصوم.

و العمدة ملاحظة الطوائف المختلفة من الروايات التي يمكن أن يستفاد منها حكم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 316

..........

______________________________

هذه الصورة، و هي ثلاث طوائف:

الأولى: ما تدل بإطلاقها على ثبوت الصوم بعد مضي ذي الحجة بعد الرجوع إلى الأهل كرواية ابن مسكان المتقدمة المشتملة على قوله: فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله. و غيرها من الروايات المتكثرة الدالة على ذلك. و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ذي الحجة و غيره.

الثانية: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه

عليه السّلام قال: من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل هلال المحرم فعليه دم شاة و ليس له صوم و يذبحه بمنى «1».

و المراد من عدم الصوم في ذي الحجة هو ترك الصوم المعهود الذي يجب إيقاعه فيه بمقتضى الآية و الرواية، و ليس هو إلّا صيام الثلاثة لمن كان عاجزا عن الهدي و غير واجد له. و مقتضى إطلاقه أنه لا فرق بين كون ترك الصوم عن علم و عمد و بين كونه عن نسيان و بين كونه لأجل بعض الأعذار الأخر- كالحيض و النفاس- كما أن مقتضى إطلاقه أنه لا فرق بين كون ترك الصوم في مكة أو في الطريق أو بعد الرجوع إلى الأهل.

الثالثة: صحيحة عمران الحلبي، قال: سئل أبو عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة الأيام التي على المتمتع إذا لم يجد الهدي حتى يقدم أهله، قال: يبعث بدم «2». و لأجل هذه الصحيحة احتمل السبزواري اختصاص الحكم بالسقوط بالناسي بعد حمل الصحيحة المتقدمة عليه أيضا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السابع و الأربعون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السابع و الأربعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 317

..........

______________________________

أقول: أما الإطلاقات، فالظاهر أنه لا مجال للاستدلال بها على المقام، بعد كونها واردة في مقام البيان من جهة أخرى، و هي أنه لا خصوصية لمكة و لا للطريق في صيام الثلاثة من جهة المكان. بل يجب عليه الإتيان به بعد الرجوع إلى الأهل إذا لم يأت أو لم يتمكن من الإتيان به في مكة و في الطريق.

و أما من جهة الزمان فلا تكون بصدد البيان من هذه الجهة أيضا حتى يصح

التمسك بها لوجوب الإتيان به بعد مضي ذي الحجة أيضا. خصوصا بعد ظهور الآية في اعتبار ظرفية الشهر المذكور و معهودية ذلك عند المتشرعة و الرواة. و عليه فلا بد من ملاحظة الصحيحتين فقط، لعدم ارتباط الإطلاقات المذكورة بالمقام. فنقول:

أما الصحيحة الأولى، فقد عرفت أن موردها مطلق يشمل جميع الصور و مفادها فوات وقت الصوم بخروج ذي الحجة و عدم الصيام فيه. و أما الصحيحة الثانية، فمورد السؤال فيها و إن كانت صورة النسيان، إلّا أنه لا دلالة لها على الاختصاص بهذه الصورة و النفي في غيرها. فلا تنافي الصحيحة الأولى المطلقة، و لا مجال في مثل ذلك لحمل المطلق على المقيد بعد عدم التنافي بينهما أصلا. و منه يظهر الخلل فيما مر من السبزواري. و عليه فاللازم الحكم بالسقوط و أنه يجب عليه أن يبعث بدم.

نعم يمكن أن يقال أن هذا البعث إنما هو لأجل الكفارة و لا يكون هديا. و الشاهد عليه ان الهدي أعم من الشاة، لأنه يمكن أن يكون إبلا أو بقرا. و هذا بخلاف الكفارة، فإنه يتعين أن تكون هي الشاة. و لكن الظاهر خلافه- خصوصا مع التعبير في صحيحة عمران الحلبي المتقدمة بدم لا بشاة- فالظاهر حينئذ هو ما أفيد في المتن، فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 318

[مسألة 26- لو تمكن من الصوم و لم يصم حتى مات]

مسألة 26- لو تمكن من الصوم و لم يصم حتى مات يقضي عنه الثلاثة وليّه. و الأحوط قضاء السبعة أيضا (1).

______________________________

(1) في المسألة أقوال:

أحدهما: القول بعدم وجوب هذا القضاء على الولي مطلقا، بل استحبابه. و هو المحكي عن الصدوق رحمه اللّٰه.

ثانيها: القول بوجوب القضاء مطلقا الثلاثة و السبعة، و هو المحكي عن ابن إدريس و

أكثر المتأخرين، و جعله المحقق في الشرائع أشبه.

ثالثها: القول بالتفصيل بالوجوب في الثلاثة دون السبعة، و هو المحكي عن الشيخ و جماعة و ظاهر المحقق في الشرائع.

و قد ورد في المسألة مضافا إلى الروايات العامة الواردة في قضاء الولي مطلقا الدالة على أنه يقضي عنه أولى الناس بميراثه، روايتان خاصتان صحيحتان و إن وصفت إحديهما بالحسنة لكنها صحيحة على المختار.

إحديهما: رواية الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إنه سأله عن رجل تمتع بالعمرة و لم يكن له هدي فصام ثلاثة أيام في ذي الحجة. ثم مات بعد ما رجع إلى أهله قبل أن يصوم السبعة الأيام أعلى وليه أن يقضي عنه؟ قال: ما أرى عليه قضاء «1».

ثانيتهما: رواية معاوية بن عمار، قال: من بات و لم يكن له هدي لمتعته، فليصم عنه وليه «2».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن و الأربعون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن و الأربعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 319

..........

______________________________

و التحقيق أن يقال:- بعد عدم قيام الدليل على اشتراك الثلاثة و السبعة في الحكم.

أما الثلاثة، فالظاهر وجوب القضاء على الولي بعد الموت و التمكن من الصوم و عدمه، و لو لأجل الجهل أو النسيان و أمثالهما. لدلالة الرواية الثانية عليه لظهور الأمر في الوجوب مضافا إلى الأدلة العامة، و لا ينافيه الرواية الأولى المعبرة بالنكرة مكان المعرف الظاهر في الإشارة إلى العهد الذكرى، لأنه مضافا إلى أن موردها صورة الصيام لا تكون النكرة المزبورة ظاهرا بالظهور العرفي المعتمد عليه، بل غايته عدم وجوب قضاء صيام السبعة دون الثلاثة، مع أن الموت بمجرد الرجوع إلى الأهل و عدم التمكن في غاية البعد.

و

منه تعرف الوجه في أن مقتضى الجمع بين الروايتين عدم وجوب صيام السبعة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 320

3- الحلق أو التقصير

اشارة

الثالث من واجبات منى: التقصير

[مسألة 27- يجب بعد الذبح، الحلق أو التقصير و يتخير بينهما]

مسألة 27- يجب بعد الذبح، الحلق أو التقصير و يتخير بينهما إلّا طوائف:

الاولى: النساء، فإن عليهن التقصير لا الحلق، فلو حلقن لا يجزيهن.

الثانية: الصرورة، أي الذي كان أول حجه، فإن عليه الحلق على الأحوط.

الثالثة: الملبد، و هو الذي ألزق شعره بشي ء لزج- كعسل أو صمغ- لدفع القمل و نحوه، فعليه الحلق على الأحوط.

الرابعة: من عقص شعره، أي: جمعه و لفه و عقده، فعليه الحلق على الأحوط.

الخامسة: الخنثى المشكل، فإنه إذا لم يكن من إحدى الثلاثة الأخيرة يجب عليه التقصير، و إلّا جمع بينه و بين الحلق على الأحوط (1)

______________________________

(1) التعبير عنه بالتقصير فيه مسامحة واضحة، بعد تعين الحلق على بعض الطوائف، و التخيير بينه و بين التقصير- كما هو أصل الحكم. نعم يستفاد من التعبير بالواجب أمران و أحدهما على سبيل المطابقة، هو الوجوب في مقابل الاستحباب الذي حكي عن الشيخ الطوسي قدّس سرّه في تفسير التبيان و عن الشيخ الطبرسي في تفسير مجمع البيان الذي هو خلاصة التبيان.

و الدليل على الوجوب مضافا إلى النصوص المستفيضة الآتية الواردة في أحكام فروع المسألة هو ارتكاز المتشرعة و ثبوت الوجوب عندهم كثبوت سائر أحكام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 321

..........

______________________________

منى. و ينبغي التعرض لبعض الروايات الدالة على الوجوب و الجزئية للحج، مثل:

صحيحة سعيد الأعرج، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام جعلت فداك، معنا نساء فأفيض بهن بليل، فقال: نعم تريد أن تصنع كما صنع رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم؟ قلت: نعم، قال:

أفض بهنّ بليل و لا تفض بهن حتى تقف بهنّ بجمع، ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فترمين الجمرة،

فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن و يقصرن من أظفارهن و يمضين إلى مكة في وجوههن و يطفن بالبيت و يسعين بين الصفا و المروة، ثم يرجعن إلى البيت و يطفن أسبوعا، ثم يرجعن إلى منى و قد فرغن من حجهن. و قال: إن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أرسل معهن أسامة «1».

و قيام الدليل على عدم الجزئية في طواف النساء- كما يأتي إن شاء اللّٰه تعالى- لا يلازم عدم الجزئية، بالإضافة إلى المقام- كما هو واضح.

إذا عرفت ذلك، فالكلام يقع في الطوائف المذكورة، فنقول:

أما الطائفة الاولى: و هي النساء. فالظاهر تعين التقصير عليهن لا للإجماع المدعى- كما ادعاه العلامة- و لا لعدم وجدان الخلاف الذي ذكره صاحب الجواهر قدّس سرّه بل لأن العبادات المركبة لا بد في بيان أجزائها من مراجعة الدليل، خصوصا في باب الحج الذي لا تناسب بين أجزائه عندنا. فأيّة مناسبة بين الطواف الذي يقع حول البيت و بين الوقوف بعرفة مثلا؟

فاللازم الرجوع إلى الدليل و في موارد قيامه فإما أن نرى إلغاء الخصوصية كخصوصية الرجولية من قوله عليه السّلام: رجل شك بين الثلاث و الأربع مثلا، و إما أن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 322

..........

______________________________

لا نرى إلغاء الخصوصية. و في المقام لم ينهض الدليل في النساء إلّا بالإضافة إلى التقصير. و لا مجال لإلغاء الخصوصية بعد كون شعر الرأس في النساء بمنزلة اللحية في الرجال.

و كيف كان ففي مرسلة عامية مذكورة في كتاب كنز العمال، إنه نهى النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم عن أن تحلّق المرأة

رأسها، و لم يقع فيها التقييد بالحج و لا بالمصيبة الموجبة له، بل ظاهرها الإطلاق، و هو غير مفتى به.

و في رواية علي بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السّلام في حديث، قال: و تقصر المرأة و يحلّق الرجل و إن شاء قصّر إن كان قد حج قبل ذلك «1».

و الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: ليس على النساء حلق و يجزيهن التقصير «2».

و رواية حماد و محمد عن جعفر بن محمد عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام في وصية النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم لعلي عليه السّلام قال: يا علي ليس على النساء جمعة- إلى أن قال:- و لا استلام الحجر و لا حلق «3». و غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك.

و أما الطائفة الثانية: و هي الصرورة، و قد احتاط فيها في المتن وجوبا بالحلق.

و لا بد من الكلام فيها في مقامين:

المقام الأول: في موضوعها. و يظهر من المتن تبعا للنصوص و الفتاوى أنه هو الذي أول حجة و لم يحج بعد، من دون فرق بين أن كان الحج الذي أتى به و تحقق منه هي حجة الإسلام، أم كان غيرها من الحج الاستيجاري و غيره.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الثامن، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الثامن، ح 3.

(3) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الثامن، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 323

..........

______________________________

نعم يظهر من بعض الروايات أنه هو الذي لم يأت بحجة الإسلام بعد. مثل رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: على الصرورة أن يحلّق رأسه و لا يقصّر، إنما التقصير

لمن قد حج حجة الإسلام «1». لكنها ضعيفة على كلا الطريقين المنقولين.

فالظاهر حينئذ أن الصرورة مطلق من لم يحج، كما سيأتي التعبير عنه بذلك في الروايات.

المقام الثاني: في حكمها. فالمشهور التخيير. و لكن المحكي عن الشيخ في المبسوط و ابن حمزة في الوسيلة تعين الحلق عليها. قال المحقق في الشرائع بعد الحكم باستحباب الحلق على الجميع، بتأكد الاستحباب في حق الصرورة. و لا بد من ملاحظة الأدلة.

فنقول: قال اللّٰه تعالى في الكتاب العزيز لَقَدْ صَدَقَ اللّٰهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيٰا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لٰا تَخٰافُونَ .. «2» قال بعض الأعلام في مفاد الآية تبعا للأردبيلي قدّس سرّه في آيات أحكامه:

إن اللّٰه تعالى وعد المسلمين بأنهم يدخلون المسجد الحرام في حال كونهم بين محلق و مقصر. و هذا لا ينطبق إلّا على دخولهم المسجد الحرام بعد الفراغ عن مناسك منى في الحج، و حج المسلمين الذين حجوا مع النبي في تلك السنة كان حج صرورة إذ لم يحجوا قبل ذلك و مع ذلك. خيرهم اللّٰه بين الحلق و التقصير.

و من الواضح أن الحج مع النبي لم يكن إلّا في حجة الوداع لأن اللّٰه تعالى لما أرى

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب التاسع، ح 5.

(2) سورة الفتح، (48): 27.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 324

..........

______________________________

نبيه في المدينة بالمنام أن المسلمين دخلوا المسجد الحرام، فأخبر بذلك أصحابه فانصرفوا إلى مكة لأداء العمرة المفردة في السنة السادسة من الهجرة، فلما وصل هو و أصحابه إلى الحديبية، منعهم المشركون من دخول مكة، و وقع بينهما الصلح- المعروف بصلح الحديبية- المتضمن لعدم دخول المسلمين في السنة المذكورة

إلى مكة و جواز أن يدخلوها في السنة القادمة، فلما كان ذو القعدة من السنة السابعة للهجرة، اعتمروا و دخلوا المسجد الحرام- كما هو مقتضى الصلح- و من الواضح أن العمرة سواء كانت عمرة التمتع أو عمرة مفردة ليس فيها الحلق. فلا بد من حمل الآية على الحج، و هي تدل على التخيير بين الحلق و التقصير. لأن المسلمين كلهم كانوا في ذلك الحج صرورة غير جائين بالحج.

و يرد عليه أن الآية و إن كانت تدل على مشروعية الحلق و التقصير، و أن لا تكون بصدد بيان الحكم في نفسه، إلّا أن دلالتها على أصل المشروعية ظاهرة لا ريب فيها، و ظاهرها و إن كان هو الجمع بين الأمرين مع أن من المقطوع فتوى عدمه.

فتحمل الآية على التبعيض و مشروعيته، إلّا أنه لم يقم دليل على أن المسلمين كانوا بأجمعهم في ذلك الحج صرورة، لأن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم نفسه غير صرورة قطعا، و دخوله في الآية و في مسجد الحرام مسلّم كتسلّم دخوله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في عنوان أهل البيت في آية التطهير. مع أن الالتزام بعدم إتيان المسلمين (أي: مسلمي المدينة) الحج رأسا مشكل، لعدم إمكان الالتزام بعدم إتيانهم الحج و لو قبل الإسلام. و ليس الصرورة إلّا من كان أول حجة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 325

..........

______________________________

خصوصا مع ملاحظة الرواية الصحيحة التي أوردها صاحب الجواهر في آخر بحث الحج، و تدل على أن هذا البيت يحج قبل آدم عليه السّلام بألفي عام. مع أن الالتزام بكون شأن نزول الآية هي حجة الوداع أيضا مشكل. خصوصا مع احتمال تحقق رؤية

النبي الرؤيا بعد الإحرام الذي شروعه في المدينة من مسجد الشجرة. فإن ظاهرها حينئذ الدخول في نفس الإحرام الذي أحرموا به لا في حجة الوداع التي يمكن أن يقال بعدم دلالة الآية على كون دخول مسجد الحرام في عامها، لعدم ذكر العام و ما يشابهه أصلا.

و كيف كان فالآية تدل على المشروعية. و لا مجال للالتزام بالجمع، فالتبعيض هنا متحقق. و لا يكون بلحاظ الرجال و النساء بعد عدم الإتيان بضمير النساء في مقصرين، فتأمل، كما عرفت أنه لا يكون بلحاظ الصرورة و غيرها.

فالإنصاف أن الاستفادة من الآية في مسألتنا هذه مشكل جدا. فلا بد من ملاحظة الروايات الواردة. فنقول: إن ما استدل به على تعين الحلق على الصرورة كثيرة:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: ينبغي للصرورة أن يحلّق و إن كان قد حج. فإن شاء قصّر و إن شاء حلّق، فإذا لبّد شعره أو عقصه فإن عليه الحلق و ليس له التقصير. «1» و الرواية و إن كانت خالية عن الإشكال من جهة السند، إلّا أن ذيلها الوارد في من لبد شعره أو عقصه الدال على تعين الحلق عليه، قرينة على عدم كون المراد به ينبغي في الصدر هو التعين، و إن كان في نفسه محتملا لذلك،

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب السابع، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 326

..........

______________________________

لاختلاف هذا التعبير في الروايات و في الفتاوي. فالإنصاف عدم دلالة الصحيحة على تعيّن الحلق على الصرورة.

و منها: رواية سويد القلاء عن أبي سعيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: يجب الحلق على ثلاثة نفر: رجل لبد و رجل حج بدوا

لم يحج قبلها و رجل عقص رأسه «1».

و الرواية و ان كانت ظاهرة الدلالة، إلّا في سندها- على ما في التهذيب- أبو سعد، و هو مجهول. و- على ما في الوسائل و محكي الوافي- أبو سعيد، و هو مردد بين قمّاط الثقة و المكاري الذي لم تثبت وثاقته. فلا يجوز الأخذ بها.

و منها: رواية مصدق بن صدقة عن عمار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال:

سألته عن رجل برأسه قروح، فلا يقدر على الحلق، قال: إن كان قد حج قبلها فليجز شعره، و إن كان لم يحج فلا بد له من الحلق. الحديث «2».

و الرواية و إن كانت معتبرة- كما يظهر من التعبير عن رواية مصدق بالموثقة على ما في كلام الشيخ الأنصاري قدّس سرّه- إلّا أنه لا يمكن الالتزام بمفادها و مدلولها، لأنها تدل على وجوب الحلق. بالإضافة إلى بعض من لا يقدر عليه المفروض في سؤال السائل. مع أن قاعدة نفي الحرج تنفي الوجوب في صورة الحرج و الشدة و المشقة. مع أن الحلق بالإضافة إلى من كان برأسه قروح مستلزم للإدماء الذي هو من محرمات الإحرام. فلا يمكن الالتزام بالرواية أصلا.

و منها: رواية علي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: على الصرورة أن يحلق

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب السابع، ح 2.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 5، ص: 326

(2) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب السابع، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 327

..........

______________________________

رأسه و لا يقصر، إنما التقصير لمن قد حج حجة الإسلام «1».

و الرواية فيها الإشكال من ناحية السند و من جهة الدلالة معا.

أما من جهة السند، فالراوي عن أبي بصير هو علي، و هو إن كان علي بن أبي حمزة البطائني الكذاب المعروف- كما هو الظاهر- فلا يجوز الأخذ بروايته، و إن كان غيره الثقة فهو لم يثبت.

و أما من جهة الدلالة، فتدل أو تشعر بأن الصرورة هو خصوص من لم يحج حجة الإسلام، مع أن المراد به هو من لم يحج أصلا.

و منها: رواية بكر بن خالد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: ليس للصرورة أن يقصر و عليه أن يحلّق «2».

و هي ضعيفة ببكر بن خالد، فلا يجوز الالتزام بها.

و منها: رواية سليمان بن مهران (في حديث) أنه قال لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: كيف صار الحلق على الصرورة واجبا دون من قد حج؟ قال: ليصير بذلك موسما بسمة الآمنين. ألا تسمع قول اللّٰه عز و جل: .. لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لٰا تَخٰافُونَ .. «3» «4».

و الرواية مضافا إلى اشتمالها على المجاهيل في السند غير ظاهرة الدلالة بعد وقوع التقصير في الآية أيضا، و إن كان أمرا غير ظاهر بخلاف الحلق- كما لا يخفى- فانقدح

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب السابع، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب السابع، ح 10.

(3) سورة الفتح (48): 27.

(4) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب السابع، ح 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 328

..........

______________________________

أن الظاهر في هذه الطائفة هو الحكم بالتخيير الذي أفتى به المشهور، و إن كان الحلق أفضل،

بل يكون استحبابه متأكدا- كما عرفت في عبارة الشرائع المتقدمة.

و أما الطائفة الثالثة و الرابعة: فهما الذكر الملبد و العاقص. و الدليل على حكمهما أيضا روايات. و إن كان المشهور قائلين بالتخيير فيهما أيضا.

منها: صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة، بل في الطريق الآخر جعلها به في الوسائل الرواية الثامنة، و إن كان الظاهر اتحادها مع الرواية الأولى المذكورة في الباب. لكنها معها روايتان متعددتان على ما في الوسائل. و تبعه عليه بعض الكتب الفقهية، و متنها هكذا: «إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبدته، فقد وجب عليك الحلق و ليس لك التقصير. و إن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير و الحلق في الحج، و ليس في المتعة إلّا التقصير» «1».

و منها: صحيحة هشام بن سالم، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: إذا عقص الرجل رأسه أو لبده في الحج أو العمرة، فقد وجب عليه الحلق «2».

و منها: غير ذلك من الروايات الدالة على تعين الحلق فيهما أو في أحدهما، و لعله قدّس سرّه لأجلها احتاط الماتن وجوبا بالحلق. و يمكن أن يقال: بأنه مع صحة أكثر الروايات الدالة على التعين، كيف ذهب المشهور إلى الخلاف و عدم التعين؟ و هل يعد ذلك إعراضا عن الرواية، قادحا في اعتبارها، و إن كانت من الصحة بمكان أو أن الفتوى على الخلاف لأجل الفهم و دركه و إن كان هذا بعيدا، فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب السابع، ح 8.

(2) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب السابع، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 329

..........

______________________________

و أما الطائفة الخامسة: فهو الخنثى المشكل الذي لا تعلم ذكورته و أنوثته إثباتا، و إن

كان بحسب الواقع أحدهما ثبوتا. بناء على عدم كونه طبيعة ثالثة. و قد ذكر في المتن أنه إن لم يكن من أحد الطوائف الثلاثة الأخيرة، فاللازم عليه الاحتياط بالتقصير، لأن في دوران الأمر بين التعيين و التخيير يكون مقتضى الاحتياط، الأخذ بالمعين الذي هو في المقام عبارة عن التقصير، لأن الخنثى غير الصرورة- مثلا- إما أن يكون التقصير متعينا عليه، بناء على كونه أنثى. و إما أن يكون مخيرا بينه و بين الحلق، بناء على كونه ذكورا. و المفروض أنه غير الطوائف الثلاث. فاللازم احتياطا هو الأخذ بالمعين و هو التقصير.

و على تقدير كونه من الطوائف الثلاث يكون مقتضى العلم الإجمالي هو الجمع بين التقصير و بين الحلق احتياطا- كما في سائر الموارد.

و له علم آخر في هذه الصورة، و هو العلم بأنه إما أن يكون فعل الحلق عليه حراما أو تركه، و إما أن يكون فعل التقصير عليه حراما أو تركه. ففي كل من الأمرين يدور الأمر بين المحذورين. و إن كان الأمران بأجمعهما لا يدور الأمر فيهما بينهما لجواز و إمكان ترك الأمرين معا.

و حيث إن الحكم في مورد الدوران هي أصالة التخيير، فإذا اختار الحلق فالتقصير في الوهلة الثانية إما أن يكون محلا بناء على كونه أنثى، و إما أن يكون في حال الإحلال.

و إذا اختار الحلق في الوهلة الثانية، فإما أن يكون التقصير في المرتبة الأولى إزالة الشعر في حال الإحرام، و هي إما أن يكون محرما في حال الإحرام أو مع الكفارة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 330

[مسألة 28] في ما يكفي في التقصير

مسألة 28- يكفي في التقصير قص شي ء من الشعر أو الظفر بكل آلة شاء. و الأولى

قص مقدار من الشعر و الظفر أيضا، و الأحوط لمن عليه الحلق أن يحلق جميع رأسه. و يجوز فيهما المباشرة و الإيكال إلى الغير.

و تجب فيهما النية بشرائطها ينوي بنفسه، و الأولى نية الغير أيضا مع الإيكال إليه (1).

______________________________

أيضا، و إما أن يكون محلا، فلا وجه لحرمة الحلق بعده.

(1) في هذه المسألة فروع و أحكام:

الأول: أن الواجب في باب التقصير هو صدق عنوانه، و الظاهر تحققه بما دون القبضة بل ما دون الأنملة، و لا يتوقف على صدق القبضة- كما ربما يحكى عن أبي علي- و لا على صدق الأنملة- كما لعله ربما يستظهر من عبارة الشرائع حيث قال:

و يجزيهن منه و لو مثل الأنملة كما في محكي القواعد و النافع و التهذيب و بعض الكتب الأخر أيضا- و لكن الظاهر- كما قلنا- كفاية المسمى و صدقه بما دونهما و عدم توقفه على شي ء منهما.

الثاني: أن الظاهر كفاية القص من الشعر أو الظفر، و لكن الجمع بينهما هو الأولى لظهور بعض الروايات في وجوب الجمع. لكن حيث إن الضرورة و الإجماع قائمان على عدم وجوب الجمع، فالظاهر هو الاستحباب- كما في صحيحة سعيد الأعرج.

الثالث: أنه تجوز فيهما المباشرة، و يجوز الإيكال إلى الغير، لعدم قدرة غالب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 331

..........

______________________________

الناس على الحلق مباشرة بخلاف التقصير. فالتخيير بين الأمرين مع ذلك ظاهر في عدم وجوب المباشرة، و جواز الإيكال إلى الغير.

و حيث إنهما من العبادات، و العبادة مفتقرة إلى النية فاللازم وجوب النية، بالمباشرة، و الأولى نية الغير أيضا مع الإيكال إليه. لكن الكلام في الذابح من جهة الإمكان يجزي في هذه الصورة أيضا في بعض الفروض.

الرابع: أن

الأحوط وجوبا لمن عليه الحلق أن يحلق جميع رأسه و لا يقتصر على البعض بأن يحلق بعض الرأس فقط. و إن كان الحلق يصدق عليه أيضا- كما في جانب التقصير- إلّا أن ظاهر الأدلة في الحلق هو الجميع- كما في الآية- و قام الدليل على الإجزاء بالبعض في التقصير، مضافا إلى استمرار السيرة و وجود أصالة الاشتغال، فالأحوط هو حلق الجميع، مع أنه لا يمكن في ناحية التقصير غالبا، و هو خلاف السيرة أيضا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 332

[مسألة 29] في إمرار الموسى على الرأس مع عدم الشعر

مسألة 29- لو تعين عليه الحلق و لم يكن على رأسه شعر، يكفي إمرار الموسى على رأسه، و يجزي عن الحلق. و لو تخير من لا شعر له بينه و بين التقصير، يتعين عليه التقصير و لو لم يكن له شعر حتى في الحاجب و الظفر، يكفي إمرار الموسى على رأسه (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة أيضا فروع:

الفرع الأول: ما لو تعين عليه الحلق، و لم يكن على رأسه شعر، فمقتضى النص و الفتوى ثبوت البدل المجزي له عن الحلق، و هو إمرار الموسى على الرأس.

ففي رواية زرارة: إنّ رجلا من أهل خراسان قدم حاجا، و كان أقرع الرأس لا يحسن ان يلبي، فاستفتي له أبا عبد اللّٰه عليه السّلام فأمر له أن يلبي عنه و أمرّ الموسى على رأسه، فإن ذلك يجزي عنه «1». و الرواية ضعيفة السند.

و موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: سألته عن رجل حلّق قبل أن يذبح، قال: يذبح و يعيد الموسى، لأن اللّٰه تعالى يقول: .. وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ .. «2» «3».

و رواية أبي

بصير، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المتمتع أراد أن يقصر فحلق رأسه، قال: عليه دم يهريقه، فإذا كان يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الحادي عشر، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الحادي عشر، ح 2.

(3) سورة البقرة (2): 196.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 333

[مسألة 30] في الإشكال في الاكتفاء بقصر العانة و الإبط

مسألة 30- الاكتفاء بقصر شعر العانة أو الإبط مشكل. و حلق اللحية لا يجزي عن التقصير و لا الحلق (1)

______________________________

يحلّق «1».

الفرع الثاني: ما لو تخير من لا شعر له بينه و بين التقصير. و الظاهر فيه تعين التقصير، لعدم ثبوت البدلية المطلقة لإمرار الموسى. و الضابطة الكلية أنه إذا تعذر أحد فردي الواجب التخييري يتعين الفرد الآخر المفروض في المقام مكانه، و هو التقصير.

الفرع الثالث: ما لو يكن له شعر حتى في الحاجب و لم يكن له ظفر. و في هذا الفرع أيضا يكفي الإمرار لعدم ثبوت القدرة لا على الحلق و لا على التقصير، فيتعين الرجوع إلى البدل المستفاد من الأدلة. فالظاهر هي كفاية الإمرار في هذا الفرع أيضا.

(1) أما الإشكال في الاكتفاء بقصر شعر العانة أو الإبط، فلأن الشعرين خارجان عند العرف. و إن كان يصدق عليهما الشعر.

و أمّا عدم إجزاء حلق اللحية عن التقصير فلأنهما- أي الحلق و التقصير- أمران متغايران عند العرف. مع أن الحلق لا بد و أن يكون متعلقا بالرأس. و لذا ورد في بعض الروايات المتقدمة إمرار الموسى على الرأس في مورد الأقرع الذي لا شعر

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الحادي عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الحج، ج 5، ص: 334

[مسألة 31] في زمان الحلق أو التقصير و مكانهما

مسألة 31- الأحوط أن يكون الحلق و التقصير في يوم العيد، و إن لا يبعد جواز التأخير إلى آخر أيام التشريق و محلهما منى و لا يجوز اختيارا في غيره. و لو ترك فيه و نفر يجب عليه الرجوع إليه، من غير فرق بين العالم و الجاهل و الناسي و غيره. و لو لم يمكنه الرجوع حلق أو قصر في مكانه، و أرسل شعره إلى منى لو أمكن، و استحب دفنه مكان خيمته (1).

______________________________

لرأسه.

و أما عدم إجزاء حلق اللحية عن الحلق الواجب، فلأن حلق اللحية إما أن يكون حراما، و إما أن يكون مخالفا للاحتياط الوجوبي. و على كلا التقديرين لا يجتمع مع العبادية التي يتصف بها جزء العبادة أيضا، مضافا إلى بعض ما ذكر.

(1) وقع البحث في هذه المسألة في زمان الحلق أو التقصير و مكانهما.

أما الزمان: فالظاهر أن جميع مناسك منى الثلاثة لا بد و أن يقع يوم النحر، و هو ظاهر المحقق في الشرائع، بل لا خلاف ظاهرا في عدم جواز التقديم، إلّا لبعض الطوائف- كالنساء و الخائف- نعم لا دليل معتبرا و لا صريحا في لزوم الوقوع يوم النحر، و إن وقع التعبير في بعض الروايات به، إلّا أنه لا صراحة في اعتبار يوم النحر بحيث لو لم يفعلهما في يوم النحر لما تحقق الإجزاء. و لذا نفى البعد عن جواز التأخير إلى آخر أيام التشريق.

و أما المكان: فالظاهر أنه منى. و أنه لا يجوز إيقاعهما اختيارا في غيره.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 335

..........

______________________________

و الدليل على الأحكام المذكورة في المتن بعض الروايات و الفتاوى، مثل:

رواية الحلبي، قال: سألت أبا

عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل نسي أن يقصّر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى، قال: يرجع إلى منى حتى يلقى شعره بها، حلقا كان أو تقصيرا «1».

و رواية مسمع، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر، قال: يحلق في الطريق أو أين كان «2».

و رواية أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل نسي أن يقصر من شعره و هو حاج حتى ارتحل عن منى، قال: ما يعجبني أن يلقي شعره إلّا بمنى، و قال: في قول اللّٰه عز و جل ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ .. «3» قال: هو الحلق و ما في جلد الإنسان «4».

و رواية أبي بصير التي رواها عنه علي بن أبي حمزة، قال: سألته عن رجل جهل أن يقصر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى، قال: فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره أو يقصره و على الصرورة أن يحلق «5».

و غير ذلك من الروايات الواردة. فالحكم هو ما في المتن.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الخامس، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الخامس، ح 2.

(3) سورة الحج (22): 29.

(4) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الخامس، ح 3.

(5) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الخامس، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 336

[مسألة 32] في ترتب أعمال منى

مسألة 32- الأحوط تأخير الحلق و التقصير عن الذبح و هو عن الرمي. فلو خالف الترتيب سهوا لا تجب الإعادة لتحصيله، و لا يبعد إلحاق الجاهل بالحكم بالساهي، و لو كان عن علم و عمد. فالأحوط تحصيله مع الإمكان (1).

______________________________

(1) يقع الكلام

في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأول: في أصل اعتبار الترتيب بين أفعال منى و مناسكه في الجملة.

و الدليل عليه أمور:

الأول: استمرار سيرة المتشرعة على ذلك عملا و اعتقادا.

أما العمل، فنرى بالوجدان التزام الحجاج في يوم النحر بهذه الأعمال مترتبة الرمي و الذبح أو النحر و الحلق أو التقصير. أما الاعتقاد، فلما نرى في بعض الروايات الآتية مما يدل على مفروغية هذا الأمر عندهم. و أن سؤالهم متفرع على هذا الأمر الاعتقادي مع تقرير المعصوم عليه السّلام لهم بذلك، فانتظر.

الثاني: شهرة هذا الأمر بين الأصحاب. قال المحقق في الشرائع: و ترتيب هذه المناسك واجب يوم النحر، الرمي ثم الذبح ثم الحلق. و حكي ذلك عن النافع و القواعد و النهاية و المبسوط و الاستبصار، بل نسبه غير واحد إلى أكثر المتأخرين.

الثالث: الروايات الدالة على ذلك:

منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام: إذا ذبحت أضحيتك فاحلق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 337

..........

______________________________

رأسك و اغتسل .. «1»

و الاشتمال على بعض المستحبات لا يقدح في الاستدلال بها على الوجوب فيما لم تدل قرينة على عدمه.

و منها: صحيحة سعيد الأعرج المتقدمة المشتملة على قوله عليه السّلام «فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ..».

فإن القضية الشرطية و إن لم يكن لها مفهوم بحسب الظهور و القاعدة على ما بيناه في علم الأصول، إلّا أن دلالتها عليه في الجملة و مع القرينة مما لا مانع منه.

و بعبارة أخرى، العرف ربما يستفيد منها في بعض المقامات ذلك، مع أنه ليس الكلام في وجوب التقصير عليهن مطلقا، بل إنما هو في الترتب، فتدبر.

و منها: صحيحة جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد

اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال: لا ينبغي إلّا أن يكون ناسيا، ثم قال: إن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أتاه الناس يوم النحر، فقال بعضهم: يا رسول اللّٰه إني حلقت قبل أن أذبح، و قال بعضهم:

حلقت قبل أن أرمي فلم تركوا شيئا، كان ينبغي أن يؤخروه إلّا قدموه، فقال: لا حرج. «2»

و في رواية الشيخ و الصدوق ذلك، إلّا أنه قال: فلم يتركوا شيئا كان ينبغي لهم أن يقدموه إلّا أخّروه. و لا شيئا كان ينبغي لهم أن يؤخروه إلّا قدموه، فقال صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم: لا حرج.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الأول، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 338

..........

______________________________

و الاشتمال على كلمة «لا ينبغي» لا دلالة له على أن المراد به نفي الاستحباب. لأنه مضافا إلى أن هذه الكلمة في الروايات و كلمات الأئمة عليهم السّلام تغاير ما هو المصطلح في كلمات الفقهاء من أن المراد به هو الاستحباب نفيا و إثباتا. أن في الرواية قرينة بل قرائن على الخلاف، كالتفصيل بين صورتي النسيان و غيره و كالرجوع إلى الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم و الاستفتاء منه، و قوله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم «لا حرج» و غير ذلك من القرائن الدالة على ذلك. فالرواية تدل على أصل اعتبار الترتيب في الجملة.

و منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن علي، قال: لا يحلق رأسه و لا يزور حتى يضحي فليحلق رأسه و يزور متى شاء «1».

و

أورد على سندها بأن موسى بن القاسم عن علي، قال: لا يحلق رأسه و لا يزور حتى يضحي فليحلق رأسه و يزور متى شاء «2» و أورد على سندها بأن موسى القاسم لا يمكن له و لا يروي عن المعصوم عليه السّلام بلا واسطة، فلا يمكن تعقيب علي بقوله عليه السّلام كما في محكي استبصار الشيخ.

و إن كان المراد من علي غير المعصوم، بل علي بن جعفر أو غيره ممن يسمّى بعلي- كما في الوسائل و التهذيب و غيرهما- فالرواية تكون مقطوعة حينئذ.

و بالجملة فالأدلة على الترتيب كثيرة. و إن كان تجري المناقشة في بعض رواياته سندا أو دلالة، فتدبر.

و في قبال هذه الأدلة بعض الروايات التي ربما يستفاد من ظاهرها العدم، مثل ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن وهب بن حفص عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا اشتريت أضحيتك و قمطتها في

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 9.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 339

..........

______________________________

جانب رحلك فقد بلغ الهدي محلّه، فإن أحببت أن تحلق فاحلق «1».

قال في الوسائل بعد نقل الرواية: و رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السّلام قال: إذا اشتريت أضحيتك و وزنت ثمنها و صارت في رحلك. و ذكر مثله.

و رواه الصدوق بإسناده عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا اشترى الرجل هديه و قمّطه في بيته

فقد بلغ محله، فإن شاء فليحلق. و قد عمل بعض الأصحاب كالشيخ بظاهره و مال إليه في الحدائق، فلم يعتبروا في جواز الحلق الذبح.

أقول: أما ما ورد في سنده علي بن أبي حمزة فهو غير واجد للحجية و الاعتبار، لضعف علي بن أبي حمزة البطائني المعروف. و أما ما لم يرد فيه هذا الشخص، بل ورد وهب بن حفص أو وهيب بن حفص فهو واجد لها لوثاقة وهيب، كما في نقل التهذيب بالوثاقة الخاصة، لتوثيق النجاشي إياه. و لوثاقة وهب، كما في الوسائل و غيره بالوثاقة العامة، لوقوعه في إسناد كتاب كامل الزيارات مع عدم قدح خاص بالإضافة له. فالرواية بهذه الكيفية معتبرة.

و لكن فيها إشعار بالآية الشريفة لاقتباسها منها، و هي قوله تعالى وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ .. «2» و الظاهر أن هذا التعبير كناية عن تحقق الذبح. لأن المفروض فيها صورة الإحصار، و لا يكفي فيها مجرد وصول الهدي إلى منى الذي هو محله. و في التعابير الكنائية لا يلحظ المعنى الحقيقي. بل الملاك في الصدق

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 7.

(2) سورة البقرة (2): 196.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 340

..........

______________________________

و الكذب فيها هو المعنى المراد و المقصود. فإذا قيل: زيد مهزول الفصيل، لا يلزم أن يكون له فصيل أم يكون فصيله مهزولا. بل الملاك هو الجود و عدمه.

و الظاهر أن المراد في الآية هو تحقق الذبح، بل لا بد بلحاظ الفتاوى و الحكم الوارد في المحصر ذلك.

و عليه فالرواية تدل على أن جواز الحلق إنما هو بعد الذبح، و إن كان السياق ربما ينافي ذلك. و عليه فلا

دلالة لها على عدم اعتبار الترتيب- كما لا يخفى.

المقام الثاني: في حكم مخالفة الترتيب. فاعلم أنها قد تكون عن سهو و نسيان، و قد تكون عن جهل بالحكم، و قد تكون مع العلم و العمد.

أمّا الساهي: فالحكم فيه الصحة. و يدل عليها قوله عليه السّلام في صحيحة جميل بن دراج: إلّا أن يكون ناسيا. حيث قال:

سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال: لا ينبغي إلّا أن يكون ناسيا، ثم قال: إن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أتاه أناس من يوم النحر، فقال بعضهم:

يا رسول اللّٰه إني حلقت قبل أن أذبح، و قال بعضهم: حلقت قبل أن أرمي، فلم يتركوا شيئا كان ينبغي أن يؤخروه إلّا قدموه، فقال: لا حرج «1».

و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت، فاشترى بمكة ثم ذبح، قال: لا بأس قد أجزأ عنه «2».

و غير ذلك من الروايات الدالة على الصحة، في صورة مخالفة الترتيب سهوا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 341

..........

______________________________

و أمّا الجاهل: فالحكم فيه أيضا الصحة. و يدل عليه صحيحة جميل بن دراج المتقدمة، فإنها و إن وردت في مورد النسيان و التعبير فيها يدل على الحصر، إلّا أن الظاهر ان المراد بالنسيان فيها ليس خصوص النسيان المقابل للجاهل و غيره، بل الأعم منه و من الجاهل. و السر فيه اشتراكهما في عدم العلم في حال العمل، مع أن الأناس الذين أتوا النبي

صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم للسؤال عن خلافهم، من البعيد أن يكون كلهم ناسين بالمعنى الاصطلاحي، بل الظاهر أن جلّهم بل كلهم كانوا جاهلين. و السر فيه مضافا إلى أنه كان في حجة الوداع التي هي أول حج المسلمين مع نبيهم و آخره، و إلى أن الحج لا يتحقق إلّا في الموسم و في كل عام مرة، أن ابتلاء الأناس بالنسيان مع أنه قلما يتحقق و يتفق في الخارج و لا يعرض إلّا لبعض الناس في بعض المواقع.

و لأجل ما ذكرنا لم يتحقق الاستفصال منه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أولا و استشهد الإمام عليه السّلام بما وقع في عصره صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم ثانيا، مع أن السؤال منه عليه السّلام كان عن صورة النسيان. فالصحيحة تدل على حكم الجاهل أيضا. و إن لم يقع التعرض لحكمه بالخصوص في شي ء من الروايات- فلا يبعد إلحاقه بالناسي- كما في المتن.

و امّا العالم العامد: فالمعروف بينهم أيضا هو الإجزاء و الصحة، بل ربما ادعي الإجماع عليه نظرا إلى أن وجوب الترتيب تكليفي محض، و لا يترتب على مخالفته سوى المعصية و أحكامها، نظير ما ذكره بعض أساتيدنا في صلاة الجماعة، من أنّ وجوب متابعة المأموم للإمام لا يترتب على مخالفته بطلان الصلاة بل و لا بطلان الجماعة. لكن المحكي عن صاحب المدارك الخلاف. و أن الوجوب في الترتيب كوجوب سائر الأمور المعتبرة في المركبات العبادية شرطي أو جزئي. و قد تبعه في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 342

..........

______________________________

ذلك صاحب الحدائق و بعض آخر.

و قد استدل للمشهور بروايات، لا بد من النظر و الدقة فيها.

منها:

رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السّلام: جعلت فداك، ان رجلا من أصحابنا رمى الجمرة يوم النحر، و حلق قبل أن يذبح، فقال: إن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم لما كان يوم النحر أتاه طوائف من المسلمين، فقالوا: يا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم ذبحنا من قبل أن نرمي و حلقنا من قبل أن نذبح فلم يبق شي ء مما ينبغي أن يقدموه إلّا أخروه، و لا شي ء مما ينبغي أن يؤخروه إلّا قدموه، فقال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم: لا حرج و لا حرج «1». نظرا إلى عدم التعرض فيها لصورة النسيان- كما في صحيحة جميل.

و يرد عليها مضافا إلى أن الراوي عن ابن أبي نصر هو سهل بن زياد، و فيه كلام و اختلاف، انّ هذه لم تكن قصة اخرى قد وقع السؤال فيها عن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم بل هي بعينها نفس القصة المحكية في صحيحة جميل. و قد ظهر أن التعبير فيها إنما هو بأداة الحصر، و أنه لا ينبغي إلّا أن يكون ناسيا، فلا وجه للاستدلال بها على مطلق المخالفة، و إن كانت عن علم و عمد- كما لا يخفى.

و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي، قال: لا بأس و ليس عليه شي ء و لا يعودن «2». نظرا إلى ترك الاستفصال و إطلاق الجواب.

و يرد على الاستدلال بها أن الحكم بأنه «ليس عليه شي ء» لا ينطبق و لا يشمل

______________________________

(1) الوسائل: أبواب

الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 6.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 343

[مسألة 33] في تقديم الطواف على الحلق أو التقصير عمدا

مسألة 33- يجب أن يكون الطواف و السعي بعد التقصير أو الحلق، فلو قدمهما عمدا يجب أن يرجع و يقصر أو يحلق، ثم يعيد الطواف و الصلاة و السعي و عليه شاة. و كذا لو قدم الطواف عمدا. و لا كفّارة في تقديم السعي، و إن وجبت الإعادة و تحصيل الترتيب، و لو قدمهما جهلا بالحكم أو نسيانا و سهوا فكذلك، إلّا في الكفارة فإنها ليست عليه (1).

______________________________

العالم العامد بوجه. فإن المعصية أقل ما تحققت و فيها وجوب التوبة، فالحكم بأنه «ليس عليه شي ء» لا ينطبق إلّا على الناسي و الجاهل، فمقتضى التأمل و القواعد هو ما ذكره صاحب المدارك و الحدائق. إلّا أن يكون إجماع على الخلاف. و الظاهر عدم تحققه، فيجب على العالم العامد العود لرعاية الترتيب مع إمكانه- كما في المتن.

(1) هذه المسألة، أي: لزوم الإعادة مطلقا لدى الإمكان في صورة العلم و العمد و كذا في صورة النسيان و الجهل بالحكم و إن كان مطابقا للمشهور، بل قال في الجواهر: لا أجد فيه خلافا، بل في محكي المدارك و غيره أيضا ذلك. إلّا أن الأدلة و الروايات لا تساعدها. لأن العمدة ثلاث روايات:

إحديها: صحيحة جميل بن دراج المتقدمة الحاكية لجريان حجة الوداع المشتملة على الجواب عن سؤاله الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، بقوله: «لا ينبغي إلّا أن يكون ناسيا» مستشهدا بذلك الجريان، فإن قوله عليه السّلام «لا ينبغي» ظاهر في عدم الجواز الشرطي. و الاستثناء شاهد على أن مورده صورة العلم و العمد.

و الاستشهاد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 344

..........

______________________________

دليل على أن في صورة المستثنى لا تجب الإعادة أصلا.

ثانيتها: صحيحة علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة رميت و ذبحت و لم تقصر حتى زارت البيت فطافت و سعت من الليل ما حالها؟ و ما حال الرجل إذا فعل ذلك؟ قال: لا بأس به، يقصر و يطوف بالحج ثم يطوف للزيارة ثم قد أحلّ من كل شي ء «1».

و الظاهر أن المراد من الطواف الأخير هو طواف النساء، بقرينة عمومية الإحلال من كل شي ء.

ثالثتها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل زار البيت قبل أن يحلق، فقال: إن كان زار البيت قبل أن يحلق رأسه و هو عالم أن ذلك لا ينبغي له، فإن عليه دم شاة «2».

و مقتضى الجمع بين الروايات أمور:

الأول: الالتزام بلزوم العود، رعاية للترتيب في خصوص صورة العلم و العمد، لدلالة صحيحة جميل على عدم لزوم العود في خصوص صورة النسيان الشاملة للجهل، بمقتضى ما ذكرناه آنفا، و صحيحة علي بن يقطين و إن كان مدلولها لزوم الإعادة مطلقا، إلّا أنها محمولة على خصوص صورة العلم و العمد، جمعا بين المطلق و المقيد.

الثاني: ثبوت الكفارة مع الشرطين: أحدهما: العلم و العمد. و ثانيهما: التقدم على الطواف- كما هو مقتضى صحيحة محمد بن مسلم، و لا دلالة لها على أزيد من ذلك-

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الرابع، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الثاني، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 345

..........

______________________________

فتقديم السعي وحده لا يوجب الكفارة، و لو كان عن علم

و عمد.

الثالث: عدم ثبوت الكفارة على الناسي و الجاهل، لظهور صحيحة جميل في ذلك، و وجود القيد في كلام الإمام عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.

و بعد ذلك يقع الكلام في أمرين:

الأول: أنه لم يتعرض الماتن لاعتبار الترتيب بين مناسك منى و الطواف و السعي فيما يتعلق بمناسك منى، مع أن الترتيب شرط الأمر المتأخر واقعا أو ذكريا. فهل يمكن أن يقال بأن الترتيب من شرائط صلاة الظهر، أم لا بد أن يقال بأنه من شرائط صلاة العصر؟

الثاني: أنه مع أن مقتضى الجمع بين الروايات ما ذكرنا من عدم لزوم العود حفظا للترتيب في صورة النسيان بالمعنى الذي تقدم الشامل للجاهل، كيف التزم المشهور بل ربما ادعي الإجماع- كما عرفت- على أن غير العالم و العامد يجب عليه العود بعد زوال النسيان و ارتفاع الجهل. خصوصا مع عدم تضيق وقت الطواف و السعي بعد أعمال منى و بقائه إلى آخر ذي الحجة الذي هو آخر أشهر الحج، فهل بعد ذلك إعراضا عن الرواية موجبا للقدح في اعتبارها و سقوطها عن الحجية، أم لا يعد ذلك إعراضا عن الرواية موجبا للقدح في اعتبارها و سقوطها عن الحجية، أم لا يعد ذلك إعراضا كذلك؟

الذي ينبغي أن يقال و يقتضيه التأمل في الكلمات و العبارات، إن تلك الروايات كانت بمرئي منهم و منظر، و لم يتحقق الإعراض عنها بوجه. غاية الأمر الاختلاف في الاستفادة منها. و فهم المراد منها فعن بعضهم حمل قوله: «لا ينبغي إلّا أن يكون ناسيا» على مجرد الحكم التكليفي و أن النسيان موجب لزوال التكليف حكما، كما أنه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 346

..........

______________________________

موجب لزوال العلم

موضوعا.

و حمل قوله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم «لا حرج»- واحدا كما في صحيحة جميل، أو متعددا كما في بعض الروايات الأخر- على مجرد رفع الحرج من جهة الحكم التكليفي، من دون الدلالة على صحة حجهم رأسا. و أنت خبير بأن ذلك خلاف ما هو المتفاهم عند العرف من الرواية جوابا و استشهادا، و حتى سؤالا من السائل لظهور كلها في الحكم الوضعي الراجع إلى الصحة و البطلان- كما في سائر الموارد و المقامات- و مراده صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم من نفي الحرج أيضا ذلك، و إلّا كان اللازم عليه إيجاب الإعادة و بيانها مع كون الناس جاهلين، لئلا يكون حجهم غير مطابق للمأمور به.

و من الغريب أن صاحب الرياض قدّس سرّه حمل دليل وجوب الكفارة على الاستحباب. مع أن التعبير في دليلها مع التقييد بصورة العلم إنما هو بكلمة «عليه» لا بصيغة «افعل» المستعملة في الاستحباب كثيرا.

و لو نوقش في دلالة هذا التعبير على الوجوب، لجرت المناقشة في أصل دلالة آية وجوب الحج عليه، لرواية وجوب الصيام عليه. و غير ذلك من الموارد. و الغرض من ذلك كله عدم الاستيحاش من مخالفة المشهور، و حملها على الاعراض القادح.

بل إنما هي لأجل الاستفادة و فهم المراد من الرواية نوعا. نعم ربما يتفق الاعراض- كما في بعض المسائل الآتية- فلا وجه للحمل المذكور بوجه.

و عليه فمقتضى القاعدة في المقام ما ذكرنا. و لا يكون إجماع تعبدي كاشف على خلافه. بل لا بد من الالتزام بمفاد الروايات و الاستفادة منها على نحو يفهمه العرف، فتأمل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 347

[مسألة 34] في ما لو قصر أو حلق بعد الطواف أو السعي

مسألة 34- لو قصر أو حلق

بعد الطواف أو السعي، فالأحوط الإعادة لتحصيل الترتيب. و لو كان عليه الحلق عينا يمرّ الموسى على رأسه احتياطا (1).

______________________________

(1) الفرق بين هذه المسألة و المسألة السابقة مع عدم كونه موجبا للتعدد، إنما هو في تحقق الحلق أو التقصير بعد الطواف أو السعي هنا، و عدم تحقق شي ء منهما في المسألة السابقة.

و يرد على الماتن قدّس سرّه ما أشرنا إليه من أن الترتيب على فرض اعتباره، إنما يكون شرطا للأمر المتأخر لا للأمر المتقدم- كما في الظهرين- فإنّ ترتب العصر على الظهر، يقتضي وقوع العصر بعد الظهر، و لا تكون صلاة الظهر مشروطا من هذه الناحية بشي ء. فإذا اقتصر الشخص على صلاة الظهر، و لو كان عن علم و عمد، لا يوجب ذلك بطلان صلاة الظهر بوجه، من جهة عدم وقوع العصر بعدها، بل غايته عدم صحة صلاة العصر في مورد عدم وقوعها متأخرة عن الظهر.

و عليه فالترتيب المعتبر في المقام على تقديره إنما هو بالإضافة إلى الطواف أو السعي. فإذا قدم شيئا منهما أو كليهما على الحلق و التقصير، ثم قصر أو حلق، يصير الطواف و ما بعده غير واجد للشرط الذي هو الترتيب، و لا يلزم الخلل فيهما لا في النية و لا في شي ء آخر، بل تلزم إعادة الطواف و السعي. و عليه فلا وجه لإعادة الحلق، و لو كان متعينا عليه، لأن يحصل الترتيب. و عليه فلا وجه للاحتياط بإمرار الموسى بعد عدم لزومه بوجه. و إنما هو أي: إمرار الموسى في موارد وجوب الحلق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 348

[مسألة 35] في مدخلية الحلق أو التقصير في التحلل

مسألة 35- يحل للمحرم بعد الرمي و الذبح و الحلق أو التقصير كل ما

حرّم عليه بالإحرام إلّا النساء و الطيب. و لا تبعد حلية الصيد أيضا. نعم يحرم الصيد في الحرم للمحرم و غيره لاحترامه (1).

______________________________

كذلك.

و الذي ينبغي أن يقال إنه كان ينبغي له ترك التعرض لهذه المسألة بعد المسألة المتقدمة، خصوصا مع ثبوت الفتوى أو الفتاوى هناك، و الانتقال إلى الاحتياط الوجوبي هنا. نعم الاحتياط في مسألة إمرار الموسى له وجه لو قيل بالتعدد، بناء على أن رواياته إنما وردت في مورد الحلق الابتدائي- على ما عرفت- و شمولها للحلق الثانوي محل إشكال، و إن كان مقتضى الاحتياط الوجوبي- كما لا يخفى.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة تارة في غير الصيد و اخرى فيه. فالكلام يقع في أمرين:

الأول: غير الصيد من محرمات الإحرام- من النساء و الطيب- فنقول: إن المشهور حكموا بتوقف حليته على آخر أعمال منى، و هو الحلق أو التقصير بعد وقوعهما بعدها. و عن الصدوقين حصول التحلل بمجرد الرمي الذي هو أول أعمال منى. و دليلهما فقه الرضا الذي لم يثبت كونه رواية، فضلا عن الصحة و الاعتبار. و قد ذكرنا هذه الجهة مرارا، و لذا لم يرو صاحب الوسائل عنه شيئا أصلا. و يدل على المشهور روايات كثيرة:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا ذبح الرجل و حلق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 349

..........

______________________________

فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه إلّا النساء و الطيب، فإذا زار البيت و سعى بين الصفا و المروة، فقد أحل من كل شي ء أحرم منه إلّا النساء، و إذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه إلّا الصيد «1» و الكلام الآن في

غير الصيد.

و الرواية ظاهرة في الترتب على الحلق بعد الذبح و مدخلية الحلق في الحلية المذكورة، و أن لا تكون للقضية الشرطية مفهوم- كما حققناه في محله الذي هو بحث المفاهيم من علم الأصول.

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، فقال: ربما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق، و لكن لا تقربوا النساء و الطيب «2». و غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك.

و في مقابل هذه الروايات، روايتان:

إحديهما: موثقة حسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام إنه كان يقول:

إذا رميت جمرة العقبة فقد حل لك كل شي ء حرم عليك إلّا النساء «3».

ثانيتهما: موثقة يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السّلام جعلت فداك، رجل أكل فالوذج فيه زعفران بعد ما رمى الجمرة و لم يحلق، قال: لا بأس .. «4».

لكن هاتين الروايتين مهجورتان، و لم يقل بمفادهما حتى الصدوقين. لعدم قولهما

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الثالث عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الثالث عشر، ح 6.

(3) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح 11.

(4) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 350

..........

______________________________

بتوقف الطيب على رمي الجمرة، و أنه يحل به. بل يقولان بعدم تحقق حليته به كالنساء المتوقفة حليتهن على طواف النساء عندنا بلا خلاف و لا إشكال- كما لا يخفى. و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

ثم إن هنا روايات أخر يوهم ظاهرها الخلاف، مثل:

صحيحة سعيد بن يسار، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام

عن المتمتع، قال: إذا حلق رأسه قبل أن يزور البيت يطليه بالحناء؟ قال: نعم، الحناء و الثياب و الطيب و كل شي ء إلّا النساء رددها على مرتين أو ثلاثا، قال: و سألت أبا الحسن عليه السّلام عنها، قال:

نعم، الحناء و الثياب و الطيب و كل شي ء إلّا النساء «1».

و الشيخ قدّس سرّه حملها على من حلق و زار البيت. و أنه لم ينقل مع كون النقل عن الكليني قبل أن يزور البيت. و هو و إن كان أضبط من الشيخ لكنه أفقه منه. و قد حكم في الدروس بأنه متروك.

و على أي حيث إنه لم يعلم أن ذلك قبل زيارة البيت لا يجوز العمل بها.

و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سئل ابن عباس هل كان رسول اللّٰه يتطيب قبل أن يزور البيت؟ قال: رأيت رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم يضمد رأسه بالمسك قبل أن يزور «2».

و لكنها في مورد حج غير التمتع الذي لا يتوقف عليه الطيب على أمر بعد الحلق أو التقصير. لأنه لم يحج حج التمتع على ما مر مرارا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح 7.

(2) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الرابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 351

..........

______________________________

و رواية يونس مولى علي (أي: علي بن يقطين و هو ثقة بلا كلام، كما أفيد) عن أبي أيوب الخزاز، قال: رأيت أبا الحسن عليه السّلام بعد ما ذبح حلق ثم ضمّد رأسه بمشك (مسك خ ل) و زار البيت و عليه قميص و كان متمتعا «1».

و لكن ورودها في حج التمتع ممنوع

على نقل و كان متقنعا، و على التقدير الآخر حيث إنه مشكوك، فلا ينهض في مقابل الروايات الواردة في التمتع.

و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: ولد لأبي الحسن عليه السّلام مولود بمنى، فأرسل إلينا يوم النحر بخبيص فيه زعفران، و كنا قد حلقنا، قال عبد الرحمن: فأكلت أنا و أبى الكاهلي و مرازم أن يأكلا منه، و قالا: لم نزر البيت، فسمع أبو الحسن عليه السّلام كلامنا، فقال: لمصادف، و كان هو الرسول الذي جاءنا به: في أي شي ء كانوا يتكلمون؟ فقال:

أكل عبد الرحمن و أبي الآخران، فقالا: لم نزر البيت، فقال: أصاب عبد الرحمن. ثم قال: أما تذكر حين أتينا به في مثل هذا اليوم، فأكلت أنا منه و أبى عبد اللّٰه (أي عبد اللّٰه بن جعفر الأفطح ظاهرا) أن يأكل منه، فلما جاء أبي حرشه عليّ، فقال: يا أبه إن موسى أكل خبيصا فيه زعفران و لم يزر بعد، فقال: هو أفقه منك، أ ليس قد حلقتم رءوسكم؟ «2» و لكن الشيخ أيضا حمله على الحاج غير المتمتع الذي يحل عليه الطيب أيضا بمجرد الحلق أو التقصير؟.

و رواية إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن المتمتع إذا حلق رأسه،

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الرابع عشر، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 352

..........

______________________________

ما يحل له؟ فقال: كل شي ء إلّا النساء «1». و لكنها قابلة للتخصيص كما أفاده صاحب الجواهر.

الأمر الثاني: في الصيد. و هو على قسمين: لأنه تارة يكون إحراميا محرّما للمحرم سواء في الحرم أو في الحل. و اخرى حرميا يكون

محرّما في محدودة حرم اللّٰه تبارك و تعالى. سواء كان محرما أم لم يكن كذلك. و الكلام الآن في الصيد الإحرامي الذي حرّمه الإحرام. و أمّا الصيد الحرمي فالكلام فيه إنما هو في أحكام الحرم و لا تختص بالمحرم بوجه.

فنقول: مقتضى بعض الروايات الصحيحة و الفتاوى أن الصيد الإحرامي يتحقق التحلل من الحرمة الإحرامية الحاصلة بالإضافة إليه- كسائر محرمات الإحرام- بالحلق أو التقصير، و نفى عنه البعد في المتن أيضا، مثل:

صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه إلّا النساء و الطيب، فإذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه إلّا النساء و إذا طاف طواف النساء، فقد أحل من كل شي ء أحرم منه إلّا الصيد «2».

و حمل الصيد على الحرمي كما ادعى وضوحه صاحب الجواهر قدّس سرّه يدفعه أن الكلام في الرواية ليس في الصيد الحرمي بوجه، بل المراد هو الصيد الإحرامي الذي نشأت حرمته من الإحرام. مع أن لازمة كون الاستثناء منقطعا. و هو و إن لا يكون

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح 8.

(2) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 353

..........

______________________________

محالا، إلّا أنه خلاف الظاهر، لا يصار إليه مع عدم وجود الدليل و القرينة على الخلاف.

كما أن حمل الصيد على الإحرامي ينافيه صدر الصحيحة الدال على عموم التحلل بالحلق أو التقصير ما عدي النساء و الطيب. و لأجل عدم الالتفات إلى الصدر ذكر بعض الأعلام قدّس سرّهم أنه

لا بد من الحمل على الصيد الإحرامي، مع أن لازمة التناقض في رواية واحدة.

فلا محيص إلّا عن الحمل على الصيد الحرمي، و إن كان خارجا عن سياق الرواية.

نعم هنا بعض الروايات الدالة على عدم حصول التحلل من الصيد الإحرامي، إلّا عند زوال الشمس من اليوم الثالث عشر الذي هو النفر الثاني، مثل:

صحيحة حماد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول. و من نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس.

و هو قول اللّٰه- عز و جل-: .. فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ .. لِمَنِ اتَّقىٰ .. «1»

قال: اتقى الصيد «2».

و رواية معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام من نفر في النفر الأول متى يحلّ له الصيد؟ قال: إذا زالت الشمس من اليوم الثالث «3».

و غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال.

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 203.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الحادي عشر، ح 3.

(3) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الحادي عشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 354

..........

______________________________

و إن كان بينها اختلاف من جهة تفسير الاتقاء الوارد في الآية. و أن المراد به هو اتقاء الصيد فقط، أو اتقاء الرفث و الفسوق و الجدال و ما حرّم اللّٰه عليه في إحرامه، أو اتقاء اللّٰه- عز و جل- أو اتقاء الكبائر، و من الجهات الأخر أيضا.

و كيف كان، فإن كنّا نحن و الروايات فقط، لكان اللازم الحكم بتأخر تحقق التحلل عن الصيد الإحرامي إلى زوال اليوم الثالث عشر الذي هو النفر الثاني.

و لذا ذكر بعض الأعلام

قدّس سرّه بعد الإشارة إلى الروايات المتقدمة المعارضة بعد حمل رواية معاوية الأولى على الصيد الإحرامي أنه حيث لا قائل بمضمون هذه الروايات- أي الدالة على تأخر تحلل الصيد الإحرامي- حتى أن صاحب الجواهر قدّس سرّه قال: لم نجد أحدا أفتى بذلك من أصحابنا، بل و لا من ذكر كراهته أو استحباب تركه أو غير ذلك. فلذا يكون الحكم بالحرمة و عدم التحلل منه إلى الظهر من يوم الثالث عشر مبنيا على الاحتياط.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 355

[القول في ما يجب بعد أعمال منى]

اشارة

القول في ما يجب بعد أعمال منى و هو خمسة: طواف الحج و ركعتيه، و السعي بين الصفا و المروة، و طواف النساء و ركعتيه.

[مسألة 1- كيفية الطواف و الصلاة و السعي كطواف العمرة و ركعتيه]

مسألة 1- كيفية الطواف و الصلاة و السعي كطواف العمرة و ركعتيه و السعي فيها بعينها إلّا في النية، فتجب هاهنا نية ما يأتي به (1).

______________________________

(1) الواجب بعد أعمال منى خمسة مذكورة في المتن.

الأول و الثاني: طواف الحج المعروف بطواف الزيارة و زيارة البيت و الركعتان.

و التعبير عنهما بما في المتن إمّا بتقدير كلمة أعني و إمّا بجعل الواو بمعنى مع. و كلاهما خلاف الظاهر لا داعي إليه.

و هو بعينه كطواف العمرة و الركعتين. و لا اختلاف أصلا إلّا في مجرد النية. و إلّا فالكيفية و الكمية و الماهية و الحقيقة واحدة.

و الدليل على الوحدة أمور:

منها: ارتكاز المتشرعة و رؤيتهم الطواف و الركعتين في الحج و العمرة واحدا من دون اختلاف أصلا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 356

[مسألة 2] في وقت طواف الحج

مسألة 2- يجوز بل يستحب بعد الفراغ عن أعمال منى، الرجوع يوم العيد إلى مكة للأعمال المذكورة، و يجوز التأخير إلى يوم الحادي عشر. و لا يبعد جوازه إلى آخر الشهر، فيجوز الإتيان بها حتى آخر يوم منه (1).

______________________________

و منها: الروايات الواردة في الفرق بين حج التمتع، بلحاظ كون العمرة جزءا منه، و بين حجي القران و الإفراد، بلحاظ كون العمرة خارجة منه. من جهة أن فيه ثلاثة أطواف و فيهما طوافان. فإن ظاهره أن الفرق إنما هو باعتبار العدد لا باعتبار الماهية و الحقيقة. و كذا الروايات الواردة في بيان الشروط و الخصوصيات من دون التعرض لشي ء من أنواع الأقسام الثلاثة للحج.

و منها: الرواية الخاصة، و هي صحيحة معاوية بن عمار المعروفة المفصلة الدالة على أنه: ثم طف بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكة- إلى أن قال:- ثم

اخرج إلى الصفا فاصعد عليه، و اصنع كما صنعت يوم دخلت مكة .. «1».

(1) في المسألة أقوال مختلفة بالإضافة إلى حج التمتع الذي نحن فيه.

الأول: ما حكي عن المشهور من عدم جواز التأخير عن اليوم الحادي عشر.

الثاني: ما ذهب إليه جماعة من جواز التأخير إلى آخر أيام التشريق. و قد جعله صاحب الحدائق غاية ما يستفاد من الروايات، و نسب إلى المحقق- عليه الرحمة- لكنه ذكر في الشرائع: إذا قضى مناسكه يوم النحر، فالأفضل المضي إلى مكة للطواف

______________________________

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الرابع، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 357

..........

______________________________

و السعي ليومه، فإن أخره فمن غده. و يتأكد ذلك في حق المتمتع، فإن أخّر أثم و يجزيه طوافه و سعيه. و من المعلوم عدم مساعدة هذه العبارة للنسبة.

الثالث: ما عن جماعة منهم ابن إدريس و العلامة في المختلف و السيد صاحب المدارك و بعض الأعلام من جواز التأخير إلى طول ذي الحجة. لأن الحج أشهر معلومات، و آخر الأشهر ذو الحجة. فيجوز الإتيان بها حتى آخر يوم منه، و قد نفى عنه البعد في المتن.

و الروايات أيضا مختلفة، فمن بعضها يستفاد تعين يوم النحر، كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر «1».

بناء على دلالتها على التعين، لا إفادة أصل المشروعية- كما لا يخفى.

و يستفاد من بعضها جواز التأخير إلى ليلة الحادي عشر.

كما في صحيحة منصور بن حازم: لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت «2». بناء على جواز تأخير المبيت إلى النصف الثاني من الليل- كما سيأتي.

و صحيحة عمران الحلبي عن أبي عبد

اللّٰه عليه السّلام قال: ينبغي أن يزور البيت يوم النحر أو من ليلته، و لا يؤخر ذلك اليوم. «3»

و يستفاد من البعض جواز التأخير أزيد من ذلك.

كرواية الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل أخّر الزيارة إلى يوم

______________________________

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 6.

(3) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 358

..........

______________________________

النفر، قال: لا بأس و لا يحلّ له النساء حتى يزور البيت و يطوف طواف النساء «1».

و لكن في دلالته على الجواز في حج التمتع إشكال. و إطلاق النفر يشمل النفر الثاني الذي هو اليوم الثالث عشر.

و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس أن تؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر. إنما يستحب تعجيل ذلك مخافة الأحداث و المعاريض «2».

و صحيحة عبيد اللّٰه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، قال: لا بأس، أنا ربما أخرته حتى تذهب أيام التشريق، و لكن لا تقرب النساء و الطيب «3».

و مثلها صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس إن أخّرت زيارة البيت إلى أن يذهب أيام التشريق، إلّا أنك لا تقرب النساء و لا الطيب «4».

و اشتمالهما على النهي عن الطيب قبل طواف الزيارة دليل على أن المراد خصوص حج التمتع، لأنه في غيره يحل الطيب بمجرد تمامية أعمال منى و مناسكه.

نعم لا وجه لتخصيص الحكم بصورة النسيان بعد تعليله عليه السّلام بأنه ربما يؤخره

كذلك، و لا مجال لفرض النسيان في الإمام عليه السّلام كما أن ذهاب أيام التشريق يغاير كمالها و تمامها، و يصدق بمضي يوم أو أيام إلى آخر شهر ذي الحجة.

نعم هنا رواية أو روايتان لمعاوية بن عمار، أوردهما صاحب الوسائل في باب

______________________________

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 11.

(2) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 9.

(3) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 2.

(4) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 359

..........

______________________________

واحد بعنوان روايتين. و من المستبعد جدا التعدد، بعد كون الراوي واحدا، و المروي عنه و هو الامام المعصوم عليه السّلام أيضا كذلك، و مورد السؤال أيضا واحدا.

أحدهما: ما رواه الكليني عن علي عن أبيه، و عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير و صفوان عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في زيارة البيت يوم النحر، قال: زره فإن شغلت فلا يضرك أن تزور البيت من الغد، و لا تؤخر أن تزور من يومك، فإنه يكره للمتمتع أن يؤخر، و موسع للمفرد أن يؤخره .. «1».

و ثانيهما: ما رواه الشيخ في الكتابين بإسناده عن موسى بن القاسم عن حماد بن عيسى و فضالة عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر أو من الغد و لا يؤخر، و المفرد و القارن ليس بسواء موسع عليهما «2».

و الرواية بالكيفية الثانية ظاهرة سؤالا و جوابا.

و أما بالكيفية الاولى فيحتمل أن يكون قوله «زره» بالذال المعجمة، كما رواه في الجواهر كذلك، و

إن كان يبعده عدم مناسبة هذا التعبير مع كون المفعول هو البيت لا محالة، كما ان قوله عليه السّلام زره لا يناسب الجواب إلّا بعد كونه أمرا في مقام توهم الخطر، و هو أيضا بعيد، بعد كون الأفضل أو المتعين الإتيان بها يوم العيد. كما أن قوله «من يومك» لا يعرف المراد به هل المراد من اليوم يوم النحر، أو اليوم الحادي عشر الذي

______________________________

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 360

..........

______________________________

لا تعين فيه من جهة اليومية؟

نعم لا يكون المراد من الكراهة هي الكراهة المصطلحة في مقابل الحرمة، بل الأغم منها و من الحرمة.

و كيف كان فالرواية بهذه الكيفية مشكلة جدا.

و التحقيق في مقام الجمع بين الروايات من جهة تصريح بعضها بجواز التأخير عن اليوم الحادي عشر، من دون أن يكون هناك إثم، فضلا عن عدم الإجزاء، و من جهة تصريح بعضها بحكم استحباب التعجيل، و أنها عبارة عن مخافة الأحداث و المعاريض، و من جهة دلالة بعضها على أن الإمام عليه السّلام ربما يؤخره عامدا اختيارا، هو ما نفى عنه البعد في المتن من الجواز طول ذي الحجة حتى آخر يوم منه، لقوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ .. «1» و آخرها آخر ذي الحجة، و إن كان الأفضل التعجيل- كما لا يخفى.

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 197.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 361

[مسألة 3] في عدم جواز تقديم المناسك الخمسة على منى

مسألة 3- لا يجوز تقديم المناسك الخمسة المتقدمة على الوقوف بعرفات و المشعر و مناسك منى اختيارا، و يجوز التقديم لطوائف:

الاولى: النساء إذا خفن عروض الحيض أو

النفاس عليهن بعد الرجوع، و لم تتمكن من البقاء إلى الطهر.

الثانية: الرجال و النساء إذا عجزوا عن الطواف بعد الرجوع لكثرة الزحام أو عجزوا عن الرجوع إلى مكة.

الثالثة: المرضي إذا عجزوا عن الطواف بعد الرجوع للازدحام أو خافوا منه.

الرابع: من يعلم أنه لا يتمكن من الأعمال إلى آخر ذي الحجة (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأول: في أنه هل يجوز للمتمتع تقديم المناسك الخمسة أو بعضها على الوقوفين أو الوقوف بعرفات فقط أو الوقوف بالمشعر كذلك أو مناسك منى، كما يجوز للقارن و المفرد، أم لا يجوز للمتمتع التقديم اختيارا؟

المشهور بين الفقهاء هو الثاني. و ذكر في الجواهر: أن الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض أو متواتر عن الفاضلين نسبته إلى إجماع العلماء كافة، لكن السيد صاحب المدارك استقرب الجواز مطلقا، و توقف فيه صاحب الحدائق.

و الروايات في هذا المجال مختلفة، فمن طائفة منها يستفاد الجواز، بل عدم ثبوت الأفضلية للتأخير أيضا، مثل:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 362

..........

______________________________

الرواية الصحيحة التي رواها محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي الحسن عليه السّلام في تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى، فقال: هما سواء، أخّر ذلك أو قدمه، يعني المتمتع «1».

و لو لم يكن مراده خصوص المتمتع باعتبار نفس السؤال، فإن القارن و المفرد لا إشكال في جواز تقديمهما، لكان مقتضى إطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب، هو الشمول لحج التمتع، خصوصا بعد أفضليته من سائر أنواع الحج.

و صحيحة ابن بكير و جميل جميعا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إنهما سألاه عن المتمتع يقدم طوافه و سعيه

في الحج، فقال: هما سيان قدمت أو أخرت «2».

و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يتمتع ثم يحلّ (يهلّ ظ) بالحج فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة قبل خروجه إلى منى، قال لا بأس «3».

و قد روى عبد الرحمن مثله عن علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السّلام إلّا أنه قال عليه السّلام لا بأس به «4».

و ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه أنه من المستبعد جدا ان عبد الرحمن يروي لصفوان تارة بلا واسطة عن موسى بن جعفر عليه السّلام و اخرى مع واسطة علي بن يقطين، فذكر علي بن يقطين في إحدى الروايتين زائد، أو ناقص في الخبر الآخر.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع و الستون، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثالث عشر، ح 1.

(3) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثالث عشر، ح 2.

(4) الوسائل: أبواب أقسام الحج الباب الثالث عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 363

..........

______________________________

و يرفع الاستبعاد، ان المطلب المنقول عن إحدى الشخصيات سيما مثل الإمام عليه السّلام خصوصا إذا كان المطلب مخالفا للفتاوى- كما في المقام- يكون الإنسان طالبا للسؤال عنه، لترتفع الشبهة و يزول الإبهام بالمرة، و عليه فذكر علي بن يقطين لا يكون زائدا و لا ناقصا في الخبر الآخر، بل التعدد باق بحاله من دون أن يكون موجب للوحدة.

لكن بإزاء هذه الروايات، روايات اخرى، ظاهرة في عدم كون الجواز بنحو الإطلاق، بل له قيد. فلا يكون المتمتع مختارا في جواز التقديم على الوقوف بعرفات.

منها: صحيحة حماد و الحلبي جميعا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس بتعجيل

الطواف للشيخ الكبير و المرأة تخاف الحيض، قبل أن تخرج إلى منى «1».

و ذكر «قبل الخروج إلى منى» إما باعتبار ثبوت المناسك المتعددة لها و استمرار أيامها و لياليها نسبة، فيخرج الوقوفان بهذا اللحاظ مع كونهما مقصودين. و إما باعتبار ثبوت الاستحباب لبيتوتة فيها ليلة عرفة قبل الوقوف بعرفات.

و عليه فالمراد قبل الخروج من مكة إلى منى، ليلة عرفة. و نحن و إن لم نقل بثبوت المفهوم حتى القضية الشرطية الواقعة في رأس المفاهيم، إلّا إنا نقول بمدخلية القيد الراجعة إلى عدم ثبوت الحكم للمطلق، خصوصا إذا كان القيد في كلام الإمام عليه السّلام العارف بالعربية و الأدبية جدا.

فإذا قال «في الغنم السائمة زكاة» يستفاد عدم ثبوت الزكاة لمطلق الغنم. و إلّا كان ذكر القيد لغوا لا يترتب عليه أثر. و أمّا كون العلة المنحصرة لثبوت الزكاة هو

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثالث عشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 364

..........

______________________________

السوم، على ما هو مقتضى المفهوم، فلا نقول به في شي ء من القضايا. ففرق بين القول بمدخلية القيد و بين القول بثبوت المفهوم- كما لا يخفى.

و عليه فيستفاد من الصحيحة أن الحكم بجواز تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى، لا يكون ثابتا بنحو الإطلاق.

و منها: خبر إسماعيل بن عبد الخالق، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: لا بأس أن يعجّل الشيخ الكبير و المريض و المرأة و المعلول طواف الحج، قبل أن يخرج إلى منى «1».

و منها: موثقة إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع إذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض يعجل طواف الحج قبل أن يأتي منى، فقال:

نعم من كان هكذا يعجّل .. «2».

فإن قوله عليه السّلام يفيد أنّ جواز التعجيل منحصر بموارد مخصوصة، و لا يكون ثابتا على نحو الإطلاق، و إلّا لا يبقى لقوله عليه السّلام «من كان هكذا» مجال أصلا، مضافا إلى أن نفس السؤال قرينة على عدم الثبوت بنحو الإطلاق.

و منها: ما رواه في الوسائل في أبواب الطواف في بابين هكذا: الشيخ بإسناده عن موسى ابن القاسم عن صفوان بن يحيى الأزرق عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن امرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج، ففرغت من طواف العمرة، فخافت الطمث قبل يوم النحر، أ يصلح لها أن يعجل طوافها طواف الحج، قبل أن تأتي منى؟ قال: إذا خافت

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثالث عشر، ح 6.

(2) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثالث عشر، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 365

..........

______________________________

أن تضطر إلى ذلك، فعلت «1».

و ذكر بعض الأعلام قدّس سرّهم: أن في العبارة سقطا. و الصحيح صفوان بن يحيى عن يحيى الأزرق، لأن صفوان بن يحيى الأزرق لا وجود له في الرواة، و يحيى الأزرق و إن كان مرددا بين الثقة و الضعيف، لكنه ينصرف إلى الثقة لاشتهاره.

أقول: إذا كانت لفظة «ابن» غلطا و محرفا عن «عن» كما في بعض نسخ التهذيب، يرتفع الاشكال، خصوصا بعد عدم وجود مثل ذلك في الرواة، و عدم اقتصار مثل صفوان إلى ذكر أبيه أصلا.

و مثلها: ما رواه الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد اللّٰه عن أحمد بن محمد (محمد بن عيسى خ ل) عن الحسن بن علي عن أبيه، قال: سمعت أبا الحسن الأول عليه السّلام يقول: لا بأس بتعجيل طواف الحج

و طواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى، و كذلك من خاف أمرا لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف و يودع البيت، ثم يمرّ كما هو من منى إذا كان خائفا «2».

و منها: رواية علي بن حمزة- البطائني الكذاب المعروف- قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل يدخل مكة و معه نساء، قد أمرهن فمتعن قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة، فخشي على بعضهن الحيض، فقال: إذا فرغن من متعتهن و أحللن، فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض، فيأمرها فتغتسل و تهلّ بالحج من مكانها، ثم تطوف بالبيت و بالصفا و المروة، فإن حدث بها شي ء قضت بقية المناسك و هي

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع و الستون، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع و الستون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 366

..........

______________________________

طامث .. «1».

و التحقيق في مقام الجمع بين الروايات أن يقال: إمّا أن تكون الروايات من باب حمل المطلق على المقيد بأن يكون ما يدل على الجواز مطلقا، و ما يدل على عدمه مقيدا بصورة عدم الاضطرار، فيحمل الاولى على الثانية، كما ربما يظهر من الشيخ و من صاحب الجواهر قدّس سرّهما.

و عليه فالمقام يكون خارجا عن موضوع أدلة المتعارضين، كالمقبولة و نحوها- لأن موضوعها الخبران المختلفان أو المتعارضان- و الجمع بين المطلق و المقيد بحمل الأول على الثاني على ما هو المفروض فعلا، جمع دلالي خارج عن موضوع التعارض في مقام التقنين العقلائي، و إن كان داخلا فيه منطقا، لأن نقيض الموجبة الكلية هي السالبة الجزئية، و نقيض السالبة الكلية هي الموجبة الجزئية، و المطلق و المقيد

بهذا اللحاظ من المتعارضين- كما أن العام و الخاص أيضا كذلك- و التحقيق موكول إلى محله في المباحث الأصولية.

و إمّا أن يقال بثبوت التعارض و لزوم الرجوع إلى المرجحات و إعمال قواعد باب التعارض.

و الوجه فيه عدم التعبير في أخبار الجواز بالجواز و أشباهه، بل التعبير بقوله عليه السّلام:

«هما سيان قدمت أو أخرت» الظاهر في التسوية حتى في مقام الفضيلة. و التعبير في أخبار الضرورة بقوله: «لا بأس» مع دلالتها على عدم كون نفي البأس ثابتا بنحو الإطلاق. بل مع وجود القيد- كما عرفت تقريبه- غاية الأمر عدم ثبوت دلالة لها

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع و الستون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 367

..........

______________________________

على المفهوم، كما أشار إليه صاحب المدارك الذي حكي عنه فقط القول بالجواز مطلقا.

و عليه فالطائفتان متعارضتان، و الترجيح مع أخبار الضرورة، لأن أول المرجحات على ما استفدنا من المقبولة، هي الشهرة الفتوائية، و من المعلوم أن التفصيل موافق للشهرة إن لم نقل بالإجماع، و إن رفعنا اليد عن هذا المرجح تصل النوبة إلى موافقة الكتاب الذي هو أعم من السنة، لا مقابلا لها.

و من الواضح أيضا أن السنة القولية و العملية قامت على التأخير، سيما صحيحة سعيد الأعرج التي أشرنا إليها سابقا، حيث قال الصادق عليه السّلام فيها: «فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن و يقصرن من أظفارهن و يمضين إلى مكة في وجوههن فيطفن بالبيت ..»

فالظاهر حينئذ هو ما اختاره في المتن من عدم الجواز اختيارا.

المقام الثاني: أنه بعد ما ثبت عدم جواز التقديم للمتمتع في حال الاختيار و عدم الاضطرار، يقع الكلام في الطوائف الذين يجوز لهم التقديم،

فنقول:

قد ذكر الماتن قدّس سرّه أربع طوائف في هذا المقام، و الروايات المتقدمة لا دلالة لها على بعضها بالخصوص، لكن المستفاد منها- و لو بمعونة تناسب الحكم و الموضوع- أن الجامع لهذه الطوائف يجوز له التقديم:

و هو من لم يتمكن تكوينا أو تشريعا من الطواف الصحيح بعد العود و الرجوع عن منى إلى مكة، إما لكون الطائف امرأة تخاف الحيض و الطهارة شرط للطواف، و إما لوجود الهرم و الشيخوخة التي لا تجتمع عرفا مع إمكان الطواف لوجود

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 368

..........

______________________________

الزحام، و إما لوجود المرض كذلك، و إما لأنه لا يتمكن من الرجوع إلى مكة أصلا، لأن الجمال لا يقيم، أو لثبوت العدو له في مكة، و إمّا لجهة أخرى.

و قد ذكرنا عدم ثبوت المفهوم حتى للقضية الشرطية- فضلا عن المقام- و أن ذكر القيد دليل على عدم ثبوت الحكم للمطلق. و من الممكن قيام قيد مقام آخر. فإذا قال: إن جاءك زيد فأكرمه، فهو دليل على أن وجوب الإكرام لم يترتب على صرف وجود زيد، بل يفتقر إلى قيد، و لو كان ذلك القيد هو تسليمه الثابت بدليل آخر.

كما لا يخفى.

نعم في خصوص الطائفة الرابعة كلام، يأتي في ذيل المسألة الرابعة.

بقي الكلام في أمرين:

أحدهما: أن المشهور عطفوا السعي على الطواف، و حكموا بجواز تقديمه في موارد جواز تقديم الطواف. مع أن السعي يغاير الطواف من جهة عدم ثبوت الزحام فيه نوعا، و إن كان الزحام موجودا في هذه الأزمنة و من جهة عدم اشتراط الطهارة فيه، و عدم كون المسعى من أبعاض المسجد الحرام، و عدم كون السعي بنفسه من المستحبات. بخلاف الطواف الذي يستحب،

بل الإكثار و التعدد فيه أيضا كذلك.

و ذكر بعض الأعلام قدّس سرّهم ما حاصله أن ما ذكروه إنما يتم بناء على كون الجمع بين الأخبار بنحو المطلق و المقيد. لأنه حينئذ تتقيد الأخبار المجوزة مطلقا بصورة الاضطرار، و يحكم بالجواز فيها، و فيها جواز تقديم السعي أيضا. و أمّا إذا قلنا بثبوت التعارض و ترجيح الأخبار المانعة، فلا دليل على جواز تقديم السعي. لأن المذكور في الأخبار خصوص الطواف.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 369

..........

______________________________

ثانيهما: أن المستفاد من المتن جواز تقديم طواف النساء أيضا. و قد صرح به العلامة و بعض آخر، بل في كشف اللثام أنه المشهور. لعموم ما تقدم و لرواية أبي الحسن عليه السّلام المتقدمة التي وصفها صاحب الجواهر بالصحة أو انجبار ضعفها.

لكن المحكي عن الحلي عدم الجواز لاتساع وقته، باعتبار عدم كونه من أجزاء الحج أصلا، حتى يشمله قوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ .. «1» و الرخصة في الاستنابة فيه.

و خصوص رواية علي بن أبي حمزة- التي تقدم نقل بعضها، و الباقي قوله-: فقلت أ ليس قد بقي طواف النساء؟ قال: بلى، قلت: فهي مرتهنة حتى تفرغ منه؟ قال: نعم، قلت: فلم لا يتركها حتى يقضي مناسكها؟ قال: يبقى عليها منسك واحد أهون عليها من أن تبقى عليها المناسك كلها مخافة الحدثان، قلت: أبى الجمال أن يقيم عليها و الرفقة، قال: ليس لهم ذلك تستعدي عليهم حتى يقيم عليها حتى تطهر و تقضي مناسكها.

لكن- مضافا إلى الإشكال في الرواية سندا، بل و دلالة- هنا رواية صحيحة أخرى، تدل على تمامية حجها و إن لم تأت بطواف النساء.

و هي رواية أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز، قال:

كنت عند أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إذ دخل عليه رجل، فقال: أصلحك اللّٰه، إن معنا امرأة حائضا و لم تطف طواف النساء، فأبى الجمال أن يقيم عليها، قال: فأطرق و هو يقول: لا تستطيع أن تتخلف عن

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 197.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 370

[مسألة 4] في ما لو انكشف الخلاف

مسألة 4- لو انكشف الخلاف فيما عدا الأخيرة، كما لو لم يتفق الحيض و النفاس أو سلم المريض أو لم يكن الازدحام بما يخاف منه، لا تجب عليهم إعادة مناسكهم، و إن كان أحوط. و أمّا الطائفة الأخيرة فإن كان منشأ اعتقادهم المرض أو الكبر أو القلة تجزيهم الأعمال المتقدمة، و إلّا فلا تجزيهم. كمن اعتقد أن السيل يمنعه، أو أنه يحبس فانكشف خلافه (1).

______________________________

أصحابها و لا يقيم عليها جمالها، تمضي فقد تم حجها «1». و هي و إن كانت محمولة على الاستنابة، إلّا أن الظاهر في المقام جواز تقديم طواف النساء أيضا، خصوصا بعد عدم كونها جزء للحج، بل واجبا مستقلا.

و يحتمل أن يكون واجبا شرطيا- كما سيأتي البحث عنه مفصلا إن شاء اللّٰه تعالى- و بعد كونه مشروطا بالطهارة كطواف الزيارة، فالظاهر جواز تقديمه أيضا.

(1) الحكم بالإجزاء في الطوائف الثلاثة الأولى مبني على قاعدة الإجزاء المستفادة في المقام من الأدلة الدالة على الجواز. فإن مقتضى دليله أنه كما يجوز التقديم، كذلك يجزي التقديم. و المفروض أن انكشاف الخلاف لا يوجب تبدل العنوان.

فالمرأة التي كانت تخاف الحيض أو النفاس لا يكون انكشاف خلافه موجبا

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع و الثمانون، ح 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 371

..........

______________________________

لتبدل العنوان بمعنى عدم كونها خائفة

حين التقديم، بل هو يرجع إلى عدم ثبوت ما يخاف منه. فإذا خاف المكلف على نفسه الصوم- مثلا- فهو باق على حاله و لا يكون انكشاف الخلاف موجبا لعدم كونه حائضا أصلا. فالعنوان باق، و الدليل يدل على الإجزاء كما يدل على الجواز.

و أمّا الطائفة الرابعة الأخيرة فقد فصل فيها التفصيل المذكور في المتن. و الوجه فيه اجتماع أمرين:

الأول: عدم كون القطع أو ما ينزل منزلته. و هو الاطمئنان الذي يعد علما عرفا موجبا للإجزاء- كما حققوه في المباحث الأصولية- فإذا قطع بأن الواجب في يوم الجمعة خصوص صلاة الجمعة دون الظهر، فصلى كذلك مكرّرا- مثلا- ثم انكشف الخلاف، و أن الواجب هي صلاة الظهر في يوم الجمعة أيضا دون صلاة الجمعة، لا يكون انكشاف الخلاف موجبا للإجزاء المسقط لوجوب قضاء صلاة الظهر أيضا.

لأنه في صورة القطع المخالف، و إن كان القطع حجة، إلّا أن معنى الحجية لا يرجع في صورة المخالفة، إلّا إلى المعذرية الموجبة لعدم جواز عقابه على ترك الواجب، و هي صلاة الظهر. و أما كونه مسقطا للقضاء فلا.

و الثاني: عدم استفادة الجواز فيه من الروايات الواردة في المقام، و إلّا فمقتضاها الإجزاء، مضافا إلى الجواز. و يرد على الأمر الثاني أنه مع عدم استفادة الجواز من الروايات، كيف جعلها في عداد الطوائف الأخر؟

إلّا أن يقال: إن وجود العلم المذكور أولا، و انحصار أعمال الحج بأشهره التي آخرها شهر ذي الحجة، و الاستفادة من الروايات انه يجوز التقديم بالإضافة إلى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 372

..........

______________________________

بعض الأعمال في الجملة، أوجب الحكم بالجواز، و لا يترتب عليه غير ذلك من الإجزاء.

و لذا ذكرنا في التعليقة على المرض

أن الظاهر أن المراد به هو حدوث المرض بعد الرجوع، كما تقتضيه المقابلة مع الطائفة الثالثة. و حينئذ بعد عدم الحدوث، الظاهر عدم الإجزاء.

و كيف كان، فيرد على سيدنا الأستاذ الماتن قدّس سرّه أن المستفاد في جواز تقديم الطائفة الرابعة إن كانت هي الأدلة و بعض الروايات- كما يظهر من إطلاق الخوف في بعضها، و إن تردد صاحب الجواهر في سندها لتوصيفه لها بالصحيحة أو الخبر- فاللازم الحكم بالإجزاء فيها أيضا، كما في سائر الطوائف، لعدم الفرق بينهما أصلا.

و إن كان المستند هو ما ذكرنا بعد عدم دلالة الروايات عليه، فيمكن الإيراد عليه بعدم ثبوت الجواز فيها، فضلا عن الإجزاء و كون الحج أشهرا معلومات، لا يقتضي جواز التقديم، بل يمكن إجراء حكم النسيان عليه. و المسألة بعد تحتاج إلى مزيد تحقيق و تأمل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 373

[مسألة 5] في مواطن التحلل

مسألة 5- مواطن التحلل ثلاثة:

الأول: عقيب الحلق و التقصير، فيحل من كل شي ء إلّا الطيب و النساء و الصيد ظاهرا، و إن حرم لاحترام الحرم.

الثاني: بعد طواف الزيارة و ركعتيه و السعي، فيحل له الطيب.

الثالث: بعد طواف النساء و ركعتيه، فيحل له النساء (1).

______________________________

(1) مرّ البحث عن الموطن الأول في مسألة الحلق أو التقصير. و قلنا: بثبوت التحلّل بعده، خلافا للصدوقين، القائلين بثبوت التحلل بعد الرمي في منى يوم النحر، أو ما يقوم مقامه. كما أنه مر البحث عن الصيد المحرم بالإحرام أو للحرم، فلا نعيد.

و سيأتي البحث عن طواف النساء و ما يترتب عليه و على ركعتيه من النساء.

إنما الكلام هنا في الموطن الثاني، و هي حلية الطيب، و أنها هل تتوقف على طواف الزيارة و ركعتيه و السعي

الواقعة بعد أعمال منى و مناسكه- كما حكي عن المشهور في خلاف الشيخ و مختلف العلامة-؟ أو تحصل بطواف الزيارة و ركعتيه أو بنفس طواف الزيارة، و إن لم تتحقق الركعتان بعده- كما احتمله كاشف اللثام، مستندا إلى بعض الروايات-؟ وجهان:

يدل على المشهور صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا ذبح الرجل و حلق (أي: يوم النحر) فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه، إلّا النساء و الطيب. فإذا أراد البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة فقد أحلّ من كل شي ء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 374

..........

______________________________

أحرم منه، إلّا النساء. و إذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه، إلّا الصيد «1».

و صحيحة منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل رمى و حلق، أ يأكل شيئا فيه صفرة؟ قال: لا، حتى يطوف بالبيت و بين الصفا و المروة، ثم قد حلّ له كل شي ء إلّا النساء، حتى يطوف بالبيت طوافا آخر، ثم قد حلّ له النساء «2».

و بعض الروايات الأخر.

لكن في مقابلها ما رواه سعد بن عبد اللّٰه في محكي بصائر الدرجات عن القاسم بن الربيع و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و محمد بن سنان جميعا عن مياح المدائني عن المفضل بن عمر عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في كتابه إليه المشتمل على قوله عليه السّلام: ثم ترمي الجمرات و تذبح و تغتسل، ثم تزور البيت، فإذا أنت فعلت ذلك أحللت، .. «3».

لكنها لا تقاوم الروايات المتقدمة الصحيحة، خصوصا بعد ظهورها في وجوب رمي الجمرات الثلاثة يوم النحر، و عدم

التعرض للحلق أو التقصير، و دلالتها على وجوب الاغتسال- سواء كان بمعنى الغسل بالضم، أو بمعنى الغسل بالفتح- و من جهة كونها مكاتبة. و العمدة عدم دلالتها على خصوص طواف الزيارة حتى يشمل الإطلاق عدم الصلاة بعده. و الظاهر أن عدم حصول الحلية قبل الطواف، لا حصولها بعده بمجرده. فالعمدة الروايات المتقدمة، خصوصا بعد كونها موافقة لفتوى المشهور- على ما عرفت- فالأظهر حينئذ ما أفاده في المتن.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير الباب الثالث عشر، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثاني، ح 30.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 375

[مسألة 6] في عدم حلية الطيب بمجرد الطواف المتقدم

مسألة 6- من قدم طواف الزيارة و النساء لعذر كالطوائف المتقدمة- لا يحلّ له الطيب و النساء، و إنما يحل المحرمات جميعا بعد التقصير أو الحلق (1).

______________________________

(1) قد عرفت أن المتمتع لا يجوز له تقديم الطواف و ما بعده اختيارا على الوقوفين أو أحدهما أو مناسك منى و أعماله، و إنما يجوز التقديم للطوائف الأربعة المتقدمة، لدلالة الدليل عليه.

فاعلم أن ما قام عليه الدليل هو مجرد جواز التقديم للطوائف المذكورة. نعم يجوز تقديم السعي المترتب على الطواف و ركعتيه، و كذا طواف النساء و ركعتيه. و أما ترتب أثرها عليها- و لو مع التقديم- فلا.

و لذا لا يحل الطيب معها، لو قدمت جوازا. و كذا لا تحل النساء بمجرد طواف النساء و ركعتيه- و لو مع التقديم. بل الظاهر توقف الخروج عن الإحرام مطلقا.

و إطلاق التحلل على الحلق أو التقصير- كما في العمرة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 376

[مسألة 7] في عدم اختصاص طواف النساء بالرجال

مسألة 7- لا يختص طواف النساء بالرجال، بل يعم النساء و الخنثى و الخصي و الطفل المميز. فلو تركه واحد منهم لم يحل له النساء، و لا الرجال لو كان امرأة، بل لو أحرم الطفل غير المميز وليه، يجب على الأحوط أن يطوفه طواف النساء حتى يحل له النساء (1).

______________________________

(1) أقول: أمّا عدم اختصاص طواف النساء بالرجال، و لزوم هذا الطواف في حج النساء، بالإضافة إلى الرجال، فقد صرّح به علي بن بابويه القمي في الرسالة، و غير واحد من المتأخرين، لإطلاق قوله تعالى: .. فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ .. «1» و في النص الصحيح تفسير الرفث بالجماع- كما مرّ في بحثه- و إضافة الجماع

بعد كونه صيغة المفاعلة إلى الطرفين ظاهرة، مضافا إلى دلالة بعض النصوص عليه.

و الظاهر لزوم الركعتين بعده و عدم تحقق الحلية بدونهما. نعم في محكي كشف اللثام تبعا للهداية و الاقتصاد «صلّى له أم لا» لإطلاق النصوص.

و يدل على بطلان احتماله أو مذهبه صحيحة معاوية بن عمار الطويلة، المشتملة على قول الصادق عليه السّلام: ثم اخرج إلى الصفا و اصعد عليه و اصنع كما صنعت يوم دخلت مكة، ثم ائت المروة فاصعد عليها، و طف بينهما سبعة أشواط، تبدأ بالصفا و تختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء أحرمت منه إلّا النساء، ثم

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 197.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 377

..........

______________________________

ارجع إلى البيت و طف به أسبوعا آخر، ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام، ثم قد أحللت من كل شي ء و خرجت من حجك كلّه، و كل شي ء أحرمت منه «1».

فإن ظهورها في توقف حصول التحلل مطلقا على طواف النساء، لا مجرد المدخلية في حصول الفراغ و تحقق مطلق الخروج واضح، لا خفاء فيه. و يدل على أصل المطلب، و هو عدم الاختصاص بالرجال، روايات كثيرة:

منها: رواية علاء بن صبيح و عبد الرحمن بن الحجاج و علي بن رئاب و عبد اللّٰه بن صالح عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت و سعت بين الصفا و المروة، و إن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت و احتشت، ثم سعت بين الصفا و المروة، ثم خرجت للحج إلى منى، فإذا قضت المناسك و زارت البيت طافت

بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طواف الحج، ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي ء يحلّ منه المحرم إلّا فراش زوجها، فإذا طافت طوافا آخر، حل لها فراش زوجها «2».

و قد تكلمنا سابقا في هذا الفرع المذكور في الرواية، إلّا أن دلالتها على ما نحن بصدده واضحة ظاهرة. ثم إنه يدل على لزوم إتيان الخناثى و الخصيان بطواف النساء. مضافا إلى عدم كون الخنثى طبيعة ثالثة، بل الظاهر عدم الخروج من الطبيعتين- الواجب على كلتيهما طواف النساء، كما عرفت- و إلى عدم اشتراط وجود القوى الشهوية في الوجوب.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الرابع، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع و الثمانون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 378

..........

______________________________

صحيحة حسين بن علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الخصيان و المرأة الكبيرة، أ عليهم طواف النساء؟ قال: نعم، عليهم الطواف كلهم «1».

و غير ذلك من الروايات التي يستفاد منها هذا الأمر.

و أمّا الثبوت على الطفل المميز الذي أحرم بنفسه بإذن الولي، فإنه و إن كانت التكاليف الالتزامية مرفوعة عنه حتى يبلغ، كما هو المسلّم بينهم، و مقتضى قوله عليه السّلام «رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم» أي: يخرج منه المني و لو في حال اليقظة، إلّا أن الظاهر لا بدية الإتيان بطواف النساء، لا لأجل لزومه.

فإن أصل الحج و كذا إتمامه و كذا الإتيان به ليس شي ء منها واجبا في حقه أصلا، لفرض كونه غير بالغ مرفوعا عنه قلم التكليف الإلزامي، بل لأجل كون عباداته شرعية- كما حققناه في محله و في قواعدنا الفقهية- و الحج المشروع لا يكون خاليا عن طواف

النساء و لا تكون لابدية الإتيان به على المكلف البالغ لأجل لزوم إتمام الحج، و إن كان أصل الشروع مستحبا.

و الوجه فيما ذكرنا: أن طواف النساء- كما سيأتي- لا يكون جزءا للحج أو شرطا له متأخرا عنه، بل نظر الشارع إلى الإتيان به في ظرف مخصوص، و هو بعد الحج في المقام.

فكما أن الصبي المميز لا يجوز الاقتصار في الصلاة على ركعة واحدة أو بعض أجزائها أو كلّها بدون الطهارة، و لا يجوز لشي ء من المكلفين الإتيان بصلاة الليل بعنوانها في ست ركعات، و إن كانت مستحبة، كذلك الشرعية لا تقتضي الاقتصار في

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الثاني، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 379

..........

______________________________

المقام على الإتيان بالحج بدون طواف النساء، و إن كان أمرا مستقلا خارجا عن الحج جزءا و شرطا. و ليس فيه إلّا الحكم التكليفي بالوجوب.

إن قلت: بعد رفع الحكم الإلزامي، و هو الوجوب في المقام عن الصبي و إن كان مميزا، كيف يحكم عليه باللابدّية؟

قلت: الحكم الإلزامي و إن كان مرفوعا عنه، إلّا أنه ليس فيه حكم إلزامي فقط، بل يترتب عليه حلية النساء. و السببية حكم وضعي لا يختص بالمكلفين، بل يجري في مثل هذا الصبي- كإتلاف مال الغير الذي يكون سببا لضمانه، و إن كان عن الصبي مرفوع الحرمة- حتى أن الشهيد حكم بمنعه من الاستمتاع قبل البلوغ. هذا في الطفل المميز.

و أمّا الطفل غير المميز الذي أحرمه الولي، فالذي قطع به الشهيد هي الحرمة، بدون طواف النساء. و احتمله في كشف اللثام. و يمكن أن يكون الوجه فيه هي الاستفادة من أدلة مشروعية إحرام الولي به، و استحبابه عليه هو أن

يفعل به جميع أفعال الحج و ما يعمله الحاج من الأعمال و المناسك و طواف النساء، مضافا إلى ما أشرنا إليه من دلالة النصوص على توقف حلية النساء المحرّمة بالإحرام، بمعنى لزوم تركها على طواف النساء.

فالحكم فيه- كما في المتن- من اقتضاء الاحتياط الوجوبي له. و إن كان يغاير الطفل المميز في عدم الوضوح- كما ذكرنا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 380

[مسألة 8] في وجوب طواف النساء

مسألة 8- طواف النساء و ركعتيه واجبان، و ليسا ركنا. فلو تركهما عمدا، لم يبطل الحج به، و إن لا تحل له النساء. بل الأحوط عدم حلّ العقد و الخطبة و الشهادة على العقد له (1).

______________________________

(1) قد مرّت الإشارة إلى أن طواف النساء و كذا الصلاة بعده و إن كانا واجبين إلّا أنهما ليسا بركنين. فلا يوجب الإخلال به- و لو عمدا- لبطلان الحج. غاية الأمر عدم تحقق الحلية- أي: حلية النساء- بدونه.

و الوجه في عدم كونه جزءا للحج أو شرطا متأخرا عنه، ما ورد في الروايات الكثيرة من جعله بعد الحج و خارجا عنه، فإن عنوان البعدية لا يتحقق مع الجزئية.

مثل:

صحيحة معاوية بن عمار: «و عليه طواف بالبيت»- إلى أن قال:- «و طواف بعد الحج و هو طواف النساء» «1». و غير ذلك من الروايات المتعددة.

و يدل على الصحة- و لو مع الترك- صحيح الخزاز المتقدم الوارد في الحائض التي لم تطف طواف النساء و لا ينتظرها جمالها، فقال: تمضي فقد تم حجها.

ثم إن المترتب على طواف النساء، هل هو حلية جماعهن فقط، و إلّا فسائر الأمور المرتبطة بهن يقع إحلالها قبله، أم تترتب حلية المجموع عليه، فلا يحل شي ء من استمتاعهن قبله؟ وجهان:

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أقسام

الحج، الباب الثاني، ح 6- 12- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 381

..........

______________________________

ربما يستفاد الوجه الأول من بعض الروايات، مثل:

صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، فقال: ربما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق و لكن لا تقربوا النساء و الطيب «1».

فإن المنهي عنه قبل طوافي الزيارة و النساء، هو المقاربة بمعنى الجماع، كما في قوله تعالى: .. وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ .. «2» و عليه فسائر الأمور المرتبطة بهن غير المقاربة و الجماع تزول حرمتها بما تزول به حرمة سائر محرمات الإحرام. أعني بعد الحلق أو التقصير الذي هو آخر مناسك منى و أعماله.

و لكن ورد في صحيحة معاوية بن عمار التي رواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عنه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: سألته عن رجل قبّل امرأته و قد طاف طواف النساء و لم تطف هي، قال: عليه دم يهريقه من عنده «3».

فإن ثبوت الكفارة و وجوبها و إن كان تدل بالملازمة العرفية على الحرمة غير المصرح بها في الرواية، كما استكشفنا حرمة جملة من محرمات الإحرام من طريق وجود الكفارة فيها- على ما مر في بحث تروك الإحرام- إلّا أنه حكي عن صاحب الجواهر قدّس سرّه أنه ذكر في ذيل الرواية التي يكون سندها صحيحا معتبرا أنه لم يحضرني أحد عمل به على جهة الوجوب، فلا بأس بحمله على ضرب من الندب، لأن الفرض كونه قد أحلّ فلا شي ء عليه إلّا الإثم لو كان.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 2.

(2) سورة البقرة (2):

222.

(3) الوسائل: أبواب كفارات الاستمتاع، الباب الثامن عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 382

..........

______________________________

و في مختلف العلامة: قال المفيد و سلّار من قبّل امرأته و قد طاف طواف النساء و هي لم تطف و هو يكره لها، فعليه دم. فإن كانت مطاوعة، فالدم عليها دونه. و لم يذكر الشيخ قدّس سرّه ذلك، و لم نقف في ذلك على حديث مروي.

أقول: لا مجال لحمل الرواية على صورة الإكراه، بعد عدم إشعار فيها بخصوص هذه الصورة، و الحكم بثبوت الكفارة عليه لا عليها، لا دلالة له على ذلك أصلا.

كما أن ما أفاده بعض الأعلام قدّس سرّه من أن دلالة الرواية بالإطلاق. لأنه لم يرد فيها أنها طافت طواف الحج أو قصّرت، بل ورد فيها أنها لم تطف طواف النساء. و ذلك مطلق من حيث إنها قصرت أم لا؟ أو طاف طواف الحج أم لا؟

يدفعه أن المستفاد من الرواية عرفا، أنها بعد ما قضت المناسك كلها و فعلت الأعمال كذلك. غاية الأمر أنها لم تطف طواف النساء. و ذلك مطلق من حيث إنها قصرت أم لا؟ أو طاف طواف الحج أم لا؟

يدفعه أن المستفاد من الرواية عرفا، أنها بعد ما قضت المناسك كلها و فعلت الأعمال كذلك. غاية الأمر أنها لم تطف طواف النساء، قبّلها زوجها، و لا مجال لإطلاق الرواية من هذه الجهة.

و الذي دعاه إلى ذلك مبناه الكلي، و هو عدم قدح إعراض المشهور عن الرواية في حجيتها و صحتها. و عليه فلا بد له من دعوى الإطلاق في الرواية.

و أمّا بناء على مبنانا من القادحية، فالأمر سهل، و الرواية مطروحة. غاية الأمر أنه لم يثبت كون المقاربة في

صحيحة الحلبي بمعنى الجماع، خصوصا بعد كونها في مقام بيان أمر آخر، و بعد عطف الطيب على النساء. فالأحوط حينئذ ما أفاده في المتن، فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 383

[مسألة 9] في ترتيب المناسك الخمسة

مسألة 9- لا يجوز تقديم السعي على طواف الزيارة و لا على صلاته اختيارا، و لا تقديم طواف النساء عليهما و لا على السعي اختيارا، فلو خالف الترتيب أعاد بما يوجبه (1).

______________________________

(1) أقول: قد تقدم حكم تقديم السعي على الطواف- أي: طواف الزيارة- أو صلاته اختيارا في المسائل المتقدمة، و لا فائدة في الإعادة- خصوصا بعد عدم التناسب مع البحث.

و المهم هنا البحث في طواف النساء، و أنه هل يجوز تقديمه على طواف الحج و سعيه أو على السعي فقط، أم لا بد من التأخير عنهما؟

و لا بد بقرينة المسألة العاشرة الآتية إن شاء اللّٰه تعالى من فرض البحث في العالم العامد المختار، فنقول:

الظاهر هو لزوم التأخير و عدم جواز التقديم، لأنه- مضافا إلى دلالة الروايات البعدية، أي: الروايات الدالة على أن طواف النساء بعد الحج. فإن عنوان البعدية، كما أنه يدل على أن طواف النساء لا يكون مرتبطا بالحج، بمعنى كونه جزءا أو شرطا له، كذلك يدل على أن وقت الإتيان به هو بعد الحج، و الفراغ من أعماله و مناسكه التي منها السعي بين الصفا و المروة، فيدل على تأخر طواف النساء عن السعي،- يدل عليه خصوص صحيحة معاوية بن عمار الطويلة المتقدمة، المشتملة على أن طواف النساء إنما يؤتى به بعد الفراغ عن الأعمال و بعد تمامية السعي. «1»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الرابع، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص:

384

[مسألة 10] في جواز تقديم طواف النساء على السعي

مسألة 10- يجوز تقديم طواف النساء على السعي عند الضرورة- كالخوف عن الحيض و عدم التمكن من البقاء إلى الطهر- لكن الأحوط الاستنابة لإتيانه، و لو قدمه عليه سهوا أو جهلا بالحكم، صحّ سعيه و طوافه، و إن كان الأحوط إعادة الطواف (1).

______________________________

و عليه فلو خالف الترتيب في فرض العلم و العمد و الاختيار، يجب عليه الإعادة بما يوجب الترتيب.

نعم الظاهر عدم كونه موقتا بذي حجة الحرام الذي هو آخر أشهر الحج، و الحج أشهر معلومات، لأن المفروض خروجه عن الحج جزءا و شرطا.

و حكي عن المحقق النائيني قدّس سرّه التفصيل بين الحكم الوضعي و التكليفي، و أنه يتحقق الإثم و العصيان بالتأخير، و إن كان يترتب عليه حلية النساء معه. و يرد عليه أنه لا دليل على التفصيل المذكور بل الظاهر عدم تحقق الإثم بالتأخير أيضا، لعدم الدليل عليه.

(1) أقول: أمّا جواز تقديم طواف النساء على السعي عند الضرورة- كالخوف المذكور، مع القيد المذكور- فقد تقدم الكلام فيه. و لكنه احتاط وجوبا بالاستنابة لإتيانه.

و الظاهر- كما ذكرناه في التعليقة- أن المراد به هو الجمع بين التقديم و بين الاستنابة التي ستجي ء في مورد عدم الإتيان بطواف النساء نسيانا أو غيره.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 385

..........

______________________________

و أمّا مع التقديم على السعي نسيانا و سهوا أو جهلا بالحكم، فقد نسب إلى جماعة، منهم المحقق النائيني قدّس سرّه الإجزاء، و اختاره الماتن قدّس سرّه بل قيل إنه لا خلاف فيه.

و الدليل عليه- مع كونه مخالفا لقاعدة الإجزاء المفروضة فيما إذا أتى بالمأمور به على وجهه، و الفرض أنه لم يأت بطواف النساء بعد الحج الذي يكون السعي جزءا منه.

لو لم يكن هناك إجماع تعبدي، كما هو الظاهر- أمران:

أحدهما: صحيحتا جميل و محمد بن حمران، الواردتان في من قدم ما حقه التأخير و أخّر ما حقه التقديم، في أعمال منى و مناسكه في حجة الوداع، الذي قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم فيه مرّة أو مرتين: «لا حرج» فإنه قد جعل بعض العلماء ذلك أصلا و قاعدة متبعة، و ضابطة عامة في باب أجزاء الحج، من دون اختصاص بمناسك منى.

و الجواب عنه: أولا: الإشكال في صحة الجعل المذكور. فإن المستفاد من الروايتين كونه ضابطة كلية في أعمال منى و مناسكه، لا في جميع أجزاء الحج و أعماله، أعم من أعمال منى لعدم ثبوت الدليل على الأصل المذكور في أبواب الحج و أجزائه كلية.

و ثانيا: أنه لو سلم صحة الجعل المذكور و الأصل الكلي في جميع أجزاء الحج، لكن المفروض عدم كون طواف النساء من أجزاء الحج و شرائطه. فالضابطة الكلية على تقدير صحتها لا تشمل طواف النساء بوجه.

ثانيهما: موثقة سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام قال: سألته عن رجل طاف طواف الحج و طواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا و المروة، قال: لا يضره،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 386

..........

______________________________

يطوف بين الصفا و المروة، و قد فرغ من حجه «1».

و قد حملها الشيخ قدّس سرّه على الناسي، و يلحق به الجاهل بالحكم، لأنه مع العمد و العلم لم يجز قطعا- كما عرفت.

و أورد على الاستدلال به بعض الأعلام قدّس سرّه بما حاصله أن الرواية مطلقة و لم يذكر فيها النسيان، فظاهرها جواز التقديم مطلقا، و هذا مقطوع البطلان، مع أنها غير

ناظرة إلى صحة طواف النساء و عدمها، من حيث وقوعها قبل السعي و بعده، و إنما يكون نظرها إلى صحة طواف الحج، باعتبار الفصل بينه و بين السعي بطواف النساء.

فكان السائل احتمل في صحة طواف الحج، عدم الفصل بينه و بين السعي بطواف النساء، فأجاب عليه السّلام بأنه لا يضر الفصل المذكور، بل يأتي بالسعي بعده.

و يؤيده أن الوقوع بعد السعي إنما يكون معتبرا في طواف النساء لا في طواف الحج. فإنه يكون مقدّما عليه لا محالة. و لا مجال للسؤال بالإضافة إليه.

أقول: حمل الرواية المطلقة على خصوص الناسي كما فعله الشيخ قدّس سرّه و إن كان لا دليل عليه مع عدم إشعار فيها بالحمل المذكور، فضلا عن الدلالة. إلّا أن جعل مورد السؤال فيها ما أفاده ممنوع. فترى في بعض الروايات الأخر، و إن كانت فاقدة للحجية و الاعتبار السؤال المذكور، مع كون المراد هو تقديم طواف النساء على السعي. و قد حكم الإمام عليه السّلام فيها بعدم الجواز.

ففي مرسلة أحمد بن محمد عمن ذكره، قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام جعلت فداك، متمتع زار البيت فطاف طواف الحج، ثم طاف طواف النساء ثم سعى، قال: لا يكون

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الخامس و الستون، ح 1.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 5، ص: 387

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 387

[مسألة 11] في نسيان طواف النساء

مسألة 11- لو ترك طواف النساء سهوا و رجع إلى بلده، فإن تمكن من الرجوع بلا مشقة يجب، و إلّا استناب

فيحلّ له النساء بعد الإتيان (1).

______________________________

السعي إلّا من قبل طواف النساء، فقلت: أ فعليه شي ء؟ فقال: لا يكون السعي إلّا قبل طواف النساء «1».

و يحتمل قويا اتحاد الروايتين، كما أن من ذلك يظهر الوجه في أن الأحوط إعادة طواف النساء على ما أفاده الماتن قدّس سرّه إلّا أن يستند في ذلك إلى حديث الرفع، بالإضافة إلى فقرتين «ما لا يعلمون، الخطأ و النسيان» فتدبر.

(1) قد عرفت فيما مرّ أن طواف النساء و إن لا يكون من الحج لا جزءا و لا شرطا، إلّا أنه مأمور به بالأمر الوجوبي المستقل و شرط لحلية النساء.

فاعلم أنه لو تركه إمّا عمدا و إمّا سهوا، و ذكر السهو في المتن ليس لأجل اختصاص الحكم به، و لذا ذكرنا في التعليقة، و كذا عمدا بل لأجل وقوع الترك نوعا كذلك، و إلّا فالحاج الذي قد امتثل أمر المولى لا يكون بصدد ترك طواف النساء عمدا، و إن لا يكون من الحج. فالترك الحاصل يكون نوعا مستندا إلى السهو.

و الوجه في الحكم المذكور في المتن أنه مع إمكان الرجوع إلى مكة و تدارك طواف النساء بالمباشرة من دون أن يكون هناك حرج و مشقة، موجب لرفع الحكم، بل

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الخامس و الستون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 388

..........

______________________________

عدم جعله كما يستفاد من آية نفي الحرج، لا بد من الرجوع و التدارك بالمباشرة. و مع عدم التمكن منه كذلك لا بد من الاستنابة.

فإنه تجري النيابة في طواف النساء، لأنه- مضافا إلى عدم كونه أهم من طواف الزيارة الذي تجري فيه النيابة، كما عرفت و سيأتي أيضا إن شاء اللّٰه تعالى، و

إن كانت النيابة على خلاف القاعدة، على ما مرّ في بحث النيابة، و مرجعه إلى سقوط قيد المباشرة مع عدم الإمكان في أجزاء الحج و أبعاضه،- لا بد في المقام إما من القول بسقوط طواف النساء الذي لا بد من إتيانه، حتى يقضي عنه وليه لو مات مع الترك، و إما من القول بالاستنابة في فرض عدم التمكن من المباشرة على ما هو المفروض في المقام.

و من الواضح أن الترجيح مع الثاني، خصوصا مع النصوص الواردة في مثله من طواف الزيارة على ما يأتي بعضها.

و بالجملة، الطواف له مراتب ثلاثة، لا ينتقل إلى كل مرتبة إلّا بعد عدم التمكن من المرتبة السابقة.

الأولى: الطواف مباشرة. الذي يعبر عنه بأن يطوف.

الثانية: الطواف به. كما في الطفل غير المميز و من لا يتمكن من المباشرة. لكنه يقدر على الطواف مع السرير و نحوه.

الثالثة: الطواف عنه. كما في موارد الاستنابة، مثل الحيض، و الترك مع عدم التمكن من الرجوع و الإتيان مباشرة، فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 389

[مسألة 12] في ما لو نسي و ترك الطواف

مسألة 12- لو نسي و ترك الطواف الواجب من عمرة أو حج أو طواف النساء، و رجع و جامع النساء، يجب عليه الهدي، ينحره أو يذبحه في مكة. و الأحوط نحر الإبل، و مع تمكنه بلا مشقة يرجع و يأتي بالطواف.

و الأحوط إعادة السعي في غير نسيان طواف النساء، و لو لم يتمكن استناب (1).

______________________________

(1) نسب إلى أكثر الفقهاء قدّس سرّهم في الفرض المذكور وجوب بدنة، و ذهب جماعة منهم المحقق و صاحب الجواهر إلى أنه كفارة عليه، و احتمل المحقق أن القائلين بالكفارة إنما أرادوا وجوبها فيما إذا كانت المجامعة بعد التذكر. و أمّا

إذا واقع و هو لم يرتفع نسيانه بعد، بل في حال استمرار النسيان السابق، فلا شي ء عليه. فإذا يرتفع الخلاف بين النافين للكفارة و المثبتين لها.

و الأصل في هذه المسألة رواية علي بن جعفر عليه السّلام عن أخيه عليه السّلام قال: سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده و واقع النساء، كيف يصنع؟ قال: يبعث بهدي إن كان تركه في حج، بعث به في حج، و إن كان تركه في عمرة، بعث به في عمرته، و وكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه «1».

قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية عن الشيخ بإسناده عن علي بن جعفر، و رواه الحميري في قرب الإسناد عن عبد اللّٰه بن الحسن- أي: العلوي- عن جده

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الثامن و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 390

..........

______________________________

علي بن جعفر، إلّا أنه قال: فبدنة في عمرة.

و رواه علي بن جعفر في كتابه مثله، ثم قال: أقول حمله الشيخ على طواف النساء، لما مضى و يأتي.

و في حاشية الوسائل- المطبوع حديثا- عن البحار الذي يروي الرواية عن الشيخ ذكر البدنة مقام الهدي و إسناد الحميري في قرب الإسناد إلى علي بن جعفر غير صحيح، لأن فيه عبد اللّٰه بن الحسن العلوي. و نسخ التهذيب أيضا مختلفة من جهة «الهدي» أو «هديه» و إن اتفقت من جهة عدم البدنة. و كيف كان فالكلام في المسألة يقع من جهات:

الاولى: قد عرفت أن ترك طواف النساء- و لو كان عمدا- لا يوجب بطلان الحج و لا العمرة بوجه لعدم كونه جزءا و شرطا. غاية الأمر توقف حلية النساء على الإتيان به. كما

إنك عرفت أن ترك الطواف غير النساء في الحج و كذا في العمرة يوجب البطلان، إذا كان عمدا و عن علم و اختيار. لأنه مقتضى الجزئية و الركنية.

و الكلام هنا في ترك الطواف نسيانا، و أنه يوجب البطلان. فالمحكي عن الشيخ قدّس سرّه في كتابي الأخبار و الحلبي هو البطلان، و عن غيرهما هو العدم. بل عنه في الخلاف و عن الغنية الإجماع عليه.

و الدليل عليه مضافا إلى رواية علي بن جعفر- المتقدمة- صحيحة هشام بن سالم، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عمن نسي زيارة البيت حتى رجع إلى أهله، فقال: لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه «1».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 391

..........

______________________________

و عن الشيخ حمل الطواف فيها على طواف الوداع، لرواية معاوية بن عمار، قال:

قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت. و قال: يأمر من يقضي عنه. فإن توفي قبل أن يطاف عنه، فليقض عنه وليه أو غيره «1».

مع أن إطلاق الزيارة على طواف النساء بقرينة اختصاص السؤال به، لا دلالة له على أن إطلاق طواف الزيارة محمول على طواف النساء. و لذا ترى صاحب الوسائل يعقد أبوابا بعد الحلق أو التقصير بعنوان أبواب زيارة البيت. و غرضه المهم طواف الزيارة في مقابل طواف النساء.

الثانية: في وجوب الكفارة و مقداره.

فاعلم أن ظاهر رواية علي بن جعفر التي هي صحيحة على بعض طرقها هو الوجوب، و عليه المشهور، فنفيه في غير محله.

و أمّا مقدار الكفارة، فالظاهر إنه لم يقم دليل على ثبوت البدنة، لاختلاف نسخ الرواية

مع أن رجوع الضميرين المذكرين إلى البدنة غير مناسب لشأن الإمام عليه السّلام لعدم الموجب للإرجاع المذكور بوجه، فلم يثبت خصوصية للهدي الثابت بعنوان الكفارة، مع أن الأمر دائر بين الأقل و الأكثر.

و الحق فيه جريان البراءة كما إذا دار أمر الرقبة التي يجب عتقها، بين الرقبة المطلقة و بين خصوص الرقبة المؤمنة. لعدم اختصاص النزاع في تلك المسألة بباب

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الثامن و الخمسون، ح 3. و ليعلم أن صاحب الوسائل قدّس سرّه أورد في هذا الباب روايات كثيرة لمعاوية بن عمار، مع اختلاف يسير بينها، و يحتمل قويا اتحادها و عدم التعدد.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 392

..........

______________________________

الإجزاء- كما قد قرر في محله- فليس في المقام كفارة إلّا الهدي، و الاحتياط بنحر الإبل إن كان وجوبيا لا وجه له أصلا.

الثالثة: في مدخلية المواقعة في ترتب الكفارة المزبورة و عدمها.

ظاهر رواية علي بن جعفر- المتقدمة- مدخلية المواقعة في ثبوت الكفارة المذكورة. حيث إن ظاهرها تحقق المواقعة في حال استمرار النسيان و بقاءه. لا تحققها بعد زواله و ارتفاعه. و إن كان يبعّده عدم استمرار النسيان المذكور نوعا. لكن ظهور لفظ السؤال يأبى من الحمل على ذلك. فإذن المواقعة دخيلة في ثبوت الكفارة.

فلا مجال للجمع بين الكلمات الذي احتمله صاحب الشرائع في متنها مما تقدم، فإنه لا يتجاوز عن مجرد الاحتمال، من دون أن يكون في البين ما يؤيده، فتدبر.

الرابعة: في أن الحكم لا يكون منحصرا بمسألة الكفارة. بل الواجب على الناسي المذكور إعادة الطواف بنفسه أو بالاستنابة، بعد كون الحج بأجمعه قابلا للنيابة، فضلا عن إجزاءه. و لذا كان سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي قدّس سرّه يحكم

بحجية الظن في أفعال الصلاة، من طريق قيام الدليل على الحجية في نفس الركعة المركبة من أجزاء مختلفة من الركن و غيره. هذا مع دلالة الروايات على جريان الاستنابة في المقام، فلا إشكال فيها من هذه الجهة.

الخامسة: ظاهر قوله عليه السّلام في صحيحة علي بن جعفر عليه السّلام- المتقدمة- في حج، هو البعث في زمان الحج، «و في عمرة هو البعث في زمانه. فالرواية متعرضة للزمان فقط.

و أمّا من جهة المكان، فلا دلالة لها عليه. و ظاهرها أن المكان هي مكة، كما صرح به الماتن قدّس سرّه لكنه يحتمل أن يكون المراد بقوله عليه السّلام: «في حج» هي منى. و بقوله: «في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 393

[مسألة 13] في ترك الطواف جهلا

مسألة 13- لو ترك طواف العمرة أو الزيارة جهلا بالحكم و رجع، تجب عليه بدنة و إعادة الحج (1).

______________________________

عمرة» هي مكة. و يؤيده مضافا إلى أن الأمر في الكفارات يكون كذلك، أنه لا وقت للعمرة المفردة، و عمرة التمتع لا تكون مستقلة عن الحج.

السادسة: إن البحث في إعادة السعي في غير طواف النساء قد تقدم، و لا حاجة إلى الإعادة.

(1) قد وقع الخلط في بعض الكلمات بين صورتي الجهل و النسيان، مع أن الظاهر عرفا و استعمالا مغايرتهما، حتى في مثل حديث الرفع. فترى الشيخ الطوسي قدّس سرّه في محكي الإستبصار عنون الباب هكذا: «باب من نسي طواف الحج حتى يرجع إلى أهله» ثم أورد الروايتين الآتيتين الواردتين في الجاهل. و كذا استدل في محكي التهذيب على حكم الناسي بالروايتين المشار إليهما، مع اختلاف المسألتين موضوعا، و عدم ثبوت الإعادة، أي: إعادة الحج على الناسي إجماعا. و ما في محكي كشف

اللثام، من أن الجهالة تعم النسيان، لا يخفى عليك ما فيه. و أمّا الروايتان:

فالأولى: صحيحة علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة، قال: إن كان على وجه جهالة في الحج، أعاد و عليه بدنة «1».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب السادس و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 394

..........

______________________________

و الثانية: رواية علي بن أبي حمزة، قال: سئل عن رجل جهل أن يطوف بالبيت حتى رجع إلى أهله، قال: إذا كان على وجه الجهالة، أعاد الحج و عليه بدنة «1».

قال في الوسائل بعد نقل هذا الخبر: و رواه الصدوق بإسناده عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السّلام إلّا أنه قال: سها أن يطوف. و الظاهر أن كاشف اللثام إنما تبع هذا النقل مع عدم كون السند صحيحا.

و حيث إن الرواية الأولى صحيحة، فلا محيص إلّا عن الالتزام بها، و الحكم بثبوت الكفارة على تارك الطواف جهلا بالحكم. و إن لم يرجع إلى أهله، فضلا عن تحقق المواقعة و ثبوت الجماع، و أشدية حكم الجاهل من العالم التارك للطواف، حيث لا تكون الكفارة ثابتة في حقه، و لا يجب عليه إلّا إعادة الحج. و إن كانت مستبعدة إلّا أنه بعد ورود الرواية الصحيحة المزبورة فيه، لا محيص إلّا عن الالتزام بها و لا مانع منه.

ثم إن إتيان الأهل و الرجوع إليه لا يكون مذكورا في هذه الرواية. فلا مجال لاحتمال المراد به هي المواقعة، بعد عدم وروده أصلا. و مقتضى إطلاق الصحيحة ثبوت الحكمين مطلقا، و إن لم تتحقق المواقعة أصلا.

ثم إن الحكم بإعادة الحج في الصحيحة يمكن

أن يكون قرينة على أن المراد بالعمرة، هي عمرة التمتع التي تكون مرتبطة بحجه. و إلّا فالعمرة المفردة مستقلة لا ارتباط لها بالحج، و لا وقت لها أصلا، و إن كانت في بعض الأشهر مستحبة بالخصوص.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب السادس و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 395

..........

______________________________

ثم إن إطلاق عنوان الزيارة على مطلق الحج- كما في المتن- مما لا يساعده اللغة، و لا كلمات الفقهاء قدّس سرّهم فإن زيارة البيت قد تطلق على طواف الحج الذي يؤتى به بعد مناسك منى و أفعاله. و أمّا نفس الحج فلا يطلق عليه عنوان الزيارة.

ثم إن ما ورد في باب الحج في بعض الروايات المتقدمة من أن «أيما امرء ركب أمرا بجهالة، فلا شي ء عليه» إنما هو عام قابل للتخصيص بمثل الصحيحة. و لم يدل دليل على عدم قابليته للتخصيص. مع أن مورده ما إذا تحقق الفعل الذي لا ينبغي تحققه ناشيا عن الجهالة.

و أما في مثل المقام يكون الترك مستندا إلى الجهل، كما أنه مما ذكرنا ظهر أن حديث الرفع الدال على رفع ما لا يعلمون، قابل للتخصيص. لو لم نقل بعدم دلالته رأسا على ارتفاع الأحكام التي تكون موضوعاتها هذه العناوين. فلا دلالة له على ارتفاع حكم سجود السهو، عن السهو الموجب له في الصلاة، و لا على ارتفاع حكم الخطأ عن القتل الصادر خطأ، و لا وجوب إعادة الطواف و الإتيان به على تاركه الناسي. و أمثال ذلك من الموارد.

و منه يظهر عدم صحة التمسك بحديث رفع الخطأ و النسيان في المسألة السابقة، فتدبر.

هذا تمام الكلام في البحث عن المناسك الخمسة الواجبة بعد أعمال منى.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 396

[القول في المبيت بمنى]

اشارة

القول في المبيت بمنى

[مسألة 1- إذا قضى مناسكه بمكة، يجب عليه العود إلى منى]

مسألة 1- إذا قضى مناسكه بمكة، يجب عليه العود إلى منى للمبيت بها ليلتي الحادية عشرة و الثانية عشرة. و الواجب من الغروب إلى نصف الليل (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الاولى: أن الواجب على تقديره هو المبيت بمنى الليلتين المذكورتين. و أمّا عنوان العود المتوقف على الخروج من منى ثم العود إليها، فلا دليل على وجوبه، خصوصا مع تعليقه على قضاء المناسك بمكة. فإن من لم يرجع عن منى يوم النحر أصلا حتى يعود إليها، يجب عليه المبيت أيضا. و في الحقيقة يكون الواجب هو المبيت الليلتين المذكورتين، سواء تحقق عنوان العود أم لا.

الثانية: في وجوب المبيت أو استحبابه. فالمحكي عن تبيان الشيخ الطوسي قدّس سرّه هو الاستحباب. و حكى صاحب الجواهر عن تفسير مجمع البيان- الذي هو ملخص التبيان- القول باستحباب جميع مناسك منى المتقدمة و المتأخرة.

و الدليل على الوجوب- مضافا إلى بعض النصوص الآتية- استمرار سيرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 397

..........

______________________________

المسلمين أعم من الشيعة على الالتزام العملي به، و المعاملة معه معاملة الواجب. و في الحقيقة رؤيتهم له رؤية الواجب، و الالتزام العملي به. و هذه السيرة متصلة بزمان المعصوم عليه السّلام و قد استدللنا على وجوب بعض أجزاء الحج بهذه السيرة، من دون أن يكون هناك دليل لفظي أصلا.

الثالثة: في أنه و إن كان واجبا، بل في تركه ثبوت الكفارة أيضا- كما سيأتي بعض النصوص الدالة عليه- إلّا أنه لا يكون جزءا من أجزاء الحج، بحيث إذا تحقق الإخلال به عمدا، يوجب ذلك الخلل في الحج. بل حكمه من هذه الجهة حكم طواف النساء.

و الدليل عليه بعض ما ورد

مما يدل على تمامية الحج أو مناسكه بطواف الزيارة و السعي. فالمبيت بمنى و إن كان واجبا و في تركه بالإضافة إلى كل ليلة شاة، إلّا أنه لا يكون من أجزاء الحج.

الرابعة: أنه قد وقع التسالم و الاتفاق على عدم وجوب بيتوتة تمام الليل. و إن كان ظاهر اللفظ مقتضيا لذلك، لكنه قد وقع الاختلاف على أن الواجب هو البيتوتة من أول الليل إلى نصفه، و بعده يجوز له الخروج من مني، أو أن الواجب هو أحد النصفين، فهو مخير بين النصف الأول، و بين النصف الأخير.

فالمشهور على الأول. كما عن الرياض: إن ظاهر الأصحاب انحصار المبيت في النصف الأول. و الحلبي على الثاني، و هو الأقوى.

لصحيحة بن عمار- التي هي عمدة ما ورد في هذا الباب، و قد رواها صاحب الوسائل في الباب الأول من أبواب العود إلى منى في موضعين- منه عن أبي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 398

..........

______________________________

عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا تبت ليالي (أيام خ ل، و هو خلاف الظاهر) التشريق إلّا بمنى، فإن بتّ في غيرها، فعليك دم، فإن خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلّا و أنت في منى، إلّا أن يكون شغلك نسكك، أو قد خرجت من مكة، و إن خرجت بعد نصف الليل، فلا يضرك أن تصبح بغيرها «1».

فإن فرض القضيتين الشرطيتين، بالإضافة إلى خروج أول الليل و الخروج بعد نصف الليل، ظاهر في جواز كلا الخروجين. و هو لا ينطبق إلّا على التخيير بعد النهي عن البيتوتة ليالي التشريق في غير منى.

و هذه الرواية دليل لفظي على وجوب أصل المبيت. إلّا أن يقال بعدم انطباقها على المدعى. لأن المدعى

هو وجوب المبيت بمنى، و الصحيحة دالة على النهي في غير منى و الجواز فيها، فتدبر.

و مثلها: صحيحة جعفر بن ناجية عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إنه قال: إذا خرج الرجل من منى أول الليل، فلا ينتصف له الليل إلّا و هو بمنى، و إن خرج بعد نصف الليل، فلا بأس أن يصبح بغيرها «2».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الأول، ح 8.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الأول، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 399

[مسألة 2] في الطوائف الذين يجب عليهم المبيت ليلة الثالث عشر

مسألة 2- يجب المبيت ليلة الثالثة عشرة إلى نصفها على طوائف:

منهم: من لم يتق الصيد في إحرامه للحج أو العمرة. و الأحوط لمن أخذ الصيد و لم يقتله، المبيت. و لو لم يتق غيرهما من محرمات الصيد كأكل اللحم و الإراءة و الإشارة و غيرهما، لم يجب (1).

______________________________

(1) يجب المبيت ليلة الثالث عشر بالنحو المذكور في الليلتين على طوائف:

أمّا الوجوب على الطائفة الاولى- و هم من لم يتق الصيد- فللروايات الواردة في تفسير الآية المشتملة على قوله تعالى: .. لِمَنِ اتَّقىٰ .. «1» باتقاء الصيد. و هذه الروايات كثيرة، عمدتها:

صحيحة حماد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول، و من نفر في النفر الأول، فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس.

و هو قول اللّٰه عز و جل فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ .. لِمَنِ اتَّقىٰ «2» فقال:

اتقى الصيد «3».

و الراوي عن حماد و إن كان هو محمد بن يحيى، و هو مردد في نفسه بين محمد بن يحيى الخزاز الثقة، و بين محمد بن يحيى الخثعمي

الذي هو ثقة أيضا، و بين محمد بن يحيى الصيرفي الذي لم يوثق، إلّا أن إطلاقه ينصرف إلى الأول الذي هو أشهرهم.

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 203.

(2) نفس المصدر.

(3) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الحادي عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 400

و منهم: من لم يتق النساء في إحرامه للحج أو العمرة وطأ، دبرا أو قبلا، أهلا له أو أجنبية، و لا يجب في غير الوطي- كالتقبيل و اللمس و غيرهما.

و منهم: من لم يفض من منى يوم الثاني عشر و أدرك غروب الثالث عشر (1).

______________________________

فالرواية صحيحة من حيث السند لا خدشة فيها.

و أمّا من حيث الدلالة، فاشتمالها على تذييل الجملة الأولى بقوله: .. لِمَنِ اتَّقىٰ .. «1» مع أن الآية تشتمل على تذييل الجملة الثانية به، لا يقدح بعد احتمال الاشتباه في النقل أو في الكتابة أو كون مقصود الإمام عليه السّلام النقل بالمعنى.

و كيف كان فالصحيحة تدل على أن المراد في قوله تعالى من الاتقاء، هو اتقاء الصيد، فمن لم يتق الصيد لا يكون مخيّرا بين التعجيل و التأخير، بل يجب عليه التأخير معينا. و القدر المتيقن من عدم اتقاء الصيد هو من أصابه. و أمّا من أخذه و لم يقتله فقد احتاط الإمام في المتن وجوبا بالمبيت ليلة الثالث عشر. و لكن شمول العنوان له محل ترديد. و أمّا أكل اللحم- أي: لحم الصيد- أو مجرد إراءته و الإشارة إليه فلا ينافي الاتقاء بوجه. فالأمر يدور مدار هذا العنوان.

(1) و أمّا الطائفة الثانية: فقد استشكل في وجوب المبيت الليلة المذكورة، نظرا إلى أن الإجماع لم يعلم تماميته، و الدليل اللفظي عليه ضعيف.

و هي رواية محمد

بن المستنير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أتى النساء في إحرامه

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 203.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 401

..........

______________________________

لم يكن له أن ينفر في النفر الأول. «1»

و محمد بن المستنير لا يوجد في الرواة، و لا يكون له رواية أصلا، و لا يكون مذكورا في الكتب الرجالية، حتى مثل رجال الشيخ قدّس سرّه المشتمل على عدّ الرواة و أصحاب الأئمة عليهم السّلام.

أقول: الرواية و إن كانت ضعيفة، لكن لا شبهة في موافقة فتوى المشهور لها و استنادهم إليها. و هو جابر لضعف سند الرواية، و إن كانت نفس الشهرة غير حجة.

و أمّا الطائفة الثالثة: فيدل على حكمهم النصوص:

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من تعجل في يومين، فلا ينفر حتى تزول الشمس. فإن أدركه المساء بات و لم ينفر. «2» أي: في النفر الأول، لا مطلقا.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا نفرت في النفر الأول، فإن شئت أن تقيم بمكة و تبيت بها فلا بأس بذلك. قال: و قال: إذا جاء الليل بعد النفر الأول فبت بمنى، فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح «3».

ثم إن ظاهر المتن عدم وجوب المبيت ليلة الثالث عشر على غير هذه الطوائف، لكنه حكي عن بعض العلماء وجوبه على الضرورة أيضا. كمن لم يتق الصيد في إحرامه. لكنه لا يعرف له شاهد و لا رواية ضعيفة. و حكى بعض الأعلام قدّس سرّه عن شيخه المحقق النائيني أن الأحوط الأولى المبيت الليلة المذكورة أيضا لكل من اقترف كبيرة من الكبائر. و إن لم تكن من محرمات الإحرام.

و قد اعترف بأنه أيضا

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الحادي عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب العاشر ح 1.

(3) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب العاشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 402

..........

______________________________

لا يعرف له وجه و لا قائل به من الفقهاء.

و نسب إلى ابن سعيد: إن من لم يتق مطلق تروك الإحرام، و إن لم يكن فيه كفارة، يجب عليه البيتوتة الليلة المذكورة. و ربما يستدل له بما رواه في الوسائل عن الفقيه عن محمد بن المستنير عن أبي جعفر عليه السّلام انه قال في تفسير الآية المتقدمة لِمَنِ اتَّقىٰ: الرفث و الفسوق و الجدال، و ما حرم اللّٰه عليه في إحرامه «1».

و في الفقيه على ما في حاشية الوسائل المطبوعة، سلام بن المستنير، و هو الحق. لما عرفت من أنه لا يوجد في الرواة محمد بن المستنير. فقد وقع في الوسائل اشتباه.

و سلام بن المستنير و إن كان ثقة بالتوثيق العام في محكي تفسير القمي و ليس في مقابله قدح خاص، إلّا أن الظاهر أنه لا يجوز العمل بروايته هذه. لأن صريح روايات الصيد جواز ترك المبيت هذه الليلة إذا اتقى الصيد، فتحمل على الاستحباب. مع أن السيرة العملية قائمة على النفر الأول.

و حملها على خصوص من لم يأت بشي ء من محرمات الإحرام، لا في حجه و لا في عمرته، بعيد جدا، و حمل على الفرد النادر. فاللازم الالتزام بعدم الوجوب و استحباب المبيت في هذه الصورة أيضا، فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الحادي عشر، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 403

[مسألة 3] في عدم وجوب المبيت على أشخاص

مسألة

3- لا يجب المبيت في منى في الليالي المذكورة على أشخاص:

الأول: المرضى و الممرضين (الممرضون ظ) لهم، بل كل من له عذر يشق معه البيتوتة.

الثاني: من خاف على ماله المعتد به، من الضياع أو السرقة في مكة.

الثالث: الرعاة إذا احتاجوا إلى رعي مواشيهم بالليل.

الرابع: أهل سقاية الحاج بمكة.

الخامس: من اشتغل في مكة بالعبادة إلى الفجر، و لم يشتغل بغيرها إلّا الضروريات- كالأكل و الشرب بقدر الاحتياج و تجديد الوضوء و غيرها. و لا يجوز ترك المبيت بمنى لمن اشتغل بالعبادة في غير مكة، حتى بين طريقها إلى منى على الأحوط (1).

______________________________

(1) قد تعرض في هذه المسألة لمن لا يجب عليه المبيت في الليالي المذكورة، و هم أشخاص و طوائف:

الأول: كل من له عذر يشق معه البيتوتة- كالمريض و الممرض له.

و الدليل عليه قاعدة نفي الحرج الحاكمة على أدلة التكاليف الواجبة. خصوصا مع عدم كون المبيت جزءا للحج و لا شرطا له، بل واجب مستقل بعد تمامية أفعال الحج و مناسكه. يسقط مع وجود المشقة و الحرج.

الثاني: من خاف على ماله المعتد به بالنحو المذكور في المتن. و الدليل عليه قاعدة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 404

..........

______________________________

نفي الضرر بالنحو المعروف. لحكومته على الأدلة الأولية، و شمولها للضرر المالي المعتد به.

و أمّا على مبنى شريعة الأصفهاني من كون مفادها النهي عن الضرر. و كذا على مبنى سيدنا الأستاذ الماتن، الإمام قدّس سرّه الذي هو مختارنا أيضا، من كون النفي فيها مربوطا بحكومة الإسلام، و لا ارتباط لها بالأحكام الفقهية أصلا.

فالدليل مذاق الشرع الحاكم بعدم حكم الشارع بتحمل الضرر المالي المعتد به، لأجل فعل الواجب كما في الوضوء و نحوه.

الثالث: الرعاة بالشرط

المذكور. و الدليل على عدم وجوب مبيتهم، أحد الأمرين المتقدمين.

الرابع: أهل سقاية الحاج بمكة. و الدليل أيضا أحد الأمرين، مضافا إلى بعض النصوص. مثل:

رواية مالك بن أعين عن أبي جعفر عليه السّلام إن العباس استأذن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أن يبيت بمكة ليالي منى، فأذن له رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم من أجل سقاية الحاج «1».

الخامس: من اشتغل بمطلق العبادة، و إن لم تكن من أجزاء الحج في خصوص مكة، و إن لم يكن في مسجد الحرام.

و الدليل عليه استثناءه من الروايات الناهية عن البيتوتة في غير منى. و هذه الروايات كثيرة، كصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة.

لكن الكليني في نقله زاد قوله: «و سألته عن الرجل زار عشاء، فلم يزل في

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الأول، ح 21.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 405

[مسألة 4] في ما لو لم يكن في منى أول الليل

مسألة 4- من لم يكن في منى أول الليل بلا عذر، يجب عليه الرجوع قبل نصفه، و بات إلى الفجر على الأحوط (1).

______________________________

طوافه و دعاءه و في السعي بين الصفا و المروة حتى يطلع الفجر، فقال: ليس عليه شي ء كان في طاعة اللّٰه» «1».

و لكنه ذكر أنه يكون هناك رواية أخرى لمعاوية بن عمار، قد نقلها الشيخ الطوسي قدّس سرّه لكن فيها بدل «زار عشاء» مذكورة: «زار البيت» «2».

و من الواضح عدم كونها رواية أخرى لمعاوية بن عمار، بل روايته رواية واحدة مرددة بين أمرين. و إن كان بينهما وضوح و خفاء، من جهة أن من صلى المغرب في منى و زار البيت عشاء. و من الواضح استلزامه للحركة من منى إلى مكة هل

تكون حركته هذه مغتفرة أم لا؟ فرواية «من زار العشاء» لها ظهور قوي في الاغتفار، و رواية «من زار البيت» لها ظهور باعتبار ترك الاستفصال. و إلّا فأصل الدلالة موجودة في كلا النقلين، فتدبر.

(1) ما أفاده في هذه المسألة مبني على مختاره، تبعا للمشهور- كما عرفت سابقا- من كون الواجب في المبيت واجبا تعيينيا مرتبطا بالنصف الأول. و أما بناء على ما اخترناه من الواجب التخييري فواضح، أن أحد الطرفين إذا ترك و لم يمكن الإتيان

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الأول، ح 21.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الأول، ح 13- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 406

[مسألة 5] في كون البيتوتة أمرا عباديا

مسألة 5- البيتوتة من العبادات، تجب فيها النية بشرائطها (1).

______________________________

به، يتعين الطرف الآخر. و الوجه في الاحتياط الوجوبي على مختاره، هو مثل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الواردة في أصل المسألة.

(1) الدليل على العبادية- مع عدم كونها من أجزاء الحج، حتى تكون عبادية مستلزمة لعباديتها- أمران:

أحدهما: قوله تعالى وَ اذْكُرُوا اللّٰهَ فِي أَيّٰامٍ مَعْدُودٰاتٍ .. «1» بناء على التفسير بليالي التشريق، و عدم كون المراد من اليوم هو اليوم في مقابل الليل. كما أنّه استعمل فيه في الكتاب كثيرا، و في التعابير العرفية كذلك. و عليه فيكون المبيت مصداقا لذكر اللّٰه. و من الواضح أن الذكر أمر عبادي قربي، لا يتحقق بدون قصد القربة.

ثانيهما: معاملة المتشرعة- أعم من الشيعة- معها معاملة الأمر العبادي، كالوقوف بعرفة و الوقوف بالمشعر. و يؤيد العبادية كون جميع الأمور المرتبطة بمناسك الحج، و إن لم تكن من أجزاءه، كذلك و المتشرعة ليس بينهم فرق بين الوقوف بالمشعر، و بين المبيت بمنى من هذه

الجهة أصلا.

و عليه فيكفي في الترك مجرد الإخلال كقصد القربة. و إن كان في إيجابه للكفارة الآتية إشكال، لترتبها على الترك الحقيقي، فليس فيه إلّا مجرد العصيان. و على أيّ فكون البيتوتة أمرا عباديا، لا إشكال فيه أصلا.

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 203.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 407

[مسألة 6] في ثبوت الكفارة على ترك المبيت

مسألة 6- من ترك المبيت الواجب بمنى، يجب عليه لكل ليلة شاة- متعمدا كان أو جاهلا أو ناسيا. بل تجب الكفارة على الأشخاص المعدودين في المسألة الثالثة، إلّا الخامس منهم. و الحكم في الثالث و الرابع مبني على الاحتياط (1).

______________________________

(1) أمّا ثبوت الكفارة، أي: كفارة الشاة، بالإضافة إلى كل ليلة يجب المبيت فيها بمنى، بالمقدار الذي تقدم، فلصحيحة معاوية بن عمار الواردة في أصل المسألة، المشتملة على قوله عليه السّلام: «فإن بت في غيرها، فعليك دم». فإن ظاهرها العرفي ثبوت الدم بالنسبة إلى كل ليلة، لا على ترك مجموع الليالي.

ثم إن ظاهرها- كما في الجواهر- إطلاق ثبوت الكفارة، و عدم الفرق بين المتعمد و المضطر و العالم و الجاهل و الذاكر و الناسي. إلّا أنه يرد عليه أن مقتضى حديث الرفع الذي ظاهره رفع جميع الأمور الشرعية من الأحكام التكليفية و الوضعية في موارد عناوينه عدم ثبوت الكفارة أيضا بالإضافة إلى المضطر و كذا الجاهل و كذا الناسي.

لا لأجل الملازمة بين سقوط التكليف و سقوط الوضع، حتى يجاب بعدم الملازمة مورد اضطرار الرجل المحرم إلى لبس المخيط، و كذا الاضطرار التظليل، بل لأجل أن ظاهر حديث الرفع، رفع كلا الأمرين، إلّا مع قيام الدليل. و في المقام لا يكون موجودا، بل الموجود قوله عليه السّلام على ما عرفت في مسألة لبس المخيط

من محرمات إحرام الرجل، من قوله: «أي امرء ركب أمرا بجهالة، فلا شي ء عليه» أي حتى الكفارة و التوبة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 408

..........

______________________________

ثم إن عدم ثبوت الكفارة في الخامس من الأشخاص المعدودين في المسألة الثالثة، فلظهور دليله اللفظي المنحصر به في عدم ثبوت الكفارة، فإن قوله عليه السّلام: «كان في طاعة اللّٰه» لا يجتمع مع ثبوتها- كما لا يخفى.

و أما الرابع: و هو أهل سقاية الحاج، فلم يرد فيه من طرقنا إلّا رواية مالك بن أعين المتقدمة المتضمنة لنقل قصة استيذان العباس من الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم و إذنه له. و لا بأس بنقلها ثانيا.

فقد روي عن أبي جعفر عليه السّلام: إن العباس استأذن رسول اللّٰه صلّى الهّٰ عليه و آله و سلّم أن يبيت بمكة ليالي منى، فأذن له رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم من أجل سقاية الحاج «1».

و قد ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه أن ذلك قضية شخصية في واقعة رخص النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم لعمه.

و هو ولي الأمر، و له أن يرخص لكل أحد. فالتعدي إلى كل مورد مشكل، و لا يستفاد من ترخيصه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم لعمه العباس، تعميم الترخيص لجميع السقاة.

و أنت خبير بأن الحاكي للقصة و الواقعة إذا كان هو الإمام عليه السّلام و كان الغرض من حكايته بيان الحكم يستفاد منه التعميم. خصوصا مع الاشتمال على ذكر العلة و السبب، سواء كانت العلة مذكورة في كلام الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أو مذكورة في كلام الإمام الحاكي عليه السّلام. و هذا منه

عجيب جدا.

ثم إن المستفاد من الرواية- مضافا إلى الجواز، و عدم وجوب المبيت بمنى ليالي التشريق- عدم ثبوت الكفارة أيضا. فالحكم بالثبوت فيه لا يكون مبنيا على الاحتياط. أي: الاحتياط الوجوبي- كما لا يخفى. بل الظاهر عدم الثبوت- كما

______________________________

(1) الوسائل أبواب العود إلى منى، الباب الأول، ح 21.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 409

[مسألة 7] في عدم اعتبار شرائط الهدي في هذه الكفارة

مسألة 7- لا يعتبر في الشاة في الكفارة المذكورة شرائط الهدي. و ليس لذبحه محل خاص. فيجوز بعد الرجوع إلى محله (1).

______________________________

عرفت.

و أمّا الراعي، فقد ذكر البعض المتقدم أن استثنائهم لعله غفلة من الأعلام. لأن الراعي شغله و عمله في النهار، و أمّا في الليل فحاله و حال بقية الناس سواء. و لذا استثني الراعي من الرمي في النهار. نعم قد يضطر الراعي من المبيت خارج مكة لحفظ أغنامه، و هذا عنوان آخر، يدخل بذلك في عنوان المضطر.

أقول: ما أفاده قدّس سرّه بالإضافة إلى الراعي حق لا ريب فيه. و قد عرفت أن حديث الرفع كما يرفع الحكم التكليفي يرفع الحكم الوضعي أيضا. فالحكم بثبوت الكفارة فيه مبني على الإطلاق، و رعاية الأدلة الأولية. و أما مع ملاحظة العناوين الثانوية، فلا وجه لثبوت الكفارة أصلا.

(1) وجه عدم اعتبار الأمرين، ان هذه الكفارة لا تكون هديا، حتى يعتبر فيها شرائطه التي ذكرناها. و لم يقم دليل على اعتبار محل خاص لذبحه، بعد عدم ارتباط أصل الواجب الذي تحقق الإخلال به بالحج، بل هو أمر واجب بعد الحج. و ليس لذبحه محل خاص. و إن قلنا به في الإخلال ببعض محرمات الإحرام الذي هو مرتبط بالحج أو بالعمرة، و لم يقم دليل على اتحاد حكم الكفارتين من

جميع الجهات- كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 410

[مسألة 8] في ما لو كان داخلا في منى مقدارا من الليل

مسألة 8- من لم يكن تمام الليل في خارج منى، فإن كان مقدارا من أول الليل إلى نصفه في منى، لا إشكال في عدم الكفارة عليه، و إن خرج قبل نصفه أو كان مقدارا من أول الليل خارجا، فالأحوط لزوم الكفارة عليه (1).

______________________________

(1) الحكم في هذه المسألة مبني على مختاره الذي تبع فيه المشهور، من تعين النصف الأول من الليل للمبيت الواجب. و أمّا على مختارنا من ثبوت الحكم بنحو الواجب التخييري بين النصفين الأول و الآخر، فيجري فيه حكم الواجب التخييري من ثبوت الكفارة على تقدير عدم الإتيان بكلا العدلين.

و أمّا مع الإتيان بأحدهما و ترك الآخر فلا مجال لثبوت الكفارة بوجه. و هو الوجه في عدم ثبوت الكفارة في الفرض الأول الذي بقي في منى إلى نصف الليل. كما أن الوجه بناء على مبناه هو الإتيان بالواجب التعييني، و عدم الإخلال به بوجه أصلا. و أمّا في الفرض الثاني الذي خرج قبل نصفه أو كان مقدارا من أول الليل خارجا، فالحكم فيه بناء على الواجب التخييري هو العدم، إن عاد إلى منى و بقي فيه النصف الآخر كلّا.

نعم في صورة التلفيق الذي بقي في منى و بات فيها بمقدار النصف، و لكن لم يكن أحد النصفين الأول و الآخر، فالأحوط الوجوبي ثبوت الكفارة، لعدم تحقق الواجب التخييري، و إن بات في منى بمقدار أحد العدلين- كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 411

[مسألة 9] في الفرق بين النفرين

مسألة 9- من جاز له النفر يوم الثاني عشر، يجب أن ينفر بعد الزوال، و لا يجوز قبله. و من نفر يوم الثالث عشر، جاز له ذلك في أي وقت شاء (1).

______________________________

(1) الفرق بين

النفرين اللذين يعبّر- سيما في الروايات- عن الأول، و هو اليوم الثاني عشر بالنفر الأول، و عن الثاني، و هو اليوم الثالث عشر بالنفر الثاني، هو دلالة النصوص على ذلك.

منها: صحيحة الحلبي، أنه سئل أبو عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل ينفر في النفر الأول قبل أن تزول الشمس، فقال: لا، و لكن يخرج ثقله إن شاء، و لا يخرج هو حتى تزول الشمس «1».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا أردت أن تنفر في يومين، فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس، و إن تأخرت إلى آخر أيام التشريق- و هو يوم النفر الأخير- فلا شي ء عليك أي ساعة نفرت قبل الزوال أو بعده، .. «2».

و منها: صحيحة أبي أيوب، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام إنّا نريد أن نتعجل السير- و كانت ليلة النفر، حين سألته- فأي ساعة تنفر؟ فقال لي: أمّا اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس، فأمّا اليوم الثالث فإذا ابيضت الشمس فانفر على كتاب اللّٰه.

فإن اللّٰه- عز و جل- يقول: ..

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب التاسع، ح 6.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب التاسع، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 412

..........

______________________________

فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ .. «1» فلو سكت لم يبق أحد إلّا تعجل، و لكنه قال وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ «2».

و منها: غير ذلك من الروايات الدالة على هذا التفصيل. و في بعض الروايات إن الإمام يصلي استحبابا- في مكة الظهر يوم النفر الذي يكون ظاهره هو النفر الأخير.

ففي صحيحة الحلبي

عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: يصلي الإمام الظهر يوم النفر بمكة «3».

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 203.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب التاسع، ح 4.

(3) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثاني عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 413

[القول في رمي الجمار الثلاث]

اشارة

القول في رمي الجمار الثلاث

[مسألة 1] في وجوب رمي الجمار الثلاث

مسألة 1- يجب رمي الجمار الثلاث، أي: الجمرة الاولى و الوسطى و العقبة، في نهار الليالي التي يجب عليه المبيت فيها، حتى الثالث عشر، لمن يجب عليه مبيت ليلته. فلو تركه صح حجه، و لو كان عن عمد، و إن أثم معه (1).

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في جهتين:

الجهة الاولى: في أصل وجوب الرمي المذكور في نهار الليالي المذكورة.

و لا خلاف بيننا، بل بين المسلمين كافة في أصل الوجوب. و التعبير بأنه مسنون- كما في بعض الكلمات- إنما هو لأجل ثبوت وجوبه بالسنة، مقابل ما ثبت وجوبه بالكتاب العزيز. و يدل عليه أمور:

أحدها: السيرة القطعية العملية من المسلمين المتصلة بزمان المعصوم عليه السّلام نظير ما ذكرنا في المبيت، بل أولى منه، فتدبر.

ثانيها: الروايات المتعددة الكثيرة الواردة في بيان كيفية أصل الحج أو الدالة على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 414

..........

______________________________

وجوب الرمي في اليومين أو مع اليوم الثالث.

منها: صحيحة عمر بن أذينة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: سألته عن قول اللّٰه تعالى: .. الْحَجِّ الْأَكْبَرِ .. «1»، قال: الحج الأكبر، الوقوف بعرفة و رمي الجمار .. «2»

فإنه قد عدّ فيها رمي الجمار، لا رمي خصوص جمرة العقبة التي هي أول أعمال منى و مناسكه يوم النحر، في عداد الوقوف بعرفة، و إن قام الدليل فيه على عدم الجزئية- كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى، فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس، قال:

يرمي إذا أصبح مرتين: مرة لما

فاته، و الأخرى ليومه الذي يصبح فيه، و ليفرق بينهما، يكون أحدهما بكرة، و هي للأمس، و الأخرى عند زوال الشمس «3».

و منها: الروايات المتعددة الواردة في نسيان الرمي أو جهله، مثل: صحيحة معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار، حتى نفرت إلى مكة؟ قال: فلترجع فلترم الجمار، كما كانت ترمي، و الرجل كذلك «4».

و منها: صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: ارم في كل يوم عند زوال الشمس، و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة، .. «5».

______________________________

(1) التوبة (9): 3.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الرابع، ح 1.

(3) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الخامس عشر، ح 1.

(4) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثالث، ح 1.

(5) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 415

..........

______________________________

و منها: غير ذلك من الروايات التي يستفاد منها وجوب الرمي في مقابل الاستحباب، بل بعض الأسئلة فيها دال على مفروغية ذلك، و كون السؤال باعتبار بعض الخصوصيات.

الجهة الثانية: في عدم كونه جزءا للحج، بحيث يوجب الإخلال به، و لو كان عن عمد و علم إخلالا به. و الدليل عليه ما مرّ في أصل المبيت و عدم جزئيته للحج، و عدم كونه من مناسكه و أفعاله، لتحقق التمامية بطواف الحج و الزيارة و السعي. على ما يدل عليه الرواية، بل الروايات المتقدمة.

و عليه فلا يترتب على تركه العمدي، سوى الإثم و العصيان و المخالفة و الطغيان.

و إن كان الواجب هو القضاء في السنة الآتية في خصوص أيام التشريق.

لأن الرمي لا يكون في غيرها- على ما هو مقتضى النص، إلّا أن ذلك لا يدل على الجزئية بوجه، بل يؤكد الوجوب.

ثم إن ظاهر النص و الفتوى وجوب الرمي في يومين فقط، لمن وجب عليه مبيت ليلتهما، و في اليوم الثالث عشر أيضا، لمن وجب عليه مبيت ليلته.

فقد استدل صاحب الجواهر قدّس سرّه بإطلاق بعض النصوص. و ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه أنه لم نعثر على نص معتبر يدل بإطلاقه على وجوب ذلك، و هو أعرف بما قال. نعم ورد في الفقه الرضوي و دعائم الإسلام: الأمر بالرمي في يوم الثالث عشر على نحو الإطلاق، و إن لم يبت ليلته في منى. و لم يقل أحد من الفقهاء بذلك أصلا، و إنما قالوا بالوجوب على من بات ليلته. فما التزم به الأصحاب لا دليل عليه. و ما دل عليه الكتابان لم يلتزموا بمضمونهما، مضافا إلى ضعف الروايات المذكورة في الكتابين.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 416

..........

______________________________

أضف إلى ذلك أنه يستفاد من بعض النصوص عدم الوجوب. و هو صحيح معاوية بن عمار، قال: إذا نفرت في النفر الأول- إلى أن قال:- إذا جاء الليل بعد النفر الأول، فبت بمنى، فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح. «1» فإنه إذا جاز النفر عند الإصباح- أي: بعد طلوع الفجر- فلا يتمكن من الرمي، لأن وقته ما بين طلوع الشمس إلى الغروب. فتجويز النفر عند الإصباح يستلزم تجويز ترك الرمي- كما لا يخفى.

فالحكم بوجوب الرمي يوم الثالث عشر لمن بات ليلته في منى، مبني على الاحتياط، انتهى.

و يرد عليه- مضافا إلى ثبوت السيرة العملية المذكورة، و إلى أن ضعف الروايتين مجبور بالشهرة و إطلاقهما

مقيد- ان صحيح معاوية بن عمار، ناظر إلى مسألة المبيت لا إلى أمر آخر.

و الحكم بعدم الوجوب و تماميته عند الإصباح لا دلالة له حتى بناء على مفهوم الغاية، إلّا على عدم الوجوب عند الإصباح.

و أمّا استلزام الرمي في النهار، للكون فيه في منى، فهو أمر آخر لا يرتبط بهذا الواجب، مضافا إلى أن الغاية المذكورة في بعض الروايات هو الإصباح و طلوع الشمس.

ففي رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل ينفر في النفر الأول، قال: له أن ينفر ما بينه و بين أن تسفر الشمس. فإن هو لم ينفر حتى يكون عند

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب العاشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 417

[مسألة 2] في ما يعتبر في الرمي

مسألة 2- يجب في كل يوم رمي كل جمرة بسبع حصيات. و يعتبر فيها و في الرمي ما يعتبر في رمي الجمرة العقبة- على ما تقدم- بلا افتراق (1).

______________________________

غروبها، فلا ينفر، و ليبت بمنى حتى إذا أصبح و طلعت الشمس، فلينفر متى شاء «1».

و كيف كان، فالظاهر هو وجوب الرمي في اليوم الثالث عشر إذا بات ليلته بمنى.

و الدليل العمدة عليه، هي السيرة. و يؤيده التعبير به «كل يوم» في بعض الروايات المتقدمة. و الحكم بالفرق بين النفرين، بالإضافة إلى قبل الزوال و بعده، مع أن الداعي إلى الكون في منى قلما يتفق إذا لم يجب الرمي، و إن صارت البيتوتة ليلة الثالث عشر واجبة عليه. مع أنه يبدو في النظر أن البيتوتة إنما هي مقدمة للرمي في النهار، و إن كانت واجبا مستقلا، فتدبر.

(1) قد تقدم البحث في هذه المسألة في شرح المسألة الاولى، و

لا حاجة إلى الإعادة. كما أنه يستفاد من إطلاق وجوب الرمي في يومين أو اليوم الثالث عشر، و عدم التعرض للكمية و الكيفية أن الواجب هو السبع. و كذا رعاية الخصوصيات المعتبرة في رمي جمرة العقبة الذي هو أول مناسك منى يوم النحر و أعماله، و أنه لا فرق أصلا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب العاشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 418

[مسألة 3] في وقت الرمي

مسألة 3- وقت الرمي من طلوع الشمس إلى الغروب. فلا يجوز الرمي في الليل اختيارا، و لو كان له عذر من خوف أو مرض أو علة أو كان راعيا جاز في ليل يومه أو الليل الآتي (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في صورتين:

إحديهما: صورة الاختيار و عدم العذر. و قد ذكر في المتن أن وقت رميه من طلوع الشمس إلى الغروب. و فرّع عليه عدم جوازه في الليل اختيارا. و حكي عن الغنية و الإصباح و جواهر القاضي: أن وقته بعد الزوال. بل عن الشيخ في الخلاف:

إنه لا يجوز الرمي إلّا بعد الزوال. مدعيا عليه إجماع الفرقة، مع أنه لا قائل به أصلا.

بل ذكروا أن كلامه مخالف للإجماع. و عن مقنع الصدوق: إنه كلما قرب إلى الزوال فهو أفضل.

و الدليل على ما أفيد في المتن روايات معتبرة دالة على أن وقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها.

منها: صحيحة صفوان بن مهران، قال سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: ارم الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها «1».

و منها: صحيحة منصور بن حازم، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: رمي الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها «2».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي

جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 419

..........

______________________________

و منها: صحيحة زرارة و ابن أذينة عن أبي جعفر عليه السّلام أنه قال للحكم بن عتيبة: ما حدّ رمي الجمار؟ فقال الحكم: عند زوال الشمس، فقال أبو جعفر عليه السّلام: يا حكم أ رأيت لو أنهما كانا اثنين، فقال أحدهما لصاحبه احفظ علينا متاعنا حتى أرجع، أ كان يفوته الرمي؟ هو و اللّٰه ما بين طلوع الشمس إلى غروبها «1».

و منها: غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك. و عليه فالأمر بالرمي في كل يوم عند زوال الشمس- كما في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة- محمول على الاستحباب أو على التقية، لذهاب بعض فقهاء العامة بذلك.

ثانيتهما: صورة العذر- كالموارد المذكورة في المتن- فيجوز لهم الرمي في الليل.

و قد وردت فيها روايات صحيحة:

منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة «2».

و منها: موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: رخّص للعبد و الخائف و الراعي في الرمي ليلا «3».

و منها: صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إنه قال في الخائف: لا بأس بأن يرمي الجمار في الليل و يضحي بالليل و يفيض بالليل «4».

و منها: غير ذلك من الروايات الدالة على أن المعذور، و من كان عليه المشقة- و لو من كثرة الزحام- يجوز له الرمي في الليل. فلا إشكال في أصل الحكم. إنما

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرابع عشر، ح 5.

(3) الوسائل: أبواب رمي جمرة

العقبة، الباب الرابع عشر، ح 2.

(4) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرابع عشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 420

..........

______________________________

الكلام في أن المراد بالليل، هل هو خصوص الليل السابق على يومه- كما عرفت في النساء بالإضافة إلى رمي جمرة العقبة- أو الأعم من الليل السابق و اللاحق؟

فيه وجهان: بل قولان: حكي الثاني عن كاشف اللثام و صاحب الجواهر قدّس سرّهما لإطلاق الليل. و ذهب إليه الماتن قدّس سرّه لكن المحكي عن صاحب المدارك هو الأول.

و اختاره بعض الأعلام قدّس سرّه نظرا إلى أن الروايات المجوزة للرمي في الليل ناظرة إلى أن تقديمه على وقته إنما هو ممنوع في حق المختار. و أمّا المعذور فيجوز له التقديم. و لا نظر لها إلى مطلق الليل. و يؤكده ما ورد في النساء بالإضافة إلى رمي جمرة العقبة. فليس لكلمة الليل إطلاق يشمل الليل اللاحق.

و يشهد له أيضا صحيحة زرارة و محمد بن مسلم المتقدمة. فإن الإفاضة بالليل و الخروج من منى شاهد على أن المراد هو الليل السابق. و عليه فلا يجوز للمريض المعذور التأخير إلى الليل اللاحق.

أقول: و يؤيده أن مثل الخائف الذي يجوز له الرمي في الليل، يكون غرض الشارع الإرفاق و التوسعة له. و التأخير عن الليل السابق مستلزم لبقائه في منى أكثر. مع أن المقصود التوسعة له، و هي لا تحصل إلّا بالليل السابق، فتدبر، فما اختاره هو الصحيح.

فرع لو فرض أنه لا يتمكن من البقاء في منى أيام التشريق، فهل يجوز له رمي جميع الجمارات في الليلة الأولى، أو أن رمي كل يوم يقدم في ليلته؟

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 421

[مسألة 4] في وجوب الترتيب بين الجمار

مسألة 4- يجب الترتيب بأن يبتدئ بالجمرة الاولى ثم الوسطى ثم العقبة، فإن خالف- و لو عن غير عمد- تجب الإعادة، حتى يحصل الترتيب (1).

______________________________

حكي عن صاحب المدارك قدّس سرّه نفي البعد عن جواز رمي الجميع في ليلة واحدة، و قال:

ربما كان في إطلاق بعض الروايات دلالة عليه. و لا بأس بما أفاده نظرا إلى خصوص صحيحة زرارة و محمد بن مسلم المتقدمة الدالة على جواز الإفاضة بالليل. فإن المتفاهم من ذلك أنه يفعل جميع أعمال منى ثم يفيض و يذهب إلى حيث شاء. و أمّا سائر الروايات فلا إطلاق له أصلا- كما لا يخفى.

(1) يدل على أصل وجوب الترتيب- مضافا إلى استمرار سيرة المتشرعة العملية على ذلك- روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: ارم في كل يوم عند زوال الشمس، و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة، و ابدأ بالجمرة الأولى، فارمها عن يسارها من بطن المسيل، و قل كما قلت يوم النحر، ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة و احمد اللّٰه و أثن عليه و صلّ على النبي و آله، ثم تقدم قليلا فتدعو و تسأله أن يتقبل منك، ثم تقدم أيضا ثم افعل ذلك عند الثالثة و اصنع كما صنعت بالأولى، و تقف و تدعو اللّٰه كما دعوت، ثم تمضي إلى الثالثة و عليك السكينة و الوقار و لا تقف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 422

..........

______________________________

عندها «1».

فإنه يرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب، بالإضافة إلى جل الأمور المذكورة فيها. و لا وجه لرفع اليد عن ظهوره فيه مطلقا، خصوصا مع العطف بكلمة ثم- كما لا يخفى.

و

منها: الروايات الواردة في نسيان أصل الرمي أو الترتيب بين الجمار.

و منها: الروايات الآتية الدالة على وجوب الإعادة، إذا رمى الجمار منكوسة.

و منها: غير ذلك من الروايات الدالة عليه.

ثم إن ظاهر العبارة وجوب الإعادة، و لو فيما إذا خالف الترتيب عن عمد.

أقول: أولا، أن الترتيب المعاد إنما يحصل بالإتيان بالوسطى ثم جمرة العقبة- كما أنه صرّح في المسألة الآتية بالاكتفاء بأربع حصيات في حصول الترتيب.

و ثانيا، أن المخالفة العمدية العلمية قلما يتفق ممن هو في صراط امتثال أمر المولى العالم بخصوصيات المأمور به. فإن من كان في مقام الامتثال كيف يتمشى منه قصد القربة في رمي الجمار مع العلم باعتبار الترتيب و كون عمله مخالفا له؟

فالعمدة في المخالفة غير هذه الصورة، و هي صورة الجهل أو النسيان. و لا شبهة في أن حديث الرفع بالإضافة إليهما، كما يرفع الحكم التكليفي، كذلك يرفع الحكم الوضعي في مورد هذه العناوين. مثل الجزئية و الشرطية و المانعية. فالدليل على عدم وجوب الإعادة في موردها شمول حديث الرفع و اقتضائه الصحة.

______________________________

(1) الوسائل: أورد صدره فيه في أبواب العود إلى منى، الباب الأول ح 1. و ذيله في أبواب رمي جمرة العقبة، الباب العاشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 423

..........

______________________________

و قد عرفت أن صحيحة جميل و صحيحة محمد بن حمران المتقدمتين الواردتين في حجة الوداع الدالتين على الاجتزاء إذا قدم ما حقه التأخير أو أخر ما حقه التقديم، لا يستفاد منهما الضابطة الكلية، حتى بالإضافة إلى غير مناسك منى يوم النحر من أفعال الحج و مناسكه، فضلا عن مثل رمي الجمار الذي عرفت أنه ليس من أجزاء الحج، بل واجب مستقل بعد أعماله

و مناسكه.

و صحيحة مسمع عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل نسي رمي الجمار يوم الثاني، فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الاولى، قال: يؤخر ما رمى بما رمى فيرمي الوسطى ثم جمرة العقبة «1».

و الظاهر من السؤال و إن كان هو نسيان رمي الجمار رأسا، إلّا أنه يستفاد من الجواب أن مراد السائل نسيان الترتيب المعتبر بين الجمار، و المقصود من قوله:

«يؤخر ما رمى بما رمى» هو ما يظهر من الجملة المتفرعة.

و صحيحة الحلبي و حماد جميعا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل رمى الجمار منكوسة، قال: يعيد على الوسطى و جمرة العقبة «2». بعد كون مراد السائل هو الرمي كذلك نسيانا، ضرورة عدم تحققه من العامد إلّا قليلا- كما عرفت.

و من الواضح أن حديث الرفع قابل للتخصيص بالإضافة إلى جميع فقرأته. و لذا ذكرنا أن حديث «لا تعاد» الوارد في الصلاة الدال على استثناء الأمور الخمسة، يدل على البطلان فيها مطلقا. و لا مجال لإجراء حديث الرفع و مثله أصلا. و قد ذكر بعض

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الخامس، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الخامس، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 424

[مسألة 5] في ما لو رمى بأربع حصيات

مسألة 5- لو رمى الجمرة الأولى بأربع حصيات ثم رمى الوسطى بأربع ثم اشتغل بالعقبة صح، و عليه إتمام الجميع بأي نحو شاء. لكن الأحوط لمن فعل ذلك عمدا الإعادة. و كذا جاز رمي المتقدمة بأربع ثم إتيان المتأخرة، فلا يجب التقديم بجميع الحصيات (1).

______________________________

الأعلام أن الجاهل ملحق بالناسي قطعا.

(1) قال المحقق في الشرائع: و من حصل له رمي أربع حصيات، ثم رمى على الجمرة الأخرى

حصل له الترتيب، قال في الجواهر بعده: و إلّا فلا، بلا خلاف أجده فيه- كما اعترف به في الرياض- إلّا من ظاهر المحكي عن علي بن بابويه، بل عن صريح الخلاف و ظاهر التذكرة و المنتهى الإجماع عليه.

أقول: نسب إلى الحلي الإتمام، و لو رمى أقل من أربع. و نسب إلى والد الصدوق- علي بن بابويه القمي- أنه إنما يحكم بالصحة للسابقة إذا أكمل اللاحقة و رماها سبعا. و إلّا فمن أتى بالسابقة أربعا و باللاحقة أربعا أيضا يحكم عليه بالفساد.

و العبارة المحكية عنه في محكي المختلف هكذا: «فإن جهلت و رميت الاولى بسبع حصيات و الثانية بست و الثالثة بثلاث، فارم على الثانية بواحدة و أعد الثالثة، و متى لم تجز النصف فأعد الرمي من أوله، و متى جزت النصف فابن على ما رميت، و إذا رميت الجمرة الأولى دون النصف فعليك أن تعيد الرمي إليها و إلى ما بعدها من أوله».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 425

..........

______________________________

و الظاهر أن المراد من تجاوز النصف و عدمه، هو بلوغ الأربع و عدمه. و قد مرّ في مسألة الطواف البحث في هذه الجهة، فراجع.

و كيف كان فالدليل على المقام- بعد كون مقتضى القاعدة الإعادة، لعدم حصول المأمور به على وجهه و اعتبار الترتيب مطلقا- النصوص الواردة في هذا المجال:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: و قال في رجل رمى الجمار، فرمى الأولى بأربع و الأخيرتين بسبع سبع، قال: يعود فيرمي الأولى بثلاث و قد فرغ، و إن كان رمى الاولى بثلاث و رمى الأخيرتين بسبع سبع، فليعد و ليرمهن جميعا بسبع سبع، و

إن كان رمى الوسطى بثلاث ثم رمى الأخرى فليرم الوسطى بسبع، و إن كان رمى الوسطى بأربع، رجع فرمى بثلاث «1».

و منها: صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار، و يحتمل قويا أن تكون صدر الصحيحة السابقة لا رواية مستقلة، و التقطيع قد تحقق من صاحب الوسائل، كما أنه يحتمل قويا أن تكون صحيحة ثالثة لمعاوية بن عمار، مذكورة في الباب السابع من أبواب العود إلى منى، مرتبطة بهذه الرواية، و يكون المجموع رواية واحدة.

و كيف كان فقد روى عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل رمى الجمرة الأولى بثلاث و الثانية بسبع و الثالثة بسبع، قال: يعيد فيرميهن جميعا بسبع سبع قلت فان رمى الاولى بأربع و الثانية بثلاث و الثالثة بسبع قال: يرمي الجمرة الأولى بثلاث و الثانية بسبع و يرمي جمرة العقبة بسبع، قلت: فإنه رمى الجمرة الأولى بأربع و الثانية بأربع و الثالثة بسبع، قال: يعيد فيرمي الأولى بثلاث و الثانية بثلاث و لا يعيد على الثالثة «2».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب السادس، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب السادس، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 426

..........

______________________________

و منها: الزيادة المذكورة في نقل صاحب المدارك، صحيحة حماد و الحلبي جميعا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل رمى الجمار منكوسة، قال: يعيد على الوسطى و جمرة العقبة «1». و هي: «فإن كان قد رمى الجمرة الأولى أقل من أربع حصيات و أتم الأخيرتين، فليعد على الثلاث جمرات، و إن كان قد رمى من الأولى أربعا فليتم ذلك، و لا يعيد على الأخيرتين. و كذلك إن كان قد رمى من الثانية ثلاثا فليعد

عليها و على الثالثة، و إن كان قد رماها بأربع و رمى الثالثة بسبع فليتمها و لا يعيد الثالثة».

لكنه استظهر صاحب الجواهر قدّس سرّه كون هذه الزيادة من كلام الشيخ- الناقل للرواية- لا من الرواية، قال: كما يظهر لك بالتأمل فيما في الكافي و ما رواه في التهذيب عنه، و لعله لذا لم تذكر في الوافي و الوسائل.

و كيف كان فلا يبقى بملاحظة النصوص و الروايات الوجه في صحة ما أفاده المشهور و أنه لا مجال لخلافها.

نعم يبقى الكلام في أن الحكم هل يشمل العامد، أو يختص بغيره من الناسي و الجاهل؟

استظهر من عبارة شرائع المحقق المتقدمة و من النافع و المحكي عن المبسوط و الخلاف و الجامع و التحرير و التلخيص و اللمعة الأول. خلافا للفاضل في جمع من كتبه و الشهيدين في الدروس و اللمعة حيث قيدوه بالناسي، بل عن الحدائق نسبة التقييد به و بالجاهل إلى الأصحاب، و إن ذكر صاحب الجواهر: و إن كنّا لم نتحققه في الثاني، نعم ألحقه الشهيدان منهم بالناسي.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الخامس، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 427

..........

______________________________

و قد استدل العلامة للاختصاص بأن الأكثر إنما يقوم مقام الكل مع النسيان، و ردّ بأنه مصادرة و إعادة للمدعى. و عن الروضة الاستدلال له بأن المعلوم إنما هو النهي عنه قبل الأربع لا مطلقا، و إن ضعف أيضا بأنه اجتهاد في مقابل النص.

أقول: بعد قيام الدليل على أن الواجب في رمي كل جمرة هو السبع، و بعد قيام الدليل أيضا على اعتبار الترتيب في رمي الجمار، لا بد من ملاحظة أن الروايات التي هي الأساس في محل البحث،

هل تشمل العالم العامد أيضا أم لا؟

و دعوى عدم الشمول للعامد لندرته فلا ينصرف إليه السؤال المعلق عليه الجواب، مدفوعة، بأنها أيضا مصادرة. لأن الندرة ممنوعة مع فرض الشمول، لأن العالم العامد لا يتحقق العمل الفاسد نوعا، و أما العمل الصحيح فلا.

فالحق أن يقال: إن التعبير في قول الراوي و سؤاله بكلمة «رمى» التي ترجع إلى السؤال عن العمل الواقع، و الرمي المتحقق في السابق، مع أن الداعي إلى السؤال و محط نظر السائل هي الصحة، بالإضافة إلى العمل الواقع و عدمها، يقتضي أن يكون مورد السؤال غير صورة العمد الذي تحققت فيها المخالفة للترتيب المأمور به قطعا.

و بعبارة أخرى، قد عرفت أن مقتضى القاعدة الأولية في المقام هو الفساد، لأن المأتي به لا يكون موافقا للمأمور به قطعا. و حيث إن مورد السؤال هو صحة الرمي الواقع و العمل المتحقق. و من الواضح أن قيام الأكثر مقام الكل أمر قد تحقق بمثل هذه الروايات. فلا مجال لدعوى الشمول للعالم العامد بعد عدم ثبوت القيام قبلها.

و لذا ذكر الماتن قدّس سرّه أن مقتضى الاحتياط الوجوبي في صورة العمد الإعادة و الاستيناف رأسا، و إن كان ذيل عبارته لعله يدل على الصحة مع العمد، إلّا أنه لا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 428

[مسألة 6] في ما لو نسي رمي الجمار

مسألة 6- لو نسي الرمي من يوم، قضاه في اليوم الآخر، و لو نسي من يومين، قضاهما في اليوم الثالث. و كذا لو ترك عمدا. و يجب تقديم القضاء على الأداء و تقديم الأقدم قضاء، فلو ترك إلى يوم العيد و بعده، أتى يوم الثاني عشر أولا بوظيفة العيد ثم بوظيفة الحادي عشر ثم الثاني عشر.

و بالجملة

يعتبر الترتيب في القضاء- كما في الأداء- في تمام الجمار و في بعضها. فلو ترك بعضها كجمرة الاولى- مثلا- و تذكر في اليوم الآخر، أتى بوظيفة اليوم السابق مرتبة، ثم بوظيفة اليوم. بل الأحوط فيما إذا رمى الجمرات أو بعضها بأربع حصيات فتذكر في اليوم الآخر، أن يقدم القضاء على الأداء و أقدم قضاءا على غيره (1).

______________________________

يجتمع مع ذلك الاحتياط الوجوبي أصلا. و لذا أوردنا عليه في الحاشية: أن مقتضاه الصحة مع العمد. و هو لا يجتمع مع الاحتياط الوجوبي بالإعادة على العامد، فتدبر.

(1) يدل على أصل وجوب قضاء الرمي المنسي في اليوم الآخر، و كذا لزوم مراعاة الترتيب في الرمي القضائي أيضا روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: قلت الرجل ينكس في رمي الجمار، فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى، قال: يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة، و إن كان من الغد. «1»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الخامس، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 429

..........

______________________________

فإن مورد السؤال إما صورة النسيان أو الجهل و قوله «و إن كان من الغد» ظاهر في وجوب القضاء و لزوم الترتيب في الرمي القضائي. و يستفاد منه حكم صورة نسيان أصل الرمي في يوم، و إطلاق قوله «من الغد» يشمل اليوم الثالث عشر بالإضافة إلى اليوم الذي بعده و إن كان هو اليوم الرابع عشر، و يحتمل قويا أن تكون الرواية قطعة من رواية معاوية بن عمار المفصلة- كما عرفت نظيرها.

ثم إن المشهور قد التزموا بتقديم القضاء على الأداء، بل ادعى الإجماع على ذلك، و حكموا بأن الإتيان بالقضاء بكرة و

بالأداء عند الزوال مستحب. و استدلوا عليه بصحيحة ابن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى، فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس، قال: يرمي إذا أصبح مرتين: مرة لما فاته و الأخرى ليومه الذي يصبح فيه، و ليفرق بينهما، يكون أحدهما بكرة و هي للأمس و الأخرى عند زوال الشمس «1».

و بملاحظة الروايات الدالة على أن وقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى الغروب، يستفاد أن الحكم بالتفريق في الرمي القضائي، و كذا كون القضائي أول النهار و الأدائي عند زوال الشمس حكم استحبابي، و لا يلازم استحباب أصل القضاء مع أن التفريق المستحب بالنحو المذكور استحبابي إجماعا.

نعم يرد على الاستدلال بها: أنها واردة في رمي جمرة العقبة الذي هو من أعمال منى و مناسكه و جزء من أجزاء الحج، بخلاف رمي الجمار الذي عرفت أنه خارج عن أجزاء الحج، و التقديم في جزء الحج على ما ليس جزء له هو مقتضى القاعدة،

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الخامس عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 430

[مسألة 7] في ما لو نسي رمي الجمار حتى دخل مكة

مسألة 7- لو رمى على خلاف الترتيب و تذكر في يوم آخر، أعاد حتى يحصل الترتيب، ثم يأتي بوظيفة اليوم الحاضر (1).

______________________________

و لا حاجة فيه إلى الرواية، بخلاف المقام. فكيف يمكن التعدي من ذلك إلى رمي الجمار، و الحكم بأن قضاء اليوم الحادي عشر مع نسيان الرمي فيه مقدم على الأداء في اليوم الثاني عشر، مع كونهما بنحو واحد في الخروج عن أعمال الحج و عدم كونه جزءا من أجزائه؟ اللهم إلّا مع إلغاء الخصوصية من هذه الجهة. و

يؤيده اشتراك الرميين في الشرائط و الخصوصيات الأخرى.

نعم فيما إذا رمى الجمرات أو بعضها بأربع حصيات و تذكر في اليوم الآخر، يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي- كما في المتن- تقديم القضاء على الأداء، و تقديم الأقدم قضاءا على غيره. فالحكم في مثله بل في أصله مبني على الاحتياط، من دون أن يكون عليه دليل واضح، فتدبر.

(1) قد تقدم البحث عن خلاف الترتيب نسيانا، و كذا الترتيب بين القضاء و الأداء في المباحث السابقة، و لا حاجة إلى الإعادة، فراجع.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 431

[مسألة 8- لو نسي رمي الجمار الثلاث و دخل مكة]

مسألة 8- لو نسي رمي الجمار الثلاث و دخل مكة، فإن دخل في أيام التشريق يجب الرجوع مع التمكن، و الاستنابة مع عدمه، و لو تذكر بعدها أو أخّر عمدا إلى بعدها، فالأحوط الجمع بين ما ذكر و القضاء في العام القابل، في الأيام التي فات منه إما بنفسه أو بنائبه. و لو نسي رمي الجمار الثلاث حتى خرج من مكة، فالأحوط القضاء في العام القابل و لو بالاستنابة. و حكم نسيان البعض في جميع ما تقدم كنسيان الكل، بل حكم من أتى بأقل من سبع حصيات في الجمرات الثلاث أو بعضها حكم نسيان الكل على الأحوط (1).

______________________________

(1) قال المحقق قدّس سرّه في الشرائع: و لو نسي رمي الجمار حتى دخل مكة رجع و رمى، و إن خرج من مكة لم يكن عليه شي ء إذا انقضى زمان الرمي. و الظاهر أن قوله: «إذا انقضى زمان الرمي»- مع ملاحظة أن زمان الرمي هي أيام التشريق على ما عرفت- متعلق بالجملة الأخيرة. و قيد صاحب الجواهر قدّس سرّه الجملة الأولى بقوله: «مع بقاء أيام التشريق التي هي زمان

الرمي».

و كيف كان، فيدل على وجوب الرجوع من مكة مع بقاء أيام التشريق- سواء كان المنشأ للترك هو الجهل أو النسيان- روايات متعددة، و يستفاد منها صورة العمد بطريق أولى، لكن التقييد بأيام التشريق وقع في رواية واحدة فقط، و هي:

رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق، فعليه أن يرميها من قابل، فإن لم يحج رمى عنه وليه، فإن لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي عنه (و خ) فإنه لا يكون رمي الجمار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 432

..........

______________________________

إلّا أيام التشريق «1».

لكن في طريقها محمد بن عمر بن يزيد، و لم يرد فيه توثيق و لا مدح يعتدّ به.

و لكن ضعف السند منجبر بفتوى المشهور على طبقها و استنادهم إليه، و به يقيد إطلاق قوله عليه السّلام «و إن كان من الغد» في صحيحة معاوية بن عمار في المسألة السابقة، و إن قلنا بأن مقتضى إطلاقه القضاء في اليوم الرابع عشر أيضا، إذا فاته الرمي من اليوم الثالث عشر.

و كيف كان فاحتاط وجوبا في المتن في القضاء بعد هذه الأيام لو تذكر بعدها أو أخّر عمدا، و الإتيان به من قابل في الأيام التي فات منه، إمّا بنفسه و إمّا بالاستعانة و الاستنابة.

كما أنه احتاط فيما إذا تذكر بعد الخروج من مكة و يكون نوعا بعد أيام التشريق، لأن الخروج من مكة مع قصد الرجوع إلى الأهل و الوطن يكون بعدها نوعا.

و منشأ الاحتياط سكوت بعض الروايات من هذه الجهة، و ظاهرها عدم وجوب الإعادة و الإتيان من القابل مطلقا، مثل:

صحيحة معاوية

بن عمار عن الصادق عليه السّلام قال: قلت له رجل نسي رمي الجمار، قال: يرجع فيرمي، قلت: فإنه نسيها حتى أتى مكة، قال: يرجع فيرمي متفرقا، يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فإنه نسي أو جهل حتى فاته و خرج، قال: ليس عليه أن يعيد «2».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثالث، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثالث، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 433

[مسألة 9] في أن المعذور يستنيب

مسألة 9- المعذور- كالمريض و العليل- و غير القادر على الرمي- كالطفل- يستنيب، و لو لم يقدر على ذلك- كالمغمى عليه- يأتي عنه الولي أو غيره، و الأحوط تأخير النائب إلى اليأس من تمكن المنوب عنه، و الأولى مع الإمكان حمل المعذور و الرمي بمشهد منه، و مع الإمكان وضع الحصى على يده و الرمي بها. فلو أتى النائب بالوظيفة ثم رفع العذر لم يجب عليه الإعادة، و استنابه مع اليأس، و إلّا تجب على الأحوط (1).

______________________________

لكن صرح الشيخ و غيره: أن الرجوع إنما يجب مع بقاء أيام التشريق و مع خروجها تقضى في القابل. مستدلا عليه في التهذيب بخبر عمر بن يزيد المتقدمة. و الاحتياط مقتض لما أفاده، خصوصا بناء على الانجبار- كما عرفت.

(1) لا إشكال في وجوب الاستنابة عن المعذور، و غير القادر على الرمي- كالطفل. و يدل عليه النصوص:

منها: صحيحة معاوية بن عمار و عبد الرحمن بن الحجاج جميعا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: الكسير و المبطون يرمى عنهما، قال: و الصبيان يرمى عنهم. «1»

و الرواية و إن كان ظاهرها وجوب الرمي عنهم، إلّا أنها تدل على عدم السقوط بمجرد تعذر المباشرة، فالواجب هي الاستنابة.

نعم في المغمى عليه غير القادر على

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب السابع عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 434

..........

______________________________

الاستنابة وجوب إتيان الولي أو غيره عنه.

نعم يقع الكلام في أن المريض الذي يحتمل البرء و حصول القدرة في أواسط اليوم أو أواخره، هل يجوز له الاستنابة بعد عدم جوازها قطعا فيما إذا علم بالبرء في بعض أوقات النهار؟ لأن العجز المجوز للاستنابة المسقط للمباشرة، هو العجز في مجموع الوقت لا في بعضه، نعم مع الشك في زوال العذر و عدمه يجوز له بمقتضى الاستصحاب و بقاء العذر إلى آخر الوقت البدار. لكن الأحوط التأخير إلى اليأس من التمكن، و هذا بعينه مسألة البدار في التيمم التي تقدمت.

ثم إن الأولى مع الإمكان حمل المعذور و الرمي بمشهد منه، و يدل عليه بعض الروايات الظاهرة في الوجوب، مثل:

رواية إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن المريض ترمى عنه الجمار؟ قال: نعم يحمل إلى الجمرة و يرمى عنه «1».

و لكنه لم يقل أحد بالوجوب. ثم إن النائب لو أتى بالوظيفة ثم ارتفع العذر، لا تجب الإعادة قطعا، و مع عدم اليأس تجب الإعادة احتياطا- و قد تقدم.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب السابع عشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 435

[مسألة 10] في فروض الشك

مسألة 10- لو يئس غير المعذور- كوليه مثلا- عن رفع عذره، لا يجب استيذانه في النيابة، و إن كان أحوط. و لو لم يقدر على الإذن لا يعتبر ذلك (1).

______________________________

(1) لا إشكال في أن الولي- مثلا- إذا لم يقدر على الإذن لأية جهة لا يعتبر في صحة عمله

الاستيذان بوجه. و أما مع القدرة عليه يكون مقتضى الاحتياط الاستيذان. لأن التكليف متوجه إلى المعذور. فهو يأتي بالمأمور به، إما مباشرة و إما استنابة. فمقتضى الاحتياط الاستيذان. و إن كان يائسا من رفع عذر المعذور.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 436

[مسألة 11- لو شك بعد مضي اليوم في إتيان وظيفته لا يعتنى به]

مسألة 11- لو شك بعد مضي اليوم في إتيان وظيفته لا يعتنى به، و لو شك بعد الدخول في رمي الجمرة المتأخرة في إتيان المتقدمة أو صحتها لا يعتنى به، كما لو شك بعد الفراغ أو التجاوز في صحة ما أتى، بنى على الصحة، و لو شك في العدد و احتمل النقصان قبل الدخول في رمي الجمرة المتأخرة، يجب الإتيان ليحرز السبع حتى مع الانصراف و الاشتغال بأمر آخر على الأحوط، و لو شك بعد الدخول في المتأخرة في عدد المتقدمة، فإن أحرز رمي أربع حصيات و شك في البقية يتمها على الأحوط، و كذا لو شك في ذلك بعد إتيان وظيفة المتأخرة. و لو شك في أنه أتى بالأربع أو أقل، بنى على الإتيان بالأربع و أتى بالبقية (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الأول: الشك بعد مضي اليوم في إتيان وظيفة اليوم الماضي. و الحكم فيه عدم الاعتناء لكونه شكا بعد خروج الوقت المحدد- كالشك في الإتيان بالظهرين بعد غروب الشمس و مجي ء وقت العشاءين.

الثاني: الشك بعد الدخول في رمي الجمرة المتأخرة في أصل الإتيان برمي الجمرة المتقدمة، أو صحة ما أتى به من رمي جمرتها. و الحكم فيه أيضا عدم الاعتناء. أمّا في الشك في أصل الإتيان، فلقاعدة الفراغ بعد اعتبار الترتيب مطلقا. و في الحقيقة يرجع إلى الشك في الصحة، لأجل اعتبار الترتيب، و الحكم فيه

بعد الفراغ عن العمل، الصحة.

الثالث: الشك في صحة ما أتى به من الرمي. و الحكم فيه أيضا الصحة، لما مر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 437

..........

______________________________

الرابع: الشك في العدد، و احتمال النقصان قبل الدخول في رمي الجمرة المتأخرة.

و الظاهر فيه لزوم الاعتناء و البناء على الأقل، للزوم إحراز السبع المأمور به، و اقتضاء الاستصحاب عدم تحققه، فاللازم إحرازه. هذا فيما إذا لم ينصرف و لم يشتغل بأمر آخر واضح لا ارتياب فيه.

و أما مع الانصراف أو الاشتغال بأمر آخر، ففي المتن لزوم الاعتناء على الأحوط الذي يراد به الاحتياط الوجوبي الناشئ من عدم إحراز تحقق المأمور به الذي هو السبع. و الشك ليس في صحة ما أتى به، حتى تجري فيه أصالة الصحة.

الخامس: الشك بعد الدخول في المتأخرة في عدد المتقدمة بعد إحراز رمي أربع حصيات و الشك في البقية. ففي المتن أنه يتمها على الأحوط.

أما أصل الإتمام فلأن مقتضى الاستصحاب عدم الإتيان بما زاد على أربع. و أما كون الإتمام مقتضى الاحتياط الوجوبي، فلعدم إحراز جريان أصالة الصحة هنا، لأن الشك لا يكون في أصل الصحة، بل في العدد مع وجودها.

السادس: ذلك مع عدم إحراز رمي أربع حصيات. و الحكم فيه- كما في المتن- أنه ينبئ على الأربع و يأتي بالبقية.

أما البناء على الأربع فلجريان أصالة الصحة، و إن كان مقتضى الاستصحاب عدمها. لأن في كل مورد تجري أصالة الصحة تكون هي متقدمة على الاستصحاب المقتضي لخلافها. و أما الإتيان بالبقية فلأن مقتضى الاستصحاب عدم الإتيان بها، و لا مجال لجريان أصالة الصحة بالإضافة إلى الزائد أصلا.

السابع: ذلك بعد الإتيان بوظيفة المتأخرة. و الحكم فيه هو الحكم في الفرع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 438

[مسألة 12] في ما لو تيقن بعدم إتيان واحد من الجمار

مسألة 12- لو تيقن بعد مضي اليوم بعدم إتيان واحد من الجمار الثلاث، جاز الاكتفاء بقضاء الجمرة العقبة. و الأحوط قضاء الجميع، و لو تيقن بعد رمي الجمار الثلاث بنقصان الثلاث فما دون عن أحدها، يجب إتيان ما يحتمل النقصان و الرمي بكل واحد من الثلاث، و لو تيقن في الفرض بنقصان أحدها عن أربع، لا يبعد جواز الاكتفاء برمي الجمرة العقبة و تتميم ما نقص. و الأحوط الإتيان بتمام الوظيفة في الجمرة العقبة، و أحوط منه استئناف العمل في جميعها (1).

______________________________

السادس من التفصيل بين صورة إحراز رمي أربع حصيات و عدم إحرازه. ففي الأول يتمها على الأحوط. و في الثاني يبنى على الأربع و يأتي بالبقية. و من حكم هذه الفروع يظهر حكم جميع الفروع التي يمكن تصويرها في المقام، فتدبر.

(1) قد تعرض في هذه المسألة أيضا لفروع:

الأول: ما لو تيقن بعد مضي اليوم بعدم إتيان واحد من الجمار الثلاث. و قد حكم فيه بجواز الاكتفاء بقضاء الجمرة العقبة، و احتاط استحبابا قضاء الجميع. و الوجه في الجواز في الاكتفاء بقضائها هو العلم تفصيلا ببطلانها، إما لأجل عدم رميها، و إما لأجل كونه فاقدا للترتيب المعتبر مطلقا، فاللازم الإتيان به، و معه لا يبقى له علم بعدم الإتيان أصلا- كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 439

[مسألة 13] في ما لو تيقن بعدم رمي يوم

مسألة 13- لو تيقن بعد مضي الأيام الثلاثة بعدم الرمي في يوم من غير العلم بعينه، يجب قضاء رمي تمام الأيام مع مراعاة الترتيب، و إن احتمل جواز الاكتفاء بقضاء وظيفة آخر الأيام (1).

______________________________

الثاني: ما لو تيقن بعد رمي الجمار الثلاث المتحقق يقينا بنقصان الثلاث فما دون عن أحدها. و حكم

فيه بوجوب إتيان ما يحتمل النقصان، و الرمي بكل واحد من الثلاث. و الوجه فيه أن الصحة متيقنة لفرض تحقق الأربع بالإضافة إلى كل واحدة من الجمرات. و العلم الإجمالي بنقصانه عن أحدها يقتضي الاحتياط برمي كل واحد من الثلاث- كما في سائر الموارد.

الثالث: لو تيقن في الفرض بنقصان أحدها عن أربع. و نفى في المتن البعد عن جواز الاكتفاء برمي الجمرة العقبة و تتميم ما نقص. و الوجه فيه لزوم التتميم على أي حال، لكونه ناقصا عن أربع أو مأتيا به بعد الناقص كذلك، فبالتتميم و إتيان ما نقص لا يبقى له ذلك. لكن الأحوط الاستحبابي الإتيان بتمام الوظيفة في خصوص الجمرة العقبة لا الاكتفاء بالتتميم، و أحوط منه استيناف العمل في الجميع و رمي جميع الجمار الثلاث، لأنه يحصل له اليقين التفصيلي بتحقق الوظيفة الشرعية في مسألة الرمي، فتدبر.

(1) الوجه في قضاء رمي تمام الأيام مع مراعاة الترتيب، هو العلم الإجمالي المقتضي للاحتياط، بعد اختصاص كل يوم بنية خاصة من الأداء و القضاء، و قضاء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 440

..........

______________________________

كل يوم من الأيام. فإن قضاء اليوم الحادي عشر يفتقر إلى نية خاصة، و كذا قضاء اليوم الثاني عشر، و هكذا. فمقتضى الاحتياط هو وجوب قضاء رمي تمام الأيام. و لا يكون هذا مثل ما لو علم بنسيان واحدة من الظهرين، حيث يجوز الاكتفاء بصلاة واحدة مرددة بين إحدى الظهرين. و كذا لو علم بوجوب الإتيان بصلاة واحدة أربع ركعات، مرددة بين الأداء و القضاء.

لكنه احتمل في المتن جواز الاكتفاء بقضاء وظيفة آخر الأيام. و الوجه فيه هو العلم التفصيلي ببطلانه، إما لأجل عدم تحققه، و إما

لأجل فقدانه للترتيب المعتبر.

و قد عرفت أن اعتبار الترتيب بهذا النحو لا يكون عليه دليل واضح، بل يكون مبنيا على الاحتياط. فالواجب هي رعاية العلم الإجمالي و قضاء رمي تمام الأيام، مع مراعاة الترتيب، فتدبر.

هذا تمام الكلام في رمي الجمار الثلاث.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 441

[القول في الصدّ و الحصر]

اشارة

القول في الصدّ و الحصر

[مسألة 1] في معنى الصدّ و الحصر

مسألة 1- المصدود من منعه العدو أو نحوه عن العمرة أو الحج، و المحصور من منعه المرض عن ذلك (1).

______________________________

(1) قال المحقق في الشرائع: الصدّ بالعدوّ، و الإحصار بالمرض لا غير. و قال صاحب الجواهر في شرحه: كما هو المعروف بين الفقهاء، بل في المسالك اختصاص الحصر بالمرض هو الذي استقر عليه رأي أصحابنا و وردت به نصوصهم، بل ظاهر المنتهى الاتفاق على إرادة ذلك من اللفظين المزبورين، بل عن صريح التنقيح و كنز العرفان ذلك- إلى أن قال:- بل في المسالك هو- أي: الحصر- بمعنى المرض مطابق للغة- إلى أن قال:- هذا كلام العرب، و إن كان المحكي عن غيرهم من أهل اللغة خلاف ذلك.

أقول: هنا أمور لا بد من التوجه و النظر إليها:

الأول: أنه ربما يكون المانع عن إتمام الحج أو العمرة مع التلبس بإحرامهما غير ذلك، كالسيل و شدة العطوفة من ناحية الأب أو غيره.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 442

..........

______________________________

الثاني: بعض الروايات، مثل:

صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إنه قال: المحصور غير المصدود، و قال: المحصور هو المريض، و المصدود هو الذي يرده المشركون، كما ردوا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم ليس من مرض. و المصدود تحل له النساء، و المحصور لا تحل له النساء «1».

الثالث: وقوع التعبير بالإحصار في قوله تعالى: .. فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. «2» و قد احتج به الأصحاب على مسائل من أحكام الصدّ. بل في المسالك عند العامة الحصر و الصدّ واحد من جهة العدوّ، و نحوه ما عن المنتهى.

أقول: يغلب على الظن أن المحصور

من منعه المرض، أو شبهه من الجهات الداخلية غير المرتبطة إلى شخص أو أمر آخر. و المصدود من منعه العدوّ، أو مثله من الجهات الخارجية- من دون فرق بين أن يكون مشركا أو غيره أو إنسانا أو غيره، مثل: السيل- و الذي يسهل الخطب اشتراك العنوانين في كثير من الأحكام و اختلافهما في بعضها- كما سيظهر إن شاء اللّٰه تعالى.

و ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه: إنه قيل هنا ان جملتها- أي الأمور التي يفترقان فيهما- ستة:

1- عموم تحلل المصدود بمحلله لكل ما حرم عليه بالإحرام حتى النساء، بخلاف المحصر الذي يحل له ما عدا النساء المتوقف حلهن له على طوافها.

2- الإجماع على اشتراط الهدي في المحصور بخلاف المصدود، فإن فيه خلافا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الأول، ح 1.

(2) سورة البقرة (2): 196.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 443

..........

______________________________

3- تعين مكان ذبح هدي المحصور بمكة في إحرام العمرة و بمنى في إحرام الحج، بخلاف المصدود الذي يذبح حيث وجد المانع.

4- افتقار المحصور إلى الحلق أو التقصير مع الهدي، بخلاف المصدود فإن فيه قولين.

5- تعين تحلل المصدود بمحلله في مكانه، بخلاف المحصور الذي هو بالمواعدة التي قد تتخلف.

6- كون فائدة الشرط في عقد الإحرام للمحصور تعين تعجيل التحلل، بخلاف المصدود الذي فيه الخلاف في أنه هل يفيد سقوط الهدي أو كون التحلل عزيمة لا رخصة أو مجرد التعبد؟ انتهى.

أقول: سيظهر الاختلاف في هذه الأحكام في المسائل الآتية، إن شاء اللّٰه تعالى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 444

[مسألة 2] في حكم المصدود

مسألة 2- من أحرم للعمرة أو الحج يجب عليه الإتمام، و لو لم يتم بقي على إحرامه، فلو

أحرم للعمرة فمنعه عدوّ أو نحوه- كعمّال الدولة أو غيرهم- من الذهاب إلى مكة، و لم يكن طريق غير ما صدّ عنه، أو كان و لم يكن له مئونة الذهاب منه، يجوز له التحلل من كل ما حرم عليه بأن يذبح في مكانه بقرة أو شاة أو ينحر إبلا، و الأحوط قصد التحلل بذلك، و كذا الأحوط التقصير، فيحل له كل شي ء حتى النساء (1).

______________________________

(1) أما وجوب إتمام العمرة أو الحج إذا شرع فيهما و تلبس بإحرامهما و أنه لو لم يتم بقي على إحرامه، فلتسالم الأصحاب عليه ظاهرا، و إن كانا استحبابيين، و لقوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ .. «1» و هو بإطلاقه لا يختص بالواجب، مضافا إلى عدم وجوب العمرة أصلا، إلّا بالإضافة إلى حجة الإسلام، لمن كان واجبه التمتع أو العمرة المفردة، بالإضافة إلى غيره- و قد مر.

و أما المصدود عن إتمام العمرة التي تلبس بها مع عدم إمكان الوصول إلى مكة، إما لأنه لا يكون طريق غير ما صدّ عنه، أو لأنه لا يكون له مئونة الذهاب إليه.

فالمعروف بين أصحابنا، بل المدعى عليه الإجماع أنه يجب عليه الذبح أو النحر في مكانه.

و المحكي عن ابني بابويه و إدريس عدم الوجوب، و أنه يتحلل بمجرد العجز،

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 445

..........

______________________________

و لا يجب عليه الذبح أو النحر، بل ربما يكون هذا كاشفا عن بطلان إحرامه، لأنه لا يتمكن من الإتمام بالطواف و السعي و التقصير. و ربما يجعل هذا مطابقا للقاعدة، مع قطع النظر عن الكتاب و الرواية. لأن وجوب الذبح أو النحر يدفعه أصالة عدم الوجوب إذا شك

فيه.

لكن الكتاب و الرواية يخالفان للقاعدة و يحكمان بالوجوب.

أمّا الكتاب، فقوله تعالى: .. فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. «1» نظرا إلى أن الحصر لغة بمعنى المنع، و لا يكون موضوعا للحصر بالمرض خاصة. بل معناه اللغوي مطلق الحصر و المنع و إن كان بسبب العدو. و منه قوله تعالى لِلْفُقَرٰاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ .. «2»، أو إلى أن الآية وردت كما في الرواية التي مرت آنفة في صد المشركين لرسول اللّٰه في الحديبية، فإنه صلّى اللّٰه عليه و آله نحر في مكانه و رجع. مضافا إلى أن قوله تعالى في وسط الآية .. فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ .. «3» يدل على أن الحصر المفروض في الفوق و أول الآية لا يكون مختصا بالمرض، و إلّا فلا يلتئم مع هذا القول بوجه.

نعم هنا رواية رواها حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: مر رسول اللّٰه على كعب بن عجرة الأنصاري، و القمل يتناثر من رأسه و هو محرم، فقال: أ تؤذيك هوامك؟ فقال:

نعم. قال: فأنزلت هذه الآية: ..

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

(2) سورة البقرة (2): 273.

(3) سورة البقرة (2): 196.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 446

..........

______________________________

فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ .. «1» فأمره رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله بحلق رأسه، و جعل عليه الصيام ثلاثة أيام، و الصدقة على ستة مساكين، لكل مسكين مدان، و النسك شاة.

قال: و قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام و كل شي ء في القرآن (أو) فصاحبه

بالخيار، يختار ما شاء.

و كل شي ء في القرآن (فمن لم يجد) فعليه كذا، فالأول بالخيار «2».

و يظهر من هذه الرواية عدم كون .. فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ .. «3» جزءا و بعضا من الآية التي واقعة هي في وسطها، بل آية مستقلة. فلا يصير قرينة على أن المراد بالحصر المفروض في الصدر أعم من المرض. و لكن الرواية- مضافا إلى أنها لا تعلم كونها مسندة أو مرسلة، فلا يجوز الاعتماد عليها من هذه الجهة- تكون مخالفة للقرآن الذي يكون الآية شاملة له أيضا.

و أمّا السنة فروايات:

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: المصدود يذبح حيث صدّ و يرجع صاحبه فيأتي النساء. و المحصور يبعث بهديه فيعدهم يوما فإذا بلغ الهدي أحلّ هذا في مكانه، قلت: أ رأيت إن ردوا عليه دراهمه و لم يذبحوا عنه و قد أحلّ فأتى النساء؟

قال: فليعد و ليس عليه شي ء، و ليمسك الآن عن النساء إذا بعث «4».

و من المعلوم أن الجملة الفعلية تدل على الوجوب بل بنحو أظهر و آكد،- كما قد قرر في الأصول- و التعبير بالذبح لا يكون مقابلا للنحر. كما يؤيده التعبير بالهدي

______________________________

(1) نفس المصدر.

(2) الوسائل: أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع عشر، ح 1.

(3) سورة البقرة (2): 196.

(4) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الأول، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 447

..........

______________________________

الذي هو أعم- كما مر.

و منها: بعض الروايات الحاكية لفعل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله حين صدّه المشركون عن الحج في الحديبية، مثل:

صحيحة معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يرسل بالهدي تطوعا، قال:

يواعد أصحابه يوما يقلدون فيه، فإذا كان تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنب المحرم إلى يوم النحر، فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه. فإن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله حيث صدّه المشركون يوم الحديبية نحر بدنة و رجع إلى المدينة «1».

و من المعلوم أن الحاكي لفعل الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله إذا كان هو الإمام المعصوم عليه السّلام، و كان الغرض من حكايته بيان الحكم بهذا النحو، لا مجال لحمل الفعل على الاستحباب أو احتمال كونه محمولا عليه، ما لم يقم قرينة على ذلك، و إن كان فعل الرسول في نفسه محتملا لذلك- كما لا يخفى- إلّا أن يقال بأن الكلام في الصدّ عن العمرة لا الحج.

و منها: غير ذلك من الروايات. فلا مجال بملاحظة الكتاب و السنة في الإشكال على الوجوب و لزوم الهدي.

بقي في هذه المسألة أمور ينبغي التعرض لها:

الأول: محل الذبح و مكانه.

صريح بعض الفتاوى و النصوص و ظاهر غيره، إنه محل صدّه، و إن كان خارج الحرم و لا يجب عليه البعث. خلافا للمحكي عن أبي الصلاح و غيره من بعض آخر من إنفاذه كالمحصور، و يبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله و يذبح يوم النحر.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب التاسع، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 448

..........

______________________________

و عن الإسكافي التفصيل في البدنة بين إمكان إرسالها فيجب، و عدمه فينحرها في مكانه. و نفى البعد صاحب الجواهر قدّس سرّه عن التخيير بين البعث و الذبح عنده، كما عن الخلاف و المنتهى و التحرير و التذكرة.

أقول: حيث إن الكلام في المصدود عن العمرة و هي لا ارتباط لها

بيوم النحر إلّا العمرة التي تعدّ جزءا للحج و بعضا منه و هي عمرة التمتع. و من الواضح- كما دلت عليه الروايات المتقدمة- أن لكل شهر عمرة، و لا يختص بأشهر معلومات التي هي ثلاثة أشهر. فمن الممكن أن تكون العمرة المصدود عنها واقعة بعد آخر أشهر الحج، أو بعد تمامية زمان الحج بلا فصل. فلا مجال لاحتمال وجوب البعث إلى منى، و الذبح أو النحر يوم النحر، لافتقار ذلك إلى مضي قريب سنة- مثلا- و من الواضح أنه لا مجال للحكم عليه بالصبر إلى زمان يوم النحر و حصول التحلل. سيما بالإضافة إلى النساء بالذبح أو النحر يومه.

مع أن الصد ربما يكون عاما لا شخصيا، فكيف يمكن له البعث و لو باستعانة النائب؟ و قوله تعالى: .. وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ .. «1»

ينحصر بالمحصور و لا يشمل المصدود. و إن كان قوله تعالى: .. فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. «2» لا يختص به- كما عرفت- و قد وقع في أكثر الكلمات الخلط بين المصدود عن الحج و المصدود عن العمرة، فتأمل حتى لا يختلط عليك الأمر.

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

(2) نفس المصدر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 449

..........

______________________________

و بالجملة فالظاهر تعين الذبح حين ما صدّ في العمرة التي هي محل البحث فعلا، و لا مجال للبعث بوجه بعد عدم دلالة دليل عليه، بل كما أفاد بعض الأعلام قدّس سرّه نقول:

بأنه لا دليل على لزوم البعث، بل يذبح حيث شاء و لو في بلاده. لأن عدم وجوب الذبح في مكان الصد لا يقتضي الوجوب في مكان آخر، بل له أن يذبح في أي مكان

شاء.

الثاني: زمان الذبح أو النحر.

ظاهر الصحيحة المتقدمة ان زمانه يتحقق بمجرد تحقق عنوان الصد و المصدود، و لا يتحقق ضيق الوقت هنا بالإضافة إلى العمرة المفردة التي عرفت أن لكل شهر عمرة أصلا. نعم يمكن تصويره بالإضافة إلى عمرة التمتع التي يبقى وقتها إلى حصول ضيق وقت الحج- كما عرفت أيضا- فبملاحظة ما ذكرنا في كلتا العمرتين يظهر حكم المسألة، فتدبر.

الثالث: ظاهر عبارة الماتن قدّس سرّه أن مقتضى الاحتياط الوجوبي قصد تحلل المصدود عن العمرة بذبح ما يذبحه أو نحر ما ينحره. مع أن التحلل- على ما عرفت- من مواطنه المتعددة كان يحصل قهرا من دون حاجة إلى نية. فبالتقصير في العمرة و به أو بالحلق في الحج كان يحصل التحلل و إن لم يقصده.

و يظهر من المحقق في الشرائع اعتبار نيته جزما. حيث قال: و لا يتحلل إلّا بعد الهدي و نية التحلل. و ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه كما صرّح به الشيخ و ابن حمزة و الحلي و يحيى بن سعيد و الفاضل و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، و ليس لاعتبارها دليل قوي، و اشتراك الذبح أو النحر بين المأمور به و بين غيره. و إن كان يقتضي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 450

..........

______________________________

اعتبار قصد كونه مربوطا بالصد و المصدودية الحاصلة. إلّا أنه لا يقتضي اعتبار النية في حصول التحلل بعد عدم اعتبارها لا في الحج و لا في العمرة.

فلا دليل على الاعتبار إلّا الخروج عن مخالفة المذكورين فلا سبيل لاعتبارها إلّا على نحو الاحتياط- كما في المتن.

الرابع: ظاهر الفاضل في محكي القواعد اعتبار التقصير مضافا إلى ما مرّ، كما أن ظاهر ما حكي عن

المراسم و الغنية و الكافي التخيير بينه و بين الحلق في أحد النقلين عن الأخيرين، و في آخر تعين الحلق. نعم عن الشهيدين التخيير.

و ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه أنه لا دليل معتبر على التعيين لأحدهما و لا على التخيير عدا رواية عامية بحلقه صلّى اللّٰه عليه و آله يوم الحديبية، ذكرها البيهقي في سننه و هي غير ثابتة. بل في بعض الروايات التقصير مكان الحلق، مثل:

رواية حمران عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله حين صدّ بالحديبية قصّر و أحلّ و نحر ثم انصرف منها، و لم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك. فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير «1».

و المراد بالجملة الأخيرة هو المصدود. و التعبير بالمحصور إنما هو بتبع الآية الشريفة. و في سند الرواية سهل بن زياد. و يكون أكثر الروايات الحاكية لعمل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله يوم الحديبية خالية عن الحلق و التقصير معا. مع أن في بعض الروايات دلالة على العدم. مثل:

رواية الفضل بن يونس عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل عرض له

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 5، ص: 450

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب السادس، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 451

..........

______________________________

سلطان، فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل أن يعرف، فبعث به إلى مكة فحبسه، فلما كان يوم النحر خلّى سبيله. كيف يصنع؟ فقال: يلحق فيقف بجمع ثم ينصرف إلى منى

فيرمي و يذبح و يحلق، و لا شي ء عليه، قلت: فإن خلي عنه يوم النفر، كيف يصنع؟

قال: هذا مصدود عن الحج، إن كان دخل متمتعا بالعمرة إلى الحج فليطف بالبيت أسبوعا ثم يسعى أسبوعا و يحلق رأسه و يذبح شاة، فإن كان مفردا للحج فليس عليه ذبح و لا شي ء عليه «1».

لكن الرواية كما ترى. فانقدح انه لا دليل على اعتبار الحلق أو التقصير في المصدود عن العمرة الذي هو محل البحث في المقام فعلا، لكن مقتضى الاحتياط- كما في المتن- رعاية التقصير. و لا مجال لإجراء الاستصحاب بعد تغير الحال بالمصدودية- كما لا يخفى.

الخامس: لا إشكال و لا خلاف في تحقق الصد عن العمرة بالمنع عن دخول المحرم لمكة الطيبة. و هل تتحقق المصدودية بالمنع عن فعل الطواف و السعي بعد الوصول و دخول مكة أم لا؟

فيه وجهان، استظهر صاحب الجواهر قدّس سرّه ذلك أيضا. فليس المصدودية عن العمرة منحصرة بما إذا منع العدوّ أو شبهه من الذهاب إلى مكة، بل يشمله و من وصل و منع من فعل الطواف و السعي- كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الثالث، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 452

[مسألة 3] في المصدود عن العمرة

مسألة 3- لو دخل بإحرام العمرة مكة المعظمة و منعه العدوّ أو غيره عن أعمال العمرة، فحكمه ما مرّ فيتحلل بما ذكر، بل لا يبعد ذلك لو منعه من الطواف أو السعي، و لو حبسه ظالم أو حبس لأجل الدين الذي لم يتمكن من أدائه كان حكمه ما تقدم (1).

[مسألة 4- لو أحرم و طالبه ظالم لدخول مكة]

مسألة 4- لو أحرم و طالبه ظالم لدخول مكة أو لإتيان النسك ما يتمكن من أدائه، يجب إلّا أن يكون حرجا. و لو لم يتمكن أو كان حرجا عليه، فالظاهر أنه بحكم المصدود (2).

______________________________

(1) قد تقدم البحث في هذه المسألة في الأمر الخامس من الأمور الخمسة في المسألة السابقة. نعم لم يقع التعرض لحبس الظالم أو لحبس الدين الذي لا يتمكن من أدائه. و الظاهر أنه لا فرق بين حبس السلطان و الظالم. كما أنه لا فرق بين أن يكون منشأ المنع الدين أو غيره. و قد مرّ أن المصدود لا ينحصر بما إذا كان المانع هو العدوّ، بل يشمل ما إذا منعه السيل و نحوه.

(2) ظهر مما مر أن جريان حكم المصدود ينحصر بصورة المنع عن دخول مكة رأسا أو عن الأعمال فيها. و أمّا إذا طالب الظالم ما لا يتمكن من أدائه و لا يكون حرجا عليه، لا يكون من مصاديق المصدود، نعم بحكمه فيما إذا لم يتمكن أو كان حرجا عليه. و السر عدم تحقق عنوان المصدود في الصورة الأولى دون الثانية.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 453

[مسألة 5] في ما لو كان له طريق غير ما صدّ عنه

مسألة 5- لو كان له طريق إلى مكة غير ما صدّ عنه، و كانت له مئونة الذهاب منها بقي على الإحرام و يجب الذهاب إلى الحج. فإن فات منه الحج يأتي بأعمال العمرة المفردة و يتحلل، و لو خاف في المفروض عدم إدراك الحج، لا يتحلل بعمل المصدود، بل لا بد من الإدامة، و يتحلل بعد حصول الفوت بعمل العمرة المفردة (1).

______________________________

(1) قد وقع في هذه المسألة الخلط بين المصدود عن العمرة و المصدود عن الحج.

و الكلام الآن في

الفرض الأول.

فإن المصدود عن العمرة ممنوع بعد التلبس بالإحرام، إما عن دخول مكة أو عن إتيان مناسك العمرة فيها.

و أمّا المصدود عن الحج فهو ممنوع عنه رأسا أو عن جملة من أركانه، و لا يكون ممنوعا عن دخول مكة.

و قد عرفت وقوع الخلط بينهما في كثير من الكلمات و العبارات. و اللازم التأمل و عدم الاختلاط بين الأمرين.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 454

[مسألة 6] في الصد عن الحج

مسألة 6- يتحقق الصد عن الحج بأن لا يدرك لأجله الوقوفين لا اختياريهما و لا اضطراريهما، بل يتحقق بعدم إدراك ما يفوت الحج بفوته و لو عن غير علم و عمد. بل الظاهر تحققه بعد الوقوفين بمنعه عن أعمال منى و مكة أو أحدهما و لم يتمكن من الاستنابة، نعم لو أتى بجميع الأعمال و منع عن الرجوع إلى منى للمبيت و أعمال أيام التشريق لا يتحقق به الصد، و صح حجه، و يجب عليه الاستنابة للأعمال من عامه. و لو لم يتمكن ففي العام القابل (1).

______________________________

(1) المقصود من هذه المسألة بيان ما به تتحقق المصدودية عن الحج.

فنقول: لا ينبغي الإشكال في أنه إذا صار الصد موجبا لعدم إدراك الوقوفين لا الاختياري و لا الاضطراري الموجب لبطلان الحج، و لو لم يكن عن عمد و التفات، يتحقق به الصد عن الحج الموضوع لأحكام الصدّ عنه و آثاره.

كما أنه لا ينبغي الإشكال فيما إذا صار موجبا لعدم إدراك الحج من ناحية أخرى، و يفوت الحج بفواته من الأقسام المتعددة المذكورة فيما سبق في مسائل الوقوف بعرفات. نعم في خصوص مسألة التقية المانعة عن إدراك الوقوفين كلام، تقدم في إحدى مسائله، فراجع.

و أمّا الممنوعية عن خصوص أعمال منى

التي استظهر الماتن قدّس سرّه تحققه بالمنع عنها فقط، أيضا مع عدم التمكن من الاستنابة. فقد استشكلنا فيه في التعليقة على المتن،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 455

..........

______________________________

فنقول:

لا ينبغي الارتياب في عدم تحقق الصد مع التمكن من الاستنابة في أعمال منى، لأنها كلها يكون قابلا لذلك.

أمّا الرمي، فلا إشكال فيه في الاستنابة، مع عدم إمكان حضور الرامي عند الجمار، و عدم تمكنه منه بالمباشرة.

و أمّا الذبح أو النحر، فتجوز الاستنابة فيه حتى في حال الاختيار، و عدم عروض عارض أصلا، كما أن الحلق أو التقصير لا ينحصران بمنى. و قد مرّ بعض الكلام في ذلك.

و أمّا مع عدم إمكان الاستنابة، فقد نقل صاحب الجواهر قدّس سرّه عن صاحبي المسالك و المدارك و كذا عن غيرهما: البقاء على الإحرام و أن أدلة الصدود تشمله، لاختصاصها بالصد عن أركان الحج. لكن المحكي عن المحقق النائيني أنه حكى عنهم البقاء على الإحرام مع قيد «إلى أن يتحلل بمحلله» و يمكن أن يكون القيد من الحاكي إضافة توضيحا بنظره.

و استظهر بعض الأعلام قدّس سرّه أن كلا القولين ضعيف. و محصل ما أفاده في وجه الضعف:

أن الرمي و الذبح و الحلق إن كانت شرطيتها للطواف و السعي بعدها شرطية مطلقة، فحينئذ يكون الصد عن أعمال منى صدا عن الأعمال البعدية أيضا، لعدم تمكنه من الطواف المأمور به- مثلا- الصحيح، لأن الصد عن المقدمة صد عن ذيها بعد فرض الشرطية المطلقة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 456

..........

______________________________

و إن كانت شرطيتها شرطية اختيارية. و مرجعه إلى سقوط شرطية التقدم عند العجز و عدم التمكن- كما هو المختار- فلا يتحقق الصد حينئذ، بل

يودع ثمن الهدي عند من يثق به ليشتري به الهدي، و عند عدم التمكن ينتهي الأمر إلى الصوم.

و كذا الحلق إنما يجب مع التمكن من إتيانه في منى و مع عدمه يسقط ذلك فيصح خارج منى.

و أما الرمي فإذا لم يرم نسيانا و تذكر في مكة و أمكنه الرجوع يرجع و يرمي، و إن تذكر في طريقه إلى بلاده فليس عليه شي ء. فعدمه لا يكون مانعا عن الطواف.

هذا، و لكن المسألة مشكلة، خصوصا بعد كون أعمال منى يوم النحر من عمدة أعمال الحج و مظاهرة. و خصوصا مع قوله تعالى وَ الْبُدْنَ جَعَلْنٰاهٰا لَكُمْ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ .. «1» و أيضا مع مدخلية الحلق أو التقصير في حلية كثير من محرمات الإحرام، بل في جميعها عدا ثلاثة منها- كما عرفت.

و أمّا مع الإتيان بجميع أعمال منى فلا يتحقق عنوان الصدّ مع الممنوعية عن المبيت بمنى ليالي التشريق، أو الرمي في اليومين أو الأيام. لما عرفت من عدم كونها من أعمال الحج و مناسكه. و لذا لا يقدح الإخلال بهما عمدا في صحة الحج و تمامية عمله، بل إن كان متمكنا من الاستنابة في نفس ذلك العام يستنيب، و إلّا ففي العام القابل.

______________________________

(1) سورة الحج (22): 36.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 457

[مسألة 7] في وجوب الحج في العام القابل على المصدود

مسألة 7- المصدود عن العمرة أو الحج لو كان ممن استقر عليه الحج أو كان مستطيعا في العام القابل، يجب عليه الحج، و لا يكفي التحلل المذكور عن حجة الإسلام (1).

______________________________

(1) المستفاد من أدلة الصد أنها في مقام بيان طريق للمكلف إلى الخروج عن إحرام الحج أو العمرة. و أما كفاية عمل المصدود، و حصول التحلل المذكور له

عن حجة الإسلام التي استقرت عليه أو تستقر عليه بالاستطاعة في العام القابل، فلا دلالة له على ذلك. بل يبقى حجة الإسلام على حالها، و يتحقق الوجوب بالإضافة إليها في العام القابل.

و منه يظهر أنه مع حصول الصد في عام الاستطاعة، بالإضافة إلى العمرة التي يكون المراد بها هي عمرة التمتع لا العمرة المفردة، أو بالإضافة إلى الحج لا يتحقق منه الحج الواجب، و لا يكفي التحلل عنها، بل إن بقيت إلى العام القابل تبقى عليه حجة الإسلام. فلا يتخيل أن أدلة الصدّ إنما تكون بصدد رفع التكليف، بل- كما عرفت- تكون هي بصدد بيان الخروج عن الإحرام الذي ترتبت عليه محرمات كثيرة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 458

[مسألة 8] في جواز التحلل للمصدود

مسألة 8- المصدود جاز له التحلل بما ذكر، و لو مع رجاء رفع الصد (1).

______________________________

(1) لا ينبغي الإشكال في تحقق الصد إن كان موجبا للقطع بعدم إمكان الإتيان بعمرة التمتع أو بالحج في وقته، كما أنه لا إشكال في عدم تحقق الصدّ مع القطع بارتفاعه بحيث يمكن له الإدراك من دون حرج و مشقة. فإذا صد يوما واحدا و أمكن له الإدراك بعده، كذلك لا مجال لتوهم تحقق الصد الموضوع للأحكام المذكورة بالإضافة إليه.

و أمّا مع رجاء رفع الصد، فالذي ذكره في المتن جواز التحلل بما ذكر في هذه الصورة. و الوجه فيه تحقق عنوان المصدود في هذا المورد. و قد ذكرنا في التعليقة أنه مشكل في بعض الفروض.

و المراد منه أن يكون الرجاء في مرحلة ضعيفة و مرتبة سفلى. فإنه لا يجوز التحلل حينئذ، بل الظاهر لزوم انتظار المستقبل، إما من حيث الزمان، و إمّا من جهة الأنصار و الأعوان،

و إمّا من جهة أخرى، فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 459

[مسألة 9] في أحكام الإحصار

مسألة 9- من أحرم للعمرة و لم يتمكن بواسطة المرض من الوصول إلى مكة، لو أراد التحلل لا بد من الهدي. و الأحوط إرسال الهدي أو ثمنه بوسيلة أمين إلى مكة و يواعده أن يذبحه أو ينحره في يوم معين و ساعة معينة، فمع بلوغ الميعاد يقصر فيتحلل من كل شي ء إلّا النساء، و الأحوط أن يقصد النائب عند الذبح تحلل المنوب عنه (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة جهات من البحث:

الاولى: في معنى الإحصار. و قد عرفت أن معناه في مقابل المصدود، هو ما كانت الممنوعية لأجل جهة داخلية مثل المرض.

لكن المحقق عنون في الشرائع: «المحصر». و قال صاحب الجواهر قدّس سرّه في شرحه ما هذه عبارته:

اسم مفعول من أحصره المرض إذا منعه من التصرف، و يقول للمحبوس حصر بغير همز، فهو محصور. و لكن عن الفراء جواز قيام كل منهما مقام الآخر. و ربما يؤيده استعمال الفقهاء لهما هنا، خلافا لما عن الزجاج و المبرد من اختصاص الحصر بالحبس و الإحصار في غيره، و كذا عن يونس، قال: «إذا ردّ الرجل عن وجه يريد فقد أحصر و إذا حبس فقد حصر». و عن أبي إسحاق النحوي: «الرواية عن أهل اللغة أن يقال للذي منعه الخوف و المرض أحصر، و يقول للمحبوس حصر». و عن أبي عمرو الشيباني: «حصر بي الشي ء و أحصر بي، أي: حبسني». و عن التبيان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 460

..........

______________________________

و المجمع عن أهل البيت عليهم السّلام: «إن المراد بالآية من أحصره الخوف أو المرض، و لكن بلوغ هدي

الأول محله ذبحه حيث صدّ، و هدي الثاني ذبحه في الحرم». و كذا عن ابن زهرة أنه عمم الإحصار في الآية و اللغة. و قال الكسائي و الفراء و أبو عبيدة و تغلب:

«و أكثر أهل اللغة يقول: أحصره المرض لا غير، و حصره العدو و أحصره أيضا».

و كذا الشيخ في محكي الخلاف إلّا أنه حكى هذه العبارة عن الفراء خاصة. و الأمر في ذلك كله سهل بعد التوسع في الآية. انتهى.

أقول: وقع التعبير بالإحصار في الآية الشريفة أولا، و الظاهر الاتفاق على أن شأن نزول الآية هو صد المشركين لرسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله في قصة الحديبية، و لم يكن له مرض مانع عن المناسك أصلا، فاللازم ملاحظة كلتا الجهتين و جعل الآية هي الملاك- كما لا يخفى.

الثانية: في أن من أحرم للعمرة، سواء كانت العمرة المفردة أو عمرة التمتع إذا لم يتمكن من الإتمام لأجل المرض و نحوه يجب عليه الهدي، لقوله تعالى: .. فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. «1» و لدلالة الروايات الآتية- إن شاء اللّٰه تعالى.

الثالثة: هل الواجب البعث بأن يرسل الهدي أو ثمنه بوسيلة أمين إلى مكة؟ إلى آخر المذكورات في المتن، أو أنه يجوز له الذبح أو النحر في مكانه، أم تفصيل بين العمرة المفردة فيجوز في مكانه، و بين عمرة التمتع فيبعث؟

ظاهر المتن الاحتياط الوجوبي بالبعث في كلتا العمرتين. كما أن المحقق قدّس سرّه في

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 461

..........

______________________________

الشرائع أفتى بذلك، كالمحكي عن ابني بابويه و الشيخ و أبي الصلاح و بني حمزة و البراج و إدريس، بل حكى غير واحد عليه الشهرة،

و عن الإسكافي التخيير بين الذبح و البعث، و عن الراوندي الفرق بين العمرتين، و هو الظاهر، لأن الروايات الواردة لا تدل على أزيد من البعث في عمرة التمتع، و على جواز الذبح في المحل في العمرة المفردة، منها:

صحيحة معاوية بن عمار المفصلة، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل أحصر فبعث بالهدي، فقال: يواعد أصحابه ميعادا، فإن كان في حج فمحل الهدي يوم النحر، و إذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه و لا يجب عليه الحلق حتى يقضي مناسكه، و إن كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة و الساعة التي يعدهم فيها، فإذا كان تلك الساعة قصّر و أحلّ، و إن كان مرض في الطريق بعد ما أحرم فأراد الرجوع إلى أهله رجع و نحر بدنة، إن أقام مكانه، .. «1».

و منها: الروايات الحاكية لعمل الحسين عليه السّلام بعد إحرامه بالعمرة المفردة و صيرورته محصرا. ففي بعضها:

معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: إن الحسين بن علي عليه السّلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا ذلك و هو بالمدينة، فخرج في طلبه فأدركه في السقيا و هو مريض بها، فقال: يا بني ما تشتكي؟ فقال عليه السّلام: أشتكي رأسي، فدعا علي عليه السّلام بدنة فنحرها و حلق رأسه و ردّه إلى المدينة، فلما برأ من وجعه اعتمر، فقلت:

أ رأيت حين برء من وجعه أحلّ له النساء؟ فقال: لا تحل له النساء حتى يطوف

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الثاني، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 462

..........

______________________________

بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة، فقلت: فما بال

النبي صلّى اللّٰه عليه و آله حين رجع إلى المدينة، حلّ له النساء و لم يطف بالبيت؟ فقال: ليس هذا مثل هذا، النبي صلّى اللّٰه عليه و آله كان مصدودا و الحسين عليه السّلام محصورا «1».

و في بعضها الآخر مثل:

صحيحة رفاعة بن موسى عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: خرج الحسين عليه السّلام معتمرا و قد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا فبرسم، فحلق شعر رأسه و نحرها مكانه، ثم أقبل حتى جاء فضرب الباب، فقال علي عليه السّلام: ابني و رب الكعبة، افتحوا له الباب، و كانوا قد حموه الماء فأكبّ عليه فشرب، ثم اعتمر بعد «2».

و التزم بعض الأعلام قدّس سرّه بتعدد الواقعة و صدور العمرة منه عليه السّلام قال: و يظهر من الروايتين تعدد الواقعة، و تعدد صدور العمرة من الحسين عليه السّلام فمرة لم يسق الهدي، و يخرج أمير المؤمنين عليه السّلام في طلبه و يدركه في السقيا و هو مريض بها، و مرة أخرى ساق بدنة و نحرها في مكانه و رجع بنفسه. فعلى كل تقدير ما صدر منه عليه السّلام هو النحر أو الذبح في مكانه من دون أن يبعث الهدي.

أقول: الالتزام بتعدد الواقعة مشكل، بعد كونه عليه السّلام قد عرض له المرض بالسقيا- و هو محل بين طريق مدينة إلى مكة- فإن ثبوت العمرة الاستحبابية لكل شهر، و إن كان أمرا مسلّما، إلّا أن حدوث المرض في كلتا العمرتين في محل واحد يكون مشكلا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الأول، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب السادس، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 463

..........

______________________________

نعم المناقشة في الروايتين بأن

الحسين عليه السّلام كان مضطرا إلى حلق الرأس، فما صنعه قضية في واقعة لا يستدل بها على جواز الحلق مطلقا مندفعة بأنه لو كان الحاكي للقصة هو الإمام عليه السّلام و كان الغرض من حكايته بيان الحكم الإلهي، يجوز الاستدلال بإطلاق كلامه مع عدم التقييد، كما أن المناقشة فيهما بأنه لم يعلم كونه عليه السّلام معتمرا بالعمرة الفعلية أيضا مندفعة بظهورهما في خروجه معتمرا كذلك، مضافا إلى أن السؤال في ذيل الرواية عن حلية النساء له لا يلتئم مع عدم كونه معتمرا كذلك.

و كيف كان فالقدر المتيقن من الروايتين هو عدم لزوم بعث الهدي الذي سيق في العمرة المفردة، بل يستفاد من صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة أنه إن أراد الرجوع إلى أهله بعد حصول المرض له، يجوز له نحر بدنة و الرجوع. و عليه فالبعث إنما يكون وجوبه في جميع الموارد، بنحو الاحتياط لا الفتوى.

الرابعة: قد ظهر مما مر الفرق بين المصدود و المحصور. و أن الأول بعمله يحل له كل شي ء حتى النساء، و الثاني لا تحل له النساء. و قد عرفت في الرواية الفرق بين مصدودية النبي صلّى اللّٰه عليه و آله في جريان صد المشركين يوم الحديبية، و بين محصورية الحسين عليه السّلام في العمرة، و أنه ليس هذا مثل هذا، و أن المحصور لا يحل له النساء حتى يطوف و يسعى.

إلّا أنه حكي عن الشهيد في الدروس أنه لو أحصر في عمرة التمتع تحل له النساء، من دون أن يأتي بعمرة مفردة. و استدل له بأنه ليس في عمرة التمتع طواف النساء.

فلا حاجة في تحلل النساء إلى أمر آخر غير الهدي. و استحسنه بعض من تأخر عنه مستدلا بما رواه

البزنطي:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 464

..........

______________________________

قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن محرم انكسرت ساقه، أي شي ء تكون حاله؟ و أي شي ء عليه؟ قال: هو حلال من كل شي ء، قلت: من النساء و الثياب و الطيب؟ فقال:

نعم، من جميع ما يحرم على المحرم، و قال: أما بلغك قول أبي عبد اللّٰه عليه السّلام حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ؟ قلت: أخبرني عن المحصور و المصدود هما سواء؟

فقال لا، .. «1».

و أجيب عن الاستدلال الأول بما حاصله عدم توقف الحلية على طواف النساء مطلقا، بل الدليل دل على حرمة النساء بالإحرام و حليتهن تختلف باختلاف المورد.

فترى في عمرة التمتع عدم ثبوت طواف النساء أصلا، إلّا بنحو الاستحباب، مع أن الحلية تثبت بالإضافة إليهن بالتقصير بعد الطواف و السعي.

و عن الاستدلال برواية البزنطي تارة بما عن صاحب الجواهر قدّس سرّه من انعقاد الإجماع على الإحلال بطواف النساء، و اخرى بالمعارضة مع صحيحة معاوية بن عمار الدالة على أن المحصور لا تحل له النساء. فلا بد من حمل رواية البزنطي على التقية.

و قد ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه في هذا المقام ما محصله أنه لا معارضة بين الروايتين أصلا، لأن رواية البزنطي تدل على حلية النساء بالحصر مطلقا، من دون فرق بين العمرة المفردة و بين عمرة التمتع و بين الحج، لأن السؤال فيها عن انكسار الساق في حالة الإحرام، و هو يشمل جميع الأقسام الثلاثة. لكن لا بد من رفع اليد عن الإطلاق، لأجل صحيحة معاوية بن عمار الحاكية لعمرة الحسين عليه السّلام فالعمرة المفردة

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الأول، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الحج، ج 5، ص: 465

..........

______________________________

خارجة عن إطلاق صحيح البزنطي، إذا تنقلب النسبة بين صحيحة معاوية بن عمار الدالة على أن المحصور لا تحل له النساء، و بين صحيحة البزنطي إلى العموم و الخصوص، بعد ما كانت النسبة التباين، فالنتيجة تكون عمرة التمتع داخلة في إطلاق صحيحة البزنطي.

أقول:- مضافا إلى ما عرفت من الاختلاف في حكاية عمرة الحسين عليه السّلام و أن الالتزام بتعدد الواقعة مشكل، و أن القدر المتيقن صورة سياق الهدي في إحرام العمرة المفردة. معنى قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «المحصور لا يحل له النساء»،، هو مجرد الفرق بين المحصور و بين المصدود الذي ابتلى به رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله في قصة الحديبية، و إلّا فلا يراد ما هو ظاهره من أن المحصور لا تحل له النساء أبدا، بل المقصود توقف الحلية على شي ء آخر غير الذبح أو النحر أو البعث و الإرسال و المواعدة. اللهم إلّا أن يقال: ان الإطلاق إنما هو بالإضافة إلى جميع الأقسام الثلاثة، و لا ينبغي الإنكار من هذه الجهة، إذا فانقلاب النسبة من التباين إلى العموم و الخصوص بحاله.

و كيف كان فلم يثبت انحصار عمرة التمتع بشي ء، كما قال به الشهيد في الدروس و بعض من تأخر عنه، لما عرفت.

الخامسة: ظاهر المتن تعين التقصير في حصول الحلية في الإحصار في العمرة المفردة و عمرة التمتع، كما هو الحكم في أصل العمرة. فإن الحلق على تقدير تعينه أو جوازه، إنما يكون مورده الحج لا العمرة مطلقا. و يدل عليه روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار- الطويلة الواردة في الإحصار- المشتملة على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 466

..........

______________________________

قوله عليه السّلام: و إن كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة و الساعة التي يعدهم فيها، فإذا كان تلك الساعة قصر و أحلّ .. «1».

و منها: رواية حمران عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله حين صد بالحديبية قصر و أحل و نحر، ثم انصرف منها، و لم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك، فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير. «2»

و منها: غير ذلك من الروايات، لكن في كلتا الروايتين لفعل الحسين عليه السّلام في صورة الإحصار حلق الشعر بدل التقصير.

فهل هذا لأجل تعينه أو لأجل جوازه لكونه أحد طرفي الواجب التخييري؟

الظاهر هو الثاني، خصوصا بعد ما عرفت من عدم ثبوت الحلق بنحو التعيين في أصل العمرة مطلقا، و لو كانت مفردة، فالأحوط حينئذ التقصير.

السادسة: أفاد في المتن أن مقتضى الاحتياط الوجوبي قصد النائب تحلل المنوب عنه عند الذبح أو النحر، و هو مبني على اعتبار نية تحلل المنوب عنه بنفسه أولا- و قد تقدم ما فيه- و اعتبار نية النائب و قصده، مع أن اللازم في مثله أن ينوي النائب، بحيث يتعين عمله بعنوان النيابة و صيرورته للمنوب عنه، و أمّا قصد التحلل بذلك، فلا دليل عليه، و قد مرّ في مسألة اعتبار كون الذابح إماميا ما ينفع المقام، فراجع.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الثاني، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب السادس، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 467

[مسألة 10] في الإحصار في الحج

مسألة 10- لو أحرم بالحج و لم يتمكن بواسطة المرض عن الوصول إلى عرفات و المشعر و أراد التحلل، يجب عليه الهدي، و الأحوط بعثه أو

بعث ثمنه إلى منى للذبح، و واعد أن يذبح يوم العيد بمنى، فإذا ذبح يتحلل من كل شي ء إلّا النساء (1).

______________________________

(1) قد مرّ أن كثيرا من الروايات الواردة في المحصر لا تختص بالعمرة، بل هي إما مطلقة شاملة للحج، و إما بقرينة ذيلها الدال على أنه إن كان في حج يتحقق الذبح أو النحر بمنى، و إن كان في عمرة يتحقق في مكة، يعلم شمولها للحج أيضا. نعم الروايتان الحاكيتان لفعل الحسين عليه السّلام قد وردنا في خصوص العمرة المفردة.

و على ما ذكرنا فالبحث في أن الهدي الواجب يكون الاحتياط في بعثه أو بعث ثمنه هو البحث المتقدم، إلّا أن الروايتين الحاكيتين صريحتان في نحر الهدي الذي دعاه علي عليه السّلام أو ساقه الحسين في العمرة في مكان الإحصار و عدم التمكن بواسطة المرض، و عليه فالاحتياط هنا آكد و أشد، بل قويناه في التعليقة.

و الذي ينبغي التعرض له هو ما أفاده بعض الأعلام قدّس سرّه مما حاصله أن المحصور في الحج إن تم إجماع على توقف التحلل فيه من النساء على إتيان العمرة المفردة، فهو، فيخرج الحصر في الحج من صحيح البزنطي- المتقدم الظاهر في حصول التحلل من كل شي ء بمجرد الإتيان بأعمال الإحصار. و إن لم يتم الإجماع، فيدخل الحج في صحيح البزنطي، فيكون الباقي تحت إطلاق صحيح معاوية بن عمار: «المحصور لا تحل له النساء» العمرة المفردة فقط.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 468

[مسألة 11] في ما لو كان المحصر عليه حج واجب

مسألة 11- لو كان عليه حج واجب فحصر بمرض، لم يتحلل من النساء، إلّا أن يأتي بأعمال الحج و طواف النساء في القابل. و لو عجز عن ذلك لا يبعد كفاية الاستنابة، و

يتحلل بعد عمل النائب، و لو كان حجه مستحبا لا يبعد كفاية الاستنابة لطواف النساء في التحلل عنها، و الأحوط إتيانه بنفسه (1).

______________________________

أقول: إذا فرضت تمامية الإجماع- كما هو الظاهر- كما يظهر من الجواهر، حيث حكي عن المنتهى نسبته إلى علمائنا، و قد أيده بقوله: و هو كذلك، و المفروض خروج العمرة المفردة التي لا تكون النساء فيها حلالا بذبح الهدي أو نحره و التقصير أو الحلق، فيكون الباقي تحت إطلاق صحيح البزنطي، هو خصوص عمرة التمتع على مبنى غير الشهيد في الدروس و بعض من تأخر عنه، و هو بعيد. و لذا ذكر صاحب الوسائل قدّس سرّه بعد نقله: أقول هذا محمول على من استناب في طواف النساء و طيف عنه.

و لا مانع من الالتزام بإعراض الأصحاب عنه، بل في أحد نقليه سهل بن زياد، و إن لم يكن منفردا في طبقته، فتدبر.

(1) قال المحقق في الشرائع: فإذا بلغ قصّر و أحلّ إلّا من النساء خاصة، حتى يحج في القابل إن كان واجبا، أو يطاف عنه طواف النساء إن كان تطوعا. و قال صاحب الجواهر قدّس سرّه بعده: بلا خلاف معتد به أجده في شي ء من ذلك. بل عن المنتهى نسبته إلى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 469

..........

______________________________

علمائنا، بل في كشف اللثام نسبة ذلك إلى النصوص و الإجماع على كل من المستثنى و المستثنى منه.

و يدل عليه قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة: و المحصور لا تحل له النساء «1».

و قوله عليه السّلام في صحيحته الأخرى الحاكية لعمرة الحسين عليه السّلام و مرضه في السقيا: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين

الصفا و المروة «2».

و الغاية كناية عن الإتيان بعمرة مفردة أخرى. و يظهر منها أن الإتيان بتكاليف الإحصار لا يؤثر إلّا في الخروج عن الإحرام في الجملة، فلو كان عليه حج واجب لا يتحلل من النساء، إلّا أن يأتي بأعمال الحج و طواف النساء في القابل.

نعم لو عجز عن ذلك، فقد نفى البعد في المتن عن كفاية الاستنابة في تمام أعمال الحج و حصول التحلل بعد عمل النائب.

و الوجه فيه أن الحج قابل للنيابة، و لو عن الحي، فيما إذا كان مريضا بما لا يرجى زواله، كما فيما تقدم. و لا يجب فيه التعدد و الإتيان بالمرة الأخرى، إلّا في بعض الموارد الذي عرفت. و المفروض وجوب الحج و استقراره عليه من ناحية، و ثبوت العجز من ناحية أخرى، فلا يبعد حينئذ كفاية الاستنابة و التحلل بعد عمل النائب.

لكن فيه ما لا يخفى بعد فرض وجوب الحج عليه أولا، و عدم التمكن من الإتيان به في هذا العام ثانيا، لفرض الإحصار.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الأول، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الأول، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 470

..........

______________________________

نعم لو كان حجه مستحبا لا يبعد كفاية الاستنابة لطواف النساء في التحلل عنها، لأن طواف النساء قابل للاستنابة، كما تدل عليه النصوص في من نسي طواف النساء الدالة على جواز الاستنابة فيه، و لو مع إمكان الرجوع بنفسه. نعم مقتضى الاحتياط الطواف بنفسه.

و في محكي المدارك بعد أن ذكر عن الفاضل في المنتهى أنه أسند الاكتفاء بالاستنابة فيه إلى علمائنا مؤذنا بالإجماع عليه، و لم يستدل عليه بشي ء. و استدل عليه جمع من المتأخرين، بأن

الحج المندوب لا يجب العود لاستدراكه، و البقاء على تحريم النساء ضرر عظيم، فاكتفى في الحل بالاستنابة في طواف النساء. قال: و هو مشكل جدا، لإطلاق قوله عليه السّلام «لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و بالصفا و المروة».

قال صاحب الجواهر: و تبعه- أي: المدارك- المحدث البحراني، لكنه اختار سقوط طواف النساء فيه، بعد أن حمل ما في النص هنا على الواجب للأصل و مرسل المفيد. ثم ذكر في الجواب قوله، و لكنه كما ترى ضرورة انقطاع الأصل بالإطلاق المعتضد باستصحاب حرمتهن عليه، و المرسل بعد تسليم ظهوره في ذلك على وجه لا يقبل التخصيص بغيرهن لا حجة فيه، و كذا ما في المدارك، فإن الإطلاق المزبور لا ينافي التقييد بطواف النائب فيه، بعد معلومية مشروعية النيابة مع التمكن من الرجوع في غير المقام، حتى في الحج الواجب.

أقول: مراده بمرسل المفيد ما أرسله في المقنعة، مما يشتمل على قوله عليه السّلام في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 471

[مسألة 12] في ما لو بان للمصدود في العمرة عدم الذبح

مسألة 12- لو تحلل المصدود في العمرة و أتى النساء، ثم بان عدم الذبح في اليوم الموعود، لا إثم عليه و لا كفارة، لكن يجب إرسال الهدي أو ثمنه و يواعد ثانيا، و يجب عليه الاجتناب من النساء، و الأحوط لزوما الاجتناب من حين كشف الواقع، و إن احتمل لزومه من حين البعث (1).

______________________________

المحصور. فأما حجة التطوع، فإنه ينحر هديه، و قد أحل مما كان أحرم منه «1».

(1) قد مرّ أن المصدود في العمرة يجوز له ذبح الهدي أو نحره في مكانه، و به و بالتقصير أو الحلق يتحلل من كل شي ء حتى النساء، فإذا تحلل المصدود في العمرة و

أتى النساء، ثم بان عدم الذبح في اليوم الموعود، ففي المتن لا إثم عليه و لا كفارة، لكن يجب عليه إرسال الهدي أو ثمنه و يواعد ثانيا.

و قد ورد في هذا الفرض روايات:

إحديها: صحيحة معاوية بن عمار- الطويلة- المشتملة على قول الصادق عليه السّلام فإن ردوا الدراهم عليه و لم يجدوا هديا ينحرونه و قد أحلّ، لم يكن عليه شي ء، و لكن يبعث من قابل و يمسك أيضا، .. «2».

ثانيتها: رواية زرارة- الطويلة أيضا- المشتملة على السؤال عن أبي جعفر عليه السّلام بقوله: قلت: إن ردوا عليه دراهمه و لم يذبحوا عنه، و قد أحلّ فأتى النساء، قال: فليعد

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الأول، ح 6.

(2) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الثاني، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 472

..........

______________________________

و ليس عليه شي ء، و ليمسك الآن عن النساء إذا بعث «1».

ثالثتها: موثقة زرعة- المضمرة- المشتملة على قوله عليه السّلام: و إن كان في عمرة نحر بمكة فإنما عليه أن يعدهم لذلك يوما، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفى، و إن اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء اللّٰه تعالى «2». و غير ذلك من الروايات.

و المشهور هو وجوب الإمساك عليه إلى يوم الوعد. لكن ظاهر المحقق في الشرائع و خيرته في محكي النافع و العلامة في المختلف و بعض آخر عدم وجوب الإمساك، لأنه لا يكون محرما و لا في الحرم. و الرواية تحمل على الندب.

لكن لا وجه للحمل المزبور بعد ظهور الرواية في وجوب الإمساك، خصوصا مع ظهور الآية في اعتبار بلوغ الهدي محله في التحلل في نفس الأمر، و لا فرق بين الحلق و

غيره، فلو تحلل و لم يبلغ كان باطلا. كما قال به صاحب الجواهر قدّس سرّه و قال أيضا: و لا يستفاد من النصوص المتقدمة إلّا عدم الضرر بالتحلل يوم الوعد، و لعله من جهة الإثم و الكفارة، لكونه وقع بإذن الشارع فلا يتعقبه شي ء من ذلك. و لكن ذلك لا يقتضي حصول التحلل في أصل الشرع و لو مع الانكشاف. بل لعل الأمر بالإمساك في الخبرين الأولين لذلك، فهو حينئذ محرم، فينبغي له الإمساك من حين الانكشاف.

لكن ذكر في المتن أن الأحوط لزوما الاجتناب من حين كشف الواقع، و إن احتمل لزومه من حين البعث.

أقول: أما رواية زرارة فظاهرة في اللزوم من حين البعث، كما أن صحيحة

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الأول، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الثاني، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 473

[مسألة 13] في ما لو برأ المريض

مسألة 13- يتحقق الحصر بما يتحقق به الصد (1).

[مسألة 14- لو برأ المريض و تمكن من الوصول إلى مكة بعد إرسال الهدي أو ثمنه]

مسألة 14- لو برأ المريض و تمكن من الوصول إلى مكة بعد إرسال الهدي أو ثمنه، وجب عليه الحج. فإن كان محرما بالتمتع و أدرك الأعمال، و إن ضاق الوقت عن الوقوف بعرفات بعد العمرة يحج إفرادا، و الأحوط نية العدول إلى الإفراد، ثم بعد الحج يأتي بالعمرة المفردة و يجزيه عن حجة الإسلام. و لو وصل إلى مكة في وقت لم يدرك اختياري المشعر، تبدل عمرته بالمفردة، و الأحوط قصد العدول فيتحلل، و يأتي بالحج الواجب في القابل مع حصول الشرائط. و المصدود كالمحصور في ذلك (2).

______________________________

معاوية بن عمار يمكن أن يقال بظهورها في ذلك، و لأجلهما يجري الاحتمال المذكور، لكن حيث إن وجوب الإمساك إنما يكون مرتبطا بأصل العمرة و الإحرام السابق فيها، لا أمرا تعبديا يكون مقتضى الاحتياط اللزومي الاجتناب من حين كشف الواقع- كما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه أيضا- فتدبر.

(1) قد مر الفرق بين الصد و الحصر. فاعلم أنهما مشتركان فيما يتحققان به، فما يتحقق به الصد و ما يتحقق به الحصر متساويان.

(2) غير خفي أن أدلة أحكام المحصر لا يكون الموضوع فيها مجرد المحصر، و لو لم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 474

..........

______________________________

يستمر الإحصار و ارتفع، بل المراد به الإحصار المانع عن إتمام الحج أو العمرة اللذين أمر اللّٰه تعالى بإتمامهما في قوله وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ .. «1» و حينئذ لو برأ المريض و تمكن من الوصول إلى مكة- و إن أرسل الهدي أو ثمنه- يجب عليه الحج، مع عدم ضيق الوقت عن الوقوف بعرفات بعد العمرة في حج التمتع- و

قد مرّ الملاك في الضيق. و لو فرض الضيق يحج إفرادا.

و قد ذكر الماتن قدّس سرّه أن الأحوط نية العدول إلى الإفراد. و قد تقدم بعض الكلام فيما يشابه ذلك، فيمن منعها الحيض عن إتمام العمرة- أي: عمرة التمتع- و الإتيان بالحج، فراجع. و بعد الحج يأتي بالعمرة المفردة و يجزيه عن حجة الإسلام.

و أما لو فرض أنه يصل إلى مكة في وقت لم يدرك اختياري المشعر، بناء على أن إدراكه يوجب صحة الحج. و قد ذكرنا أن إدراك اضطراري المشعر النهاري كاف في ذلك. و على أيّ فالمفروض عدم إدراك الحج الصحيح، فالحكم فيه أيضا التبدل و الإتيان بالحج الواجب في العام القابل، مع حصول الشرائط أو بقاء الاستطاعة إليه.

و قد وردت في هذا الباب، صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا أحصر الرجل بعث بهديه، فإذا أفاق و وجد في نفسه خفة، فليمض إن ظن أنه يدرك الناس، فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي، فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك و لينحر هديه، و لا شي ء عليه. و إن قدم مكة و قد نحر هديه، فإن عليه الحج من قابل و العمرة. قلت: فإن مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة، قال: يحج عنه إن كانت

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 475

..........

______________________________

حجة الإسلام و يعتمر إنما هو شي ء عليه «1».

و البحث في الرواية الصحيحة من جهات:

الاولى: الظاهر أن المراد من قدوم مكة قبل نحر الهدي أو بعده هو إدراك المناسك و عدمه، لأنه الميزان و المعيار في الإجزاء و عدمه، و لا خصوصية في ذلك للذبح

و عدمه.

الثانية: إن قوله عليه السّلام «فإنّ عليه الحج من قابل و العمرة»، حكي عن الكافي العطف ب «أو» دون «الواو»، و في محكي التهذيب العطف ب «الواو»، و في محكي الوافي ذكر العطف بالواو، و لكن قيل إنه يظهر من بيانه و تفسيره أن الثابت هو العطف ب «أو».

و استظهر بعض الأعلام قدّس سرّهم أن نسخة التهذيب هي الصحيحة. فإن الكافي و إن كان أضبط، و لكن لا يمكن المصير إليه، لأن العطف ب «أو» يقتضي التخيير، و لا معنى للتخيير بين الحج و العمرة، سواء كان قوله «من قابل» قيدا للعمرة أيضا، أم لا.

أقول: لعل التعبير ب «أو» إنما هو بلحاظ أن المفروض في كلامه مطلق الإحصار الشامل للحج و العمرة، و إن كانت قرائن هناك على أن المراد هو الإحصار في الحج، لكن المفروض فيها المطلق. و يؤيده السؤال في الذيل.

و عليه فالرواية تحكم بلزوم الحج عليه من قابل، لأن الحج أشهر معلومات أو العمرة، و لو فعلا لحصول التحلل بها عملا، بمقتضى قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ .. «2» فبيّنت الرواية حكم الإحصار في الحج و كذا الإحصار في العمرة،

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الثالث، ح 1.

(2) سورة البقرة (2): 196.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 476

[مسألة 15] في إلحاق غير المتمكن بالمريض

مسألة 15- لا يبعد إلحاق غير المتمكن- كالمعلول و الضعيف- بالمريض في الأحكام المتقدمة. و لكن المسألة مشكلة، فالأحوط بقاؤه على إحرامه إلى أن يفيق. فإن فات الحج منه يأتي بعمرة مفردة و يتحلل، و يجب عليه الحج مع حصول الشرائط في القابل (1).

______________________________

و إن كان فيها تشويش، فتدبر.

الثالثة: قد مرّ البحث في أن

المحرم إذا مات قبل دخول مكة، هل يجزيه ذلك أم عليه الحج أو العمرة؟ فراجع.

و كيف كان فلم يثبت أن الرواية تدل على أن التحلل في الحصر إنما يتحقق بالعمرة المفردة، فتدبر.

(1) قد مرّ أن المراد بالإحصار هو منع المرض من إتمام عمله، كما في الرواية الحاكية لعمرة الحسين عليه السّلام و صيرورته مريضا في السقيا.

فهل مطلق عدم التمكن لأجل المعلولية أو الضعف أو مثلهما ملحق بالمريض، في جريان أحكام الإحصار أم لا؟

ذكر في المتن بعد الحكم بأن المسألة مشكلة، بأن مقتضى الاحتياط الوجوبي بقاؤه على إحرامه إلى أن يفيق. و بعد حصول الإفاقة إن فات الحج منه يأتي بعمرة مفردة و بها يتحلل، و هذا لا يكون مجزيا عن حجه بوجه، بل هو واجب عليه مع الاستقرار أو الاستمرار، و لكنه بناء على ما ذكرنا من انّ الإحصار مطلق المنع الداخلي،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 477

[مسألة 16] في وقت الميعاد

مسألة 16- الأحوط أن يكون يوم الميعاد في إحرام عمرة التمتع قبل خروج الحاج إلى عرفات. و في إحرام الحج يوم العيد (1).

______________________________

تكون هذه الموارد من مصاديق الإحصار، إذ من البعيد وقوعهما غالبا، خصوصا بعد كون المركب في ذلك الزمان هو البعير نوعا. و السقوط منه و انكسار العظم و نحوهما كان أمرا شائعا. و من البعيد عدم وقوع التعرض لحكمه في الروايات الكثيرة التي بأيدينا و كذا الضعيف. فمثل هذين الأمرين لو لم يكن مصاديق المرض بحيث يشمله عنوان الإحصار حقيقة، يكون ملحقا به في حكمه.

و قد مرّ أن الآية الشريفة مع وقوع التعبير فيها بالإحصار يكون شأن نزولها هو صدّ المشركين لرسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله في قصة

الحديبية. فإذا كان الصد من مصاديق الإحصار، فكيف لا يكون المعلول و كذا الضعيف مثله؟ فالظاهر هو ترتب أحكام الإحصار كالمريض من دون فرق أصلا. و قد عرفت أن في بعض الروايات أيضا وقع التعبير بانكسار الساق في الإحرام، من دون التعبير بالإحصار، فراجع.

(1) وجه الاحتياط الوجوبي الأول، أن الظاهر كون الهدي في إحصار عمرة التمتع أو صدها، و التحلل به قائما مقام أصل الإتيان بالعمرة في حصول التحلل. فإذا كانت عمرة التمتع قبل الحج و وقتها قبل خروج الحاج إلى عرفات للإتيان بمناسك الحج و أعماله المتحققة شروعا بالإحرام بعد الفراغ عن عمرة التمتع، فالأحوط لزوما أن يكون يوم الميعاد في إحرام عمرة التمتع قبل خروج الحاج إلى عرفات للوقوف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 478

..........

______________________________

بها.

و وجه الاحتياط اللزومي في إحرام الحج مطلقا- سواء كان حج التمتع أو القران و الإفراد- أن يكون يوم العيد، دلالة كثير من الروايات المتقدمة عليه، مضافا إلى أن الوسائل مستعدة للذبح أو النحر بمنى في يوم العيد فقط، و هذا بخلاف مكة. و منه يظهر أنه لا وقت خاص من هذه الجهة للعمرة المفردة، بل محل الذبح أو النحر مكة المكرمة، في أي وقت شاء المريض أو المصدود، فتدبر. و الحمد للّٰه رب العالمين.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 479

خاتمة

______________________________

هذا تمام الكلام فيما يتعلق بشرح كتاب الحج من (تحرير الوسيلة) للإمام الراحل الخميني قدّس سرّه و قد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق بيد العبد الحقير المفتاق محمد الفاضل اللنكراني عفي عنه و عن والديه بحق من يتعلق به هذا اليوم الذي هو يوم الأربعين من

شهر صفر من شهور سنة 1418 من الهجرة القمرية النبوية، على مهاجرها آلاف الثناء و التحية، و أسأل اللّٰه تعالى أن يوفقني لإتمام هذا الشرح و تسويد سائر المجلدات، و إن كانت الموانع كثيرة- سيما المرض و الكسالة بأنواع مختلفة- تمنع عن الوصول إلى ما هو المأمول. لكن القدرة الإلهية الكاملة فوق كل شي ء و كل مانع، و لعل اللّٰه يحدث بعد ذلك أمرا.

و ينبغي في الختام التعرض لأمرين:

أحدهما: أن صاحب الجواهر قدّس سرّه مع أنه قد استوفى البحث ظاهرا في مسائل الحج من جواهره، قال في ختام البحث: و الحمد للّٰه الذي يسر لنا هذا القدر من مسائل الحج، و له الشكر على ذلك أولا و آخرا و باطنا و ظاهرا، و إلّا فمسائل الحج أجل من أن تستقصى.

قال زرارة في الصحيح للصادق عليه السّلام: جعلني اللّٰه فداك، إني أسألك في الحج منذ أربعين عاما فتفتيني، فقال: يا زرارة بيت يحج قبل آدم بألفي عام، تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاما» «1».

ثانيهما: إنه كان في نيتي إلحاق جزء سادس بالأجزاء الخمسة. و المقصود منه التعرض لأمرين، لم يتعرض لهما الماتن قدّس سرّه

______________________________

(1) الوسائل: أبواب وجوب الحج، الباب الأول، ح 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 480

..........

______________________________

أحدهما: حج القران و الإفراد، و الخصوصيات المعتبرة فيهما، و كذا الخصوصيات الفارقة بينهما، و كذا بينهما و بين حج التمتع، و إن كان بعضها مذكورا في مطاوي المباحث المتقدمة.

و ثانيهما: كفارات أنواع الصيد و أقسامه و ما يتعلق به. فإنه لم يتعرض لها الماتن قدّس سرّه مع أنه كان ينبغي، لكن قصور الوقت و لزوم الاشتغال بالمباحث الأخرى التي وقع التعرض

لها قد منعا عن ذلك. فاللازم للناظر المريد لاستقصاء البحث فيهما المراجعة إلى الكتب المفصلة المتعرضة إن شاء اللّٰه تعالى.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.